موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٥١٠] مسألة ٢٠ : إذا نفذت شوكة في اليد أو غيرها من مواضع الوضوء أو الغسل لا يجب إخراجها ، إلاّ إذا كان محلها على فرض الإخراج محسوباً من الظاهر (١).

______________________________________________________

وأن العمل على طبقه إطاعة الشيطان فلا يصح توصيف الوسواسي بالعقل (١) أن الوسواسي لا يجب عليه الجزم بالامتثال ، لعدم جريان الاستصحاب ولا قاعدة الاشتغال في حقه.

أمّا عدم جريان الاستصحاب ، فلأن الشك المعتبر في جريانه كما في قوله عليه‌السلام « لا تنقض اليقين بالشك » (٢) منصرف إلى الشك العادي المتعارف لدى الناس ولا يشمل الشكوك النادرة الخارجة عن المعتاد ، فلا مجال لاستصحاب الحدث أو عدم تحقّق الامتثال في حقِّه.

وأمّا عدم جريان القاعدة ، فلأنّ العقل إنما استقل بلزوم الامتثال العقلائي دون ما يعد عملاً سفهائياً لدى الناس ، إذن لا يجب عليه تحصيل الجزم بالامتثال ، بل يكفي في حقه الامتثال الاحتمالي وإن لم يكن هناك نهي عن العمل على الوسواس ، نعم إذا كان شك الوسواسي شكاً متعارفاً كما إذا وقف تحت المطر فأصابت وجهه قطرات فشك في أنها هل وصلت إلى جميع أطراف الوجه أو يحتاج غسل تمام الوجه إلى إمرار اليد عليه وجب الاحتياط في مثله لا محالة.

(١) كما إذا كانت الشوكة كالمسمار ، بأن كان أحد طرفيها أوسع على نحو لا يدخل الجوف بل يلتصق بظاهر البشرة الواجب غسله ويستر مقداراً منه ، أو دخلت الشوكة منحنية كالمسمار المنحني لا مستقيمة على نحو بقي مقدار منها في الخارج وستر الظاهر على نحو لا يصل الماء إليه ، أي إلى الظاهر الذي وقع تحت الشوكة ، والمناط أن‌

__________________

(١) كما في صحيحة عبد الله بن سنان المروية في الوسائل ١ : ٦٣ / أبواب مقدمة العبادات ب ١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

١٠١

[٥١١] مسألة ٢١ : يصح الوضوء بالارتماس مع مراعاة الأعلى فالأعلى (١) لكن في اليد اليسرى لا بدّ أن يقصد (*) الغسل حال الإخراج من الماء حتى لا يلزم المسح بالماء الجديد ، بل وكذا في اليد اليمنى إلاّ أن يبقي شيئاً من اليد اليسرى ليغسله باليد اليمنى حتى يكون ما يبقى عليها من الرطوبة من ماء الوضوء (٢).

______________________________________________________

لا يكون محل الشوكة معدوداً من الجوف والباطن الذي لا يجب غسله في الوضوء.

(١) بأن يدخل المرفق أوّلاً ، ثم يرمس اليد إلى آخرها مرة واحدة أو تدريجاً.

الوضوء الارتماسي :

(٢) في المقام كلامان : أحدهما : أصل جواز الارتماس في الوضوء. وثانيهما : كفاية قصد الغسل حال الإخراج وعدمها.

أمّا المقام الأوّل : فلا ينبغي الإشكال في جواز التوضؤ بالارتماس ، لإطلاقات الأدلة الآمرة بالغسل في الوضوء ، وعدم قيام دليل على المنع عن ذلك ، وهي كافية في الحكم بالجواز.

وأمّا المقام الثاني : فالصحيح أن الاكتفاء بما أفاده الماتن قدس‌سره من قصد الغسل حال الإخراج غير صحيح ، وذلك لأن الظاهر من أيّ أمر متعلق بأي فعل من أفعال المكلفين إنما هو الإيجاد والإحداث ، أعني إيجاد متعلقاته وإحداثه بعد ما لم يكن دون الإبقاء والاستمرار ، وبما أن المكلف قد وضع يده على الماء ورمسها فيه فقد تحقّق منه الغسل لا محالة ، وهذا وإن كان غسلا بحسب الإيجاد والإحداث ، إلاّ أنه غير محسوب من الوضوء ، لأن المكلف لم يقصد به الغسل المأمور به على الفرض وإنما نوى الغسل المأمور به في الوضوء حال إخراجها من الماء ، أو يقصد ذلك بتحريكها وهي في الماء ، وهذا أيضاً لا كلام في أنه غسل لليد حقيقة غير أنه غسل‌

__________________

(*) في تحقق مفهوم الغسل بذلك إشكال.

١٠٢

إبقائي أي إبقاء للغسل الحادث أوّلاً برمس اليد في الماء ، وليس إيجاداً وإحداثاً للغسل غير الغسل المتحقق أوّلاً بإدخال اليد في الماء وهذا ظاهر ، وقد فرضنا أن المأمور به إنّما هو إيجاد الغسل وإحداثه لا إبقاؤه واستمراره.

ومن هنا استشكلنا في الغسل الترتيبي بتحريك الجانبين في الماء ، وإن كان المعروف صحة ذلك وكفايته ، وقد ذكرنا في وجهه أن المأمور به في كل من الغسل والوضوء إنما هو إيجاد الغسل وإحداثه ، ولا يكفي إبقاؤه واستمراره ، ومع فرض أن المكلف قد دخل الماء وتحقق الغسل منه في نفسه إذا حرك جانبيه وهو في الماء كان ذلك غسلاً بقاء ، واستمراراً للغسل الحادث أوّلاً لا إيجاداً للغسل وإحداثاً له.

والذي يكشف عما ذكرناه أنه لو أمرنا بالغسل مرتين في مثل اليد والأواني وغيرهما لم يمكننا الاكتفاء فيهما بإدخال اليد في الماء وإخراجها منه ، بأن يكون الإخراج أيضاً غسلاً على حدة كالادخال حتى يتحقّق بهما التعدّد في الغسل المأمور به ، ولا وجه له إلاّ ما أشرنا إليه آنفاً من أن الإخراج إبقاء للغسل الحادث بالإدخال أوّلاً ، لا أنه غسل جديد كي يتحقّق به التعدّد ، وهذا ظاهر. إذن لا يمكن أن يقتصر في الأواني ونحوها مما يعتبر التعدّد في غسله بإخراجها عن تحت الماء بعد إدخالها فيه أو بتحريكها وهي في الماء ، بل إدخالهما وإخراجهما يعدّان غسلاً واحداً لدى العرف.

وعلى الجملة لا يمكن الفرار بذلك ، أي بقصد الغسل حال الإخراج ، عن محذور المسح بالرطوبة الخارجية ، بل لا بدّ في تحقق المسح برطوبة الوضوء أن يبقي شيئاً من يده اليسرى بعدم رمسه في الماء حتى يغسل الباقي بعد إخراج يده من الماء بيده اليمنى ، لتكون الرطوبة من رطوبة الوضوء دون الرطوبة الخارجية.

نعم ، لا مانع من الغسل الارتماسي في الوضوء إذا لم يكن الغسل بقائياً واستمرارياً كما إذا قصد الغسل المأمور به من الابتداء ، نعم يبتلي المكلف وقتئذٍ بمعضلة كون المسح بالرطوبة الخارجية فيما إذا رمس يده في مثل الحوض والحب ونحوهما أو غسلها بالمطر كما يأتي عليه الكلام في التعليقة الآتية فليلاحظ.

١٠٣

[٥١٢] مسألة ٢٢ : يجوز الوضوء بماء المطر كما إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه مع مراعاة الأعلى فالأعلى ، وكذلك بالنسبة إلى يديه ، وكذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه ، ولو لم ينو من الأوّل لكن بعد جريانه على جميع محالّ الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله ، وكذا على يديه إذا حصل الجريان كفى أيضاً ، وكذا لو ارتمس في الماء ثم خرج وفعل ما ذكر (١).

الوضوء بماء المطر :

______________________________________________________

الوضوء بماء المطر :

(١) ظهر الحال في هذه المسألة مما سردناه في التعليقة المتقدمة وتوضيحه : أنه لا إشكال ولا كلام في صحة التوضؤ بماء المطر كما إذا قام تحت السماء حين نزول المطر ونوى من الابتداء أو بجريانه على وجهه أو يديه غسل الوجه أو اليدين المأمور بهما في الوضوء مراعياً للأعلى فالأعلى.

وإنما الكلام فيما إذا لم يقصد الغسل المأمور به من الابتداء ، بل إنما قصد تنظيف وجهه أو تطهير يده مثلاً ، أو لم يكن له قصد أصلاً لغفلته ، إلاّ أنه بعد ما جرى المطر على مواضع وضوئه قد مسح على وجهه أو غيره من مواضع الوضوء بيده قاصداً به غسل الوجه أو اليدين المعتبر في الوضوء ، والإشكال المتقدم في التعليقة السابقة يأتي في ذلك بعينه ، لأنّ المأمور به إنما الغسل الحادث بعد ما لم يكن ، والقطرات الموجودة على وجهه مثلاً من ماء المطر أو ماء الحوض بعد الخروج عنه إنما هي من توابع الغسل الحادث ، لوقوعه تحت المطر أو بدخوله تحت الماء ، وليس غسلاً جديداً ، وإمرار اليد على البدن أو محال الوضوء وإيصال الرطوبة إلى جميع جوانب البدن في الغسل أو الوجه واليدين في الوضوء لا يعدّ غسلاً بوجه ، لأنه مفهوم عرفي يعرفه كل عارف باللسان ، لبداهة عدم إطلاق الغسل عرفاً على إمرار اليد على البدن ونقل الرطوبات المائية إلى أطراف البدن أو الوجه أو غيرهما.

والعجب عن بعض من قارب عصرنا حيث ذهب إلى كفاية مجرد قصد الغسل بعد الخروج عن الماء في حصول الغسل المأمور به ، من دون حاجة إلى شي‌ء آخر حتى‌

١٠٤

[٥١٣] مسألة ٢٣ : إذا شكّ في شي‌ء أنه من الظاهر حتى يجب غسله أو الباطن فلا ، فالأحوط غسله (*) ، إلاّ إذا كان سابقاً من الباطن وشكّ في أنه صار ظاهراً أم لا ، كما أنه يتعيّن غسله لو كان سابقاً من الظاهر ثمّ شكّ في أنه صار باطناً أم لا (١).

______________________________________________________

إمرار اليد ، مدعياً أن الرطوبات المائية الموجودة على بدنه من ماء الحوض أو المطر كافية في تحقّق الغسل ، ولا يجب استعمال الزائد منها في تحصيله وتحققه ، إذن مجرد قصد الغسل وهي على بدنه كاف في حصول الغسل المأمور به.

وفيه : أن الغسل لدى العرف لا يطلق على القصد مع إمرار اليد على البدن أو مواضع الوضوء ، فكيف بالقصد الساذج ، لأن الرطوبات الموجودة على بدنه إنما هي من توابع الغسل الحادث بالدخول تحت الماء أو بوقوعه تحت المطر ، ولا يعد إيصالها إلى جوانب البدن أو محال الوضوء غسلاً حادثاً لدى العرف ، فما ظنك بكفاية مجرد القصد.

وعلى الجملة : أن الإخراج والتحريك أو إمرار اليد ونحوها لا يعد غسلاً عندهم ولا أقل من الشك في صدق الغسل عليه ، ومعه لا يمكن الاكتفاء به في مقام الامتثال. ثم إن الوجه في ذلك كما تقدم هو ما أشرنا إليه من أن ظاهر الأوامر إنما هو إحداث المتعلق وإيجاده بعد ما لم يكن ، لا أن الوجه هو اعتبار اليبوسة في أعضاء الوضوء أو الغسل ، لصحتهما مع رطوبة المحل. نعم يعتبر أن تكون الرطوبة السابقة أقل من الماء المستعمل في المحل حتى لا تكون غالبة عليه ، كما إذا فرضنا الماء الموجود على المحل خمس قطرات وكان الماء المستعمل فيه قطرتان أو ثلاثاً ، فاذا كانت الرطوبة السابقة أقل منه فهي غير مانعة من صحة الوضوء ، فالمناقشة في صحتهما مستندة إلى عدم كون الإخراج أو التحريك غسلاً حادثاً بعد ما لم يكن.

الشك في كون الشي‌ء من الظاهر :

(١) قد تكون الشبهة مفهومية ولا كلام حينئذٍ في وجوب الاحتياط ، لما قدّمناه‌

__________________

(*) والأقوى عدم وجوبه إلاّ إذا كان سابقاً من الظاهر.

١٠٥

من أن مقتضى الإطلاقات والعمومات وجوب الغسل في كل شي‌ء قابل له بين الحدين أعني القصاص والذقن ، أو المرفق وأطراف الأصابع ، وقد خرجنا عن ذلك فيما صدق عليه عنوان الجوف أو ما لم يظهر ، لأنه غير واجب الغسل بمقتضى الأخبار ، إذ قد ذكرنا سابقاً أن الباطن وإن لم يكن موضوعاً للحكم إلاّ أن مرادفه أعني الجوف أو ما لم يظهر قد أُخذ موضوعاً للحكم بعدم وجوب الغسل في بعض الروايات الواردة في المضمضة والاستنشاق (١) وغيرها فليلاحظ ، فاذا علمنا أن موضعاً من الجوف أو مرادفه فهو ، وإن شككنا في ذلك وجب الرجوع إلى مقتضى العموم والإطلاق وهو وجوب الغسل كما مرّ. ولكن الماتن لم يرد بذلك الشبهة المفهومية ، وإنما أراد الشبهة المصداقية والموضوعية ، وللشبهة المذكورة صور وأقسام.

صور الشبهة الموضوعية :

الاولى : أن يكون للمشكوك فيه حالة سابقة ، بأن كان من الظاهر الذي يجب غسله في الوضوء ، ولا إشكال حينئذٍ في استصحاب بقائه على الحالة السابقة ووجوب غسله بمقتضاه.

الثانية : أن يكون له حالة سابقة على خلاف الصورة المتقدمة ، كما إذا كان المشكوك فيه من الجوف وما لم يظهر وهو الذي لا يجب غسله في الوضوء فهل يجري استصحاب كونه من الجوف أو غير الظاهر حينئذٍ أو لا؟ فيه كلام ، والظاهر جريان الاستصحاب في هذه الصورة أيضاً كما في الصورة المتقدمة ، وبه يحكم على عدم وجوب غسله ، هذا.

وقد يقال بعدم الجريان ، نظراً إلى أنه من الأُصول المثبتة ، بدعوى أن المأمور به هو الطهارة وإثباتها باستصحاب كونه من الجوف والباطن يبتني على القول بالأصل المثبت.

ويردّه : أن الطهارة إما أن تكون عنواناً واسماً للوضوء ، أعني نفس الغسلتين والمسحتين كما أشرنا إليه سابقاً وقلنا إنه ليس ببعيد ، وعليه لا مانع من جريان‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٣١ / أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ٦ ، ٩ ، ١٢.

١٠٦

استصحاب كونه من الجوف ، لأنّ المأمور به حينئذٍ نفس الغسلتين والمسحتين ، ومن الظاهر أن نفي وجوب الغسل عن بعض المواضع لا يكون من المثبت في شي‌ء ، ولعله ظاهر ، وإما أن تكون الطهارة أمراً بسيطاً وحكماً اعتبارياً شرعياً غير المسحتين والغسلتين ، ولكنه يترتب عليهما ترتب الحكم على موضوعه ، وعليه أيضاً لا يكون الاستصحاب المذكور مثبتاً ، لأنه أصل يجري في موضوع الحكم الشرعي حينئذٍ ، وبه ينقح الموضوع للحكم بالطهارة ، وأن الموضوع هو غسل غير الموضع المشكوك فيه وتنقيح الموضوع بالأصل غير كون الأصل مثبتاً.

نعم ، إذا قلنا إن الطهارة أمر تكويني واقعي ومترتبة على تلك الأفعال ترتباً واقعياً قد كشف عنها الشارع ، حيث لا سبيل لنا إلى إدراكها ، كان للمناقشة المذكورة مجال لأن استصحاب الجوف والباطن لأجل إثبات لازمه التكويني وهو الطهارة من الأُصول المثبتة لا محالة ، إلاّ أن القول بأن الطهارة أمر واقعي ضعيف غايته ولا يمكن التفوه به ، بل الطهارة عنوان لنفس الغسلتين والمسحتين أو أنها حكم شرعي مترتب عليهما ، ومعه لا يكون الاستصحاب مثبتاً كما عرفت.

الثالثة : أن لا يكون للمشكوك فيه حالة سابقة أصلاً ، كما إذا كان مشكوكاً فيه من الابتداء ، وفي هذه الصورة يبتني الحكم بعدم وجوب غسل الموضع المشكوك فيه على القول بجريان الأصل في الأعدام الأزلية ، فإن مقتضى استصحاب العدم الأزلي عدم كون المحل المشكوك فيه من الظاهر الذي يجب غسله ، لأنه قبل أن يوجد لم يكن متصفاً بكونه ظاهراً لا محالة ، فإذا وجد وشككنا في أنه هل تحقق ووجد معه الاتصاف به أيضاً أم لم يتحقق فالأصل عدم تحقق الاتصاف به حتى بعد وجوده. وهذا نظير الاستصحاب الجاري في الصورة الثانية ، غير أن العدم فيها نعتي وفي الصورة الثالثة أزلي ، بمعنى أن المحل في الصورة الثانية كان موجوداً سابقاً وكان متصفاً بعدم كونه من الظاهر ، فالمستصحب هو اتصافه بالعدم المعبّر عنه بالعدم النعتي في الاصطلاح ، وأما في الصورة الثالثة فلم يحرز اتصافه بالعدم بعد وجود المحل ، وإنما نستصحب عدم تحقق الاتصاف المعلوم قبل وجوده ، وهو الذي يعبّر عنه بالعدم الأزلي فلاحظ.

١٠٧

الثالث : مسح الرأس (١) بما بقي من البلة في اليد (٢).

الثالث من واجبات الوضوء : مسح الرأس

______________________________________________________

الثالث من واجبات الوضوء : مسح الرأس‌

(١) لا إشكال ولا خلاف في وجوب المسح واعتباره في الوضوء بين المسلمين ، بل هو من الضروريات عندهم ، وقد دلّ عليه الكتاب والسنة وأمر به سبحانه بقوله ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (١) وإنما الكلام والخلاف في بعض خصوصياته على ما يأتي عليها الكلام.

(٢) المعروف بين الإمامية وجوب كون المسح بنداوة ماء الوضوء ، وعدم جواز المسح بالماء الجديد ، ولم ينقل في ذلك خلاف إلاّ من ابن الجنيد ، حيث نسب إليه القول بجوازه بالماء الجديد ، ولكن العبارة المحكية عنه غير مساعدة على ذلك ، فانّ ظاهرها أنه قد رخص في المسح بالماء الجديد فيما إذا لم تبق من بلة الوضوء شي‌ء في يده أو في غيرها مع الاختيار أو بلا اختيار ولم يجوّز المسح بالماء الجديد عند وجود البلة من ماء الوضوء (٢).

وكيف كان يدل على ما سلكه المشهور أُمور :

منها : الروايات الحاكية لوضوء النبي أو الوصي ، حيث صرحت بأنه عليه‌السلام مسح رأسه ورجليه بالبلة الباقية من ماء الوضوء ، ففي صحيحة زرارة « ... ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه ببلة يساره وبقية بلة يمناه » (٣) وفي صحيحة زرارة وبكير « ... ثم مسح رأسه وقدميه ببلل كفّه ، لم يحدث لهما ماء جديداً » (٤) إلى غير ذلك من الروايات البيانية. وقد ذكرنا سابقاً أن هذه الروايات إنما وردت لبيان ما يجب في الوضوء وما هو وظيفة المتوضئ في الشريعة المقدسة ، وعلى ذلك فكلّ ما ذكر فيها من‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) وعبارته المحكية في المختلف [ ١ : ١٢٨ / ٨٠ ] كما يلي : إذا كان بيد المتطهر نداوة يستبقيها من غسل يديه ، مسح بيمينه رأسه ورجله اليمنى وبنداوة اليسرى رجله اليسرى ، وإن لم يستبق ذلك أخذ ماء جديداً لرأسه ورجليه. وفي الحدائق ٢ : ٢٨٠.

(٣) ، (٤) الوسائل ١ : ٣٨٧ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

١٠٨

القيود والخصوصيات فهو محكوم بالوجوب ما لم يقم على خلافه دليل.

ومنها : اهتمام الرواة بنقل هذه الخصوصية ، أعني عدم تمسحهم عليهم‌السلام بالماء الجديد في رواياتهم ، ففي بعضها « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعدهما أي اليدين في الإناء » (١) وفي آخر : « لم يجدد ماءً » (٢) وفي ثالث : « لم يحدث لهما ماء جديداً » (٣) وهذا يكشف عن اهتمام الأئمة عليهم‌السلام لهذه الخصوصية في وضوءاتهم.

وحيث إن الأفعال الصادرة منهم عليهم‌السلام في وضوءاتهم كانت كثيرة كنظرهم عليهم‌السلام إلى السماء في أثناء الوضوء أو إلى اليمين أو اليسار ، أو تكلمهم بكلام أو غير ذلك مما كان يصدر منهم عليهم‌السلام ولم يتصد الرواة لنقل شي‌ء من هذه الخصوصيات والأفعال غير هذه الخصوصية ، فنستكشف من ذلك كشفاً قطعياً أن لهذه الخصوصية مدخلية في صحة الوضوء في الشريعة المقدسة لا محالة.

ومنها : صحيحة عمر بن أُذينة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لما اسري بي إلى السماء أوحى الله إليَّ يا محمّد ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهّرها إلى أن قال ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء ورجليك إلى كعبيك ... » (٤) فإنها ظاهرة في أن كلّ ما صنعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله سبحانه في تلك الصحيحة أُمور واجبة المراعاة على جميع المسلمين في وضوءاتهم ، إذ لا يحتمل أن يكون ذلك من خصائص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قدّمنا أن الأخبار البيانية تدلنا على أن ما وجب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وضوءاته قد وجب على غيره من المسلمين أيضاً ، وأن متابعته في ذلك لازمة ، فان الله سبحانه لا يقبل وضوءاً غيره. إذن هذه الصحيحة تدلنا على أن المسلمين يجب أن يمسحوا رؤوسهم وأرجلهم بنداوة ماء الوضوء ، لأن الله سبحانه قد أوجب ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٩٠ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٦.

(٢) الوسائل ١ : ٣٩٠ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١٠.

(٣) الوسائل ١ : ٣٩٠ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١١.

(٤) الوسائل ١ : ٣٩٠ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

١٠٩

ومنها : صحيحة زرارة قال « قال أبو جعفر عليه‌السلام : إن الله وتر يحب الوتر فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرفات ، واحدة للوجه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلة يمناك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى » (١) لأن جملة « وتمسح » وإن كانت خبرية إلاّ أنها مستعملة في مقام الإنشاء ، فتدلّنا على وجوب كون المسح ببلة اليد ، هذا.

وقد يناقش في دلالتها باحتمال أن تكون جملة « وتمسح » معطوفة على فاعل يجزئك ، وهو ثلاث غرفات ، أي ويجزئك المسح ببلة يمناك ، إذن تدلنا الصحيحة على أن المسح ببلة اليد مجزي في مقام الامتثال ، لا أنه أمر واجب لا بدل له ، وهي على هذا موافقة لما ذهب إليه الإسكافي قدس‌سره من جواز المسح بكل من بلة اليد والماء الجديد ، ولا دلالة لها على تعين كون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء كما هو مسلك المشهور.

ويدفعه : أن الإضمار على خلاف الأصل والظهور ، وذلك لأنه لا يمكن جعل و« تمسح » معطوفة على فاعل يجزئك إلاّ بتأويلها بالمصدر أي ويجزئك المسح ، إذ لا معنى لأن تكون الجملة الفعلية فاعلاً ، فبما أن الإضمار على خلاف الأصل والظاهر فلا يمكن المصير إليه ، ولا مناص من إبقاء الجملة الفعلية على حالها ، وحيث إنها في مقام الأمر والإنشاء فلا محالة تدلنا على وجوب كون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء.

ومنها : الأخبار الواردة في من نسي المسح حتى دخل في الصلاة أو لم يدخل فيها ثم ذكر أنه لم يمسح في وضوئه ، حيث دلت على أنه يأخذ من بلة لحيته أو حاجبيه أو أشفار عينه إن كانت ، وإن لم يكن في لحيته ونحوها بلل فلينصرف وليعد الوضوء (٢).

وأمّا المسح بالماء الجديد فلم تدلنا عليه شي‌ء من تلك الروايات.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٣٦ / أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢.

(٢) الوسائل ١ : ٤٠٧ / أبواب الوضوء ب ٢١.

١١٠

وأمّا ما نسب إلى ابن الجنيد من تجويز المسح بالماء الجديد فيمكن الاستدلال عليه بطائفتين من الأخبار :

الطائفة الأُولى : ما دلت على أن المسح بالماء الجديد هو المتعيّن ، بحيث لا يجزئ عنه المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء ، وهي عدة روايات وإليك نصّها :

منها : صحيحة أبي بصير قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسح الرأس قلت : أمسح بما على يدي من الندى رأسي؟ قال : لا ، بل تضع يدك في الماء ثم تمسح » (١).

ومنها : صحيحة معمر بن خلاد قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام أيجزئ الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال برأسه : لا ، فقلت : أبماء جديد؟ قال برأسه : نعم » (٢).

ومنها : رواية جعفر بن أبي عمارة الحارثي قال : « سألت جعفر بن محمد عليه‌السلام أمسح رأسي ببلل يدي؟ قال : خذ لرأسك ماء جديداً » (٣).

ولكن هذه الطائفة بما أنها مخالفة للضرورة عند الشيعة ومعارضة للأخبار المتواترة ، أعني الإخبار البيانية الحاكية عن وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصي عليه‌السلام الدالة على وجوب كون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء ، ولا أقل من استحباب كون المسح بتلك البلة أو جوازه بحيث لم يوجد قائل بمضمون تلك الطائفة حتى ابن الجنيد قدس‌سره إذ لم ينقل منه وجوب كون المسح بالماء الجديد ، بل إنما ينسب إليه جواز ذلك فحسب ، فلا مناص من حملها على التقيّة ، هذا.

وقد يشكل الحمل على التقيّة في صحيحة معمر بن خلاد ، لأجل اشتمالها على الأمر بمسح الرجلين على ما هو الدارج عند الشيعة الإمامية ، والعامة يرون وجوب غسلهما ، ومعه كيف يمكن حملها على التقيّة ، لأنها مخالفة للعامة وقتئذٍ.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١ : ٤٠٩ / أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٥.

(٣) الوسائل ١ : ٤٠٩ / أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٦.

١١١

والجواب عن ذلك بأحد وجوه :

الأوّل : أن المسح فيها محمول على الغسل ، فإن العامة يرون صحة إطلاق المسح على الغسل.

الثاني : أن المسح محمول على الموارد التي يجوز فيها المسح عند العامة ، كالمسح على الخفين لمن في رجله خف ولا يريد أن ينزعه للتوضؤ.

الثالث : أن العامة بأجمعهم لم يفتوا بوجوب الغسل في الرجلين ، بل الكثير منهم (١) ذهبوا الى التخيير بين المسح والغسل فيهما ، نعم أئمتهم قائلون بتعيّن الغسل (٢) ما عدا الشافعي (٣) وأما سائر علمائهم الذين قد عاصروا الأئمة عليهم‌السلام أو كانوا بعدهم فكثير منهم قائلون بالتخيير. إذن لا تكون الرواية مخالفة للعامة فلا مانع من حملها على التقيّة ولا سيما في الخبر الأخير ، لأنه في الحمل على التقيّة أقرب من غيره وذلك لأن جملة من رواته عامي المذهب كما هو ظاهر.

وكيف كان فهذه الطائفة ساقطة عن قابلية الاستدلال بها على ما ذهب إليه ابن الجنيد قدس‌سره.

وأمّا الطائفة الثانية : فهي الأخبار الواردة في من نسي المسح وتذكّره في أثناء الصلاة ، وهي روايات ثلاث ، اثنتان منها مطلقتان وإحداهما مصرحة بجواز المسح‌

__________________

(١) كالحسن البصري ، ومحمد بن جرير الطبري وأبي علي الجبائي وغيرهم ، حيث ذهبوا إلى التخيير بين المسح والغسل ، وأهل الظاهر ذهبوا إلى الجمع بينهما راجع عمدة القارئ ٢ : ٢٣٨ وفي تفسير الطبري ٦ : ٨٣ : الصواب عندنا أن الله تعالى أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم ، وإذا فعل ذلك المتوضئ فهو ماسح غاسل ، لأن غسلهما إمرار اليد عليهما أو إصابتهما بالماء ، ومسحهما إمرار اليد أو ما قام مقامها عليهما.

(٢) كما في عمدة القارئ ٢ : ٢٣٨ وبداية المجتهد ١ : ١٢ ، ١٥ وفي المغني ١ : ١٥٠ / ١٧٥ : غسل الرجلين واجب في قول أكثر أهل العلم.

(٣) ففي اختلاف الحديث على هامش الام ( مختصر المزني ) ص ٤٨٨ وأحكام القرآن ١ : ٥٠ وهما للشافعي : غسل الرجلين كمال والمسح رخصة وكمال ، أيّهما شاء فعل.

١١٢

بالماء الجديد كما يجوز بالبلة الباقية من ماء الوضوء.

أمّا المطلقتان ، فهما صحيحة منصور قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة ، قال : ينصرف ويمسح رأسه ورجليه » (١) وصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل توضأ ونسي أن يمسح رأسه حتى قام في صلاته ، قال : ينصرف ويمسح رأسه ثم يعيد » (٢) ونظيرهما صحيحة أبي الصباح قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه حتى قام في الصلاة ، قال : فلينصرف فليمسح على رأسه وليعد الصلاة » (٣) وهما كما ترى مطلقتان ، لدلالتهما على الأمر بمسح الرأس من غير تقييده بأن يكون بالبلة الباقية من ماء الوضوء فتشملان المسح بالماء الجديد ، اللهمّ إلاّ أن يدعى انصراف المطلق إلى المسح بالماء الجديد ، لأنه الغالب في مفروض الروايتين لغلبة الجفاف وذهاب البلة وقتئذٍ.

وأمّا المصرحة بالجواز فهي ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل نسي أن يمسح على رأسه فذكر وهو في الصلاة ، فقال : إن كان استيقن ذلك انصرف فمسح على رأسه وعلى رجليه واستقبل الصلاة ، وإن شك فلم يدر مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته إن كانت مبتلّة وليمسح على رأسه ، وإن كان أمامه ماء فليتناوله منه فليمسح به رأسه » (٤).

وممّا يدل على ما سلكه ابن الجنيد قدس‌سره إطلاق الكتاب والسنّة ، لأن الله سبحانه قد أمر بمسح الرأس في قوله عزّ من قائل ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) (٥) ولم‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٥١ / أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٣.

(٢) ، (٣) الوسائل ١ : ٣٧٠ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ١ ، ٢. ثم إن التعبير بالصحيحة فيما رواه أبو الصباح مبني على أن يكون المراد بمحمد بن الفضيل الواقع في سندها هو محمد بن القاسم ابن الفضيل الثقة فإنه كثيراً ما يعبّر عنه بمحمد بن الفضيل ، بل هو الظاهر منه فيما إذا كان الراوي عنه هو الحسين بن سعيد ، لغلبة روايته عنه فليلاحظ.

(٤) الوسائل ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٨.

(٥) المائدة ٥ : ٦.

١١٣

يقيد ذلك بأن يكون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء ، كما أن الأخبار الآمرة بالمسح مطلقة وغير مقيّدة بأن يكون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء.

وهذه وجوه ثلاثة للاستدلال بها على ما سلكه ابن الجنيد قدس‌سره وشي‌ء منها غير صالح للاستدلال به كما لا يخفي.

أمّا دعوى إطلاق الكتاب والسنّة ، فلأن الأمر وإن كان كذلك إلاّ أن هناك روايات واضحة بحسب الدلالة والسند قد دلتنا على لزوم كون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء ، وبها نرفع اليد عن تلك المطلقات على ما هو قانون حمل المطلق على المقيد في غير المقام. منها : صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على قوله عليه‌السلام « تمسح ببلة يمناك ناصيتك » (١) ومنها : غيرها من النصوص فليراجع.

وأما الطائفة الثانية ، أعني الأخبار الواردة في من نسي المسح وتذكره في أثناء الصلاة أو غيره ، فلأن المطلقتين منها لا بدّ من تقييدهما بما ورد في خصوص هذه المسألة من لزوم كون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء كموثقة (٢) زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة ، قال : إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل ذلك وليصل » (٣) فان مفهومها أنه إذا لم يكن في لحيته بلل يكفي لمسح رأسه ورجليه لم يجز له الاستمرار في الصلاة حتى يتوضأ وضوءاً ثانياً.

وأمّا المصرحة بجواز المسح بالماء الجديد كما يجوز بالبلة الباقية ، فيرد الاستدلال بها أنها وردت في مورد لا يجب على المكلف أن يتوضأ فيه ، فان موردها الشك في الوضوء بعد الفراغ وبعد الدخول في الصلاة ، وقد دلّ النص الصريح على عدم وجوب‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٣٦ / أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢.

(٢) عدّها موثقة يبتني على القول بوثاقة القاسم بن عروة الواقع في سندها ، أو يعدّ خبره صحيحاً نظراً إلى تصحيح العلاّمة قدس‌سره خبراً هو في طريقه [ كما في منتهى المقال ٥ : ٢٢٤ ] ، ولكن الأوّل لم يثبت والثاني غير مفيد.

(٣) الوسائل ١ : ٤٥١ / أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٤.

١١٤

ويجب أن يكون على الربع المقدّم من الرأس فلا يجزئ غيره (١) ،

______________________________________________________

الوضوء وقتئدٍ ، لأنه مورد قاعدة الفراغ. ومع فرض عدم كون الشاك مكلفاً بالوضوء فأيّ مانع من الالتزام باستحباب المسح بكل من البلة الباقية والماء الجديد ، ولكنّه غير ما نحن بصدده من جواز المسح بالماء الجديد في مورد يجب على المكلف الوضوء أعني كفاية المسح بالماء الجديد في مقام امتثال الأمر بالوضوء الواجب.

فالمتحصل : أن ما ذهب إليه ابن الجنيد قدس‌سره من جواز المسح بالماء الجديد ممّا لم يقم عليه دليل ، فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من اعتبار كون المسح ببلة ماء الوضوء.

محل المسح في الرأس :

(١) مقتضى إطلاق الآية المباركة والأخبار الواردة في وجوب المسح على الرأس عدم الفرق في ذلك بين مقدّم الرأس ومؤخره أو يساره ويمينه ، إلاّ أن الأخبار المتضافرة دلتنا على عدم جواز التمسح بغير المقدم من الجهات.

منها : صحيحة محمد بن مسلم قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام مسح الرأس على مقدّمه » (١) ومنها : غير ذلك من الروايات ، وبذلك يتعيّن أن يكون المسح على مقدم الرأس ، بل هو من ضروريات مذهب الشيعة ولا خلاف فيه بين أصحابنا قدس‌سرهم.

ولكن ورد في صحيحتين لحسين بن أبي العلاء ما يدل على خلاف ذلك ، ففي إحداهما قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المسح على الرأس؟ فقال : كأني أنظر إلى عكنة في قفا أبي يمر عليها يده. وسألته عن الوضوء بمسح الرأس مقدمه أو مؤخره؟ فقال : كأني أنظر إلى عكنة في رقبة أبي يمسح عليها » (٢) وفي ثانيتهما : قال‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤١٠ / أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ١ : ٤١١ / أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ٥.

١١٥

والأولى والأحوط الناصية وهي ما بين البياضين من الجانبين فوق الجبهة (١).

______________________________________________________

« قال أبو عبد الله : امسح على مقدّمه ومؤخّره » (١) وقد توهم دلالتهما على جواز المسح بمؤخر الرأس أيضاً.

ولكنهما مخالفتان لما ثبت بالضرورة من المذهب ، ولم يذهب أحد من أصحابنا إلى جواز ذلك ، كما أنهما تنافيان الأخبار الدالة على لزوم المسح بمقدمه ، إذن لا مناص من طرحهما أو تأويلهما وحملهما على التقيّة ، بل الصحيح أن الروايتين لا دلالة لهما على جواز المسح بمؤخر الرأس ، وإنّما ظاهرهما وجوب المسح على تمام الرأس من مقدمه ومؤخره كما هو مذهب المخالفين ، حيث إن كلمة « واو » في إحدى الروايتين لم يثبت كونها بمعنى « أو » بل ظاهرها إرادة الجمع ، كما أن قوله عليه‌السلام « يمسح عليها » لا يدل على أنّ المسح أمر جائز في كل من مقدّم الرأس ومؤخّره ، بل مقتضاه لزوم إمرار اليد على المؤخر أيضاً كالمقدم.

وأمّا أنّ إمرار اليد على المؤخّر كاف في صحّة الوضوء ولا يحتاج معه إلى إمرارها على المقدم ، فلا يكاد يستفاد منها بوجه ، وعليه لا مناص من حملهما على التقيّة لموافقتهما للعامة ومخالفتهما لما ثبت بالضرورة من مذهب الشيعة ، ولعل قوله عليه‌السلام « كأني أنظر » إلى آخره ، إشارة إلى ذلك ، إذ لو كان المسح على المؤخر واجباً أو جائزاً لصرح به في مقام الجواب.

الناصية لا خصوصية لها :

(١) أشرنا إلى أن الأصحاب قدس‌سرهم قد تسالموا على وجوب كون المسح على الربع المقدم من الرأس ، وعدم كفاية المسح على سائر الجهات من المؤخر أو اليمين أو اليسار ، إلاّ أنهم قد اختلفوا بعد إنفاقهم هذا في ان المسح هل يتعيّن أن يكون على خصوص الناصية وهي عبارة عما بين النزعتين أو يجوز بغيرها من أجزاء‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤١٢ / أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ٦.

١١٦

الربع المقدِّم أيضاً؟

وقد مال صاحب الجواهر قدس‌سره (١) في أول كلامه إلى تعيّن خصوص الناصية ، وذلك لما ورد في صحيحة زرارة المتقدمة من قوله عليه‌السلام « وتمسح ببلة يمناك ناصيتك » (٢) لأنها كما تقدّم (٣) وإن كانت جملة خبرية ، إلاّ أنها مستعملة في مقام الإنشاء ، وهي جملة مستقلة وغير معطوفة على فاعل يجزئك ، إذن تدلنا تلك الجملة على تعيّن المسح على خصوص الناصية.

ولمّا ورد في رواية عبد الله بن الحسين عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام من قوله : « لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال ، إنما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع الخمار عنها ، وإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها » (٤) وهما مقيدتان للأخبار المطلقة الدالة على وجوب كون المسح بمقدّم الرأس ، إلاّ أنه قدس‌سره عدل عن ذلك في آخر كلامه وجوّز المسح بكل جزء من أجزاء الربع المقدم من الرأس ، وجعل المسح على خصوص الناصية أحوط وأولى ، وأضاف أخيراً أنّ المسألة لا تخلو عن إشكال ، هذا وفي المسألة احتمالات.

احتمالات المسألة : الأوّل : أن يقال بتعيّن خصوص الناصية تقديماً للروايتين المتقدمتين على الأخبار المطلقة من باب حمل المطلق على المقيد ، وذلك بناء على أن الطائفتين متنافيتان بحسب الابتداء ، لأن الناصية ومقدّم الرأس أمران أحدهما غير الآخر ، فلا بدّ أن تجعل الروايتان مقيدتين للأخبار المطلقة كما هو الحال في غير المقام.

الثاني : أن يقال بجواز المسح على مطلق الربع المقدّم من الرأس ، وبجعل المسح على خصوص الناصية أفضل الأفراد هذا ، ولا يخفى أنه إذا بنينا على تعارض الطائفتين وكون الناصية ومقدّم الرأس أمرين متغايرين يتعيّن الاحتمال الأول لا محالة ، وذلك لما‌

__________________

(١) الجواهر ٢ : ١٧٩.

(٢) الوسائل ١ : ٤٣٦ / أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢.

(٣) في ص ١١٠.

(٤) الوسائل ١ : ٤١٤ / أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٥.

١١٧

حقّقناه في محلِّه من أن الجمع بين المطلق والمقيد بحمل الثاني على أفضل الأفراد خلاف القاعدة وما هو المتفاهم العرفي من الدليلين ، فإن القاعدة تقتضي حمل المطلق على المقيد كما عرفت.

الثالث : أن يحمل مقدّم الرأس على الناصية ويقال : إن الناصية ومقدّم الرأس عبارتان عن أمر واحد وليسا بأمرين مختلفين ، إذن فلا تعارض بين الطائفتين ، وذلك لأن الناصية كما ذكره صاحب القاموس من أحد معاني المقدمة (١) ، وعليه يكون مقدّم الرأس مجملاً لم يعلم المراد منه ، وهل أُريد به ما يقع في مقابل المؤخر أو أريد منه خصوص الناصية ، ولكن الناصية مبيّنة فيحمل المجمل على المبيّن.

الرابع : عكس الثالث ، وهو حمل الناصية على مقدّم الرأس ، بأن يقال إن الناصية أمر مجمل فيحتمل أن يراد بها المقدم كما يحتمل إرادة خصوص ما بين النزعتين فتحمل المجمل على المبين ويقال إن المراد بالناصية مقدم الرأس ، هذا.

ولا يخفى أنّ الأولى إذا بنينا على عدم التعارض بين الطائفتين هو الاحتمال الرابع بل هو المتعيّن على كل حال ، وذلك لأنّ مقدّم الرأس مفهوم مبيّن لا إجمال فيه إذ المقدّم من كل شي‌ء إنما هو ما يقابل سائر الجهات من المؤخر والأيمن والأيسر والناصية مجملة لم يظهر المراد بها فنحملها على مقدم الرأس.

وأمّا ما تقدّم عن القاموس من أن الناصية من معاني المقدّمة ، ففيه أوّلاً : أن ما ذكره صاحب القاموس خارج عما هو محل الكلام ، لأنه إنما يفسر مطلق المقدّم والمقدّمة ، ولم يفسر المتقدِّم المضاف إلى الرأس بالناصية.

وثانياً : أن من المحتمل قوياً أن يكون مراد صاحب القاموس من ذلك أن مجموع الجبهة والناصية من أحد معاني المقدمة ، لا الناصية فحسب ، لأنهما من الإنسان بمنزلة مقدّمة الجيش للعسكر ، ويشهد على ذلك ما ذكره في محكي عبارته حيث قال : مقدّمة الجيش متقدموه ، ومن الإبل أوّل ما ينتج ويلقح ، ومن كل شي‌ء أوّله والناصية والجبهة (٢) انتهى. وظاهر كلمة « واو » هو الجمع ، ولم يظهر أنه أراد منها « أو » وكيف‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ١٦٢.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ١٦٢.

١١٨

ويكفي المسمّى ولو بقدر عرض إصبع واحدة أو أقل (١).

______________________________________________________

كان فلم يثبت أن مقدم الرأس هو الناصية ، وحيث إن المقدّم مفهوم مبين لدى العرف والناصية مجملة فلا مناص من حملها على المبين ، والحكم بجواز المسح على مطلق الربع المقدم من الرأس ، هذا.

وهناك احتمال خامس متحد بحسب النتيجة مع الاحتمال الرابع ، وهو الحكم بإجمال كل من الناصية ومقدم الرأس وسقوط كل واحدة من الطائفتين عن الاعتبار ومعه يحكم بجواز المسح على مطلق الربع المقدّم من الرأس ، وكل ذلك لما عرفت من أن مقتضى إطلاق الآية المباركة والأخبار جواز المسح على كل جزء من أجزاء الرأس من المقدّم والمؤخر واليمين واليسار ، إلاّ أنّا علمنا خارجاً بمقتضى المخصص المنفصل عدم جواز مسح بالربع المؤخر ولا الأيسر ولا الأيمن من الرأس ، وانحصر ما يجوز مسحه بخصوص الربع المتقدم منه ، وبما أن المخصص ، أعني ما دلّ على انحصار محل المسح بالربع المقدم مجمل من حيث السعة والضيق ، إذ لم يظهر أن المراد منه خصوص الناصية أو مطلق الربع المقدّم ، وهو من المخصص المنفصل ، فلا جرم سقط عن الاعتبار من هذه الجهة ، فلا يمنع عن الرجوع إلى مقتضى العموم أو الإطلاق وهو يقتضي جواز المسح بكل جزء من أجزاء مقدم الرأس ، سواء أكان هو خصوص الناصية أو المقدار الزائد عنها ، لأنه لم يثبت دليل مخصص بالإضافة إلى المقدار الزائد عن الناصية من مقدم الرأس ، هذا ومع ذلك كله المسح على خصوص الناصية أحوط وأولى كما ذكره الماتن قدس‌سره لأنها المقدار المتيقن مما يجوز المسح عليه من مقدم الرأس.

كفاية المسمّى في المسح :

(١) المعروف بين الأصحاب قدس‌سرهم أن المسح الواجب في الوضوء إنما هو أقل مقدار يتحقق به المسح عرفاً ، أعني أول مراتب وجوده ، بل المسألة إجماعية. وعن بعضهم أن نقل الإجماع على ذلك مستفيض ، ويدلُّ عليه إطلاق الكتاب المجيد‌

١١٩

حيث أمر الله سبحانه بمسح الرأس بقوله عزّ من قائل ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) (١) وقد دلّتنا الصحيحة الواردة في تفسيره أن المراد مسح بعض الرؤوس لا جميعها ، فاذا علمنا بالمراد من الآية المباركة بالصحيحة المفسرة لها كما يأتي نقلها صحّ لنا التمسك بإطلاق أمره سبحانه ، لأنه أمر بمسح الرأس وهذا يتحقّق بأقل ما يتحقّق به المسح عرفاً وإن كان أقل من عرض إصبع واحدة.

وأمّا الصحيحة المذكورة الواردة في تفسير الآية المباركة فهي التي رواها الصدوق قدس‌سره بإسناده عن زرارة قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك فقال : يا زرارة قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزل به الكتاب من الله عزّ وجلّ ، لأن الله عزّ وجلّ قال ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ، ثم قال ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ، ثم فصّل بين الكلام فقال ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) فعرفنا حين قال ( بِرُؤُسِكُمْ ) أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما ، ثم فسّر ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس فضيعوه » الحديث (٢).

ولكنها غير صالحة للاستدلال بها في نفسها واستقلالها على المدعى بدعوى أنها مطلقة ، والسر فيه : أن الصحيحة إنما سيقت لبيان عدم وجوب غسل الرأس بتمامه ، وأن الواجب الذي صنعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما هو مسح بعض الرأس في مقابل العامّة القائلين بوجوب غسل الرأس بتمامه ، كما يشير إليه قوله عليه‌السلام « فضيّعوه ».

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ١ : ٤١٢ / أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ١ ، الفقيه ١ : ٥٦ / ٢١٢.

١٢٠