موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

من رمضان محكوماً بعدم كونهما موجبين للقضاء. وكذلك الحال في الجاهل بالجنابة كمن أجنب ولم يعلم به إلاّ بعد مدّة ، فإن مقتضى ما ذكرناه عدم وجوب القضاء عليه لعدم كونه من التعمد في البقاء على الجنابة ولا من غيره من النواقض. هذا كله في صوم شهر رمضان.

وهل الأمر كذلك في قضائه أيضاً بمعنى أن نسيان غسل الجنابة مانع عن صحّته ونسيان نفس الجنابة أو الجهل بها غير موجب للبطلان؟ التحقيق أن قضاء صوم رمضان لأضيق دائرة من نفس صوم رمضان ، فإن المستفاد من صحيحتي عبد الله بن سنان المتقدِّمتين أن الإصباح جنباً متعمداً أو غير متعمد مانع عن صحّة قضائه ولعلّ صاحب الوسائل قدس‌سره أيضاً استفاد ذلك منهما ، ومن هنا عنون الباب بأن من أصبح جنباً لم يجز له أن يصوم ذلك اليوم قضاء عن شهر رمضان.

ففي إحدى الصحيحتين « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتى يجي‌ء آخر الليل وهو يرى أن الفجر قد طلع ، قال : لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره » (١). وفي الثانية قال : « كتب أبي إلى أبي عبد الله عليه‌السلام وكان يقضي شهر رمضان وقال : إني أصبحت بالغسل أي مكلّفاً به وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر ، فأجابه عليه‌السلام : لا تصم هذا اليوم وصم غداً » (٢). فإن المستفاد منهما أن في فرض الإصباح جنباً وإن لم يكن اختياريّاً لا يصحّ منه قضاء صوم رمضان ، فلا يفرق في بطلانه بين كونه جاهلاً بجنابته أم ناسياً لها أو ناسياً لغسلها.

بقي الكلام في مسألتين :

إحداهما : أن الجنابة العمدية في النهار تبطل الصيام ولو كان مندوباً ، وهذا مما لم يقع فيه خلاف ، فان من النواقض النساء أي جماعهن فيبطل به الصوم وتجب الكفارة‌

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٩ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٩ ح ٢.

٣٠١

بلا كلام ، والاستمناء ملحق بالجماع ، ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني قال : عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع » (١) وهكذا في غيرها من الأخبار.

هذا إذا كان خروج المني منه باستمنائه ، وأمّا إذا تحرّك لأجله المني من مكانه أو رأى في المنام ما هيّج شهوته إلاّ أنه لم يخرج المني منه بعد ذلك وكان متمكناً من أن يمنع عن خروجه ، فهل يجب عليه ذلك إذا لم يكن ضرريّاً في حقه لأن ترك منعه أمناء بالاختيار أو لا يجب عليه المنع من خروج المني؟ فهي مسألة طويلة الذيل ، ويقع الكلام عليها في صحّة الصوم إن شاء الله (٢).

ثانيتهما : أن الاحتلام في نهار رمضان غير مبطل للصوم ، وذلك مضافاً إلى أن النواقض محصورة وليس الاحتلام من الجماع ولا من غيره من النواقض ، قد دلّت عليه جملة من النصوص ، ففي صحيحة العيص بن القاسم أنه « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل قال : لا بأس » (٣). وفي رواية أُخرى عن عمر بن يزيد قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لأي علّة لا يفطر الاحتلام الصائم والنِّكاح يفطر الصائم؟ قال : لأن النِّكاح فعله والاحتلام مفعول به » (٤) إلى غير ذلك من الأخبار.

وهل تجب على الصائم المحتلم المبادرة إلى الاغتسال؟ وهل إذا احتلم في النهار يجب عليه المبادرة إلى الغسل لئلا يبقى على الجنابة متعمداً في النهار أو لا يجب؟ ذهب بعض من قارب عصرنا إلى ذلك وأن البقاء على الجنابة في النهار غير جائز متعمداً فان البقاء عليها كذلك في اللّيل إلى طلوع الفجر محرم كما مرّ وكذلك الحال في النهار.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٩ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ٤ ح ١.

(٢) في المسألة [٢٣٩٨].

(٣) الوسائل ١٠ : ١٠٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ، ب ٣٥ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٠ : ١٠٤ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ٣٥ ح ٤.

٣٠٢

فصل

فيما يحرم على الجنب وهي أيضاً أُمور :

الأوّل : مس خط المصحف على التفصيل الذي مرّ في الوضوء (١)

______________________________________________________

وفيه : أن ذلك من القياس ، وحرمة البقاء على الجنابة في النهار وكونه ناقضاً للصوم يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه في المقام ، نعم ورد في رواية إبراهيم بن عبد الحميد النهي عن النوم في النهار بعد الاحتلام حتى يغتسل حيث قال : « سألته عن احتلام الصائم ، قال فقال : إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل » الحديث (١) فانّ المتفاهم من المنع عن النومة الثانية في الرواية هو وجوب المبادرة إلى الاغتسال إلاّ أنه لا مناص من حمل ذلك على استحباب المبادرة إلى الغسل أو على كراهة التأخير في الاغتسال ، لأن الرواية مرسلة وإبراهيم بن عبد الحميد يرويها عن بعض مواليه وهو مجهول ، ولم يظهر أنه أي شخص.

ثمّ على تقدير وثاقة الرواية فهي معارضة بما دلّ على جواز النوم ثانياً ، كما في صحيحة العيص بن القاسم المتقدِّمة ، ومعه لا يثبت بها وجوب المبادرة إلى الاغتسال. ويمكن أن يقال : إنّ الصحيحة مطلقة من حيث النوم في اللّيل والنهار ، ورواية إبراهيم ابن عبد الحميد مختصّة بالمنع عن النوم في النهار فلا محالة يقيد الصحيحة فلا تبقى أية معارضة بينهما. فالجواب الصحيح هو إرسال الرواية فلا تغفل.

فصل فيما يحرم على الجنب‌

الأوّل من المحرّمات : مسّ المصحف‌

(١) لم يرد حرمة مسّ الجنب كتابة المصحف في شي‌ء من الأخبار ، إلاّ أن ما ورد‌

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٠٤ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ٣٥ ح ٥. ٦٤ / ب ١٦ ح ٤.

٣٠٣

في عدم جواز مسّ الكتاب من غير وضوء يكفينا في الحكم بحرمة مسّ الجنب كما يأتي تقريبه ، وهذا لا لرواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : المصحف لا تمسّه على غير طهر ، ولا جنباً ، ولا تمسّ خطه ولا تعلقه ، إن الله تعالى يقول ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (١) لأنّ الآية المباركة لا دلالة لها على المدعى فانّ المطهر غير المتطهر ، لوضوح أن الثاني ظاهر في التطهر من الحدث الأصغر أو الأكبر والمطهر من طهره الله من الزلل والخطأ ، والمذكور في الآية المباركة هو الثاني دون الأوّل ، ففيها إشارة إلى قوله سبحانه ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢). ومعنى أنه لا يمسّه إلاّ من طهره الله أنه لا يدركه بما له من البواطن غير المعصومين عليهم‌السلام فالآية إخبار وليست بإنشاء ، فان غيرهم لا يدرك من الكتاب إلاّ ظاهره ، فتحمل الرواية على إرادة البواطن أيضاً ويقال إن استفادة حرمة مسّ المحدث الكتاب من البواطن التي لا يدركها غيرهم عليهم‌السلام وقد استفادها الإمام لوجه لا نعرفه.

بل الوجه فيما ذكرناه موثقة أبي بصير ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء ، قال : لا بأس ولا يمس الكتاب » (٣) فإذا ثبت حرمة مسّ من لا وضوء له الكتاب نتعدّى منه إلى الجنب لا محالة.

وهذا لا للأولوية القطعيّة كما في كلمات بعضهم نظراً إلى أن المحدث بالحدث الأصغر إذا حرم مسّه الكتاب فالمحدث بالحدث الأكبر يحرم مسّه الكتاب أيضاً بطريق أولى ، حتى يقال بأن الملاك في حرمة مسّ المحدث بالأصغر لعله غير متحقق في المحدث بالحدث الأكبر ، ولا علم لنا بتلازمهما ولا بالملاكات الواقعية. بل التعدِّي من جهة إطلاق نفس الموثقة ، حيث إن الجنب بنفسه من مصاديق من لا وضوء له لأنّ سبب الجنابة أمران كلاهما ناقض للوضوء وهما الجماع والإنزال ، فمس الجنب‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٤ / أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٣.

(٢) الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) الوسائل ١ : ٣٨٣ / أبواب الوضوء ب ١٢ ح ١.

٣٠٤

وكذا مسّ اسم الله تعالى (١)

______________________________________________________

محرّم بما أنه لا وضوء له ، نعم إذا اغتسل عن الجنابة يجوز له المس لا لأنه ليس بجنب بل لأنه على وضوء ، حيث إن غسل الجنابة يغني عن الوضوء.

مسّ الجنب لأسماء الله تعالى‌

(١) لا إشكال في المسألة ، بل قالوا إنها متفق عليها بينهم ، بل ادعي عليها الإجماع ، بل ضرورة المسلمين حتى من أهل الخلاف في كلمات القدماء ، وإن ورد أنه مكروه إلاّ أنهم ادعوا أن الكراهة في اصطلاحهم تطلق على الحرمة. وقد مرّ في الوضوء أن المنع عن مسّ المحدث بالحدث الأصغر اسم الله تعالى لم يرد في رواية وإنما كان مستنداً إلى كونه هتكاً له ومنافياً لتعظيمه ، وأمّا في مسّ الجنب لاسم الله تعالى فقد وردت في حرمته موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يمسّ الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله » (١) وبإزائها جملة من الأخبار دلّت على جوازه عمدتها موثقة إسحاق بن عمار والباقي ضعيفة بحسب السند عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : « سألته عن الجنب والطامث يمسان أيديهما الدراهم البيض؟ قال : لا بأس » (٢).

وقد يجمع بينهما بحمل المنع على الكراهة بدعوى أنه مقتضى الجمع العرفي بينهما إلاّ أن الصحيح عدم تعارضهما بحسب مناسبات الحكم والموضوع المؤيدة بما في نفس الروايتين مما يحتمل أن يكون قرينة على ذلك.

أمّا المناسبة بين الحكم وموضوعه فهو أنّ النهي في موثقة عمار إذا القي إلى العرف لم يشك أحد في أن متعلقه هو مسّ لفظة الجلالة بمناسبة النهي ومسّ لفظة الجلالة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢١٤ / أبواب الجنابة ب ١٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢١٤ / أبواب الجنابة ب ١٨ ح ٢.

٣٠٥

نفسها ، ولا يرونه مطلقاً حتى يشمل مسّ الموضع الخالي عن اللفظة من الدرهم أو الدينار ، فإذا كانت الموثقة ظاهرة في حرمة مسّ نفس اللفظة لا بقيّة المواضع فلا محالة تخصّص موثقة إسحاق بن عمار الدالّة على الترخيص ، لأن الترخيص فيها مطلق يعم الموضع المشتمل من الدراهم على لفظة الجلالة والموضع الخالي عنها فنخصصها بمسه الدرهم والدينار في الموضع الخالي من اللفظة فيهما ، فكأن السؤال عن مسّ الموضع الخالي من اللفظة المباركة في الدرهم والدينار من جهة عظمتهما وتشرفهما بوجود اللفظة في شي‌ء من مواضعهما فأحتمل أن مسّ الموضع الخالي منهما خلاف التعظيم والاحترام ، نظير الجلوس على الصندوق المشتمل على المصحف لأنه لا إشكال في كونه هتكاً لدى العرف ، وعليه فلا تعارض بينهما.

وأمّا القرينة على ذلك مما في نفس الروايتين فهو اختلاف التعبير في الموثقتين حيث عبّر في الموثقة المانعة بكلمة « على » الظاهرة في الاستيلاء وقال : « لا يمسّ الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله » ، فكأنه قد استولى على الدينار بأجمعه فمسه كان مستلزماً لمس اسم الله ، وفي بعض الأخبار المرخصة لم يعبر بتلك الكلمة ، بل بكلمة « في » الظاهرة في الاشتمال وأن مسّ الدرهم المشتمل بعضه على لفظة الجلالة لا بأس به ، وهاتان الكلمتان يحتمل قرينيّتهما على ما ادعيناه.

ويؤيِّده أيضاً ما اشتمل عليه بعض الأخبار الضعيفة من الأخبار المرخصة حيث اشتمل على قوله عليه‌السلام : « لا بأس به ، ربّما فعلت ذلك » (١) لبعد أن يمسّ الإمام عليه‌السلام لفظة الجلالة وهو جنب ، لأنه لو قلنا بعدم حرمته فلا أقل من أنه خلاف التعظيم والاحترام ، فنحمل الرخصة على مسّ غير الموضع المشتمل على لفظة الجلالة.

وتوضيح الكلام في المسألة‌

أنّ الأصحاب قدس‌سرهم قد تسالموا على حرمة مسّ الجنب اسم الله سبحانه‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢١٥ / أبواب الجنابة ب ١٨ ح ٤.

٣٠٦

وإن خالفهم في ذلك بعض المتأخرين حيث ذهب إلى الكراهة. وتدلّ على حرمته موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يمس الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله » (١). وبإزاء هذه الموثقة روايات تدلّ على جوازه.

منها : رواية أبي الربيع عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الجنب يمس الدرهم وفيها اسم الله واسم رسوله؟ قال : لا بأس ، وربّما فعلت ذلك » (٢) وهي مضافاً إلى ضعف سندها بأبي الربيع وخالد حيث لم يوثقا في الرجال. ودعوى أن حسن بن محبوب الواقع في سندها من أصحاب الإجماع فلا ينظر إلى من كان بعده في سلسلة السند ، مندفعة بما مرّ غير مرّة من أنه مما لا دليل عليه ، فلو روى مثله عن مجهول أو ضعيف لم يعتمد على روايته لا تعارض الموثقة المتقدّمة ، لأنها ظاهرة في إرادة مسّ نفس الاسم ولو بمناسبة الحكم والموضوع وبقرينة الإتيان بكلمة « على » الظاهرة في الاستيلاء كما قدّمناه.

وأمّا رواية أبي الربيع فلم يقيد المس فيها بخصوص الموضع المشتمل على الاسم ، نعم هي مطلقة فنقيدها بمس الموضع الخالي عن الاسم بالموثقة وبقرينة الإتيان فيها بكلمة « في » الظاهرة في الاشتمال. والوجه في السؤال عن مسّ الموضع الخالي عن الدراهم من الاسم إنما هو اكتساب الدرهم شرافة وعظمة بسبب وجود اللفظة في‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢١٤ / أبواب الجنابة ب ١٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢١٥ / أبواب الجنابة ب ١٨ ح ٤. ثمّ إن المناقشة في سند هذه الرواية كانت في نظر سيِّدنا الأُستاذ ( دام ظلّه ) في الأزمنة السالفة ، ولكن حديثاً بدل رأيه الشريف في المعجم ٨ : ١٦ ، وحاصله : أن خالداً وهو ابن جرير قد مدحه علي بن الحسن وقال : إنه كان صالحاً. وبهذه يعتمد على روايته. وأن أبا الربيع وهو الشامي قد ورد في أسناد تفسير علي ابن إبراهيم فهذا يكون موثقاً. وأمّا طريق المحقق قدس‌سره إلى كتاب الحسن بن محبوب فأيضاً معتبر ، لأن له طرقاً متعددة معتبرة إلى جميع ما اشتمل عليه كتاب الفهرست للشيخ أبي جعفر الطوسي قدس‌سره كما يظهر من المراجعة إلى الطرق والإجازات ، ومن جملة ما في الفهرست [ ٧١ / ١٦٢ ] هو كتاب الحسن بن محبوب ، وطريق الشيخ إليه صحيح فتصبح الرواية معتبرة ويبقى الإشكال فيها من جهة الدلالة فقط.

٣٠٧

قطعة منه ، وقد أجابه الإمام بعدم البأس بذلك.

ومنها : ما رواه المحقق (١) عن كتاب جامع البزنطي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته هل يمس الرجل الدرهم الأبيض وهو جنب؟ فقال : إي ، إني والله لأُوتى بالدرهم فآخذه وإني لجنب » (٢) وإلى هنا نقله في الوسائل وترك ذيلها : وما سمعت أحداً يكره من ذلك شيئاً إلاّ أن عبد الله بن محمّد كان يعيبهم عيباً شديداً يقول : جعلوا سورة من القرآن في الدراهم فيعطى الزانية وفي الخمر ويوضع على لحم الخنزير.

ومنها : موثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : « سألته عن الجنب والطامث يمسّان أيديهما الدراهم البيض؟ قال : لا بأس » (٣) ولم يذكر في هاتين الروايتين سبب السؤال عن مسّ الجنب الدراهم البيض فيحتمل أن يكون وجهه اشتمالها على القرآن ، كما تضمّنه ذيل رواية المحقق عن جامع البزنطي. وعلى هذا الاحتمال الروايتان خارجتان عمّا نحن فيه ، لأنّ الكلام في حرمة مسّ الجنب اسم الله وعدم حرمته لا في مسّ المصحف وعدمه فلا تعارضان الموثقة المتقدّمة. وقد مرّ أن مسّ الجنب كتابة القرآن محرّم ، فلا محالة تحمل هاتان الروايتان على مسّ غير الموضع المشتمل على القرآن أو غير ذلك من المحامل.

كما يحتمل أن يكون الوجه في السؤال هو اشتمال الدراهم على لفظة الجلالة ، فقد ذهب بعضهم إلى أنهما تعارضان الموثقة حينئذ فيجمع بينهما بحمل الموثقة على الكراهة كما هو الحال في جميع موارد الجمع الدلالي ، حيث يرفع اليد عن ظاهر كل من المتعارضين بنص الآخر ، وحيث إن « لا بأس » ظاهر في الإباحة ونص في الجواز والنهي في الموثقة ظاهر في الحرمة ونص في عدم المحبوبية والمبغوضية فنرفع اليد عن ظاهر الحرمة بنص « لا بأس » فتكون النتيجة هي الكراهة هذا.

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٨٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٢١٤ / أبواب الجنابة ب ١٨ ح ٣.

(٣) تقدّمت ص ٣٠٥.

٣٠٨

وسائر أسمائه وصفاته المختصّة (١)

______________________________________________________

ولكن الظاهر أنه لا معارضة بينهما ، حيث إن الموثقة ظاهرة بمناسبة الحكم وموضوعه وبقرينة اشتمالها على لفظة « على » الظاهرة في الاستيلاء في إرادة مسّ نفس لفظة الجلالة ، ولا يفهم منها عند إلقائها إلى العرف إرادة مسّ الدرهم من غير مسّ الاسم ، وهاتان الروايتان ظاهرتان في إرادة مسّ نفس الدرهم الأعم من اشتماله على الاسم وعدمه ، كما إذا مسّ الموضع الخالي من الكتابة ، فنقيد إطلاقهما بالموثقة ونحملهما على إرادة مسّ الدرهم في غير الموضع المشتمل على الكتابة. مضافاً إلى أن رواية المحقق ضعيفة ، لأنه نقلها عن كتاب البزنطي وهو رواها عن محمّد بن مسلم مع أن بينهما واسطة ، فإن البزنطي ، لا يروي عن محمّد بن مسلم بلا واسطة والواسطة غير مذكورة في السند.

مسّ سائر أسماء الله‌

(١) إذا كانت اللفظة مشتركة بالاشتراك المعنوي بينه وبين غيره كالعالم مثلاً لأنه قد يطلق على الله سبحانه وقد يطلق على غيره ولم تكن معه قرائن تخصصه بالذات المقدّسة كما إذا قيل : العالم بكل شي‌ء ويا عالماً لا يخفى عليه شي‌ء ، فلا إشكال في جواز مسها جنباً ، سواء قصد منه الكاتب نفس الذات المقدّسة أم لم يقصد ، وذلك لأن القصد لا يجعل اللفظة اسماً له سبحانه ، إذ المفروض أنه عام وموضوع على الطبيعة الجامعة فقصد فرد ومصداق من مصاديق الطبيعة لا يجعل اسم الطبيعة اسماً له ، لبداهة أن قصد زيد من لفظة الكاتب لا يجعل لفظة الكاتب اسماً لزيد ، ولعلّه ظاهر.

وأمّا إذا احتفت بقرائن تخصصها بالذات المقدّسة كما إذا قال : العالم بكل شي‌ء ويا من لا تشتبه عليه الأصوات ، حيث إنهما مختصتان بالذات المقدّسة ، فلا يبعد جواز مسها أيضاً ، وذلك لأن الظاهر المستفاد من اسم الله هو كون اللفظة علماً موضوعاً له كما هو الحال في غيره ، فان الاسم ظاهر في العلمية والوضع ، ولا يراد منه مطلق ما أنبأ عن الذات المقدّسة.

٣٠٩

وكذا مسّ أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام على الأحوط (١).

______________________________________________________

ومن البديهي أن تقييد اللفظة المطلقة بقيود منبئة عن الذات المقدّسة لا يجعلها علماً موضوعاً في حقه ، مثلاً إذا قلنا الولد الأكبر لزيد ، فإنّه يختص بخصوص ولده الأكبر وينبئ عنه لا محالة ، إلاّ أن الولد الأكبر لا يكون بذلك علماً لولده حتى يعد من أسمائه الولد الأكبر. وكذا إطلاق صاحب الدار على مالكها ، لأنه وإن كان مختصّاً به ومنبئاً عنه إلاّ أن صاحب الدار لا يكون بذلك علماً لمالكه واسماً من أسمائه ، ولعلّه ظاهر.

وأما إذا كانت اللفظة مشتركة بينه وبين غيره اشتراكاً لفظياً بأن يجعل له بوضع ويجعل لغيره بوضع عليحدة ، كما إذا جعل أحد اسم ولده ( الله ) ولو عناداً ، فالظاهر إناطة حرمة مسّه بما إذا قصد الكاتب منها الذات المقدّسة ، لأن المشترك اللفظي بالقصد يتعين في العلمية لا محالة كما هو الحال في غيره من الأعلام المشتركة كلفظة ( أحمد ) لاشتراكها بين آلاف ، ولكن إذا قصد منها ابن زيد فهو علمه واسمه المختص به ومعه لا يحكم بحرمة مسّه.

ثمّ إن مقتضى إطلاق موثقة عمار عدم الفرق بين كون اسم الله عربيا وكونه من سائر اللغات ، لأن حرمة المس مرتبة على كون الاسم اسم الله وتقييده بالعربية بلا دليل ، نعم لا بدّ وأن يكون الاسم من قبيل العلم الموضوع له لا مطلق ما دلّ على الذات المقدّسة ولو بالقرائن كما مر.

مسّ الجنب لأسماء الأنبياء أو الأئمة ( عليهم‌السلام )

(١) ذهب جملة من الأصحاب إلى إلحاق أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام باسمه سبحانه ، ولكن الدليل على إلحاقها غير ظاهر. والذي يمكن أن يستدلّ به على حرمة مسّها أُمور :

الأوّل : الشهرة الفتوائية القائمة على حرمة مسها. وفيه : أن الشهرة الفتوائية غير معتبرة عند المتأخرين فلا حجية لها بوجه.

٣١٠

الثاني : دخول مسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان بنحو المرور (١).

______________________________________________________

الثاني : الإجماع على حرمته كما عن ابن زهرة قدس‌سره (١) ويدفعه : أن الإجماع المنقول مما لا اعتبار به ولا سيما إجماعات ابن زهرة ، حيث لا نعلم ابتناءها على المبنى الذي يستكشف به قول الإمام عند المتأخرين.

الثالث : أن مسها جنباً خلاف تعظيم شعائر الله سبحانه وقد وصف عزّ من قائل تعظيمها بأنه ( مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ). ويدفعه : أن مقتضى الاستدلال بذلك هو استحباب ترك مسها لا وجوبه ، فان التعظيم له مراتب عديدة ، وليس التعظيم واجباً بجميع مراتبه ، وإلاّ لم يجز اجتياز الجنب من الصحن الشريف ولا مسّه حائط الصحن لأنه خلاف تعظيم الشعائر. فالصحيح عدم حرمة مسّ أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام جنباً إلاّ أن يستلزم هتكها فان المس محكوم بالحرمة حينئذ ، إلاّ أنه غير مختص بمس أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام فانّ مسّ أسماء العلماء والعبّاد وغيرهم أيضاً إذا كان مهانة وهتكاً يحكم بحرمته لا محالة.

الثاني من المحرّمات : دخول المسجدين‌

(١) المسجدان يشتركان مع بقيّة المساجد في حرمة المكث فيها جنباً ويمتازان عن بقيّة المساجد في حرمة مرور الجنب فيهما واجتيازه ، حيث إنه محرّم فيهما دون بقيّة المساجد. والمسألة متسالم عليها بين الأصحاب. ويدلّ على ذلك صحيحة جميل قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنب يجلس في المساجد ، قال : لا ، ولكن يمرّ فيها كلها إلاّ المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢) وصحيحة محمّد بن مسلم قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام في حديث الجنب والحائض ـ :

__________________

(١) الغنية : ٣٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٠٥ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٢.

٣١١

ويدخلان المسجد مجتازين ، ولا يقعدان فيه ، ولا يقربان المسجدين الحرمين » (١) وغيرهما من الأخبار (٢) وهذا لعله مما لا إشكال فيه.

وإنما الكلام فيما إذا احتلم المكلّف في أحد المسجدين ، فقد ورد في صحيحة أبي حمزة قال « قال أبو جعفر عليه‌السلام : إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمرّ في المسجد إلاّ متيمماً ، ولا بأس أن يمرّ في سائر المساجد ، ولا يجلس في شي‌ء من المساجد » (٣) وذلك لحرمة المرور عليه في المسجدين كحرمة بقائه فيهما جنباً ، فهو جنب فاقد للماء فلا بدّ أن يتيمم خروجاً عن عهدة النهي عن مروره وبقائه فيهما جنباً ، ومن هنا يظهر أن الصحيحة ناظرة إلى ما هو المتعارف العادي من كون زمان الخروج عن المسجد أو الاغتسال فيه أكثر زماناً من التيمم فيه ، وإلاّ فلو فرضنا أن التيمم أكثر زماناً من الخروج لأنه مثلاً كان خلف باب المسجدين ولا يحتاج خروجه عنهما إلاّ إلى خطوة واحدة أو أمكنه الاغتسال في المسجد في زمان أقل من زمان التيمم لأن مقدّماته تحتاج إلى زمان ، فلا نظر للصحيحة إليه ، ولا مناص حينئذ من خروجه أو اغتساله فيهما إذا لم يستلزم تنجيسهما أو هتكهما أو غيرهما من المحاذير. وعليه فلا نقتصر على مورد الصحيحة ، بل لو فرضنا أنه أُجبر على الدخول فيهما جنباً أيضاً يجب عليه التيمم إذا كان زمانه أقصر من زمان الخروج أو الاغتسال. هذا كلّه بالإضافة إلى حرمة الدخول في المسجدين ولو اجتيازاً ومشياً ، وأمّا حرمة المكث فيهما جنباً فهما مشتركان في ذلك مع المساجد الأُخر ، ويأتي الاستدلال على حرمته فيها في المسألة الآتية إن شاء الله.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٠٩ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٠٥ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٣ ، ٤ ، ٥.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٠٦ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٦.

٣١٢

الثالث : المكث في سائر المساجد بل مطلق الدخول فيها على غير وجه المرور (١)

______________________________________________________

الثالث من المحرّمات : حرمة مكث الجنب في المساجد‌

(١) أما حرمة المكث في المساجد جنباً فلا كلام فيها بينهم. ويدلّ عليه قوله تعالى ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ ) (١) بقرينة الأخبار المفسرة له بمكان الصلاة ، وذلك بقرينة قوله ( عابِرِي سَبِيلٍ ) لأن المرور من الصلاة مما لا معنى له وإنما المرور والعبور من مكانها وهو المساجد. وصحيحة محمّد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قالا قلنا : الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال : الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلاّ مجتازين ، إن الله تبارك وتعالى يقول ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ ) (٢) والصحيحتان المتقدِّمتان.

ولا خلاف في ذلك إلاّ ما ينسب إلى سلار حيث ذهب إلى كراهة دخول الجنب في المسجد (٣) ، ولعله استند إلى ما ورد في جملة من الأخبار من كراهة الدخول في المساجد جنباً ، كما ورد في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : « أنّ الله كره لأُمّتي العبث في الصلاة إلى أن قال : وإتيان المساجد جنباً » (٤) وفي المحاسن عن أبيه عن محمّد بن سليمان الديلمي عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ستّة كرهها الله لي فكرهتها للأئمة من ذريتي وليكرهها الأئمة لأتباعهم : العبث في الصلاة ، والمن بعد الصّدقة ، والرفث في الصوم والضحك بين القبور ، والتطلّع في الدور ، وإتيان المساجد جنباً » (٥).

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٠٧ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٠.

(٣) المراسم : ٤٢.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٠٦ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٧.

(٥) الوسائل ٢ : ٢٠٩ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٦ ، المحاسن ١ : ٧٣ / ٣١.

٣١٣

وفيه : أن الكراهة المستعملة في لسان الأئمة إنما هي بمعناها اللغوي أعني المبغوض والحرام ، وليست هي بمعنى الكراهة المصطلح عليها عند الفقهاء. ويؤيده أن جملة من المذكورات في الرواية من المحرّمات ، كالتطلّع على الدور والرفث في الصوم في غير اللّيالي والمن بعد الصّدقة لأنه إيذاء.

وعن الصدوق قدس‌سره جواز النوم في المساجد جنباً حيث حكي عنه : لا بأس أن يختضب الجنب ، إلى أن قال : وينام في المسجد ويمرّ فيه (١). ولم نقف على مستنده قدس‌سره ، نعم ورد في صحيحة محمّد بن القاسم قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجنب ينام في المسجد؟ فقال : يتوضأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمرّ فيه » (٢) إلاّ أن الصدوق لم يقيد حكمه بجواز نوم الجنب في المسجد بما إذا توضأ ، فلو كان اعتمد عليها وحكم بجوازه مع الوضوء لقلنا إن ذلك من تخصيص هذه الصحيحة للآية المباركة وغيرها ممّا دلّ على حرمة مكث الجنب في المسجد ، لأنّ النسبة بينهما عموم مطلق ، حيث إنها مطلقة ، ولا مانع من تخصيصها بما إذا توضأ ونام كما خصّصت بالإضافة إلى المرور ، حيث إنه لو كنا وهذه الصحيحة قدمناها على أدلّة حرمة مكث الجنب في المسجد لأنّ النسبة بينهما عموم مطلق.

ودعوى أن حرمة المكث والدخول مغياة بالاغتسال كما في قوله تعالى : ( حَتَّى

__________________

(١) المقنع : ٤٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٢١٠ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٨. قد يقال بأن محمّد بن القاسم مشترك بين جماعة وليس كلّهم ثقات ، والمذكور في السند يحتمل الانطباق على غير الثقة أيضاً فلا تكون الرواية صحيحة. والجواب : أن المطلق ينطبق على من يكون قابلاً للانطباق من جهة الطبقة ويكون معروفاً من جهة الرواية أو من جهة أنه صاحب كتاب ، وعلى ذلك فمحمّد بن القاسم هذا مردد بين محمّد بن القاسم بن الفضيل ومحمّد بن القاسم بن المثنى ، وكلاهما ثقتان وثقهما النجاشي [ رجال النجاشي ٣٦٢ : ٩٧٣ ، ٣٧١ ، ١٠١٢ ] بناء على اتحاد محمّد بن القاسم بن المثنى مع محمّد بن المثنى بن القاسم كما استظهره سيِّدنا الأُستاد ( مدّ ظلّه العالي ) أيضاً [ معجم رجال الحديث ١٨ : ١٦٩ / ١١٦٢٨ ] وإن كان من القريب جدّاً أنه هو ابن الفضيل ، لوجود عدّة روايات عنه في الكتب الأربعة دون ابن المثنى فلم ترد عنه ولا رواية واحدة بهذا العنوان.

٣١٤

وأمّا المرور فيها بأن يدخل من باب ويخرج من آخر فلا بأس به (١)

______________________________________________________

تَغْتَسِلُوا ) ومعه تكون النسبة بين أدلّة حرمة المكث والدخول وبين هذه الصحيحة هي التباين ، حيث إنها دلّت على حرمة مكث الجنب ودخوله المسجد إلاّ أن يغتسل والصحيحة تدلّ على حرمة دخوله ومكثه فيه إلاّ أن يتوضأ وهما متباينان ، كما عن المحقِّق الهمداني قدس‌سره (١). مندفعة بأن الاغتسال ليس قيداً وغاية للحكم بحرمة المكث أو الدخول ، بل هو رافع لموضوع الجنابة ، فكأن الآية اشتملت على أن دخول الجنب ومكثه حرام في المسجد إلاّ أن يخرج عن الجنابة بالاغتسال ، فالحرمة فيها مطلقة ، ولا تعارض بينها وبين هذه الصحيحة النافية للحرمة على تقدير التوضؤ فلا تعارض بينهما.

وعن المحدّث الكاشاني حمل التوضؤ على معناه اللغوي وهو الاغتسال (٢). وفيه : أنه بعيد غايته ، فان ظاهر الصحيحة جواز النوم وهو جنب كجواز المرور في حالة الجنابة لا جوازه مع انتفاء الجنابة بالاغتسال ، وعليه فمقتضى القاعدة ما ذكرناه ، وإنما يمنعنا عن ذلك أن الصحيحة متروكة العمل عند الأصحاب على ما صرح به المحقق في معتبرة (٣) ، ولا عامل بها ولو واحداً من الأصحاب حتى الصدوق لعدم تقييده الحكم بالتوضؤ فلا تعارض بها الأخبار الدالّة على الحرمة ، بل نحملها على التقيّة لموافقتها مذهب الحنابلة وإسحاق حيث ذهبوا إلى جواز النوم في المسجد جنباً إذا توضأ كما في هامش الحدائق (٤) ، هذا كله في حرمة المكث في المساجد جنباً. بقي الكلام في جواز اجتيازه من المسجد فقد أشار إليه بقوله : وأما المرور إلخ.

مرور الجنب في المساجد‌

(١) قد استثني من حرمة دخول الجنب المسجد في صحيحة زرارة ومحمّد بن‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٢٣٣ / السطر ١.

(٢) الوافي ٦ : ٤٢٢.

(٣) المعتبر ١ : ١٨٩.

(٤) الحدائق ٣ : ٥١.

٣١٥

مسلم دخوله المسجد اجتيازاً ، بأن يدخل من باب ويخرج من باب آخر على وجه يصدق أنه جعل المسجد طريقاً ، فلا يجوز أن يدخل من باب واحد ويخرج منه بعينه أو يخرج من باب آخر على يمينه أو شماله حيث لا يصدق معه الاجتياز وجعل المسجد طريقاً ، قالا قلنا له : الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال : الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلاّ مجتازين إن الله تبارك وتعالى يقول ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (١).

وفي جملة من الروايات الواردة استثني عنوان المرور كما في صحيحة جميل ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال : لا ، ولكن يمرّ فيها كلها إلاّ المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢) حيث استثنت مرور الجنب في مقابل الجلوس في المسجد ، وكذا في غيرها من الأخبار (٣) الواردة في المسألة.

ولا يبعد أن يكون المرور متحداً مع الاجتياز فلا يصدق المرور من المسجد إلاّ بجعله طريقاً ودخوله من باب وخروجه من باب آخر في مقابله ، وأما إذا دخل من باب واحد وخرج منه أو مما بيمينه أو يساره فلا يصدق عليه المرور والاجتياز.

وفي رواية واحدة استثني عنوان المشي في المسجد في مقابل الجلوس فيه وهي رواية جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « للجنب أن يمشي في المساجد كلّها ولا يجلس فيها إلاّ المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٤) والمشي غير الاجتياز والمرور ، فهذه الرواية معارضة للأخبار المتقدّمة إلاّ أنها ضعيفة السند بسهل بن زياد لعدم ثبوت وثاقته. على أنها لو كانت تامّة سنداً أيضاً لم تنهض في مقابل الأخبار المستثنية بعنوان الاجتياز والمرور ، وذلك لأن النسبة بين الروايتين المتعارضتين عموم من وجه ، وذلك لأن إحداهما تدلّ على حرمة الدخول بغير‌

__________________

(١) تقدّم ذكرها في ص ٣١٣.

(٢) ، (٣) تقدّم ذكرهما في ص ٣١١ ٣١٢.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٠٦ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٤.

٣١٦

وكذا الدخول بقصد أخذ شي‌ء منها فإنه لا بأس به (*) (١)

______________________________________________________

الاجتياز سواء كان هناك مشي أم لم يكن والأُخرى تدلّ على حرمته من غير مشي كان معه اجتياز أم لم يكن ، وتتعارضان فيما إذا كان دخله بالمشي ، فإنّ الأُولى تدلّ على حرمته والثانية على جوازه ، وفي موارد التعارض لا بدّ من الرجوع إلى المرجحات والترجيح مع الصحيحة لموافقتها الكتاب ، لأنه سبحانه استثنى عنوان العبور من المسجد بقوله ( إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ ) وهو عين الاجتياز والمرور ، ولم يستثن عنوان المشي في المساجد كما لعله ظاهر هذا.

ثمّ إن المرور لو كان صادقاً مع المشي وكان أمراً آخر وراء الاجتياز فالكلام فيه أيضاً هو الكلام في المشي ، لأن النسبة بين الاجتياز والمرور المتحد مع المشي عموم من وجه ، والترجيح مع الصحيحة لموافقتها الكتاب ، فانّ المستثنى فيه هو العبور الذي هو غير المشي والمرور المتّحد معه.

دخول المسجد جنباً بنيّة الأخذ‌

(١) لا إشكال في جواز أخذ الجنب وتناوله شيئاً من المسجد ، كما لا كلام في حرمة وضعه شيئاً فيه ، وذلك لصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال : نعم ولكن لا يضعان في المسجد شيئاً » (٢) وصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمة حيث ورد في ذيلها : « ويأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئاً ، قال زرارة قلت : فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه؟ قال : لأنهما لا يقدران على أخذ ما فيه إلاّ منه ويقدران على وضع ما بيدهما في غيره » (٣) وحاصله : التعليل بالأمر المتعارف الغالبي وبيان‌

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(١) الوسائل ٢ : ٢١٣ / أبواب الجنابة ب ١٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢١٣ / أبواب الجنابة ب ١٧ ح ٢.

٣١٧

حكمة التفصيل بين الوضع والأخذ ، فان الجنب أو غيره لا يتمكن من أخذ متاعه الذي في المسجد إلاّ بالدخول فيه غالباً ، كما أنه وغيره متمكن غالباً من وضع متاعه في مكان آخر غير المسجد فلا يضطر إلى الدخول فيه. وكيف كان ، فهذان الحكمان ممّا لا كلام فيه.

وإنما البحث في أن الأخذ جائز في نفسه والوضع محرم كذلك أو أن الأخذ جائز لجواز الدخول بغاية الأخذ والوضع محرم لحرمة الدخول لغاية الوضع ، فالمحتمل أمران لا ثالث لهما ، فإما أن يكون الأخذ والوضع جائزاً ومحرماً في نفسه وذاته وإما أن يكون جائزاً ومحرماً من جهة استلزامهما الدخول.

فان قلنا إن حرمة الوضع وجواز الأخذ مستندان إلى أنفسهما فكما لا يجوز حينئذ الوضع في المسجد من غير الدخول فيه كذلك يحرم الأخذ بالدخول فيه للأخذ ، فإن جواز الأخذ لا يستلزم جواز الدخول ، وهما أمران فليس له أن يدخله لأخذ شي‌ء. وإذا قلنا إن حرمة الوضع وجواز الأخذ مستندان إلى استلزامهما الدخول فحينئذ يجوز الدخول في المسجد للأخذ والتناول كما يجوز وضع شي‌ء فيه من الخارج لا بالدخول ، لأن المحرّم هو الوضع بالدخول دون الوضع من غير الدخول.

مناقشة مع الماتن‌

ومن هنا تعرف أن ما ذكره الماتن قدس‌سره في هذه المسألة والمسألة الآتية من الحكم بجواز الدخول فيه بقصد أخذ شي‌ء والحكم بحرمة الوضع فيه ولو من غير الدخول فيه ، أمران متنافيان ، فان جواز الأخذ لو كان مستنداً إلى جواز الدخول بهذه الغاية فلا بدّ أن تستند حرمة الوضع أيضاً إلى حرمة الدخول بتلك الغاية من دون أن تكون حرمة أحدهما وجواز الآخر مستنداً إلى ذاتهما ونفسهما ، ومعه يجوز الوضع في نفسه وإنما يحرم بالدخول في المسجد. وإذا بنينا على أن حكمهما مستندين إلى ذاتيهما فالوضع في ذاته محرم والأخذ في نفسه مباح فحينئذ وإن صحّ الحكم بحرمة مطلق الوضع في المسجد إلاّ أنه لا يلائم الحكم بجواز الدخول لأخذ شي‌ء ، فان جواز‌

٣١٨

الأخذ حكم مترتب عليه في نفسه وهو غير مستلزم لجواز الدخول فيه ، فليأخذ الشي‌ء من غير دخول.

وعلى الجملة : الحكم بجواز الدخول لغاية الأخذ والحكم بحرمة الوضع أمران متنافيان ، فإما أن يحرم الوضع في نفسه ويجوز الأخذ أيضاً كذلك فلا وجه معه لجواز الدخول من جهة جواز الأخذ ، وإمّا أن يحرم الوضع لأجل الدخول ويجوز الأخذ أيضاً لأجله ، فحينئذ يجوز الدخول من جهة جواز الأخذ إلاّ أن الوضع لا يكون محرماً مطلقاً بل مع الدخول في المسجد فقط. هذا كله فيما يرد على الماتن قدس‌سره.

تحقيق في أصل المسألة‌

وأمّا تحقيق أصل المطلب فالصحيح أن حرمة الوضع وجواز الأخذ مستندان إلى ذاتيهما ، وذلك لأنه الظاهر من صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم (١) ، لأنه عليه‌السلام قد بيّن حكم الدخول قبل ذلك وأنه محرم إلاّ على نحو الاجتياز ثمّ بيّن جواز الأخذ وحرمة الوضع ، فمنه يظهر أن جواز الأخذ ليس من جهة جواز الدخول وكذا حرمة الوضع ليست مستندة إلى حرمة الدخول ، لتقدّم حكم الدخول حرمة وجوازاً فلا وجه لإعادته ، فليس حرمة أحدهما وجواز الآخر إلاّ مستندين إلى أنفسهما ، وبه يصح الحكم بحرمة الوضع مطلقاً وإن كان من غير دخول ، ولكن لا بدّ أيضاً من الحكم بحرمة الدخول وعدم جوازه لأجل الأخذ ، لأن جوازه غير مستند إلى جواز الدخول هذا.

ثمّ إن في رواية علي بن إبراهيم القمي عن الصادق عليه‌السلام أن « الحائض والجنب يضعان فيه الشي‌ء ولا يأخذان منه ، فقلت : ما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه؟ فقال : لأنهما يقدران على وضع الشي‌ء فيه من غير دخول ولا يقدران على أخذ‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢١٣ / أبواب الجنابة ب ١٧ ح ٢.

٣١٩

والمشاهد كالمساجد (*) في حرمة المكث فيها (١).

______________________________________________________

ما فيه حتى يدخلا » (٢) وهي كما ترى عكس الأخبار المجوزة للأخذ والمحرمة للوضع في المسجد ، حيث دلّت على جواز الوضع وحرمة الأخذ معللة بأن الوضع في المسجد لا يستلزم الدخول فيه فلا يكون حراماً ، لأن المحرّم هو الدخول ، فليضع الشي‌ء فيه من الخارج ، إلاّ أنّ الأخذ منه لا يمكن بغير الدخول فيحرم لحرمة الدخول. وهي وإن كانت مؤكدة لما ذكرناه من أن جواز الأخذ لا يستلزم جواز الدخول في المسجد إلاّ أنها من جهة حكمها بجواز الوضع مخالفة لما قدّمناه. والذي يسهل الخطب أن الرواية مرسلة ولا ندري أن الواسطة أي شخص فلا تنهض حجّة في مقابل الأخبار المتقدِّمة.

إلحاق المشاهد بالمساجد‌

(١) هل المشاهد المشرفة تلحق بالمسجدين فيحرم المكث والمرور فيها ولو بعنوان الاجتياز ، أو أنها ملحقة بسائر المساجد فيحرم فيها المكث دون الاجتياز ، أو لا تلحق بهما ولا بسائر المساجد فلا مانع من المكث والاجتياز فيها؟ ذهب جماعة إلى إلحاقها بالمساجد لوجوه :

منها : أن روح المسجدية وحقيقتها التي هي شرافة المكان وكونه محلا للعبادة والتقرب إلى الله سبحانه متحققة في المشاهد على نحو أتم ، فيأتي فيها أحكام المسجد من حرمة المكث وغيرها لا محالة. وفيه : أن حرمة المكث والدخول تترتب في ظواهر الأدلّة على عنوان المسجد لا على معنى المسجد وروحه ، فتسرية أحكام المسجد إلى ما فيه روحه وحقيقته يحتاج إلى دليل.

ومنها : أن ترك مكث الجنب ودخوله فيها من تعظيم شعائر الله وقد قال الله‌

__________________

(*) على المشهور الموافق للاحتياط.

(١) الوسائل ٢ : ٢١٣ / أبواب الجنابة ب ١٧ ح ٣.

٣٢٠