العقائد الإسلاميّة - ج ١

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ١

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-118-4
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

أيضاً ، بخلاف البراءة فإنها تكون عن المشركين والكافرين ، كما قال الله تعالى : بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ . وكان من كان يأمر بالبراءة عن الإمام عليه‌السلام يريد أن يجعل الإمام في عداد المشركين والخارجين عن الدين ، ومن كان يتبرأ منه صلوات الله عليه يعده من الكفار ، وبهذه المناسبة علل الإمام عليه‌السلام نهيه عن البراءة بقوله : فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة ، وعلى هذا فلو أكره على السب فسب فلا شيء عليه ، بل وربما كان محموداً على فعله كما يشهد بذلك حكاية عمار ونزول الآية الكريمة : مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ . انتهى .

والفرق الثاني ، أن الحق الشخصي في السب أقوى منه في البراءة ، فالحق العام في السب وإن كان عظيماً بسبب أنه ظلم وعدوان على وصي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يمثل دين الله تعالى ، ولكن فيه حقاً شخصياً أيضاً لأنه ظلم وعدوان على شخص علي عليه‌السلام وباعتبار هذا الحق الشخصي كان له عليه‌السلام أن يجعل المؤمنين في حل عند الضرورة بخلاف البراءة منه . فكأنه عليه‌السلام قال : بما أن السب مركب من حقين ، فأنتم في حل من حقي ، ويبقى حق الله تعالى فهو حكم شرعي بينكم وبينه ، وهو تعالى يجيزه عند الضرورة . أما البراءة فحقها الإلۤهي غالب ، لأن البراءة مني براءة من الفطرة النقية التي أنا عليها ، وبراءة من إيماني بالله ورسوله وجهادي وهجرتي ، فلا أستطيع أن أجعلكم في حل منها ، بل يجري عليها الحكم الشرعي .

والمسألة الثانية : أن فقهاءنا رضوان الله عليهم أفتوا بجواز البراءة عند الضرورة المهمة كالخوف من القتل ، ولم يفت أحد منهم بوجوب تحمل القتل للتخلص من البراءة ، إلا ما يظهر من المفيد كما سيأتي ، وذلك لأنه لم يثبت عندهم النص الذي تضمن النهي عن البراءة ، بل رووا تكذيب حديث علي عليه‌السلام فقد روى الحميري في قرب الإسناد ص ١٢ :

١٤١
 &

ـ عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، قال قيل له : إن الناس يروون أن علياً عليه‌السلام قال على منبر الكوفة : أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ، ثم ستدعون إلى البراءة مني ، وإني لعلى دين محمد . ولم يقل وتبرؤوا مني ، فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة منه ؟

فقال : والله ما ذلك عليه ، وما له إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالإيمان ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه : إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عندها : يا عمار إن عادوا فعد ، فقد أنزل الله عز وجل عذرك في الكتاب وأمرك ان تعود إن عادوا . انتهى . وقد أفتى بهذا الحديث ابن إدريس في السرائر ج ٣ ص ٦٢٤ وأكثر فقهائنا .

لكن اختلفوا في أن أيهما أرجح ، ولعل الذين ثبت عندهم النهي عن البراءة حملوه على كراهة البراءة وترجيح تحمل القتل عليها ، ويشهد له ما رواه في وسائل الشيعة ج ١١ ص ٤٧٥ عن الكشي في رجاله عن جبرئيل بن أحمد ، عن محمد بن عبد الله بن مهران ، عن محمد بن علي الصيرفي ، عن علي بن محمد عن يوسف بن عمران الميثمي قال : سمعت ميثم النهرواني يقول : دعاني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقال : كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد إلى البراءة مني ؟

فقلت : يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك ؟

قال : إذاً والله يقتلك ويصلبك .

قلت : أصبر فذاك في الله قليل !

فقال : يا ميثم إذا تكون معي في درجتي . . الحديث . انتهى . وقال في الوسائل : رواه الراوندي في الخرائج والجرائح عن عمران عن أبيه ميثم .

وفي المقابل توجد روايات يفهم منها ترجيح التقية والبراءة ، ففي الوسائل ج ١١

١٤٢
 &

ص ٤٧٥ . . . . عن عبد الله بن عطاء قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما إبرآ من أمير المؤمنين عليه‌السلام فبرىٔ واحد منهما وأبى الآخر ، فخلي سبيل الذي برىء وقتل الآخر ، فقال : أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه ، وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلى الجنة .

ولعل تعارض روايات الترجيح جعل السيد الخوئي رحمه‌الله يفتي بتخيير المكلف وعدم ترجيح أي من التقية أو الشهادة ، قال في مستند العروة ( التنقيح ) ج ٤ ص ٢٦٤ : وقد يقال إن ترك التقية أرجح من التقية بإظهار التبرئ منه عليه‌السلام وعليه فيكون المقام من موارد التقية المكروهة والمرجوحة ، وإذا قلنا بعكس ذلك وإن التقية بإظهار التبرئ أرجح من تركها فيكون المقام مثالاً للتقية المستحبة لا محالة . والصحيح أن الأمرين متساويان ولا دلالة لشئ من الروايات على أرجحية أحدهما عن الآخر ، أما رواية عبد الله بن عطاء فلأنها إنما دلت على أن من ترك التقية فقتل فقد تعجل إلى الجنة ، ولا دلالة لذلك على أن ترك التقية باختيار القتل أرجح من فعلها ، وذلك لأن العامل بالتقية أيضاً من أهل الجنة وإنما لم يتعجل بل تأجل ، فلا يستفاد منه إلا تساويهما . انتهى .

لكن يبدو من المفيد رحمه‌الله أنه يفتي بحرمة البراءة ووجوب تحمل القتل ، فقد عبر عن حديث نهج البلاغة بأنه مستفيض ، وفيه نهي مشدد عن البراءة ، قال في الإرشاد ج ١ ص ٣٢٢ :

ومن ذلك ما استفاض عنه عليه‌السلام من قوله : إنكم ستعرضون من بعدي على سبي فسبوني ، فإن عرض عليكم البراءة مني فلا تبرؤوا مني فإني ولدت على الإسلام ، فمن عرض عليه البراءة مني فليمدد عنقه ، فمن تبرأ مني فلا دنيا له ولا آخرة ، وكان الأمر ذلك كما قال عليه‌السلام . انتهى .

وقد رد الشيخ الأنصاري على القول بوجوب تحمل القتل ، فقال في المكاسب ص

١٤٣
 &

٣٢٥ : بل عن المفيد في الإرشاد أنه قد استفاض عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : ستعرضون من بعدي على سبي فسبوني ، ومن عرض عليه البراءة فليمدد عنقه ، فإن برأ مني فلا دنيا له ولا آخرة . وظاهرها حرمة التقية فيها كالدماء ، ويمكن حملها على أن المراد الإستمالة والترغيب إلى الرجوع حقيقة عن التشيع إلى النصب ، مضافاً إلى أن المروي في بعض الروايات أن النهي من التبري مكذوب على أمير المؤمنين عليه‌السلام وأنه لم ينه عنه . انتهى .

وذكر السيد الگلپايگاني أنه قد يجب العمل بالتقية أحياناً فلا بد من ملاحظة المصالح والمفاسد ، قال رحمه‌الله في الدر النضيد ج ٤ ص ٢٥٣ :

قلت : بل وربما يستفاد منه ( حديث مسعدة ) ومن غيره أن الأفضل له ذلك وإن كان لو لم يجبهم إلى ذلك ولم يسب وقتل لذلك لم يكن آثماً ومؤاخذاً عليه ، بل هو مأجور وقد تعجل إلى جنات النعيم وإلى جوار الله رب العالمين ، على حسب ما ورد في بعض الروايات ، إلا أن التقية أفضل . ومع ذلك كله لا بد من ملاحظة المصالح والمفاسد والعمل على وفقها ، فربما يترتب على ترك التقية وعلى قتله مثلاً مفاسد عظيمة ، فهنا لا بد له من التقية . انتهى .

ولا يبعد أن يكون أصل الحكم في المسألة جواز الأمرين للمكلف ، وأنه قد يطرأ عنوان من المصلحة أو المفسدة الملزمة فيوجب اختيار التقية أو اختيار تحمل الشهادة . ويكون تشخيص ذلك راجعاً إلى المكلف نفسه ، أو الى أهل الخبرة .

ولاية علي عليه‌السلام علامة على صحة الفطرة وطيب المولد

ـ شرح الأخبار ج ٣ ص ٤٤٩

. . . . عمران بن ميثم قال : دخلت على حبابة الوالبية فسمعتها تقول : والله ما أحد على الفطرة إلا نحن وشيعتنا ، والناس براء . وهذا صحيح لأن من لم يكن من شيعة محمد وآل محمد فهو من عدوهم ، وقال الله تعالى : هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ،

١٤٤
 &

ومن كان عدواً لمحمد وآله لم يكن على فطرة الإسلام . انتهى . وروى نحوه في ج ٣ ص ٥٧٣

ـ وسائل الشيعة ج ٢٠ ص ١٦٠

أقول : وفي الكشي ، عن محمد بن مسعود بإسناده عن عمران بن ميثم قال : دخلت أنا وعباية الأسدي على امرأة من بني أسد يقال لها حبابة الوالبية ، فقال لها عباية : تدرين من هذا الشاب الذي هو معي ؟ قالت : لا ، قال : مه ابن أخيك ميثم . قالت : إي والله إي والله ، ثم قالت : ألا أحدثكم بحديث سمعته من أبي عبد الله الحسين بن علي عليهم‌السلام قلنا بلى ، قالت : سمعت الحسين بن علي عليه‌السلام يقول : نحن وشيعتنا على الفطرة التي بعث الله عليها محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر الناس منها براء .

ـ مناقب أمير المؤمنين ج ١ ص ٢٢٦

. . . . سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يا علي أنت وشيعتك على الفطرة ، وسائر الناس منهم براء .

ـ بحار الأنوار ج ٦٧ ص ٢٣

. . . . يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، قيل من نور الفطرة إلى فساد الإستعداد ، وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام : النور آل محمد ، والظلمات عدوهم .

ـ تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٤٥

. . . . عن الحرث بن المغيرة النصري قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فجلست عنده ، فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له ، فدخل فجثى على ركبتيه ثم قال : جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن مسألة والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار ، فكأنه رق له فاستوى جالساً فقال له . . . . وقال : يا نجية ما على فطرة إبراهيم عليهم‌السلام غيرنا وغير شيعتنا . انتهى . وروى نحوه في الإختصاص ص ١٠٧ عن الإمام زين العابدين عليه‌السلام .

١٤٥
 &

ـ بحار الأنوار ج ٣ ص ٢٧٦

فس : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن جعفر بن بشير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ، قال : الولاية .

كنز : محمد بن العباس ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن جعفر بن بشير ، عن علي بن حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، قال : هي الولاية . انتهى . ورواه أيضاً في ج ٢٣ ص ٣٦٥

ـ تفسير القمي ج ٢ ص ١٥٤ و١٥٥

حدثنا الهيثم بن عبد الله الرماني قال حدثنا علي بن موسى الرضا عليه‌السلام عن أبيه عن جده محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام في قوله : فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، قال : هو لا إلۤه إلا الله ، محمد رسول الله ، علي أمير المؤمنين ولي الله ، إلى هاهنا التوحيد .

ـ التوحيد للصدوق ص ٣٢٨

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن حسان الواسطي ، عن الحسن بن يونس ، عن عبد الرحمن بن كثير مولى جعفر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، قال : التوحيد ، ومحمد رسول الله ، وعلي أمير المؤمنين . انتهى . ورواه فرات الكوفي في تفسيره ص ٣٢٢ والمجلسي في بحار الأنوار ج ٣ ص ٢٧٦ وج ٢٦ ص ٢٧٧ والحويزي في نور الثقلين ج ٤ ص ١٨٢

ـ وفي بصائر الدرجات ص ٧٨ :

أحمد بن موسى ، عن الحسين بن موسى الخشاب ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمان بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، قال : فقال : على التوحيد ، ومحمد رسول الله ، وعلي أمير المؤمنين .

١٤٦
 &

ـ وفي بحار الأنوار ج ٣ ص ٢٧٦

شي : عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله : صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ، قال : الصبغة معرفة أمير المؤمنين عليه‌السلام بالولاية في الميثاق .

ـ وفي المحاسن ج ١ ص ١٣٨

عن أبي عبد الله المدايني قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا برد على قلب أحدكم حبنا فليحمد الله على أولى النعم ، قلت : على فطرة الإسلام ؟ قال : لا ، ولكن على طيب المولد ، إنه لا يحبنا إلا من طابت ولادته ، ولا يبغضنا إلا الملزق الذي تأتي به أمه من رجل آخر فتلزقه زوجها ، فيطلع على عوراتهم ويرثهم أموالهم فلا يحبنا ذلك أبداً ، ولا يحبنا إلا من كان صفوة ، من أي الجِبَل كان . انتهى ، والجِبَل هي الجِبِلَّات ، جمع جِبِلَّة . انتهى . ورواه في بحار الأنوار ج ٢٧ ص ١٥٢

ـ مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ١١

وقال آخر :

أحب النبي وآل النبي

لأني ولدت على الفطرة

إذا شك في ولد والد

فآيته البغض للعترة

ـ ثواب الأعمال ص ١٧٤

أبي رحمه‌الله قال حدثني سعد بن عبد الله ، قال حدثني الحسن بن موسى الخشاب ، عن عقيل بن المتوكل المكي ، يرفعه عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جده عليهم‌السلام قال : من صاغ خاتماً عقيقاً فنقش فيه ( محمد نبي الله وعلي ولي الله ) وقاه الله ميتة السوء ولم يمت إلا على الفطرة . ورواه في وسائل الشيعة ج ٣ ص ٤٠٣

*       *

١٤٧
 &

العقائد الإسلاميّة المجلّد الأوّل مركز المصطفى للدراسات الإسلاميّة

١٤٨
 &

الفصل الثاني وجوب المعرفة والنظر

وجوب معرفة الله تعالى ومنشؤها

وجوب معرفة الله تعالى وأنها أساس الدين

ـ نهج البلاغة ج ١ ص ١٤

أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة . . . .

ـ الهداية للصدوق ص ١

يجب أن يعتقد أن الله تعالى واحد ليس كمثله شيء لا يحد ولا يحس ولا يجس ، ولا يدرك بالأوهام والأبصار ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، شاهد كل نجوى ، ومحيط بكل شيء ، لا يوصف بجسم ولا صورة ولا جوهر ولا عرض ولا سكون ولا حركة

١٤٩
 &

ولا صعود ولا هبوط ولا قيام ولا قعود ولا ثقل ولا خفة ولا جيئة ولا ذهاب ولا مكان ولا زمان ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا فوق ولا أسفل ولا يمين ولا شمال ولا وراء ولا أمام ، وأنه لم يزل ولا يزال سميعاً بصيراً حكيماً عليماً حياً قيوماً قدوساً عزيزاً أحداً فرداً صمداً لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، وأنه شيء ليس كمثله شيء وخارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه ، خالق كل شيء ، لا إله إلا هو ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير .

وقال عليه‌السلام : من زعم أن الله تعالى من شيء أو في شيء أو على شيء فقد أشرك ، ثم قال عليه‌السلام : من زعم أن الله تعالى من شيء فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنه في شئ فقد زعم أنه محصور ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً .

وقال في هامشه :

قال الصدوق في رسالة الإعتقادات بعد أن ذكر نحواً مما ذكر ما نصه : من قال بالتشبيه فهو مشرك ، ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب ، وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل ، وإن وجد في كتب علمائنا فهو مدلس ، والأخبار التي يتوسمها الجهال تشبيهاً لله تعالى بخلقه فمعانيها محمولة على ما في القرآن من نظائرها . . . .

ـ الإقتصاد للشيخ الطوسی ص ٤

الذي يلزم المكلف أمران : علم ، وعمل . فالعمل تابع للعلم ومبني عليه . والذي يلزم العلم به أمران : التوحيد ، والعدل .

فالعلم بالتوحيد لا يتكامل إلا بمعرفة خمسة أشياء : أحدها معرفة ما يتوصل به إلى معرفة الله تعالى ، والثاني معرفة الله على جميع صفاته ، والثالث معرفة كيفية استحقاقه لتلك الصفات ، الرابع معرفة ما يجوز عليه وما لا يجوز ، الخامس معرفته بأنه واحد لا ثاني له في القدم .

١٥٠
 &

معرفة الله تعالى وتوحيده نصف الدين

ـ التوحيد للصدوق ص ٦٨

حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ ، قال : حدثنا علي بن مهرويه القزويني ، عن داود بن سليمان الفراء عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : التوحيد نصف الدين ، واستنزلوا الرزق بالصدقة . انتهى . ورواه في دعائم الإسلام ج ١ ص ١٣

لا تتحقق العبادة إلا بالمعرفة

ـ علل الشرائع ج ١ ص ٩

ـ حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد الله ، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن عبد الكريم بن عبد الله ، عن سلمة ابن عطاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خرج الحسين بن علي عليهما‌السلام على أصحابه فقال : أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه . . . .

ـ علل الشرائع ج ١ ص ١٣

ـ حدثنا محمد بن الشيباني رضي‌الله‌عنه قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبيه بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، قال : خلقهم ليأمرهم بالعبادة ، قال : وسألته عن قول الله عز وجل : وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ؟ قال : ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم .

ـ جواهر الكلام ج ٢٩ ص ٣٠

نعم ربما قيل بالتفصيل بين من كانت عبادته من الأعمال فالتزويج أفضل منها ،

١٥١
 &

لإطلاق ما دل على ذلك ، وبين من كانت عبادته تحصيل العلوم الدينية فهي أفضل منه ، لأن كمال الإنسان العلم الذي هو الغرض الأصلي من خلقته ، قال الله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، والمراد بها كما في الحديث المعرفة .

ـ شرح الأسماء الحسنى ج ٢ ص ٢٣

قوله عليه‌السلام : يا من دل على ذاته بذاته .

وهو مجمع عليه للعرفاء الشامخين والعقلاء والمتكلمين ، بل جميع إرسال الرسل وإنزال الكتب وإرشاد الكاملين المكملين إنما هو للإيصال إلى هذه البغية العظمى والغبطة الكبرى ، كما قال تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، وفي القدسي : خلقت الخلق لكي أعرف . . . .

فانظر إلى جعلهم غاية العمل هي المعرفة والشهود ، ولذا فسر المفسرون ليعبدون بقولهم ليعرفون .

ـ شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ١٨٩

. . . ولا يجوز للمؤمن إنكار ذلك الشهود لأن انكاره إنكار الكتب السماوية والسنن النبوية والآثار الولوية ، بل هو غاية إرسال المرسلين وإرشاد الأئمة الهادين وسير السائرين وسلوك السالكين ، ولولاه لم يكن سماء ولا أرض ولا بسيط ولا مركب ، كما قال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أي ليعرفون . وفي الحديث القدسي فخلقت الخلق لأعرف . . . .

ـ الرواشح السماوية ص ٢١

. . . لأن المعرفة غاية وجودهم وغرض خلقهم كما في قوله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، أي ليعرفون ، ومعرفتهم بالله وباليوم الآخر لا تحصل إلا من طريق النبوة والرسالة لأن عقولهم غير كافية فيها ، سيما ما يتعلق منها بأحوال المعاد وحشر العباد فيحتاجون إلى معلم بشري . . . .

١٥٢
 &

فضل معرفة الله تعالى

ـ الكافي ج ٨ ص ٢٤٧

محمد بن سالم بن أبي سلمة ، عن أحمد بن الريان ، عن أبيه عن جميل بن دراج ، عن عبد الله عليه‌السلام قال : لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعينهم إلى ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها ، وكانت دنياهم أقل عندهم مما يطوونه بأرجلهم ، ولنعموا بمعرفة الله عز وجل وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله .

إن معرفة الله عز وجل أنس من كل وحشة ، وصاحب من كل وحدة ، ونور من كل ظلمة ، وقوة من كل ضعف ، وشفاء من كل سقم .

ثم قال عليه‌السلام : وقد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير وتضيق عليهم الأرض برحبها ، فما يردهم عما هم عليه شئ مما هم فيه ، من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم ولا أذى ، بل ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ، فاسألوا ربكم درجاتهم واصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم .

ـ مستدرك الوسائل ج ١١ ص ٢٣٦

وقال عليه‌السلام : أكثر الناس معرفة أخوفهم لربه .

الحث على مجالسة أهل المعرفة

ـ مستدرك الوسائل ج ٨ ص ٣٢٨

الكشي في الرجال : روى علي بن جعفر عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن الحسين عليهم‌السلام أنه كان يقول لبنيه : جالسوا أهل الدين والمعرفة ، فإن لم تقدروا عليهم فالوحدة آنس وأسلم ، فإن أبيتم مجالسة الناس ، فجالسوا أهل المروات ، فإنهم لا يرفثون في مجالسهم . انتهى . ورواه في مسائل علي بن جعفر ص ٣٣٨

١٥٣
 &

فضل من مات على المعرفة

ـ نهج البلاغة ج ٢ ص ١٣٣

. . . ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم . فإنه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بيته ، مات شهيداً ووقع أجره على الله ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله . وقامت النية مقام إصلاته لسيفه . وإن لكل شيء مدة وأجلاً .

نعمة معرفة حمد الله وشكره

ـ الصحيفة السجادية ج ١ ص ٢٢

والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة ، وأسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة ، لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه ، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه ، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حد البهيمة ، فكانوا كما وصف في محكم كتابه : إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا . والحمد لله على ما عرَّفنا من نفسه .

ـ الكافي ج ٨ ص ٣٩٤

علي بن محمد ، عن بعض أصحابه رفعه قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا قرأ هذه الآية : وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا ، يقول : سبحان من لم يجعل في أحد من معرفه نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها ، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنه لا يدركه ، فشكر عز وجل معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره ، فجعل معرفتهم بالتقصير شكراً ، كما جعل علم العالمين أنهم لا يدركونه إيماناً . علماً منه أنه قدر وسع العباد فلا يجاوزون ذلك .

نعمة معرفة كرم الله وآلائه

ـ الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٤٠٧

وإن أنامتني الغفلة عن الإستعداد للقائك ، فقد نبهتني المعرفة بكرمك وآلائك ،

١٥٤
 &

وإن أوحش ما بيني وبينك فرط العصيان والطغيان ، فقد آنسني بشرى الغفران والرضوان .

ـ الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٢٢٥

فوعزتك لو انتهرتني ما برحت عن بابك ، ولا كففت عن تملقك ، لما أُلهم قلبي من المعرفة بكرمك ، وسعة رحمتك ، إلى من يذهب العبد إلا إلى مولاه ، وإلى من يلتجئ المخلوق إلا إلى خالقه .

معرفة الله لا تكون إلا بالله ومن الله

ـ مصباح المتهجد ص ٥٨٢

روى أبو حمزة الثمالي قال : كان علي بن الحسين سيد العابدين صلوات الله عليهما يصلي عامة الليل في شهر رمضان ، فإذا كان السحر دعا بهذا الدعاء : إلۤهي لا تؤدبني بعقوبتك ولا تمكر بي في حيلتك ، من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك ، ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلا بك ، لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك ، ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم يرضك خرج عن قدرتك ، يا رب يا رب يا رب ، بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك ، ولولا أنت لم أدر ما أنت . . . . إلخ .

ـ الكافي ج ١ ص ٨٥١

علي بن محمد ، عمن ذكره ، عن أحمد بن عيسى ، عن محمد حمران ، عن الفضل بن السكن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إعرفوا الله بالله ، والرسول بالرسالة ، وأولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان .

ومعنى قوله عليه‌السلام : إعرفوا الله بالله ، يعني أن الله خلق الأشخاص والأنوار والجواهر والأعيان ، فالأعيان الأبدان ، والجواهر الأرواح ، وهو عز وجل لا يشبه جسماً ولا روحاً ، وليس لأحد في خلق الروح الحساس الدراك أمر ولا سبب ، هو المتفرد بخلق الأرواح والأجسام فإذا نفى عنه الشبهين : شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله ، وإذا شبهه بالروح أو البدن أو النور ، فلم يعرف الله بالله .

١٥٥
 &

لا يفوز الإنسان بالمعرفة إلا بإذن الله تعالى

ـ أمالي المرتضى ج ١ ص ٣٠

إن قال قائل ما تأويل قوله تعالى : وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ .

. . . فأما ظن السائل دخول الإرادة في محتمل اللفظ فباطل ، لأن الإذن لا يحتمل الإرادة في اللغة ، ولو احتملها أيضاً لم يجب ما توهمه لأنه إذا قال إن الإيمان لا يقع إلا وأنا مريد له لم ينف أن يكون مريداً لما لم يقع ، وليس في صريح الكلام ولا دلالته شيء من ذلك .

وأما قوله تعالى : وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ، فلم يعن بذلك الناقصي العقول ، وإنما أراد الذين لم يعقلوا ولم يعلموا ما وجب عليهم علمه من معرفة الله خالقهم ، والإعتراف بنبوة رسله والإنقياد إلى طاعتهم . ووصفهم تعالى بأنهم لا يعقلون تشبيهاً ، كما قال تعالى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ، وكما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الأمور أو لم يعلم ما هو مأمور بعمله بالجنون وفقد العقل .

الهداية والإضلال من الله تعالى لكن الإضلال باستحقاق العبد

ـ الكافي ج ١ ص ١٦٢

محمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن محمد بن حكيم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المعرفة من صنع من هي ؟ قال : من صنع الله ، ليس للعباد فيها صنع .

ـ محمد بن أبي عبد الله ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن إسباط ، عن الحسين بن زيد ، عن درست بن أبي منصور ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ستة أشياء ليس للعباد فيها صنع : المعرفة والجهل والرضا والغضب والنوم واليقظة .

١٥٦
 &

ـ الكافي ج ١ ص ١٦٥

باب الهداية أنها من الله عز وجل : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن إسماعيل السراج ، عن ابن مسكان ، عن ثابت بن سعيد قال : قال أبو عبد الله : يا ثابت ما لكم وللناس ، كفوا عن الناس ولا تدعوا أحداً إلى أمركم ، فوالله لو أن أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يهدوا عبداً يريد الله ضلالته ما استطاعوا أن يهدوه ، ولو أن أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يضلوا عبداً يريد الله هدايته ما استطاعوا أن يضلوه ، كفوا عن الناس ولا يقول أحد : عمي وأخي وابن عمي وجاري ، فإن الله إذا أراد بعبد خيراً طيب روحه فلا يسمع معروفاً إلا عرفه ولا منكراً إلا أنكره ، ثم يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره .

ـ علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال : إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكاً يسدده ، وإذا أراد بعبد سوءاً نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطاناً يضله ، ثم تلا هذه الآية : فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ .

ـ دعائم الإسلام ج ١ ص ١٣

وروينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه سئل ما الإيمان وما الإسلام ؟

فقال : الإسلام الإقرار والإيمان الإقرار والمعرفة فمن عرفه الله نفسه ونبيه وإمامه ثم أقر بذلك فهو مؤمن .

قيل له : فالمعرفة من الله والإقرار من العبد ؟

١٥٧
 &

قال : المعرفة من الله حجة ومنة ونعمة والإقرار من يمن الله به على من يشاء ، والمعرفة صنع الله في القلب والإقرار فعل القلب بمن من الله وعصمه ورحمه ، فمن لم يجعله الله عارفاً فلا حجة عليه وعليه أن يقف ويكف عما لا يعلم ، ولا يعذبه الله على جهله ويثيبه على عمله بالطاعة ويعذبه على عمله بالمعصية ، ولا يكون شئ من ذلك إلا بقضاء الله وقدره وبعلمه وبكتابه بغير جبر ، لأنهم لو كانوا مجبورين لكانوا معذورين وغير محمودين ، ومن جهل فعليه أن يرد إلينا ما أشكل عليه ، قال الله عز وجل : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . انتهى .

وقد عقد البخاري باباً في ج ١ ص ١٠ تحت عنوان ( باب قول النبي صلی الله عليه وسلم أنا أعلمكم بالله وإن المعرفة فعل القلب لقول الله تعالى وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) ولكنه لم يرو حديثاً على أن المعرفة فعل القلب ، ومثل هذه الظاهرة متكررة في البخاري ، حيث تجد عنواناً ولا معنون له .

دعاء طلب المعرفة من الله تعالى

ـ مصباح المتهجد ص ٤١١

وما روى عن أبي عمرو بن سعيد العمري رضي‌الله‌عنه قال : أخبرنا جماعة ، عن محمد هرون بن موسى التلعكبري أن أبا علي محمد بن همام أخبره بهذا الدعاء ، وذكر أن الشيخ أبا عمرو العمري قدس الله روحه أملاه عليه وأمره أن يدعو به ، وهو الدعاء في غيبة القائم من آل محمد عليه وعليهم السلام :

اللهم عرفني نفسك ، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك .

اللهم عرفني رسولك ، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك .

اللهم عرفني حجتك ، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني .

ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٧

علي بن إبراهيم ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن عبد الله بن موسى عن

١٥٨
 &

عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن للغلام غيبة قبل أن يقوم ، قال : قلت ولم ؟ قال : يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ ثم قال : يا زرارة وهو المنتظر ، وهو الذي يشك في ولادته ، منهم من يقول مات أبوه بلا خلف ، ومنهم من يقول حمل ومنهم من يقول إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين ، وهو المنتظر غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة .

قال قلت : جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل ؟ قال : يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء :

اللهم عرفني نفسك ، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك ، اللهم عرفني رسولك ، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك ، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني .

ثم قال : يا زرارة لا بد من قتل غلام بالمدينة ، قلت : جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني ؟ قال : لا ولكن يقتله جيش آل بني فلان ، يجئ حتى يدخل المدينة فيأخذ الغلام فيقتله ، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لا يمهلون ، فعند ذلك توقع الفرج إن شاء الله .

وسائل معرفة الله

أداة معرفة الله تعالى : العقل

ـ الكافي ج ١ ص ٤٨

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن نوح بن شعيب النيسابوري ، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عن درست بن أبي منصور ، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي عن شعيب ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : يا طالب العلم إن العلم ذو فضائل كثيرة : فرأسه التواضع ، وعينه

١٥٩
 &

البراءة من الحسد ، وأذنه الفهم ، ولسانه الصدق ، وحفظه الفحص ، وقلبه حسن النية وعقله معرفة الأشياء والأمور ، ويده الرحمة ، ورجله زيارة العلماء .

ـ الكافي ج ١ ص ١٣

أبو عبد الله الأشعري ، عن بعض أصحابنا ، رفعه عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال : فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب .

يا هشام ، إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ، ونصر النبيين بالبيان ، ودلهم على ربوبيته بالأدلة فقال : وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم . إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض ، لآيات لقوم يعقلون .

يا هشام ، قد جعل الله ذلك دليلاً على معرفته بأن لهم مدبراً فقال : وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ . وقال : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وقال : إن في إختلاف الليل والنهار ما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون . وقال : يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .

وقال : وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .

١٦٠