العقائد الإسلاميّة - ج ١

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ١

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-118-4
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

والإثم والبغي بغير الحق ، إن الله لا يهدي ، وغيرها ، وعليك بالتدبر فيها .

ومن هنا يظهر أولاً أن القرآن الكريم يخطيء طريق الحسيين وهم المعتمدون على الحس والتجربة النافون للأحكام العقلية الصرفة في الأبحاث العلمية ، وذلك أن أول ما يهتم القرآن به في بيانه هو أمر توحيد الله عز اسمه ، ثم يرجع إليه ويبني عليه جميع المعارف الحقيقية التي يبينها ويدعو إليها .

ومن المعلوم أن التوحيد أشد المسائل ابتعاداً من الحس وبينونة للمادة وارتباطاً بالأحكام العقلية الصرفة . والقرآن يبين أن هذه المعارف الحقيقية من الفطرة ، قال : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ . الروم ـ ٣٠ أي أن الخلقة الإنسانية نوع من الإيجاد يستتبع هذه العلوم والإدراكات ، ولا معنى لتبديل خلق إلا أن يكون نفس التبديل أيضاً من الخلق والإيجاد ، وأما تبديل الإيجاد المطلق أي إبطال حكم الواقع فلا يتصور له معنى ، فلن يستطيع الإنسان وحاشا ذلك أن يبطل علومه الفطرية ويسلك في الحياة سبيلاً آخر غير سبيلها البتة .

وأما الإنحراف المشهود عن أحكام الفطرة فليس إبطالاً لحكمها بل استعمالاً لها غير ما ينبغي من نحو الإستعمال ، نظير ما ربما يتفق أن الرامي لا يصيب الهدف في رميته ، فإن آلة الرمي وسائر شرائطه موضوعة بالطبع للإصابة ، إلا أن الإستعمال يوقعها في الغلط ، والسكاكين والمناشير والمثاقب والابر وأمثالها إذا عبئت في الماكينات تعبئة معوجة تعمل عملها الذي فطرت عليه بعينه من قطع أو نشر أو ثقب وغير ذلك ، لكن لا على الوجه المقصود ، وأما الإنحراف عن العمل الفطري كأن يخاط بنشر المنشار بأن يعوض المنشار فعل الإبرة من فعل نفسه فيضع الخياطة موضع النشر ، فمن المحال ذلك .

وهذا ظاهر لمن تأمل عامة ما استدل به القوم على صحة طريقهم ، كقولهم إن الأبحاث العقلية المحضة والقياسات المؤلفة من مقدمات بعيدة من الحس يكثر وقوع الخطأ فيها ، كما يدل عليه كثرة الإختلافات في المسائل العقلية المحضة ، فلا

١٢١
 &

ينبغي الإعتماد عليها لعدم اطمئنان النفس إليها . وقولهم في الاستدلال على صحة طريق الحس والتجربة إن الحس آلة لنيل خواص الأشياء بالضرورة وإذا أحس بأثر في موضوع من الموضوعات على شرائط مخصوصة ثم تكرر مشاهدة الأثر معه مع حفظ تلك الشرائط بعينها من غير تخلف واختلاف ، كشف ذلك عن أن هذا الأثر خاصة الموضوع من غير اتفاق ، لأن الإتفاق ( الصدفة ) لا يدوم البتة .

والدليلان كما ترى سيقا لإثبات وجوب الإعتماد على الحس والتجربة ورفض السلوك العقلي المحض ، مع كون المقدمات المأخوذة فيهما جميعاً مقدمات عقلية خارجة عن الحس والتجربة ، ثم أريد بالأخذ بهذه المقدمات العقلية إبطال الأخذ بها ، وهذا هو الذي تقدم أن الفطرة لن تبطل البتة ، وإنما يغلط الإنسان في كيفية استعمالها .

قدوات البشرية في فطرتهم المستقيمة

آدم عليه‌السلام فطرة الله تعالى

ـ الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٣٩

في الصلاة على آدم عليه‌السلام : اللهم وآدم بديع فطرتك ، وأول معترف من الطين بربوبيتك ، وبكر حجتك على عبادك وبريتك .

ـ بحار الأنوار ج ١٠١ ص ٢٣٠

( زيارة أخرى ) رواها الكفعمي في البلد الأمين عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا وصلت إلى الفرات فاغتسل والبس أنظف ثوب تقدر عليه ، ثم صر إلى القبر حافياً وعليك السكينة والوقار ، وقف بالباب وكبر أربعاً وثلاثين تكبيرة وقل : السلام عليك يا وارث آدم فطرة الله ، السلام عليك يا وارث نوح صفوة الله .

١٢٢
 &

إبراهيم عليه‌السلام إمام الإستقامة على الفطرة

ـ الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٢٥٦

يا موضع كل شكوى ، ويا شاهد كل نجوى ، ويا عالم كل خفية ، ويا دافع كل بلية ، يا كريم العفو ، يا حسن التجاوز ، توفني على ملة إبراهيم وفطرته ، وعلى دين محمد وسنته ، وعلى خير الوفادة فتوفني ، موالياً لأوليائك ومعادياً لأعدائك . اللهم إني أسألك التوفيق لكل عمل أو قول أو فعل يقربني إليك زلفى ، يا أرحم الراحمين .

ـ الكافي ج ٨ ص ٣٦٦

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان عن حجر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خالف إبراهيم عليه‌السلام قومه وعاب آلهتهم حتى أدخل على نمرود فخاصمه ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : ربي الذي يحيي ويميت قال : أنا أحيي وأميت . قال إبراهيم : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ، فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين .

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : عاب آلهتهم فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : والله ما كان سقيماً وما كذب ، فلما تولوا عنه مدبرين إلى عيد لهم دخل إبراهيم عليه‌السلام إلى آلهتهم بقدوم فكسرها إلا كبيراً لهم ووضع القدوم في عنقه ، فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صنع بها فقالوا : لا والله ما اجترأ عليها ولا كسرها إلا الفتى الذي كان يعيبها ويبرأ منها ، فلم يجدوا له قتلةً أعظم من النار ، فجمعوا له الحطب واستجادوه ، حتى إذا كان اليوم الذي يحرق فيه برز له نمرود وجنوده وقد بنى له بناء لينظر إليه كيف تأخذه النار ، ووضع إبراهيم عليه‌السلام في منجنيق ، وقالت الأرض : يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره يحرق بالنار ؟ قال الرب : إن دعاني كفيته .

فذكر أبان عن محمد بن مروان ، عمن رواه عن أبي جعفر عليه‌السلام أن دعاء إبراهيم عليه‌السلام يومئذ كان ( يا أحد يا أحد ، يا صمد يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً

١٢٣
 &

احد . ثم قال : توكلت على الله ) فقال الرب تبارك وتعالى : كفيت ، فقال للنار : كوني برداً . قال فاضطربت أسنان إبراهيم عليه‌السلام من البرد حتى قال الله عز وجل : وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ . وانحط جبرئيل عليه‌السلام وإذا هو جالس مع إبراهيم عليه‌السلام يحدثه في النار ، قال نمرود : من اتخذ إلۤهاً فليتخذ مثل إلۤه إبراهيم ! قال : فقال عظيم من عظمائهم : إني عزمت على النار أن لا تحرقه ، قال فأخذ عنق من النار نحوه حتى أحرقه !

قال : فآمن له لوط ، وخرج مهاجراً إلى الشام هو وسارة ولوط .

ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان إبراهيم عليه‌السلام كان مولده بكوثى رباً ، وكان أبوه من أهلها وكانت أم إبراهيم وأم لوط سارة ورقة وفي نسخة رقية أختين ، وهما ابنتان للاحج ، وكان لاحج نبياً منذراً ولم يكن رسولاً ، وكان إبراهيم عليه‌السلام في شبيبته على الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها ، حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه ، وإنه تزوج سارة ابنة لاحج وهي ابنة خالته ، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة ، وكانت قد ملكت إبراهيم عليه‌السلام جميع ما كانت تملكه ، فقام فيه وأصلحه وكثرت الماشية والزرع ، حتى لم يكن بأرض كوثى ربا رجل أحسن حالاً منه .

وإن إبراهيم عليه‌السلام لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق ، وعمل له حيراً وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار ، ثم قذف إبراهيم عليه‌السلام في النار لتحرقه ، ثم اعتزلوها حتى خمدت النار ، ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم عليه‌السلام سليماً مطلقاً من وثاقه فأخبر نمرود خبره ، فأمرهم أن ينفوا إبراهيم عليه‌السلام من بلاده وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله ، فحاجهم إبراهيم عليه‌السلام عند ذلك فقال : إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا عليَّ ما ذهب من عمري في بلادكم ، واختصموا إلى قاضي نمرود فقضى على إبراهيم عليه‌السلام أن يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم ، وقضى على أصحاب نمرود أن يردوا على إبراهيم عليه‌السلام ما ذهب من عمره في بلادهم !

١٢٤
 &

فأخبر بذلك نمرود فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وما له وأن يخرجوه ، وقال : إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم ، فأخرجوا إبراهيم ولوطاً معه صلى الله عليهما من بلادهم إلى الشام ، فخرج إبراهيم ومعه لوط لا يفارقه وسارة وقال لهم : إني ذاهب إلى ربي سيهدين ، يعني بيت المقدس .

فتحمل إبراهيم عليه‌السلام بماشيته وماله وعمل تابوتاً وجعل فيه سارة وشد عليها الأغلاق غيرةً منه عليها ، ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط يقال له عرارة ، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه ، فلما انتهى إلى العاشر ومعه التابوت .

قال العاشر لإبراهيم عليه‌السلام : إفتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه .

فقال له إبراهيم عليه‌السلام : قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطي عشره ولا نفتحه .

قال فأبى العاشر إلا فتحه ، قال وغضب إبراهيم عليه‌السلام على فتحه ، فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال ، قال له العاشر : ما هذه المرأة منك ؟

قال إبراهيم عليه‌السلام : هي حرمتي وابنة خالتي .

فقال له العاشر : فما دعاك إلى أن خبيتها في هذا التابوت ؟

فقال إبراهيم عليه‌السلام : الغيرة عليها أن يراها أحد .

فقال له العاشر : لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها وحالك ، قال : فبعث رسولاً إلى الملك فأعلمه فبعث الملك رسولاً من قبله ليأتوه بالتابوت فأتوا ليذهبوا به . فقال لهم إبراهيم عليه‌السلام : إني لست أفارق التابوت حتى تفارق روحي جسدي ، فأخبروا الملك بذلك فأرسل الملك أن احملوه والتابوت معه ، فحملوا إبراهيم عليه‌السلام والتابوت وجميع ما كان معه حتى أدخل على الملك فقال له الملك : إفتح التابوت .

فقال إبراهيم عليه‌السلام : أيها الملك إن فيه حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع ما معي .

١٢٥
 &

قال : فغضب الملك وأجبر إبراهيم عليه‌السلام على فتحه ، فلما رأى سارة لم يملك حلمه سفهه أن مد يده إليها فأعرض إبراهيم عليه‌السلام بوجهه عنها وعنه غيرة منه وقال : اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي ، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه !

فقال له الملك : إن إلۤهك الذي فعل بي هذا ؟

فقال له : نعم ، إن إلۤهي غيور يكره الحرام وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام .

فقال له الملك : فادع إلۤهك يرد عليَّ يدي فإن أجابك فلم أعرض لها .

فقال إبراهيم عليه‌السلام : إلۤهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي .

قال : فرد الله عز وجل عليه يده فأقبل الملك نحوها ببصره ، ثم أعاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم عليه‌السلام عنه بوجهه غيرة منه وقال : اللهم احبس يده عنها ، قال فيبست يده ولم تصل إليها !

فقال الملك لإبراهيم عليه‌السلام : ان إلۤهك لغيور وإنك لغيور فادع إلۤهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد .

فقال له إبراهيم عليه‌السلام : أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله .

فقال الملك : نعم .

فقال إبراهيم عليه‌السلام : اللهم إن كان صادقاً فرد عليه يده ، فرجعت إليه يده !

فلما رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى ورأى الآية في يده ، عظم إبراهيم عليه‌السلام وهابه وأكرمه واتقاه ، وقال له : قد أمنت من أن أعرض لها أو لشئ مما معك ، فانطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة .

فقال إبراهيم عليه‌السلام : ما هي ؟

فقال له : أحب ان تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادماً .

قال : فأذن له إبراهيم عليه‌السلام فدعا بها فوهبها لسارة وهي هاجر أم إسماعيل عليه‌السلام .

فسار إبراهيم عليه‌السلام بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم عليه‌السلام

١٢٦
 &

إعظاماً لإبراهيم عليه‌السلام وهيبة له ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشي هو خلفك ، ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظمه وهبه ، فإنه مسلط ولا بد من إمرة في الأرض برة أو فاجرة ، فوقف إبراهيم عليه‌السلام وقال للملك : إمض فإن إلۤهي أوحى إليَّ الساعة أن أعظمك وأهابك وأن أقدمك أمامي وأمشي خلفك إجلالاً لك .

فقال له الملك : أوحى إليك بهذا ؟ فقال له إبراهيم عليه‌السلام : نعم .

فقال له الملك : أشهد أن إلۤهك لرفيق حليم كريم ، وإنك ترغبني في دينك .

قال : وودعه الملك فسار إبراهيم عليه‌السلام حتى نزل بأعلى الشامات وخلف لوطاً عليه‌السلام في أدنى الشامات .

ثم إن إبراهيم عليه‌السلام لما أبطأ عليه الولد قال لسارة : لو شئت لبعتني هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولداً فيكون لنا خلفاً ، فابتاع إبراهيم عليه‌السلام هاجر من سارة فوقع عليها فولدت اسماعيل . انتهى . ورواه في تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٤١٦ ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ١٢ ص ٤٨

وفي هذا الحديث من الحقائق والأضواء على حياة سيدنا إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يرد كثيراً من الشبه الواردة في الإسرائيليات ، والتهم التي اتهمه بها اليهود ، وقلدهم بعض المسلمين ! !

نبينا صلی الله عليه وآله رائد العارفين ورائد سعادتنا

ـ نهج البلاغة ج ٣ ص ٤٤

. . . والرسول قد عرف عن الله وأخبرنا ، فهو رائد سعادتنا .

ـ مروج الذهب للمسعودي ج ١ ص ٣٢

فهذا ما روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :

١٢٧
 &

إن الله حين شاء تقدير الخليقة وذرأ البرية وإبداع المبدعات ، نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء ، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته فأتاح ( فأساح ) نوراً من نوره فلمع ، و [ نزع ] قبساً من ضيائه فسطع ، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد صلی الله عليه وسلم ، فقال الله عز من قائل : أنت المختار المنتخب ، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي ، من أجلك أسطح البطحاء ، وأمرج الماء ، وارفع السماء ، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار ، وأنصب أهل بيتك للهداية ، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي ، وأجعلهم حجتي على بريتي ، والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي ، ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية والإخلاص بالوحدانية . فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمد وآله ( فقبل أخذ ما أخذ جل شأنه ببصائر الخلق انتخب محمد وآله ) وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في آله ، تقديماً لسنة العدل ، وليكون الإعذار متقدماً .

ثم أخفى الله الخليقة في غيبه ، وغيبها في مكنون علمه ، ثم نصب العوامل وبسط الزمان ، ومرج الماء ، وأثار الزبد ، وأهاج الدخان ، فطفا عرشه على الماء ، فسطح الأرض على ظهر الماء [ وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء ] ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالإستجابة .

ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها ، وأرواح اخترعها ، وقرن بتوحيده نبوة محمد صلی الله عليه وسلم ، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض ، فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة ، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرفه عند استنبائه إياه أسماء الأشياء ، فجعل الله آدم محراباً وكعبة وباباً وقبلة أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار ، ثم نبه آدم على مستودعه ، وكشف له [ عن ] خطر ما ائتمنه عليه ، بعد ما سماه إماماً عند الملائكة ، فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا ، ولم يزل الله تعالى يخبىء النور تحت الزمان إلى أن فضل محمداً صلی الله عليه وسلم في ظاهر الفترات ، فدعا الناس ظاهراً وباطناً ، وندبهم سراً وإعلاناً ، واستدعى عليه‌السلام التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل ، فمن

١٢٨
 &

وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدى إلى سره ، واستبان واضح أمره ، ومن أبلسته الغفلة استحق السخط .

ثم انتقل النور إلى غرائزنا ، ولمع في أئمتنا ، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض ، فبنا النجاء ، ومنا مكنون العلم ، والينا مصير الأمور ، وبمهدينا تنقطع الحجج ، خاتمة الائمة ، ومنقذ الأمة ، وغاية النور ، ومصدر الأمور ، فنحن أفضل المخلوقين ، وأشرف الموحدين ، وحجج رب العالمين ، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا ، وقبض على عروتنا . انتهى وروى شبيهاً به ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص ١٢٨ ـ ١٣٠

ـ علل الشرائع ج ١ ص ٥

حدثنا الحسن بن محمد سعيد الهاشمي قال : حدثنا فرات بن إبراهيم ابن فرات الكوفي قال : حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني ، قال حدثني أبو الفضل العباس بن عبد الله البخاري ، قال حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، قال حدثنا عبد السلام بن صالح الهروي ، عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني ، قال علي عليه‌السلام فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل ؟ فقال : يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك ، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا . يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا ، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه ، لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده ، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا

١٢٩
 &

نوراً واحداً استعظموا أمرنا ، فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق مخلوقون ، وإنه منزه عن صفاتنا ، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا ، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إلۤه إلا الله وأنَّا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إلۤه إلا الله ، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرَّنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به ، فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله ، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد الله لتعلم الملائكة ما يحق الله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته ، فقالت الملائكة الحمد لله .

فبنا اهتدي إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده ، ثم أن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً .

ـ علل الشرائع ج ١ ص ١١٧

ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمان بن كثير ، عن داود الرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لما أراد الله عز وجل أن يخلق الخلق خلقهم ونشرهم بين يديه ، ثم قال لهم : من ربكم ؟ فأول من نطق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين فقالوا : أنت ربنا ، فحمَّلهم العلم والدين ، ثم قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون ، ثم قيل لبني آدم أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة والولاية ، فقالوا نعم ربنا أقررنا ، فقال الله جل جلاله للملائكة : إشهدوا ، فقالت الملائكة شهدنا . . . على أن لا يقولوا غداً إنا كنا عن هذا غافلين ، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ، يا داود الأنبياء مؤكدة عليهم في الميثاق .

١٣٠
 &

ـ الإعتقادات للصدوق ص ٦٧

. . . وأن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله سيدهم وأفضلهم ، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلين ، وأن الذين كذبوه لذائقوا العذاب الأليم . وأن الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون الفائزون . ويجب أن يعتقد أن الله عز وجل لم يخلق خلقاً أفضل من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام ، وأنهم أحب الخلق إلى الله وأكرمهم ، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى . وأن الله بعث نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنبياء في الذر . وأن الله عز وجل أعطى ما أعطى كل نبي على قدر معرفته ، ومعرفة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسبقه إلى الإقرار به . ونعتقد : أن الله تبارك وتعالى خلق جميع الخلق له ولأهل بيته عليهم‌السلام ، وأنه لولاهم ما خلق الله سبحانه السماء والأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائكة ، ولا شيئاً مما خلق ، صلوات الله عليهم أجمعين . انتهى .

وقد أوردنا في فصل الفطرة تحت عنوان : عوالم وجود الإنسان ، عدداً من أحاديث خلق نور النبي وآله صلى الله عليه وعليهم قبل الخلق .

خط الفطرة لم ينقطع من ذرية إبراهيم

ـ بحار الأنوار ج ١٥ ص ١١٧

بيان : اتفقت الإمامية رضوان الله عليهم على أن والدي الرسول وكل أجداده إلى آدم عليه‌السلام كانوا مسلمين ، بل كانوا من الصديقين : إما أنبياء مرسلين ، أو أوصياء معصومين ، ولعل بعضهم لم يظهر الإسلام لتقية أو لمصلحة دينية . . . .

ورووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات ، حتى أخرجني في عالمكم هذا ، لم يدنسني بدنس الجاهلية . ولو كان من آبائه عليه‌السلام كافر لم يصف جميعهم بالطهارة ، مع قوله سبحانه : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ . . . .

وهذا المسلك ذهبت إليه طائفة ، منهم الإمام فخر الدين الرازي فقال في كتابه

١٣١
 &

أسرار التنزيل ما نصه : قيل : إن آزر لم يكن والد إبراهيم بل كان عمه واحتجوا عليه بوجوه :

منها ، أن آباء الأنبياء ما كانوا كفاراً ، ويدل عليه وجوه : منها قوله تعالى : الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ . . . .

الثانية : أن الأحاديث والآثار دلت على أنه لم تخل الأرض من عهد نوح عليه‌السلام إلى بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن تقوم الساعة من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له ، وبهم تحفظ الأرض ، ولولاهم لهلكت الأرض ومن عليها . . . .

وأما المخالفون : فذهب أكثرهم إلى كفر والدي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وكثير من أجداده كعبد المطلب وهاشم وعبد مناف صلوات الله عليهم اجمعين ، وإجماعنا وأخبارنا متظافرة . . . . وقال في هامشه :

وذهب بعضهم إلى إيمان والديه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأجداده ، واستدلوا عليه بالكتاب والسنة ، منهم السيوطي ، قال في كتاب مسالك الحنفاء : المسلك الثاني أنهما أي عبد الله وآمنة لم يثبت عنهما شرك ، بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام . . . .

ثم قال ( السيوطي ) وعندي في نصرة هذا المسلك وما ذهب إليه الإمام فخر الدين أمور : أحدها دليل استنبطه مركب من مقدمتين .

الأولى : أن الأحاديث الصحيحة دلت على أن كل أصل من أصول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من آدم عليه‌السلام إلى أبيه عبد الله ، فهو خير أهل قرنه وأفضلهم ، ولا أحد في قرنه ذلك خير منه ولا أفضل .

الثانية : إن الأحاديث والآثار دلت على أنه لم تخل الأرض من عهد نوح عليه‌السلام أو آدم عليه‌السلام إلى بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن تقوم الساعة من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له ، وبهم تحفظ الأرض ولولا هم لهلكت الأرض ومن عليها ،

١٣٢
 &

وإذا قرنت بين هاتين المقدمتين أنتج منهما قطعاً أن آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن فيهم مشرك ، لأنه ثبت في كل منهم أنه خير قرنه . . . . ( ثم ذكر عن السيوطي آيات وأحاديث لإثبات ذلك منها ) : ما ورد في تفسير قوله تعالى : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ، تدل على أن التوحيد كان باقياً في ذرية إبراهيم عليه‌السلام ولم يزل ناس من ذريته على الفطرة يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة . . . .

فحصل مما أوردناه أن آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من عهد إبراهيم إلى كعب بن لؤي كانوا كلهم على دين إبراهيم عليه‌السلام . . . .

ـ الدر المنثور ج ٣ ص ٣٤١

وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن علي رضي‌الله‌عنه قال قالت سارة رضي الله عنها لما بشرتها الملائكة عليهم‌السلام يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشئ عجيب ، فقالت الملائكة ترد على سارة : أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ، قال فهو كقوله : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ، بمحمد صلی الله عليه وسلم من عقب إبراهيم .

ـ الدر المنثور ج ٤ ص ٨٧

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي‌الله‌عنه في قوله : رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ، قال فلن يزال من ذرية إبراهيم عليه‌السلام ناس على الفطرة يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة .

ـ الدر المنثور ج ٦ ص ١٦

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة : وجعلها كلمة باقية في عقبه ، قال : في الإسلام أوصى بها ولده .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد : وجعلها كلمة باقية في عقبه ، قال : الإخلاص والتوحيد لا يزال في ذريته من يقولها من بعده .

١٣٣
 &

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس : وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ، قال : لا إله إلا الله ، في عقبه : قال عقب إبراهيم ولده .

عمار علم الثابتين على الفطرة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

ـ بحار الأنوار ج ٢٢ ص ٣٢٠

لي : بهذا الإسناد عن إبراهيم بن الحكم ، عن عبيد الله بن موسى ، عن سعد بن أوس ، عن بلال بن يحيى العبسي قال : لما قتل عمار ( كذا والصحيح عثمان ) أتوا حذيفة فقالوا : يا عبد الله قتل هذا الرجل وقد اختلف الناس ، فما تقول ؟ قال إذا أتيتم فأجلسوني ، قال : فأسندوه إلى صدر رجل منهم فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أبو اليقظان على الفطرة ثلاث مرات ، لن يدعها حتى يموت . انتهى . ورواه في بحار الأنوار ج ٣٣ ص ٩

ـ شرح الأخبار ج ١ ص ٤١٢

أبو أحمد بإسناده عن حذيفة بن اليمان ، أنه لما احتضر قيل له أوصنا ، فقال : أما إذا قلتم ذلك فأسندوني ، فأسندوه فقال : سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول : أبو اليقظان على الفطرة لا يدعها ثلاث مرات ، لا يدعها حتى يموت .

ـ روضة الواعظين للنيسابوري ص ٢٨٦

. . . . وقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أبو اليقظان على الفطرة ثلاث مرات لن يدعها حتى يموت ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما .

ـ مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٩٣

. . . عن عائشة أنها قالت : أنظروا عمار بن ياسر فإنه يموت على الفطرة ، إلا أن تدركه هفوة من كبر . صحيح الإسناد .

. . . . عن قيس بن أبي حازم قال قال عبد الله : ما أعلم أحداً خرج في الفتنة يريد به وجه الله تعالى والدار الآخرة إلا عمار بن ياسر . صحيح الإسناد .

١٣٤
 &

ـ مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٩٥

وعن بلال بن يحيى قال لما قتل عثمان رضي‌الله‌عنه أتى حذيفة فقيل له يا أبا عبد الله قتل هذا الرجل ، وقد اختلف الناس فما تقول ؟ قال أسندوني فأسندوه إلى ظهر رجل فقال : سمعت رسول الله صلی الله عليه وسلم يقول : أبو اليقظان على الفطرة لا يدعها حتى يموت أو يمسه الهرم . رواه البزار والطبراني في الأوسط باختصار ، ورجالهما ثقات .

ـ كنز العمال ج ١١ ص ٧٢٣

أبو اليقظان على الفطرة ، أبو اليقظان على الفطرة ، أبو اليقظان على الفطرة ، لا يدعها حتى يموت أو يمسه الهرم . ن ، وابن سعد ، عد وضعفه ، عن حذيفة .

ـ كنز العمال ج ١٣ ص ٥٣٢ و ٥٣٧

عن حذيفة قال : إن عماراً لا تصيبه الفتنة حتى يخرف ، سمعت رسول الله صلی الله عليه وسلم يقول : أبو اليقظان على الفطرة لم يدعها حتى يموت ، أو ينسيه الهرم . كر . انتهى .

ملاحظة : من واضحات تاريخنا الإسلامي أن عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه وقف بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع علي عليه‌السلام في مواجهة بيعة السقيفة ، ثم في عهد أبي بكر وعمر ، وأحداث خلافة عثمان ، وكان عمار من قادة جيش علي عليه‌السلام في حرب الجمل وله فيها مواقف سجلها التاريخ ، ومنها مواقف مع عائشة ، ثم ختم الله له بالشهادة تحت راية علي في صفين ، وقتلته فئة معاوية الباغية كما أخبر بذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . . ولذلك لا يشك الإنسان بأن جعل النبي عماراً علماً على خط الفطرة من بعده ، يعني جعله علياً عليه‌السلام علماً للأمة ، وتأكيده بأن خط علي من بعده هو خط الفطرة .

ومن الطبيعي أن تكون مواقف عمار إلى جانب علي ثقيلة على عائشة وعلى قريش ، وأن لا يرووا في حقه مثل هذه الشهادة النبوية التي تدينهم ، ولكنها كانت شهادة معروفة بين المسلمين ، ومن هنا أدخل خصوم علي عليه‌السلام في روايتها غمغمة

١٣٥
 &

واستثناءات وشروطاً لغرض إحباط مفعولها !

ويدل على بطلان هذه الإضافات أن الشهادة النبوية وردت في حق عمار مطلقة بنصوص صحيحة عندنا وعند إخواننا وليس فيها تلك الإستثناءات . مضافاً إلى أن طبيعة مثل هذه الشهادة لا تقبل الإستثناء ، لأنه يؤدي إلى نسبة التناقض إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يشهد لشخص بأنه على الفطرة حتى يموت ، ويجعله علماً لأمته من بعده ويأمرهم بأن يكونوا في خطه ، ثم يستثني من ذلك ويشترط شرطاً مبهماً يبطل كلامه الأول ، ويوقع الأمة في الشك والريب ! !

ـ وقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٤٣ حديثاً يدل على مدى تأثير هذه الشهادة النبوية ومدى حسد قريش لعلي عليه‌السلام قال :

وعن سيار أبي الحكم قال : قالت بنو عبس لحذيفة : إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا ؟ قال آمركم أن تلزموا عماراً . قالوا إن عماراً لا يفارق علياً ! قال إن الحسد هو أهلك الجسد وإنما ينفركم من عمار قربه من علي ؟ ! فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب ، وإن عماراً لمن الأحباب . وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي . رواه الطبراني ورجاله ثقات ، إلا أني لم أعرف الرجل المبهم . انتهى . ولا يبعد أن يكون إسم بني عبس وضع في هذه الرواية بدل قريش لأن حسدة بني هاشم الذين عناهم حذيفة والذين تحدث عنهم القرآن هم قبائل قريش ، وليسوا بني عبس أو تميم .

علي عليه‌السلام إمام الثابتين على الفطرة

ـ نهج البلاغة ج ١ ص ١٠٥

ومن كلام له عليه السلام لأصحابه : أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنه سيأمركم

١٣٦
 &

بسبي والبراءة مني ، فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة ، وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة .

ـ شرح الأخبار ج ١ ص ١٥٩

عن الشعبي أنه كان يقول : سمعت رشيد الهجري والحارث الأعور الهمداني وصعصعة بن صوحان العبدي وسالم بن دينار الأزدي ، كلهم يذكرون أنهم سمعوا علي بن أبي طالب عليه‌السلام على منبر الكوفة يقول في خطبته : يا معشر أهل الكوفة ، والله لتصبرن على قتال عدوكم أو ليسلطن الله عليكم أقواماً أنتم أولى بالحق منهم ، فيعذبكم الله بهم ثم يعذبهم بما شاء من عنده ، أَوَ من قتلة بالسيف تفرون إلى الموت على الفراش . فإني أشهد إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إن معالجة ملك الموت لأشد من ضربة ألف سيف ، أخبرني جبرئيل يا علي إنه يصيبكم بعدي أَثَرةٌ وزلزال ، فعليكم بالصبر الجميل .

وقال لي أيضاً : قضاء مقضي على لسان النبي الأمي : إنه لا يبغضك يا علي مؤمن ولا يحبك كافر ، وقد خاب من حمل ظلماً وافترى . ثم جعل يقول لنفسه : يا علي إنك ميت مقتول ، بل مقتول إن شاء الله ، فما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من هذا ، ثم أمرَّ يده اليمنى على لحيته ، ثم وضعها على رأسه ، ثم قال : أما لقد رأيت في منامي أنه يهلك في اثنان ولا ذنب لي : محب غالٍ ، ومبغض قالٍ . ثم قال : إلا أنكم ستعرضون على البراءة مني فلا تتبرأوا مني ، فإن صاحبكم والله على فطرة الله التي فطر الناس عليها . ثم نزل عن المنبر .

ـ شرح الأخبار ج ١ ص ١٦٩

. . . . ثم قال : سيظهر عليكم بعدي رجل وإنه سيعرضكم على سبي والبراءة مني ، فإن خفتموه فسبوني فإنما هي زكاة ونجاة ، وإن سألكم البراءة مني فلا تبرؤوا مني فإني على الفطرة .

١٣٧
 &

ثم قال : يكون بعدي أئمة يأمرونكم بسبي والبراءة مني ، أما السب فسبوني ، ولا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وأموت على الفطرة إن شاء الله .

ـ بحار الأنوار ج ٣٦ ص ٣٥٠

عن سعيد بن المسيب قال : سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن علي بن أبي طالب فقال له ابن عباس : إن علي بن أبي طالب صلى القبلتين وبايع البيعتين ، ولم يعبد صنماً ولا وثناً ، ولم يضرب على رأسه بزلم ولا قدح ، ولد على الفطرة ولم يشرك بالله طرفة عين . فقال الرجل : إني لم أسألك عن هذا إنما أسألك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفاً ، ثم سار إلى الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم ، ثم أتى النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم !

فقال له ابن عباس : أعليٌّ أعلم عندك أم أنا ؟ فقال : لو كان علي أعلم عندي منك ما سألتك !

قال : فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ثم قال : ثكلتك أمك عليٌّ علمني ، وكان علمه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول الله علمه الله من فوق عرشه ، فعلم النبي من علم الله وعلم علي من علم النبي وعلمي من علم علي ، وعلم أصحاب محمد كلهم في علم علي كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر ! !

ـ بحار الأنوار ج ٤٣ ص ٣١٦

ما : بإسناد أخي دعبل عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال : إلا أنكم ستعرضون على سبي ، فإن خفتم على أنفسكم فسبوني ، إلا وأنكم ستعرضون على البراءة مني فلا تفعلوا فإني على الفطرة . . . .

فإن قيل : كيف علل نهيه لهم من البراءة منه بقوله : فإني ولدت على الفطرة ، فإن هذا التعليل لا يختص به لأن كل ولد يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ؟

والجواب : أنه علل نهيه لهم عن البراءة منه بمجموع أمور وهو كونه ولد على

١٣٨
 &

الفطرة وسبق إلى الإيمان والهجرة ، ولم يعلل بآحاد هذا المجموع . ومراده هنا بالولادة على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية لأنه ولد لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل ، والنبي أرسل لأربعين مضت من عام الفيل ، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه مكث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويرى الضوء ولا يخاطبه أحد ، وكان ذلك إرهاصاً لرسالته ، فحكم تلك السنين العشر حكم أيام رسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته مولود في أيام كأيام النبوة ، وليس بمولود في جاهلية محضة ، ففارقت حاله حال من يدعى له من الصحابة مماثلته في الفضل .

وقد روي أن السنة التي ولد فيها هذه السنة التي بدئ فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأسمع الهتاف من الأحجار والأشجار وكشف عن بصره ، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ولم يخاطب منها بشئ ، وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتل والإنقطاع والعزلة في جبل حراء ، فلم يزل به حتى كوشف بالرسالة وأنزل عليه الوحي ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتيمن بتلك السنة وبولادة علي عليه‌السلام فيها ، ويسميها سنة الخير وسنة البركة ، وقال لأهله ليلة ولادته وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلۤهية ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً : لقد ولد لنا مولود يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة . وكان كما قال صلوات الله عليه ، فإنه كان ناصره والمحامي عنه وكاشف الغم عن وجهه ، وبسيفه ثبت دين الإسلام ورست دعائمه وتمهدت قواعده .

وفي المسألة تفصيل آخر ، وهو أن يعني بقوله : فإني ولدت على الفطرة التي لم تتغير ولم تحل ، وذلك أن معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مولود يولد على الفطرة ، أن كل مولود فإن الله تعالى قد هيأه بالعقل الذي خلقه فيه وبصحة الحواس والمشاعر لأن يتعلم التوحيد والعدل ، ولم يجعل فيه مانعاً يمنعه من ذلك ، ولكن التربية والعقيدة في الوالدين والألف لاعتقادهما وحسن الظن فيهما يصده عما فطر عليه ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام دون غيره ولد على الفطرة التي لم تحل ، ولم يصد عن مقتضاها مانع ،

١٣٩
 &

لا من جانب الأبوين ولا من جهة غيرهما .

وغيره ولد على الفطرة ولكنه حال عن مقتضاها وزال عن موجبها .

ويمكن أن يفسر أنه أراد بالفطرة العصمة ، وأنه منذ ولد لم يواقع قبيحاً ولا كان كافراً طرفة عين ، ولا مخطئاً ولا غالطاً في شيء من الأشياء المتعلقة بالدين وهذا تفسير الإمامية . انتهى .

أقول : التفسيران الأخيران اللذان ذكرهما المجلسي رحمه‌الله متحدان ، لأن قصد أمير المؤمنين عليه‌السلام والله أعلم ، إني ولدت على فطرة الله الصافية ولم أدنسها بعبادة وثن ولا بارتكاب ذنب ، وسبقت إلى الإيمان بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والوقوف معه والهجرة معه . .

ولا شك أن فطرة الله تعالى التي خلق عليها وليه ووزير رسوله صلى الله عليهما أرقى من الفطرة العادية التي يولد عليها كل مولود ، فالنبي وآله خيرة الله تعالى وفطرتهم خيرة الفطر ، وقد ورد في الدعاء : يا دائم الفضل على البرية ، يا باسط اليدين بالعطية ، يا صاحب المواهب السنية ، صل على محمد وآله خير الورى سجية ، واغفر لنا يا ذا العلى في هذه العشية .

وتوجد هنا مسألتان في هذا الحديث يناسب التعرض لهما ، وإن كان محلهما باب الإمامة .

المسألة الأولى : أن الفرق بين السب والبراءة من وجهين :

أولهما ، أن البعد السياسي في السب أقوى وأظهر منه في البراءة ، والبعد العقائدي في البراءة أقوى وأظهر . فالخطر العقائدي على المسلمين في البراءة أكثر ، بينما سب السلطة له عليه‌السلام وإجبارها المسلمين على ذلك لا تصل خطورته إلى خطورة البراءة ، وإن كان فيه خطر كبير على أجيال المسلمين .

ولعل هذا هو مقصود الفقهاء الذين اعتبروا أن البراءة شهادة بالكفر بعكس السب واللعن ، قال السيد الگلپايگاني رحمه‌الله في الدر النضيد ج ٢ ص ٢٥٣ : ولعل الفرق بين السب والبراءة حيث أمر بالأول ونهى عن الثاني ، أن السب صادر بالنسبة إلى المسلم

١٤٠