موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٥٩٤] مسألة ٥٥ : إذا علم قبل تمام المسحات أنه ترك غسل اليد اليسرى أو شكّ في ذلك فأتى به وتمّم الوضوء ثمّ علم أنه كان غسله يحتمل الحكم ببطلان الوضوء (١) من جهة كون المسحات أو بعضها بالماء الجديد ، لكن الأقوى صحّته لأنّ الغسلة الثانية مستحبّة على الأقوى حتى في اليد اليسرى ، فهذه الغسلة كانت‌

______________________________________________________

لو علم بعدم غسل اليسرى وبعد الإتمام علم بغسلها

(١) الصحيح هو التفصيل في المسألة كما أفاده الماتن قدس‌سره حيث إنه لو كان قبل غسل يده اليسرى بعد الشك قد غسلها بالغسلة الوجوبية والغسلة الاستحبابية ، بحيث كان غسلها بعد الشك من الغسلة الثالثة التي هي محرمة وبدعة فلا مناص من الحكم ببطلان وضوئه ، وذلك لأنها وإن لم تحرم عليه تكليفاً حيث لم تصدر بالعمد والالتفات إلاّ أنها موجبة للبطلان لا محالة ، لما مرّ من أن المسح يعتبر أن يكون بالبلة الوضوئية الباقية في اليد ، والبلة التي مسح بها في مفروض المسألة ليست من بلة الوضوء بل بلة غسل خارجي محرم فيبطل وضوءه.

وأمّا إذا كان غسلها قبل غسلها بعد الشك غسلة واحدة وجوبية ، بحيث كان غسلها بعد الشك من الغسلة الثانية المستحبة في الوضوء فيحكم بصحّة وضوئه ، لأن البلة حينئذ من بلة الغسلة الوضوئية المستحبّة ، ولا يحتمل فيه البطلان إلاّ من جهتين :

إحداهما : أن ما أتى به من الغسلة كانت مستحبة وهو قد أتى بها بعنوان الوجوب. إلاّ أنك عرفت فيما سبق أن الوجوب والاستحباب لا يتميزان إلاّ بانضمام الترخيص في الترك إلى الأمر وعدمه ، وإلاّ فالمنشأ فيهما في نفسهما شي‌ء واحد فقد تخيّل وجوبه وكان مستحباً واقعاً فهو من الخطأ في التطبيق غير المضر في صحّة العمل. وقد أسلفنا سابقاً أن الأمر في هذه الموارد أمر واحد شخصي غير قابل للتقييد حتى يأتي به مقيّداً بالاستحباب أو الوجوب ، بل غاية ما هناك أنه أتى به بداعي الوجوب ثمّ تبيّن استحبابه فهو من تخلف الداعي غير المبطل للعبادة. وبعبارة اخرى : أن العبادة يعتبر‌

١٤١

مأموراً بها في الواقع فهي محسوبة من الغسلة المستحبّة ، ولا يضرّها نيّة الوجوب ، لكن الأحوط إعادة الوضوء لاحتمال اعتبار قصد كونها ثانية في استحبابها ، هذا ولو كان آتياً بالغسلة الثانية المستحبّة وصارت هذه ثالثة تعيّن البطلان لما ذكر من لزوم المسح بالماء الجديد.

______________________________________________________

فيها إتيان ذات العمل وإضافتها إلى الله ، والمفروض أنه أتى بذات الغسلة الثانية وقد أضافها إلى الله سبحانه على الفرض ومعه يحكم بصحّتها.

وثانيتهما : أنا نحتمل أن يكون متعلق الأمر الاستحبابي خصوص الغسلة الثانية التي قصد بها عنوان الغسلة الثانية وأنه لم يتعلق بطبيعي الغسلة الثانية ، وحيث إنه لم ينو بها ولم يقصد بها الغسلة الثانية فلم تقع مصداقاً للمستحب كما أنها ليست مصداقاً للواجب فتقع باطلة ، والمسح بها مسح ببلة ماء خارجي فيحكم ببطلان الوضوء.

وهذا المعنى وإن كان محتملاً في نفسه إلاّ أنه مردود :

أوّلاً : بإطلاقات الأخبار الآمرة بالغسلة الثانية استحباباً ، لأن مقتضى إطلاقها أن كل غسلة كانت مصداقاً للغسلة الثانية في الخارج محكوم بالاستحباب قصد بها عنوانها أم لم يقصد.

وثانياً : لو أغمضنا النظر عن إطلاق الأدلّة فمقتضى البراءة عدم اعتبار قصد عنوان الثانية في الغسلة الثانية المستحبة في الوضوء ، وذلك لا بإجراء البراءة في المستحب ليقال إنكم منعتم عن جريانها في المستحبات حيث لا ضيق فيها ، بل بإجرائها عن تقيد متعلق الأمر الوجوبي وهو الوضوء بعدم غسلة ثانية لم يقصد بها عنوانها حتى توجب بطلانه ، فالغسلة الثانية غير مبطلة للوضوء قصد بها عنوانها أم لم يقصد ، فلا محالة تكون متصفة ومحكومة بالاستحباب والبلة بلة غسلة استحبابية فلا يكون موجباً لبطلان الوضوء ، وإن كان الأحوط إعادة الوضوء للاحتمال المذكور.

١٤٢

فصل

في أحكام الجبائر

وهي الألواح الموضوعة على الكسر والخرق والأدوية الموضوعة على الجروح

______________________________________________________

فصل في أحكام الجبائر‌

إن من كان على موضع من مواضع وضوئه كسر أو قرح أو جرح وقد وضع عليه جبيرة يجب أن يمسح على الجبيرة على تفصيل يأتي عليه الكلام إن شاء الله تعالى. وقبل الشروع في مسائل الجبيرة ننبه على أُمور.

تنبيهات المسألة :

الأوّل : أن مقتضى القاعدة الأولية وجوب التيمم على من لم يتمكن من الوضوء أو الغسل ، لثبوت بدليته عنهما بالكتاب والسنّة ، لأن التراب أحد الطهورين وقد قال الله سبحانه ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) فلولا الأخبار الواردة في كفاية غسل الجبيرة أو مسحها لحكمنا بانتقال الفريضة حينئذ إلى التيمم لعجز المكلّف عن الوضوء أو الغسل ، وإنما رفعنا اليد عن ذلك بالأدلّة الدالّة على كفاية مسح الجبيرة ، وعليه فلا بدّ من الاقتصار على كل مورد ورد فيه الدليل بالخصوص على كفاية المسح على الجبيرة ، وفي غيره لا مناص من الحكم بوجوب التيمم كما عرفت.

نعم لو قلنا بتمامية قاعدة الميسور وأن الميسور من كل شي‌ء لا يسقط بمعسوره لانعكس الحال في المقام وكان مقتضى القاعدة الأولية تعيّن مسح الجبيرة من غير أن يجب عليه التيمم ، لأن الطّهارة المائية متقدّمة على الطّهارة الترابية ، وحيث إن المكلّف‌

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٣ ، المائدة ٥ : ٦.

١٤٣

والقروح والدماميل ، فالجرح ونحوه إما مكشوف أو مجبور ، وعلى التقديرين إما في موضع الغسل أو في موضع المسح ، ثمّ إما على بعض العضو أو تمامه أو تمام الأعضاء ، ثمّ إمّا يمكن غسل المحل أو مسحه أو لا يمكن ، فإن أمكن ذلك‌

______________________________________________________

متمكن من الوضوء الناقص فلا يسقط وجوب الميسور منه بتعذر المعسور منه ، لأنّ المتعذر إنما هو مسح جميع الأعضاء وأما مسح بعضها فلا ، فالوضوء الناقص منزل منزلة الوضوء التامّ بتلك القاعدة. فمقتضى القاعدة الأولية في موارد الجبيرة هو الوضوء الناقص ومسح الجبيرة من غير أن تنتقل الفريضة إلى التيمم ، لتأخر الطّهارة الترابية عن الطّهارة المائية.

إلاّ أنا ذكرنا في محلِّه أن الأخبار الواردة في تلك القاعدة غير تامّة للمناقشة في سندها أو في دلالتها (١) ، نعم في العمومات الانحلالية لا مناص من الالتزام بتلك القاعدة إلاّ أنه لا من جهة ثبوتها تعبّداً بل من جهة ثبوتها عقلاً ، لاستقلال العقل بأن وجوب امتثال كل حكم إنما يتبع قدرة المكلّف لمتعلقه لا لقدرته على متعلق حكم آخر ، فإذا كان زيد مديوناً لعمرو خمسة دراهم ولم يتمكّن إلاّ من ردّ درهم واحد وجب ردّه لتمكّنه من امتثال الأمر بردّه وإن لم يتمكّن من امتثال الأمر برد غيره من الدراهم ، وهكذا في غيره من موارد الانحلال. وأمّا في المركّبات والمقيّدات فلم يقم دليل على وجوب مقدار منهما إذا تعذّر بعض أجزائها.

نعم لو تمّت رواية عبد الأعلى مولى آل سام في رجل عثر فوقع ظفره وجعل على إصبعه مرارة كيف يمسحها؟ قال : يعرف حكم هذا وأشباهه من كتاب الله سبحانه وهو قوله ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح على المرارة (٢) ، لقلنا بثبوت قاعدة الميسور ولو في خصوص الوضوء ، وذلك لأنّ المتعذر إنما هو خصوصية المسح على البشرة وأمّا مطلق المسح فهو غير متعذر في مورد الرواية ، ومن هنا أمره بالمسح‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤٧٧.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٤ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٥.

١٤٤

على المرارة وقال : إنه وأشباهه يعرف من كتاب الله. فتدلّ على أن الوظيفة في جميع هذه الموارد هو المسح على الجبيرة من دون أن ينتقل الأمر إلى التيمم. إلاّ أن الرواية ضعيفة السند كما أن دلالتها كذلك ، وذلك لأن المسح على المرارة مما لا يعرف من كتاب الله قطعاً ، لأن العرف لا يرى المسح على المرارة ميسوراً من المسح على البشرة بل يراهما متعدِّداً ، ومن هنا لو تعذّر المسح على الجبيرة والمرارة أيضاً لم يتوهّم أحد وجوب المسح على الحائط مثلاً بدعوى أن المتعذر إنما هو خصوصية المسح على المرارة وأمّا أصل المسح ولو بالمسح على الجدار فهو أمر ممكن ، ولعلّه ظاهر ، وإنما يعرف منه سقوط الأمر بمسح البشرة لتعذّره وأمّا أن المسح على المرارة واجب فممّا لا يمكن استفادته من الكتاب ، فقوله عليه‌السلام : امسح على المرارة. على تقدير صحّة الرواية حكم خاص أنشأه الإمام عليه‌السلام في مورده ، ولا دليل على التعدِّي منه إلى غيره.

فالمتحصل من ذلك : أن مقتضى القاعدة الأولية في موارد الجبيرة هو التيمم ، ففي كل مورد ثبت كفاية غسل الجبيرة أو المسح عليها فهو وإلاّ فلا بدّ من الحكم بوجوب التيمم بمقتضى الكتاب والسنّة.

الأمر الثاني : أن في موارد الجبيرة إذا أمكن غسل البشرة أو مسحها برفع الجبيرة من غير أن يكون في وصول الماء إليها ضرر ولا في رفع الجبيرة وشدّها حرج ومشقة ، فلا إشكال في وجوب غسل البشرة أو مسحها برفع الجبيرة بمقتضى أدلّة وجوبهما ، فإن الأخبار الواردة في الجبائر الآمرة بالمسح على الجبيرة إنما هي فيما إذا كان في وصول الماء إلى البشرة ضرر متوجه إلى المكلّف ، ومع عدمه فلا تشمله الأخبار فيتعيّن غسلها ولعله ظاهر.

وأما إذا كان في حل الجبيرة وشدّها مشقّة ولم يكن في وصول الماء إلى البشرة ضرر ، فهل يكفي جعل موضع الجبيرة في الماء وارتماسه فيه حتى يصل الماء إلى تحتها وهو البشرة أو لا بدّ من المسح على الجبيرة؟ أما إذا كانت الجبيرة في مواضع المسح فجعل موضع الجبيرة في الماء مما لا إشكال في عدم كفايته ، لأن الواجب هو المسح‌

١٤٥

بلا مشقّة ولو بتكرار الماء عليه حتى يصل إليه لو كان عليه جبيرة أو وضعه (*) في الماء حتى يصل إليه بشرط أن يكون المحل والجبيرة طاهرين أو أمكن تطهيرهما وجب ذلك ، وإن لم يمكن إما لضرر الماء أو للنجاسة وعدم إمكان التطهير (**)

______________________________________________________

ولا يتحقق المسح بوصول الماء إلى البشرة. وأما إذا كانت الجبيرة في مواضع الغسل وفرضنا تحققه برمس موضع الجبيرة في الماء بأن تحقق به مفهوم الغسل أعني جريان الماء على البشرة ولو بأدنى مرتبة منه ، فظاهر جماعة ومنهم الماتن قدس‌سره كفايته ووجوبه.

والتحقيق : أن غسل الموضع إذا كان ممكناً مع التحفظ على الترتيب المعتبر في الوضوء أعني غسل العضو من الأعلى إلى الأسفل كما إذا كان متمكناً من رفع الجبيرة ، فلا إشكال في تعينه ولزوم رفعها مقدّمة لتحقق الغسل المعتبر في الوضوء وكما إذا لم يكن عليه جبيرة أصلاً فإنّ الغسل وإيصال الماء إلى البشرة مترتباً معتبر في الوضوء ، كان على الموضع جبيرة أم لم يكن ، فعلى تقدير وجودها يتعيّن رفعها مقدّمة. وأمّا إذا لم يمكن غسله مع الترتيب ففي كفاية وضع الموضع على الماء ووصول الماء إلى البشرة ولو مع تحقق مفهوم الغسل إشكال ، لعدم حصول الترتيب المعتبر معه.

وأمّا ما قد يتوهّم في المقام من الاستدلال على كفاية وضع المحل في الماء وإن فاته الترتيب المعتبر في الوضوء بموثقة عمار أو إسحاق بن عمار ، حيث أسندها إلى كل منهما في الوسائل عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا يقدر أن يحلّه لحال الجبر إذا جُبّر كيف يصنع؟ قال : إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء ويضع موضع الجبر في الماء حتى يصل الماء إلى جلده‌

__________________

(*) الاكتفاء به مع عدم حصول الترتيب محل إشكال ، بل الأظهر رعاية الترتيب حينئذ.

(**) الظاهر أنه لا يجري حكم الجبيرة عند عدم إمكان تطهير المحل النجس بلا ضرر في الغسل بل يتعين فيه التيمم.

١٤٦

وقد أجزأه ذلك من غير أن يحلّه » (١) حيث دلّت على كفاية جعل موضع الجبر في الماء مع فوات الترتيب المعتبر في الوضوء. فيدفعه : أن الرواية وإن نقلت على الكيفية المتقدّمة في الوسائل ، وقال بعد نقلها : إن الشيخ رواها بهذا الاسناد عن إسحاق بن عمار مثله. إلاّ أن صاحب الحدائق رواها في الحدائق على نحو آخر حيث بدل قوله : « فلا يقدر أن يحله » بقوله : فلا يقدر أن يمسح عليه (٢). والموجود في كتاب الشيخ في هذا الموضوع هو الثاني (٣) الذي نقله صاحب الحدائق قدس‌سره. ولعل الاختلاف من جهة تعدد الروايتين وكون إحداهما عن عمار والأُخرى عن إسحاق بن عمار وصاحب الوسائل قد عثر على ما نقله الشيخ قدس‌سره في مورد آخر.

وكيف كان ، فالموجود في الرواية ليس هو تعذر حل الجبيرة بل تعذر المسح على البشرة ، فعلى تقدير أن ما رواه صاحب الحدائق هو الأصح تدلّ الرواية على أن من لم يتمكّن من غسل مواضع الغسل بمسحها كما هو العادة لبداهة عدم وجوب المسح في اليد والساعد يجب أن يجعل موضع الجبر في الماء حتى يصل الماء إلى بشرته ، ولا تنظر الرواية إلى سقوط اعتبار الترتيب وقتئذ ، لأنه من الجائز أن يكون وصول الماء إلى البشرة مع مراعاة الترتيب أي بغسل الأعلى إلى الأسفل. هذا كله فيما إذا تمكن من جعل موضع الجبر في الماء ، وأما إذا لم يتمكن من ذلك أيضاً فلا إشكال في تعيّن غسل الجبيرة أو مسحها كما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى (٤).

الأمر الثالث : أن عدم التمكّن من إيصال الماء إلى البشرة يتسبب من أُمور :

أحدها : تضرّر المحل بوصول الماء إليه كما هو الحال في الكسر وفي أغلب الجروح والقروح. ولا إشكال حينئذ في انتقال الوظيفة إلى مسح الجبيرة ، وهو الغالب في الأسئلة والأجوبة في الروايات كما أنه مورد صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٥ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٧.

(٢) الحدائق ٢ : ٣٨١.

(٣) التهذيب ١ : ٤٢٦ / ١٣٥٤ ، الإستبصار ١ : ٧٨ / ٢٤٢.

(٤) في ص ١٥٤.

١٤٧

( عليه‌السلام ) الآمرة بمسح الخرقة الموضوعة على القرحة إذا كان يؤذيه الماء أي يضرّه (١).

وثانيها : تضرّره بتطهيره ومقدّمات غسله وإن لم يتضرر بمجرد وصول الماء إليه وبنفس غسله ، لأن تطهيره يتوقف على صب الماء الكثير لإزالة الدماء وغيرها من النجاسات الموجودة فيه وهو يستلزم نفوذ الماء فيه فيتضرّر به ، وهذا بخلاف مجرّد غسله حيث لا يتضرّر به لقلّة الماء وسرعة مروره عليه. وفي هذه الصورة أيضاً لا بدّ من مسح الجبيرة لأن القروح والجروح بحسب الغالب متنجسة بالدم ، وإزالته تستلزم الضرر وإن لم يكن مجرّد وصول الماء إليه موجباً للضرر ، ولا يوجد جرح من غير الدم إلاّ قليلاً هذا. على أنه مورد صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج حيث قال : « ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله ولا ينزع الجبائر ويعبث بجراحته » (٢) لأنه في مفروض المسألة لا يستطيع من غسل الجراحة ، فإن مقدماته وهي إزالة نجاستها ضررية وهي عبث ولعب بالجراحة.

وثالثها : نجاسة المحل من غير أن يكون غسل الجرح ولا مقدّمته وهو تطهير أطرافه ونفسه ضرريّاً في حقه. وهذا يتصور بوجوه ، فقد يستند ذلك إلى ضيق الوقت بحيث لا يسع لتطهيره وغسله للوضوء. وأُخرى يستند إلى قلّة الماء وإن كان الوقت متسعاً إلاّ أن الماء لا يسع لتطهيره ثمّ التوضؤ به ، لأنه لو طهره لم يبق له ماء للوضوء. وثالثة يستند إلى عدم القدرة على حل الجبيرة أو غيرها مما يمنع عن وصول الماء إلى تحته وإن كان لا يضره الماء على تقدير وصوله إليه كما في الكسير ، حيث لا يتمكن من حل جبيرته ونزعها حتى يصل الماء تحتها ، فهل يجب عليه أن يمسح الجبيرة في هذه الصورة أيضاً أو ينتقل أمره إلى التيمم؟

قد يقال بمسح الجبيرة حينئذ كما عن جماعة ومنهم الماتن قدس‌سره إلاّ أنه مما‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ١.

١٤٨

لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأن مورد الأخبار الواردة في مسح الجبائر بين ما كان وصول الماء إلى البشرة موجباً للضرر وبين ما كان مقدّمة غسلها ضررية كما في الصورتين المتقدمتين ، ولم يرد نص على مسح الجبيرة فيما إذا كانت البشرة نجسة من غير أن يكون في غسلها ولا في مقدّمته ضرر ، فلو صحّ المسح على الجبيرة حينئذ لصح المسح عليها في غير موارد الجرح أيضاً ولم يختص به ، كما إذا أصابت قطرة نجس على أحد مواضع وضوئه ولم يتمكّن من إزالتها من غير أن يكون الموضع كسيراً أو مجروحاً ، فهل يتوهّم أحد كفاية المسح على الجبيرة حينئذ؟! لوضوح أن الوظيفة هي التيمم وقتئذ لعدم تمكن المكلّف من الماء ولم يقل أحد بجواز المسح على الخرقة حينئذ ، وحيث إن المورد مما لم ينص على جواز المسح فيه على الجبيرة فلا مناص من الرجوع إلى الأصل الذي أسسناه في المسألة وهو وجوب التيمم فيما لم ينص على كفاية المسح فيه على الجبيرة هذا.

وقد يتوهّم استفادة كفاية المسح في المقام من صحيحة عبد الله بن سنان « عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال عليه‌السلام : يغسل ما حوله » (١) نظراً إلى أن السؤال فيها عن الجرح وهو مشتمل على النجاسة غالباً ، ولأجل نجاسة المحل لم يأمره بغسله ولا بالتيمم بل أمر بغسل ما حوله.

ولا يخفى أن الرواية والسؤال فيها ناظران إلى نفس الجراحة بما هي ولا نظر فيها إلى عوارضها كالنجاسة بوجه وإنما سئل فيها عن نفس الجرح ، والمستفاد بحسب المتفاهم العرفي من السؤال عن الجرح إنما هو تضرره بالماء أو بغيره ، فقد دلّت الرواية على أن الجرح إذا كان غسله موجباً للضرر يجب غسل ما حوله ، ولا دلالة لها على كفاية المسح على الجبيرة عند نجاسة المحل بالجرح أو بغيره. فهذه الصورة لم ينص على مسح الجبيرة فيها فلا بدّ فيه من التيمم.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٤ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٣.

١٤٩

أو لعدم إمكان إيصال الماء تحت الجبيرة ولا رفعها فإن كان مكشوفاً (*) (١)

______________________________________________________

أحكام الجرح المكشوف‌

(١) شرع قدس‌سره في أحكام الجرح المكشوف وحكم بوجوب المسح على نفس الجرح إذا لم يكن فيه ضرر وإلاّ فيمسح على خرقة يضعها على الجرح ، فلو لم يمكن ذلك أيضاً لضرره حكم بوجوب غسل ما حوله ، ولكن الأحوط أن يضمّ إليه التيمم أيضاً.

أما ما أفاده قدس‌سره من مسح نفس الجرح وإلاّ فيمسح ما وضعه عليه من الخرقة فهو يبتني على أن مسح البشرة ميسور لغسلها المعسور بالنظر العرفي كما أن مسح الخرقة ميسور الغسل المتعذر حسب المتفاهم عندهم ، وحيث إن الميسور لا يسقط بالمعسور فيجب المسح على البشرة أوّلاً وإلاّ فمسح الخرقة ومع تعسرهما يغسل أطرافه ويضمّ إليه التيمم ، لذهابهم إلى أن الطّهارة لا تتبعض.

ولكن فيما أفاده من أوّله إلى آخره مجال للمناقشة ، وذلك لأن مسح البشرة ليس مرتبة ضعيفة عن غسلها فلا يعد ميسوراً للغسل بالنظر العرفي ، بل هما متقابلان وأحدهما غير الآخر ، اللهمّ إلاّ أن يجري الماء بمسحه من جزء إلى جزء آخر ، إلاّ أنه خارج عن مفروض الكلام لأنه غسل حقيقة وكلامنا في المسح هذا. ثمّ على تقدير تسليم ذلك لا ينبغي التردد في أن مسح جسم خارجي من جلد أو قرطاس أو خرقة ليس من المراتب النازلة لغسل البشرة فكيف يعد ميسوراً بالنظر العرفي من الغسل المتعسر؟! نعم إذا كانت الخرقة موضوعة من الابتداء وقبل الوضوء أعني بها الجبيرة فلا إشكال في كفاية مسحها للروايات. على أن الاعتبار أيضاً يساعد على ذلك ، لأن الخرقة المشدودة على البشرة معدودة من توابع الجسد وملحقاته فالمسح عليها كالمسح على الجسد ، هذا كله بحسب الصغرى.

__________________

(*) لا يبعد تعين التيمم حينئذ في الكسير.

١٥٠

وأمّا كبرى ما أفاده فقد مرّ غير مرّة أن قاعدة الميسور لم تتم لضعف رواياتها سنداً أو دلالة ، نعم لو تمّت رواية عبد الأعلى (١) سنداً ودلالة بأن قلنا إن المسح على المرارة ميسور من غسل البشرة المعسور على الفرض لحكمنا بجواز المسح على الخرقة في المقام أيضاً ، لدلالتها على أن ذلك حكم يستفاد من كتاب الله في مورد الرواية وأشباهه. إلاّ أنها ضعيفة السند والدلالة كما مرّ ، وعليه فالمتعيّن هو الأخذ بإطلاق صحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة الآمرة بغسل ما حول الجرح فحسب سواء تمكن من مسح الجرح أو الخرقة أم لم يتمكن ، إذ لو كان مسح الجرح أو الخرقة واجباً لتعرضت إليه لا محالة ، وحيث أنها مطلقة لترك الاستفصال فيها فلا مناص من الاكتفاء بغسل أطرافه فحسب.

وأمّا ما أفاده من ضمّ التيمم إلى الوضوء بغسل أطراف الجرح فالظاهر أن وجهه أن الأمر حينئذ يدور بين المتباينين ، لأنه إما أن يجب عليه الوضوء الناقص أعني غسل ما حول الجرح فقط ويسقط عنه غسل موضع الجرح ومسحه والمسح على الخرقة بالتعذر كما هو المفروض ، وإما أن يجب عليه التيمم لأنه فاقد للماء وغير متمكن من الوضوء التام ، ولأجل دوران الأمر بينهما وهما متباينان حكم بوجوب غسل ما حول الجرح وقال : الأحوط ضمّ التيمم إليه.

إلاّ أن الصحيح الاقتصار على وجوب غسل أطراف الجراحة فقط ، وذلك لأنا إن بنينا على أن الأخبار الآمرة بغسل ما حول الجرح أو القرحة مطلقة وأنها في مقام البيان كما هو الصحيح فلا محالة نحكم بمقتضى إطلاقها على أن صاحب القرحة أو الجراحة المكشوفة يغسل ما حولها فقط ، سواء كان متمكناً من مسح الجراحة أو مسح الخرقة أم لم يتمكن ، وذلك لإطلاق الأخبار وورودها في مقام البيان وعدم استفصالها بين التمكن من المسح وعدمه ، لأنها حينئذ كالتخصيص في أدلّة وجوب‌

__________________

(١) تقدّمت في ص ١٤٤.

١٥١

يجب غسل أطرافه ووضع خرقة طاهرة (*) عليه والمسح عليها مع الرطوبة ، وإن أمكن المسح عليه بلا وضع خرقة تعين ذلك إن لم يمكن غسله كما هو المفروض وإن لم يمكن وضع الخرقة أيضاً اقتصر على غسل أطرافه ، لكن الأحوط ضمّ التيمّم إليه (**) ،

______________________________________________________

الغسل في الوضوء كما لا يخفى ، بل نلتزم حتى مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في كفاية المسح على الجبيرة في المجبور ، لأنها إذا لم تكن موجودة أيضاً كنا نلتزم بذلك في الجرح المكشوف بمقتضى إطلاق الروايات.

وأمّا إذا بنينا على عدم الإطلاق فيها بدعوى أنها وردت لبيان وجوب غسل الأطراف في الجملة ، وأما أنه كذلك حتى مع التمكن من المسح فلا لعدم كونها بصدد البيان من تلك الجهة فهي مجملة ، فلا مناص من الحكم بوجوب التيمم في مفروض المسألة ، وذلك لأنا نحتمل اختصاص تلك الأخبار الآمرة بغسل ما حول الجراحة بمن كان متمكناً من مسح الجرح أو الخرقة دون من كان عاجزاً عنه كما هو مفروض الكلام ، وحيث لا إطلاق للأخبار على الفرض فلا نص على كفاية الوضوء الناقص في من به جرح مكشوف فوظيفته التيمم لأنه فاقد الماء.

فعلى ما ذكرناه يدور الأمر في أمثال المقام بين وجوب غسل الأطراف فقط مطلقاً ولو مع التمكّن من المسح وبين وجوب التيمم ، وحيث إنا بنينا على إطلاق الروايات الآمرة بغسل ما حول الجرح أو القرحة فلا محالة يتعين الحكم بكفاية الوضوء الناقص في من كان به جرح مشكوف مطلقاً ، سواء تمكن من المسح أم لم يتمكّن ، فلا وجه لضمّ التيمم إليه ، هذا كلّه فيما إذا كان المكشوف هو الجرح أو القرح.

__________________

(*) على الأحوط الأولى ، ومع التمكن من المسح على البشرة فالأولى الجمع بين المسحين.

(**) لا بأس بتركه.

١٥٢

أحكام الكسر المكشوف

وأمّا الكسر المكشوف فهل يأتي فيه ما ذكرناه في القرحة المكشوفة فيجب عليه غسل ما حوله فقط من غير مسح موضع الكسر ولا الخرقة ولا ضمّ التيمم إليه على ما ذكرناه ، أو هو مع مسح الموضع أو الخرقة أو ضمّ التيمم إليه على ما ذكره الماتن قدس‌سره أو أن الوظيفة حينئذ هي التيمم فحسب؟

ظاهر المتن كبعضهم أن حكمه حكم الجرح المكشوف فيمسح المحل إن تمكن وإلاّ فيمسح على الخرقة التي يجعلها عليه وإلاّ فيغسل أطرافه ويضم التيمم إليه ، بل ظاهر بعض الكلمات أن الأعذار المانعة عن وصول الماء إلى غيره من مواضع الوضوء مطلقاً كذلك وإن لم يكن هناك جرح أو كسر ، كما إذا كان جرحه بحيث يتألم من وصول الماء إلى موضع معيّن من وجهه أو الرمد المانع من وصول الماء إلى ظاهر عينه ، فإنه يمسح ذلك المحل أو الخرقة إن أمكن وإلاّ فيكتفي بغسل أطرافها ويضمّ التيمم إليه هذا.

ولكن الصحيح اختصاص ذلك الحكم بالجرح أو القرحة المكشوفتين ، وذلك لاختصاص الأخبار الآمرة بغسل ما حوله بهما أي بصاحب الجرح أو الفرح ولا نص على ذلك في الكسر المكشوف ، نعم ورد الأمر بغسل أطراف الكسر وأنه لا يعبث بجراحته (١) إلاّ أنه مختص بالمجبور دون المكشوف ، بل الوظيفة التيمم حينئذ لعدم تمكنه من الوضوء التام ، وقد عرفت أن الأصل الأوّلي في من عجز عن الوضوء التام هو التيمم إذا لم يرد فيه نص على كفاية الوضوء الناقص ، بل قد ورد الأمر بالتيمم في الكسر بدلاً عن الجنابة كما يأتي وإنّما خرجنا نحن عن مقتضاه في الكسر المجبور بالروايات على ما يأتي عليه الكلام إن شاء الله تعالى (٢). ومن ذلك يظهر الحال في بقيّة الأعذار التي يضرّها الماء ، فإن الفرض في مثلها التيمم لعدم تمكن المكلّف من الوضوء التام ، هذا كلّه إذا كان الجرح أو الكسر المكشوفين في مواضع الغسل.

__________________

(١) كما في ذيل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج. الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ١.

(٢) في ص ١٩٦ ١٩٧.

١٥٣

وإن كان في موضع المسح ولم يمكن المسح عليه كذلك يجب وضع خرقة طاهرة (*) والمسح عليها بنداوة (١) ، وإن لم يمكن سقط وضمّ إليه التيمم (٢) وإن كان مجبوراً وجب غسل أطرافه مع مراعاة الشرائط والمسح على الجبيرة (٣) إن كانت طاهرة

______________________________________________________

الكسر في موضع المسح‌

(١) هذا أيضاً لا دليل عليه ، لأن المسح على الخرقة الأجنبية ليس ميسوراً للمسح على البشرة ، ولم يدلّ دليل على كفاية المسح عليها في المسح الواجب في الوضوء لو سلمنا أنه ميسور من المسح المعسور ، نعم إذا كانت الخرقة موجودة من الابتداء بأن كان الجرح مجبوراً لكفى المسح عليها من المسح الواجب بمقتضى الأخبار.

(٢) وفيه : أنه لا موجب لوجوب الوضوء الناقص وضمّ التيمم إليه ، بل الوظيفة حينئذ هو التيمم من الابتداء لذلك الأصل المؤسس في أوّل المسألة ، حيث قلنا إن لم يتمكن من الوضوء التام يجب عليه التيمم إلاّ أن يقوم دليل على كفاية الوضوء الناقص في حقّه وهو مفقود في المقام ، نعم إذا تمكن من المسح على نفس الجرح أو القرح تعيّن ، لأنه في موضع المسح الواجب ولأجل تمكنه منه يجب أن يمسح عليه.

الجبيرة وأقسامها وأحكامها‌

(٣) وتفصيل الكلام في المقام أن الجبيرة إما أن تكون في موضع الغسل كالوجه واليدين وإما أن تكون في موضع المسح كالناصية والرجلين.

أمّا إذا كانت في مواضع الغسل فمقتضى صحيحة الحلبي (٢) وغيرها من الأخبار الواردة في المقام أنه يغسل أطراف الجبيرة ويمسح عليها بدلاً عن غسل البشرة التي تحتها ، وفي ذيل بعضها أن لا ينزع الخرقة ولا يعبث بجراحته (٣). بلا فرق في ذلك بين‌

__________________

(*) على الأحوط الأولى ، والأقوى تعيّن التيمم عليه.

(١) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢.

(٢) وهي صحيحة عبد الرّحمن المتقدِّمة في ص ١٤٨.

١٥٤

أو أمكن تطهيرها وإن كان في موضع الغسل ، والظاهر عدم تعيّن المسح (*) حينئذ فيجوز الغسل أيضاً ، والأحوط إجراء الماء عليها مع الإمكان بإمرار اليد من‌

______________________________________________________

الجبيرة في مواضع الكسر وبين مواضع الجرح والقرح ، بل القرح لا تحتاج إلى دليل خاص لأن الجرح يشمله بعمومه ، لأن القرحة هي الجرح المشتمل على القيح كالجروح المسببة عن المواد المقتضية في البدن ، والجرح أعم مما فيه قيح وما لا قيح فيه كالجرح بالسكين ونحوه.

وأمّا إذا كانت في مواضع المسح ولا بدّ من فرضه فيما إذا كانت الجبيرة مستوعبة للعضو ، إذ لو كان بقي منه شي‌ء يتحقق به المسح الواجب وجب مسح نفس البشرة لتمكنه منه وهو خارج عن محل الكلام ، إذ البحث فيما إذا لم يتمكن من المسح الواجب على البشرة فأيضاً لا بدّ من مسح الجبيرة فإنه يجزئ عن مسح البشرة ، وهذا لا لرواية عبد الأعلى مولى آل سام حيث أمره عليه‌السلام بمسح المرارة الموضوعة على إصبعه وظفره (٢) وذلك لأنها ضعيفة السند ومخدوشة بحسب الدلالة ، بل للأولوية العرفية ، لأن العرف إذا القي إليه أن المسح على الجبيرة يكفي عن غسل البشرة فيستفيد منه أن المسح عليها يكفي عن مسح البشرة بطريق أولى. وعلى الجملة إن المسح إذا كان كافياً عن غسل البشرة فهو كاف عن مسحها أيضاً بالأولوية.

ويدلّنا على ذلك ما ورد في صحيحة الحلبي من قوله : « أو نحو ذلك من مواضع الوضوء » (٣) حيث عطفه على قوله : « في ذراعه » فإنه يشمل ما إذا كانت القرحة في مواضع المسح ، فقد دلّت على أنه في هذه الموارد يمسح على الخرقة. وأمّا ما في ذيلها من قوله عليه‌السلام : « وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمّ ليغسلها » ‌

__________________

(*) بل الظاهر تعينه وعدم إجزاء الغسل عنه.

(١) الوسائل ١ : ٤٦٤ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٥.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٣ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢.

١٥٥

دون قصد الغسل أو المسح ، ولا يلزم أن يكون المسح بنداوة الوضوء إذا كان في‌

______________________________________________________

حيث إن الضمير في « ليغسلها » راجع إلى الذراع ، فهو غير مناف لما ذكرناه ، لأنه من جهة أن مورد الرواية هو القرحة في الذراع لا من جهة اختصاص الحكم بمسح الخرقة بمواضع الغسل.

وإن شئت قلت : إن الغسل فيها بالمعنى الأعم من المسح ، ومعناه أنه يغسلها أي الخرقة في مواضع الغسل ويمسح عليها في مواضع المسح كما يدلّ عليه صحيحة كليب الأسدي ، حيث ورد فيها أنه « إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره » (١) لوضوح أنها كما تشمل الجبيرة في مواضع الغسل كذلك يشملها في مواضع المسح. على أنه لم ينقل خلاف في جواز المسح على الجبيرة إذا كانت في مواضع المسح عند عدم تمكّنه من إيصال الماء إلى البشرة.

جهات المسألة :

ثمّ إن في المسألة جهات من الكلام :

الاولى : أن المكلّف إذا لم يتمكن من مسح البشرة في الجبيرة في مواضع الغسل فلا كلام في تعيّن المسح على الجبيرة كما عرفت ، وأمّا إذا تمكن من مسح البشرة بنزع الجبيرة فهل يتعيّن عليه مسح البشرة بدلاً عن غسلها ولا يجزئ مسح الجبيرة حينئذ أو يجب عليه مسح الجبيرة كما إذا لم يتمكن من مسح البشرة؟ ذكر الماتن أن المسح على البشرة هو المتعيّن على الأحوط بل لا يخلو عن قوّة ثمّ احتاط بالجمع بين المسح على الجبيرة وعلى المحل.

إلاّ أن ما أفاده قدس‌سره خلاف ظواهر الأخبار ومما لا مساغ له ، لأن الأخبار الآمرة بالمسح على الخرقة والجبيرة مطلقة وغير مقيّدة بما إذا لم يتمكن من‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٥ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٨.

١٥٦

المسح على البشرة فلا يمكن المصير إليه ، فإنها ظاهرة في أن مسح الجبيرة واجب تعييني لا أنه مخيّر بين المسح على الجبيرة أو البشرة لا مع التمكن من مسح البشرة ولا مع عدمه. فما أفاده قدس‌سره مما لا يمكن المصير إليه ، فإنه لا يتم إلاّ على وجه اعتباري وهو أن المسح على نفس العضو أقرب إلى غسله من المسح على أمر خارجي وهو الجبيرة ، إلاّ أن الوجه الاعتباري لا يمكن الاعتماد عليه في قبال الروايات ، فالمتعيّن المسح على الجبيرة مطلقاً تمكّن من المسح على البشرة أم لم يتمكّن.

الجهة الثانية : أن المكلّف في مواضع المسح على الجبيرة مخيّر بين غسل الجبيرة بدلاً عن غسل البشرة وبين مسحها أو أن المسح واجب معيّن ولا يجزئه غسلها ، ذهب الماتن قدس‌سره إلى التخيير ثمّ احتاط بالجمع بينهما بإجراء الماء على الخرقة بإمرار اليد عليها من دون قصد الغسل أو المسح.

وهذا إمّا بدعوى أن المراد بالمسح المأمور به في الروايات هو الغسل ، لأنه قد يطلق ويراد منه الغسل فالمأمور به إنما هو غسل الجبيرة دون مسحها. وهذا ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، لأن المسح بحسب المتفاهم العرفي إنما هو في مقابل الغسل أعني إمرار اليد على العضو برطوبة لا أنه بمعنى الغسل ، ولا سيما في الوضوء الذي هو مركّب من المسح والغسل ، فالمسح المستعمل في الوضوء ظاهر في إرادة ما هو مقابل الغسل عرفاً. على أن مسح الخرقة مما لا إشكال في جوازه ولو مع التمكن من غسلها ومقتضى ما ذكره القائل تعيّن الغسل وعدم جواز مسحها مع التمكّن منه.

وإمّا من جهة أن الغسل قد ثبت جوازه على طبق القاعدة وهي قاعدة الميسور والمسح لا دليل على وجوبه ، لأن الأوامر الواردة في مسح الجبيرة إنما وردت في مقام دفع توهم الحظر ، حيث إن الإنسان يتخيّل في تلك الموارد أن الواجب غسل الجبيرة وقد دفعه بأن المسح أيضاً يكفي عن غسلها ، والأمر في مقام الحظر يفيد الإباحة دون الوجوب ، ولهذا يكون المكلّف مخيّراً بين مسح الجبيرة وغسلها.

١٥٧

موضع الغسل ، ويلزم أن تصل الرطوبة إلى تمام الجبيرة ، ولا يكفي مجرّد النداوة نعم لا يلزم المداقّة بإيصال الماء إلى الخلل والفُرَج بل يكفي صدق الاستيعاب عرفاً ، هذا كلّه إذا لم يمكن رفع الجبيرة والمسح على البشرة وإلاّ فالأحوط‌

______________________________________________________

ويندفع ذلك بأن الغسل لم يثبت جوازه على طبق القاعدة ، لعدم تمامية قاعدة الميسور في نفسها ، وعلى تقدير تماميتها غير منطبقة على المقام ، لأن غسل شي‌ء أجنبي عن البشرة كيف يكون ميسوراً من غسل البشرة ، لأنه في مقابله أمر مغاير معه لا أنه مرتبة نازلة منه ، فلو سلمنا أن الأخبار لا تدل على وجوب المسح يكفينا في نفي التخيير مجرد الشك في جواز غسل الجبيرة وكفايته عن مسحها وعدمه ، مضافاً إلى ما عرفت من أن الأخبار ظاهرة في وجوب مسح الجبيرة متعيّناً لا على نحو التخيير بينه وبين غسل الجبيرة. فالصحيح أن المسح هو المتعيّن في حقه ولا يجزئ عنه غسلها.

الجهة الثالثة : أن المسح لا بدّ وأن يكون مستوعباً للجبيرة ولا يجزئ مسح بعضها ، وذلك لأن مسح الجبيرة بدل من غسل ما تحتها من البشرة ، فكما أن البشرة يجب غسلها مستوعبة فكذلك مسح ما هو بدل عنه ، نعم لا يجب التدقيق في مسحها لأن المستفاد من الأخبار إنما هو وجوب ما يصدق عليه مسح الجبيرة عرفاً ، فلو مسحها على نحو صدق أنه مسح الخرقة بتمامها كفى ، فالتدقيق غير لازم والتبعيض غير جائز.

الجهة الرابعة : إذا لم يتمكن المكلّف من مسح الجبيرة لنجاستها وعدم تمكنه من تطهيرها أو لغير ذلك من الأُمور ، ذكر الماتن أنه يضع على الجبيرة خرقة طاهرة فيمسح على تلك الخرقة ، وإن لم يمكنه ذلك فالأحوط الجمع بين الوضوء بغسل أطراف الجبيرة وبين التيمم.

وتفصيل الكلام في هذه المسألة أن الجبيرة التي لا يمكن مسحها قد تكون بمقدار الجراحة وقد تكون زائدة عليها ، فإن كانت بقدرها فالظاهر أن المتعيّن حينئذ وجوب‌

١٥٨

تعيّنه (*) ، بل لا يخلو عن قوّة إذا لم يمكن غسله كما هو المفروض ، والأحوط الجمع بين المسح على الجبيرة وعلى المحل أيضاً بعد رفعها ، وإن لم يمكن المسح على الجبيرة لنجاستها أو لمانع آخر فإن أمكن وضع خرقة طاهرة عليها ومسحها يجب ذلك (**) ، وإن لم يمكن ذلك أيضاً فالأحوط الجمع بين الإتمام بالاقتصار على غسل الأطراف والتيمّم.

______________________________________________________

غسل أطراف الجراحة ولا يجب عليه ضمّ التيمم إليه ولا وضع خرقة طاهرة ليمسح عليها ، وذلك لأن المستفاد من صحيحة الحلبي (٣) وغيرها من الأخبار الواردة في المسألة أن الجريح إذا تمكن من المسح على جبيرته وجب كما إذا كان على جراحته جبيرة ، وإذا لم تكن عليها جبيرة يجب غسل أطرافها ويجزئه ذلك عن المأمور به ، فإذا فرضنا أن المكلّف لا يتمكن من مسح جبيرته الموضوعة على جرحه سقط الأمر بمسحها للتعذر فيكفي غسل أطراف الجرح كما في المكشوف ، وأما أنه يجب عليه إحداث خرقة ووضعها على المحل فلا يمكن استفادته من الأخبار ، لأنها كما عرفت إنما دلّت على كفاية مسحها عن الغسل المأمور به فيما إذا كانت موجودة على العضو في نفسها وأما إيجادها وإحداثها فلا دليل على وجوبه. ولا يقاس هذا بتطهير الجبيرة والخرقة إذا أمكن ، وذلك لأن تطهيرها مقدّمة وجودية للمأمور به وهو مسح الجبيرة بعد كونها موجودة في نفسها ، وأمّا أصل إيجاد الجبيرة فهو مقدّمة الوجوب دون الوجود فلا يجب إيجادها فيكفي حينئذ غسل أطراف الجبيرة التي هي بقدر الجراحة نعم وضع خرقة طاهرة والمسح عليها احتياط محض وهو حسن على كل حال.

__________________

(*) فيه منع ، والأظهر تعيّن المسح على الجبيرة.

(**) على الأحوط الأولى إذا كانت الجبيرة بمقدار الجرح ، وأما إذا كانت زائدة عليه فالأظهر تعيّن التيمم.

(١) تقدّم ذكرها في ص ١٤٧ ١٤٨.

١٥٩

[٥٩٥] مسألة ١ : إذا كانت الجبيرة في موضع المسح (١) ولم يمكن رفعها والمسح على البشرة لكن أمكن تكرار الماء إلى أن يصل إلى المحل هل يتعيّن ذلك‌

______________________________________________________

وأمّا إذا كانت الجبيرة أطول وأزيد من الجرح فالمتعيّن في حقه التيمم ، وذلك لعدم تمكّنه من الوضوء التام أو ما بحكمه لفرض عجزه عن مسح الجبيرة وعدم تمكّنه من غسل أطراف الجرح ، لأنّ مقداراً منها تحت الجبيرة التي لا يمكنه مسحها ، وقد أسسنا في أوائل المسألة أنّ كل من لم يتمكّن من الوضوء فهو مأمور بالتيمم. ولا يجب عليه وضع الخرقة الطاهرة عليها لما عرفت ، نعم وضع الخرقة الطاهرة والمسح عليها مع الضم إلى التيمّم مجرّد احتياط. فتحصل أنه مكلف بغسل أطراف الجراحة والجبيرة في الصورة الأُولى والتيمم في الصورة الثانية ، سواء تمكّن من وضع خرقة طاهرة والمسح عليها أم لم يتمكّن.

حكم الجبيرة في موضع المسح‌

(١) أمّا إذا لم يمكن إيصال الماء إلى البشرة بوجه فلا إشكال في أنّ المسح على الجبيرة يجزئ عن مسح البشرة وذلك لما قدّمناه آنفاً ، وإنما الكلام كلّه فيما إذا تمكّن من إيصال الماء إلى البشرة فهل يجب عليه إيصال الماء إلى البشرة بصب الماء على الجبيرة مكرّراً أو بوضع الموضع في الماء ، أو يتعيّن عليه المسح على الجبيرة ، أو يجب عليه الجمع بينهما ، أو أن وظيفته التيمم حينئذ؟ وجوه :

أمّا احتمال وجوب التيمم في حقّه فهو في غاية الضعف والسقوط ، لأن الأخبار المتقدّمة إذا تمّت دلالتها على أن المسح على الخرقة بدل عن المسح على البشرة فهو متمكن من الوضوء لا محالة ، ومعه كيف ينتقل أمره إلى التيمم.

وأمّا دعوى وجوب إيصال الماء إلى البشرة فهي تبتني على تمامية قاعدة الميسور نظراً إلى أن إيصال الماء إليها ميسور من المسح المأمور به المتعذر. ويدفعه ما أشرنا‌

١٦٠