موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٥٥١] مسألة ١٢ : إذا كان الماء في الحوض وأرضه وأطرافه مباحاً لكن في بعض أطرافه نصب آجر أو حجر غصبي يشكل الوضوء (١) منه مثل الآنية إذا كان طرف منها غصباً (١).

______________________________________________________

إذا كان بعض أطراف الحوض مغصوباً :

(١) الحكم بالبطلان في مفروض المسألة يبتني على أن يعد التوضؤ من الحوض أو الإناء تصرّفاً في ذلك الآجر المغصوب أو الطرف الغصبي منه ، سواء كان على نحو الإشاعة كما في اغتصاب أحد الشريكين حصة شريكه من الحوض أو الإناء أم كان على نحو التعيين والإفراز ، لأنه إذا عد من التصرّف لدى العرف وكان الماء منحصراً بذلك الماء الموجود في الحوض أو الإناء وجب عليه التيمم لا محالة. فلا أمر في حقِّه بالوضوء ، لفرض أنه فاقد الماء فلا يقع وضوءه على وجه الصحة.

وأمّا إذا لم يعد تصرفاً عرفياً فيهما أو عدّ ولم يكن الماء منحصراً بالماء الموجود فيهما ، فالتحقيق صحة وضوئه كما أسلفناه في التوضؤ من الإناء المغصوب (٢) لأنه مأمور بالوضوء وقتئذٍ والماء مباح له ، وإنما المحرم مقدمة وضوئه أعني التصرف في ذلك الحوض أو الإناء بأخذ الماء منه ، وقد تقدم غير مرة أن حرمة المقدّمة لا تسرى إلى ذي المقدّمة ، هذا.

بل ذكرنا في الكلام على أواني الفضة والذهب (٣) أنه يمكن أن يحكم بصحّة الوضوء حتى في صورة انحصار الماء به ، وذلك بالترتّب ، لأنه حينئذٍ إذا أراد أن يمتثل الوظيفة المقرّرة في حقِّه شرعاً من غير عصيان يتيمم ويصلِّي. وأمّا إذا عصى وأخذ الماء من ذلك الإناء أو الحوض فهو متمكِّن من التوضؤ على وجه التدريج ، وهذا كاف في الحكم بصحّة الوضوء بالترتّب.

__________________

(*) إذا كان أخذ الماء من الحوض تصرفاً في المغصوب حرم لكن الأظهر صحة الوضوء حينئذٍ مع الانحصار وعدمه.

(١) في ص ٣١٤.

(٢) في شرح العروة ٤ : ٣٠٢.

٣٤١

[٥٥٢] مسألة ١٣ : الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبياً مشكل بل لا يصح (*) لأن حركات يده تصرّف في مال الغير (١).

______________________________________________________

إذا كان الفضاء غصبياً :

(١) لا إشكال في أن حركة اليد تصرف في الفضاء ، وقد فرضنا أنه للغير فهو محكوم بالحرمة لا محالة ، غير أن حرمته لا تستلزم الحكم ببطلان الوضوء ، لأن حركات يده مقدّمة للوضوء أو الاغتسال المأمور به أعني وصول الماء إلى بشرته وقد ذكرنا غير مرّة أن حرمة المقدّمة لا تسري إلى ذي المقدّمة ، فهو وإن كان يصدر عنه أمران منضمان أحدهما التحريك والآخر الاغتسال وإيصال الماء إلى البشرة أحدهما محرم والآخر مأمور به ، إلاّ أن الحكم لا يسري من أحدهما إلى الآخر كما مرّ.

وكذلك الحال في مسح الرجلين ، لأنه وإن كان موجباً للتصرّف في الفضاء ، لاشتماله على إمرار اليد على الرجلين وهو من التصرّف في الفضاء لا محالة ، إلاّ أن الإمرار خارج عن حقيقة المسح المأمور به ، لأنه في لغة العرب هو المس ولا فرق بينهما إلاّ في التدرّج فان المسح هو المس التدريجي ، ومن هنا قلنا إن مجرّد وضع اليد على الرجلين غير كاف في تحقّق المسح المأمور به ، بل لا بدّ من مسحها عليهما ، ولكن المسح أمر والإمرار أمر آخر ، نعم ، لا يتحقّق المسح إلاّ بالإمرار فهو مما لا يتحقّق الواجب إلاّ به ، لا أنه من أحد أجزاء الواجب والمأمور به. أذن حرمة الإمرار والحركة لا تسري إلى الوضوء أعني الغسل والمسح.

نعم ، لو تمكّن من التيمم في الفضاء المباح تعيّن عليه التيمم لأنه فاقد للماء ، حيث إن الوضوء في حقِّه مشتمل على أمر حرام من جهة مقدمته والشارع لا يأمر بالحرام إلاّ أنه إذا عصى ذلك التكليف وارتكب الحرام فقد صار واجداً للماء ومتمكِّناً من‌

__________________

(*) على الأحوط ، نعم لو انحصر مكان الوضوء بالفضاء المغصوب وأمكن التيمّم في غيره تعيّن التيمّم بلا إشكال.

٣٤٢

[٥٥٣] مسألة ١٤ : إذا كان الوضوء مستلزماً (١) لتحريك شي‌ء مغصوب فهو باطل (*) (٢).

[٥٥٤] مسألة ١٥ : الوضوء تحت الخيمة المغصوبة إن عدّ تصرفاً فيها كما في حال الحر والبرد المحتاج إليها باطل (**) (٣).

______________________________________________________

الوضوء ، فلو توضأ وقع وضوءه صحيحاً لا محالة.

استلزام الوضوء تحريك المغصوب :

(١) بأن كان بينهما مجرد التلازم الخارجي من دون أن يكون الوضوء موقوفاً عليه كما إذا كان الحرام مقدمة للوضوء ، ومثاله ما إذا كان وضوءه أعني الغسلتين والمسحتين مستلزماً لتحريك ما بيده وبدنه من الثوب المغصوب.

(٢) قد عرفت عدم بطلان الوضوء فيما إذا كانت مقدمته محرمة فكيف ما إذا كانت مقدّمته مباحة ، ولكن كان الملازم الخارجي له محكوماً بالحرمة ، فإن الحكم بعدم بطلان الوضوء فيما إذا كان ما يتوقف عليه محرماً يستلزم الحكم بعدم بطلانه فيما إذا كان ملازمه محرماً دون مقدمته بطريق أولى ، حيث يصدر من المكلف أمران متلازمان وحرمة أحدهما لا تسري إلى الآخر كما مر.

الوضوء تحت الخيمة المغصوبة :

(٣) ونظيرها ما إذا كان السقف غصبياً أو كان الحيطان أو الجص كذلك من دون حرمة المكان والفضاء والماء ، وقد فصّل قدس‌سره في هذه المسألة بين ما إذا عد التوضؤ تحت الخيمة تصرفاً عرفياً في الخيمة وما إذا لم يكن معدوداً من التصرّف بالحكم بالبطلان في الصورة الأُولى دون الثانية. ولا كلام لنا في الشرطية بوجه ، وأنه‌

__________________

(*) فيه إشكال بل الصحة أظهر.

(**) بل هو صحيح لأنّ الوضوء لا يعدّ تصرّفاً في الخيمة بحال.

٣٤٣

[٥٥٥] مسألة ١٦ : إذا تعدّى الماء المباح من المكان المغصوب إلى المكان المباح لا إشكال في جواز الوضوء منه (١).

______________________________________________________

متى ما صدق على التوضؤ تحت الخيمة عنوان التصرف فيها كان الوضوء باطلاً.

وإنما الكلام في أنه متى يصدق على التوضؤ تحت الخيمة المغصوبة عنوان التصرف فيها ، وأنه كيف يكون الوضوء تصرفاً في الخيمة أو السقف ، نعم الانتفاع بالخيمة أمر صحيح حيث إن الانتفاع بظلها أو بغير الظل من فوائد الخيمة ، وأما أنه تصرف فيها فلا نرى له وجهاً محصلاً.

نعم ، إذا استولى على خيمة الغير وكانت الخيمة ذات منفعة ومالية كما في أيام الحر في الأماكن الحارة مثلاً استلزم ذلك ضمان الخيمة وضمان جميع منافعها الفائتة ما دامت تحت يد الغاصب ، أي ما دام مستولياً عليها سواء استوفاها أم لم يستوفها ، إلاّ أنه أمر آخر ، إذ الكلام فيما إذا توضأ تحت الخيمة من غير الاستيلاء عليها خارجاً ، وقد سلمنا أن التوضؤ تحتها قد يكون انتفاعاً منها ، إلاّ أن ذلك لا يصحح أن يكون الوضوء تصرّفاً في الخيمة أو السقف بوجه.

ومن هنا يظهر أنه إذا اغتصب خيمة غيره كما في عرفات مثلاً وعلم غيره أنها مغصوبة جاز له أن يتوضأ تحتها ، لما عرفت من عدم كون ذلك تصرفاً في الخيمة ولا أنه مأمور برد الخيمة إلى مالكها ، لعدم اغتصابه لها على الفرض ، ولا سيما فيما إذا لم يكن المتصرِّف تحت الخيمة أعني المستولي عليها عالماً بكونها مغصوبة أو فرضنا غفلته عن ذلك.

(١) لبداهة أن دخول الماء على أرض مغصوبة لا يوجب حرمة التوضؤ به في غيرها من الأراضي المباحة كما لا يستلزم بطلانه ، وإلاّ للزم الحكم ببطلان الوضوء من الماء القليل الذي أخذه مالكه في ظرفه وأدخله مكاناً غصبياً ثم أخرجه عنه ، مع أنه مما لا يمكن الالتزام به ، والمسألة ظاهرة وإنما تعرض لها الماتن قدس‌سره طرداً للباب.

٣٤٤

[٥٥٦] مسألة ١٧ : إذا اجتمع ماء مُباح كالجاري من المطر في ملك الغير إن قصد المالك (*) تملّكه كان له (١) ،

______________________________________________________

هل القصد الساذج يكفي في الحيازة :

(١) هل القصد المجرد يكفي في الحكم بصيرورة المباح الأصلي ملكاً لمالك الأرض أو أنه غير كاف في صدق الحيازة والتملك؟

فيه وجهان ، الظاهر كفاية ذلك في التملك ، وذلك لما ورد من أن من استولى على شي‌ء فهو له (٢) حيث إن الاستيلاء بعد دخول ذلك المباح في ملكه إنما يتحقّق بمجرّد قصد التملك والحيازة ، لأنه بقصده ذلك يكون مستولياً عليه ، وهذه الرواية وما هو بمضمونها وإن كانت ضعافاً على ما نستعهده إلاّ أنه يكفينا في ذلك السيرة العقلائية ، حيث إن بناءهم على عدم مزاحمة من قصد التملك والحيازة لما دخل في ملكه من المباحات الأصلية ، فلا يرون مزاحمته بالأخذ منه بل يرونه أحق بذلك وأولى.

مثلاً إذا اجتمع ماء المطر في حوض أحد وقصد مالك الحوض تملكه له فلا يرون العقلاء أخذ ذلك الماء منه ، فليس لمن طريقه إلى بيته من ذلك المكان الذي فيه الحوض أو أن له حق المرور منها إلى داره التصرف في ذلك الماء من دون إذن مالك الحوض.

ومن هذا القبيل الصيد أو النبات الداخل على بستان أحد أو غيرها من المباحات الأصلية.

__________________

(*) لا عبرة بالقصد المجرّد وإنّما العبرة بالاستيلاء عليه خارجاً.

(١) الذي عثرنا عليه من ذلك هو ما ورد في ذيل ما رواه يونس بن يعقوب من قوله عليه‌السلام « ومن استولى على شي‌ء منه فهو له » المرويّة في الوسائل ٢٦ : ٢١٦ / أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٣.

٣٤٥

وإلاّ كان باقياً على إباحته فلو أخذه غيره وتملّكه ملك ، إلاّ أنّه عصى من حيث التصرّف في ملك الغير ، وكذا الحال في غير الماء من المباحات مثل الصيد وما أطارته الريح من النباتات (١).

[٥٥٧] مسألة ١٨ : إذا دخل المكان الغصبي غفلة وفي حال الخروج توضّأ بحيث لا ينافي فوريته ، فالظاهر صحته لعدم حرمته حينئذٍ (٢).

______________________________________________________

(١) لوضوح أنه إذا لم يقصد المالك تملكه لم يكن مجرد دخوله في أرضه وبستانه مخرجاً له عن الإباحة بلا كلام ، فيجوز لغيره أن يأخذه ويتملكه ، كما إذا دخل صيد دار أحد ولم يتمكّن من الخروج عنها ولم يلتفت مالك الدار إلى ذلك فلم يقصد تملكه فان للغير أن يأخذه ويتملكه وإن كان دخوله في دار الغير تصرفاً حراماً فيما إذا لم يكن مأذوناً من قبل مالك الدار.

التوضؤ عند الخروج عن المغصوب :

(٢) الخروج عن المكان المغصوب في مفروض المسألة وإن لم يكن حراماً للاضطرار إليه من دون استناده إلى سوء الاختيار ، إلاّ أن الحكم بصحة الوضوء وقتئذٍ بناء على اعتبار الإباحة في مصب ماء الوضوء في نهاية الإعضال ، وذلك لأن ما كان المكلف مضطراً إليه إنما هو المشي في الأرض والتصرف في الفضاء وقد ارتفعت عنهما الحرمة بالاضطرار ، وأما صبّ ماء الوضوء على الأرض فهو ليس بمورد الاضطرار فلا محالة تبقى على حرمته. فاذا اشترطنا في صحة الوضوء إباحة المصب كما عليه الماتن قدس‌سره فلا محالة يقع الوضوء باطلاً ، لاستلزامه التصرف في مال الغير من دون إذنه ، اللهمّ إلاّ أن يتوضأ على نحو لا يصب ماءه على الأرض.

٣٤٦

وكذا إذا دخل عصياناً (*) ثم تاب وخرج بقصد التخلّص من الغصب وإن لم يتب ولم يكن بقصد التخلّص ففي صحة وضوئه حال الخروج إشكال (١).

______________________________________________________

التوضؤ عند الخروج بلا قصد التخلص :

(١) تبتني هذه المسألة على ما أسلفناه في بحث الاجتماع عند الكلام على مسألة من توسط أرضاً مغصوبة بسوء الاختيار (٢) فان قلنا في تلك المسألة بما قررناه هناك من أن التوبة إنما ترفع العقاب عما ارتكبه التائب من المعاصي قبل توبته أعني العقاب في دخوله أرض الغير من دون رضائه ، ولا أثر للتوبة بالنسبة إلى ما ارتكبه حال التوبة أعني به الخروج عن الدار المغصوبة ، وحيث إنه باق على مبغوضيته وعقوبته من جهة النهي السابق عليه فلا محالة يقع الوضوء حال الخروج المبغوض المترتب عليه العقاب باطلاً ، فان الاضطرار إنما يرفع النهي عنه حال الخروج كما في من ألقى نفسه من الشاهق ، إلاّ أنه منهي عنه بالنهي المتقدم على الاضطرار ومع كون الدخول فيها بسوء الاختيار يقع الخروج عنها مبغوضاً ومعاقباً عليه.

وعلى الجملة حال الخروج على هذا حال الدخول ، فان كان صادراً على وجه الإباحة فخروجه أيضاً مباح ، كما أنه إذا كان صادراً على الوجه الحرام كان الخروج عنها أيضاً كذلك.

وأمّا إذا بنينا على ما ربما يظهر من شيخنا الأنصاري قدس‌سره من عدم حرمة الخروج في مفروض المسألة ، لمكان أنه مقدمة للتخلص عن الحرام وهو أمر واجب لا محالة ، ومقدّمة الواجب إما واجبة عقلاً فقط أو أنها واجبة بحسب العقل والشرع لأن التخلص الواجب متوقف عليه والشارع لا يأمر بالحرام (٣) فلا محالة يقع الخروج‌

__________________

(*) حكم الخروج فيما كان دخوله عصياناً حكم الدخول في جميع الجهات.

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٣٦٦.

(٢) مطارح الأنظار : ١٥٣ السطر الأخير.

٣٤٧

[٥٥٨] مسألة ١٩ : إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح فإن أمكن ردّه إلى مالكه وكان قابلاً لذلك لم يجز التصرّف في ذلك الحوض وإن لم يمكن ردّه يمكن أن يقال بجواز التصرّف فيه ، لأن المغصوب محسوب تالفاً ، لكنه مشكل (*) من دون رضا مالكه (١).

______________________________________________________

على الوجه المباح ، ويصح التوضؤ حينئذٍ فيما إذا لم يستلزم صب ماء الوضوء على الأرض ، ولا يفرق على ذلك بين توبته وقصد التخلص الملازم معها أي التوبة والتندم أم لم ينوها.

إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح :

(١) الظاهر أن نظره قدس‌سره إلى أن القليل من الماء المغصوب بعد ما وقع في الماء المباح وامتزج معه قد يمكن رده إلى مالكه ولو بردّ جميع الماء الممتزج بحيث لو رد إليه جميعه صدق أنه رده إلى مالكه ، وحينئذٍ يتخيّر مالك الماء المغصوب بين الشركة مع مالك الماء المباح وبين أن يأخذ قيمته ويسلّم المجموع إلى شريكه ، وهذا كما إذا كان الماءان من سنخ واحد ، بأن كان كلاهما من المياه المعدّة للشرب أو المعدّة للغسل وإزالة الأقذار ، أو كان كلاهما حلواً أو مراً إلى غير ذلك من الخصوصيات.

وأُخرى لا يكون الماء المغصوب ممكن الرد إلى مالكه بعد الامتزاج مع الماء المباح ولو برد المجموع إليه ، لعد ذلك ماء مغايراً مع الماء المغصوب ومبايناً معه ، وهذا كما إذا كان الماءان سنخين متغايرين ، كما إذا كان أحدهما معداً للشرب والآخر معداً لازالة القذارات ، أو كان أحدهما حلواً والآخر مراً ، كما إذا وقع مقدار من الماء المغصوب الحلو في خزّان ماء الحمام ، لأنه حينئذٍ غير قابل للرد إلى مالكه ولو برد مجموع ماء الخزان.

__________________

(*) أظهره الصحّة فيما عدّ تالفاً.

٣٤٨

الشرط الخامس : أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أواني الذهب أو الفضة (١) وإلاّ بطل سواء اغترف منه أو إدارة على أعضائه وسواء انحصر فيه أم لا (*) ومع الانحصار يجب أن يفرغ ماءه في ظرف آخر ويتوضّأ به ، وإن لم يمكن التفريغ إلاّ بالتوضّؤ يجوز ذلك (**) حيث إن التفريغ واجب. ولو توضّأ منه جهلاً أو نسياناً أو غفلة صحّ كما في الآنية الغصبية والمشكوك كونه منهما يجوز التوضّؤ منه كما يجوز سائر استعمالاته (٢).

______________________________________________________

ففي الصورة الاولى لا يجوز التوضؤ من الماء الممتزج لاشتماله على ماء الغير والوضوء بماء الغير غير صحيح ، وأما في الصورة الثانية فلا مانع من التوضؤ من الماء الممتزج من جهة أن الماء الواقع فيه غير موجود وقتئذٍ ، فإنه يعد تالفاً لدى العرف وينتقل الأمر معه إلى البدل من المثل أو القيمة من دون أن يكون لمالك الماء حق في الماء الممتزج ، وما أفاده قدس‌سره هو المتين.

الشرط الخامس :

(١) قد أسلفنا تفصيل الكلام في هذه المسألة عند الكلام على أواني الذهب والفضة (٣) وإنما نتعرّض في المقام إلى ما لم نتعرّض له هناك ، وهو ما أشار إليه بقوله : وإن لم يمكن التفريغ إلاّ بالتوضؤ يجوز ذلك ...

إذا لم يمكن التفريغ إلاّ بالتوضؤ :

(٢) ذكر قدس‌سره أن الماء إذا كان منحصراً بما في إحدى الإناءين وجب تفريغه في ظرف آخر مقدمة للوضوء الواجب ، وأما إذا لم يمكن تفريغهما إلاّ بالتوضؤ‌

__________________

(*) تقدّم حكم ذلك في بحث الأواني [ في المسألة ٤١١ ].

(**) فيه إشكال بل الأظهر عدم الجواز بناءً على عدم جواز استعمالها مطلقاً وتقدّم منه قدس‌سره تعيّن التيمّم حينئذٍ.

(١) في شرح العروة ٤ : ٣٠٢.

٣٤٩

[٥٥٩] مسألة ٢٠ : إذا توضأ من آنية باعتقاد غصبيتها أو كونها من الذهب أو الفضة ، ثم تبيّن عدم كونها كذلك ، ففي صحة الوضوء إشكال ولا يبعد الصحة إذا حصل منه قصد القربة (١).

______________________________________________________

منهما ، فقد ذكر في بحث أواني النقدين أن الوجوب يرتفع عن الغسل أو الوضوء ويجب التيمم في حق المكلف.

وذكر في المقام أن التوضؤ منهما حينئذٍ أمر جائر ، لأن التفريغ واجب كما عرفت فلو توضأ منهما بقصد التفريغ لوقع وضوءه أو غسله سائغاً لا محالة.

وهذا الذي ذكره في المقام مناقض صريح لما قدمنا نقله عنه قدس‌سره في الكلام على أواني النقدين ، والصحيح هو الذي ذكره هناك ، والوجه في ذلك أن تفريغ ماء الإناءين وإن لم يكن محرّماً لعدم كونه استعمالاً لهما فيما إذا لم يكونا من الأواني المعدّة للتفريغ كالسماور والقوري ونحوهما ، لوضوح أن التفريغ في مثلهما استعمال لهما فيما أُعدّا له ، وأمّا إذا لم يكونا مما أُعدّ للتفريغ فلا بأس بتفريغهما ، بل هو أمر واجب عند الانحصار ، لأنه مقدّمة للواجب وهي واجبة إمّا عقلاً فحسب وإمّا عقلاً وشرعاً ، فلا يقع التفريغ محرماً لا محالة ، إلاّ أن التوضؤ منهما استعمال لهما يقيناً ، وقصد كون ذلك تفريغاً لهما لا يغيّر الفعل عن حقيقته ، فكيف يكون قصد التفريغ مانعاً عن كون الفعل استعمالاً لهما.

فالصحيح أن الوضوء يسقط وقتئذٍ عن الوجوب وينتقل الأمر إلى بدله وهو التيمم.

التوضّؤ من إناء باعتقاد الغصبيّة وانكشاف الخلاف :

(١) قد فصّل قدس‌سره بين صورتي حصول قصد القربة من المكلف وعدمه وحكم بالصحة في الأُولى دون الثانية ، وما أفاده هو الصحيح.

٣٥٠

الشرط السادس : أن لا يكون ماء الوضوء مستعملاً في رفع الخبث (*) (١) ولو كان طاهراً مثل ماء الاستنجاء مع الشرائط المتقدِّمة ، ولا فرق بين الوضوء الواجب والمستحب على الأقوى ، حتى مثل وضوء الحائض. وأمّا المستعمل في رفع الحدث الأصغر فلا إشكال في جواز التوضؤ منه ، والأقوى جوازه من‌

______________________________________________________

وتوضيح ما أفاده قدس‌سره : أن المعتقد بغصبية الإناء أو بكونه من النقدين قد لا يعلم حرمة التصرّف في المغصوب أو حرمة استعمال الأواني المصوغة من الذهب والفضة ولو عن تقصير منه في التعلم ، كما يتفق ذلك في كثير من العوام ، أو أنه يعلم بحرمة التصرّف أو الاستعمال غير أنه يعتقد عدم انطباق التصرّف والاستعمال على التوضؤ من الإناء بدعوى أن التصرف والاستعمال إنما يتحققان بأخذ الماء من الإناء.

وأما التوضؤ أو الاغتسال بعد ذلك فهو أمر أجنبي عن التصرّف والاستعمال رأساً ففي هاتين الصورتين لا إشكال في تمشي قصد التقرّب من المكلّف في الوضوء ، وحيث إنه بحسب الواقع أمر مباح فلا محالة يحكم بصحته لتمشي قصد التقرّب وإباحة الماء والإناء.

وأُخرى يعلم المعتقد بمغصوبية الإناء أو بكونه من النقدين حرمة التصرّف في المغصوب أو استعمال أواني النقدين ، ويعتقد أيضاً بانطباق التصرف والاستعمال على نفس الوضوء ، ولا يتمشّى منه قصد التقرّب في هذه الصورة بوجه ، لعلمه بحرمة التوضؤ كما مرّ ، ولا يعقل معه التمكن من قصد التقرّب أبداً إلاّ على وجه التصوّر والخيال لا الواقع والحقيقة.

اشتراط أن لا يكون الماء مستعملاً في رفع الخبث :

(١) قد اشترطوا في صحة الوضوء أن لا يكون الماء المستعمل فيه مستعملاً في رفع‌

__________________

(*) على الأحوط.

٣٥١

المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، وإن كان الأحوط تركه مع وجود ماء آخر. وأمّا المستعمل في الأغسال المندوبة فلا إشكال فيه أيضاً ، والمراد من المستعمل في رفع الأكبر هو الماء الجاري على البدن للاغتسال إذا اجتمع في مكان. وأما ما ينصبّ من اليد أو الظرف حين الاغتراف أو حين إرادة الإجراء على البدن من دون أن يصل إلى البدن فليس من المستعمل ، وكذا ما يبقى في الإناء ، وكذا القطرات الواقعة في الإناء ولو من البدن. ولو توضّأ من المستعمل في الخبث جهلاً أو نسياناً بطل. ولو توضأ من المستعمل في رفع الأكبر احتاط بالإعادة.

السابع : أن لا يكون مانع من استعمال الماء من مرض أو خوف أو عطش أو نحو ذلك ، وإلاّ فهو مأمور بالتيمم ، ولو توضّأ والحال هذه بطل (*) (١) ولو كان‌

______________________________________________________

الخبث ولو مع الحكم بطهارته ، كما في ماء الاستنجاء أو الغسالة المتعقبة بطهارة المحل أو مطلقاً بناء على طهارة الغسالة على نحو الإطلاق.

وأيضاً اشترطوا أن لا يكون الماء المستعمل فيه مستعملاً في رفع الحدث الأكبر وأما المستعمل في رفع الحدث الأصغر فلا مانع من أن يستعمل في رفع الحدث الأصغر ثانياً وثالثاً وهكذا ، وتفصيل الكلام في هذه المسألة وجميع فروعها قد أسلفناه عند التكلّم على مطهرية المياه فليراجع (٢).

اشتراط أن لا يكون هناك مانع من استعمال الماء :

(١) قد يستند الحكم بجواز التيمم إلى النص الشرعي كما في موارد الخوف على النفس من العطش أو المرض أو اشتداده ونحوها ، حيث ورد الأمر بالتيمم وقتئذٍ في صحيحة الحلبي (٣) وغيرها مما يأتي في مبحث التيمم إن شاء الله (٤) ويكون ذلك النص‌

__________________

(*) لا يبعد الصحّة في صورة خوف العطش.

(١) شرح العروة ٢ : ٢٧٨.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٨ / أبواب التيمّم ب ٢٥ ح ٢.

(٣) بعد المسألة [١٠٥٨] فصل في التيمّم.

٣٥٢

جاهلاً بالضرر صحّ (*) ، وإن كان متحقِّقاً في الواقع ، والأحوط الإعادة أو التيمّم.

______________________________________________________

تخصيصاً شرعياً فيما دلّ على وجوب التوضؤ على واجد الماء ، لأن المفروض أن المكلف متمكن من استعمال الماء عقلاً وشرعاً ، فأمره بالتيمم والحال هذه تخصيص في تلك الأدلة لا محالة ، ومعه إذا أقدم المكلف على الوضوء وترك التيمم فمقتضى القاعدة هو الحكم ببطلان وضوئه لعدم الأمر به ، بل قد عرفت أن مقتضى إطلاق دليل التخصيص تعيّن التيمم في حقه وكونه واجباً تعينياً لا تخييرياً ، وكفاية الطهارة المائية عن الطهارة الترابية يحتاج إلى دليل وهو مفقود على الفرض. بلا فرق في ذلك بين موارد حرمة استعمال الماء في الوضوء ، كما إذا فرضنا أن استعمال الماء موجب لاشتداد المرض ، وموارد عدم حرمته كما إذا خاف من العطش بعد ذلك ، فان استعمال الماء وقتئذٍ وإن كان مفوتاً للواجب إلاّ أن الاستعمال غير محرم شرعاً ، ومع ذلك لو توضأ حينئذٍ حكمنا ببطلانه للنص الدال على تعيّن التيمم في حقه.

وقد يستند الحكم بجواز التيمم إلى حكم العقل به ، كما في موارد المزاحمة بين وجوب الوضوء وواجب آخر أهم كإنقاذ الغريق ونحوه ، كما إذا كان عنده مقدار من الماء يكفي لوضوئه فحسب ووجبت عليه إزالة النجاسة عن المسجد ، وحيث إن الإزالة مما لا بدل له والوضوء مما له البدل ، يتعيّن عليه صرف الماء في الإزالة والتيمم للصلاة ، وهذا لا من جهة دلالة الدليل الشرعي عليه ، بل من جهة استقلال العقل بقبح التكليف لما لا يطاق ، لعدم تمكن المكلف من امتثال كلا التكليفين وعدم إمكان الأمر بالضدين في زمان واحد.

ففي هذه الموارد إذا عصى المكلف الأمر بالتيمم وصرف الماء في الإزالة الواجبة مثلاً فصرفه في الوضوء أمكننا الحكم بصحة وضوئه بالترتب ، وحيث إن المخصص للأمر بالوضوء عقلي وليس دليلاً شرعياً كي يتمسك بإطلاقه حتى في صورة عصيان‌

__________________

(*) هذا فيما إذا لم يكن الضرر مبغوضاً في الواقع.

٣٥٣

الأمر بالأهم فلا مناص من الاكتفاء فيه بمقدار الضرورة ، كما هو الحال في موارد التخصيصات العقلية وهو صورة امتثال المكلف للأمر بالأهم ، فإنه وقتئذٍ غير مكلف بالوضوء جزماً ، لاستلزامه التكليف بما لا يطاق ، ولأجل الفرار من هذا المحذور رفعنا اليد عن إطلاق الأمر بالمهم عند امتثال المكلف للأمر بالأهم فان بهذا المقدار من تقييد دليل المهم يرتفع المحذور العقلي من البين ، ومعه لا موجب لرفع اليد عن أصله وأساسه ، فاذا فرضنا أن المكلف عصى للأمر بالأهم والمفروض بقاء الأمر بالمهم بحاله فلا مانع من التمسك بإطلاقه والحكم بوجوب الوضوء عليه في محل الكلام ، لتمكنه منه بحسب العقل والشرع ، فاذا أتى به وقع صحيحاً ومأموراً به لا محالة.

نعم ، قد استشكل شيخنا الأُستاذ قدس‌سره في جريان الترتب في الطهارات الشرعية ، مدعياً أن القدرة قد أُخذت في موضوعها لقوله عزّ من قائل ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ... ) لأن التفصيل قاطع للشركة ، فيدلنا ذلك على أن الوضوء وظيفة واجد الماء كما أن التيمم وظيفة الفاقد والعاجز عنه ، وحيث إن المكلف في مفروض الكلام غير متمكن شرعاً على صرف الماء في الوضوء لمكان مزاحمته مع الواجب الأهم فلا يكون الوضوء مشروعاً في حقه لاختصاصه بالواجد والمتمكن منه كما عرفت ، وعصيان الأمر بالأهم لا يجعل العاصي متمكناً من الماء شرعاً ، لوجوب صرف الماء في الإزالة مثلاً ، ولا قدرة له في استعماله في الوضوء ، سواء امتثل التكليف بالأهم أم لم يمتثل (١).

ونحن أيضاً قد بنينا على ذلك برهة من الزمان وقد عدلنا عنه أخيراً ، نظراً إلى أن القدرة المأخوذة في هذه الموارد أعني الوضوء والحج وغيرهما إنما هي القدرة بالمعنى اللغوي ، أعني المفهوم العرفي العام وهو التمكن من الشي‌ء تكويناً وعدم الممنوعية عنه شرعاً ، وليس لها معنى شرعي آخر ، وحيث إن المكلف عند عصيانه الأمر بالأهم يتمكّن من الإتيان بالمهم تكويناً كما لا ممنوعية له عنه شرعاً ، فيتحقق الموضوع للأمر‌

__________________

(١) فوائد الأُصول ٢ : ٣٦٧.

٣٥٤

بالمهم في حقه ويشمله دليله. أما تمكنه من الوضوء في مفروض المسألة عقلاً وبحسب التكوين فلأنه أمر ظاهر جلي ، إذ لا يتصوّر أي مانع عقلي أو تكويني من استعماله الماء في الوضوء. وأما تمكنه منه شرعاً فلأجل عدم تعلق أي نهى باستعمال الماء في الوضوء ، وإنما تعلق الأمر باستعماله في الإزالة فحسب ، والأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضدّه. نعم إذا كان استعماله الماء في الوضوء ممنوعاً عنه بحسب الشرع كما في التوضؤ من الماء المغصوب انتقل فرضه إلى التيمم ومنع عن الوضوء لا محالة ، لعدم قدرته على التوضؤ شرعاً.

وثالثة يستند جواز التيمم إلى الأدلة العامة كقاعدتي نفي الحرج والضرر من دون أن يستند إلى دليل يخصه بحسب الشرع أو العقل كما كان كذلك في الصورتين الأُوليين ، وهذا كما في موارد كون الوضوء مستلزماً للتضرر غير المنصوص عليه في الأخبار ، فهل يحكم بصحة الوضوء وقتئذٍ فيما إذا أقدم عليه عالماً بكونه ضرريّاً في حقه أو حرجياً أو لا يحكم عليه بالصحة؟

قد فصّل الماتن قدس‌سره (١) في مبحث التيمم في هذه المسألة بين الحرج والضرر ، مدعياً أن هاتين القاعدتين إنما تتكفلان نفي الإلزام والوجوب ولا تتكفلان نفي المشروعية والجواز ، فمن هنا يصح وضوءه في موارد الحرج.

وأما في موارد الضرر فحيث إن الإضرار محرم وهو ينطبق على الوضوء فلا محالة يتصف الوضوء بالحرمة فيبطل من هذه الناحية.

ولنا في ذلك كلام يأتي في مبحث التيمم إن شاء الله فلا نتعرّض إلى ذلك في المقام تبعاً للماتن حيث لم يتعرض له هنا ، بل نتعرض لما تعرض له قدس‌سره وهو ما إذا كان المكلف جاهلاً بأن الوضوء يترتب عليه الضرر فأقدم عليه وترتب عليه الضرر واقعاً ، أعني الضرر غير المنصوص عليه في الأخبار كترتب ذهاب مال له عليه ، كما إذا اشتغل بالوضوء فسرق اللصوص أمواله فهل يحكم بصحة وضوئه؟

__________________

(١) في المسألة [١٠٧٦].

٣٥٥

حكم بصحته في المتن واحتاط بإعادته إذا لم يترتب عليه الضرر ، كما احتاط بالتيمم فيما إذا استلزم الضرر ، وقد تعرض الماتن قدس‌سره لهذه المسألة بعينها في مبحث التيمم وجزم بالصحة هناك من غير أن يحتاط بشي‌ء.

والصحيح في المسألة التفصيل : وذلك لأن الضرر المترتب على الوضوء قد لا يكون أمراً مبغوضاً لدى الشرع ، وقد يكون مبغوضاً شرعياً على نحو لا يرضى الشارع بتحققه في الخارج بوجه.

أمّا إذا لم يكن الضرر مبغوضاً عند الشارع كما إذا ترتب على وضوئه سرقة مال له ، فلا مناص من الحكم بصحة الوضوء حينئذٍ ، وذلك لأنه أمر مباح في الواقع على الفرض ، ولا يشمله حديث نفي الضرر ، لأنه قاعدة امتنانية ولا امتنان في الحكم ببطلان الوضوء الصادر عن الجاهل بترتب الضرر غير المحرم عليه. إذن فلا مانع من أن ينطبق المأمور به على الوضوء المأتي به في الخارج ، لأنه مصداقه ومحققه فيحكم بصحّته.

بل يمكن أن يقال : إن في نفس الأخبار الواردة في التيمم إشعاراً بصحة الوضوء عند الجهل بضرره ، فان الظاهر من تلك الروايات أن موضوع وجوب التيمم إنما هو خوف الضرر ولكن لا على وجه الموضوعية بل على وجه الطريقية إلى الضرر الواقعي أعني به الضرر الواصل للمكلف ، ومع الجهل به وعدم خوفه منه لا يكون الضرر واصلاً للمكلف فلا ينتقل فرضه إلى التيمم ، فلا بدّ من الحكم بصحة وضوئه.

وإذا كان الضرر المترتّب على الوضوء محرماً ومما لا يرضى الشارع بوجوده في الخارج ، كما إذا ترتّب على الوضوء قتل النفس المحترمة أو ما يشاكل ذلك مما لا يرضى به الشارع ، فلا بدّ من الحكم بالبطلان ، لأن الوضوء وقتئذٍ محرم وكيف يعقل أن يكون المحرم مصداقاً للواجب ، والجهل بحرمته لا يقلب الحرام إلى الجائز أو الوجوب.

وعلى الجملة : إن المسألة من صغريات الكبرى المتقدمة (١) في التوضؤ بالماء المغصوب جاهلاً بمغصوبيته ، وقد مر أن الصحيح وقتئذٍ هو الحكم بالبطلان.

__________________

(١) في ص ٣١٨.

٣٥٦

الثامن : أن يكون الوقت واسعاً للوضوء والصلاة ، بحيث لم يلزم من التوضؤ وقوع صلاته ولو ركعة منها (*) خارج الوقت وإلاّ وجب التيمم ، إلاّ أن يكون التيمّم أيضاً كذلك ، بأن يكون زمانه بقدر زمان الوضوء أو أكثر إذ حينئذٍ يتعيّن الوضوء (١).

______________________________________________________

وأما ما ربما يتوهم من تصحيح ذلك بالملاك ، فيندفع بما ذكرناه غير مرة من أن دعوى وجود الملاك تخرص على الغيب ، إذ لا علم لنا بالملاك بعد سقوط الأمر والتكليف ، وأنه على تقدير القول به فهو ملاك مندك في جنب الملاك الآخر أعنى ملاك الحرمة ، لأن المفروض حرمته والملاك المندك مما لا يترتب عليه أيّ أثر.

اشتراط السعة في الوقت :

(١) من المحتمل القوي أن يكون قوله : « ولو ركعة » من باب المثال ، لوضوح أنها مما لا خصوصية له ، بل لا يجوز إيقاع نصف جزء من أجزاء الصلاة أيضاً في خارج الوقت ، لأن مقتضى الأخبار الواردة في الوقت وجوب إيقاع الصلاة بأجمعها فيما بين المبدأ والمنتهى ، فلا يجوز إيقاعها خارج الوقت ولو بجزء منها أو نصف جزء ، فإذا فرضنا أن التوضؤ يستلزم إيقاع شي‌ء من الصلاة في خارج الوقت دون التيمم فلا محالة ينتقل فرضه إلى التيمم ، اللهمّ إلاّ أن يكون التيمم أيضاً كالوضوء من هذه الجهة فإن فرضه وقتئذٍ هو الوضوء أيضاً.

ثم إن الكلام في هذه المسألة يقع من جهتين :

إحداهما : هل أن ضيق الوقت من مسوّغات التيمم في الشريعة المقدسة أو أن التيمم لا يسوغه ذلك؟ حيث لم يرد نص على مسوغية ضيق الوقت للتيمم ، بل قد حكي عن الشيخ حسين آل عصفور عدم مسوغيته له لعدم دلالة الدليل عليه ، وأن‌

__________________

(*) بل ولو بأقلّ من ركعة.

٣٥٧

الآية المباركة والروايات إنما تدلان على مشروعية التيمم لفاقد الماء فحسب والمفروض أن المكلف واجد للماء فكيف يشرع التيمم في حقه.

وهو ظاهر صاحب المدارك قدس‌سره أيضاً في من كان واجد الماء أوّلاً فأهمل حتى ضاق الوقت بحيث لو توضأ لم يمكنه إيقاع الصلاة بتمامها في وقتها ، حيث حكم عليه بوجوب التوضؤ وعدم مشروعية التيمم في حقه ، معللاً بأن التيمم إنما هو وظيفة فاقد الماء والمكلف في مفروض المسألة واجد للماء ، ولم يرد أي نص على أن ضيق الوقت من مسوغات التيمّم (١).

وقد نسب ذلك إلى المعتبر أيضاً (٢) ، فان هذه المسألة وإن كانت غير مسألتنا هذه لأن المفروض فيها تمكن المكلف من الماء للصلاة إلاّ أنه أهمل حتى ضاق الوقت عن الصلاة ، وهي غير ما نحن فيه أعني ما إذا كان الضيق ناشئاً عن غير الاختيار ، إلاّ أن تعليله يعم المقام أيضاً.

وهذه المسألة لم يتعرضوا لها إلاّ في كلمات متأخري المتأخرين. وذكر في الحدائق أن الوجه في ذلك لعلّه وضوح المسألة عندهم ، وقد أورد على صاحب المدارك بأن ضيق الوقت من المسوغات ، إذ المدار في وجوب التيمم إنما هو عجز المكلف وعدم تمكنه من استعمال الماء للطهارة والصلاة (٣).

وما أفاده هو الصحيح وضيق الوقت من مسوغات التيمم شرعاً والوجه في ذلك : أن التيمم إنما لا يكون سائغاً فيما إذا تمكن المكلف من استعمال الماء لوضوء الصلاة فكلّما لم يتمكّن المكلّف من استعماله ساغ التيمم في حقه ، ولو كان متمكناً من استعمال الماء في غير الوضوء أو في غير وضوء الصلاة أعني الوضوء لأجل غير الصلاة ، كما إذا أذن له مالك الماء في التصرف في مائه في غير وضوء الصلاة ، فإن المكلف حينئذٍ وإن‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ١٨٥.

(٢) المعتبر ١ : ٣٦٦.

(٣) الحدائق ٤ : ٢٥٩ ٢٦٠.

٣٥٨

كان واجداً للماء لغير وضوء الصلاة غير أن فرضه هو التيمم دون الوضوء.

وذلك لأن كلاًّ من الأمر بالوضوء والأمر بالتيمم في الآية المباركة أمر غيري ومقدّمة للصلاة ، فقد قال عزّ من قائل ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) إلى أن قال ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) ( ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) وقد استفدنا من ذكر المريض في الآية المباركة أن المراد بالوجدان هو التمكن من استعمال الماء ، فاذا فرضنا أن المكلف يتمكن من استعماله لوضوء الصلاة إذن يجب عليه الوضوء ، فاذا لم يتمكن من استعماله لوضوء الصلاة ففرضه ينتقل إلى التيمّم ، وإن كان واجداً للماء بالوجدان ومتمكناً من استعماله في غير وضوء الصلاة ، وحيث إن المفروض عدم تمكن المكلف من استعمال الماء لوضوء الصلاة عند ضيق الوقت فلا محالة يشرع في حقه التيمم كما أشرنا إليه ، هذا كلّه في هذه الجهة.

الجهة الثانية : أنه بعد الفراغ في الجهة المتقدمة عن أن ضيق الوقت من مسوغات التيمم ، يقع الكلام في أن الوقت إذا ضاق بحيث لو توضأ لم يتمكن إلاّ من إيقاع ركعة واحدة منها في وقتها ووقعت البقية في خارج الوقت ، فهل يسوغ له أن يتيمم حتى يوقع الصلاة بتمام أجزائها في وقتها ، أو يجب عليه أن يتوضأ وإن لم يدرك من الوقت إلاّ ركعة واحدة ، لأن من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة كلها في وقتها ، فكأنه متمكن من أن يتوضأ ويأتي بجميع أجزاء الصلاة في وقتها؟

التحقيق هو الأوّل ، وذلك لأن الله سبحانه قد قسم المكلفين على قسمين وهما واجد الماء وفاقده ، وأوجب عليهما ثمان ركعات مثلاً فيما بين المبدأ والمنتهى ، أعني ما بين الدلوك والغروب ، فمن تمكن من استعمال الماء لأجل الصلاة فيما بين الحدين وجب عليه الوضوء ، ومن لم يتمكن من استعماله لأجلها ما بين الحدين فقد وجب عليه التيمّم. وحيث إن المكلف لا يتمكّن من استعمال الماء لأجل إيقاع الصلاة بأسرها في الوقت فلا جرم وجب عليه التيمّم. اللهمّ إلاّ أن يكون التيمّم أيضاً‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

٣٥٩

كالوضوء بأن لا يتمكّن معه أيضاً من الإتيان بالفريضة بأسرها في الوقت ، فان المتعيّن وقتئذٍ هو الوضوء كما تقدم.

وأمّا حديث من أدرك فالصحيح المعتبر منه ما ورد في صلاة الغداة من أن « من أدرك ركعة منها فقد أدرك الغداة تامّة » (١) وأما غيرهما مما ورد من أن « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » (٢) أو أن « من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الشمس » (٣) فهي روايات ضعاف.

وما ورد في الغداة وإن لم تكن مختصة بها فان المورد لا يكون مخصصاً لا محالة ، إلاّ أنه غير ناظر إلى شي‌ء من أجزاء الصلاة وشرائطها وإلى تغيير الوظيفة والتكليف عما كانا عليه ، بل إنما تنظر إلى توسعة الوقت وأن طبيعي الصلاة سواء أكانت مقيدة بالطهارة المائية أم بالطهارة الترابية إذا وقعت ركعة منها في وقتها فقد وقعت أداء بمعنى أن المكلف متى ما تمكن من إيقاع ركعة من الفريضة في وقتها على اختلاف الفرائض باختلاف المكلفين وجب أن يوقعها في وقتها ولا يسوغ له أن يؤخرها ويقضيها في خارجه ، فان إيقاع ركعة من الصلاة في الوقت كايقاعها بأسرها في وقتها ، ومن الظاهر أن من تمكن من الأداء لم يجز له أن يفوّت وقتها ويأتي بها قضاء فلا نظر لها إلى أن من تمكن من الصلاة مع الوضوء في وقتها ولو بمقدار ركعة وجب أن يتوضأ ويأتي بها مع الطهارة المائية ولا يشرع التيمم في حقه.

وعلى الجملة : إن الحديث غير ناظر إلى تغيير الوظيفة والتكليف من التيمم إلى الوضوء ، وبيان أن شرط الصلاة حينئذٍ أي شي‌ء ، وإنما نظره إلى التوسعة في الوقت في طبيعي الصلاة ، سواء أكانت مقيدة بالوضوء أم مشروطة بالتيمم حسب اختلاف المكلفين.

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٥ ، وفي بعض النسخ « فقد أدرك العصر ».

٣٦٠