موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

من ( الْمَرافِقِ ) ، ثم أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه » (١).

وفي قضية علي بن يقطين حيث أمره عليه‌السلام أن يغسل يديه من المرفقين بعد ما ارتفعت عنه التقيّة (٢).

وفيما علّمه جبرئيل ، حيث روى في كشف الغمة عن علي بن إبراهيم في كتابه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر حديثاً إلى أن قال فنزل عليه جبرئيل وأنزل عليه ماء من السماء فقال له : يا محمّد قم توضأ للصلاة ، فعلّمه جبرئيل عليه‌السلام الوضوء على الوجه واليدين من المرفق ، ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين (٣) إلى غير ذلك من الروايات غير الخالية عن ضعف في السند ، إلاّ أنها صالحة لأن تكون مؤيدة للمدعى.

ثم إنه لا تنافي بين ما ذكرناه وبين الآية المباركة ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) (٤) لأن الآية المباركة إما ظاهرة في أن كلمة « إلى » غاية للمغسول وبيان لما يجب غسله من اليد ، فان لليد إطلاقات كثيرة ، فقد تطلق على خصوص الأصابع والأشاجع كما في آية السرقة ، وقد تطلق على الزند كما في آية التيمم ، وثالثة تطلق على المرفق كما في آية الوضوء ، ورابعة على المنكب كما هو الحال في كثير من الاستعمالات العرفية. فأراد عزّ من قائل أن يحدِّدها ويبيِّن أن ما لا بدّ من غسله في اليد إنما هو بهذا المقدار ، إذن فلا تعرض للآية إلى كيفية غسلها ، وإنما أوكلت بيان ذلك إلى السنّة ، وسنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام قد دلّتا على أنها لا بدّ من أن تغسل من المرفق إلى الأصابع ، فالسنّة قد بيّنت ما لم يكن مبيّناً في الآية المباركة ، فلا تكون الآية منافية لما قدّمناه من لزوم كون الغسل من المرفق إلى الأصابع.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٠٥ / أبواب الوضوء ب ١٩ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ٤٤٤ / أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٣.

(٣) المستدرك ١ : ٢٨٧ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١ ، كشف الغمة ١ : ٨٧.

(٤) المائدة ٥ : ٦.

٨١

والمرفق مركّب من شي‌ء من الذراع وشي‌ء من العضد ، ويجب غسله بتمامه (١) وشي‌ء آخر من العضد من باب المقدّمة (٢) وكل ما هو في الحدّ يجب غسله وإن كان لحماً زائداً أو إصبعاً زائدة (٣).

______________________________________________________

وإما أن الآية إذا لم تكن ظاهرة في كون الغاية غاية للمغسول فعلى الأقل ليست بظاهرة في كون الغاية غاية للغسل ، فلا تعرض للآية إلى ذلك حتى تكون منافية للزوم كون الغسل من المرفق إلى الأصابع أو موافقة له ، وكيف كان فالآية غير ظاهرة فيما سلكه العامّة ، ولا إنها منافية لما سلكه الخاصة أعني ما قدمناه من لزوم كون الغسل من المرفق إلى الأصابع ، والعامة أيضاً لم يدعوا رجوع الغاية إلى الغسل وإنما يدعون أن الغاية غاية للمغسول ، وقد استدلوا على مسلكهم أعني جواز الغسل منكوساً بإطلاق الأمر بالغسل في الآية المباركة ، وأن مقتضى إطلاقه جواز غسل اليد من الأصابع إلى المرفق.

(١) كما تقدّم وعرفت.

(٢) قد أسلفنا أن المراد بالمقدّمة إنما هو المقدّمة العلمية دون مقدّمة الوجود ، فان غسل الموضع المعيّن على نحو لا يزيد عنه ولا ينقص أبداً متعذر خارجاً ، فاما أن يكون المقدار الذي غسله أقل من المقدار اللاّزم ولو بمقدار قليل ، وإما أن يكون زائداً عنه بشي‌ء ، وقد تقدم أن الثاني هو المتعيّن بحكم العقل.

كل ما هو في الحدّ لا بدّ من غسله :

(٣) الظاهر أن المسألة متسالم عليها بين الأصحاب قدس‌سرهم والوجه فيه ما ورد في ذيل صحيحة زرارة وبكير المتقدِّمة : « فليس له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئاً إلاّ غسله ... » (١) لأن المستفاد منها أن اليد من المرفقين إلى الأصابع أعني المقدار الواقع بين الحدين لا بدّ من غسلها بما لها من التوابع والأطوار ، فإذا كان على‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٨ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

٨٢

ويجب غسل الشعر مع البشرة (١).

______________________________________________________

يده لحم زائد أو إصبع زائدة فلا مناص من غسله بمقتضى تلك الصحيحة ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون الزائد خارجاً عن المحدود وما إذا لم يكن ، كما إذا فرضنا أن الإصبع الزائدة أطول من بقية الأصابع ، لأن مقتضى إطلاق الصحيحة وجوب غسلها بطولها ، لما عرفت من أن كلّ ما كان على اليد من المرفق إلى الأصابع لا بدّ من غسله بمقتضى تلك الصحيحة.

وأما ما ورد في بعض الروايات من تحديد اليد الواجب غسلها بقوله عليه‌السلام « وحد غسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع » (١) فالظاهر أن نظرها إنما هو إلى الأيدي المتعارفة ، ولا نظر لها إلى مثل الإصبع الزائدة أو اللحم الزائد على اليد ، إذن فمقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام « فليس له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئاً إلاّ غسله » وجوب غسل كل ما كان على اليد وإن كان خارجاً عن المحدود لطوله.

يغسل الشعر مع البشرة :

(١) قد أسلفنا أن مقتضى إطلاقات أدلة الغسل في الوضوء وجوب غسل البشرة في كل من الوجه واليدين وعدم جواز الاجتزاء بغسل غير البشرة عن غسلها ، إلاّ أن الأدلة الخارجية دلّتنا في خصوص الوجه على كفاية غسل الشعر عن غسله ، فهل الأمر في اليدين أيضاً كذلك فيجزئ غسل شعرهما عن غسلهما أو لا بدّ من غسل البشرة في اليدين؟ فهناك أمران :

أحدهما : أن الشعر الموجود على اليدين هل يجب غسله عند غسلهما أو لا يجب؟ لا إشكال في أن اليدين كالوجه في وجوب غسل الشعر الموجود عليهما مع غسلهما وذلك أمّا في الوجه فلمّا مرّ وعرفت ، وأمّا في اليدين فلصحيحة زرارة وبكير المتقدمة وغيرها ممّا دلّ على وجوب غسل اليدين مما بين المرفق والأصابع ، فإنها ولا سيما‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨ / ٨٨.

٨٣

الصحيحة كالصريحة في وجوب غسل كل ما كان على اليدين من المرفقين إلى الأصابع حيث قال عليه‌السلام « فليس له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئاً إلاّ غسله » (١) فوجوب غسل الشعر الكائن على اليدين عند غسلهما مما لا ينبغي الكلام فيه ، وإنما الكلام في الأمر الثاني الذي يأتي بعد ذلك.

وثانيهما : أنه هل يجزئ غسل الشعر الكائن على اليدين عن غسل بشرتهما كما هو الحال في الوجه أو لا بدّ من غسل البشرة أيضاً؟ مقتضى إطلاقات أدلة وجوب الغسل لزوم غسل البشرة واليدين ، وعدم كفاية غسل الشعر عن غسلها كما هو المشهور بين الأصحاب قدس‌سرهم بل عن شيخنا الأنصاري قدس‌سره دعوى الاتفاق على عدم إجزاء غسل الشعر عن غسل اليدين (٢) واستظهر المحقق الهمداني قدس‌سره عدم الخلاف في المسألة عن بعضهم (٣).

وخالفهم في ذلك كاشف الغطاء قدس‌سره وذهب إلى الاجتزاء به (٤) ، والوجه فيما ذهب إليه هو صحيحة زرارة « قلت له : أرأيت ما أحاط به الشعر ، فقال عليه‌السلام كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد ( للعباد ) أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء » (٥) بدعوى أن عموم قوله عليه‌السلام كل ما أحاط به الشعر الدال على كفاية غسل الشعر عن غسل البشرة في الوضوء ، عدم الفرق في ذلك بين الوجه واليدين.

ويردّه : مضافاً إلى الفرق الظاهر بينهما ، فان مجرد إجراء الماء على اليدين يكفي في غسلهما عادة ، ولا توجد أية يد يكون ما عليها من الشعرات مانعة عن غسلها عند إجراء الماء على شعرها ، وهذا بخلاف الوجه لأن شعر الحواجب واللحى قد يكون‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٨ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

(٢) كتاب الطهارة : ١١٥ السطر ٢٤.

(٣) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ١٤٣ السطر ٢.

(٤) كشف الغطاء : ٨٣ السطر ٢٩.

(٥) الوسائل ١ : ٤٧٦ / أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ٣.

٨٤

مانعاً عن وصول الماء إلى البشرة ولا تنغسل عند إجراء الماء على شعرها ، أن الصحيحة ليست رواية مستقلّة في نفسها ، وإنما هي ذيل الرواية الواردة في تحديد الوجه على ما نقله الصدوق قدس‌سره في الفقيه (١) حيث روى عن زرارة بن أعين أنه قال لأبي جعفر الباقر عليه‌السلام « أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ الذي قال الله عزّ وجلّ؟ فقال : الوجه الذي ... إلى أن قال وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديراً فهو من الوجه ، وما سوى ذلك فليس من الوجه ، فقال له : الصدغ من الوجه؟ فقال : لا ، قال زرارة : قلت أرأيت ما أحاط به الشعر ... » (٢) وعليه فعموم قوله عليه‌السلام « كلّ ما أحاط به من الشعر » إنما هو بحسب ما أُريد من لفظة « ما » الموصلة ، المراد بها الوجه بقرينة صدرها ، إذن تدلنا الصحيحة على أن كل وجه أحاط به الشعر فليس على العباد أن يغسلوه.

وأما ما صنعه الشيخ قدس‌سره في التهذيب حيث نقلها مستقلّة (٣) فهو إنما نشأ من تقطيع الروايات وليس مستنداً إلى كونها رواية مستقلّة.

والنتيجة أن الصحيحة ليس لها عموم حتى يستدل به في اليدين ، هذا أوّلاً.

وثانياً : لا معنى لكونها رواية مستقلّة ، فإنّ قوله عليه‌السلام « أرأيت ... » لا يمكن أن يكون كلاماً ابتدائياً ، حيث لم يسبقه سؤال عن شي‌ء ولا حكم بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما حتى يسأل عن أن هذا الشي‌ء إذا أحاط به الشعر كيف يصنع؟ وهذا أيضاً قرينة على أنه ورد في ذيل كلام آخر وهو ما ورد في تحديد الوجه كما قدّمناه ، هذا.

ثم لو أغمضنا عن ذلك وفرضنا أنه رواية مستقلة ، أيضاً لا يمكننا الاعتماد عليه للقطع بأنه مسبوق بالسؤال عن شي‌ء أو بالحكم بشي‌ء لا محالة ، إذ لا معنى لها‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨ / ٨٨.

(٢) أخرج صدره في الوسائل ١ : ٤٠٣ / أبواب الوضوء ب ١٧ ح ١ ، وذيله في ص ٤٧٦ / أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦٤ / ١١٠٦.

٨٥

ومن قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه غسل العضد وإن كان أولى ، وكذا إن قطع تمام المرفق ، وإن قطعت مما دون المرفق يجب عليه غسل ما بقي ، فإن قطعت من المرفق بمعنى إخراج عظم الذراع من العضد يجب غسل ما كان من العضد جزءاً من المرفق (١).

______________________________________________________

مستقلة ، وحيث لا ندري أن السابق عليها أي شي‌ء ، فتصبح الرواية مجملة لذلك ، ولا يمكن الاستدلال بها علي شي‌ء.

فالصحيح هو ما ذهب إليه المشهور من عدم إجزاء غسل الشعر عن غسل البشرة في اليدين ، وما ذهب إليه كاشف الغطاء قدس‌سره مما لا وجه له.

مقطوع اليد وصوره :

(١) قطع اليد قد يكون ممّا دون المرفق ، وقد يكون من نفس المرفق كما إذا قطع بعضه كعظم الذراع وبقي مقدار منه كعظمي العضد ، وثالثة يقطع عمّا فوق المرفق وهذه صور ثلاث.

أمّا الصورة الأُولى والثانية أعني ما إذا قطعت عمّا دون المرفق أو من المرفق : فلا كلام في أن المقدار الباقي وقتئذٍ ممّا لا بدّ من غسله ، للقطع بوجوب الصلاة في حقه وعدم سقوطها عن ذمّته ، والقطع بعدم وجوبها مع الطهارة الترابية ، ونتيجة هذين القطعين هو الحكم بوجوب الصلاة في حقه مع الطهارة المائية ، وحيث إن قطع شي‌ء من أعضاء الوضوء غير موجب لسقوط الأمر بالغسل عن غيره من الأعضاء السالمة ، لوضوح أن قطع إحدى اليدين مثلاً غير مستلزم لسقوط الأمر بالغسل في اليد الأُخرى ، وكذا فيما إذا قطع مقدار من إحداهما ، فإنه لا يستلزم سقوط الأمر بالغسل عن المقدار الباقي من العضو ، فلا مناص من غسل المقدار الباقي في الصورتين كما هو مفاد قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور ، وإن لم نسلمها في غير المقام ، وتدلّنا على ذلك جملة من الصحاح :

٨٦

منها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال : يغسل ما بقي من عضده » (١) بناء على ما قدمناه من أن المرفق هو مجموع العظام الثلاثة أعني عظم الذراع وعظمي العضد.

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن الأقطع اليد والرجل قال : يغسلهما » (٢) ومنها : صحيحة رفاعة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأقطع فقال : يغسل ما قطع منه » (٣) ومعناه أنه يغسل المقطوع منه دون المقطوع كما هو المتراءى من ظاهر الصحيحة ، وبذلك يظهر أن الضمير في صحيحة محمد بن مسلم يرجع إلى المقطوع منه في كل من الرِّجل واليد.

ومنها : صحيحة أُخرى لرفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سألته عن الأقطع اليد والرجل كيف يتوضأ؟ قال : يغسل ذلك المكان الذي قطع منه » (٤) وهذه الصحاح قد دلتنا بوضوح على وجوب غسل الباقي من اليد والمرفق في محل الكلام وهي بحسب السند صحاح ومن حيث الدلالة ظاهرة.

نعم ، قد يقال إن صحيحتي رفاعة رواية واحدة ، وإحداهما منقولة بالمعنى دون اللفظ ، ولكن ذلك تم أم لم يتم وكانت الصحيحتان متحدتين أو متعددتين لا يضر فيما نحن بصدده لظهورها فيما ذكرناه فلاحظ. ولم يتعرّض في شي‌ء من الصحاح المتقدمة على وجه الصراحة للمقدار الواجب غسله في المسألة ، ولعله لأجل كونها ناظرة إلى ما هو المرتكز في الأذهان من لزوم غسل المقدار الذي يتمكن المكلف من غسله من يده ومرفقه ، سواء قل أم كثر.

فقه الرواية : بقي الكلام في فقه الرواية ، حيث ورد في صحيحة محمد بن مسلم : « يغسلهما » أي يغسل اليد والرِّجل فيقع الكلام في أنه ما معنى الأمر بغسل الرِّجل في‌

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) ، (٤) الوسائل ١ : ٤٧٩ / أبواب الوضوء ب ٤٩ ح ٤.

٨٧

الوضوء ، وفي تفسير ذلك وجهان :

أحدهما أن يقال : إنه عليه‌السلام بصدد بيان ما هو الوظيفة الفعلية في الأقطع اليد والرجل ، وإن الغسل أعم من المسح ، فقد بيّن عليه‌السلام أنه يغسل يده ويمسح رِجله.

ثانيهما : أن يحمل الأمر بغسل الرجل على موارد التقيّة ، أعني ما إذا لم يتمكن من المسح على رجليه تقيّة ، والأظهر هو الأول ، هذا.

وقد يستدل على وجوب الغسل في المقدار الباقي من المرفق أو اليد بقاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور والاستصحاب ، ولكن القاعدة لو سلمنا أن غسل المقدار الباقي في الأقطع ميسور الوضوء غير ثابتة ، إذ لم يدلنا عليها أي دليل على ما قررناه في محله (١).

وأما الاستصحاب ، فهو أيضاً كسابقه لعدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية كما مر غير مرة.

على أنّا لو أغمضنا عن ذلك ، وأغمضنا أيضاً من المناقشة في بقاء الموضوع لدى العرف ، بأن قلنا إن الوضوء في المقدار الباقي من أعضائه قد كان واجباً في حق الأقطع قبل صيرورته أقطع ، ونشك في بقائه عليه بعد صيرورته كذلك ، مع أن الواجب أوّلاً في حقه بمقتضى الآية المباركة وغيرها إنما هو الوضوء التام ، أعني غسل الوجه واليدين بتمامهما لا المقدار الباقي منهما ، فإنما يتم ذلك فيما إذا عرض عليه التقطيع بعد دخول الوقت. دون ما إذا طرأ عليه قبل دخوله ، إذ لا يتصف الوضوء في حقِّه حينئذٍ بالوجوب حتى نستصحبه لدى الشك في بقائه ، اللهمّ إلاّ على القول بالاستصحاب التعليقي وهو ممّا لا نقول به.

إذن فالصحيح في الاستدلال ما ذكرناه ، هذا كله فيما إذا قطعت اليد من المرفق أو عمّا دونه.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤٨٥.

٨٨

وأمّا الصورة الثالثة : أعني ما إذا قطعت عمّا فوق المرفق ، فهل يجب عليه غسل عضده بدلاً عن يده؟

المعروف بين أصحابنا عدم وجوب غسل العضد في حقه ، بل التزم بعضهم بالاستحباب ، بل لم ينسب الخلاف فيه إلاّ إلى ابن الجنيد ، ولكن العبارة المحكية منه غير مساعدة على تلك النسبة ، قال فيما حكي من كلامه : إذا قطعت يده من مرفقه غسل ما بقي من عضده (١) وهذه العبارة كما ترى كعبارة صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة (٢) حيث سئل عن الرجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال عليه‌السلام يغسل ما بقي من عضده ، وقد قدّمنا أن ظاهرها أنّ المراد بما بقي إنّما هو الباقي من مرفقه وهو العضد بعد ما قطع بعضه أعني الذراع ، لأنّ السؤال إنما هو عن قطع يده من المرفق ، فلو كان أراد به قطع تمام المرفق ووجوب غسل العضد بدلاً عن اليد لكان الواجب أن يقول : يغسل العضد ممّا بقي من يده.

وعلى الجملة : إنّ الصحيحة ظاهرة في إرادة قطع المرفق مع بقاء مقدار منه ، وليست ناظرة إلى قطع اليد عما فوق المرفق ، وعليه فعبارة ابن الجنيد خارجة عما هو محل الكلام ، أعني قطع اليد عمّا فوق المرفق.

وكيف كان فلا مستند للقول بوجوب غسل العضد بعد قطع تمام المرفق إلاّ أمران كلاهما غير قابل للمساعدة عليه.

أحدهما : إطلاق صحيحتي رفاعة ومحمد بن مسلم المتقدمتين ، لدلالتهما على الأمر بغسل المكان الذي قطع منه ، أو بغسلهما أي اليد والرِّجل في أقطعهما ، من دون تعرض للمقدار الباقي من اليد ، فمقتضى إطلاقهما لزوم غسل العضد فيما إذا قطعت اليد عمّا فوق المرفق ، لصدق أنه المكان الذي قطع منه ، وأنه يد الأقطع ، فيشملها الأمر بالغسل في قوله عليه‌السلام « يغسلهما ».

__________________

(١) المختلف ١ : ١٢٠ / ٧٣.

(٢) في ص ٨٧.

٨٩

[٥٠١] مسألة ١١ : إن كانت له يد زائدة دون المرفق وجب غسلها أيضاً كاللحم الزائد ، وإن كانت فوقه ، فان علم زيادتها لا يجب غسلها (*) ويكفي غسل الأصلية (١).

______________________________________________________

ويردّه : أنّ القرينة القطعية الارتكازية في الصحيحتين وغيرهما من الأخبار المتقدِّمة مانعة عن انعقاد الإطلاق للروايات ، وهي ارتكاز سوقها لأجل إثبات وجوب الغسل وترتيبه على ما كان يجب غسله لولا القطع ، دون ما لم يكن غسله واجباً كذلك أي لولا القطع ، كي يكون مفادها إثبات البدلية للواجب المتعذر ، حتى أن ابن الجنيد قدس‌سره أيضاً لا يمكنه الالتزام بالإطلاق في تلك الروايات ، لأن لازم ذلك أن يحكم بوجوب غسل الكتف مثلاً فيما إذا قطعت اليد من الكتف ، لصدق أنه المكان الذي قطع منه ، وهذا كما ترى لا يمكن الالتزام به.

وثانيهما : صحيحة علي بن جعفر المتقدمة بدعوى دلالتها على الأمر بغسل العضد بعد قطع اليد من المرفق.

ويردّه : ما قدمناه من أن ظاهرها بل لعل صريحها وجوب غسل ما بقي من المرفق الذي هو العضد ، لا وجوب غسل العضد بعد قطع تمام المرفق كما إذا قطعت اليد عما فوق المرفق ، إذ لو كان أراد ذلك لوجب أن يقول : يغسل العضد ممّا بقي بعد القطع.

إذن فما ذهب إليه المشهور من عدم وجوب غسل العضد عند قطع اليد عما فوق المرفق هو الصحيح.

حكم اليد الزائدة :

(١) إذا فرضنا لأحد يداً زائدة فهي تتصور على وجوه : لأن اليد الزائدة قد تكون مما دون المرفق ، وقد تكون ممّا فوق المرفق.

__________________

(*) في إطلاقه إشكال بل منع.

٩٠

أمّا إذا كانت من دون المرفق ، فلا مناص من الحكم بوجوب غسلها سواء أكانت أصلية بالمعنى الآتي في الصورة الآتية أم كانت زائدة ، والوجه فيه : ما استظهرناه سابقاً من أن مقتضى الآية المباركة والروايات ولا سيما صحيحة الأخوين المتقدمة المشتملة على قوله عليه‌السلام « ولا يدع شيئاً مما بين المرفقين إلى الأصابع إلاّ غسله » لزوم غسل اليدين من الأشاجع إلى المرافق بما لهما من التوابع واللواحق ، ومن المعلوم أن اليد الزائدة إما أن تكون أصلية أو تكون تابعة للأصلية ، وعلى كلا التقديرين لا مناص من غسلها ، لعدم جواز ترك الغسل في شي‌ء ممّا بين الحدّين المذكورين في الآية المباركة والروايات ، ولعلّ هذا ظاهر.

وأمّا إذا كانت ممّا فوق المرفق ، فقد ذكر لها في كلام الماتن صور :

وذلك لأنها قد تكون أصلية تساوي اليدين الأُخريين في جميع الآثار المترقبة منهما ، من القوّة والبطش والإعطاء والأخذ وغيرها من آثارهما ، وقد حكم قدس‌سره فيها بوجوب غسل الزائدة مع اليد الأوّلية الواقعتين في أحد الجانبين من اليمين أو اليسار ، وبجواز المسح بأية منهما شاء.

وما أفاده قدس‌سره هو الصحيح ، لإطلاق قوله عزّ من قائل ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) (١) وغيرها ممّا دلّ على الأمر بغسل اليد في الوضوء ، لأنها يد حقيقية وأصلية ، ونسبتها مع اليد الأُخرى متساوية على الفرض فلا يمكن ترجيح إحداهما على الأُخرى من غير مرجح ، وكونها زائدة إنما هي بالنسبة إلى الخلقة الأصلية ، فلا ينافي كونها أصلية بالإضافة إلى شخص المكلف. إذن فلا وجه لاختصاص الحكم بإحداهما دون الأُخرى.

وقد يقال بعدم وجوب الغسل في إحداهما أعني اليد الزائدة واليد الأولية الواقعتين في أحد الجانبين من اليمين أو اليسار وذلك لوجهين :

أحدهما : أنّ الواجب حسبما يستفاد من الأخبار الواردة في الوضوء إنما هو غسل‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

٩١

الوجه واليدين دون الأيادي الثلاث أو الأربع ونحوهما ، فلو حكمنا بوجوب غسل اليدين الموجودتين في جانب واحد ، للزم الحكم باعتبار غسل الأيادي الثلاث أو الأكثر في الوضوء ، وهو على خلاف ما نطقت به الروايات ، بل وعلى خلاف الآية المباركة ، فإن الجمع الوارد فيها في قوله عزّ من قائل ( وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) إنما هو بلحاظ آحاد المكلفين ، ومعناه أن كُلاًّ يغسل يديه ووجهه ، لا أن كُلاًّ يغسل وجهه وأياديه الثلاث أو الأربع ونحوهما.

ويندفع هذا الوجه بأن اشتمال الأدلة على اليدين إنما هو من جهة كونها ناظرة إلى الأغلب والمتعارف في الأشخاص ، إذ الأغلب أن يكون للإنسان يدان لا أكثر ، ولا نظر لها إلى نفي وجوب الغسل في اليد الزائدة التي قد يتحقق في بعض المكلّفين.

وثانيهما : أن اليد الواجب غسلها قد حددت في الآية المباركة بكونها إلى المرافق فلا تندرج في الآية المباركة إلاّ اليد المشتملة على المرفق ، واليد الزائدة إنما يمكن الحكم بوجوب غسلها تمسّكاً بإطلاق الآية وغيرها من الأدلة فيما إذا اشتملت على المرفق ، وأما إذا لم يكن لها مرفق بأن كانت اليد عظماً واحداً متصلاً ، كما قد يقال إن رجل الفيل كذلك ، فلا مناص من الحكم بعدم وجوب غسلها ، لخروجها عن المحدود فإذا وصلنا إلى المرفق لدى الغسل فقد امتثلنا الأمر بغسل اليد من دون حاجة إلى غسل العضو الزائد بوجه.

وفيه : أن المرفق إنما ذكر في الآية المباركة حداً للمغسول دون وجوب الغسل وهو حد للأوساط المتعارفة ذوات الأيادي المشتملة على المرافق دون الفاقدين للمرافق ، فاللازم في اليد الفاقدة للمرفق هو غسلها إلى حد المرفق في الأشخاص المتعارفة ، نظير ما إذا لم يكن للمكلف يد زائدة ، إلاّ أن إحدى يديه الأصليتين كانت فاقدة للمرفق ، فكما أن وظيفته هو غسل يده إلى حد المرفق في الأشخاص المتعارفة فليكن الحال كذلك في من كانت له يد زائدة.

فالصحيح : أنّ اليد الزائدة في هذه الصورة أيضاً لا بدّ من غسلها ، كما يجوز المسح بأية من اليدين شاء المكلف ، لصدق أنها اليد اليسرى أو اليمنى حقيقة ، هذا كله فيما إذا كانت اليد الزائدة أصلية.

٩٢

وإن لم يعلم الزائدة من الأصلية (١) وجب غسلهما ، ويجب مسح الرأس والرجل بهما من باب الاحتياط ، وإن كانتا أصليتين يجب غسلهما أيضاً ويكفي المسح بإحداهما.

______________________________________________________

وقد لا تكون أصلية ، كما إذا لم يشترك مع اليد الأُخرى في الآثار المترقبة من اليد وقد حكم الماتن قدس‌سره بعدم وجوب غسلها حينئذٍ.

والصحيح أن يقال : إن اليد الزائدة غير الأصلية قد لا تكون يداً حقيقية ، وإنما يكون مجرد لحم بصورة اليد فحسب ، وفي هذه الصورة لا يعتبر غسلها في الوضوء ، لأن الواجب إنما هو غسل اليد دون ما لا يكون كذلك كما هو المفروض في المسألة. وقد تكون يداً حقيقية ولا يتأتى منها الآثار المترقبة من اليد ، وهذا كما في يد المشلول لأنها يد حقيقية ولا أثر لها من القوة والبطش ونحوهما ، ولا نرى وجهاً لعدم وجوب غسلها في الوضوء بعد ما فرضناه من أنها يد حقيقية ويصدق عليها عنوان اليد حقيقة ، وذلك لإطلاق ما دلّ على وجوب غسل اليد في الوضوء ، اللهمّ إلاّ أن يدعى الانصراف بدعوى أن اليد في الآية والروايات منصرفة عما لا يترتب عليه الآثار المترقبة من اليد ، ولكنه انصراف بدوي ناش من قلة وجودها أو من غلبة اليد الصحيحة والمتعارفة ، وغلبة الوجود لا يكون منشأ للانصراف ، هذا تمام الكلام في هاتين الصورتين.

(١) هذه هي الصورة الثالثة من الصور التي ذكرها الماتن قدس‌سره في اليد الزائدة إذا كانت واقعة مما فوق المرفق ، وذكر أن الزائدة إذا اشتبهت بالأصلية وجب الغسل في كلتيهما ، كما يجب المسح بهما من باب الاحتياط.

وما أفاده قدس‌سره فيما إذا كانت اليد الزائدة بصورة اليد من دون أن تكون يداً حقيقية ، أو كانت يداً حقيقية ولكن بنينا على عدم وجوب غسل اليد الزائدة بحسب الكبرى متين ، وذلك للعلم الإجمالي بوجوب الغسل في إحداهما دون الأُخرى وحيث إنها غير متميزة عما لا يجب غسله وجب الغسل في كلتا اليدين تحصيلاً للعلم‌

٩٣

[٥٠٢] مسألة ١٢ : الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائداً على المتعارف لا تجب إزالته ، إلاّ إذا كان ما تحته معدوداً من الظاهر ، فإن الأحوط إزالته (*) وإن كان زائداً على المتعارف وجبت إزالته ، كما أنّه لو قصّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً وجب غسله بعد إزالة الوسخ عنه (١).

______________________________________________________

بالامتثال كما يجب المسح بكلتيهما من باب المقدمة العلمية ، لأنه إذا اقتصر بالمسح بإحداهما لم يحصل له العلم بالمسح باليد الأصلية ، لاحتمال أن لا يكون ما اقتصر به يداً أصلية ، والمسح بغير اليد الأصلية مما لا أثر له. وبهذا تفترق اليد الزائدة المشتبهة بالأصلية عن اليدين الأصليتين ، فإن الغسل والمسح في الأصليتين واجبان بالأصالة لا لأجل كونهما مقدمة علمية وهذا ظاهر.

ولكن الكلام في صغرى ما أفاده قدس‌سره وأن اشتباه الزائدة بالأصلية كيف يتحقق في الخارج ، والظاهر أنه لا يتحقق في الخارج أبداً ، وذلك لأن اليد الأصلية هي التي تشارك الأُخرى وتساهمها في الآثار المترقبة من اليد ، من القوة والبطش والأكل أو الكتابة بها ونحو ذلك ، كما أن الزائدة هي ما لم تكن كذلك ، وهذان أمران وجدانيان لكل أحد ، فهل يعقل الشك في الأُمور الوجدانية ، فإنه إن رأى أنها تشارك اليد الأصلية فيعلم أنها أصلية ، وإذا رأى أنها ليست كذلك فيعلم أنها زائدة ، ولا يبقى مجال للشك بينهما.

الوسخ تحت الأظفار :

(١) الوسخ المتعارف هو الذي لا يخلو منه الأظفار عادة إلاّ في من واظب على نظافتها.

ثم إن الوسخ إذا كان في محل معدود من البواطن بحيث لولا الوسخ أيضاً لم يجب غسل ذلك المحل لم يحكم بوجوب إزالته ، كما إذا كان في داخل العين أو الأنف دون‌

__________________

(*) بل الأظهر وجوبها.

٩٤

[٥٠٣] مسألة ١٣ : ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين إلى الزندين والاكتفاء عن غسل الكفّين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل (١).

______________________________________________________

موضع التقليم ونحوه ، لوضوح أن الإزالة مقدمة لغسل المحل ، ولا يجب غسل البواطن ، وهذا ظاهر. على أن السيرة المستمرة جارية من المتدينين على التوضؤ من دون إزالته ، كما أن الأخبار غير متعرضة لوجوبها ، ومن ذلك يظهر أن الشارع لم يهتم بازالته وإلاّ لورد الأمر بها في شي‌ء من الروايات لا محالة.

وأما إذا كان في محل معدود من الظواهر فلا ينبغي التأمل في وجوب رفعه وإزالته لأن المحل الواقع تحته مما يجب غسله في الوضوء بمقتضى إطلاق الأدلة ، ولا يمكن غسله إلاّ بإزالة وسخه ، وكون الوسخ قائماً مقام ذلك المحل في كفاية وصول الماء إليه يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه ، ولم يحرز جريان سيرة المتدينين على عدم إزالة الوسخ وقتئذٍ.

ودعوى أن المحل مستور بالوسخ فلا يجب غسل موضعه ، مندفعة بأن الستر بالوسخ غير مسوغ لعد المحل من البواطن ، ومع كون الموضع معدوداً من الظواهر لا مناص من غسله بمقتضى الأخبار المتقدمة ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة وبكير : « ولا يدع شيئاً ممّا بين المرفقين إلى الأصابع إلاّ غسله » (١) فان الخروج عن ذلك يحتاج إلى دليل وهو مفقود كما عرف ، هذا كله في الوسخ غير الزائد على المتعارف.

وأمّا الزائد عن المتعارف ، كما إذا اشتغل بالطين مثلاً وبقي شي‌ء منه على وجهه أو يديه ، فلا إشكال في وجوب إزالته مطلقاً سواء كان في محل الغسل أو موضع المسح لأنه مانع من وصول الماء إلى البشرة وهو واضح.

(١) لما تقدّم من أن الوضوء يعتبر فيه غسل اليدين من المرفقين إلى الأصابع بعد‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٨ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

٩٥

[٥٠٤] مسألة ١٤ : إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع (١) ويجب غسل ذلك اللحم أيضاً (٢) ما دام لم ينفصل وإن كان اتصاله بجلدة رقيقة ، ولا يجب قطعه أيضاً ليغسل ما تحت تلك الجلدة ، وإن كان أحوط (١) لو عدّ ذلك اللحم شيئاً خارجياً ولم يحسب جزءاً من اليد (٣).

______________________________________________________

غسل الوجه ، فغسل اليدين إلى الزند قبل غسل الوجه استحباباً ثم غسل اليدين من المرفقين إلى الزند غير كاف في صحته.

ما يقطع من لحم اليدين :

(١) لما أشرنا إليه في مسألة وجوب إزالة الوسخ تحت الأظفار ، من أن المعتبر في صحة الوضوء إنما هو غسل ما ظهر من البشرة ، بلا فرق في ذلك بين ما كان ظاهراً ابتداء وبحسب الحدوث ، وما صار كذلك بحسب البقاء ، فما تحت اللحم وإن كان من الباطن قبل قطعه إلاّ أنه صار من الظواهر بعد قطع اللحم فلا بدّ من غسله.

(٢) لأنه معدود من توابع اليدين ولواحقهما ، ومقتضى قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة وبكير : « لا يدع شيئاً من المرفقين إلى الأصابع إلاّ غسله » (٢) لزوم غسل اليدين بما لهما من التوابع والأجزاء ، ومعه لا يجب قطع الجلدة ليغسل تحتها ، لأن غسل توابع اليد بمنزلة غسل نفس البشرة على ما هو الحال في اللحم والاصبع الزائدين في اليد.

(٣) كتب سيدنا الأُستاذ ( مدّ الله في اظلاله ) في تعليقته المباركة على المتن : لا يترك هذا الاحتياط ، والسر فيه أن مقتضى الأدلة الواردة في المقام وجوب غسل البشرة بالتمام في كل من الوجه واليدين ، فاذا فرضنا أن في اليد أو الوجه شي‌ء يمنع عن وصول الماء إلى البشرة من غير أن يعد جزءاً أو تابعاً لهما لدى العرف ، فكفاية غسله‌

__________________

(*) لا يترك ذلك.

(١) الوسائل ١ : ٣٨٨ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

٩٦

[٥٠٥] مسألة ١٥ : الشقوق التي تحدث على ظهر الكف من جهة البرد إن كانت وسيعة يرى جوفها (١) وجب إيصال الماء فيها (٢) وإلاّ فلا (٣) ومع الشك لا يجب عملاً بالاستصحاب وإن كان الأحوط الإيصال (٤).

______________________________________________________

عن غسل البشرة المأمور به وقيامه مقامها في ذلك يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود.

شقوق ظهر الكف :

(١) أي بسهولة ومن دون علاج.

(٢) لأن جوفها وقتئذٍ من الظواهر ، وقد مرّ أن الظواهر لا بدّ من غسلها في الوضوء.

(٣) لأن الشقوق إذا لم تكن وسيعة على وجه يرى جوفها بسهولة لم يجب غسله لأنه من البواطن وقتئذٍ والباطن لا يعتبر غسله في الوضوء ، وإن أمكن رؤيته بالعلاج كما إذا فصل طرفي الشق باليد أو بغيرها.

(٤) الظاهر أنه قدس‌سره أراد بذلك خصوص الشبهة المصداقية ، إذ لا تحقق للشبهة المفهومية في أمثال المقام ، وعلى فرض تحققها فهي من الندرة بمكان ، وعليه فلا مانع من العمل بالاستصحاب كما أفاده الماتن قدس‌سره وذلك لأن عنوان الباطن وإن لم يؤخذ موضوعاً لأيّ حكم شرعي ولا قيداً له في شي‌ء من النصوص ولكن ورد فيما رواه زرارة الأمر بغسل ما ظهر ، حيث قال عليه‌السلام « إنما عليك أن تغسل ما ظهر » (١) وعلل في جملة من الروايات عدم وجوب الاستنشاق والمضمضة في الوضوء بأنهما من الجوف (٢) وبذلك أصبح كل من عنواني الجوف وما ظهر موضوعين لوجوب الغسل وعدمه ، وبما أن جوف الشقوق الذي نشك في أنه من‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٣١ / أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ٦.

(٢) الوسائل ١ : ٤٣٢ / أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ٩ ، ١٠ ، ١٢.

٩٧

[٥٠٦] مسألة ١٦ : ما يعلو البشرة مثل الجدري عند الاحتراق ما دام باقياً يكفي غسل ظاهره (١) وإن انخرق ، ولا يجب إيصال الماء تحت الجلدة ، بل لو قطع بعض الجلدة وبقي البعض الآخر يكفي غسل ظاهر ذلك البعض ، ولا يجب قطعه بتمامه ، ولو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه ، لكن الجلدة متصلة قد تلزق وقد لا تلزق يجب غسل ما تحتها ، وإن كانت لازقة يجب رفعها أو قطعها.

______________________________________________________

البواطن معدود من الجوف ، ولم يصدق عليه عنوان « ما ظهر » قبل الانشقاق ، فاذا شككنا في ذلك بعد ظهور الانشقاق فمقتضى الاستصحاب أنه الآن كما كان ، فهو بمقتضى الأصل من الجوف بالفعل فلا يجب غسله ، هذا كله فيما إذا كانت الشبهة مصداقية.

وأمّا إذا كانت مفهومية ، فلا مناص من غسل جوف الشقوق فيما إذا شككنا في أنه من البواطن أو لا ، وذلك لما قررناه في الشك في إحاطة الشعر بالوجه من أن مقتضى إطلاق الأدلة الآمرة بغسل الوجه واليدين إنما هو وجوب غسل البشرة من المرافق إلى الأصابع ومن القصاص إلى الذقن ، فاذا ورد عليه تقييد ودار أمره بين الأقل والأكثر فإنما نرفع اليد عن إطلاق تلك الأدلة بالمقدار المتيقن من دليل التقييد وهو الشعر الذي علمنا باحاطته أو الموضع الذي قطعنا بكونه من الجوف وأما في موارد الشك في الخروج كالشك في الإحاطة أو الجوف فالمحكم إطلاق الأدلّة أو عمومها ، وهو يقتضي وجوب الغسل في المقام ، وذلك لما بيّناه في محلِّه (١) من أن إجمال المخصص لدورانه بين الأقل والأكثر لا يسري إلى العام ، بل إنما يخصصه بالمقدار المتيقن ، وفي موارد الشك يرجع إلى عموم العام.

ما يعلو البشرة عند الاحتراق :

(١) لصدق أنه مما ظهر من البشرة دون جوفه وما تحته وإن انخرق ، وكذا الحال فيما إذا قطع بعض الجلدة المتصلة باليد أو بغيرها وهي تلتصق بالبشرة تارة كما إذا كانت‌

__________________

(١) في المحاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٨١.

٩٨

[٥٠٧] مسألة ١٧ : ما ينجمد على الجرح عند البرء ويصير كالجلد لا يجب رفعه (١) وإن حصل البرء ، ويجزئ غسل ظاهره وإن كان رفعه سهلاً. وأمّا الدواء الذي انجمد عليه وصار كالجلد فما دام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة (*) يكفي غسل ظاهره ، وإن أمكن رفعه بسهولة وجب (٢).

[٥٠٨] مسألة ١٨ : الوسخ على البشرة إن لم يكن جرماً مرئيّاً لا يجب إزالته وإن كان عند المسح بالكيس في الحمّام أو غيره يجتمع ويكون كثيراً ما دام يصدق عليه غسل البشرة ، وكذا مثل البياض الذي يتبيّن على اليد من الجص أو النورة إذا كان يصل الماء الى ما تحته ، ويصدق معه غسل البشرة. نعم لو شك في كونه حاجباً أم لا وجب إزالته (٣).

______________________________________________________

رطبة ، وتنفصل عنها اخرى ، ولا تعد من توابع اليد والبشرة ، وما تحتها من الظواهر التي ترى من دون علاج ، فيجب غسل ما تحتها برفع الجليدة أو قطعها فيما إذا التصقت بالبشرة.

(١) لأنه معدود من التوابع العرفية فلا ملزم لرفعه وإن أمكن بسهولة.

(٢) ونظيره القير الملصق بالبشرة ، ويأتي تفصيل هذه المسألة في المسألة الرابعة عشرة من أحكام الجبائر إن شاء الله (٢) وقد ذكر الماتن هناك أنه إذا كان شي‌ء لاصقاً ببعض مواضع الوضوء مع عدم جرح أو نحوه ولم يمكن إزالته أو كان فيها حرج ومشقة لا تتحمل مثل القير ونحوه يجري عليه حكم الجبيرة والأحوط ضم التيمم أيضاً ، ولنا في إطلاق كلامه نظر يأتي تفصيله هناك. نعم ، الأمر في خصوص الدواء كما أفاده للنص الوارد على ما سيوافيك في محلِّه إن شاء الله.

الأوساخ على البشرة :

(٣) الأوساخ المتكونة في البشرة على أقسام :

__________________

(*) يأتي حكم ذلك في بحث الجبيرة.

(١) في المسألة [٦٠٨].

٩٩

[٥٠٩] مسألة ١٩ : الوسواسي الذي لا يحصل له القطع بالغسل يرجع إلى المتعارف (١).

______________________________________________________

الأوّل : الوسخ الذي لا يرى وجوده على البشرة إلاّ بعلاج كالدلك ونحوه ، ولا ينبغي الإشكال في عدم وجوب إزالته حينئذٍ ، لأنه من الأعراض وليس من قبيل الأجرام والأجسام المانعتين عن وصول الماء إلى نفس البشرة.

الثاني : الوسخ الذي يرى على البشرة من دون أن يكون له جرم وجسم بحسب النظر العرفي المسامحي ، بل إنما يعد من الأعراض الطارئة عليه ، كالبياض يتراءى على اليد من استعمال الجص والنورة وأمثالهما ، وهذا أيضاً لا تجب إزالته ، لعدم كونه مانعاً عن صدق غسل البشرة لدى العرف ، لأن المفروض عدم كونه من قبيل الأجرام لدى العرف ، فاذا صبّ الماء على اليد مثلاً وعليها شي‌ء من ذلك الوسخ صدق أنه قد غسل البشرة ، ومع صدق ذلك لا ملزم لإزالته كما مرّ.

الثالث : الوسخ الذي يرى على البشرة وله جرم ومعدود من الأجسام لدى العرف ، ولكن لا يمنع عن وصول الماء إلى البشرة ، وهذا أيضاً كسابقه لا تجب إزالته فإن المأمور به إنما هو غسل البشرة ، ومع فرض تحقّقه وصدق أنه غسل بشرته لا وجه لوجوب إزالة الوسخ ، لأن الإزالة مقدمة للغسل المأمور به وإيصال الماء إلى البشرة ، والمفروض أنه متحقق من دون حاجة إلى الإزالة ، وهذا كما في الثوب الرقيق الموجود على اليد أو البدن أو سائر مواضع الوضوء فيما إذا لم يمنع عن وصول الماء إلى البشرة فلا يجب نزع الثوب وقتئذٍ ، لصدق غسل البشرة عند صبّ الماء على الثوب ، والوسخ غير المانع عن وصول الماء إلى البشرة كالثوب المذكور.

الرابع : الوسخ المرئي المعلوم مانعيته عن وصول الماء إلى البشرة أو محتملها ، وفي هذا القسم تجب الإزالة حتى يحرز وصول الماء إلى البشرة ويقطع بتحقّق المأمور به.

وظيفة الوسواسي :

(١) والوجه في ذلك مضافاً إلى النهي عن العمل على الوسواس في الروايات (١)

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦.

١٠٠