موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

الغسل إنما هو التقاء الختانين ، ومع اللف في الداخل أو المدخول فيه لا يتحقق الالتقاء فلا يجب الغسل مع اللف.

والجواب عن ذلك : أن الالتقاء ليس بموضوع لوجوب الغسل والجنابة ، وإنما هو بيان للحدّ الذي يجب معه الغسل أعني الدخول بمقدار يلتقي معه الختانان ، وأما نفس الالتقاء فهو مما لا موضوعية له. ويدلّ على ذلك صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع حيث ورد فيها : « إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ، فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال عليه‌السلام : نعم » (١) فإنها تدل بصراحتها على أن التقاء الختانين ممّا لا موضوعية له في الحكم ، وإنما المدار على الدخول بقدر الحشفة فإذا غابت وتحقّق الإدخال بقدرها وجب الغسل ، حصل الالتقاء أيضاً أم لم يحصل.

الثاني : أن يقال بوجوب الغسل مع اللّف مطلقاً حتى مع عدم صدق الجماع فضلاً عن عدم صدق الالتقاء ، وذلك بدعوى أن الموضوع لوجوب الغسل ليس هو مجرد الجماع والالتقاء ، بل قد رتّب في بعضها على الإدخال والإيلاج ، ومع تحققهما يجب الغسل سواء أصدق معه الجماع أيضاً أم لم يصدق.

والجواب عن ذلك : أن الإدخال والإيلاج لم يذكرا موضوعاً مستقلا لوجوب الغسل في قبال الجماع واللّمس ، وإنما ذكرا توضيحاً وشرحاً لهما ، والموضوع للحكم ليس إلاّ المواقعة في الفرج. وقد دلّت على ذلك صحيحة أبي مريم الأنصاري (٢) المفسرة للملامسة والحاصرة لسبب الغسل بالمواقعة في الفرج ، وإذا لم يصدق المواقعة في الفرج أعني الجماع فيه لم يجب الغسل لا محالة.

الثالث : أن يقال بوجوب الغسل مع اللف في أحد العضوين إلاّ إذا كان على نحو لا يصدق عليه الجماع كما أفاده في المتن. وهذا هو الصحيح ، فإن الموضوع لوجوب‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٨٣ / أبواب الجنابة ب ٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ١ : ٢٧١ / أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٤.

٢٨١

[٦٥١] مسألة ١١ : في الموارد التي يكون الاحتياط في الجمع بين الغسل والوضوء الأولى أن ينقض الغسل بناقض من مثل البول ونحوه ثمّ يتوضّأ ، لأنّ الوضوء مع غسل الجنابة (*) غير جائز (١) والمفروض احتمال كون غسله غسل الجنابة.

______________________________________________________

الاغتسال هو الجماع والمواقعة ، ومع صدقهما يجب الغسل ومع عدمه لا موجب للحكم بوجه.

ما هو الأولى في موارد الاحتياط بالجمع‌

(١) هذا التعليل عليل ، لأن الوضوء قبل غسل الجنابة وبعده وإن لم يكن جائزاً إلاّ أنه ليس محرّماً ذاتياً ، وإنما لا يجوز لعدم تشريعه. ومن الواضح أن الوضوء في أطراف العلم الإجمالي إنما يؤتى به من باب الاحتياط لا التشريع ، نعم المدعى صحيح بمعنى أن الأولى أن ينقض غسله ويتوضأ بعد ذلك وهذا للتمكن من الجزم بالنيّة فإنه لو لم يحدث بعد غسله لا يتمكن من أن يجزم في نيّة الوجوب ، لاحتمال أن يكون جنباً في الواقع وقد اغتسل فلا يجب عليه الوضوء.

وأمّا إذا أحدث بعد الغسل فلا محالة يكون مقطوع الحدث إما من السابق لو لم يكن جنباً وإما بالفعل إذا كان جنباً في الواقع ، ومعه يتمكن من الجزم بالنيّة في الوضوء ، والجزم بها وإن لم يكن واجباً كما أسلفناه في محلِّه (٢) إلاّ أن جماعة من الأعلام قد ذهبوا إلى اعتباره ، فخروجاً عن خلافهم الاحتياط يقتضي تحصيل الجزم بالنيّة.

__________________

(*) لا يخفى ما فيه ، بل الأولوية إنما هي لأجل تحصيل الجزم بالنيّة في الوضوء.

(١) في شرح العروة ١ : ٥١.

٢٨٢

فصل

فيما يتوقّف على الغسل من الجنابة

وهي أُمور : الأوّل : الصلاة واجبة أو مستحبة أداء وقضاء لها (١) ولأجزائها المنسية (٢)

______________________________________________________

فصل فيما يتوقّف على الغسل من الجنابة

الأوّل ممّا يتوقّف على الغسل : الصّلاة

(١) وذلك مضافاً إلى ضرورة الدين لأنه أمر واضح مجمع عليه بين المسلمين يستفاد من الكتاب بقوله تعالى بعد قوله ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) كما تدلّ عليه نصوص كثيرة واردة في أبواب متفرِّقة (٢) ، بلا فرق في ذلك بين الواجبة منها والمستحبّة والأدائية والقضائية.

(٢) من السجدة أو التشهد بناء على أن للتشهد كالسجدة قضاء. والوجه في توقّفها على الغسل أن القضاء فيها ليس بمعناه المصطلح عليه ، أعني الإتيان بالمأمور به في غير وقته ، بل بمعنى نفس الإتيان غاية الأمر مع التبدّل في المكان ، وعليه فالأجزاء المأتي بها قضاء هي بعينها الأجزاء المعتبرة في المأمور به ، وحيث إن حكم المركب والكل يسري إلى أجزائه فلا محالة يعتبر في الأجزاء المأتي بها متأخرة الطّهارة من الحدث كالصلاة.

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) راجع الوسائل ٢ : ٢٠٣ / أبواب الجنابة ب ١٤ ، ٣٩. الوسائل ٨ : ٢٥٣ / أبواب قضاء الصلوات ب ١ وغيرها.

٢٨٣

وصلاة الاحتياط (١) ، بل وكذا سجدتا السهو على الأحوط (*) (٢)

______________________________________________________

(١) والسرّ فيه ظاهر ، وذلك لأنها إمّا صلاة مستقلة وقد مرّ أنّ الصلاة يعتبر فيها الطّهارة من الحدث ، وإمّا أنها جزء من المأتي به على تقدير نقيصته وقد عرفت أن أحكام الكل تسري إلى أجزائه لا محالة.

(٢) التحقيق عدم اعتبار الطّهارة فيهما ، وذلك لعدم كونهما من أجزاء الصلاة وإنما وجبتا مرغمتين للشيطان ، حيث إن النسيان من الشيطان ، وأبغض الأشياء عنده السجود لأنه لم يطرد إلاّ بالسجود ، فيأتي بهما الإنسان رغماً عليه حتى لا يعود في وسوسته. ولم يرد في شي‌ء من الأدلّة كونهما جزءاً من الصلاة ، ومن هنا إذا تركهما متعمداً لم تبطل صلاته ، فهما واجبتان مستقلتان لا دليل على اشتراطهما بالطّهارة.

نعم في بعض الأخبار المعتبرة أن السجدتين يؤتى بهما بعد الصلاة قبل الكلام (٢) وظاهره يعطي أنهما من الصلاة ، ومن هنا يؤتى بهما قبل الإتيان بما ينافي الصلاة من التكلّم ونحوه. إلاّ أنه لا مناص من حمله على الاستحباب لموثقة عمار الساباطي الواردة في أن من وجب عليه سجدتا السهو في صلاة الفجر يؤخرهما إلى أن تطلع الشمس ويشع شعاعها (٣) ، حيث إنّ السجدة عند طلوع الشمس من آداب عَبَدَة الشمس ، وأنّ من الواضح أنّ الانتظار من الفجر إلى أن يشع شعاع الشمس وعدم الإتيان في تلك المدّة التي تزيد على ساعة واحدة بما ينافي الصلاة من استدبار القبلة أو التكلّم أو غيرهما بعيد ، ولو كان واجباً لأُشير إليه في نفس الموثقة ، فمنها يظهر عدم كونهما من الصلاة وعدم اعتبار الأُمور المنافية للصلاة فيهما ، ومعه يكون الأمر بإتيانهما قبل الكلام محمولاً على الاستحباب من جهة استحباب الاستباق إلى الخيرات.

__________________

(*) لا بأس بترك هذا الاحتياط.

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥. ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهّد ب ٧ ، ٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

٢٨٤

نعم لا يجب في صلاة الأموات (١) ولا في سجدة الشكر والتلاوة (٢).

الثاني : الطواف الواجب دون المندوب (٣) لكن يحرم على الجنب دخول مسجد الحرام فتظهر الثمرة فيما لو دخله سهواً وطاف ، فإن طوافه محكوم بالصحّة. نعم يشترط في صلاة الطواف الغسل ولو كان الطواف مندوبا.

______________________________________________________

(١) للنصوص (١) وقد علل في بعض أخبارها بأنها ليست بصلاة ذات ركوع وسجود وإنما هو دعاء (٢) ، ولا تعتبر الطّهارة في الأدعية.

(٢) لإطلاق أدلّتهما وعدم تقييدهما بالطّهارة ، مضافاً إلى الأخبار حيث نص على عدم اعتبار الطّهارة في سجدة التلاوة (٣) ومع الغض عنه فالمقام من دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين والمرجع فيه هو البراءة عن التقييد بالزائد.

الثاني ممّا يتوقف على الغسل : الطّواف‌

(٣) فإنّ الطّواف منه واجب بالأصالة أو بالعرض ، أعني ما وجب لأجل وجوب الإتمام في الحج ومنه مندوب ، لأن الطواف عبادة في نفسه وللمكلف أن يأتي به وحده من دون ضمّه إلى بقيّة النسك وهو أمر مندوب شرعاً. وهل تعتبر الطّهارة من الحدث الأكبر في كلا القسمين من الطواف أو لا يعتبر؟ للكلام في ذلك جهات :

الجهة الاولى : في اعتبار عدم الجنابة في الطواف الواجب. وتدلّ على ذلك نصوص :

منها : صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو في الطواف ، قال : يقطع الطواف‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٨٨ / أبواب صلاة الجنازة ب ٧ ، ٨ ، ٢١ ، ٢٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٨٨ / أبواب صلاة الجنازة ب ٧.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٣٩ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢.

٢٨٥

ولا يعتد بشي‌ء ممّا طاف » (١).

ومنها : صحيحة علاء عن محمّد بن مسلم ، قال : « سألت أحدهما عليه‌السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور ، قال : يتوضأ ويعيد طوافه ، وإن كان تطوعاً توضأ وصلّى ركعتين » (٢). فإن الجواب في هذه الصحيحة وإن كان مختصّاً بالوضوء إلاّ أن السؤال عن الطواف من غير طهور الأعم من الغسل والوضوء قرينة واضحة على أن الطواف يعتبر فيه الطّهارة عن كل من الحدث الأكبر والأصغر ، وهو عليه‌السلام إنما تعرض لخصوص الوضوء لأنه الأمر الغالبي ، فإن الطواف من غير غسل لا يتحقق إلاّ نادراً ، لحرمة الدخول في المسجد الحرام على الجنب ، ولا يتصور ذلك إلاّ في موارد النسيان والغفلة أو الإجبار ، وهذا نادر بخلاف الطواف من غير وضوء. على أن الاشتراط بالوضوء يستدعي الاشتراط بالغسل أيضاً ، لما يأتي من أن الجنب لا وضوء له (٣) وهذا ظاهر.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار ، قال « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا بأس أن يقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلاّ الطواف بالبيت ، والوضوء أفضل » (٤) أي في غير الطواف ، حيث دلّتنا على بطلان الطواف من غير وضوء ، ومن البديهي أن الجنب ليس له وضوء ، فيعتبر في الطواف عدم الجنابة مضافاً إلى اعتبار الوضوء فيه ، نعم علمنا خارجاً أن الغسل من الجنابة يغني عن الوضوء وهو أمر آخر.

ومنها : صحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه سئل أينسك المناسك وهو على غير وضوء؟ فقال : نعم إلاّ الطواف بالبيت فإن فيه صلاة » (٥). وهي مروية بطريقين أحدهما ضعيف ، والذي فيه جميل صحيح. وقد دلّتنا على اعتبار الوضوء في‌

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٧٥ / أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٧٤ / أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٣.

(٣) في ص ٣٩٤.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٧٤ / أبواب الطواف ب ٣٨ ح ١.

(٥) الوسائل ١٣ : ٣٧٦ / أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٦ ، الطريق الأوّل فيه سهل والثاني فيه إبراهيم بن هاشم فهي صحيحة.

٢٨٦

الطواف الملازم لاعتبار عدم الجنابة ، إذ لا وضوء للجنب لأجل اعتباره في جزء الطواف الذي هو صلاته ، فدلّتنا على سراية حكم الجزء إلى كلّه. ومنها : غير ذلك من الأخبار (١).

الجهة الثانية : في اعتبار عدم الجنابة في الطواف المندوب وعدمه إذا دخل المسجد الحرام نسياناً وغفلة أو أنه أُجبر على الدخول فيه بحيث لم يتمكن من الخروج عنه ، وبالجملة لم يكن الدخول فيه ممنوعاً في حقّه فهل يشترط في طوافه المندوب عدم الجنابة؟ المشهور بينهم عدم اشتراط الطّهارة من الحدث الأكبر في الطواف المندوب. وقد يستدلّ عليه بأن الأصل عدم الاشتراط. وفيه ما ذكرناه غير مرّة من أن البراءة غير جارية في المستحبات ، وإنما تجري في الأحكام الإلزامية فحسب ، وذلك لأن الرفع في مقابل الوضع أعني وضع إيجاب التحفظ والاحتياط ، والمستحبات لا يجب فيها التحفظ والاحتياط بالبداهة حتى ترفع بالبراءة هذا. مضافاً إلى أنه لا معنى للتمسك بالأصل العملي مع وجود الدليل الاجتهادي في المسألة ، فإن الإطلاق في صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة يكفي في الحكم باعتبار عدم الجنابة في الطواف المندوب لعدم قرينة فيها على الاختصاص بالطواف الواجب.

فالصحيح في الحكم بعدم اشتراط الطواف المندوب بالطّهارة من الحدث الأكبر أن يستدلّ بما قدّمناه من صحيحة علاء عن محمّد بن مسلم (٢) لأنها فصّلت بين الطواف الواجب والتطوّع ، حيث أوجب الإعادة في الأوّل إذا كان لا عن وضوء ولم يوجب ذلك في التطوّع ، بل أوجب فيه الوضوء للصلاة فقط ، وقد أسلفنا أن المراد من اشتراط الطواف الواجب بالوضوء هو اشتراطه بكل من الغسل والوضوء بقرينة عمومية السؤال ، وإنما خص الجواب بالوضوء لأنه الفرد الغالبي. على أن الاشتراط بالوضوء يستدعي الاشتراط بالغسل أيضاً. وكيف كان ، فقد دلّتنا الصحيحة على أنّ‌

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٧٤ / أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٢ ، ٥ ، ٦ ، ٨ ، ١١.

(٢) تقدّم ذكرها في ص ٢٨٦.

٢٨٧

الثالث : صوم شهر رمضان وقضائه (١) بمعنى أنه لا يصحّ إذا أصبح جنباً متعمداً أو ناسياً للجنابة ، وأما سائر الصيام ما عدا رمضان وقضائه فلا يبطل بالإصباح جنباً وإن كانت واجبة ، نعم الأحوط في الواجبة منها ترك تعمد الإصباح جنباً. نعم الجنابة العمدية في أثناء النهار تبطل جميع الصيام حتى المندوبة منها. وأمّا الاحتلام فلا يضرّ بشي‌ء منها حتى صوم رمضان.

______________________________________________________

الطواف المندوب لا يعتبر فيه الطّهارة وإنما تعتبر في صلاته.

وبالأخبار المتقدِّمة المعللة لاعتبار الطّهارة في الطواف بأن فيه صلاة (١) ، حيث قلنا إنّها تدلّ على أن حكم الجزء يسري إلى كلّه في الطواف الفريضة ، وأمّا في الطّواف المندوب فقد علمنا خارجاً ببركة الروايات أن السراية فيه من الجزء إلى كلّه غير ثابتة ، وإنما هي معتبرة في الطواف الواجب دون المندوب ، فهي معتبرة في صلاته دونه بنفسه.

الجهة الثالثة : في اعتبار الطّهارة من الحدث الأكبر في صلاة الطوافين الواجب والمندوب. ولا إشكال في اعتبارها ، وذلك لإطلاق أدلّة اعتبارها في الصلاة من الكتاب والسنّة مضافاً إلى النصوص الخاصّة الواردة في المقام (٢).

الثالث ممّا يتوقف على الغسل : الصّوم‌

(١) في المقام أربع مسائل :

اعتبار عدم البقاء على الجنابة لدى الفجر

المسألة الاولى : في اعتبار عدم الجنابة عند طلوع الفجر في صوم شهر رمضان‌

__________________

(١) تقدّم ذكرها في ص ٢٨٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٧٤ / أبواب الطواف ب ٣٨.

٢٨٨

وعدمه. اعتبار الطّهارة من الحدث الأكبر وعدم البقاء على الجنابة عند طلوع الفجر في صوم شهر رمضان هو المشهور بين الأصحاب ، بل ادعي عليه الإجماع في كلمات جماعة منهم العلاّمة في التذكرة (١) والمنتهى (٢) وابن إدريس في سرائره (٣) والشيخ في الخلاف (٤) وغيره في غيره. ولم ينقل الخلاف في المسألة من المتقدّمين إلاّ الصدوق حيث إنه أورد رواية في المقنع (٥) وتوهم دلالتها على عدم اعتبار الطّهارة من الحدث الأكبر في صوم شهر رمضان ، فإن طريقته رحمهالله في ذلك الكتاب الإفتاء بمضمون الأخبار التي ينقلها فيه.

وعن المحقِّق الأردبيلي قدس‌سره في شرح الإرشاد التردّد في المسألة والميل إلى عدم الاعتبار (٦). وفي الحدائق عن المحقق الداماد في رسالته الموضوعة في مسائل التنزيل اختيار عدم اعتبار الطّهارة من الحدث الأكبر في صحّة الصوم صريحا (٧).

والصحيح : أن المخالف في المسألة منحصر بالأخيرين ، وأما الصدوق فيأتي أن الرواية التي أوردها في مقنعه لا دلالة لها على عدم الاعتبار. والأخبار في اعتبار الطّهارة وعدم البقاء على الجنابة متعمداً عند طلوع الفجر في صوم شهر رمضان كثيرة متفرقة في الأبواب الفقهية.

منها : ما ورد في من نسي غسل الجنابة حتى مضى شهر رمضان أو شي‌ء منه ، كما في رواية إبراهيم بن ميمون ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب باللّيل في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى تمضي بذلك جمعة أو يخرج شهر‌

__________________

(١) التذكرة ٦ : ٢٦.

(٢) المنتهي ٢ : ٥٦٥ / المسألة العاشرة.

(٣) السرائر ١ : ٣٧٧.

(٤) الخلاف ٢ : ١٧٤ / مسألة ١٣.

(٥) المقنع : ١٨٩.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٤٥.

(٧) الحدائق ٣ : ٥٧.

٢٨٩

رمضان ، قال : عليه قضاء الصلاة والصوم » (١). وصحيحة الحلبي قال : « سُئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان ، قال : عليه أن يقضي الصّلاة والصيام » (٢). وقد دلّتا على أن الصوم يبطل بنسيان الجنابة ، فمنها يستفاد حكم ما إذا تعمد البقاء على الجنابة ، فإنه يوجب البطلان بالأولوية.

ومنها : ما ورد في من كان جنباً وقد نام حتى طلع عليه الفجر ، كصحيحة معاوية ابن عمّار ، قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجنب في أوّل الليل ثمّ ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال : ليس عليه شي‌ء ، قلت : فإنه استيقظ ثمّ نام حتى أصبح ، قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة » (٣) وقد دلّت على أن النوم بعد الانتباه والبقاء على الجنابة بسببه يوجب البطلان ، ومنه يظهر بطلان الصوم بالتعمد بالبقاء على الجنابة بالأولوية.

ومنها : ما ورد في خصوص المتعمد في البقاء على الجنابة ، كموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمداً حتى أصبح ، قال : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً وقال : إنه حقيق أن لا أراه يدركه أبداً » (٤). وهذه الموثقة مضافاً إلى كونها موثقة معتمد عليها عندهم ، وهي مدرك القول بالكفّارة في المسألة زائداً على وجوب القضاء.

ومنها : غير ذلك من الأخبار (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٣٧ / أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٣٠ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٣٨ / أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٣٠ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٠ : ٦١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٥ ح ١.

(٤) الوسائل ١٠ : ٦٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٦ ح ٢.

(٥) الوسائل ١٠ : ٦٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٦ ح ٣ ، ٤.

٢٩٠

وأمّا الأخبار الواردة في قبالها فهي عدّة كثيرة من الأخبار فيها الصحاح وغيرها وهي التي أوجبت التردد للمحقق الأردبيلي قدس‌سره وميله إلى عدم الاشتراط. إلاّ أنها غير قابلة للاعتماد عليها إما لضعف سندها أو لعدم دلالتها على المدعى.

منها : صحيحة أبي سعيد القماط « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عمن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتى أصبح ، قال : لا شي‌ء عليه ، وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال » (١) وهذه الصحيحة غير معارضة مع الأخبار المتقدِّمة ، من جهة أنها مطلقة من حيث النومة الثانية وعدمها فنقيدها بما إذا لم تكن النومة ثانية بمقتضى الأخبار المتقدّمة ، وأما مع النومة الثانية فيجب عليه القضاء ، بل الكفارة أيضاً بمقتضى موثقة أبي بصير.

ومنها : صحيحة العيص بن القاسم « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل ، قال : لا بأس » (٢) وهذه الصحيحة وإن كانت مقيّدة بالنومة الثانية إلاّ أنها مطلقة من حيث كون النومتين في الليل أو في النهار ، والأخبار المتقدّمة إنما دلّت على وجوب الكفارة والقضاء فيما إذا كانتا في الليل ولا محذور في الاحتلام في النهار فلنقيدها بالأخبار السابقة لتختص بالنهار.

ومنها : صحيحة عيص بن القاسم أيضاً ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فأخر الغسل حتى طلع الفجر ، فقال : يتمّ صومه ولا قضاء عليه » (٣) والجواب عنها أنها كصحيحة أبي سعيد القماط مطلقة من حيث النومة الأُولى والثانية ، بل من حيث النومة وعدمها فلنقيِّدها بمقتضى الأخبار المتقدِّمة بالنومة الأُولى دون الثانية.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٣ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٣ ح ٤.

٢٩١

ومنها : ما رواه الصدوق في المقنع عن حماد بن عثمان « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل وأخر الغسل حتى يطلع الفجر ، فقال : كان ( قد كان ، نسخة ) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجامع نساءه من أوّل اللّيل ثمّ يؤخِّر الغسل حتى يطلع الفجر ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوماً مكانه » (١).

وهذه هي التي قد أسند الأصحاب قدس‌سرهم لأجل إيرادها إلى الصدوق القول بعدم اعتبار الطّهارة من الجنابة في صحّة الصوم ، حيث إن ظاهرها أن من تعمد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر لا يبطل صومه ، وذلك لأن قوله : « أخّر الغسل حتى يطلع ... » ظاهره أنّه يتعمد في التأخير إلى أن يطلع الفجر لا أنّه بقي كذلك إلى الطلوع من باب الصدفة والاتفاق ، وقد حكي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجنب في أوّل الليل ويؤخر غسله إلى طلوع الفجر ، فلا يجب معه القضاء ولا يكون صومه باطلا.

ولكن الصحيح أنها لا دلالة لها على المدعى ، وذلك للقطع بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي صلاة الليل دائماً ، لوجوبها في حقّه وأنه من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي مشروطة بالطّهارة لا محالة ولا يمكنه والحال هذه أن يبقى جنباً إلى طلوع الفجر. على أن ظاهر الرواية أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت عادته ذلك حيث عبّر فيها بأنّه كان النبي يجامع ... لا أنّ ذلك اتفق في حقه صدفة ، ومن المقطوع به عندنا خلاف ذلك ، لأنّ البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر في شهر رمضان لو لم يكن محرماً مبطلاً للصوم فلا أقل أنه مكروه ، وكيف يصدر المكروه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طيلة حياته.

وثالثاً : أن الرواية تضمنت أن القول بحرمة ذلك ووجوب القضاء به من قول الأقشاب ، وليت شعري من المراد بالأقشاب؟! فهل هم الأئمة الباقون العياذ بالله ـ

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٣ ح ٣ ، المقنع : ١٨٩.

٢٩٢

حيث صدرت منهم الأخبار في حرمة البقاء على الجنابة في شهر رمضان ووجوب قضاء الصوم حينئذ ، أو المراد بهم جميع الشيعة القائلين بحرمة البقاء ووجوب القضاء معه ، لما مرّ من أنه أمر متفق عليه بينهم ولم ينقل الخلاف في ذلك عن أحد من أصحاب الأئمة ، بل العلماء الأقدمين سوى الصدوق قدس‌سره ، ولا ندري قائلاً بذلك غير الأئمة الباقين وأصحابهم يعني الشيعة ، فكيف وصفهم الإمام عليه‌السلام ، بالأقشاب.

وهذه الوجوه الثلاثة تفيد القطع بعدم صدور الرواية لداعي بيان الحكم الواقعي فلا مناص معه من حملها على التقيّة لذهابهم إلى ذلك ، أو قراءتها بلهجة اخرى غير ما هو ظاهرها ، وهي أن يحمل قوله عليه‌السلام : « كان رسول الله ... » على الاستفهام الإنكاري ، وكأنه قال : هكذا قد كان رسول الله يجامع نساءه من أوّل اللّيل ثمّ يؤخِّر الغسل حتى يطلع الفجر؟! ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب مريداً بهم المخالفين القائلين بعدم حرمة ذلك وعدم وجوب القضاء معه يقضي يوماً مكانه ، بأن تكون هذه الجملة مقولاً لقول الإمام عليه‌السلام فتدلّ الصحيحة حينئذ على حرمة البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر في شهر رمضان وعلى وجوب قضاء الصوم مكانه.

ومنها : رواية إسماعيل بن عيسى ، قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمداً حتى يصبح أي شي‌ء عليه؟ قال : لا يضره هذا ولا يفطر ولا يبالي ، فإن أبي عليه‌السلام قال قالت عائشة : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح جنباً من جماع غير احتلام ، قال : لا يفطر ولا يبالي ... » الحديث (١) وهي مع الغض عن سندها أيضاً محمولة على التقيّة ، وذلك لأنها إذا كانت صادرة لبيان حكم الله الواقعي لم يكن وجه لنقل الإمام عليه‌السلام ذلك عن عائشة ، ولأجل ذلك ولما مرّ في صحيحة حماد بن عثمان نحمل هذه الرواية على التقيّة.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٩ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٣ ح ٦.

٢٩٣

ومنها : صحيحة حبيب الخثعمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي صلاة اللّيل في شهر رمضان ثمّ يجنب ثمّ يؤخر الغسل متعمداً حتى يطلع الفجر » (١) ولا يرد على هذه الصحيحة ما أوردناه على صحيحة حمّاد بن عثمان المروية عن المقنع من منافاتها لما علمناه من وجوب صلاة اللّيل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنها فرضت جنابته صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد منتصف اللّيل وإتيانه بصلاته.

إلاّ أنّ منافاتها لما نقطع به من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يستمر على أمر مكروه باقية بحالها ، لأنها أيضاً ظاهرة في أن ذلك كانت عادته حيث قال : « كان رسول الله » فلا مناص من حملها على التقيّة لذهاب العامّة إلى ذلك ، ومع ذلك لا وجه للتردد في المسألة أو الميل إلى عدم الاشتراط ، لانحصار المعارض بصحيح حمّاد بن عثمان وحبيب الخثعمي ، ولأجل موافقتهما للعامّة (٢) ومخالفتهما لما نقطع به من دأبه صلى‌الله‌عليه‌وآله نحملهما على التقيّة كما مرّ. على أنهما روايتان شاذّتان ولا يمكن الأخذ بالشاذ في مقابل الرواية المشهورة وهي الطائفة الأُولى المتقدّمة.

هذا وعن بعضهم وأظنّه السبزواري قدس‌سره الجمع بين هاتين الطائفتين بحمل الطائفة الأُولى على استحباب القضاء وأفضلية ترك البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر (٣). وفيه : أن ظاهر تلك الطائفة بطلان الصوم بالبقاء على الجنابة لا مجرّد حرمته ، كما أن الطائفة الثانية ظاهرة في صحّته فهما متنافيتان ، ولا يمكن الجمع بين البطلان والصحّة وإنما كان يمكن ذلك فيما إذا كانت الطائفة الأُولى مشتملة على مجرّد الحرمة الشرعية. فالصحيح ما ذكرناه من حمل الطائفة الثانية على التقيّة هذا.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٤ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٦ ح ٥.

(٢) المغني لابن قدامة ٣ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، الموطأ ١ : ٢٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٠٧.

(٣) الذخيرة : ٤٩٨ / السطر ١.

٢٩٤

ثمّ إنّ المحقِّق في شرائعه أسند وجوب الإمساك عن البقاء على الجنابة عامداً حتى يطلع الفجر إلى الأشهر حيث قال : عن البقاء عامداً حتى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر (١). وظاهره أن القول المقابل أعني عدم وجوب الاغتسال إلى طلوع الفجر مشهور. وهذا على خلاف الواقع ، حيث عرفت أنه ممّا لا قائل به من المتقدِّمين إلى زمان المحقِّق سوى الصدوق قدس‌سره. والأردبيلي والداماد متأخران عن المحقق قدس‌سرهم ، إلاّ أن يحمل الأشهر على الأشهر من حيث الرواية ، وعليه يصحّ كلام المحقِّق لأن الطائفة الأُولى كما عرفت أشهر من حيث الرواية والثانية مشهورة ، ولكنّك عرفت عدم دلالتها ، نعم الصحيحتان المشتملتان على حكاية فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الروايات النادرة كما مرّ. فتحصل أن الطّهارة من الحدث الأكبر شرط في صحّة صوم رمضان هذا ، ولكن بعد المراجعة إلى الشرائع ظهر أن نسخها مختلفة ، ففي متن الجواهر (٢) ومصباح الفقيه للمحقِّق الهمداني (٣) على الأشهر ، وفي نفس الشرائع المطبوعة عندنا : على الأظهر ، وأما متن المسالك (٤) والمدارك (٥) فهو غير مشتمل لا على كلمة الأشهر ولا الأظهر. والظاهر المناسب أن تكون على الأظهر دون الأشهر ، ولعلّ نسخة صاحب الجواهر والمصباح كانت مغلوطة هذا.

ما استدلّوا به على جواز البقاء على الجنابة‌

ثمّ إنهم استدلوا على جواز البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر في شهر رمضان بقوله عزّ من قائل : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٨٩.

(٢) الجواهر ١٦ : ٢٣٦.

(٣) مصباح الفقيه ( الصوم ) ١٤ : ٤٠١.

(٤) المسالك ٢ : ١٧. إلاّ أنّ متنه مشتمل على كلمة الأشهر.

(٥) المدارك ٦ : ٥٣. إلاّ أنّ متنه مشتمل على كلمة الأشهر.

٢٩٥

لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ... ) (١) وذلك بموردين منها :

أحدهما : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) بدعوى أن إطلاق حل الرفث ليلة الصيام يشمل الجزء الأخير منها أيضاً ، فإذا جاز الرفث في ذلك الجزء الأخير فلا يحرم البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر لا محالة ولا تكون الطّهارة في طلوع الفجر شرطاً في صحّة الصيام.

وفيه : أن حل الرفث في ليلة الصيام إنما هو في قبال حرمته في الشرائع السابقة ومن هنا خصّت الحليّة بتلك الأُمّة حيث قال ( أُحِلَّ لَكُمْ ) فلا نظر للآية المباركة إلاّ إلى الترخيص في الرفث في قبال المنع ، وأما الترخيص إلى الجزء الأخير وأن البقاء على الجنابة جائز أو غير جائز فلا نظر في الآية إليه وليست بصدد بيانه فلا إطلاق لها من هذه الجهة.

ثانيهما : قوله ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) بدعوى أن جواز المباشرة مغيا بطلوع الفجر وثابت إلى الجزء الأخير من اللّيل ومعه لا معنى لحرمة البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر. ويدفعه : أن قوله ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) كحلية الرفث إنما هو بصدد إثبات الجواز فقط ، وليس قوله ( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ ... ) غاية له وإنما هو غاية لجواز الأكل والشرب ، لانفصال قوله ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) عن قوله ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ) بجملة ( وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ).

والغرض من التعرّض للاستدلال بالآية المباركة أن لا يتوهم أن الطائفتين من الأخبار بعد تساقطهما بالتعارض يرجع إلى إطلاق الآية المباركة ، لما عرفت من أنها ليست مطلقة ، هذا كله في المسألة الأُولى.

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

٢٩٦

اعتبار الطّهارة في قضاء صوم رمضان‌

المسألة الثانية : في اشتراط الطّهارة من الحدث الأكبر في قضاء صوم رمضان. وهذا هو المشهور بين الأصحاب قدس‌سرهم. وتدلّ عليه جملة من النصوص.

منها : صحيحة عبد الله بن سنان « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتى يجي‌ء آخر الليل وهو يرى أن الفجر قد طلع ، قال : لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره » (١).

ومنها : صحيحته الأُخرى ، قال : « كتب أبي إلى أبي عبد الله عليه‌السلام وكان يقضي شهر رمضان وقال : إني أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر ، فأجابه عليه‌السلام : لا تصم هذا اليوم وصم غدا » (٢).

ومنها : موثقة سماعة بن مهران ، قال : « سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف اللّيل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى أدركه الفجر ، فقال عليه‌السلام : عليه أن يتمّ صومه ويقضي يوماً آخر ، فقلت : إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي رمضان ، قال : فليأكل يومه ذلك وليقض فإنه لا يشبه رمضان شي‌ء من الشهور » (٣). والاحتمالات في قوله : « فإنه لا يشبه ... » وإن كانت متعددة ولكن الأظهر أن المراد به أن في شهر رمضان لو بطل الصوم لجهة ككونه باقياً على الجنابة مثلاً وجب عليه قضاء ذلك اليوم والإمساك في ذلك اليوم الذي بطل فيه صومه ، وهذا بخلاف الصوم في غير رمضان لأنه لو بطل وجب إتيانه في يوم آخر ولا يجب الإمساك في ذلك اليوم فلا يشبه رمضان شي‌ء من الشهور الأُخر.

عدم اعتبار الطّهارة في الصوم المندوب‌

المسألة الثالثة : في اعتبار الطّهارة من الحدث الأكبر في الصوم المندوب وعدمه.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٩ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٩ ح ٣.

٢٩٧

الصحيح عدم اعتبارها من الحدث الأكبر في الصوم المستحب ولا يكون البقاء على الجنابة مفطراً في المندوب من الصوم. ولا استبعاد في اختلاف الواجب والمندوب في بعض الشرائط والخصوصيات ، كما في الصلاة فإن الاستقبال شرط في الفريضة دون المندوبة منها. والوجه في عدم اشتراط الصوم المندوب بالطّهارة دلالة الأخبار عليه.

ففي موثقة ابن بكير قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتى يصبح أيصوم ذلك اليوم تطوعاً؟ فقال : أليس هو بالخيار ما بينه ونصف النهار » (١) وفيما رواه الصدوق في الصحيح بإسناده عن عبد الله بن المغيرة عن حبيب الخثعمي ، « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبِرْني عن التطوّع وعن صوم هذه الثلاثة الأيام إذا أنا أجنبت من أوّل الليل فأعلم أني أجنبت فأنام متعمداً حتى ينفجر الفجر أصوم أو لا أصوم؟ قال : صم » (٢) وفي رواية ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثمّ أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار ، قال : يصوم إن شاء وهو بالخيار إلى نصف النهار » (٣).

عدم اعتبار الطّهارة في الصوم الواجب بالعرض‌

المسألة الرابعة : في اعتبار الطّهارة من الحدث الأكبر في الصوم الواجب غير صوم رمضان الأدائي منه والقضاء ، فهل يعتبر فيه الطّهارة من الحدث الأكبر كما ذهب إليه صاحب الجواهر (٤) والمحقِّق الهمداني (٥) وغيرهما من المحققين أو لا يعتبر؟ الصحيح أنّ‌

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ٢٠ ح ٢. الفقيه ٢ : ٤٩ / ٢١٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ٢٠ ح ١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٦٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ٢٠ ح ٣.

(٤) الجواهر ١٦ : ٢٤٠.

(٥) مصباح الفقيه ( الصوم ) ١٤ : ٤١١.

٢٩٨

الصوم الواجب غير صوم رمضان أدائه وقضائه كالصوم المندوب لا يعتبر فيه الطّهارة من الحدث الأكبر ، وذلك لعدم الدليل على اعتبارها ، وهو يكفي في الحكم بعدم الاشتراط وجواز البقاء على الجنابة فيه.

وأمّا ما عن المحقِّق الهمداني قدس‌سره من أنّ شيئاً إذا أُثبتت شرطيته لفرد من أفراد الواجب مثلاً ثبتت لغيره من أفراد الطبيعة الواجبة لاتحادهما بحسب الماهيّة والحقيقة ، ومع شرطية شي‌ء للماهية لا يختص الشرطية بفرد دون فرد ، وعلى ذلك جرت عادة الفقهاء قدس‌سرهم فإن الصلاة مثلاً إذا قلنا إنها متقوِّمة بسجدتين وركوع واحد ثمّ أطلقنا لفظة الصلاة في مورد آخر وقلنا إنها مستحبّة مثلاً يتبادر منها إلى الأذهان تلك الصلاة التي اشترطنا فيها السجدتين والركوع. وفي المقام حيث اشترطنا في الصوم الواجب في شهر رمضان عدم البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر فلا محالة تثبت شرطية ذلك لسائر الأفراد الواجبة أيضاً لاتحادها بحسب الماهية والحقيقة.

ففيه : أن ما أفاده وإن كان متيناً في نفسه إلاّ أنه إنما يتمّ فيما إذا لم يثبت عدم اشتراط الماهية بذلك الشرط ، وفي المقام قد ثبت بمقتضى الإطلاقات عدم اشتراط ماهية الصوم بالاجتناب عن البقاء على الجنابة ، وذلك لما ورد من أنّ الصائم لا يضرّه أي ما صنع إذا اجتنب خصالاً ثلاثة أو أربعاً : الأكل والشرب ، والنساء والارتماس (١) باعتبار عد الأكل والشرب واحداً أو اثنين فمنه يستفاد أن الاجتناب عن البقاء على الجنابة أو الكذب على الله ورسوله ونحوهما من الأُمور المشترطة في محلها إنما هي من الأوصاف والشرائط المعتبرة في شخص الصوم الواجب في رمضان وفي قضائه وليست وصفاً للماهية لتسري إلى جميع أفرادها.

هذا كلّه في الصوم الواجب المعيّن ، وأما غير المعيّن فالأمر فيه أظهر ، لأنا لو كنا اشترطنا الطّهارة في الواجب المعيّن لم نكن نشرطها في غير المعيّن ، وذلك للتعليل الوارد في عدم اشتراط الطّهارة في الصوم المستحب أعني قوله عليه‌السلام : « أليس‌

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١ ح ١.

٢٩٩

هو بالخيار ما بينه ونصف النهار » (١) فان مقتضاه حسب المتفاهم العرفي أن كل صوم كان المكلّف مخيّراً فيه إلى نصف النهار لا يعتبر فيه الطّهارة من الحدث الأكبر.

نسيان غسل الجنابة في رمضان‌

وأمّا نسيان غسل الجنابة في شهر رمضان فقد عرفت وجوب القضاء فيه بمقتضى رواية إبراهيم بن ميمون المتقدِّمة (٢) وهي مروية بثلاثة طرق كلها ضعاف ، أما طريق الشيخ والصدوق ( رحمهما الله ) فهما ضعيفان بإبراهيم بن ميمون لعدم ثبوت وثاقته وأمّا طريق الكليني فهو ضعيف به وبسهل بن زياد. وبمقتضى صحيحة الحلبي المتقدِّمة (٣) وهي العمدة في المقام ، وإن كان مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن النص عدم وجوب القضاء في نسيان غسل الجنابة ، حيث إن نواقض الصوم أُمور محصورة وليس منها نسيان غسل الجنابة ، وإنما الناقض تعمد البقاء على الجنابة إلى الفجر وليس النسيان من التعمد كما هو واضح ، إلاّ أن مقتضى النص وجوب القضاء كما مرّ.

نسيان الجنابة أو الجهل بها‌

وهل نسيان نفس الجنابة أو نسيان أن غداً من شهر رمضان كنسيان غسل الجنابة موجب للقضاء أو لا؟

الظاهر أن الأصحاب لم يتعرضوا إلى ذلك في كلماتهم. والصحيح أن نسيان الجنابة أو نسيان أن غداً من رمضان لا يوجبان القضاء ، وذلك لما مرّ من أن نواقض الصوم أُمور محصورة ولم يذكر منها النسيان ، فلو كنا نحن وأنفسنا لم نحكم بوجوب القضاء في نسيان غسل الجنابة أيضاً ، فإن الناقض تعمد البقاء على الجنابة دون النسيان ، وقد خرجنا عن ذلك في نسيان الغسل بالنص ويبقى نسيان نفس الجنابة ونسيان أن اليوم‌

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ٢٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦٥ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ب ١٧ ح ١. تقدّم ذكرها في ص ٢٨٩.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٣٨ / أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٣٠ ح ٣. تقدّم ذكرها في ص ٢٩٠.

٣٠٠