موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وهذا بخلاف ما إذا كان المحل نظيفاً ، إذ لا حاجة حينئذ إلى غسلهما ، لأن الماء بطبعه يصل إلى تحت القدمين عند صبه على الرأس والمنكبين ، وعليه فلا يشترط تطهير جميع أعضاء الغسل قبله.

وأمّا المقام الثاني أعني اشتراط تطهير كل عضو قبل غسله فقد ذهب إليه المشهور. والمستند لهم في ذلك أحد أمرين :

أحدهما : أن العضو لو كان متنجساً تنجس به الماء عند وصوله إليه ولا يصح الغسل مع الماء المتنجس ، إذ لا بدّ في إزالة الحدث من أن يكون الماء طاهراً ، بل وكذلك الحال في إزالة الخبث ، إذ الماء المتنجس بوصوله إلى العضو لا يكفي في تطهيره وإزالة الخبث ، فلا يحصل به إزالة الخبث ولا الحدث.

نعم لا بدّ في إزالة الخبث من أن نعتبر طهارة الماء قبل أن يصل إلى المحل المتنجس فالنجاسة الحاصلة بنفس الغسل أي بوصول الماء إلى المحل غير مانعة عن حصول الطّهارة به ، وذلك للضرورة الملجئة إلى ذلك ، حيث إن الماء القليل لو اشترطنا طهارته حتى بعد وصوله إلى المحل مع القول بنجاسة الغسالة مطلقاً لزم عدم إمكان تطهير شي‌ء من المتنجسات به ، وهو خلاف الأخبار والضرورة. وأما في إزالة الحدث فلا ضرورة ملجئة إلى تخصيص اشتراط الطّهارة بما قبل وصول الماء إلى العضو ، بل نلتزم فيه باشتراط الطّهارة في الماء مطلقاً قبل وصوله إليه وبعده ، وغاية ما يلزمه بطلان الغسل به قبل تطهير العضو المتنجس وهو مما لا محذور في الالتزام به ، ومن هنا نعتبر في صحّة الغسل بالماء القليل تطهير كل عضو قبل غسله.

ولا يخفى أنه لا تترتب النتيجة على هذا الاستدلال إلاّ على نحو الموجبة الجزئية أي فيما إذا اغتسل بالماء القليل مع القول بنجاسة الغسالة مطلقاً ، وأما إذا اغتسل في الكر أو الجاري أو غيرهما من المياه المعتصمة فلا يتنجس الماء بوصوله إلى العضو المتنجس حتى يشترط في صحّة الغسل به طهارة العضو قبل غسله ، وكذا إذا اغتسل بالماء القليل مع القول بطهارة الغسالة مطلقاً كما التزم به بعضهم أو فيما إذا كانت متعقبة بطهارة المحل ، فان الماء لا يتنجس في هذه الصورة فلا يبطل به غسله.

٤٠١

ثانيهما : أن غسل البدن يتعلق للأمر من جهتين : من جهة إزالة الخبث كما في موثقة عمار : « فعليه أن يغسل ثيابه ، ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء » (١) وغيره من الأوامر الواردة في غسل البدن أو صبّ الماء عليه لتطهيره (٢) ، ومن جهة إزالة الحدث كما في صحيحة زرارة الآمرة بغسل البدن من القرن إلى القدم (٣) ، وحيث إنّ الأصل عدم التداخل فلا بدّ من أن نلتزم بتعدد غسل البدن فتارة من جهة الأمر بغسله لإزالة الخبث وأُخرى من جهة الأمر بإزالة الحدث ، لاستحالة تعلق أمرين أو أزيد على طبيعة واحدة فلا محالة يقيد متعلق كل منهما بما هو غير متعلق الآخر هذا.

ولا يخفى أن الطبيعة الواحدة إذا تعلق بها أمران فصاعداً وإن كان مقتضى الأصل عدم التداخل فيه ، لأن كل شرط وسبب يستدعي مسبباً عليحدة ، ويستحيل أن يبعث نحو الشي‌ء الواحد ببعثين ويطلب مرّتين ، كما إذا ورد إن أفطرت فكفّر وإن ظاهرت فكفّر ، فيقيد متعلق كل منهما بفرد دون الفرد الآخر الذي تعلق عليه الطلب الآخر. إلاّ أن ذلك فيما إذا كان الأمران مولويين تكليفيين كما في المثال ، وأما إذا كانا إرشاديين فلا مانع من تداخلهما ، وليس الأصل فيهما عدم التداخل.

والأمر في المقام كذلك ، لأن الأمر بغسل البدن من جهة إزالة الأخباث إرشاد إلى نجاسة البدن بإصابة الماء المتنجس أو غيره له كما أنه إرشاد إلى أن نجاسته لا ترتفع بغير الغسل ، وكذا الأمر بغسل البدن من جهة إزالة الحدث لأنه إرشاد إلى شرطية غسل تمام البدن في الغسل. وأي محذور في اجتماعهما على طبيعة واحدة؟ بل لا مناص عنه أخذاً بإطلاقهما ، فنلتزم أن الغسل مما يزال به نجاسة البدن كما أنه شرط في صحّة الغسل فلا موجب لتقييد كل منهما بفرد غير ما تعلّق به الآخر ، فانّ الموجب للقول بعدم التداخل إنما هو استحالة طلب الشي‌ء مرّتين وعدم معقولية البعث نحو الشي‌ء ببعثين الذي هو نظير محذور اجتماع المثلين في شي‌ء واحد ، وهذا كما ترى مختص‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٤٢ / أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ٣٤٣ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ وغيره من الأبواب.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٣٠ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥.

٤٠٢

[٦٦٧] مسألة ٦ : يجب اليقين بوصول الماء إلى جميع الأعضاء فلو كان حائل وجب رفعه (١) ، ويجب اليقين بزواله مع سبق وجوده (٢) ومع عدم سبق وجوده يكفي الاطمئنان بعدمه (*) بعد الفحص.

[٦٦٨] مسألة ٧ : إذا شكّ في شي‌ء أنه من الظاهر أو الباطن يجب‌

______________________________________________________

بالأمرين التكليفيين ولا يأتي في الإرشاديين بوجه ، إذ لا طلب ولا بعث فيهما فلا محذور في اجتماعهما في شي‌ء واحد فالأصل فيهما التداخل لا عدم التداخل ، فان بالغسل مرّة يرتفع الخبث كما يحصل به شرط صحّة الغسل.

وعليه فالصحيح عدم اعتبار طهارة كل عضو قبل غسله وتطهيره إلاّ أن الأحوط ذلك ، بل الأولى أن يطهر جميع أعضائه قبل أن يشرع في الغسل لوجود المخالف في المسألة والقول بالاشتراط.

(١) لقاعدة الاشتغال حتى يقطع بالفراغ.

كفاية الاطمئنان بالعدم‌

(٢) لاستصحاب بقائه ولا ينقض اليقين إلاّ بيقين مثله. ولكن الصحيح كفاية الاطمئنان بالزوال لأنه يقين عقلائي ويطلق عليه اليقين في لسان أهل المحاورة والعامّة ، كما أنه يقين بحسب اللغة ، لأن اليقين من يقن بمعنى سكن وثبت كما أن الاطمئنان بمعنى سكن واستقر فهو يقين لغة وعرفاً وإن كان بحسب الاصطلاح لا يطلق عليه اليقين ، فمع حصوله يرفع اليد عن اليقين السابق لا محالة ، وعليه فلا وجه للفرق بين صورة سبق وجود الحائل وصورة عدم سبقه ، بل يكفي الاطمئنان في كليهما.

__________________

(*) لا فرق في كفايته بين سبق الوجود وعدمه.

٤٠٣

غسله (*) (١) على خلاف ما مرّ في غسل النجاسات (**) حيث قلنا بعدم وجوب غسله. والفرق أن هناك الشك يرجع إلى الشك في تنجسه بخلافه هنا حيث إن التكليف بالغسل معلوم فيجب تحصيل اليقين بالفراغ ، نعم لو كان ذلك الشي‌ء باطناً سابقاً وشك في أنه صار ظاهراً أم لا فلسبقه بعدم الوجوب لا يجب غسله عملاً بالاستصحاب (٢).

______________________________________________________

الشك في كون الشي‌ء من الباطن‌

(١) قدّمنا تفاصيل الشك في أن الشي‌ء من الباطن أو الظاهر من دون العلم بحالته السابقة في مبحث الوضوء وقلنا إن الشك فيه قد يكون من قبيل الشبهة الحكمية المفهومية وأُخرى من قبيل الشبهة الموضوعية (٣) ، وبيّنا أحكامهما مفصلاً وحيث إن الغسل والوضوء في ذلك سواء فلا نطيل بذكره في المقام.

(٢) وليس هذا الأصل من المثبت في شي‌ء ، لأن عدم وجوب غسل الموضع من الآثار المترتبة على كونه باطناً شرعاً ، وليس استصحاب الموضوع للأثر الشرعي لأجل ترتيبه من المثبت في شي‌ء ، فان المثبت هو استصحاب الشي‌ء لأجل ترتيب آثار لوازمه أو ملزوماته أو ملازماته. وقد بينا في محلِّه أن أدلّة اعتبار الاستصحاب لا تشمل إلاّ الآثار المترتبة على نفس المستصحب لا على لوازمه (٤) ، فإذا جرى استصحاب كون الشي‌ء من الباطن وتعبّدنا بعدم وجوب غسله وغسلنا سائر المواضع الظاهرة بالوجدان فبضم الوجدان إلى الأصل نحرز أنا غسلنا بدننا من القرن إلى القدم مما يعد ظاهراً ، والطّهارة اسم لذلك.

__________________

(*) على الأحوط ، ولا يبعد عدم الوجوب كما مرّ في باب الوضوء.

(**) تقدّم الكلام فيه [ في المسألة ٣٨٦ ].

(١) شرح العروة ٥ : ١٠٥.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ١٦١.

٤٠٤

[٦٦٩] مسألة ٨ : ما مرّ من أنه لا يعتبر الموالاة في الغسل الترتيبي إنما هو فيما عدا غسل المستحاضة والمسلوس والمبطون فإنه يجب فيه المبادرة إليه وإلى الصلاة بعده من جهة خوف خروج الحدث (١).

______________________________________________________

(١) ظاهر كلامه بل صريحه أن كلامه إنما هو فيما إذا كانت هناك فترة تسع الصلاة مع الطّهارة ، ولا إشكال في أن المسلوس والمبطون كما تقدّم (١) كذلك المستحاضة كما يأتي (٢) تجب عليهم المبادرة إلى الغسل والصلاة حينئذ والإتيان بإجزائهما متوالية متتابعة ، وإنما الكلام في أن هذا استثناء مما تقدّم من عدم اعتبار الموالاة في الغسل كما هو ظاهر عبارة المتن أو أنه حكم آخر لا ربط له بالحكم السابق بوجه؟

المتعين هو الأخير ، لأنّ ما قدّمناه من عدم اعتبار الموالاة في الغسل (٣) حكم وضعي بمعنى عدم اشتراط التتابع في الغسل ، وأما وجوبه في المسلوس وأخويه فإنما هو وجوب تكليفي ليس بمعنى الاشتراط ، لوضوح أن المسلوس أو أخويه إذا اغتسل لا مع الموالاة ولم يخرج منه حدث من باب الاتفاق حكم بصحّة غسله ، وعليه فالغسل لا يشترط فيه الموالاة مطلقاً حتى المسلوس والمبطون والمستحاضة. نعم تجب المبادرة والمسارعة في حق هؤلاء تحفظاً على صلاتهم مع الطّهارة لئلاّ يخرج منهم الحدث قبل إتمامها بمقدماتها وهو وجوب تكليفي ، بل المبادرة والموالاة في حقّهم أضيق دائرة من الموالاة المعتبرة في الوضوء أعني عدم جفاف الأعضاء السابقة وصدق التتابع العرفي ، بحيث لو فرضنا أن الموالاة العرفية وبقاء الأعضاء السابقة على رطوبتها يتحقّقان ويستمران إلى خمس دقائق مثلاً ولكنه متمكن من الغسل في دقيقة واحدة وجب الإتيان به في دقيقة واحدة تحفّظاً على صلاته مع الطّهارة. فالموالاة ثابتة في حق هؤلاء ، وما أفاده ليس استثناء ممّا تقدّم ، بل المناسب أن يذكر ذلك في‌

__________________

(١) في ص ٢٠٩.

(٢) في المسألة [٧٩٩].

(٣) في ص ٣٨٣.

٤٠٥

[٦٧٠] مسألة ٩ : يجوز الغسل تحت المطر وتحت الميزاب ترتيباً لا ارتماساً نعم إذا كان نهر كبير جارياً من فوق على نحو الميزاب لا يبعد جواز الارتماس تحته أيضاً (١) إذا استوعب الماء جميع بدنه على نحو كونه تحت الماء.

______________________________________________________

بحث السلس والبطن والاستحاضة ويقال إنهم يجب أن يبادروا إلى الغسل والصلاة ويسارعوا إليه بالإتيان متتابعاً ، ولا يناسب ذكره في المقام.

وأمّا إذا لم تكن فترة في البين تسع الصلاة فقد ذكرنا في المسلوس والمبطون (١) ويأتي في المستحاضة أيضاً (٢) أن ما ابتلوا به من الحدث ليس حدثاً في حقهم ولا ينتقض به وضوءهم وغسلهم.

جواز الغسل تحت المطر ونحوه‌

(١) إذا صدق معه الارتماس والتغطية والتستّر في الماء لا إشكال في صحّة غسله كما في النهر الكبير الجاري من الفوق ، إذ لا يعتبر في الارتماس الدخول في الماء من طرف الرجلين كما هو الحال في المياه المتعارفة من الحوض والنهر والبحر ونحوها ، بل لو دخله من طرف رأسه أيضاً لكفى ذلك في صحّته إذ المناط فيه صدق التغطية والتستّر بالماء.

وأمّا إذا لم يصدق معه الارتماس بالمعنى المذكور كما إذا وقع تحت المطر حيث إن قطراته غير متّصلة فتقع منه قطرة ثمّ قطرة اخرى من غير اتصال فلا يكون معه البدن متستراً بالماء ومتغطياً به في آن واحد ، فلا كلام في عدم كونه من الارتماس حقيقة إلاّ أن الكلام في أنه ملحق بالارتماس في عدم اعتبار الترتيب فيه أو أنه غير ملحق به فيعتبر فيه الترتيب لا محالة. قد يقال بإلحاقه بالارتماس تمسكاً بإطلاق ما دلّ على كفاية الغسل تحت المطر ، حيث لم يقيد الإجزاء فيه بما إذا كان مع الترتيب. والعمدة‌

__________________

(١) في ص ٢١٢ ٢١٩ ٢٢٢.

(٢) في المسألة [٧٨٧].

٤٠٦

فيما دلّ على كفاية الغسل تحت المطر روايتان صحيحتان لعلي بن جعفر رواهما في كتابه ، كما رواهما الحميري والشيخ وغيرهما.

إحداهما : « عن الرجل يجنب هل يجزئه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ فقال : إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك » (١).

ثانيتهما : « عن الرجل تصيبه الجنابة ولا يقدر على الماء فيصيبه المطر أيجزئه ذلك أو عليه التيمم؟ فقال : إن غسله أجزأه وإلاّ تيمّم » (٢) بدعوى دلالتهما على أن ماء المطر إذا كان بقدر سائر المياه مما يكفي في غسل بدنه أجزأه ذلك عن الغسل من دون اعتبار الترتيب في صحّته. ومقتضى إطلاقهما أن الغسل تحت المطر ملحق بالارتماسي في عدم اعتبار الترتيب فيه وإن لم يكن ارتماساً حقيقة.

وفيه : أن الصحيحتين لا إطلاق لهما ، حيث إن نظرهما إلى أن ماء المطر كبقية المياه ، فكأن السائل احتمل أن لا يكون ماء المطر كافياً في الغسل فسأله عمن أصابته الجنابة وهو لا يقدر على غير المطر من المياه فهل إصابة المطر كافية في حقه أو أن وظيفته التيمم ، ثمّ سأله عن حكمه عند تمكنه من سائر المياه فأجابه عليه‌السلام بأنه إن غسله اغتساله بالماء كفى. فالصحيحتان ناظرتان إلى كفاية ماء المطر كغيره وليستا ناظرتين إلى غير ذلك فلا إطلاق فيهما. على أن قوله : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ... » ظاهر في أنّ الاغتسال بالمطر لو كان كالاغتسال بالماء من حيث الكم والكيف أجزأه ، بأن يكون ماء المطر بمقدار يمكن به الاغتسال كبقيّة المياه وأن يغسل به رأسه أوّلاً ثمّ جسده كما هو الحال في الغسل بغير ماء المطر. ويشهد له قول علي بن جعفر : حتى يغسل رأسه وجسده. لأنه قرينة على التفاته إلى اعتبار الترتيب‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٣١ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٠ ، مسائل علي بن جعفر : ١٨٣ / ٣٥٤ ، قرب الاسناد : ١٨٢ / ٦٧٢ ، التهذيب ١ : ١٤٩ / ٤٢٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٣٢ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١١ ، مسائل علي بن جعفر : ١٨٣ / ٣٥٥ ، قرب الاسناد : ١٨١ / ٦٦٨.

٤٠٧

[٦٧١] مسألة ١٠ : يجوز العدول عن الترتيب إلى الارتماس في الأثناء (١) وبالعكس (٢) لكن بمعنى رفع اليد عنه والاستئناف على النحو الآخر.

[٦٧٢] مسألة ١١ : إذا كان حوض أقل من الكر يجوز الاغتسال فيه بالارتماس (٣) مع طهارة البدن‌

______________________________________________________

في الغسل بالمطر ويسأله عن أن تلك الكيفية في المطر كافية أو غير كافية ، وأجابه عليه‌السلام بأنّ الغسل به إذا كان كالغسل بغيره كماً وكيفاً أجزأه. فهاتان الصحيحتان ممّا لا دلالة له على ذلك المدعى.

نعم هناك رواية ثالثة لا يبعد ظهورها في الإطلاق بل هو قريب ، وهي رواية ابن أبي حمزة : « في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده أيجزئه ذلك من الغسل؟ قال : نعم » (١). لدلالتها على أن القيام تحت المطر كاف في صحّة الغسل من دون اشتراط الترتيب فيه. إلاّ أنها مرسلة ، ولأجله لا يمكننا الاعتماد عليه. فالصحيح أن في الغسل في المطر لا بدّ من ملاحظة الترتيب.

جواز العدول عن إحدى كيفيتي الاغتسال إلى الأُخرى‌

(١) إذ لا دليل على حرمة رفع اليد عن الترتيبي ، فلو كان غسل رأسه بقصد الغسل الترتيبي ثمّ بدا له في الغسل الارتماسي وارتمس يشمله قوله : « إذا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك ».

(٢) هذا إنما يتصور على مسلكه من إمكان كون الارتماس تدريجياً ، وأمّا بناء على ما ذكرناه من أن الارتماس أمر آني دفعي الحصول فأمره دائر بين الوجود والعدم ولا يعقل فيه العدول والبداء في أثنائه.

إذا اغتسل في أقل من الكر‌

(٣) لعدم الدليل على اشتراط الكثرة فيما يغتسل فيه بالارتماس ، ولإطلاق قوله‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٣٢ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٤.

٤٠٨

لكن بعده يكون من المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، فبناءً على الإشكال فيه يشكل الوضوء والغسل منه بعد ذلك (١) وكذا إذا قام فيه واغتسل بنحو الترتيب (٢) بحيث رجع ماء الغسل فيه (*)

______________________________________________________

( عليه‌السلام ) : « إذا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه » (٢).

(١) لأنه ماء قليل مستعمل في إزالة الحدث الأكبر وهو لا يجوز استعماله في رفع الحدث الأكبر أو الأصغر ثانياً ، لما في موثقة ابن سنان من أن « الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه وأشباهه » (٣).

(٢) لا يمكن المساعدة على ما أفاده قدس‌سره بوجه ، لأن الموضوع للنهي عن الاغتسال أو التوضؤ بالماء المستعمل هو الماء الذي اغتسل به الرجل لا ما امتزج به الماء المستعمل في الاغتسال.

وتوضيح ذلك : أن الماء الراجع إلى الماء القليل قد يكون مستهلكاً في ضمنه لكثرته بالإضافة إلى الماء المستعمل الراجع إليه ولا إشكال حينئذ في جواز الاغتسال به ، لعدم صدق الماء المستعمل عليه ، بل هو ماء غير مستعمل في الاغتسال. وقد ينعكس الأمر ويكون الماء القليل مستهلكاً فيما يرجع إليه من الماء المستعمل لكثرته وقلّة الماء القليل ، ومعه أيضاً لا إشكال في المسألة إذ لا يجوز الغسل منه ، لأنه ماء مستعمل في إزالة الحدث. وثالثة : يمتزج الماء المستعمل الراجع إلى الماء القليل معه من دون أن يستهلك أحدهما في الآخر وهذا أيضاً لا مانع من استعماله في رفع الحدث ، لما عرفت من أن الموضوع للمنع عن الاستعمال هو الماء الذي اغتسل به لا الماء الممتزج به الماء المستعمل في الاغتسال. ومن هنا لا بأس بالماء المنتضح من الماء المستعمل في‌

__________________

(*) موضوع الحكم هو الماء الذي يغتسل به من الجنابة ، وأما الممتزج منه ومن غيره فلا بأس به ما لم يستهلك غيره فيه.

(١) الوسائل ٢ : ٢٣٠ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥ ، ١٢.

(٢) الوسائل ١ : ٢١٥ / أبواب الماء المضاف والمستعمل ب ٩ ح ١٣.

٤٠٩

وأمّا إذا كان كراً أو أزيد فليس كذلك ، نعم لا يبعد (*) صدق المستعمل عليه إذا كان بقدر الكر لا أزيد واغتسل فيه مراراً عديدة (١) لكن الأقوى كما مرّ جواز الاغتسال والوضوء من المستعمل.

______________________________________________________

الإناء كما ورد في صحيحة الفضيل (١).

(١) وهذا لا لأنه إذا كان بمقدار الكر واغتسل فيه نقص عن الكر ومعه يكون من الماء القليل المستعمل في إزالة الحدث ، إذ لو كان نظر الماتن إلى ذلك لم يكن وجه للتقييد بالمرار العديدة ، إذ لو كان الماء بمقدار الكر فحسب من دون أن يزيد عليه لنقص عنه ولو بالغسل فيه مرّة واحدة كما لعله ظاهر. بل من جهة حسبان أن الماء إذا اغتسل فيه مراراً متعددة وكان بقدر الكر لا زائداً عليه بكثير كما في البحار والأنهار الكبيرة صدق عليه أنه ماء مستعمل في إزالة الحدث الأكبر ، فإنه لو قسّم إلى كل واحد واحد من اغتسالاته لوقع بإزاء كل واحد منها من الماء مقدار يسير غير بالغ حدّ الكر ، والماء القليل المستعمل في إزالة الحدث الأكبر غير رافع للحدث ثانياً فلا يصحّ استعماله في رفع الحدث ثانيا.

وفيه : أن الموضوع لعدم جواز استعمال الماء في رفع الحدث ثانياً ليس هو الماء المستعمل في إزالة الحدث الأكبر ، وإلاّ لصدق ذلك فيما هو زائد عن الكر ، ولم يكن للتقييد بقوله : لا أزيد ، وجه صحيح ، لأنا لو فرضنا الماء زائداً على الكر ولكن كان المغتسل فيه زائداً عن الواحد كما في خزانات الحمامات حتى الدارجة في يومنا هذا أيضاً يأتي فيه الكلام المتقدّم ، فإنه لو قسّم إلى كل واحد واحد من آحاد المغتسلين لم يقع بإزاء كل واحد منهم إلاّ أقل قليل ولعله لا يكفي في غسل بدنه ، ومعه لو كان صدق عنوان المستعمل كافياً في عدم ارتفاع الحدث بالماء المستعمل بلا فرق في ذلك بين الماء القليل والكثير للزم الحكم بعدم صحّة الغسل والوضوء في خزانات‌

__________________

(*) لا يضرّ صدقه عليه بعد ورود النص بجواز الاغتسال منه.

(١) الوسائل ١ : ٢١١ / أبواب الماء المضاف والمستعمل ب ٩ ح ١ ، ٥.

٤١٠

[٦٧٣] مسألة ١٢ : يشترط في صحّة الغسل ما مرّ من الشرائط في الوضوء (*) في‌

______________________________________________________

الحمّامات لما عرفت ، مع أنه مما لا يلتزم به هو قدس‌سره ولا غيره.

والسر في ذلك أن الموضوع لعدم ارتفاع الحدث بالماء المستعمل هو الماء المستعمل القليل ، لأنّ الكر ممّا نعلم بعدم انفعاله وتأثره من الخبث ولا الحدث ، وقد ورد في صحيحة محمّد بن مسلم السؤال عن « الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب ، قال : إذا كان قدر كر لم ينجسه شي‌ء » (٢) ، وكذلك في صحيحته الأُخرى (٣). وفي صحيحة صفوان بن مهران الجمال قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحياض التي ما بين مكّة إلى المدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب وتشرب منها الحمير ويغتسل فيها الجنب ويتوضأ منها ، قال : وكم قدر الماء؟ قال : إلى نصف الساق وإلى الركبة ، فقال : توضأ منه » (٤) حيث إن ظاهرها بل صريحها السؤال عن حكم الماء المستعمل ، وقد دلّت على عدم البأس به إذا كان كرّاً وإليه يشير تفصيله بين ما إذا كان إلى نصف الساق وغيره ، حيث إن الماء في الحياض الموجودة في الصحاري لو كان بالغاً إلى نصف الساق فهو زائد عن الكر بكثير ، ولا تقاس تلك الأحواض بالحياض الموجودة في الدور والحمامات.

فالمتحصل : أن الماء المستعمل الكثير لا يتأثر بشي‌ء ، وإنما لا يجوز استعماله في رفع الحدث ثانياً فيما إذا كان قليلاً ، ومع كونه كراً لا يمنع عن استعماله في رفع الحدث ثانياً وثالثاً وإن صدق عليه عنوان المستعمل في إزالة الحدث.

__________________

(*) مرّ تفصيلها في الوضوء ، وتلحق حرمة الارتماس بحرمة استعمال الماء في الأثر ، نعم يفترق الغسل عن الوضوء بأمرين : الأوّل : جواز المضي مع الشك بعد التجاوز وإن كان في الأثناء. الثاني : عدم اعتبار الموالاة فيه في الترتيبي.

(١) الوسائل ١ : ١٥٩ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٥.

(٢) الوسائل ١ : ١٥٨ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١.

(٣) الوسائل ١ : ١٦٢ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٢.

٤١١

الوضوء (١) من النيّة واستدامتها إلى الفراغ وإطلاق الماء وطهارته وعدم كونه ماء الغسالة وعدم الضّرر في استعماله وإباحته وإباحة ظرفه وعدم كونه من الذّهب والفضّة وإباحة مكان الغسل ومصب مائه وطهارة البدن وعدم ضيق الوقت والترتيب في الترتيبي وعدم حرمة الارتماس في الارتماسي منه كيوم الصوم وفي حال الإحرام والمباشرة في حال الاختيار ، وما عدا الإباحة وعدم كون الظرف من الذّهب والفضّة وعدم حرمة الارتماس من الشرائط (٢) واقعي لا فرق فيها بين العمد والعلم والجهل والنسيان ، بخلاف المذكورات فإن شرطيتها مقصورة على حال العمد والعلم.

______________________________________________________

الشرائط المعتبرة في صحّة الغسل‌

(١) وقد مرّ توضيح الكلام في جميع تلك الشرائط في الوضوء ، ولا وجه لإعادته غير اشتراط عدم حرمة الارتماس لاختصاصه بالغسل. والوجه في اشتراطه ظاهر إذ مع حرمة الارتماس يقع الغسل فاسداً منهياً عنه لعدم إمكان التقرب بالمبغوض والحرام لا محالة ، كما إذا ارتمس في نهار شهر رمضان أو في الإحرام أو في نهار الصوم الواجب المعيّن ولو غير شهر رمضان.

(٢) أراد بذلك التفرقة بين الشروط المتقدّمة وبين اشتراط عدم حرمة الارتماس نظراً إلى أن الأخير من الشرائط الواقعية فلا فرق في بطلان الغسل عند حرمته بين صورتي العلم والجهل لعدم اشتماله على شرطه ، وهذا بخلاف بقيّة الشروط كاشتراط حليّة الماء وإباحة ظرفه أو عدم كون الظرف من الذهب أو الفضّة ، لأن شرطيتها مقصورة بحال الذكر والعلم والاختيار (١) ، فإذا جهل بحرمتها فلا مانع عن صحّة الغسل لتمشي قصد التقرب منه عند الجهل بحرمة الماء أو ظرفه أو بكونه من الذهب أو الفضّة.

__________________

(١) لا يخفى التهافت بين المتن والشرح.

٤١٢

[٦٧٤] مسألة ١٣ : إذا خرج من بيته بقصد الحمام والغسل فيه فاغتسل بالداعي الأوّل لكن كان بحيث لو قيل له حين الغمس في الماء : ما تفعل؟ يقول : اغتسل ، فغسله صحيح وأمّا إذا كان غافلاً بالمرّة بحيث لو قيل له : ما تفعل ، يبقى متحيِّراً فغسله ليس بصحيح (١).

______________________________________________________

ولكنّا قدّمنا في بحث الوضوء (١) أن التفرقة بين صورتي العلم والجهل في الأفعال المحرمة إنما يتمّ في موارد اجتماع الأمر والنهي أعني موارد التزاحم ، بأن يتعلق الأمر بشي‌ء والنهي بشي‌ء آخر وتزاحما في موارد الاجتماع فإنه مع العلم بالحرمة لا يقع العمل صحيحاً لتزاحم الحكمين ، وأمّا إذا جهل بالحرمة فلا مانع من الحكم بصحّة المجمع لعدم تزاحم الحرمة المجهولة مع الوجوب. وأما في موارد التعارض كما في المقام بأن يكون شي‌ء واحد متعلقاً للحرمة والوجوب فان العمل محكوم بالبطلان حينئذ فلا فرق بين صورتي العلم بالحرمة والجهل بها ، وذلك لا لعدم تمكنه من قصد التقرب مع الجهل بحرمته لوضوح إمكانه مع الجهل ، بل من جهة أن المبغوض والمحرّم الواقعي لا يقع مصداقاً للواجب ولا يمكن أن يكون مقرباً بوجه إلاّ أن يكون الجهل مركباً كما في موارد النسيان والغفلة ، فإن الحرمة الواقعية ساقطة حينئذ لحديث رفع النسيان وهو رفع واقعي ، ومع عدم حرمة العمل بحسب الواقع لا مانع من أن يقع مصداقاً للواجب ويكون مقرباً إلى الله.

(١) ما أفاده قدس‌سره من الأمارات الغالبية الكاشفة عن وجود النيّة في خزانة النفس لا أنه هو المدار في صحّة الغسل وبطلانه ، فان المدار على أن تكون حركته نحو العمل منبعثة عن الداعي إلى ذلك العمل ونيّته ، فان كانت النيّة الداعية إلى العمل متحققة في خزانة نفسه وإن لم يلتفت إليها بالفعل إلاّ أنه يأتي به بارتكازه فالعمل صحيح. وهذا أمر كثير التحقق خارجاً فترى أنه خرج من منزله بداعي‌

__________________

(١) في شرح العروة ٥ : ٣١٩.

٤١٣

[٦٧٥] مسألة ١٤ : إذا ذهب إلى الحمام ليغتسل وبعد ما خرج شك في أنه اغتسل أم لا يبني على العدم (١) ولو علم أنه اغتسل لكن شك في أنه على الوجه الصحيح أم لا يبني على الصحّة (٢).

______________________________________________________

التشرّف إلى الحضرة الشريفة وقد غفل عن ذلك في أثناء مشيه وطريقه إلاّ أنه بالأخرة يصل الحرم بارتكازه ونيّته الكائنة في خزانة نفسه وإن لم يكن ملتفتاً إليها لتوجه النفس إلى أمر آخر دنيوي أو أُخروي.

وأما إذا لم يكن عمله بتحريك نيّة ذلك العمل ولو بارتكازه في خزانة النفس فلا محالة يحكم ببطلانه ، لعدم صدوره منه بالنيّة المعتبرة في صحّته. وما أفاده قدس‌سره من عدم تحيره في الجواب على تقدير السؤال عنه فهو أمارة غالبية على وجود النيّة في الخزانة وعدمها لا أنه المدار في الحكم بالصحّة والفساد كما قدّمنا تفصيله في بحث الوضوء (١).

إذا شكّ في اغتساله‌

(١) لاستصحاب عدم الإتيان به ، اللهمّ إلاّ أن نقول بجريان قاعدة التجاوز عند التجاوز عن المحل العادي وكانت عادته الاغتسال في وقت تجاوز عنه ، ولكنه احتمال ضعيف ، لعدم ترتب أثر شرعي على التجاوز عن المحل العادي على ما فصّلنا القول فيه في محلِّه (٢).

(٢) لقاعدة الفراغ ، لأن غسله مما مضى وكل شي‌ء قد مضى يمضى كما هو.

__________________

(١) في شرح العروة ٥ : ٤١٨.

(٢) في مصباح الأُصول ٣ : ٣١٥.

٤١٤

[٦٧٦] مسألة ١٥ : إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبين ضيقه وأن وظيفته كانت هو التيمم فإن كان على وجه الدّاعي يكون صحيحاً وإن كان على وجه التقييد (*) يكون باطلاً (١). ولو تيمم باعتقاد الضيق فتبين سعته ففي صحّته وصحّة صلاته إشكال (**) (٢).

______________________________________________________

التفصيل بين الدّاعي والتقييد‌

(١) هذا هو التفصيل الذي فصل به في الوضوء وحاصله : أنه إن أتى بالوضوء أو الغسل حينئذ بداعي الأمر الفعلي المتوجه إليهما الناشئ باعتقاده من الأمر بالصلاة أو بغيرها من المؤقتات فوضوءه وغسله صحيحان ، حيث أتى بهما بداعي الأمر الفعلي المتعلق بهما ، وغاية الأمر أنه أخطأ في التطبيق وحسب أن أمرهما الفعلي هو الوجوب الناشئ من الأمر بذي المقدّمة وكان أمرهما الفعلي هو الاستحباب ، وهو غير مضر في صحّتهما بعد إتيانهما بداعي أمرهما الفعلي. وأما إذا أتى بهما مقيّداً بأن يكونا مقدّمتين للصلاة أي مقيّداً بكونهما واجبين غيريين فيحكم ببطلانهما ، لعدم مقدّمتيهما وعدم وجوبهما الغيري حينئذ (٣).

هذا ولكنا ذكرنا هناك أن طبيعة الوضوء أو الغسل طبيعة واحدة غير قابلة للتقييد بشي‌ء ، والعبادية فيهما لم تنشأ عن مقدّميتهما للصلاة أو غيرها من العبادات وإنما نشأت عن استحبابهما الذاتيين ، فلا مانع من الحكم بصحّتهما لإتيانهما بداعي أمرهما الفعلي ، والخطأ في التطبيق غير مانع عن صحّتهما (٤).

(٢) قد تعرّض قدس‌سره للمسألة في التكلّم على مسوغات التيمم (٥) حيث عدّ‌

__________________

(*) لا يبعد أن لا يكون للتقييد أثر في أمثال المقام.

(**) لا ينبغي الإشكال في بطلانه وبطلان صلاته.

(١) الثامن من شرائط الوضوء ، قبل المسألة [٥٦٠].

(٢) شرح العروة ٥ : ٣٦١.

(٣) في المسألة [١٠٩٢].

٤١٥

[٦٧٧] مسألة ١٦ : إذا كان من قصده عدم إعطاء الأُجرة للحمامي فغسله باطل وكذا إذا كان بناؤه على النسيئة من غير إحراز رضا الحمامي بذلك وإن استرضاه بعد الغسل ، ولو كان بناؤهما على النسيئة ولكن كان بانياً على عدم إعطاء الأُجرة أو على إعطاء الفلوس الحرام ففي صحّته إشكال (*) (١).

______________________________________________________

منها ضيق الوقت ، وعندئذ تعرض لما إذا اعتقد المكلّف الضيق ثمّ تبين السعة وحكم هناك ببطلان التيمم جازماً به. وما أفاده هناك هو الصحيح ، إذ لا وجه لصحّة التيمم حينئذ ، لأن المفروض أنه كان واجداً للماء وكان الوقت وسيعاً وغاية الأمر أنه تخيل الضيق وتخيل وجوب التيمم ثمّ تبين خطأ اعتقاده وهو في الوقت ، نعم لو لم يتبين ذلك في الوقت إلى أن خرج فهو باعتقاده عاجز عن الماء واعتقاده لا يترتب عليه شي‌ء.

وأمّا لو كان معتقداً عدم الماء في مجموع الوقت فيمكننا الحكم بصحّة تيممه وإن كان في الواقع متمكناً منه ، وذلك لأنه باعتقاده عدم التمكن يعجز عن استعماله ولا يتمكن منه ما دام معتقداً لعدم الماء فهو غير متمكن من استعمال الماء حقيقة لاعتقاده ، فوظيفته التيمم ولو كان الماء موجوداً عنده واقعاً. وكيف كان ، فلا وجه للإشكال في بطلان التيمم في مفروض المسألة ، بل لا بدّ من الحكم ببطلانه جزماً كما صنعه هناك.

إذا اغتسل قاصداً عدم إعطاء الأُجرة‌

(١) التزم الماتن قدس‌سره ببطلان الاغتسال فيما إذا كان من قصده عدم إعطاء الأُجرة أو إعطاؤها من المال الحرام أو على إعطائها نسيئة فيما إذا كان بناء الحمامي على النقد ، واستشكل في صحّته فيما إذا كان بناؤهما أي الحمامي والمغتسل على النسيئة وصار بناء المغتسل على عدم إعطاء الأُجرة للحمّامي.

__________________

(*) أظهره عدم الصحّة مع عدم إحراز الرضا.

٤١٦

وتفصيل الكلام في هذه المسألة أن الاغتسال في الحمام قد يكون من باب الإجارة كما إذا أوقعاها بالصيغة على أن يدخل المغتسل الحمام مدّة متعارفة كساعة أو أقل أو أكثر لينتفع فيه بالتصرف في مائه وغيره في مقابلة أُجرة معيّنة ، وعليه فيكون المغتسل مالكاً بإجارته هذه التصرف في الحمام مدّة متعارفة كما أن الحمامي يملك بها الأُجرة المسمّاة على ذمّة المغتسل ، بلا فرق في ذلك بين أن يستوفي المغتسل تلك المنفعة المملوكة له أم لم يستوفها بل اشتغل مع أصحابه بشي‌ء آخر كالتكلم أو نحوه ، لأنه لا بدّ أن يدفع الأُجرة المسماة مطلقاً وإن فوت المنفعة على نفسه. كما لا فرق في ذلك بين أن يبني على عدم إعطاء الأُجرة للحمامي أو بنى على إعطائها ولكنه لم يعطها بعد ذلك أو إعطائها من المال الحرام ، لأن المعاملة صحيحة على كل حال وذمّة المغتسل مشغولة بالأُجرة المسمّاة ، والفعل الخارجي أعني إعطاء الأُجرة من المال الحرام أو عدم إعطائها أجنبيان عن المعاملة وصحّتها. ولا يختص ذلك بالإجارة بل يأتي في كل معاملة كان فيها العوض أمراً ذميّاً كما إذا اشترى شيئاً بقيمة معيّنة في ذمّته ، فإن المعاملة صحيحة سواء دفع القيمة أم لم يدفعها ، بنى على إعطائها أم لم يبن عليه. هذا إذا كان الدخول في الحمام للاغتسال أو لغيره من باب الإجارة.

وأمّا إذا كان من باب إباحة التصرّف في الحمّام بعوض لأنه من المعاملات المتداولة في الخارج من دون أن يكون هناك تمليك أو تملك ، فان المغتسل يدخل الحمام ويغتسل من غير أن يعلم بأُجرته وأنها أي مقدار ولا سيما في الغرباء كأهل مملكة أُخرى ، بل وكذلك في أهل مملكة واحدة كالنجفي إذا دخل الحمام في بغداد ، لأن الأسعار تختلف باختلاف البلدان والأمكنة ولا يدري أن الأُجرة أي مقدار ، كما أن الحمّامي لا يدري أنه يصرف من الماء بمقدار الاغتسال ارتماساً أو ترتيباً أو يصرفه مقداراً زائداً لتنظيف بدنه ، كما لا يعلم أنه يتصرف في الحمام بمقدار الاغتسال أو يريد تنظيف بدنه بالصابون والنورة ونحوهما ، ومع هذا كله لا يستشكل أحد في صحّة غسله ، فلو كان ذلك من باب الإجارة للزم تعيين الأُجرة والمنفعة والعلم بهما قبل الدخول لاعتبار العلم بمقدار العوضين في الإجارة.

٤١٧

وعليه فهو من باب إباحة التصرف بعوض ، فكأن الحمامي أعلن بالكتابة أو بغيرها على أنه يرضى للدخول في حمامه بشرط إعطاء العوض عند الخروج ، وحيث إن الشرط بعنوان الموضوع فيكون الرضا متعلقاً بدخول كل من يعطي العوض عند الخروج ، فإعطاء العوض عند الخروج من الشرط المتأخر لرضا الحمامي في الدخول والاغتسال في الحمام أو غيره من التصرّفات ، ومعه لا بدّ من أن يبني المغتسل على إعطاء الأُجرة حين الدخول والاغتسال كما لا بدّ من أن يعطيها عند الخروج.

فلو فرضنا أنه بنى على إعطائها إلاّ أنه عند الخروج لم يعط الأُجرة يحكم ببطلان غسله ، لأن عدم إعطاء الأُجرة كاشف عن عدم رضا الحمّامي بتصرّفاته من الابتداء كما أنّ إعطاءها كاشف عن رضاه بذلك على ما هو الحال في جميع موارد الشرط المتأخِّر. كما أنه لو انعكس الأمر فلم يبن على إعطاء الأُجرة عند دخوله واغتساله إلاّ أنه دفعها عند الخروج أيضاً يبطل غسله ، وذلك لأن إعطاءه الأُجرة وإن كان كاشفاً عن رضا الحمامي بدخوله واغتساله إلاّ أن المغتسل إما أن يكون حال غسله عالماً بعدم رضا الحمامي باغتساله لأنه بانٍ على عدم إعطائه الأُجرة ، وإما أن يكون شاكاً في ذلك لتردده في أنه يعطي الأُجرة أو لا يعطيها. فعلى الأوّل فهو عالم بحرمة التصرف في الماء وغيره ، ومعه كيف يتمشى منه قصد التقرّب عند الاغتسال وإن كان الحمامي راضياً واقعاً. وأما على الثاني فأيضاً الأمر كذلك ، لاستصحاب عدم رضا الحمامي وعدم إعطائه الأُجرة بعد الخروج ، فالتصرّفات الصادرة منه محكومة بالحرمة الظاهرية بالاستصحاب وإن كان في الواقع حلالاً لرضا الحمّامي بتصرّفاته ومع العلم بالحرمة أو ثبوتها بالتعبد كيف يتمشى منه قصد التقرّب ليصحّ غسله.

ومعه لا بدّ في صحّة اغتساله من بنائه على إعطاء العوض عند الخروج ومن إعطائه كذلك ، ومع انتفائهما أو انتفاء أحدهما يحكم ببطلان غسله. ولا فرق في ذلك بين النقد والنسيئة ، فلو فرضنا أن الحمامي يرضى بإعطاء العوض بعد مدّة معيّنة ولكنه بان على عدم إعطائها بعد تلك المدّة أو لم يعطها بعدها أيضاً يحكم ببطلان غسله لما مرّ بعينه ، فالتفصيل بين النقد والنسيئة ممّا لا وجه له.

٤١٨

[٦٧٨] مسألة ١٧ : إذا كان ماء الحمام مباحاً لكن سخن بالحطب المغصوب لا مانع من الغسل فيه (١) لأنّ صاحب الحطب يستحق عوض حطبه ولا يصير شريكاً في الماء ولا صاحب حق فيه.

[٦٧٩] مسألة ١٨ : الغسل في حوض المدرسة لغير أهله (٢) مشكل بل غير

______________________________________________________

إذا كان تسخين الماء بشي‌ء مغصوب‌

(١) أو أحماه بالكهرباء أو النفط المغصوبين. والوجه في صحّة غسله حينئذ ما ذكرناه في بحث المكاسب من أن الأعراض مطلقاً سواء كانت من أعراض الجسم أم النفس لا تقابل بالمال وإنما هي توجب زيادة قيمة الجسم ومعروضها ، فالصوف المنسوج كالألبسة ونحوها وإن كانت قيمته أضعاف قيمة الصوف غير المنسوج إلاّ أن زيادة القيمة إنما هي قيمة لذات الصوف لا أنها قيمة النسج ، وكذلك الجسم الأبيض مع غيره أو الجسم العريض والطويل مع الجسم غير العريض ، فان نسج الثوب أو بياض الجسم أو عرضه وطوله ليست أُموراً قابلة للتمليك لأحد بإزاء مال أو بغيره ولا معنى لأن يكون نسج الصوف ملكاً لأحد ونفس الصوف ملكاً لآخر ، وهكذا بياض الجسم أو عرضه وطوله وكذلك الحال في اعراض النفس ككتابة العبد ، إذ لا معنى لأن تكون كتابة العبد لأحد ونفس العبد لأحد. وعليه فالحرارة المتحققة في الماء المباح لا معنى لأن تقابل بالمال وتكون ملكاً لصاحب الحطب أو الكهرباء أو النفط حتى يكون شريكاً مع صاحب الماء في الماء ، لأنها ممّا لا يقابل بشي‌ء ، نعم يكون المتصرِّف في الحطب ضامناً لمالكه فلا بدّ من أن يخرج عن عهدته بدفع قيمته إلى مالكه ، وأما الماء المتصف بالحرارة فهو ملك صاحب الماء فيصح غسله فيه ووضوءه وغيرهما من التصرفات.

(٢) هذه المسألة تبتني على بحث كبروي وهو أن الوقف إذا شك في سعته وضيقه إمّا من جهة الموقوف عليه وأنه جميع المسلمين أو خصوص أهل العلم مثلاً ، وإما من‌

٤١٩

جهة كيفية التصرّف مع العلم بالموقوف عليه كما إذا شكّ في أن الوقف وقف للانتفاع به في جهة معيّنة أو في جميع الجهات ، فهل يجوز التصرّف فيه في غير المقدار المتيقن أو لا يجوز؟ فنقول :

إنّ الإطلاق والتقييد المعبر عنهما بالسعة والضيق بحسب مقام الدلالة والإثبات من قبيل العدم والملكة ، حيث إن الإطلاق ليس إلاّ عدم التقييد بخصوصية في مقام البيان ، وعليه فلو شك في أن الواقف هل جعله وقفاً موسعاً أو مضيقاً وكان في مقام البيان ولم يأت بقيد يدلّ على كونه وقفاً لجهة معيّنة ، فيمكننا التمسك بإطلاق كلامه بمقدّمات الحكمة والحكم بأن الوقف مطلق حتى في مقام الثبوت لاستكشافه من الإطلاق في مقام الإثبات. وأما إذا لم يكن هناك إطلاق ليتمسك به وشكّ في سعة الوقف وضيقه فلا مناص من الاقتصار على المقدار المتيقن ، وذلك لأن التقابل بين الإطلاق والتقييد في مقام الثبوت تقابل التضاد ، لأن الإطلاق عبارة عن لحاظ العموم والسريان وعدم مدخلية شي‌ء من الخصوصيات في الموضوع ، والتقييد هو لحاظ الخصوصية ومدخليتها في الموضوع ، فإذا شككنا في أن الواقف لاحظ السريان في وقفه أو لاحظ الخصوصية المعيّنة فأصالة عدم لحاظه العموم والسريان يمنع عن الحكم بعموم الوقف وشموله للجميع.

ولا يعارضه أصالة عدم لحاظ الخصوصية إذ لا أثر لها ، حيث إن عموم الوقف مترتب على لحاظ السريان لا على عدم لحاظ الخصوصية ، فاستصحاب عدم لحاظ الخصوصية لإثبات أنه لاحظ العموم والسريان إثبات لأحد الضدين بنفي الضد الآخر وهو من أظهر أنحاء الأُصول المثبتة.

وعليه فلو لم يكن هناك إطلاق أو أمارة على جواز التصرف في الوقف في غير المقدار المتيقن لا يحكم بجوازه ، كما إذا شك غير أهل المدرسة في جواز تصرّفاته في ماء حوضها بالاغتسال فان مقتضى أصالة عدم لحاظ العموم والسريان في وقفه عدم كون الوقف عاما شاملاً له ، بل مقتضى أصالة الاشتغال أو استصحابه بطلان وضوئه. ومن ذلك القبيل ما إذا علمنا بوقفية لحاف مثلاً وشككنا في أنه وقف للتصرّف فيه في جهة معيّنة كالتغطية به لبرد ونحو برد أو أنه موقوف لمطلق التصرّفات حتى جعله‌

٤٢٠