موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

بإلقاء الكرّ أو المطر أو الشمس (١) نعم إذا كانت رملاً يمكن تطهير ظاهرها (٢) بصبّ الماء عليها ورسوبه في الرمل فيبقى الباطن نجساً بماء الغسالة ، وإن كان لا يخلو عن إشكال من جهة احتمال عدم صدق (*) انفصال الغسالة (٣).

[٣٣٤] مسألة ٢٧ : إذا صبغ ثوب بالدم لا يطهر ما دام يخرج منه الماء الأحمر (٤) نعم إذا صار بحيث لا يخرج منه طهر بالغمس في الكر أو الغسل بالماء القليل ، بخلاف ما إذا صبغ بالنيل النجس ، فإنّه إذا نفذ فيه الماء في الكثير بوصف‌

______________________________________________________

(١) لأن في التطهير بالماء القليل يشترط انفصال الغسالة عن المتنجِّس المغسول والأرض الرخوة لا تنفصل عنها غسالتها حيث لا تنزل إلى جوف الأرض بتمامها ، بل يبقى منها مقدار في الأجزاء الأرضية وهو يقتضي تنجسها.

(٢) إذ الغسالة في الأراضي الرملية تنزل إلى الجوف بأسرها ، وقد عرفت فيما سبق أن انفصال الغسالة عن أيّ جسم يقتضي طهارته في المقدار الذي انفصلت عنه الغسالة وإن لم تخرج عن تمام الجسم ، والرطوبات الكائنة في الأجزاء المنفصلة عنها غسالتها لا توجب سراية النجاسة إليها.

(٣) ويندفع بما أشرنا إليه آنفاً من أن المعتبر إنما هو انفصال الغسالة عن الموضع المغسول فحسب ولا يشترط انفصالها عن تمام الجسم ، فإذا اجتمعت الغسالة في موضع آخر من الجسم وانفصلت عن المحل المغسول طهر المحل ، وإلاّ فلا يمكن تطهير الأراضي الصلبة والبدن ونحوهما من الأجسام فيما إذا اجتمعت غسالتها في موضع آخر منها ، وهو كما ترى.

(٤) فان التغيّر بلون الدم يقتضي انفعال الماء ونجاسته ولا تحصل الطهارة بمثله أبداً.

__________________

(*) المعتبر في تحقق مفهوم الغسل هو انفصال الغسالة عن المحل المغسول لا انفصالها عن المغسول نفسه ، وقد مرّ حكم الغسالة [ في صدر فصل الماء المستعمل ].

٨١

الإطلاق يطهر وإن صار مضافاً (*) (١) أو متلوِّناً بعد العصر كما مر سابقاً (٢).

[٣٣٥] مسألة ٢٨ : فيما يعتبر فيه التعدّد لا يلزم توالي الغسلتين أو الغسلات فلو غسل مرّة في يوم ، ومرّة أُخرى في يوم آخر كفى (٣). نعم يعتبر في العصر الفوريّة (**) بعد صبّ الماء على الشي‌ء المتنجِّس (٤).

______________________________________________________

(١) قد أسلفنا (١) أنّ العصر يعتبر في كل من الغسل بالماء القليل والكثير ، وأنه مقوم لعنوان الغسل وتحقّقه ، فإذا غسلنا المصبوغ بمثل النيل في الكثير ولدي العصر خرج عنه ماء مضاف لم يحكم بطهارته ، لأنه من الغسل بالمضاف وليس من الغسل بالماء. نعم بناء على عدم اعتبار العصر في الغسل بالكثير كما هو مسلك الماتن قدس‌سره ، لا بدّ من الحكم بطهارته بالغمس في الكثير وإن خرج عنه ماء مضاف ، وذلك لأن الثوب قد طهر بمجرد وصول الماء الكثير إليه ، والمضاف الخارج منه محكوم بطهارته لخروجه عن الثوب الطاهر حينئذ.

(٢) تلوّن الماء بمثل النيل المتنجِّس غير مانع عن التطهير به ، ولو على القول باعتبار العصر في الغسل بالماء الكثير ، إذ التغيّر بأوصاف المتنجِّس غير موجب لانفعال الماء بوجه. اللهمّ إلاّ أن يصير مضافاً فإنّه على ما سلكناه مانع عن تحقق الغسل بالماء كما عرفت.

(٣) لإطلاق ما دلّ على اعتبار التعدّد وعدم تقيده بالتوالي في شي‌ء من رواياته ، وعليه فلو غسل ما يعتبر التعدّد في غسله مرة ثم بعد فصل طويل غسله مرة ثانية كفى في الحكم بطهارته.

(٤) لا وجه لاعتبار الفورية في العصر ، لأن اعتباره في الغسل لم يثبت بدليل خارجي وإنما نعتبره لأنه مقوّم لمفهوم الغسل كما مر وأنه لا بدّ في تحقق مفهومه من‌

__________________

(١) تقدّم الكلام فيه وفيما قبله [ في المسألة ٣٠٩ ].

(٢) الظاهر عدم اعتبارها.

(٣) في ص ١١.

٨٢

[٣٣٦] مسألة ٢٩ : الغسلة المزيلة للعين بحيث لا يبقى بعدها شي‌ء منها تعد من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدّد ، فتحسب مرّة (١) ، بخلاف ما إذا بقي بعدها شي‌ء من أجزاء العين ، فإنّها لا تحسب (٢) وعلى هذا فإن أزال العين بالماء المطلق فيما يجب فيه مرتان كفى غسله مرة أُخرى ، وإن أزالها بماء مضاف يجب بعده مرتان أُخريان.

[٣٣٧] مسألة ٣٠ : النعل المتنجسة تطهر بغمسها في الماء الكثير ولا حاجة فيها إلى العصر ، لا من طرف جلدها ، ولا من طرف خيوطها (٣). وكذا البارية‌

______________________________________________________

العصر ، ولا يفرق في ذلك بين أن يكون العصر وإخراج الغسالة فورياً وبين أن لا يكون ، كما إذا عصره بعد دقائق فإنّه يصدق بذلك أنه غسله. وعلى الجملة حال الغسل في الأشياء المتنجسة شرعاً إنما هو حاله في الأشياء المتقذرة بالقذارة العرفية ولا إشكال في أن العرف لا يعتبر فورية العصر في إزالة القذارة بل يكتفي بغسل المتقذر وعصره ولو بعد فصل زمان.

(١) تقدّمت الإشارة إلى ذلك في ذيل المسألة الرابعة (١) وقلنا إن دعوى وجوب إزالة العين قبل الغسلتين أو الغسلات أمر لا دليل عليه ، بل مقتضى إطلاق ما دلّ على اعتبار التعدّد وعدم تقيده بكون العين زائلة قبل الغسلات كفاية زوالها بالغسلة الأُولى بعينها ، وعليه فلا مانع من عد الغسلة المزيلة من الغسلات.

ثم إن الماتن في المقام وإن عد الغسلة المزيلة من الغسلات ، إلاّ أنه ذكر في المسألة الرابعة : أن الغسلة المزيلة للعين غير كافية إلاّ أن يصبّ الماء مستمراً بعد زوال العين فليلاحظ.

(٢) لعدم كونها غسلاً ، لما عرفت من أن الغسل متقوم بإزالة العين وأجزائها فلا غسل مع عدم الإزالة.

(٣) أما جلدها فلعدم كونه قابلاً للعصر فيكفي في غسله وتطهيره صبّ الماء عليه‌

__________________

(١) ص ٢٨.

٨٣

بل في الغسل بالماء القليل أيضاً كذلك ، لأنّ الجلد والخيط ليسا مما يعصر ، وكذا الحزام من الجلد كان فيه خيط أو لم يكن.

[٣٣٨] مسألة ٣١ : الذهب المذاب ونحوه من الفلزات إذا صبّ في الماء النجس أو كان متنجِّساً فاذيب ينجس ظاهره وباطنه (*) ، ولا يقبل التطهير إلاّ ظاهره (١).

______________________________________________________

بمقدار ينفذ في أعماقه ، أو الغمس في الكثير ، لأنّ غسل كل شي‌ء بحسبه. وأما خيوطها فلأنها تابعة للجلد أو الحزام أو غيرهما مما تستعمل فيه وليس لها وجود مستقل ، فاذا لم يكن الجلد قابلاً للعصر فتكون الخيوط القائمة به أيضاً كذلك. ومجرّد أنها قد تكون قابلة لحمل مقدار معتد به من الماء ، لا يقتضي كونها قابلة للعصر ، وذلك لأنها لا تحمل من الماء أزيد ممّا يحمله الجلد ، ولا خلاف في أن الجلد في النعل غير قابل للعصر. فعلى ما ذكرناه يكفي في تطهيرها صبّ الماء عليها إلى أن يصل إلى جوفها أو يغمس في الكثير كما عرفته في الجلد.

(١) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :

أحدهما : ما إذا تنجس الفلز قبل أن يذاب وأُذيب بعد تنجسه.

وثانيهما : ما إذا طرأت عليه النجاسة حال ذوبانه كما إذا القي عليه ماء متنجس أو القي الفلز المذاب عليه ، فهل يحكم بذلك بنجاسة أجزائه الداخلية والخارجية في كلا المقامين أو يتنجّس بذلك ظاهره فحسب؟

أمّا المقام الأوّل : فإن علم بعد إذابة الفلز وانجماده أن أجزاءه الظاهرية هي التي أصابها النجس قبل إذابته ، فلا مناص من الحكم بنجاستها إلاّ أنها إذا غسلت حكم بطهارتها كما هو الحال في بقية المتنجسات.

وأما إذا شككنا في جزء منها في أنه هو الذي أصابه النجس قبل الإذابة ، بمعنى أنه من الأجزاء الظاهرية التي علمنا بتنجسها سابقاً أو أنه من الأجزاء الداخلية التي لم‌

__________________

(*) بل ينجس ظاهره فقط إذا صبّ في الماء النجس.

٨٤

يلاقها النجس ، وذلك لأن إذابة الفلز إنما هي غليانه وفورانه ، والغليان هو القلب فان به تتبدل الأجزاء الداخلية خارجية وبالعكس ، ومن هنا قد يشك في أن الجزء المشاهد الخارجي من الأجزاء الظاهرية للفلز حتى يحكم بنجاسته لملاقاته مع النجس قبل إذابته ، أو أنه من الأجزاء الداخلية له ليكون طاهراً ، فمقتضى القاعدة هو الحكم بطهارة ملاقي ذلك الجزء المشكوك طهارته لقاعدة الطهارة أو استصحاب عدم اصابة النجس له. وأما نفس ذلك الجزء فلا يمكن الحكم بطهارته ، لأنه طرف للعلم الإجمالي بالنجس ، حيث إن ما أصابه النجس قبل إذابة الفلز إما أن يكون هو ذلك الجزء الخارجي الذي نشك في طهارته ، وإما أن يكون هو الجزء النازل إلى الجوف بالغليان ، والعلم الإجمالي مانع عن جريان الأُصول في أطرافه.

نعم ، ملاقي أحد أطراف العلم محكوم بطهارته إذ لا مانع من جريان الأُصول فيه لعدم كونه طرفاً للعلم الإجمالي على ما حررناه في بحث الأُصول (١) وذلك لأن الأصل الجاري فيه لا يعارضه شي‌ء من الأُصول الجارية في أطراف العلم في نفسها ، أي مع قطع النظر عن العلم الإجمالي. ودعوى أنه طرف لعلم إجمالي آخر وهو العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر ، مدفوعة بأن العلم الإجمالي الآخر وإن كان موجوداً كما ذكر إلاّ أنه مما لا أثر له لعدم ترتب التنجيز عليه ، فان المدار في تنجيز العلم الإجمالي إنما هو تساقط الأُصول في أطرافه بالمعارضة ، وقد عرفت أن الأصل الجاري في الملاقي غير معارض بشي‌ء ، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محله.

فالمتحصل أن الملاقي للجزء المشكوك طهارته محكوم بطهارته بخلاف نفس ذلك الجزء أو غيره من الأجزاء الظاهرية للفلز بعد إذابته. اللهمّ إلاّ أن تكون الأجزاء الباطنية خارجة عن قدرة المكلف ، فإنّه لا مانع حينئذ من جريان الأصل في الأجزاء الظاهرية لعدم معارضته بالأصل في الطرف الخارج عن القدرة. أو يقال بانحلال العلم الإجمالي بخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء مع تعميمه إلى مثل الأجزاء الداخلية في المقام ، كما عممه أي الخروج عن محل الابتلاء شيخنا الأنصاري‌

__________________

(١) في مصباح الأُصول ٢ : ٤١٠.

٨٥

( قدس‌سره ) إلى خارج الإناء ، وعليه حمل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (١) هذا كله بالإضافة إلى ظاهر الفلز بعد إذابته وانجماده.

وأما إذا استهلك ظاهره بالاستعمال أو بغيره حتى ظهرت أجزاؤه الداخلية فحالها حال الجزء الظاهر قبل الاستهلاك ، فان علم أنها هي التي أصابها النجس حكم بنجاستها كما يحكم بطهارتها إذا غسلت. وإذا شككنا في أنها هي التي أصابها النجس أو أنها غيرها أتى فيه ما قدمناه في صورة الشك قبل الاستهلاك فلا نعيد.

أمّا المقام الثاني : فقد يقال إن إصابة النجس لجزء من أجزاء الفلز تقتضي سراية النجاسة إلى تمام أجزائه الظاهرية والباطنية ، إما بدعوى أن الفلزات الذائبة كالمياه المضافة والمائعات كالدهن والحليب ونحوهما فكما أن إصابة النجس لجزء من أجزائها يوجب تنجس الجميع فليكن الحال في المقام أيضاً كذلك. أو بدعوى أن الفلزّات الذائبة إذا أُلقيت على ماء متنجس أو القي عليها الماء المتنجِّس وصل الماء إلى جميع أجزائها الداخلية والخارجية وبذلك يتنجّس الجميع ، ويدعى أن هذا هو الغالب في الفلز المذاب.

ولا يخفى ما في هاتين الدعويين :

أمّا الأُولى منهما ، فلأنّ سراية النجاسة من جزء إلى غيره من الأجزاء الأُخر إنما هي في المياه المضافة والمائعات ، ولا دليل في غير ذلك على السراية بوجه ، فالزئبق مثلاً وإن كان ذائباً إلاّ أنه إذا صبّ على موضع متنجس لا يحكم بنجاسة شي‌ء من أجزائه وذلك لعدم المقتضي له.

وأمّا ثانيتهما ، فلأن الدعوى المذكورة على خلاف ما ندركه بوجداننا ، حيث إن الفلزات الذائبة إذا لاقت الماء انجمدت فكيف يلاقي الماء المتنجِّس جميع أجزائها ، بل لا يلاقي سوى بعضها وهو الأجزاء الظاهرية من الفلز.

__________________

(١) قال : « سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال : إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس ... » الوسائل ١ : ١٥٠ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١.

٨٦

هذا ، ثم لو سلمنا على فرض غير واقع أنها لا تنجمد إلاّ أن غاية ما هناك أن يلاقي الماء الأجزاء الظاهرية من الفلز ، وأما بواطنها فلا ينفذ الماء المتنجِّس فيها بأسرها ، ولا محالة تبقى على طهارتها. وعلى الجملة لا دليل على تنجس الأجزاء الداخلية في مثل الفلز المذاب.

هذا ، ثم لو فرضنا في مورد وصول الماء المتنجِّس إلى جميع الأجزاء الداخلية والخارجية للفلز ولو باذابته مرات كثيرة وإلقائه في كل مرة على الماء المتنجِّس بحيث لا يشك في ملاقاة الماء المتنجِّس لكل واحد من أجزاء الفلز لم يقبل الطهارة بعد ذلك أبداً ، لعدم التمكن من غسل باطنه ضرورة عدم وصول المطهّر إلى جوف الفلز. نعم لا مانع من تطهير ظاهره ، إلاّ أن الظاهر لو استهلك باستعمال الفلز فالجزء البادي بعد الاستهلاك باق على نجاسته وهو أيضاً قابل للغسل والتطهير بصيرورته من الأجزاء الظاهرية. هذا كلّه فيما إذا علمنا أن الجزء إنما ظهر بعد استهلاك ظاهر الفلز.

وأمّا إذا شككنا في أنه من الأجزاء الظاهرية التي طهرناها بغسلها أو أنه مما ظهر بعد الاستهلاك فهو باق على نجاسته ، فهل يحكم بطهارته أو لا بدّ من غسله؟ تبتني هذه المسألة على مسألة أُصولية ، وهي إن الحالة السابقة إذا علم انتقاضها في بعض أفراد المتيقن السابق وعلم عدم انتقاضها في فرد آخر ، وشك في فرد بعد ذلك في أنه الفرد المعلوم انتقاض الحالة السابقة فيه أو أنه الفرد الذي علمنا بعدم انتقاض حالته السابقة فهل يجري فيه الاستصحاب أو لا؟

ذهب شيخنا الأُستاذ قدس‌سره إلى عدم جريان الأصل فيه بدعوى أنه من الشبهة المصداقية للاستصحاب ، وذلك للشك في أن رفع اليد عن الحالة السابقة حينئذ نقض لليقين بالشك أو أنه من نقض اليقين باليقين ، ولا مجال معه للتمسّك بعموم ما دلّ على حرمة نقض اليقين بالشك (١) هذا.

ولكنّا أسلفنا في محلِّه (٢) أن اليقين والشك وغيرهما من الأوصاف النفسانية‌

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٣١.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ١٩٠.

٨٧

فإذا اذيب ثانياً بعد تطهير ظاهره تنجّس ظاهره ثانياً (١). نعم لو احتمل عدم وصول النجاسة إلى جميع أجزائه وأن ما ظهر منه بعد الذوبان الأجزاء الطاهرة ، يحكم بطهارته (*) وعلى أيّ حال بعد تطهير ظاهره لا مانع من استعماله وإن كان مثل القدر من الصفر (٢).

______________________________________________________

لا يتعقّل فيها شبهة مصداقية بوجه ، لأنه لا معنى للشك في الشك أو اليقين ، بأن يشك الإنسان في أنه يشك في أمر كذا أو لا يشك ، أو أنه متيقن منه أو لا يقين له ، لأنه إذا راجع وجدانه يرى أنه يشك أو يتيقن فلا معنى للشك في أمثالهما ، وعليه فلا مانع من الرجوع إلى استصحاب الحالة السابقة في الفرد المشكوك فيه. وهذا كما إذا ذبحنا حيواناً وخرج منه المقدار المتعارف من الدم فإنّه حينئذ يقتضي الحكم بطهارة المقدار المتخلف منه في الذبيحة وبه تنتقض الحالة السابقة فيه ، فلو شككنا بعد ذلك في دم أنه من الدم المتخلف أو المسفوح ، فعلى ما سلكناه لا مانع من التمسّك باستصحاب نجاسته لعدم كونه من الشبهات المصداقية للنقض الحرام. وعلى ذلك لمّا علمنا في المقام بانتقاض الحالة السابقة في الأجزاء الظاهرية للفلز للعلم بتطهيرها ، وعلمنا أيضاً بعدم انتقاضها في الأجزاء الداخلية ، لم يكن أي مانع من الرجوع إلى استصحاب بقاء النجاسة فيما إذا شككنا في جزء أنه من الأجزاء الظاهرية أو الداخلية. نعم بناء على ما سلكه شيخنا الأُستاذ قدس‌سره لا يبقى مجال للاستصحاب وتنتهي النوبة إلى قاعدة الطهارة في الجزء المشكوك فيه.

(١) لوضوح أن الفلز إذا اذيب وكانت أجزاؤه الداخلية متنجسة حكم بنجاسة أجزائه الظاهرية لا محالة ، وهذا لا لأن الذوبان يقتضي نجاستها ، بل لأن الأجزاء الظاهرية هي الأجزاء الداخلية المتنجسة على الفرض وقد ظهرت بالغليان والذوبان.

(٢) ظهر مما تلوناه عليك في التعليقة السابقة عدم إمكان الحكم بطهارة الجزء المشكوك فيه ، لأنه طرف للعلم الإجمالي بإصابة النجاسة له أو للجزء الداخل إلى الجوف بالغليان.

__________________

(*) الحكم بطهارته لا يخلو من إشكال ظاهر ، نعم لا ينجس ملاقيه على الأظهر.

٨٨

[٣٣٩] مسألة ٣٢ : الحلي الذي يصوغه الكافر إذا لم يعلم ملاقاته له مع الرطوبة يحكم بطهارته ومع العلم بها يجب غسله ويطهر ظاهره ، وإن بقي باطنه على النجاسة إذا كان متنجساً قبل الإذابة (١).

[٣٤٠] مسألة ٣٣ : النبات المتنجِّس يطهر بالغمس في الكثير ، بل والغسل بالقليل إذا علم جريان (*) الماء عليه بوصف الإطلاق (٢) وكذا قطعة الملح. نعم لو صنع النبات من السكر المتنجِّس أو انجمد الملح بعد تنجسه مائعاً لا يكون حينئذ قابلاً للتطهير (٣).

[٣٤١] مسألة ٣٤ : الكوز الذي صنع من طين نجس أو كان مصنوعاً للكافر يطهر ظاهره بالقليل وباطنه أيضاً إذا وضع في الكثير فنفذ الماء في أعماقه (٤).

______________________________________________________

(١) فمجرّد أنّ الصائغ غير مسلم لا يوجب الحكم بنجاسة الحلي. بل لو شككنا في أن ذلك الحلي هل أصابته نجاسة رطبة ولو كانت هي يد الصائغ ، بنينا على طهارته باستصحابها أو بقاعدة الطهارة. نعم مع العلم بإصابة النجس له يحكم بنجاسة ظاهره أو جميع أجزائه الظاهرية والباطنية على التفصيل المتقدم في التعليقة السابقة فليراجع.

(٢) وكذلك الحال فيما إذا شك في بقائه على إطلاقه ، وذلك لاستصحاب بقائه على الإطلاق وعدم صيرورته مضافاً بالجريان.

(٣) لعدم إمكان وصول المطهر إلى أعماقه وهو مطلق ، لأن نفوذه في مثل النبات يستلزم صيرورته مضافاً ، ومع فرض كثرة الماء وغلبته يخرج النبات المتنجِّس عن كونه كذلك بالاستهلاك في الماء.

(٤) ظهر حكم هذه المسألة مما بيّنّاه (٢) في تطهير الصابون وغيره من الأجسام التي ينفذ فيها الماء وهي غير قابلة للعصر ، فليراجع.

__________________

(*) والمرجع عند الشك في بقاء الإطلاق هو الاستصحاب.

(١) في ص ٦٥.

٨٩

[٣٤٢] مسألة ٣٥ : اليد الدسمة إذا تنجست تطهر في الكثير والقليل إذا لم يكن لدسومتها جرم (١) وإلاّ فلا بدّ من إزالته أوّلاً ، وكذا اللّحم الدّسم والألية فهذا المقدار من الدسومة لا يمنع من وصول الماء.

[٣٤٣] مسألة ٣٦ : الظروف الكبار التي لا يمكن نقلها ، كالحب المثبت في الأرض ونحوه إذا تنجّست يمكن تطهيرها بوجوه أحدها : أن تملأ ماء ثم تفرغ ثلاث مرّات. الثاني : أن يجعل فيها الماء ثم يدار إلى أطرافها بإعانة اليد أو غيرها ثم يخرج منها ماء الغسالة ثلاث مرّات. الثالث : أن يدار الماء إلى أطرافها ، مبتدئاً بالأسفل إلى الأعلى ، ثم يخرج الغسالة المجتمعة ثلاث مرّات. الرابع : أن يدار كذلك لكن من أعلاها إلى الأسفل ثم يخرج ثلاث مرّات. ولا يشكل بأن الابتداء من أعلاها يوجب اجتماع الغسالة في أسفلها قبل أن يغسل ، ومع اجتماعها لا يمكن إدارة الماء في أسفلها ، وذلك لأن المجموع يعد غسلاً واحداً ، فالماء الذي ينزل من الأعلى يغسل كل ما جرى عليه إلى الأسفل (٢) ،

______________________________________________________

(١) بأن عدّت الدسومة من الأعراض الطارئة على اليد مثلاً ، فانّ العرض غير مانع عن وصول الماء إلى البشرة ويمكن معه تطهير اليد أو اللحم أو غيرهما بغسلها. وأما إذا كانت الدسومة معدودة من الجواهر والأجسام فلا ينبغي الشبهة في كونها مانعة عن الغسل ووصول الماء إلى البشرة ، فلا بدّ في تطهيرها حينئذ من إزالة الدسومة أوّلاً.

(٢) والدليل على تلك الوجوه موثقة عمار الواردة في كيفية تطهير الكوز والإناء بضميمة ما قدّمناه (١) في المسألة الرابعة عشرة من أنه لا موضوعية للتحريك الوارد في الموثقة ، وإنما هو مقدمة لإيصال الماء الطاهر إلى جميع أجزاء الكوز والإناء بأيّ وجه اتّفق ، فليلاحظ.

__________________

(١) في ص ٦٠.

٩٠

وبعد الاجتماع يعد المجموع غسالة ، ولا يلزم تطهير (*) آلة (١) إخراج الغسالة كل‌

______________________________________________________

(١) من اليد والخرقة ونحوهما. وقد يقال بأن الآلات المستعملة لإخراج الغسالة متنجسة لملاقاتها الغسالة وهي نجسة في غير الغسلة المتعقبة بطهارة المحل ، ومعه لا بدّ من تطهيرها كل مرة قبل إدخالها الإناء لإخراج الغسالة الثانية ، لاستلزام بقائها على نجاستها نجاسة الظروف المغسولة بملاقاتها ثانياً.

وهذا هو الصحيح ، وذلك لأن الوجه في الحكم بعدم لزوم تطهير الآلات المذكورة أحد أمرين :

أحدهما : إطلاق موثقة عمار الدالّة على طهارة الظروف بغسلها ثلاث مرات من غير تقييدها بتطهير الآلات المستعملة لإخراج الغسالة.

وثانيهما : أن الغسالة لا تكون منجّسة لما غسل بها.

وهذان الوجهان ساقطان ، أما أولهما فلما أورده صاحب الجواهر قدس‌سره من أن الموثقة غير مسوقة لبيان ذلك (٢) وإنما وردت لبيان أن الطهارة في مثل الكوز والإناء تحصل بغسله ثلاث مرّات ، والأمر كما أفاده قدس‌سره. وأما ثانيهما فلأن الغسالة وإن لم تكن منجسة لما غسل بها مطلقاً قلنا بطهارة الغسالة أم لم نقل لأن القول بكونها منجسة له يستلزم القول بتعذر تطهير المتنجسات وعدم إمكانه بغسلها ، وذلك لفرض أن الغسالة منجسة للمغسول بملاقاته فكيف تحصل الطهارة بغسله حينئذ. وعلى الجملة أن الغسالة غير منجسة لما غسل بها إما لطهارتها في نفسها ، وإما بتخصيص ما دلّ على منجسية المتنجسات بالإضافة إلى الغسالة فراراً عن المحذور المتقدِّم ذكره ، إلاّ أن ذلك إنما هو حال الغسل بالماء وإجرائه على المغسول وأما بعد غسله وإخراج الغسالة ، فلا يفرق بين تلك الغسالة وغيرها من المتنجسات بناء على أن الغسالة نجسة بحيث لو أصابت الإناء المغسول بها ثانياً أوجبت نجاسته.

__________________

(*) بل يلزم ذلك إلاّ إذا غسلت الآلة مع الظرف أيضاً.

(١) الجواهر ٦ : ٣٧٥.

٩١

مرّة وإن كان أحوط ، ويلزم المبادرة إلى إخراجها (*) عرفاً في كل غسلة ، لكن لا يضرّ الفصل بين الغسلات الثلاث ، والقطرات التي تقطر من الغسالة فيها لا بأس بها ، وهذه الوجوه تجري في الظروف غير المثبتة أيضاً وتزيد بإمكان غمسها في الكرِّ أيضاً ، وممّا ذكرنا يظهر حال تطهير الحوض أيضاً بالماء القليل (١).

[٣٤٤] مسألة ٣٧ : في تطهير شعر المرأة ولحية الرّجل لا حاجة إلى العصر وإن غسلا بالماء القليل ، لانفصال معظم الماء بدون العصر (٢).

[٣٤٥] مسألة ٣٨ : إذا غسل ثوبه المتنجِّس ، ثم رأى بعد ذلك فيه شيئاً من الطين أو من دقاق الأشنان الذي كان متنجساً ، لا يضرّ ذلك بتطهيره ، بل يحكم بطهارته (**) أيضاً ، لانغساله بغسل الثوب (٣).

______________________________________________________

وعليه لا بدّ من تطهير الآلة المستعملة لإخراج الغسالة قبل إدخالها الإناء حتى لا يتنجّس بها ثانياً.

(١) لزوم المبادرة العرفية إلى إخراج ماء الغسالة في كل غسلة ممنوع بتاتاً ، على ما أسلفناه في المسألة الثامنة والعشرين. على أنه يمكن أن يستدل على ما ذكرناه في خصوص المقام بإطلاق موثقة عمار (٣) وسكوته عليه‌السلام فيها عن بيانه مع أنه في مقام البيان.

(٢) إلاّ أن يكون الشعر كثيفاً لا ينفصل عنه الماء بطبعه ، فان حاله حال الصوف المجعول في اللّحاف ولا بدّ في مثله من إخراج الغسالة بالعصر أو بغيره.

(٣) قدّمنا في المسألة السادسة عشرة أن الأجسام غير القابلة للعصر كالطين ودقاق الأشنان في مفروض الكلام إذا نفذ الماء المتنجِّس في جوفها ، فان كانت جافّة كفى في تطهيرها أن تغمس في الماء العاصم أو يصب عليها الماء بمقدار يصل إلى‌

__________________

(*) على الأحوط الأولى.

(**) مرّ الإشكال في طهارة باطن الطين من دون تجفيف [ في المسألة ٣٣٠ ].

(١) الوسائل ٣ : ٤٩٦ / أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

٩٢

[٣٤٦] مسألة ٣٩ : في حال إجراء الماء على المحل النجس من البدن أو الثوب إذا وصل ذلك الماء إلى ما اتصل به من المحل الطاهر على ما هو المتعارف لا يلحقه حكم ملاقي الغسالة (*) حتى يجب غسله ثانياً ، بل يطهر المحل النجس بتلك الغسلة ، وكذا إذا كان جزء من الثوب نجساً فغسل مجموعة ، فلا يقال إن المقدار الطاهر تنجس بهذه الغسلة ، فلا تكفيه ، بل الحال كذلك إذا ضم مع المتنجِّس شيئاً آخر طاهراً ، وصبّ الماء على المجموع ، فلو كان واحد من أصابعه نجساً ، فضم إليه البقيّة وأجرى الماء عليها ، بحيث وصل الماء الجاري على النجس منها إلى البقيّة ، ثم انفصل تطهر بطهره. وكذا إذا كان زنده نجساً فأجرى الماء عليه ، فجرى على كفه ثم انفصل ، فلا يحتاج إلى غسل الكف لوصول ماء الغسالة إليها وهكذا (١). نعم لو طفر الماء من المتنجِّس حين غسله‌

______________________________________________________

أعماقها. وأما إذا كانت رطبة فيشكل الحكم بطهارتها بذلك ، إلاّ أن تجفّف أو يحرّك فيها الماء على نحو يغلب على الرطوبات الكائنة في جوفها ، أو تبقى في الماء الكثير مدة تحصل فيها غلبة الماء على رطوبتها.

(١) الكلام في هذه المسألة يقع في مراحل ثلاث :

المرحلة الأُولى : ما إذا كانت الغسالة طاهرة كما في الغسلة المتعقبة بطهارة المحل بناء على طهارتها كما هو الصحيح ، ولا إشكال في طهارة ملاقي تلك الغسالة فإنّه لا مقتضي لنجاسته ، وهذه الصورة غير مرادة للماتن قدس‌سره لأن كلامه إنما هو في طهارة ملاقي الغسالة المتنجسة وعدمها.

المرحلة الثانية : ما إذا كانت الغسالة محكومة بالنجاسة كما في غير الغسلة المتعقبة بطهارة المحل ، والتحقيق في هذه الصورة عدم طهارة الملاقي ، لنجاسة الغسالة وملاقاة المتنجِّس تقتضي النجاسة وهو ظاهر ، ولم يرد مخصص على قاعدة منجسية المتنجِّس في المقام ، ولا بدّ معه من غسل ملاقي الغسالة كما يجب غسل المتنجِّس من ثوب‌

__________________

(*) الظاهر أنه يلحقه حكم ملاقيها ، فاذا كانت الغسالة نجسة يحكم بنجاسته.

٩٣

وغيره ، ويكفي في طهارتهما الغسل مرّة واحدة ولو في غسالة المتنجِّس بالبول ، وذلك لأن المتنجِّس فرضنا أنه قد غسل مرّة واحدة وإلاّ لم يكن له غسالة حتى يحكم على ملاقيها بالنجاسة أو الطهارة فإذا غسل مرة ثانية حكم بطهارته لا محالة ، وأما كفاية المرّة الواحدة في ملاقي الغسالة فلأجل عدم كونه متنجساً بالبول حتى يجب غسله مرّتين ، وإنما هو متنجس بالمتنجس به وهي الغسالة.

المرحلة الثالثة : ما إذا كانت الغسالة من الغسلة المتعقبة بطهارة المحل إلاّ أنّا بنينا على نجاستها كما التزم به جماعة ومنهم الماتن قدس‌سره ولا ينبغي الإشكال في هذه الصورة في أن ملاقي الغسالة في الجملة محكوم بطهارته ، وذلك للسيرة القطعية الجارية على الاكتفاء بالغسل في تطهير المتنجسات ، مع أن غسل المتنجِّس يقتضي سراية الغسالة إلى جزء آخر من الأجزاء الطاهرة لا محالة ، ولا يمكن عادة غسل الموضع المتنجِّس من غير أن تسري الغسالة إلى شي‌ء من أطراف المحل ، هذا.

بل لا يمكن الالتزام بنجاسة ملاقي الغسالة في نفسه ، إذ مع القول بها لا يتيسر الاكتفاء بالغسل في تطهير المتنجسات ، إذ لا بدّ من غسل كل جزء لاقته الغسالة لنجاستها ، وإذن امتنع تطهير مثل الأرض أو غيرها من الأشياء الكبار ، فان غسل الموضع المتنجِّس منها يوجب سراية الغسالة وجريانها إلى جزء آخر من الأرض فلا يتحقّق تطهير الأرض مثلاً إلاّ بغسل الكرة بأسرها ، هذا.

على أنه يمكننا الاستدلال على طهارة الملاقي في مفروض الكلام بالأدلة الواردة في تطهير المتنجِّسات ، وذلك بدلالة الاقتضاء وبالإطلاق المقامي ، حيث دلّت على طهارة البدن أو الثوب بغسل الناحية التي أصابها دم أو مني أو غيرهما من النجاسات فلو قلنا بنجاسة ملاقي الغسالة لم يمكن تطهيرهما ولا تطهير غيرهما من المتنجسات بصبّ الماء على الموضع المتنجِّس منهما وغسله ، إذ كلما طهّرنا جانباً نجّسنا جانباً آخر فلا تتيسر الطهارة إلاّ بغسلهما بأسرهما ، ومعه تصبح الأدلّة الدالّة على كفاية غسل الناحية المتنجسة منهما لغواً ظاهراً ، فإنّه أي فائدة في غسل تلك الناحية مع عدم حصول الطهارة به.

٩٤

على محل طاهر من يده أو ثوبه يجب غسله بناء على نجاسة الغسالة وكذا لو وصل بعد ما انفصل عن المحل إلى طاهر منفصل ، والفرق أن المتصل بالمحل النجس يعد معه مغسولاً واحداً بخلاف المنفصل (١).

[٣٤٧] مسألة ٤٠ : إذا أكل طعاماً نجساً فما يبقى منه بين أسنانه باق على‌

______________________________________________________

مضافاً إلى أنّا نقطع بعدم وجوب غسل البدن والثوب أو غيرهما من المتنجسات بتمامه ، فيما إذا أصابت النجاسة جانباً منهما.

فإلى هنا ظهر أن ملاقي الغسالة في الجملة محكوم بالطهارة وإن قلنا بنجاسة الغسالة في نفسها ، إلاّ أن ما ذكرناه إنما هو في خصوص المقدار الذي تصل إليه الغسالة عادة وحسبما يقتضيه طبع الغسل ، ولا يعم ما إذا لم تكن إصابة الغسالة لمثله أمراً عاديا أو مما يقتضيه الغسل بطبعه ، والسر في ذلك أن طهارة الملاقي في مفروض الكلام لم تثبت بدليل لفظي حتى يتمسّك بعمومه أو إطلاقه بالإضافة إلى جميع الملاقيات وإنما أثبتناها بالسيرة ودلالة الاقتضاء ، ولا بدّ فيهما من الاقتصار على المقدار المتيقن وهي المواضع التي تصيبها الغسالة عادة وحسبما يقتضيه طبع الغسل.

وأما في المقدار الزائد على ذلك فاطلاقات الأدلّة الدالّة على نجاسة ملاقي النجاسات والمتنجسات يقتضي الحكم بنجاسته ، كما إذا طفرت الغسالة من موضع جريانها وأصابت جسماً آخر ، أو أنها أصابت جسماً طاهراً ملاصقاً للمتنجس المغسول ولكن العادة لم تكن جارية على وصول الغسالة إليه ، كما إذا تنجست إحدى أصابعه فضمها إلى غيرها من أصابعه وغسلها مرّة واحدة ، أو أنه وضع إصبعه على رأسه وغسلها ورأسه أو جميع بدنه دفعة واحدة ، وذلك لوضوح عدم جريان العادة على غسل سائر الأصابع والرأس أو بقية أجزاء البدن في غسل واحدة من الأصابع لإمكان الفصل بينهما ، وبهذا يظهر ما في كلام الماتن من المناقشة فلاحظ.

(١) قد استثنى قدس‌سره من الحكم بطهارة ملاقي الغسالة النجسة موردين :

أحدهما : ما إذا طفرت الغسالة من موضع جريانها إلى محل طاهر آخر.

وثانيهما : ما إذا انفصلت الغسالة من محلها وأصابت جسماً آخر منفصلاً عن المحل‌

٩٥

نجاسته ، ويطهر بالمضمضة (*) (١) وأما إذا كان الطعام طاهراً فخرج دم من بين أسنانه ، فان لم يلاقه لا يتنجّس ، وإن تبلل بالريق الملاقي للدم ، لأن الريق لا يتنجّس بذلك الدم ، وإن لاقاه ففي الحكم بنجاسته إشكال من حيث إنه لاقى النجس في الباطن لكن الأحوط الاجتناب عنه ، لأن القدر المعلوم أن النجس في الباطن لا ينجِّس ما يلاقيه ممّا كان في الباطن ، لا ما دخل إليه من الخارج. فلو كان في أنفه نقطة دم لا يحكم بتنجّس باطن الفم ، ولا بتنجّس رطوبته ، بخلاف ما إذا أدخل إصبعه فلاقته ، فان الأحوط غسله (٢).

______________________________________________________

النجس ، والأمر فيهما كما أفاده على ما فصّلناه في التعليقة المتقدِّمة فراجع ، هذا.

ثم إن في كلام الماتن تقييدين لم نقف على مأخذهما ولعلهما من سهو القلم :

أحدهما : تقييد الحكم بنجاسة الملاقي بما إذا انفصلت الغسالة عن المحل ، مع أن انفصالها غير معتبر في الحكم بنجاسة الملاقي قطعاً ، لأنها إذا أصابت جسماً آخر وهي في المحل أيضاً حكمنا بنجاسته إذا لم تجر العادة على وصول الغسالة إليه كما مرّ.

وثانيهما : تقييده بما إذا أصابت جسماً منفصلاً عن المحل النجس ، وهو أيضاً كسابقه لأنه تقييد بلا سبب ، لوضوح أن الغسالة بعد انفصالها أو قبله إذا أصابت جسماً متصلاً بالمحل النجس أيضاً أوجبت نجاسته ، بل لو أصابت بعد انفصالها نفس الموضع المغسول بها كانت موجبة لنجاسته ثانياً ، فالتقييد بما إذا كان الجسم منفصلاً مما لا وجه له.

(١) لأنّ الطعام المتنجِّس لا يعتبر في تطهيره أن يكون خارج الفم فان تطهيره في داخله كخارجه ، فاذا تمضمض على نحو وصل الماء إلى جوف المتنجِّس وهو في الفم حكم بطهارته.

(٢) قد أسبقنا الكلام على هذه المسألة في بحث النجاسات ، وقلنا إنه لم يقم دليل‌

__________________

(١) بشرط صدق الغسل.

٩٦

[٣٤٨] مسألة ٤١ : آلات التطهير كاليد والظرف الذي يغسل فيه تطهر بالتبع (*) فلا حاجة إلى غسلها ، وفي الظرف لا يجب غسله ثلاث مرّات (١) بخلاف ما إذا كان نجساً قبل الاستعمال في التطهير ، فإنّه يجب غسله ثلاث‌

______________________________________________________

على كون النجاسات في الباطن منجسة لملاقياتها ، ومن جملتها الدم حيث إن الأدلّة الواردة في نجاسته ومنجسيته تختص بالدم الخارجي كدم القروح والجروح والرعاف وغيرها من أقسام الدماء ، كما ذكرنا أن الجسم الطاهر إذا دخل الجوف ولاقى في الباطن نجساً لم يحكم بنجاسته فيما إذا خرج نظيفاً ، ومن هنا قلنا بطهارة شيشة الاحتقان الخارجة نظيفة وإن علم ملاقاتها شيئاً من النجاسات الباطنية ، والتفصيل موكول إلى محلِّه (١).

(١) الطهارة التبعية في مثل اليد والظروف وغيرهما من الآلات لم يقم عليها دليل والسيرة وإن جرت على عدم تطهير آلات الغسل بعد تطهير المتنجِّس إلاّ أنها غير مستندة إلى الطهارة التبعية ، بل الوجه فيها أن الآلات غالباً تغسل بنفسها حين غسل المتنجِّس ، فطهارتها مستندة إلى غسلها كما أن طهارة المغسول مستندة إلى تطهيره. ومن ثمة لو أصاب الماء أعالي اليد والظرف في غير الغسلة المتعقبة بطهارة المحل ولم يصلها الماء في الغسلة المطهرة ، لم يمكن الحكم بطهارتها لعدم الدليل على الطهارة التبعية كما مر.

والإطلاق المقامي في صحيحة محمد بن مسلم (٢) لو تم فإنّما يقتضي الحكم بالطهارة التبعية في المِركَن فحسب ولا دلالة لها على الطهارة التبعية في الإناء ، وذلك لأن المِركَن غير الإناء على ما مر تفصيله في محلِّه (٣). والمتحصل أن الآلات المستعملة في تطهير الأشياء المتنجسة إنما يحكم بطهارتها فيما إذا غسلت مع المغسول دون ما إذا لم تغسل كذلك.

__________________

(*) إذا غسلت مع المغسول.

(١) في المسألة [١٦١].

(٢) الوسائل ٣ : ٣٩٧ / أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٣) ص ٧٦.

٩٧

مرّات (*) كما مرّ (١).

الثاني من المطهِّرات : الأرض وهي تطهر باطن القدم والنعل بالمشي عليها (٢)

______________________________________________________

(١) تقدّم الوجه في ذلك والجواب عنه في المسألة الواحدة والعشرين وسابقتها فليراجع.

مطهِّريّة الأرض‌

(٢) قد اتفقوا على أن الأرض تطهر باطن القدم والنعل والخف وغيرها مما يتعارف المشي به كالقبقاب بعد زوال العين عنه ، بل ادعوا على ذلك الإجماع في كلماتهم. والمسألة مما لا خلاف فيه عدا ما ربما يحكى عن الشيخ قدس‌سره في الخلاف من قوله : إذا أصاب أسفل الخف نجاسة فدلكه في الأرض حتى زالت تجوز الصلاة فيه عندنا ، إلى أن قال : دليلنا : أنّا بيّنا فيما تقدم أن ما لا تتم الصلاة فيه بانفراده جازت الصلاة وإن كانت فيه نجاسة والخف لا تتم الصلاة فيه بانفراده ... (٢) فإنّ الظاهر من هذا الكلام أن الخف إذا أصابته النجاسة لا ترتفع نجاسته بالدلك على الأرض ، نعم يعفى عن نجاسته لأنه مما لا تتم فيه الصلاة.

وعن المحقق البهبهاني أن استدلال الشيخ قدس‌سره بذلك غفلة منه. وما ذكره قدس‌سره هو الوجيه ولا مناص من حمل الاستدلال المذكور على الاشتباه ، وذلك لأن تجويزه الصلاة في الخف في مفروض الكلام لو كان مستنداً إلى كون الخف مما لا تتم فيه الصلاة ، لأصبحت القيود المأخوذة في كلامه المتقدِّم نقله لغواً ظاهراً ، حيث إنّ صحّة الصلاة فيما لا تتم فيه غير مقيدة بوصول النجاسة إلى أسفله ولا بزوال النجاسة عنه ، ولا على إزالتها بدلكه بالأرض ، ضرورة أن النجاسة فيما لا تتم الصلاة فيه لا تكون مانعة عن صحتها سواء أصابت أسفله أم أعلاه وسواء زالت عنه العين أم‌

__________________

(*) تقدم الكلام فيه [ في المسألة ٣٢٧ ].

(١) الخلاف ١ : ٢١٧ المسألة ١٨٥.

٩٨

لم تزل ، كما في القلنسوة إذا أصابها البول ووضعها المكلف على رأسه فصلى مع بقاء العين فيها ، كما ورد في رواية زرارة (١) وإن لم يكن فيها تصريح ببقاء العين حال الصلاة ، وأيضاً سواء دلكه بالأرض أم لم يدلكه. وحيث إن تقييد موضوع الحكم بما لا يترتّب عليه أيّ أثر لغو ظاهر وبعيد الصدور من مثل الشيخ قدس‌سره ، فلا محالة يكون أخذها في كلامه قرينة ظاهرة على أن تجويزه الصلاة في الخف المتنجِّس مستند إلى طهارة أسفل الخف بالمشي به أو بدلكه على الأرض. فالاستدلال المتقدم محمول على الاشتباه ، ولا نرى مانعاً من صدور الاشتباه منه قدس‌سره لعدم عصمته عن الخطأ حيث إن العصمة لأهلها.

فالمتلخص : أن مطهرية الأرض لباطن النعل والقدم والخف وغيرها ممّا يتعارف التنعل به مما لا ينبغي الخلاف فيه.

وتدل على ذلك النصوص الواردة في المقام ، وجملة منها وإن كانت ظاهرة في إرادة الرجل والقدم أعني نفس العضو والبشرة فلا تعم ما قد يقترن بها من خف أو نعل أو غيرهما لعدم كونها نفس العضو والبشرة ولو تجوزاً بعلاقة المجاورة ومعه لا تكون الأرض مطهرة لغير العضو ممّا يتنعل به عادة ، إلاّ أنه لا بدّ من التعدي عن البشرة إلى كل ما يتعارف المشي به على الأرض لما ستقف عليه من الوجوه. وتوضيح الكلام في المقام يتوقف على نقل الأخبار الواردة في المسألة.

منها : صحيحة زرارة قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه؟ وهل يجب عليه غسلها؟ فقال : لا يغسلها إلاّ أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلِّي » (٢) وهي تامة الدلالة والسند إلاّ أنها مختصة بالرجل الظاهرة في إرادة نفس البشرة.

ومنها : ما عن معلى بن خنيس قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخنزير‌

__________________

(١) قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثم صليت فقال : لا بأس » الوسائل ٣ : ٤٥٦ / أبواب النجاسات ب ٣١ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٥٨ / أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٧.

٩٩

يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء ، أمرّ عليه حافياً؟ فقال : أليس وراءه شي‌ء جاف؟ قلت : بلى ، قال : فلا بأس إن الأرض يطهّر بعضها بعضاً » (١) وهي كسابقتها من حيث الدلالة واختصاصها بالبشرة.

ومنها : رواية حفص بن أبي عيسى قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن وطئت على عذرة بخفي ومسحته حتى لم أر فيه شيئاً ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال : لا بأس » (٢) وهي واردة في الخف.

ولكن قد يقال : إن نفي البأس عن الصلاة في الخف بعد مسحه وإزالة العين عنه لعلّه مستند إلى أن الخف مما لا تتم فيه الصلاة فلا يتيسر مع هذا الاحتمال أن يستدل بها على طهارة الخف بالمسح.

ويدفعه : أن الظاهر المستفاد من السؤال والجواب الواردين في الرواية أنهما راجعان إلى طهارة الخف ونجاسته ، ولا ظهور للرواية في السؤال عن كون الخف مما لا تتم فيه الصلاة ليكون الجواب ناظراً إليه.

على أن الإمام عليه‌السلام قرّر السائل على ما ارتكز في ذهنه من عدم جواز الصلاة في الخف على تقدير عدم إزالة العين عنه ، ولا خفاء في أن صحة الصلاة فيه لو كانت مستندة إلى كونه مما لا تتم فيه الصلاة ، لم يفرق في ذلك بين صورتي وجود العين وإزالتها على ما تقدمت الإشارة إليه سابقاً. وهذه قرينة واضحة على أن الرواية سيقت لبيان طهارة الخف بالمسح فلا مانع من الاستدلال بالرواية من هذه الجهة.

نعم ، الرواية ضعيفة السند بحفص بن أبي عيسى المجهول فلا يمكن الاعتماد عليها من هذه الجهة.

ومنها : صحيحة الأحول عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً ، قال : لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك » (٣) وهي أيضاً مطلقة كما يأتي عليها الكلام.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٣ : ٤٥٨ / أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٣ ، ٦.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٥٧ / أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ١.

١٠٠