العقائد الإسلاميّة - ج ١

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ١

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-118-4
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ـ كا : عن علي ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ، قال : الإسلام .

بيان : قيل على هذه الأخبار يحتمل أن تكون ( صبغة ) منصوبة على المصدر من مسلمون في قوله تعالى قبل ذلك : لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . ثم يحتمل أن يكون معناها وموردها مختصاً بالخواص والخلص المخاطبين بـ ( قولوا ) في صدر الآيات حيث قال : قولا آمنا بالله وما أنزل إلينا ، دون سائر أفراد بني آدم ، بل يتعين هذا المعنى إن فسر الإسلام بالخضوع والإنقياد للأوامر والنواهي كما فعلوه ، وإن فسر بالمعنى العرفي فتوجيه التعميم فيه كتوجيه التعميم في فطرة الله . . . .

وقيل : صبغة الله إبداع الممكنات وإخراجها من العدم إلى الوجود وإعطاء كل ما يليق به من الصفات والغايات وغيرهما . . . .

وقيل : معناه كل مولود يولد على معرفة الله والإقرار به ، فلا تجد أحداً إلا وهو يقر بأن الله صانعه ، وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره ، ومنه حديث حذيفة ( على غير فطرة محمد ) أراد دين الإسلام الذي هو منسوب إليه . انتهى .

وقال بعضهم : المراد بالفطرة كونه خلقاً قابلاً للهداية ومتهيئاً لها ، لما أوجد فيه من القوة القابلة لها ، لأن فطرة الإسلام وصوابها موضوع في العقول ، وإنما يدفع العقول عن إدراكها تغيير الأبوين ، أو غيرهما .

وأجيب عنه بأن حمل الفطرة على الإسلام لا يأباه العقل ، وظاهر الروايات يدل عليه . وحملها على خلاف الظاهر لا وجه له من غير مستند .

. . . . لا تبديل لخلق الله : أي بأن يكونوا كلهم أو بعضهم عند الخلق مشركين ، بل كان كلهم مسلمين مقرين به أو قابلين للمعرفة ، وأراهم نفسه : أي بالرؤية العقلية الشبيهة بالرؤية العينية في الظهور ليرسخ فيهم معرفته ، ويعرفوه في دار التكليف ، ولولا تلك المعرفة الميثاقية لم يحصل لهم تلك القابلية ، وفسر عليه‌السلام الفطرة في

١٠١
 &

الحديث بالمجبولية على معرفة الصانع والإذغان به . كذلك قوله في هذه الآية أيضاً محمولة على هذا المعنى : وَلَئِن سَأَلْتَهُم ، أي كفار مكة كما ذكره المفسرون ، أو الأعم كما هو الأظهر من الخبر ، ليقولن الله ، لفطرتهم على المعرفة . وقال البيضاوي : لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره ، بحيث اضطروا إلى إذعانه .

والمشهور أنه مبنى على أن كفار قريش لم يكونوا ينكرون أن الصانع هو الله ، بل كانوا يعبدون الأصنام لزعمهم أنها شفعاء عند الله ، وظاهر الخبر أن كل كافر لو خلي وطبعه وترك العصبية ومتابعة الأهواء وتقليد الأسلاف والآباء ، لأقر بذلك ، كما ورد ذلك الأخبار الكثيرة .

قال بعض المحققين : الدليل على ذلك ما ترى أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة على الله ويتوجهون توجهاً غريزياً إلى مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب ، وإن لم يتفطنوا لذلك ، ويشهد لهذا قول الله عز وجل قال : قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ .

وفي تفسير مولانا العسكري عليه‌السلام أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل : يا عبد الله هل ركبت سفينة قط ؟ قال : بلى ، قال : فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك ؟ قال بلى ، قال : فهل تعلق قلبك هناك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال : بلى ، قال الصادق : فذلك الشئ هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي ، وعلى الإغاثة حين لا مغيث .

ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله عز وجل متروكين على ما فطروا عليه ، مرضياً عنهم بمجرد الإقرار بالقول ، ولم يكلفوا الإستدلالات العلمية في ذلك ، وإنما التعمق لزيادة البصيرة ولطائفة مخصوصة . وأما الإستدلال فللرد على أهل الضلال .

ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان ، وتحصيل

١٠٢
 &

الإطمينان كماً وكيفاً شدةً وضعفاً سرعةً وبطئاً حالاً وعلماً وكشفاً وعياناً ، وإن كان أصل المعرفة فطرياً ، إما ضروري أو يهتدي إليه بأدنى تنبيه ، فلكل طريقة هداه الله عز وجل إليها إن كان من أهل الهداية ، والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ، وهم درجات عند الله ، يرفع الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات .

قال بعض المنسوبين إلى العلم : إعلم أن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله عز وجل ، فكأن هذا يقتضي أن يكون معرفته أول المعارف ، وأسبقها إلى الأفهام وأسهلها على العقول ، ونرى الأمر بالضد من ذلك ، فلا بد من بيان السبب فيه .

وإنما قلنا إن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله فمعنى لا تفهمه إلا بمثال ، هو : أنا إذا رأينا إنساناً يكتب أو يخيط مثلاً ، فإن كونه حياً من أظهر الموجودات فحياته وعلمه وقدرته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة ، إذ صفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه ، وكل ذلك لا نعرفه ، وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها ، وبعضها نشك فيه ، كمقدار طوله ، واختلاف لون بشرته وغير ذلك من صفاته . أما حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيواناً فإنه جلي عندنا من غير أن يتعلق حس البصر بحياته وقدرته وإرادته ، فإن هذه الصفات لا تحس بشئ من الحواس الخمس ، ثم لا يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته إلا بخياطته وحركته ، فلو نظرنا إلى كل ما في العالم سواء لم نعرف به صفاته ، فما عليه إلا دليل واحد ، وهو مع ذلك جلي واضح .

ووجود الله وقدرته وعلمه وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده وندركه بالحواس الظاهرة والباطنة من حجر ومدر ، ونبات وشجر ، وحيوان وسماء ، وأرض وكوكب ، وبر وبحر ، ونار وهواء ، وجوهر وعرض ، بل أول شاهد عليه أنفسنا ، وأجسامنا وأصنافنا ، وتقلب أحوالنا ، وتغير قلوبنا ، وجميع أطوارنا ، في حركاتنا وسكناتنا .

وأظهر الأشياء في علمنا أنفسنا ، ثم محسوساتنا بالحواس الخمس ، ثم مدركاتنا

١٠٣
 &

بالبصيرة والعقل ، وكل واحد من هذه المدركات له مدرك واحد ، وشاهد ودليل واحد ، وجميع ما في العالم شواهد ناطقة ، وأدلة شاهدة بوجود خالقها ومدبرها ومصرفها ومحركها ، ودالة على علمه وقدرته ولطفه وحكمته . والموجودات المدركة لا حصر لها .

فإن كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا وليس يشهد له إلا شاهد واحد ، وهو ما أحسسنا من حركة يده ، فكيف لا يتصور في الوجود داخل نفوسنا وخارجها إلا وهو شاهد عليه وعلى عظمته وجلاله ، إذ كل ذرة فإنها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها ، ولا حركتها بذاتها وإنما يحتاج إلى موجد ومحرك لها ، يشهد بذلك أولاً تركيب أعضائنا وائتلاف عظامنا ، ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا ، وتشكل أطرافنا ، وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة ، فإنا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها ، كما نعلم أن يد الكاتب لم تتحرك بنفسها . ولكن لما لم يبق في الوجود مدرك ، ومحسوس ومعقول ، وحاضر وغائب إلا وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره ، فانبهرت العقول ، ودهشت عن إدراكه .

فإذن ما يقصر عن فهمه عقولنا له سببان : أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه ، وذلك لا يخفى مثاله ، والآخر ما يتناهى وضوحه . وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار ، لا لخفاء النهار واستتاره ، ولكن لشدة ظهوره ، فإن بصر الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرق ، فيكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سبباً لامتناع أبصاره فلا يرى شيئاً إلا إذا امتزج الظلام بالضوء ، وضعف ظهوره . فكذلك عقولنا ضعيفة ، وجمال الحضرة الإلۤهية في نهاية الإشراق والإستنارة وفي غاية الإستغراق والشمول ، حتى لا يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات والأرض ، فصار ظهوره سبب خفائه ، فسبحان من احتجب بإشراق نوره ، واختفى عن البصائر والأبصار بظهوره . ولا تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور ، فإن الأشياء تستبان بأضدادها وما عم وجوده حتى لا ضد له عسر إدراكه ، فلو اختلفت الأشياء فدل

١٠٤
 &

بعضها دون البعض أدركت التفرقة على قرب ، ولما اشتركت في الدلالة على نسق واحد أشكل الأمر . ومثاله نور الشمس المشرق على الأرض ، فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض يحدث في الأرض ، ويزول عند غيبة الشمس . . . .

ـ الدر المنثور ج ٥ ص ١٥٥

فَأَقِمْ وَجْهَكَ . . . . الآية . أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي‌الله‌عنه قوله : فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، قال : الدين الإسلام ، لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ، قال لدين الله .

ـ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ، قال : دين الله . ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، قال : القضاء القيم .

دور الفطرة في المعرفة والثقافة والحضارة

ـ تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ١٧٥

ـ في توحيد المفضل بن عمر المنقول عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام في الرد على الدهرية :

تأمل يا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به على الإنسان من هذا النطق الذي يعبر به عما في ضميره وما يخطر بقلبه ونتيجة فكره ، به يفهم غيره ما في نفسه ، ولولا ذلك كان بمنزلة البهائم المهملة التي لا تخبر عن نفسها بشئ ، ولا تفهم عن مخبر شيئاً ، وكذلك الكتابة التي بها تقيد أخبار الماضين للباقين وأخبار الباقين للآتين وبها تجلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها ، وبها يحفظ الإنسان ذكر ما يجري بينه وبين غيره من المعاملات والحساب ، ولولاها لانقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض وأخبار الغائبين عن أوطانهم ، ودرست العلوم وضاعت الآداب ، وعظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاتهم ، وما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم وما روي لهم مما لا يسعهم جهله .

١٠٥
 &

ولعلك تظن أنها مما يخلص إليه بالحيلة والفطنة ، وليست مما أعطيه الإنسان من خلقه وطباعه . وكذلك الكلام إنما هو شئ يصطلح عليه الناس فيجري بينهم ، ولهذا صار يختلف في الأمم المختلفة بألسن مختلفة ، وكذلك الكتابة ككتابة العربي والسرياني والعبراني والرومي وغيرها من ساير الكتابة التي هي متفرقة في الأمم ، إنما اصطلحوا عليها كما اصطلحوا على الكلام .

فيقال لمن ادعى ذلك إن الإنسان وإن كان له في الأمرين جميعاً فعل أو حيلة ، فإن الشئ الذي يبلغ به ذلك الفعل والحيلة عطية وهبة من الله عز وجل في خلقه ، فإنه لو لم يكن له لسان مهيأ للكلام وذهن يهتدي به للأمور ، لم يكن ليتكلم أبداً ، ولو لم يكن له كف مهيأة وأصابع للكتابة لم يكن ليكتب أبداً ، واعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها ولا كتابة . فأصل ذلك فطرة الباري عز وجل ، وما تفضل به على خلقه ، فمن شكر أثيب ، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين .

بحث في دور الفطرة والنبوة في الحياة الإنسانية

ـ تفسير الميزان ج ١٠ ص ١٢٨

قوله تعالى : وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .

قد مر أن المراد به الإختلاف الواقع في نفس الدين من حملته ، وحيث كان الدين من الفطرة كما يدل عليه قوله تعالى : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا . الروم ـ ٣٠ . . . .

على أن الفطرة لا تنافي الغفلة والشبهة ولكن تنافي التعمد والبغي ، ولذلك خص البغي بالعلماء ومن استبانت له الآيات الإلۤهية ، قال تعالى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . البقره ـ ٣٩ ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وقد قيد الكفر في جميعها بتكذيب آيات الله ثم أوقع عليه الوعيد . وبالجملة فالمراد بالآية أن هذا الإختلاف ينتهي إلى بغي حملة الكتاب من بعد علم . . . .

١٠٦
 &

وقد تبين من الآية : أولاً ، حد الدين ومعرفته وهو أنه نحو سلوك في الحياة الدنيا يتضمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي والحياة الدائمة الحقيقية عند الله سبحانه ، فلا بد في الشريعة من قوانين تتعرض لحال المعاش على قدر الإحتياج .

وثانياً ، أن الدين أول ما ظهر ظهر رافعاً للإختلاف الناشئ عن الفطرة ، ثم استكمل رافعاً للإختلاف الفطري وغير الفطري معاً .

وثالثاً ، أن الدين لا يزال يستكمل حتى تستوعب قوانينه جهات الإحتياج في الحياة فإذا استوعبها ختم ختماً فلا دين بعده ، وبالعكس إذا كان دين من الأديان خاتماً كان مستوعباً لرفع جميع جهات الإحتياج ، قال تعالى : مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ . الأحزاب ـ ٤٠ وقال تعالى : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ . النحل ـ ٨٩ وقال تعالى : وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ .

حم السجده ـ ٤٢ .

ورابعاً ، أن كل شريعة لاحقة أكمل من سابقتها .

وخامساً ، السبب في بعث الأنبياء وإنزال الكتب ، وبعبارة أخرى العلة في الدعوة الدينية هو أن الإنسان بحسب طبعه وفطرته سائر نحو الإختلاف ، كما أنه سالك نحو الإجتماع المدني ، وإذا كانت الفطرة هي الهادية إلى الإختلاف لم تتمكن من رفع الإختلاف ، وكيف يدفع شئ ما يجذبه إليه نفسه ، فرفع الله سبحانه هذا الإختلاف بالنبوة والتشريع بهداية النوع إلى كماله اللائق بحالهم المصلح لشأنهم .

وهذا الكمال كمال حقيقي داخل في الصنع والإيجاد ، فما هو مقدمته كذلك ، وقد قال تعالى : الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ . طه ـ ٥٠ ، فبين أن من شأنه وأمره تعالى أن يهدي كل شئ إلى ما يتم به خلقه ، ومن تمام خلقة الإنسان أن يهتدي إلى كمال وجوده في الدنيا والآخرة ، وقد قال تعالى أيضاً : كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا . الإسراء ـ ٢٠ وهذه الآية تفيد أن شأنه تعالى

١٠٧
 &

هو الإمداد بالعطاء يمد كل من يحتاج إلى إمداده في طريق حياته ووجوده ويعطيه ما يستحقه ، وأن عطاءه غير محظور ولا ممنوع من قبله تعالى إلا أن يمتنع ممتنع بسوء حظ نفسه من قبل نفسه لا من قبله تعالى .

ومن المعلوم أن الإنسان غير متمكن من تتميم هذه النقيصة من قبل نفسه ، فإن فطرته هي المؤدية إلى هذه النقيصة ، فكيف يقدر على تتميمها وتسوية طريق السعادة والكمال في حياته الإجتماعية .

وإذا كانت الطبيعة الإنسانية هي المؤدية إلى هذا الإختلاف العائق للإنسان عن الوصول إلى كماله الحري به ، وهي قاصرة عن تدارك ما أدت إليه وإصلاح ما أفسدته فالإصلاح لو كان يجب أن يكون من جهة غير جهة الطبيعة وهي الجهة الإلۤهية التي هي النبوة بالوحي ، ولذا عبر تعالى عن قيام الأنبياء بهذا الإصلاح ورفع الإختلاف بالبعث ، ولم ينسبه في القرآن كله إلا إلى نفسه ، مع أن قيام الأنبياء كسائر الأمور له ارتباطات بالمادة بالروابط الزمانية والمكانية .

فالنبوة حالة إلۤهية ، وإن شئت قل غيبية ، نسبتها إلى هذه الحالة العمومية من الإدراك والفعل نسبة اليقظة إلى النوم بها يدرك الإنسان المعارف التي بها يرتفع الإختلاف والتناقض في حياة الإنسان ، وهذا الإدراك والتلقي من الغيب هو المسمى في لسان القرآن بالوحي ، والحالة التي يتخذها الإنسان منه لنفسه بالنبوة .

ومن هنا يظهر أن هذا أعني تأدية الفطرة إلى الإجتماع المدني من جهة وإلى الإختلاف من جهة أخرى وعنايته تعالى بالهداية إلى تمام الخلقة ، مبدأ حجة على وجود النبوة ، وبعبارة أخرى دليل النبوة العامة .

تقريره : أن نوع الإنسان مستخدم بالطبع وهذا الإستخدام الفطري يؤديه إلى الإجتماع المدني وإلى الإختلاف والفساد في جميع شئون حياته الذي يقضي التكوين والإيجاد برفعه ، ولا يرتفع إلا بقوانين تصلح الحياة الإجتماعية برفع الإختلاف عنها . وهداية الإنسان إلى كماله وسعادته بأحد أمرين ، إما بفطرته وإما

١٠٨
 &

بأمر وراءه ، لكن الفطرة غير كافية فإنها هي المؤدية إلى الإختلاف فكيف ترفعه ، فوجب أن يكون بهداية من غير طريق الفطرة والطبيعة وهو التفهيم الإلۤهي غير الطبيعي المسمى بالنبوة والوحي ، وهذه الحجة مؤلفة من مقدمات مصرح بها في كتاب الله تعالى كما عرفت فيما تقدم ، وكل واحدة من هذه المقدمات تجربية بينتها التجربة للإنسان تاريخ حياته واجتماعاته المتنوعة التي ظهرت وانقرضت في طي القرون المتراكمة الماضية إلى أقدم أعصار الحياة الإنسانية التي يذكرها التاريخ . فلا الإنسان انصرف في حين من أحيان حياته عن حكم الإستخدام ولا استخدامه لم يؤد إلى الإجتماع وقضى بحياة فردية ، ولا اجتماعه المكون خلا عن الإختلاف ، ولا الإختلاف ارتفع بغير قوانين اجتماعية ، ولا أن فطرته وعقله الذي يعده عقلاً سليماً قدرت على وضع قوانين تقطع منابت الإختلاف وتقلع مادة الفساد .

وناهيك في ذلك ما تشاهده من جريان الحوادث الإجتماعية وما هو نصب عينيك من انحطاط الأخلاق وفساد عالم الإنسانية والحروب المهلكة للحرث والنسل والمقاتل المبيدة للملايين بعد الملايين من الناس ، وسلطان التحكم ونفوذ الإستعباد في نفوس البشر وأعراضهم وأموالهم في هذا القرن الذي يسمى عصر المدنية والرقي والثقافة والعلم ، فما ظنك بالقرون الخالية أعصار الجهل والظلمة .

وأما أن الصنع والإيجاد يسوق كل موجود إلى كماله اللائق به فأمر جار في كل موجود بحسب التجربة والبحث ، وكذا كون الخلقة والتكوين إذا اقتضى أثراً لم يقتض خلافه بعينه أمر مسلم تثبته التجربة والبحث ، وأما أن التعليم والتربية الدينيين الصادرين من مصدر النبوة والوحي يقدران على دفع هذا الإختلاف والفساد ، فأمر يصدقه البحث والتجربة معاً ، أما البحث فلأن الدين يدعو إلى حقائق المعارف وفواضل الأخلاق ومحاسن الأفعال ، فصلاح العالم الإنساني مفروض فيه ، وأما التجربة فالإسلام أثبت ذلك في اليسير من الزمان الذي كان الحاكم فيه على الإجتماع بين المسلمين هو الدين ، وأثبت ذلك بتربية أفراد من الإنسان صلحت نفوسهم

١٠٩
 &

وأصلحوا نفوس غيرهم من الناس على أن جهات الكمال والعروق النابضة في هيكل الإجتماع المدني اليوم التي تضمن حياة الحضارة والرقي مرهونة للتقدم الإسلامي وسريانه في العالم الدنيوي على ما تعطيه التجزية والتحليل من غير شك . انتهى .

وأنت تلاحظ أن صاحب الميزان رحمه‌الله فسر الفطرة بالغرائز الخيرة والشريرة معاً ، ولكن والذي يظهر من الأحاديث الشريفة اختصاصها ببعض الغرائز الخيرة .

ـ تفسير الميزان ج ١١ ص ١٥١

فلو كان في الدنيا خير مرجو وسعادة لوجب أن ينسب إلى الدين وتربيته . ويشهد بذلك ما نشاهده من أمر الأمم التي بنت اجتماعها على كمال الطبيعة وأهملت أمر الدين والأخلاق فإنهم لم يلبثوا دون أن افتقدوا الصلاح والرحمة والمحبة وصفاء القلب وسائر الفضائل الخلقية والفطرية ، مع وجود أصل الفطرة فيهم ، ولو كانت أصل الفطرة كافية ولم تكن هذه الصفات بين البشر من البقايا الموروثة من الدين ، لما افتقدوا شيئاً من ذلك .

على أن التاريخ أصدق شاهد على الإقتباسات التي عملتها الأمم المسيحية بعد الحروب الصليبية فاقتبسوا مهمات النكات من القوانين العامة الإسلامية فتقلدوها وتقدموا بها ، والحال أن المسلمين اتخذوها وراءهم ظهرياً فتأخر هؤلاء وتقدم أولئك . . والكلام طويل الذيل .

وبالجملة الأصلان المذكوران أعني السراية والوراثة وهما التقليد الغريزي في الإنسان والتحفظ على السيرة المألوفة ، يوجبان نفوذ الروح الديني في الإجتماعات كما يوجبان في غيره ذلك وهو تأثير فعلي .

فإن قلت : فعلى هذه فما فائدة الفطرة فإنها لا تغني طائلاً ، وإنما أمر السعادة بيد النبوة ، وما فائدة بناء التشريع على أساس الفطرة على ما تدعيه النبوة .

قلت : ما قدمناه في بيان ما للفطرة من الإرتباط بسعادة الإنسان وكماله يكفي في حل هذه الشبهة ، فإن السعادة والكمال الذي تجلبه النبوة إلى الإنسان ليس أمراً

١١٠
 &

خارجاً عن هذا النوع ولا غريباً عن الفطرة ، فإن الفطرة هي التي تهتدي إليه لكن هذا الإهتداء لا يتم لها بالفعل وحدها من غير معين يعينها على ذلك ، وهذا المعين الذي يعينها على ذلك وهو حقيقة النبوة ليس أيضاً أمراً خارجاً عن الإنسانية وكمالها منضماً إلى الإنسان كالحجر الموضوع في جنب الإنسان مثلاً ، وإلا كان ما يعود منه إلى الإنسان أمراً غير كماله وسعادته كالثقل الذي يضيفه الحجر إلى ثقل الإنسان في وزنه ، بل هو أيضاً كمال فطري للإنسان مذخور في هذا النوع وهو شعور خاص وإدراك مخصوص مكمون في حقيقته لا يهتدي إليه بالفعل إلا آحاد من النوع أخذتهم العناية الإلۤهية ، كما أن للبالغ من الإنسان شعوراً خاصاً بلذة النكاح لا تهتدي إليه بالفعل بقية الأفراد غير البالغين بالفعل ، وإن كان الجميع من البالغ وغير البالغ مشتركين في الفطرة الإنسانية والشعور شعور مرتبط بالفطرة . وبالجملة لا حقيقة النبوة أمر زائد على إنسانية الإنسان الذي يسمى نبياً وخارج عن فطرته ، ولا السعادة التي تهتدي سائر الأمة إليها أمر خارج عن إنسانيتهم وفطرتهم غريب عما يستأنسه وجودهم الإنساني ، وإلا لم تكن كمالاً وسعادة بالنسبة إليهم .

فإن قلت : فيعود الإشكال على هذا التقرير إلى النبوة فإن الفطرة على هذا كافية وحدها والنبوة غير خارجة عن الفطرة . فإن المتحصل من هذا الكلام هو أن النوع الإنساني المتمدن بفطرته والمختلف في اجتماعه يتميز من بين أفراده آحاد من الصلحاء فطرتهم مستقيمة وعقولهم سليمة عن الأوهام والتهوسات ورذائل الصفات ، فيهتدون باستقامة فطرتهم وسلامة عقولهم إلى ما فيه صلاح الإجتماع وسعادة الإنسان فيضعون قوانين فيها مصلحة الناس وعمران الدنيا والآخرة ، فإن النبي هو الإنسان الصالح الذي له نبوغ اجتماعي .

قلت : كلا وإنما هو تفسير لا ينطبق على حقيقة النبوة ولا ما تستتبعه .

أما أولاً ، فلان ذلك فرض افترضه بعض علماء الإجتماع ممن لا قدم له في البحث الديني والفحص عن حقائق المبدأ والمعاد . فذكر أن النبوة نبوغ خاص

١١١
 &

اجتماعي استتبعته استقامة الفطرة وسلامة العقل ، وهذا النبوغ يدعو إلى الفكر في حال الإجتماع وما يصلح به هذا الإجتماع المختل وما يسعد به الإنسان الإجتماعي فهذا النابغة الإجتماعي هو النبي والفكر الصالح المترشح من قواه الفكرية هو الوحي ، والقوانين التي يجعلها لصلاح الإجتماع هو الدين ، وروحه الطاهر الذي يفيض هذه الأفكار إلى قواه الفكرية ولا يخون العالم الإنساني باتباع الهوى هو الروح الأمين وهو جبرائيل ، والموحى الحقيقي هو الله سبحانه والكتاب الذي يتضمن أفكاره العالية الطاهرة هو الكتاب السماوي ، والملائكة هي القوى الطبيعية أو الجهات الداعية إلى الخير ، والشيطان هي النفس الأمارة بالسوء أو القوى أو الجهات الداعية إلى الشر والفساد ، وعلى هذا القياس . وهذا فرض فاسد وقد مر في البحث عن الإعجاز ، وأن النبوة بهذا المعنى لأن تسمى لعبة سياسية أولى بها من أن تسمى نبوة إلۤهية .

وقد تقدم أن هذا الفكر الذي يسمى هؤلاء الباحثون نبوغه الخاص نبوة ، من خواص العقل العملي الذي يميز بين خير الأفعال وشرها بالمصلحة والمفسدة ، وهو أمر مشترك بين العقلاء من أفراد الإنسان ومن هداية الفطرة المشتركة ، وتقدم أيضاً إن هذا العقل بعينه هو الداعي إلى الإختلاف ، وإذا كان هذا شأنه لم يقدر من حيث هو كذلك على رفع الإختلاف واحتاج فيه إلى متمم يتمم أمره ، وقد عرفت أنه يجب أن يكون هذا المتمم نوعاً خاصاً من الشعور يختص به بحسب الفعلية بعض الآحاد من الإنسان ، وتهتدي به الفطرة إلى سعادة الإنسان الحقيقية في معاشه ومعاده .

ومن هنا يظهر أن هذا الشعور من غير سنخ الشعور الفكري ، بمعنى أن ما يجده الإنسان من النتائج الفكرية من طريق مقدماتها العقلية ، غير ما يجده من طريق الشعور النبوي والطريق غير الطريق .

ولا يشك الباحثون في خواص النفس في أن في الإنسان شعوراً نفسياً باطنياً ، ربما يظهر في بعض الآحاد من أفراده يفتح له باباً إلى عالم وراء هذا العالم ، ويعطيه عجائب من المعارف والمعلومات وراء ما يناله العقل والفكر ، صرح به جميع علماء

١١٢
 &

النفس من قدمائنا وجمع من علماء النفس من أوروبا مثل جمز الإنجليزي وغيره .

فقد تحصل أن باب الوحي النبوي غير باب الفكر العقلي ، وأن النبوة وكذا الشريعة والدين والكتاب والملك والشيطان لا ينطبق عليها ما اختلقوه من المعاني .

أمور ورد أنها من الفطرة

ـ من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٣٠

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم ، وإنا نجز الشوارب ونعفي اللحى ، وهي الفطرة . انتهى . ورواه في وسائل الشيعة ج ١ ص ٤٢٣

ـ الخصال ص ٣١٠

حدثنا أبو أحمد محمد بن جعفر البندار ، قال حدثنا جعفر بن محمد بن نوح ، قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حماد من أهل قومس ، قال حدثنا أبو محمد الحسن بن علي الحلواني ، قال حدثنا بشر بن عمر ، قال حدثنا مالك بن أنس ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خمس من الفطرة : تقليم الأظفار ، وقص الشارب ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، والإختتان . انتهى . ورواه في وسائل الشيعة ج ١ ص ٤٣٤

ـ مستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٢٠

دعائم الإسلام : عن أمير المؤمنين أنه قال : من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر . انتهى . ورواه في بحار الأنوار ج ٨٥ ص ٢٤٣ وروى نحوه الحاكم في المستدرك ج ١ ص ٣٥٣ والبيهقي في سننه ج ٣ ص ٣٨٤

ـ الكافي ج ٥ ص ٤٩٦

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن مسمع أبي سيار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحب أن يكون على فطرتي فليستن بسنتي وإن من سنتي النكاح .

١١٣
 &

ـ بحار الأنوار ج ٢٢ ص ٢٦٣

كا : العدة ، عن سهل ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مغضباً يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان فوجده يصلي ، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية ، ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة ، أصوم وأصلي وألمس أهلي ، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح .

ـ بحار الأنوار ج ١٠٣ ص ٢٢٠

جع : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : النكاح سنتي فمن رغب ، عن سنتي فليس مني .

وقال : تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط .

ـ وروى البخاري في صحيحه ج ٧ ص ٥٦

. . . . عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلی الله عليه وسلم قال : من الفطرة قص الشارب . . . . عن أبي هريرة رواية الفطرة خمس أو خمس من الفطرة : الختان ، والإستحداد ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب .

. . . . عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلی الله عليه وسلم قال : من الفطرة حلق العانة ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب .

. . . . عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه سمعت النبي صلی الله عليه وسلم يقول : الفطرة خمس : الختان ، والإستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإباط .

. . . . عن ابن عمر عن النبي صلی الله عليه وسلم قال : خالفوا المشركين ، ووفروا اللحى واحفوا الشوارب . انتهى . وروى نحوه في ج ٧ ص ١٤٣ ورواه النسائي ج ١ ص ١٤

ـ وروى مسلم في ج ١ ص ١٥٣ :

عن عائشة . . . . قالت قال رسول الله صلی الله عليه وسلم عشر من الفطرة : قص

١١٤
 &

الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء . قال زكريا قال مصعب ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ، زاد قتيبة قال وكيع . انتقاص الماء ، يعني الإستنجاء . انتهى . ورواه النسائي ج ٨ ص ١٢٦ ونحوه في سنن ابن ماجة ج ١ ص ١٠٧ والبيهقي في سننه ج ١ ص ٣

ـ وروى في كنز العمال ج ٩ ص ٥٢٠ : عن مجاهد قال : غسل الدبر من الفطرة .

أمور ورد أنها تضر بالفطرة

ـ الكافي ج ٢ ص ٤٠٠

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن رجل عن عبد الله عليه‌السلام قال : من شك في الله بعد مولده على الفطرة لم يفىٔ إلى خير أبداً .

ـ شرح الأسماء الحسنى ج ٢ ص ٤٣

اللهم إن الطاعة تسرك والمعصية لا تضرك ، فهب لي ما يسرك ، واغفر لي ما لا يضرك ، يا أرحم الراحمين .

أي : لو خليتني يا إلۤهي ونفسي الخائنة الجانية وأوهامي المؤملة المرجية ، فمن يزيل آثار زلاتي الجمة الكثيرة ، كما هو مقتضى الجمع المضاف المفيد للعموم ، لأن إمهال العظيم الصبور مديد موفور ، فإذا استحكمت الملكات الرذيلة وتجوهرت العادات السيئة صارت طبيعة ثانية مخالفة للفطرة الأولى الإسلامية ( المحكمة الراسخة كيفاً ) والذاتي لا يتبدل ، والنفس موضوع بسيط ولا ضد له .

ـ تهذيب الأحكام ج ٣ ص ٢٦٩

. . . . عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا : قال أبو جعفر عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة .

١١٥
 &

ـ كنز العمال ج ٨ ص ٢٨٦

عن علي قال : من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة . ليس من الفطرة القراءة مع الإمام .

ـ كنز العمال ج ٣ ص ٦٢

لن تزال أمتي على الفطرة ما لم يتخذوا الأمانة مغنماً ، والزكاة مغرماً . ص ، عن ثوبان .

ـ صحيح البخاري ج ١ ص ١٩٢

شعبة عن سليمان ، قال سمعت زيد بن وهب قال رأى حذيفة رجلاً لا يتم الركوع والسجود قال : ما صليت ، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً صلی الله عليه وسلم . انتهى . ونحوه في سنن البيهقي ج ٢ ص ٣٨٦ وكنز العمال ج ٨ ص ٢٠٠ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٨٤

تقوية الفطرة وتضعيفها وإساءة استعمالها

ـ بحار الأنوار ج ٧٣ ص ٢٦٩

. . . ثم الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في أول الفطرة وبحسب ما يطرأ عليها من الأمور الخارجة من التفريط والإفراط والإعتدال ، أما التفريط فيفقد هذه القوة أو يضعفها بأن لا يستعملها فيما هو محمود عقلاً وشرعاً مثل دفع الضرر عن نفسه على وجه سائغ ، والجهاد مع أعدائه والبطش عليهم ، وإقامة الحدود على الوجه المعتبر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتحصل فيه ملكة الجبن بل ينتهي إلى عدم الغيرة على حرمه وأشباه ذلك . انتهى . أقول : ويدل عليه أيضاً قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( ولكن أبواه يهودانه أو ينصرانه ) .

ـ بحار الأنوار ج ٦٠ ص ٣٧٢

الإقبال : عن الحسين بن علي عليهما‌السلام في دعاء يوم عرفة :

١١٦
 &

ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئاً مذكوراً وخلقتني من التراب ، ثم أسكنتني الأصلاب ، آمناً لريب المنون واختلاف الدهور ، فلم أزل ظاعناً من صلب إلى رحم في تقادم الأيام الماضية والقرون الخالية ، لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إلي في دولة أئمة الكفرة الذين نقضوا عهدك ، وكذبوا رسلك ، لكنك أخرجتني رأفةً منك وتحنناً علي للذي سبق لي من الهدى الذي يسرتني وفيه أنشأتني ، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك ، وسوابغ نعمتك ، فابتدعت خلقي ، من مني يمني ، ثم اسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم وجلد ودم ، لم تشهرني بخلقي ، ولم تجعل إليَّ شيئاً من أمري ، ثم أخرجتني إلى الدنيا تاماً سوياً ، وحفظتني في المهد طفلاً صبياً ، ورزقتني من الغذاء لبناً مرياً ، وعطفت على قلوب الحواضن ، وكفلتني الأمهات الرحائم ، وكلأتني من طوارق الجان ، وسلمتني من الزيادة والنقصان ، فتعاليت يا رحيم يا رحمان .

حتى إذا استهللت ناطقاً بالكلام ، أتممت على سوابغ الأنعام ، فربيتني زائداً في كل عام حتى إذا كملت فطرتي ، واعتدلت سريرتي ، أوجبت عليَّ حجتك بأن ألهمتني معرفتك ، وروعتني بعجائب فطرتك ، وأنطقتني لما ذرأت لي في سمائك وأرضك من بدائع خلقك ، ونبهتني لذكرك وشكرك ، وواجب طاعتك وعبادتك ، وفهمتني ما جاءت به رسلك . . إلخ . انتهى .

قال المجلسي رحمه‌الله الفطرة إشارة إلى قوة الأعضاء والقوى الظاهرة ، واعتدال السريرة إلى كمال القوى الباطنة . . . . ألقيت في روعي أي قلبي عجائب الفطرة ، لكنه بعيد عن الشائع في إطلاق هذا اللفظ بحسب اللغة . انتهى .

أقول : الظاهر أن معناه : جعلتني أدرك روائع وعجائب ما فطرته من مخلوقاتك .

ـ تفسير الميزان ج ١٦ ص ١٧٨

الفطرة بناء نوع من الفطر بمعنى الإيجاد والإبداع ، وفطرة الله منصوب على الاغراء أي إلزم الفطرة ، ففيه إشارة إلى أن هذا الدين الذي يجب إقامة الوجه له ، هو

١١٧
 &

الذي تهتف به الخلقة وتهدي إليه الفطرة الإلۤهية التي لا تبديل لها .

وذلك أنه ليس الدين إلا سنة الحياة والسبيل التي يجب على الإنسان أن يسلكها حتى يسعد في حياته ، فلا غاية للانسان يتبعها إلا السعادة ، وقد هدى كل نوع من أنواع الخليقة إلى سعادته التي هي بغية حياته بفطرته ونوع خلقته ، وجهزه في وجوده بما يناسب غايته من التجهيز ، قال تعالى : رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ . طه ـ ٥٠ وقال : الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ . الأعلى ـ ٣ .

فالإنسان كسائر الأنواع المخلوقة مفطور بفطرة تهديه إلى تتميم نواقصه ورفع حوائجه وتهتف له بما ينفعه وما يضره في حياته ، قال تعالى : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا : الشمس ـ ٨ وهو مع ذلك مجهز بما يتم له به ما يجب له أن يقصده من العمل ، قال تعالى : ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ : عبس ـ ٢٠ .

فللانسان فطرة خاصة تهديه إلى سنة خاصة في الحياة وسبيل معينة ذات غاية مشخصة ليس له إلا أن يسلكها خاصة ، وهو قوله : فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، وليس الإنسان العائش في هذه النشأة إلا نوعاً واحداً لا يختلف ما ينفعه وما يضره بالنظر إلى هذه البنية المؤلفة من روح وبدن ، فما للإنسان من جهة أنه إنسان إلا سعادة واحدة وشقاء واحد ، فمن الضروري حينئذ أن يكون تجاه عمله سنة واحدة ثابتة يهديه اليها هاد واحد ثابت ، وليكن ذاك الهادي هو الفطرة ونوع الخلقة ، ولذلك عقب قوله : فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، بقوله : لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ، فلو اختلفت سعادة الإنسان باختلاف أفراده لم ينعقد مجتمع واحد صالح يضمن سعادة الأفراد المجتمعين ، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأقطار التي تعيش فيها الأمم المختلفة بمعنى أن يكون الأساس الوحيد للسنة الإجتماعية ، أعني الدين هو ما يقتضيه حكم المنطقة ، كان الإنسان أنواعاً مختلفة باختلاف الأقطار ، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأزمنة بمعنى أن تكون الأعصار والقرون هي الأساس الوحيد للسنة الدينية ، اختلفت نوعية كل قرن وجيل مع من ورثوا من آبائهم أو أخلفوا من أبنائهم ،

١١٨
 &

ولم يسر الإجتماع الإنساني سير التكامل ، ولم تكن الإنسانية متوجهة من النقص إلى الكمال ، إذ لا يتحقق النقص والكمال إلا مع أمر مشترك ثابت محفوظ بينهما .

وليس المراد بهذا إنكار أن يكون لاختلاف الأفراد أو الأمكنة أو الأزمنة بعض التأثير في انتظام السنة الدينية في الجملة ، بل إثبات أن الأساس للسنة الدينية هو البنية الإنسانية التي هي حقيقة واحدة ثابتة مشتركة بين الأفراد ، فللإنسانية سنة واحدة ثابتة بثبات أساسها الذي هو الإنسان ، وهي التي تدير رحى الإنسانية مع ما يلحق بها من السنن الجزئية المختلفة باختلاف الأفراد أو الأمكنة أو الأزمنة . وهذا هو الذي يشير إلى قوله بعد ذلك : الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . . . .

وللقوم في مفردات الآية ومعناها أقوال أخر متفرقة ، منها : أن المراد بإقامة الوجه تسديد العمل ، فإن الوجه هو ما يتوجه إليه وهو العمل وإقامته تسديده . وفيه أن وجه العمل هو غايته المقصودة منه وهي غير العمل ، والذي في الآية هو : فَأَقِمْ وَجْهَكَ ، ولم يقل فأقم وجه عملك . . . .

ومنها ، أن لا في قوله : لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ، تفيد النهي أي لا تبدلوا خلق الله أي دينه الذي أمرتم بالتمسك به ، أو لا تبدلوا خلق الله بإنكار دلالتة على التوحيد ، ومنه من نسب إلى ابن عباس أن المراد به النهي عن الخصاء .

وفيه ، أن لا دليل على أخذ الخلق بمعنى الدين ولا موجب لتسمية الإعراض عن دلالة الخلقة أو إنكارها تبديلاً لخلق الله ، وأما ما نسب إلى ابن عباس ففساده ظاهر .

ومنها ، ما ذكره الرازي في التفسير الكبير قال : ويحتمل أن يقال خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله ، أي ليس كونهم عبيداً مثل كون المملوك عبداً للإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق ، بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية . وهذا لبيان فساد قول من يقول العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقى عليه تكليف ، وقول المشركين إن الناقص لا يصلح لعبادة الله ، وإنما الإنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله ، وقول النصارى إن عيسى كان

١١٩
 &

يحل الله فيه وصار إلۤها ، فقال : لا تبديل لخلق الله بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك . إنتهى .

وفيه ، أنه مغالطة بين الملك والعبادة التكوينيين والملك والعبادة التشريعيين ، فإن ملكه تعالى الذي لا يقبل الإنتقال والبطلان ملك تكويني بمعنى قيام وجود الأشياء به تعالى ، والعبادة التي بإزائه عبادة تكوينية وهو خضوع ذوات الأشياء له تعالى ، ولا تقبل التبديل والترك كما في قوله : وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ : إسراء ـ ٤٤ وأما العبادة الدينية التي تقبل التبديل والترك فهي عبادة تشريعية بإزاء الملك التشريعي المعتبر له تعالى ، فافهمه . ولو دل قوله لا تبديل لخلق الله على عدم تبديل الملك والعبادة والعبودية لدل على التكويني منهما ، والذي يبدله القائلون بارتفاع التكليف عن الإنسان الكامل أو بعبادة الكواكب أو المسيح ، فإنما يعنون به التشريعي منهما .

ـ تفسير الميزان ج ٥ ص ٣١٢

البيانات القرآنية تجري في بث المعارف الدينية وتعليم الناس العلم النافع هذا المجرى ، وتراعي الطرق المتقدمة التي عينتها للحصول على المعلومات ، فما كان من الجزئيات التي لها خواص تقبل الإحساس فإنها تصريح فيها إلى الحواس كالآيات المشتملة على قوله : أَلَمْ تَرَ ، أَفَلَا يَرَوْنَ ، أَفَرَأَيْتُمُ ، أَفَلَا تُبْصِرُونَ ، وغير ذلك .

وما كان من الكليات العقلية مما يتعلق بالأمور الكلية المادية ، أو التي هي وراء عالم الشهادة ، فإنها تعتبر فيها العقل اعتباراً جازماً وإن كانت غائبة عن الحس خارجة عن محيط المادة والماديات كغالب الآيات الراجعة إلى المبدأ والمعاد المشتملة على أمثال قوله : لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ، لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ، لقوم يتذكرون ، يَفْقَهُونَ ، وغيرها .

وما كان من القضايا العملية التي لها مساس بالخير والشر والنافع والضار في العمل والتقوى والفجور ، فإنها تستند فيها إلى الإلهام الإلۤهي بذكر ما بتذكره يشعر الإنسان بإلهامه الباطني كالآيات المشتملة على مثل قوله : ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ، فإنه آثم قلبه ،

١٢٠