موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٦١٢] مسألة ١٨ : ما دام خوف الضرر باقياً يجرى حكم الجبيرة وإن احتمل البرء (١) ولا يجب الإعادة إذا تبيّن برؤه سابقاً (٢) ، نعم لو ظنّ البرء وزال الخوف وجب رفعها.

______________________________________________________

دوران الحكم مدار خوف الضرر

(١) لاستصحاب بقاء جرحه أو كسره أو قرحه ، هكذا قيل. ويأتي في التعليقة الآتية أن ذلك حكم واقعي لا نحتاج فيه إلى الاستصحاب بوجه ، ومن ثمة لا نحكم عليه بوجوب الإعادة فيما إذا تبيّن برؤه قبل الوضوء.

(٢) وهذا لا لما قيل من أن الخوف له موضوعية في ترتب أحكام الجبائر كما يستفاد من رواية كليب الأسدي حيث قال : « إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره » (١) وذلك لأن الظاهر من أخذ الخوف في موضوع الحكم إنما هو طريقيته إلى الواقع ، ومعنى أنه « إن كان يتخوّف إلخ » أنه إن كان في بدنه جرح أو كسر يخاف من وصول الماء إليه فليمسح على جبائره لا أن الخوف له موضوعية ، بل الوجه فيما أفاده في المتن هو الإطلاق المستفاد من صحيحة ابن الحجاج حيث أمر عليه‌السلام فيها بغسل ما عدا الكسر أو الجرح المجبور قائلاً : إنه لا يعبث بجرحه (٢) ، فموضوع الحكم بالمسح على الجبيرة فيها هو الكسير أو الجريح الذي جبر كسره أو جرحه ، فلو كنّا نحن وهذا المقدار لحكمنا بوجوب إعادة الصلاة والوضوء فيما إذا توضأ على نحو الجبيرة ثمّ انكشف برؤه حال الوضوء ، وذلك لأن الموضوع في الصحيحة هو الكسير الذي جبر كسره ، والمفروض عدم كون المتوضئ كسيراً حال الوضوء فيحكم ببطلان وضوئه.

إلاّ أنه مضافاً إلى أنّ العادة قاضية على عدم حل الجبائر إلى أن يزول الخوف ويظن بالبرء قبل ذلك لا حين حلّها قد دلّتنا القرينة الخارجيّة على أن الموضوع‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٥ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٨.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ١.

١٨١

[٦١٣] مسألة ١٩ : إذا أمكن رفع الجبيرة وغسل المحل لكن كان موجباً لفوات الوقت هل يجوز عمل الجبيرة؟ فيه إشكال بل الأظهر عدمه والعدول إلى التيمم (١).

______________________________________________________

لوجوب المسح على الجبيرة إنما هو من حدث به الكسر أو الجرح وقد كان مجبوراً حال الوضوء ، بلا فرق في ذلك بين بقاء كسره أو جرحه في حال الوضوء أيضاً وعدمه ، فلا أثر للبقاء وإنما المدار على حدوث الكسر وكونه مجبوراً حال الوضوء. وتلك القرينة هي عدم تحقق اليقين بالبرء في تلك الأزمنة مع جبر الموضع حال حله بأن يكون الجرح مثلاً قد برأ حال حل الجبيرة لا قبله ولا بعده ، أو لو كان متحققاً فهو أمر نادر قليل الاتفاق وإن أمكن استكشاف ذلك في أمثال زماننا هذا عن فوق الجبيرة ببعض الآلات والأدوات ، وأما في تلك الأزمنة فلم يكن للكشف عن ذلك طريق قطعي.

فإن حل الجبيرة قد يتفق أن يكون مقارناً لبرئه في ذلك الزمان أعني زمان حل الجبيرة ، وقد ينكشف أنه برأ قبل حلّها بزمان ، وثالثة ينكشف عدم برئه ويحتاج إلى الجبر ثانياً حتى يبرأ ، فاليقين بالبرء حين حل الجبيرة إما لا يتحقق وإما أنه نادر لا يمكن حمل الرواية عليه. فمقتضى إطلاقها بتلك القرينة أن كل من حدث به كسر ونحوه وكان مجبوراً حال الوضوء وجب عليه المسح على جبيرته سواء كان برأ في الواقع أم لم يكن ، بل ظاهر الصحيحة أن هذا حكم واقعي فإذا انكشف البرء حال وضوئه بعد الوضوء لم يجب عليه الإعادة بوجه ، فلا حاجة معه إلى الاستصحاب فيمن شك في برء كسره إلاّ إذا لم تتمّ دلالة الصحيحة على ما ذكرناه.

إذا كان رفع الجبيرة مفوتاً للوقت‌

(١) المتعيّن في حقه هو التيمم ، لأن روايات الجبائر كما مرّ غير مرّة تختص بما إذا لم يتمكّن من غسل البشرة أو مسحها من جهة الكسر أو الجرح أو القرح ، وأما من كان بدنه سليماً ولم يضره الماء إلاّ أنه لم يتمكن من غسله أو مسحه لضيق الوقت وعدم‌

١٨٢

[٦١٤] مسألة ٢٠ : الدواء الموضوع على الجرح ونحوه إذا اختلط مع الدم وصار كالشي‌ء الواحد ولم يمكن رفعه بعد البرء بأن كان مستلزماً لجرح المحل وخروج الدم فإن كان مستحيلاً بحيث لا يصدق عليه الدم بل صار كالجلد فما دام كذلك يجري عليه حكم الجبيرة (*) وإن لم يستحل كان كالجبيرة النجسة يضع عليه خرقة ويمسح عليه (١).

______________________________________________________

سعته لحل الجبيرة فهو خارج عن موارد الأخبار ، والأصل الأوّلى حينئذ هو التيمم كما سلف.

الدواء المختلط بالدم‌

(١) لا يمكن المساعدة على ما أفاده في شي‌ء من صورتي استحالة الدم وعدمها. أمّا إذا لم يستحل فلأن مفروض كلامه قدس‌سره إنما هو برء المحل ومع سلامة البدن وارتفاع الكسر أو الجراحة لا يجري في حقه حكم الجبيرة ، لاختصاص أخبارها بالجريح والكسير والقريح والمكلّف غير داخل في شي‌ء من ذلك. ومجرّد عدم تمكنه من رفع الدواء المخلوط به الدم لا يوجب جريان أحكام الجبيرة في حقه ، بل ينتقل أمره إلى التيمم لا محالة. على أن وضع خرقة طاهرة عليه أمر لا موجب له ولا دليل على لزومه.

وأمّا إذا استحال الدم فلعين ما قدّمناه في صورة عدم الاستحالة. على أنّ استحالة الدم إنما توجب ارتفاع أحكامه ، وأمّا أحكام الدواء المتنجس به فلا موجب لارتفاعها فهو دواء نجس لا يتمكّن من رفعه فيجب عليه التيمم لا محالة ، كما هو الحال في صورة عدم استحالة الدم فلا فرق بين الصورتين ، نعم إذا كان المحل مريضاً قد وضع عليه الدواء فحكمه حكم الجبيرة بمقتضى صحيحة الوشاء (٢) كما مرّ.

__________________

(*) بل ينتقل الأمر إلى التيمم ، سواء في ذلك الاستحالة وعدمها.

(١) الوسائل ١ : ٤٦٥ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٩.

١٨٣

[٦١٥] مسألة ٢١ : قد عرفت أنه يكفي في الغسل أقله بأن يجري الماء من جزء إلى جزء آخر ولو بإعانة اليد ، فلو وضع يده في الماء وأخرجها ومسح بما يبقى فيها من الرطوبة محل الغسل يكفي ، وفي كثير من الموارد هذا المقدار لا يضرّ خصوصاً إذا كان بالماء الحار وإذا أجرى الماء كثيراً يضر ، فيتعيّن هذا النحو من الغسل ولا يجوز الانتقال إلى حكم الجبيرة فاللاّزم أن يكون الإنسان ملتفتاً لهذه الدقّة (١).

______________________________________________________

هل المسح برطوبة اليد يجزئ عن الغسل؟

(١) أقل الغسل وهو انتقال جزء من الماء من جزء إلى جزء وإن كان مجزئاً لا محالة إلاّ أن الغسل على النحو المقرر في المتن لا يخلو من إشكال ومنع ، وذلك لما قدّمناه غير مرّة من أن الأمر بالغسل ظاهر في لزوم إحداث الغسل ، وأما الغسل بحسب البقاء فهو غير كاف في الامتثال ، والمكلّف إذا وضع يده في الماء وبذلك قد أحدث الغسل في يده ثمّ مسح برطوبتها وجهه أو غيره من مواضع الكسر مثلاً ، فلا محالة يكون المسح برطوبتها إبقاء للغسل الحادث في يده وإحداثاً للمسح في وجهه. ولا يطلق على إمرار يده على وجهه عنوان الغسل في شي‌ء من اللغات ، بل يقال إنه مسح وجهه ، مع أن المأمور به هو الغسل دون المسح.

وتوضيح ما ذكرناه : أنّا تعرّضنا تبعاً للماتن لأقل الغسل في بحث غسل الوجه من الوضوء وقلنا إنه عبارة عن جريان الماء من جزء إلى جزء إمّا بنفسه أو بواسطة اليد ونحوها (١). كما قلنا إن النسبة بينه وبين المسح عموم من وجه ، فإن المسح عبارة عن مرور الماسح على الممسوح برطوبة ونداوة ، وهما أمران متقابلان في الوضوء ومن هنا جعله الله سبحانه في مقابل الغسل في الآية المباركة ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...

__________________

(١) شرح العروة ٥ : ٤٨.

١٨٤

[٦١٦] مسألة ٢٢ : إذا كان على الجبيرة دسومة لا يضرّ بالمسح عليها إن كانت طاهرة (١).

[٦١٧] مسألة ٢٣ : إذا كان العضو صحيحاً لكن كان نجساً ولم يمكن تطهيره لا يجري عليه حكم الجرح بل يتعيّن التيمم (٢)

______________________________________________________

وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) (١) إلخ فلا يجزئ أحدهما عن الآخر بوجه.

وعليه فإذا أدخل يده في الماء ثمّ أخرجها فلا يكون المسح بها على وجهه غسلاً وذلك لأن مفروض كلام الماتن أنه يمسح برطوبة يده على وجهه ، والمسح مع النداوة والرطوبة مصداق للمسح ولا يطلق عليه الغسل في لغة العرب ولا في غيرها من اللّغات ، فإنّ المسح بالنداوة لا يكون إجراء للماء من جزء إلى جزء في شي‌ء من اللّغات ، وإذا كان المأمور به هو الغسل فلا يكون المسح بدلاً عنه كافياً في الامتثال كما ذكرنا نظيره عند تعرّض الماتن لجواز غسل الجبيرة الواقعة في مواضع الغسل ومسحها وقلنا إنّ المأمور به هو المسح والغسل لا يجزئ عنه بوجه (٢).

إذا كان على الجبيرة دسومة‌

(١) سواء كانت الدسومة قليلة ومعدودة من الأعراض أم كانت كثيرة ومعدودة من الجواهر ، وذلك لإطلاقات الأخبار الآمرة بالمسح على جبائره ، إلاّ أن تعرض الدسومة بفرض غير واقع على نحو لا يؤثر المسح فيها أبداً ، فإنّ المسح غير المؤثر لا يُكتفى به في مقام الامتثال ، حيث إنّ ظاهر المسح تأثر الممسوح بذلك.

العضو السّليم إذا لم يمكن تطهيره‌

(٢) والوجه فيه ظاهر ، لأنّ أخبار الجبائر مختصّة بالجريح والكسير والقريح ، وأما‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) في ص ١٥٧.

١٨٥

نعم لو كان عين النجاسة لاصقة به ولم يمكن إزالتها جرى حكم الجبيرة (*) (١) والأحوط ضم التيمم.

[٦١٨] مسألة ٢٤ : لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة إن كانت على المتعارَف (٢) كما أنه لا يجوز وضع شي‌ء آخر عليها مع عدم الحاجة إلاّ أن يحسب جزءاً منها بعد الوضع.

______________________________________________________

السّليم فهو خارج عن الأخبار وإن فرضنا عدم تمكنه من غسل بشرته أو مسحها لعدم تمكّنه من غسلها لقلّة الماء أو غيرها من الأسباب ، ومع عدم شمول الأخبار له ينتقل أمره إلى التيمم كما هو الأصل في كل من لم يتمكن من الوضوء.

(١) وفيه : أنّ اللاّصق بالبدن سواء كان من الأعيان النجسة أم من الأعيان الطاهرة لا يجري عليه أحكام الجبائر ، كما عرفته في القير اللاّصق بالبدن لاختصاصها بالكسير والجريح والقريح ، ومع سلامة العضو لا تشمله الأخبار فتنتقل وظيفته إلى التيمم لا محالة ، نعم خرجنا عن ذلك في الدواء اللاصق بالبدن بمقتضى صحيحة الوشّاء (٢) فإنّ حكمه حكم الجبيرة كما مرّ ، وأمّا غيره فلا دليل على التحاقه بالجبائر ، على أنّ وضع خرقة أُخرى طاهرة عليه أمر لا دليل على وجوبه.

تخفيف الجبيرة غير واجب‌

(٢) فلا يجب تخفيف الضخمة وجعلها رقيقة أو بتبديلها بالرقيق ، وذلك لإطلاقات الأخبار الآمرة بالمسح على الجبائر ، فكل ما صدق عرفاً أنه جبيرة كفى المسح عليها في مقام الامتثال إلاّ أن يخرج عن الجبيرة عند المتعارف ، كما إذا شدّ على جبيرته منديلاً ومسح على المنديل فإنّ المنديل لا يسمّى جبيرة حينئذ.

فالمراد من قوله : ( إن كانت على المتعارف ) هو كون الحائل جبيرة عند العرف‌

__________________

(*) بل ينتقل الأمر إلى التيمم.

(١) تقدّم ذكرها في مسألة ٢٠.

١٨٦

[٦١٩] مسألة ٢٥ : الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث لا مبيح (١).

______________________________________________________

فكل ما صدق أنه جبيرة كفى مسحها عن غسل البشرة ومسحها ، ولم يرد بذلك كون الجبيرة متعارفة بحسب الغلظة والرقة ، لأنها تختلف باختلاف الأشخاص والموارد فقد يجبر بالكرباس وأُخرى بالفاسون وثالثة بشي‌ء آخر خفيف أو غليظ. ومن ذلك يظهر حكم ما إذا وضع على الجبيرة شيئاً وأراد المسح عليه فإنه إن عدّ عند العرف جزءاً من الجبيرة فلا محالة يكفي المسح عليه في مقام الامتثال ، وإذا عدّ شيئاً زائداً عليها فلا يكفي كما عرفت.

الوضوء مع الجبيرة رافع‌

(١) إن أراد القائل بكونه مبيحاً أن المتوضئ مع الجبيرة باق على حدثه وليس متطهراً بوجه إلاّ أنه جاز أن يدخل في الصلاة أو في غيرها مما يشترط فيه الطّهارة تخصيصاً فيما دلّ على اشتراط الصلاة أو غيرها من الأفعال بالطّهارة ، فهو ممّا لا يحتمل بوجه ، فإن الأخبار الواردة في الجبائر قد اشتملت على السؤال عن الوضوء والغسل وأنّ الجريح أو الكسير ما يصنع بوضوئه فأجابوا بأنه يمسح على الجبيرة ، وظاهرها أنّ السؤال إنما هو عن ذلك الوضوء أو الغسل الذي اشترطت الصلاة به وأنه هو الوضوء مع الجبيرة في حقه ، لا أنّ المراد منها أمر آخر غير ما هو الشرط في الصلاة فلا يمكن القول بأن المتوضي مع الجبيرة غير متطهر بوجه.

كما أنّ القائل بكونه رافعاً إن أراد أن الوضوء مع الجبيرة كالوضوء التام وهما فردان اختياريان من الطبيعي المأمور به وأحدهما في عرض الآخر ، فكما أنّ المكلّف يتمكّن من أن يأتي بالوضوء التام يتمكّن من الوضوء مع الجبيرة بإدخال نفسه في موضوعه بالاختيار ، نظير الصلاة المقصورة والتامّة حيث إنهما فردان اختياريان من طبيعي الصلاة المأمور بها وأحدهما في عرض الآخر ، وللمكلّف أن يختار أيّاً منهما شاء بإدخال نفسه في موضوع المسافر. فهو أيضاً غير محتمل بوجه ، لأنّ الأخبار الواردة في الجبائر كالأدلّة الدالّة على كفاية التيمم في حق فاقد الماء إنما تدلّنا على أنّ‌

١٨٧

الوضوء مع الجبيرة أو التيمم وظيفة المعذور عن الوضوء التام بحيث لا يتمكن من إتيانه ، وأما من كان متمكناً من الوضوء التام ثمّ أدخل نفسه في ذوي الأعذار فهو خارج عن مصب الأخبار رأساً. وعليه فالقول الوسط بين هذين القولين أن يقال : إن الوضوء مع الجبيرة كالتيمم طهارة حقيقية ولكنها في طول الطّهارة بالوضوء التام بمعنى أنهما في حق المعذور يقابلان الوضوء والوضوء التام في حق الواجد وغير المعذور ، فهما طهارتان في ظرف المعذورية لا في عرض الوضوء والوضوء التام.

ولا يرد على ذلك أن لازمه جواز التفويت الاختياري بإراقة الماء بعد الوقت وجعل نفسه فاقداً للماء بالاختيار أو بإيجاد كسر أو قرح في بدنه اختياراً ، فإنه بعد إدخال نفسه تحت عنوان الفاقد أو الجريح والكسير يكون التيمم أو الوضوء مع الجبيرة طهارة حقيقية في حقه ، ورافعة كالوضوء والوضوء التام في حق الواجد وغير الجريح والكسير.

والوجه في عدم ورود ذلك على ما ذكرناه هو أن مقتضى ما قدّمناه من اختصاص أدلّة التيمم والوضوء مع الجبيرة للمعذور غير المتمكن من الوضوء المأمور به عدم وجوب الصلاة على من فوّت على نفسه وأراق الماء أو جرح نفسه ، وذلك لعدم كونه معذوراً غير متمكن من الوضوء المأمور به ، لأنه كان متمكناً منه على الفرض وقد أدخل نفسه في موضع الفاقد أو العاجز بالاختيار ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فلا طهارة في حقّه والصلاة ساقطة بالإضافة إليه ويعاقب من جهة تفويته الاختياري ، ولكن الإجماع القطعي دلّنا على أن الصلاة لا تسقط بحال فمنه استكشفنا أن وظيفته بعد تفويته هي الصلاة مع التيمم أو الوضوء مع الجبيرة ، فهما طهارتان حقيقيتان في حقّه وليستا في عرض الوضوء التام بل في طوله. على أنهما في حق المعذور بالاختيار لا يقابلان الوضوء التام للصحيح ، بل يصح أن يقال إنهما طهارتان في مرتبة نازلة من الوضوء التام ، لعدم كونهما وافيين بالملاك مثل الوضوء التام ، كما أنه يعاقب من تلك الناحية أي من ناحية تفويته مقداراً من المصلحة حيث عجز نفسه عن الإتيان بالوضوء التام واستيفاء ملاكه ، ويحكم بصحّتهما للإجماع الكاشف عن اشتمالهما على مقدار من المصلحة لازم الاستيفاء حينئذ.

١٨٨

[٦٢٠] مسألة ٢٦ : الفرق بين الجبيرة التي على محل الغسل والتي على محل المسح من وجوه كما يستفاد مما تقدّم : أحدها : أن الاولى بدل الغسل ، والثانية بدل عن المسح (١). الثاني : أن في الثانية يتعيّن المسح ، وفي الاولى يجوز الغسل (*) أيضاً على الأقوى (٢).

______________________________________________________

فالمتحصل أنهما طهارتان في طول الوضوء التام ومرتبتهما دون مرتبة الوضوء التام ، والمفوِّت بالاختيار يعاقب على تفويته الملاك في ذلك الوضوء وإن كان يحكم بصحّة تيممه أو وضوئه الناقص من جهة الإجماع واشتمالهما على مقدار من المصلحة الملزمة.

الفوارق بين الجبيرتين‌

(١) إن كان نظره قدس‌سره إلى أن المسح في مواضع الغسل يجزئ عن الغسل وفي موارد المسح يجزئ عن المسح وأن الشارع يكتفي به بدلاً عن الغسل أو المسح فهو عين المسألة ومما لا إشكال فيه ، وإن كان نظره إلى أنه لا بدّ من قصد البدلية عن الغسل في مواضعه والبدلية عن المسح في مواضعه فهو مندفع بالإطلاقات ، حيث دلّت الروايات على أنه يمسح على جبائره من غير اعتبار قصد البدلية عن الغسل أو المسح ، نعم البدلية هي التي لاحظها الشارع في جعله وأمره به حيث لاحظ أنه بدل عن الغسل أو المسح فأمر به ، وأما أنها لا بدّ من ملاحظتها في مقام الامتثال فهو مما لم يقم عليه دليل.

(٢) تقدّم أن النسبة بين الغسل والمسح عموم من وجه وأن أحدهما غير الآخر (٢) والمأمور به في الأخبار إنما هو المسح على الجبائر ، وظاهرها أنه واجب متعيّن ولا دليل على كفاية غسل الجبيرة. وقاعدة الميسور غير منطبقة على المقام ، على أنها غير تامّة في نفسها كما مرّ غير مرّة.

__________________

(*) تقدّم عدم جوازه.

(١) في ص ١٨٤.

١٨٩

الثالث : أنه يتعيّن في الثانية كون المسح بالرطوبة الباقية في الكف وبالكف ، وفي الاولى يجوز المسح بأي شي‌ء كان وبأي ماء ولو بالماء الخارجي (١). الرابع : أنه يتعيّن في الأُولى استيعاب المحل (٢) إلاّ ما بين الخيوط والفُرَج ، وفي الثانية يكفي المسمّى (٣). الخامس : أن في الأُولى الأحسن أن يصير شبيهاً بالغسل في جريان الماء بخلاف الثانية فالأحسن فيها أن لا يصير شبيهاً بالغسل (٤).

______________________________________________________

(١) والوجه في ذلك أن المستفاد من الأخبار الواردة في المقام حسب الارتكاز العرفي أن الجبيرة بدل عن البشرة فحكمها حكمها ، وحيث إن المسح في مواضع المسح إذا كان بالبشرة لا بدّ وأن يكون بالنداوة الباقية في اليد كما في صحيحة زرارة « وتمسح ببلة يمناك ناصيتك » (١) فكذلك لا بدّ من ذلك في المسح على الجبيرة التي هي بدل عن البشرة ، وحكمها حكم المحل. وأمّا الغسل في مواضع الغسل فلا يعتبر فيه أن يكون بالبلة الباقية في اليد ، لجواز أن يكون بالماء الجديد كما مرّ تفصيله فكذلك الحال في الجبيرة التي هي في حكم المحل.

(٢) لما عرفت من أن حكم الجبيرة حكم المحل ، فكما أن في موارد الغسل لا بدّ من استيعاب الغسل فكذلك في الجبيرة الموجودة على مواضع الغسل ، نعم لا يعتبر في الاستيعاب في المسح التدقيق ، بل يكفي المقدار الذي يسمى مسحاً مستوعباً عند العرف.

(٣) كما هو الحال في المسح على نفس البشرة كما في مسح الرأس أو الرجل بحسب العرض ، وأما طولاً فيعتبر فيه أن يكون من الأصابع إلى الكعبين كما هو ظاهر.

(٤) الاحتياط وإن كان كما أفاده إلاّ أنه غير معتبر في صحّة الوضوء ، وذلك لأن الغسل غير المسح والنسبة بينهما عموم من وجه ، والمأمور به هو المسح في موارد الغسل والمسح ، ولا يعتبر أن يكون مجتمعاً مع الغسل أو شبيهاً به.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٧ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

١٩٠

السادس : أن في الاولى لا يكفي (*) مجرّد إيصال النداوة بخلاف الثانية حيث إن المسح فيها بدل عن المسح الذي يكفي فيه هذا المقدار (١). السابع : أنه لو كان على الجبيرة رطوبة زائدة لا يجب تجفيفها في الأُولى بخلاف الثانية (٢). الثامن : أنه يجب مراعاة (**) الأعلى فالأعلى في الأُولى دون الثانية (٣). التاسع : أنه يتعيّن في الثانية إمرار الماسح على الممسوح بخلاف الأُولى فيكفي فيها بأي وجه كان (***) (٤).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أن المأمور به في كل من موارد الغسل والمسح هو المسح على الجبيرة ، ولا فرق بينهما في ذلك ، وإن كان الأحوط المسح بالماء في مواضع الغسل.

(٢) لما تقدّم من أن حكم الجبيرة حكم المحل ، فكما أن الرطوبة في البشرة في مواضع الغسل غير مانعة عن صحّة الوضوء فكذلك الحال في الجبيرة في تلك المواضع ، وأما في مواضع المسح فحيث إن المعتبر أن يكون المسح بنداوة اليد فلا بدّ من اعتبار تجفيفها ، لأن النداوة لو اندكت في رطوبة المحل أو امتزجت معها وإن لم تكن مندكة لم يتحقق المسح بنداوة اليد ، بل المسح كان بالماء الخارجي أو الممتزج منه ومن نداوة اليد وهو غير كاف في صحّة الوضوء.

(٣) لأن الجبيرة كالمحل فإذا لم يعتبر في نفس البشرة أن يكون المسح أو الغسل من الأعلى إلى الأسفل فكذلك الحال في الجبيرة في ذلك المحل ، كما أنه إذا اعتبر فيه ذلك اعتبر في الجبيرة أيضاً ، وعليه فيعتبر في الجبيرة في مواضع الغسل وفي مسح الرأس أن يكون المسح من الأعلى فالأعلى ، وأما في مسح الرجلين فالأقوى عدم اعتباره كما هو الحال في نفس البشرة.

(٤) لما مرّ وعرفت من أنّ الجبيرة كالمحل ، وحيث إن المستفاد من الآية (٤)

__________________

(*) على الأحوط الأولى.

(**) تقدّم تفصيل ذلك [ في فصل أفعال الوضوء الفعل الأوّل والثاني والثالث والرابع ].

(***) فيه إشكال فلا يترك الاحتياط.

(١) ( ... وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ... ) المائدة ٥ : ٦.

١٩١

[٦٢١] مسألة ٢٧ : لا فرق في أحكام الجبيرة بين الوضوءات الواجبة والمستحبة (١).

[٦٢٢] مسألة ٢٨ : حكم الجبائر في الغُسل كحكمها (*) في الوضوء واجبة ومندوبة (٢)

______________________________________________________

والأخبار (٢) أن المسح في مواضع المسح يعتبر أن يكون بإمرار الماسح على الممسوح فكذلك الحال في الجبيرة الموضوعة على محال المسح ، وأما في مواضع الغسل فلا يعتبر فيه شي‌ء من ذلك ، فيجوز إيقاف الماسح وإمرار الممسوح بالماسح ، وكذا الحال في الجبيرة الموضوعة على المحل.

عدم الفرق بين الوضوء الواجب والمندوب‌

(١) للإطلاقات (٣) حيث لم يقيّد شي‌ء من الأحكام الواردة في روايات الجبائر بما إذا كان الوضوء واجبا.

هل يفرق بين الغسل أو الوضوء في الجبائر؟

(٢) هذا يبتني على دعوى القطع بعدم الفرق بين الوضوء والغسل في شي‌ء من أحكام الجبائر ، وحيث إنها غير تامّة ولا قطع لنا بتساويهما بوجه فلا مناص من المراجعة في ذلك إلى الأخبار لنرى أن أي حكم من أحكام الجبائر في الوضوء قد‌

__________________

(*) الظاهر أن من كان به جرح أو قرح يتخير بين التيمم والغسل ، والأحوط على تقدير الاغتسال أن يضع خرقة على موضع القرح أو الجرح ويمسح عليها وإن كان جواز الاكتفاء بغسل الأطراف لا يخلو عن قوّة. وأما الكسير فان كان محل الكسر فيه مجبوراً تعيّن عليه الغسل والمسح على الجبيرة مع التمكن ، وإن كان المحل مكشوفاً أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعيّن عليه التيمم.

(١) راجع الوسائل ١ : ٣٨٧ / أبواب الوضوء ب ١٥.

(٢) راجع الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩.

١٩٢

ثبت في الغسل أيضاً فنأخذ به ، وفيما لم يقم عليه دليل في الغسل نرجع إلى الأصل الأوّلي أعني وجوب التيمم في حق من لم يتمكن من استعمال الماء في الوضوء أو لغسل.

ونتيجة إنكار القطع بتساويهما أن الجريح والقريح إذا أجنبا يتخيران بين التيمم والغسل مع الجبيرة ولا يتعيّن عليه خصوص الغسل مع الجبيرة ، ويساعده أن في غسل الجريح والقريح مع الجبيرة عسراً وحرجاً ، وهذا من أحد موارد التخيير بين التيمم والغسل مع الجبيرة.

وكيف كان ، المعروف بين الفقهاء ( قدس الله أسرارهم ) أن الغسل والوضوء متحدان من حيث الأحكام في الجبائر ، ولكن الصحيح أنهما مختلفان في ذلك وأن الجريح والقريح إذا أجنبا يتخيران بين الغسل مع الجبيرة والتيمم ، بلا فرق في ذلك بين كونهما مجبورين وبين كونهما مكشوفين. فلنتكلم أوّلاً في جواز الغسل في حقّه مع الجبيرة ليتضح منه جواز تيممه.

المجبور من الجريح والقريح‌

أمّا المجبور من الجريح والقريح فلصحيحة ابن الحجاج عن أبي الحسن عليه‌السلام : « عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء وعند غسل الجنابة وغسل الجمعة؟ فقال عليه‌السلام : يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله ولا ينزع الجبائر ويعبث بجراحته » (١) لأنها كما ترى غير مختصّة بالوضوء ، وقد دلّت على أن الجريح المجبور بقرينة قوله : ولا ينزع الجبائر يغسل بقيّة المواضع الصحيحة ويدع الموضع المجبور بلا فرق في ذلك بين الغسل والوضوء. وهي وإن كانت ظاهرة في رجوع الضمير في قوله : « أو تكون به الجراحة » إلى الكسير إلاّ أنه غير مراد يقيناً وإنما يرجع إلى الرجل المقدر في قوله : « عن الكسير تكون عليه الجبائر » بمعنى أنه‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ١.

١٩٣

يرجع إلى ذات الكسير لا هو بوصف كونه كسيراً.

ثمّ إن الصحيحة وإن لم تتضمن الأمر بالمسح على الجبيرة إلاّ أنا استفدنا ذلك من بقيّة الأخبار الآمرة بالمسح على الجبائر (١). ثمّ إنها وإن كانت مختصّة بالوضوء إلاّ أنا نلحق الجبيرة في الغسل إلى الوضوء للقطع بعدم كفاية الغسل من دون غسل بعض المواضع ولا مسح ما هو كالمحل ، حيث إن الجبيرة غالباً بل دائماً تكون أوسع من الجراحة بمقدار فذلك المقدار الصحيح من أطراف الجراحة الذي تحت الجبيرة لا بدّ إما أن يغسل وإما أن يمسح الجبيرة الموضوعة عليه ، وحيث لا يجب عليه نزع الجبيرة وغسل ما تحته فلا مناص من أن يمسح على الجبيرة التي هي كالمحل.

فالمتحصل : أن الجرح أو القرح المجبور عند الاغتسال يغسل مع الجبيرة ويمسح عليها كما هو الحال في الوضوء. ويدلّ على ذلك صحيحة كليب الأسدي (٢) حيث دلّت على أن الكسير يمسح على جبائره ، لعدم اختصاصها بالوضوء.

الجرح المكشوف‌

وأمّا الجرح المكشوف عند الاغتسال فلصحيحة عبد الله بن سنان « عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال عليه‌السلام : يغسل ما حوله » (٣) لأنها غير مختصّة بالوضوء بل مطلقة تشمل كلاًّ من الوضوء والغسل ، وعليه فهما متحدان في الجرح المكشوف حيث يجب غسل ما حوله في كليهما هذا. إلاّ أن في قبالهما (٤) عدّة كثيرة من الأخبار ، وقد دلّت على أن الجريح والقريح إذا أجنب يجب عليه التيمم فحسب.

منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب ، قال : لا بأس بأن لا يغتسل ، يتيمم » (٥).

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٥ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٨.

(٣) الوسائل ١ : ٤٦٤ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٣.

(٤) لم يتقدّم منه إلاّ صحيحة واحدة فليلحظ.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٤٧ / أبواب التيمم ب ٥ ح ٥.

١٩٤

ومنها : صحيحة البزنطي عن الرضا عليه‌السلام : « في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد ، فقال : لا يغتسل ويتيمم » (١).

ومنها : غير ذلك من الأخبار (٢) ، وهي معارضة مع الصحيحتين المتقدّمتين. وقد ذكر في الجمع بينهما وجوه لا بأس للتعرّض لبعضها :

فمنها : ما ذكره صاحب الحدائق قدس‌سره من حمل الصحيحتين المتقدّمتين على ما إذا كانت الجراحة واحدة وحمل الطائفة الثانية على صورة تعدّد الجراحة (٣) ولعلّه لأن في الاغتسال مع الجراحة المتعدِّدة مشقّة نوعية.

ويبعده أن أكثر الأخبار في الطائفة الثانية وإن اشتملت على لفظة القروح والجروح بصيغة الجمع إلاّ أن الظاهر أنها بمعنى الجنس ، حيث قد يستعمل الجمع ويراد منه الجنس كما في قوله عليه‌السلام : « عليه جبائر » مع أن وجود الجبيرة الواحدة كاف في إجراء حكم الجبيرة ، وإنما أتى بصيغة الجمع بلحاظ تعدد أفراد الجبائر أو القروح والجروح ، لأن الجبيرة قد تكون من الخشب وأُخرى من الخرقة وهكذا هذا. على أن بعض أخبار الطائفة الثانية قد ورد بصيغة المفرد وأن الرجل يكون به القرح أو الجراحة كما في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدِّمة ، فهذا الجمع غير وجيه.

ومنها : ما ذكره شيخنا الأنصاري قدس‌سره واستحسنه جملة ممّن تأخّر عنه حيث حمل الطائفة الآمرة بالغسل مع الجبيرة على صورة عدم تضرّر المواضع الصحيحة من بدنه بالاغتسال والطائفة الثانية الدالّة على وجوب التيمم على صورة تضرر المواضع الصحيحة من بدنه بالماء ، للقطع بأن من تضرّر باستعمال الماء لا يجب عليه الاغتسال (٤) هذا.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٤٧ / أبواب التيمم ب ٥ ح ٧.

(٢) كصحيحة داود بن سرحان المروية في الوسائل ٣ : ٣٤٨ / أبواب التيمم ب ٥ ح ٨ وغيرها من روايات الباب المذكور.

(٣) الحدائق ٢ : ٣٨٦.

(٤) كتاب الطّهارة : ١٤٧ / السطر ٧.

١٩٥

ولا يمكن المساعدة على ذلك أيضاً ، لأنه ليس من الجمع العرفي بين المتعارضين وذلك لأن السؤال في الطائفة الآمرة بالتيمم إنما هو عن الجريح ومن به قرح أو جراحة لا عمن تضرر بدنه غير الجريح باستعمال الماء ، وظاهر الجواب حينئذٍ أن من لم يتمكن من استعمال الماء من جهة الجراحة في بدنه يتيمم لا أن من لم يتمكن من استعماله لأجل الحمى أو لتضرر المواضع السليمة من بدنه يجب عليه التيمم ، وهذا دقيق. ووجوب التيمم على من أضر به الماء وإن كان معلوماً عندنا إلاّ أنه لا يوجب تقييد الروايات بوجه ، لأنها ناظرة إلى بيان أن من تضرر لأجل الجرح وظيفته التيمّم ، ولا نظر لها إلى بيان حكم المتضرِّر من غير ناحية الجرح ، وحيث إن هذا الموضوع بعينه هو الذي دلّت الطائفة الأُولى على وجوب الغسل فيه فلا محالة تتعارضان ، ولا يكون حمل الثانية على صورة تضرر المواضع الصحيحة من الجمع العرفي في شي‌ء.

فالإنصاف أن الطائفتين متنافيتان لوحدة المورد فيهما ، ومقتضى الجمع العرفي بينهما رفع اليد عن ظاهر كل منهما بنص الآخر ، حيث إن الطائفة الآمرة بالاغتسال ظاهرة في تعين الغسل وناصة في جوازه والطائفة الآمرة بالتيمم ظاهرة في تعين التيمم وناصة في جوازه ، فبنص كل منهما ترفع اليد عن ظاهر الآخر وتكون النتيجة ما ذكرناه من جواز كل من الغسل والتيمم وكون المكلّف مخيراً بينهما هذا ، بل يمكن استفادة ذلك من صريح صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة حيث نفت البأس عن تركه الاغتسال وقال إنه يتيمم ، وهي كالصريح في جواز كلا الأمرين في حقه ، بل وكذلك صحيحة البزنطي بحمل النهي فيها عن الاغتسال على النهي في موارد توهم الأمر وهو يفيد الإباحة والجواز. هذا كله في حق الجريح والقريح عند الاغتسال.

وأمّا الكسير فقد وردت فيه روايات أربع :

منها : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يتيمم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته جنابة » (١).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٤٧ / أبواب التيمم ب ٥ ح ٤.

١٩٦

ومنها : مرسلة ثانية له عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يؤمم المجدور والكسير إذا أصابتهما الجنابة » (١).

ومنها : مرسلة الصدوق ، قال وقال الصادق عليه‌السلام : « المبطون والكسير يؤممان ولا يغسلان » (٢).

ومنها : مرسلة الكافي ، قال : وروى ذلك في الكسير والمبطون يتيمم ولا يغتسل (٣).

وهذه الأخبار تدلّنا على أن الكسير يتيمم ولا يجوز في حقه الاغتسال. إلاّ أنها لإرسالها لا يمكننا الاعتماد عليها ، نعم يكفي في الحكم بوجوب التيمم في حقه المطلقات الآمرة بالتيمم لمن عجز من استعمال الماء ، وهو الأصل الأوّلي في كل من لم يتمكّن من استعمال الماء ، فإن مقتضاها أن الكسير المجنب يتيمم ولا يغتسل.

وأمّا الأخبار الواردة في الجبيرة فقد دلّت صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج على أن الكسير يغتسل أو يتوضأ حيث قال عليه‌السلام : « يغسل ما وصل إليه الغسل ويدع ما سوى ذلك » (٤) ومقتضاها أن الكسير لا يجوز أن يتيمم بل يغتسل مع الجبيرة ، وهي وإن لم تشتمل على الأمر بالمسح على الجبيرة إلاّ أنا علمنا من الخارج أن الشارع لم يرفع يده من غسل البشرة أو مسح ما هو بدل عن البشرة ، وبما أن الجبيرة تسع مقداراً من الأطراف الصحيحة ولا تكون بمقدار المحل ، بل لو وجدت بمقداره في الجراحة والقرحة فلا يتحقق في الكسر أبداً ، لأنه لا بدّ أن يشد بالأطراف الصحيحة أيضاً حتى ينجبر ، وهذا المقدار الصحيح الذي هو تحت الجبيرة لا يجب غسله لعدم وجوب نزع الجبيرة فلا مناص من أن يمسح على الجبيرة التي فوقه.

فبهذه الصحيحة نحكم بوجوب الاغتسال على الكسير مع المسح على الجبيرة‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٤٨ / أبواب التيمم ب ٥ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٤٨ / أبواب التيمم ب ٥ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٥٩ / ٢١٧.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٤٦ / أبواب التيمم ب ٥ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٦٨ / ٥.

(٤) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ١ ، وقد تقدّمت بتمامها في ص ١٩٣.

١٩٧

وإنّما الكلام في أنه هل يتعين حينئذ الغسل ترتيباً أو يجوز الارتماسي أيضاً (*) ، وعلى الثاني هل يجب أن يمسح على الجبيرة تحت الماء أو لا يجب؟ (١)

______________________________________________________

كما في الوضوء إلاّ أنها مختصّة بالكسر المجبور ، ولأجل ذلك تكون الصحيحة أخص مطلقاً من المراسيل الدالّة على وجوب التيمم في حقّه والمطلقات الآمرة بالتيمم في حق من عجز من استعمال الماء ، لعدم اختصاصهما بالمجبور فتتقدّم الصحيحة عليهما وتخصصهما بما إذا كان الكسير مجبوراً ، فإن وظيفته الغسل مع الجبيرة ولا يتخيّر بين التيمم والاغتسال كما في الجريح والقريح ، فإن التخيير فيهما مستند إلى المعارضة الموجبة لرفع اليد عن ظاهر كل منهما بنص الآخر المنتج للتخيير ، ولا معارضة في المقام.

الكسر الكشوف‌

وأمّا الكسر المكشوف فيجب معه التيمم بمقتضى المراسيل المتقدّمة على تقدير الاعتماد عليها أو المطلقات الدالّة على أن الأصل الأوّلي في حق كل عاجز عن استعمال الماء هو التيمم.

(١) بقي الكلام في أن الجريح أو القريح أو الكسير إذا أراد الاغتسال فهل يجب أن يغتسل ترتيباً أو ارتماساً؟ وعلى الثاني يجب أن يمسح على الجبيرة تحت الماء أو لا يجب؟ ذكر الماتن أن الأقوى جواز الغسل ارتماساً وعدم وجوب المسح على الجبيرة تحت الماء.

ولكن الصحيح عدم جواز الارتماسي في حقّه ، إذ يشترط في الغسل ارتماساً إحاطة الماء للبدن دفعة واحدة ، والماء لا يحيط بدن الكسير ونحوه دفعة واحدة لمكان الجبيرة. وقد عرفت أن الواجب في حقّه المسح على الجبيرة دون غسلها ، لأنه ظاهر الأمر بالمسح من غير عدل ، فان مثله ظاهر في التعيين ، فلو أراد أن يرتمس ويمسح‌

__________________

(*) الأحوط بل الأظهر عدم جوازه.

١٩٨

الأقوى جوازه وعدم وجوب المسح وإن كان الأحوط اختيار الترتيب ، وعلى فرض اختيار الارتماس فالأحوط المسح تحت الماء ، لكن جواز الارتماسي مشروط بعدم وجود مانع آخر من نجاسة العضو وسرايتها إلى بقيّة الأعضاء أو كونه مضراً من جهة وصول الماء إلى المحل.

______________________________________________________

على الجبيرة حال الارتماس أيضاً لم يحكم بصحّة غسله لأن المسح تدريجي ، ولا محالة لا يتحقق مع انغماس الرأس في الماء دفعة واحدة ولا أقل في الجزء الأخير من المسح لأنه يتأخر عن انغماس الرأس يقيناً ، فالمتعيّن في حقّه الغسل ترتيبا.

ثمّ إن الكلام في كفاية الارتماس في حقّه وعدمها إنما هو فيما إذا لم يكن هناك مانع آخر من صحّته ، كما إذا كان وصول الماء إلى المحل على نحو الارتماس مضراً في حقّه أو أن المحل كان نجساً ووصول الماء إليه بالارتماس يوجب سراية النجاسة إلى المواضع الطاهرة من بدنه تحت الجبيرة فإن الارتماس غير جائز حينئذ ، وهذا لا لأن الغسل يعتبر فيه طهارة الأعضاء قبل الاغتسال ، بل لو لم يعتبر الطّهارة قبل الاغتسال أيضاً كما هو الصحيح نمنع عن الارتماس وإن لم يغتسل في الماء القليل أيضاً كما إذا ارتمس في الكثير. والوجه في المنع أنه لا يجوز له أن ينجس بدنه بأكثر من المقدار الضروري ، فلو ارتمس في الكثير فبمجرد إخراج يده أو غيرها من الماء تسري النجاسة من الموضع المتنجس إلى المواضع القريبة منه وتستلزم نجاستها تحت الجبيرة ولا يمكن تطهيرها بعد ذلك لمكان الجبيرة ، فيكون الغسل مرتمساً مفوّتاً لشرط الصلاة أعني طهارة البدن في غير موضع الجرح ، والغسل المفوت لشرط الصلاة مما لا أمر به شرعاً.

وليعلم أن محل كلامنا إنما هو الغسل مع الجبيرة لا الجرح أو الكسر المكشوف ، إذ يمكن معه تصحيح الارتماس بوضع شي‌ء على جرحه أو بدنه فيرتمس في الماء ، وعلى تقدير تنجس بعض الأطراف الطاهرة يغسله بعد الاغتسال.

١٩٩

[٦٢٣] مسألة ٢٩ : إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح أو نحوهما فالحال فيه حال الوضوء في الماسح كان أو في الممسوح. (١)

______________________________________________________

إذا كان على مواضع التيمم جرح أو قرح

(١) لا إشكال في أن حكم الجبيرة في التيمم حكمها في الغسل والوضوء ، سواء كانت الجبيرة في الماسح أو الممسوح. ولعلّ المسألة متسالَم عليها من غير خلاف وإنما الكلام في مدرك ذلك ، فقد يستدل عليه بالإجماع والتسالم القطعيين ، وأُخرى يستدل عليه بحسنة الوشاء المتقدِّمة حيث اشتملت على السؤال عمن على يده أو يديه دواء يمسح عليه؟ قال : نعم (١) وذلك لإطلاقها ، فقد دلّت على أن من كان مأموراً بغسل البشرة أو بمسحها كما في التيمم ولم يتمكن عنه لمانع من الدواء ونحوه يمسح على ذلك الدواء.

وفيه : أنه مع الإغماض عن المناقشة في دلالتها بأنها مختصّة بالدواء ولا مرخص للتعدي عن موردها ، لأن كفاية المسح على الحائل من غسل البشرة أو مسحها على خلاف القاعدة ، فلو تمسكنا بذيل الإجماع وعدم القول بالفصل بين الدواء وغيره كان استدلالاً بالإجماع لا بالحسنة. يرد على الاستدلال بها أنها رُويت بطريقين بإسناد واحد وفي أحدهما الرواية كما قدمناه وهو طريق الشيخ قدس‌سره (٢) وفي الآخر الذي هو طريق الصدوق زيدت كلمة ( في الوضوء ) بعد قوله : « أيمسح عليه » (٣) فهما رواية واحدة لوحدة إسنادهما مردّدة بين النقيصة والزيادة ، فمع الإغماض عن أن الأمر إذا دار بين النقيصة والزيادة الأصل عدم الزيادة وأن الشيخ كثيراً ما ينقص شيئاً في الرواية أو يزيد عليه والصدوق أضبط ، ومقتضى هذين الأخذ برواية الصدوق وتخصيصها بالوضوء ، تصير الرواية مجملة فلا يمكننا الاعتماد عليها في الحكم بكفاية المسح على الحائل مطلقاً ولو في التيمم ، لاحتمال اختصاصها بالوضوء كما ورد‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٥ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٩ ، ١٠.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٤ / ١١٠٥.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٢ / ٤٨.

٢٠٠