موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٣٢٢] مسألة ١٥ : إذا شكّ في متنجِّس أنه من الظروف حتى يعتبر غسله ثلاث مرّات أو غيره حتى يكفي فيه المرّة ، فالظاهر كفاية المرّة (١).

______________________________________________________

أو أنه إنما ذكر مقدمة لإيصال الماء إلى أجزائه بحيث لو أوصلناه إليها بتوسط أمر آخر من دون تحريكه كفى في تطهيره ، كما إذا أملأناه ماء؟

الذي يستفاد من الأمر بتحريك الإناء في الموثقة حسب المتفاهم العرفي أنه طريق إلى إيصال الماء إلى أجزاء الإناء ولا موضوعية له في تطهيره ، وإن استشكل فيه صاحب الجواهر قدس‌سره نوع اشكال جموداً على ظاهر الموثقة (١) إلاّ أن مقتضى الفهم العرفي ما ذكرناه ، ومن المستبعد أن يفصّل في تطهير الأواني بين ما يمكن أن يستقر فيه الماء على نحو يمكن تحريكه وما لا يستقر فيه الماء ولا يمكن تحريكه ، كما إذا كان مثقوباً من تحته بحيث لا يبقى الماء فيه ، فهل يحكم ببقائه على النجاسة فيما إذا أوصلنا الماء إلى جميع أجزائه لغزارته؟ والمتحصل أن الماء الملاقي للإناء كالغسالة يقتضي طهارته بالانفصال عنه.

(١) الشك في أن المتنجِّس من الظروف والأواني ليجب غسله ثلاثاً أو سبعاً أو أنه من غيرهما ليكتفى في تطهيره بالغسلة الواحدة يتصور على نحوين :

فتارة يشك في ذلك من جهة الشبهة المفهومية لتردد مفهوم الإناء بين الأقل والأكثر ، كما إذا شككنا في أن الطست مثلاً هل يطلق عليه الإناء أو أنه خارج عن حقيقته لعدم كونه معداً للأكل والشرب منه. وأُخرى يشك فيه من جهة الشبهة الموضوعية لعمى أو ظلمة ونحوهما.

أما إذا شك فيه من جهة الشبهة المفهومية فيكتفى في تطهيره بالغسلة الواحدة وذلك لما حررناه في محله من أن تخصيص أيّ عام أو مطلق وإن كان موجباً لتعنون العام المخصّص بعنوان عدمي إذا كان العنوان المأخوذ في دليل المخصص عنواناً وجودياً لاستحالة الإهمال في مقام الثبوت ، فامّا أن يكون الموضوع في دليل العام‌

__________________

(١) الجواهر ٦ : ٣٧٦.

٦١

مطلقاً بالإضافة إلى العنوان الوارد في دليل الخاص ، وإما أن يكون مقيداً بوجوده أو بعدمه. والإطلاق والتقييد بالوجود لا معنى لهما مع التخصيص ، فيتعيّن أن يكون مقيداً بعدم ذلك العنوان الوارد في دليل المخصص ، ولا يفرق في ذلك بين العموم اللفظي وغيره ، فان المدار إنما هو على ما يستفاد منه عموم الحكم وسريانه سواء كان لفظياً أم غيره ، إلاّ أن هذا التقييد أعني تخصيص المطلق أو العام ورفع اليد عن إطلاقه أو عمومه إنما هو بمقدار ما قامت عليه الحجة والدليل ، وأما الزائد المشكوك فيه فالمحكم فيه هو الإطلاق أو العموم. إذا عرفت هذا فنقول :

إنّ العمومات والإطلاقات دلتا على كفاية الغسلة الواحدة في تطهير المتنجِّسات كقوله عليه‌السلام في موثقة عمار : « ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ... » (١) وقد ورد عليهما التخصيص بالإناء لوجوب غسله ثلاثاً أو سبعاً ، وحيث إنه مجمل على الفرض فيؤخذ منه بالمقدار المتيقّن وهو الأفراد التي يصدق عليها عنوان الظرف والإناء ، لأنها مما قامت الحجّة على خروجها عن العام فيتقيد بعدمه. وأما ما يشك في صدق الإناء عليه وهو المقدار الزائد المشكوك فيه فيرجع فيه إلى عموم العام أو إطلاقه لعدم قيام الحجة القطعية على خروجه عن العام حتى يتقيد بعدمه ، ومقتضى العموم أو الإطلاق كفاية الغسل مرة واحدة.

وأمّا إذا شك فيه من جهة الشبهة الموضوعية فلا مجال فيه للتمسك بعموم العام أو إطلاقه ، لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية لتردده بين دخوله تحت إحدى الحجتين ، فهل يتعيّن حينئذ الرجوع إلى استصحاب بقاء النجاسة فيما يشك في كونه ظرفاً بعد غسله مرّة واحدة بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية أو أن هناك أصلاً آخر ينقح به الموضوع؟

التحقيق هو الثاني ، لاستصحاب عدم كون الموجود الخارجي المشكوك فيه إناء ولا يبتني هذا الأصل على جريان الأصل في الأعدام الأزلية بوجه ، لأن جريان الأصل فيها وإن كان هو الصحيح إلاّ أن الأصل الجاري في المقام إنما يجري في العدم‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٤٢ / أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١.

٦٢

[٣٢٣] مسألة ١٦ : يشترط في الغسل بالماء القليل انفصال الغسالة على المتعارف (١) ففي مثل البدن ونحوه مما لا ينفذ فيه الماء يكفي صبّ الماء عليه وانفصال معظم الماء ، وفي مثل الثياب والفرش ممّا ينفذ فيه الماء لا بدّ من عصره (٢) أو ما يقوم مقامه كما إذا داسه برجله أو غمزه بكفِّه أو نحو ذلك ، ولا يلزم‌

______________________________________________________

النعتي دون الأزلي ، وذلك لأنّ الظرف والإناء لا يتكوّن إناء من الابتداء ، بل إنما يتشكّل بشكل الإناء بعد كونه مادة من الخزف أو الصفر أو النحاس أو نحوها ، وعليه فيصح أن يقال : إن هذا الجسم الخارجي لم يكن إناء في زمان قطعاً والأصل أنه الآن كما كان ، فمقتضى الاستصحاب الجاري في العدم النعتي أن المشكوك فيه ليس بإناء. نعم إذا فرضنا ظرفاً مخلوق الساعة بإعجاز ونحوه ، وشككنا في أنه إناء أو غيره لم يجر فيه استصحاب العدم النعتي إذ لا حالة سابقة له وينحصر الأصل حينئذ باستصحاب العدم الأزلي ، فما أفاده الماتن قدس‌سره من كفاية الغسلة الواحدة فيما شك في كونه إناء هو الصحيح.

(١) لأن عنوان الغسل يتوقف صدقه على انفصال الغسالة عن المغسول ، لوضوح أنه لو أخذ كفه وصبّ الماء عليه بحيث لم تنفصل عنها الغسالة لم يصدق أنه غسل يده.

(٢) لما مرّ من أن انفصال الغسالة معتبر في تحقق الغسل ، وهي فيما يرسب فيه الماء وينفذ في أعماقه لا تنفصل إلاّ بعصره فالعصر أيضاً معتبر في تحقّق مفهوم الغسل وصدقه ، إلاّ أنه لا بما هو هو بل بما أنه مقدمة لانفصال الغسالة عن المغسول ، بحيث لو انفصلت بغيره مما يفيد فائدته من فرك أو دلك أو نحوهما كفى في تحقق الغسل وطهارة المغسول.

وربما يتوهم اعتبار العصر هو هو لوروده في حسنة الحسين بن أبي العلاء حيث قال عليه‌السلام : « تصب عليه الماء قليلاً ثم تعصره » (١). ويدفعه : أنّ العصر في الحسنة محمول على الاستحباب كما مرت الإشارة إليه سابقاً (٢). على أنه يحتمل أن‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٩٧ / أبواب النجاسات ب ٣ ح ١.

(٢) في ص ١٣.

٦٣

انفصال تمام الماء ، ولا يلزم الفرك والدّلك إلاّ إذا كان فيه عين النجس أو المتنجِّس (١)

______________________________________________________

يكون من جهة الجري مجرى العادة لأن العصر هو الغالب في غسل الثوب ونحوه.

(١) هل يعتبر في التطهير الدلك بعد الغسل؟

قد يقال باعتباره نظراً إلى وروده في تطهير الإناء كما في موثقة عمار : « وسئل أيجزئه أن يصب فيه الماء؟ قال : لا يجزئه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرّات » (١) ونسب اعتباره إلى العلاّمة قدس‌سره وأنه تعدّى عن إناء الخمر وأوجب الدلك في مطلق المتنجسات الصلبة (٢).

ويدفعه : أن الموثقة إنما اشتملت على الدلك بعد الصبّ ولم تدل على لزوم الدلك بعد الغسل ، كما أنها إنما وردت في الإناء المتنجِّس بالخمر لا في مطلق المتنجِّس بمطلق النجاسات ، ولعلّ اعتبار الدلك في مورد الموثقة مستند إلى أن للخمر على ما يدعون ثخونة ورسوباً لا تزولان بصبّ الماء عليه ولا سيما في الأواني المصنوعة من الخشب أو الخزف ، بل يتوقف على الدلك وعليه فاعتباره في مورد الموثقة مطابق للقاعدة من دون اختصاصه بالإناء المتنجِّس بالخمر ، لأن المتنجِّس لا بدّ من غسله على نحو يزول عنه عين النجس ، فان كانت العين مما يزول بالصب أو الغسل فهو وإلاّ فلا بد من دلكها حتى تزول.

ويدلُّ على ذلك ما ورد في حسنة الحسين بن أبي العلاء حيث سأل عن البول يصيب الجسد ، قال : صب عليه الماء مرتين فإنّما هو ماء ... (٣) حيث علل كفاية الصب في التطهير عن البول بأنه كالماء أمر قابل للارتفاع بالصب وإنما لا يكتفى بالصب فيما لا يزول به ، فاعتبار الدلك في الموثقة مستند إلى ما ذكرناه وغير مستند إلى اعتباره في تطهير المتنجسات. ويؤيده بل يدل عليه عدم ورود الأمر بذلك في شي‌ء من الأخبار الواردة في التطهير.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٩٤ / أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

(٢) النهاية ١ : ٢٧٧.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٩٥ / أبواب النجاسات ب ١ ح ٤.

٦٤

وفي مثل الصابون والطين ونحوهما مما ينفذ فيه الماء ولا يمكن عصره ، فيطهر ظاهره بإجراء الماء عليه ، ولا يضره بقاء نجاسة الباطن على فرض نفوذها فيه (١)

______________________________________________________

(١) قد تعرض قدس‌سره في هذه المسألة لعدة فروع.

منها : تطهير المتنجِّس الذي لا يرسب فيه الماء ولا ينفذ إلى أعماقه ، وقد تقدّم آنفاً أن في تطهيره بالماء القليل يكفي مجرد الصب عليه مشروطاً بانفصال الغسالة عنه كما في البدن ونحوه.

ومنها : تطهير المتنجِّس الذي يرسب فيه الماء وهو قابل للعصر أو ما يقوم مقامه. وقد عرفت أن في تطهيره بالماء القليل لا بدّ من صبّ الماء عليه وعصره أو دلكه أو غيرهما مما ينفصل به الغسالة عن الجسم.

ومنها : المتنجِّس الراسب فيه الماء وهو غير قابل للعصر وشبهه كالصابون والطين والحنطة والشعير ونحوها ، فقد ذكر قدس‌سره أن إجراء الماء على مثله يكفي في الحكم بطهارة ظاهره ولا يضره بقاء الباطن على نجاسته على تقدير نفوذها فيه. وهذه المسألة يقع الكلام فيها من جهات ثلاث :

الاولى : أن الجسم القابل لأن يرسب فيه الماء إذا تنجس ظاهره بشي‌ء فهل يمكن تطهير ظاهره بالماء القليل؟

قد يقال بعدم إمكان ذلك ، لاشتراط انفصال الغسالة عن المغسول في الغسل بالماء القليل ، وهذا لا يتحقق في الأجسام غير القابلة للعصر فيما إذا نفذ الماء في جوفها لأنه لا ينفصل عن مثلها سوى المقدار غير الراسب في جوفها ، ومع عدم انفصال الغسالة يبقى المتنجِّس على نجاسته ، لأن الماء الكائن في جوفها ماء قليل لاقاه المتنجِّس ونجّسه وهو يوجب نجاسة المغسول لا محالة.

هذا ، ولا يخفى عدم إمكان المساعدة عليه ، وذلك لأنّا وإن اشترطنا انفصال الغسالة في التطهير إلاّ أن المعتبر إنما هو انفصالها عن الموضع المتنجِّس المغسول لا عن تمام الجسم ، بحيث لو انفصلت عن محل الغسل واجتمعت في مكان آخر من الجسم كفت في طهارة الموضع الذي انفصلت الغسالة عنه ، مثلاً إذا غسل الموضع المتنجِّس‌

٦٥

من يده وانفصلت الغسالة عنه واجتمعت في كفه حكم بطهارة ذلك الموضع لا محالة. وكذلك الحال في تطهير الموضع المتنجِّس من الأرض فإن انفصالها عن موضع الغسل يكفي في طهارته وإن اجتمعت في جانب آخر من الأرض ، وعليه يكفي انفصال الغسالة عن ظاهر مثل الصابون في الحكم بطهارة ظاهره وإن صارت مجتمعة في جوفه ، فلا مانع من تطهير الأجسام غير القابلة للعصر بالماء القليل وإن نفذ في جوفها.

الجهة الثانية : أن الغسالة النافذة في جوف الأجسام المذكورة هل تنجّس بواطنها بناء على نجاسة الغسالة؟

التحقيق أنها لا تنجّس البواطن ، لأن ما ينفذ في جوفها إنما هو من الأجزاء المتخلِّفة من الغسالة والمتخلف منها محكوم بالطهارة بطهارة المحل ، لأنه من لوازم الغسل التي يحكم بطهارتها بتماميته ، وذلك للأمر بغسل المتنجسات ودلالة الروايات على طهارتها بذلك ، ومعه لا مناص من الالتزام بطهارة كل ما هو من لوازم غسلها وتطهيرها ، وقد عرفت أن بقاء مقدار من الغسالة في المغسول أمر لازم لغسله ، فنفوذ الغسالة في الأجسام المذكورة لا يوجب نجاسة بواطنها.

الجهة الثالثة : أن بواطن الأجسام المذكورة إذا تنجست قبل غسلها وتطهيرها فهل تطهر بصبّ الماء على ظواهرها بمقدار يصل جوفها؟ فقد يقال بالمنع عن طهارة جوفها بذلك بدعوى أن الطهارة إنما تحصل بالغسل ، وصبّ الماء على ظاهر الجسم لا يعد غسلاً لباطنه بوجه ، هذا.

والصحيح كفاية ذلك في تطهير بواطن الأجسام ، لأن غسل كل شي‌ء إنما هو بحسبه فرب شي‌ء يكتفى في غسله بصبّ الماء عليه وانفصال الغسالة عنه كما في البدن ونحوه ، وشي‌ء يعتبر فيه عصره ولا يكفي صبّ الماء عليه ، ففي بواطن الأجسام المذكورة يكتفى بصبّ الماء على ظواهرها إلى أن يصل الماء الطاهر إلى جوفها لأنه غسلها. وأمّا استكشاف أن ذلك يعدّ غسلاً للبواطن فهو إنما يحصل بملاحظة كيفية إزالة القذارات لدى العرف ، فترى أن العرف يكتفي في تطهير ما وقع في البالوعة وتقذر جوفها لذلك ، بصبّ الماء على ظاهره حتى ينفذ الماء الطاهر في أعماقه ، فإذا‌

٦٦

كان هذا طريق الإزالة لدى العرف فلا مناص من الحكم بكفايته في حصول الطهارة لدى الشرع ، لأن ما أمر به في الروايات من الغسل إنما هو الغسل الذي يكون غسلاً لدى العرف ، وعليه فمقتضى عموم أو إطلاق ما دلّ على طهارة المتنجِّس بغسله ، طهارة البواطن أيضاً بما ذكرناه ، هذا.

وقد يستدل على طهارة البواطن بصبّ الماء على ظواهرها بحديث نفى الضرر ، لأن بقاءها على نجاستها ضرر على مالكها ، إذ النجاسة مانعة عن أكلها أو استعمالها فيما يشترط فيه الطهارة. ويجاب عنه بأن الحديث إنما ينفي الأحكام الضررية التكليفية ولا يعم الأحكام الوضعية التي منها الطهارة والنجاسة.

وهذا الاستدلال والجواب لا يرجعان إلى محصل :

أمّا الجواب فلما قدمناه في محله من أن حديثي الرفع ونفي الضرر وكذلك ما دلّ على نفي العسر والحرج غير مختصة بالأحكام التكليفية ، ومن هنا استدلوا على عدم لزوم المعاملة الغبنية بحديث نفي الضرر ولم يستشكل عليهم بعدم جريان الحديث في الأحكام الوضعية.

وأمّا الاستدلال فلما بيّناه في حديث نفي الضرر من أنه إنما ينظر إلى الأحكام المجعولة في الشريعة المقدسة ، ويدلُّ على أن ما يلزم منه الضرر في مورد فهو مرفوع لا محالة ، ولا نظر لها إلى الأحكام المعدومة بوجه ، فلو لزم من عدم جعل حكم في مورد ضرر على أحد المكلفين لم يقتض الحديث جعل ذلك الحكم في الشريعة المقدّسة ، فإن عدم جعل الحكم ليس من الأحكام الضررية ، والأمر في المقام كذلك لأنّ الضرر إنما ينشأ عن عدم جعل مطهّر لتلك الأجسام ، فالحديث لا يقتضي جعل مطهّر لها في الشرع. نعم ، لو أرجعنا الحديث إلى منشأ عدم جعل الطهارة للبواطن وهو نجاسة تلك الأجسام ، صح أن يقال إنها حكم ضرري فيرتفع بالحديث ، إلاّ أن ارتفاع النجاسة عن الأجسام المذكورة خلاف المقطوع به لليقين بنجاستها على الفرض.

على أن ذلك خلاف ما نطقت به الأخبار حيث إنها تدل على نجاسة جملة من الأُمور الموجبة للضرر ، كما دلّ على لزوم إهراق الإناءين اللذين وقع في أحدهما غير‌

٦٧

وأمّا في الغسل بالماء الكثير فلا يعتبر انفصال الغسالة (١) ولا العصر (٢) ولا التعدّد (*) (٣) وغيره ، بل بمجرد غمسه في الماء بعد زوال العين يطهر ،

______________________________________________________

المعيّن نجس (٢) وما ورد في نجاسة الدهن بوقوع النجس عليه وأنه يطرح أو يستصبح به إذا كان ذائباً (٣) مع أن نجاسة الماء أو الدهن موجبة للضرر على المكلفين. فالصحيح في الحكم بطهارة بواطن الأجسام المذكورة ما ذكرناه من التمسك بالعمومات والمطلقات.

(١) شرع قدس‌سره في أحكام الغسل بالماء الكثير ، وذكر أن الأجسام التي لا ترسب فيها النجاسة ولا ينفذ فيها الماء تطهر بوصول الماء الكثير إليها من غير حاجة إلى انفصال غسالتها ، والأمر كما أفاده لصدق عنوان الغسل في الأجسام التي لا يرسب فيها الماء بمجرّد وصوله إليها من دون أن يتوقّف على انفصال الغسالة عنها فلو أدخل يده المتنجسة في الماء الكثير صدق أنه غسل يده وإن لم يخرجها عن الماء.

(٢) عدم اعتبار العصر وانفصال الغسالة إنما هو فيما لا يرسب فيه الماء ولا يمكن عصره ، وأما ما ينفذ الماء في جوفه وهو قابل للعصر كالثياب المتنجسة بالبول ونحوه فلا يفرق الحال في تطهيره بين غسله بالماء الكثير وغسله بالقليل ، وذلك لأن العصر وإن لم يرد اعتباره في شي‌ء من رواياتنا ، إلاّ أنّا بيّنّا أنّ الغسل لا يتحقّق بدونه وأنه مأخوذ في مفهومه بما هو طريق إلى إخراج الغسالة لا بما هو هو ، ومن هنا نكتفي في تحققه بالدلك وغيره مما يقوم مقامه ومعه لا وجه لتخصيص اعتبار العصر بالغسل في القليل.

(٣) أي في تطهير الأجسام التي لا ينفذ فيها الماء ، وقد قدمنا تفصيل الكلام في‌

__________________

(*) الظاهر اعتبار العصر أو ما بحكمه في غسل الثياب ونحوها بالماء الكثير أيضاً ، وقد مرّ حكم التعدّد وغيره [ في صدر هذا الفصل ].

(١) راجع حديثي عمار وسماعة المرويتين في الوسائل ١ : ١٥٥ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٤ ، وص ١٥١ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٧ : ٩٧ / أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٢.

٦٨

ويكفي في طهارة أعماقه إن وصلت النجاسة إليها نفوذ الماء الطاهر فيه في الكثير ، ولا يلزم تجفيفه (*) أولاً. نعم ، لو نفذ فيه عين البول مثلاً مع بقائه فيه يعتبر تجفيفه بمعنى عدم بقاء مائيته فيه ، بخلاف الماء النجس الموجود فيه فإنّه بالاتصال بالكثير يطهر فلا حاجة فيه إلى التجفيف (١).

______________________________________________________

ذلك (٢) وقلنا إن التعدّد المدلول عليه في موثقة عمار المقيدة لإطلاقات أدلّة الغسل في الأواني إنما يختص بالغسل بالماء القليل.

وأما في الغسل بالكثير فمقتضى الإطلاقات عدم اعتبار التعدّد فيه. وأما التعدّد المدلول عليه بالمطلقات كما في التعدّد في المتنجِّس بالبول أو الإناء الذي شرب منه الخنزير أو مات فيه الجرذ فهو عام لا يختص اعتباره بالغسل بالقليل ، بل مقتضى الإطلاق وجوب التعدّد في كل من القليل والكثير. نعم ، خرجنا عن ذلك في خصوص غسل المتنجِّس بالبول في ماء جار لصحيحة محمد بن مسلم المصرحة بكفاية الغسل فيه مرّة واحدة (٣).

(١) تعرض قدس‌سره لحكم الأجسام التي ينفذ فيها الماء وهي غير قابلة للعصر كالصابون والحنطة والطين ، ورأى أن نفوذ الماء الطاهر الكثير في أعماقها كاف في الحكم بطهارتها ، وأن ما في جوفها إذا كان غير العين النجسة كالماء المتنجِّس لم يلزم تجفيفها أولاً ، بل يطهرها مجرد اتصال ما في جوفها بالماء الكثير لكفاية اتصال الماء المعتصم في طهارة الماء المتنجِّس. وأما إذا كان ما في جوفها هو العين النجسة كالبول فلا مناص من تجفيفها أولاً حتى تذهب مائيتها وإن بقيت رطوباتها ثم يوصل الماء الكثير إلى جوفها ، وذلك لأن العين الموجودة في جوف الأجسام المذكورة مانعة عن وصول الماء المعتصم إليها. هذا ما أفاده قدس‌سره في المقام.

__________________

(*) الظاهر أنه يعتبر في صدق الغسل تجفيفه أو ما يقوم مقامه من التحريك في الماء أو إبقائه فيه بمقدار يعلم بخروج الأجزاء المائية النجسة من باطنه.

(١) في ص ٤١ ، ٥٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٩٧ / أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

٦٩

[٣٢٤] مسألة ١٧ : لا يعتبر العصر ونحوه فيما تنجس ببول الرضيع وإن كان مثل الثوب والفرش ونحوهما ، بل يكفي صبّ الماء عليه مرة على وجه يشمل جميع أجزائه ، وإن كان الأحوط مرتين. لكن يشترط أن لا يكون متغذياً معتاداً بالغذاء ، ولا يضرّ تغذيه اتفاقاً نادراً ، وأن يكون ذكراً لا أُنثى على الأحوط ، ولا يشترط فيه أن يكون في الحولين ، بل هو كذلك ما دام يعد رضيعاً غير متغذ ، وإن كان بعدهما ، كما أنه لو صار معتاداً بالغذاء قبل الحولين لا يلحقه الحكم المذكور بل هو كسائر الأبوال (١)

______________________________________________________

ولا يمكن المساعدة عليه ، لأن الموجود في أعماق الأجسام المتنجسة لا يطلق عليه الماء ليكتفى في تطهيره بمجرد اتصاله بالماء الكثير وإنما هو رطوبات ، والمستفاد من صحيحة ابن بزيع وغيرها إنما هو كفاية الاتصال بالماء العاصم في تطهير المياه المتنجسة ، وأما غيرها فلا دليل على طهارتها بذلك ، فلا يمكن الحكم بطهارة الرطوبات المتنجسة باتصالها بالماء المعتصم في بعض أطرافها ، كما أن الاتصال كذلك بالنجس لا يوجب نجاسة الجميع ، حيث إن النجس إذا لاقى أحد أطراف الجسم الرطب لم يحكم بنجاسة سائر جوانبه بدعوى أن الرطوبات متصلة ، فكما أنها لا توجب السراية في ملاقاة الأشياء النجسة كذلك لا توجب سراية الطهارة في موارد الاتصال بالماء الكثير ، أترى أن الجسم الرطب إذا لاقى أحد جوانبه الطاهرة مع الماء العاصم يكفي ذلك في تطهير الجانب النجس منه؟

وعليه فلا بد في تطهير أمثال هذه الأجسام المتنجسة من إبقائها في الماء المعتصم بمقدار يصل إلى جميع أجزائها الداخلية ، لغلبته على ما في جوفها من الرطوبات ، أو تحريك الماء في جوفها على نحو تحصل الغلبة.

(١) قدّمنا الكلام على ذلك في المسألة الرابعة مفصّلاً (١) وتعرضنا هناك لجميع ما تعرض لها الماتن قدس‌سره هنا من الشروط ، سوى اشتراط كون اللبن من المسلمة وأنه إذا كان من الكافرة أو الخنزيرة حكم بوجوب غسله. ويقع الكلام فيها‌

__________________

(١) في ص ٣٠.

٧٠

وكذا يشترط (*) في لحوق الحكم أن يكون اللبن من المسلمة فلو كان من الكافرة لم يلحقه ، وكذا لو كان من الخنزيرة (١).

______________________________________________________

وفيما دلّ على هذا الاشتراط في التعليقة الآتية فليلاحظ.

(١) قد يقال : الوجه في هذا الاشتراط هو ما يستفاد من التعليل الوارد في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام أن عليّاً عليه‌السلام قال : « لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأن لبنها يخرج من مثانة أُمها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم ، لأن لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين » (٢). حيث يستفاد منها أن العلة في الغسل من لبن الجارية وبولها هي نجاسة لبنها لخروجه من مثانة أُمها ، كما أن العلة في عدم لزوم الغسل من لبن الغلام وبوله طهارة لبنه ، لأنه يخرج من العضدين والمنكبين ، وبتعليلها هذا يتعدى من موردها إلى كل لبن نجس كلبن الكلبة والخنزيرة والمشركة والكافرة فاذا ارتضع به الولد وجب الغسل من بوله.

وهذا الاستدلال مخدوش من جهات :

الاولى : أن لازم هذا الكلام هو الحكم بوجوب الغسل من بول الغلام فيما إذا ارتضع بلبن امرأة ولدت جارية ، وعدم وجوبه من بول الجارية التي ارتضعت بلبن امرأة ولدت ذكراً ، والوجه في الملازمة ظاهر لأن الجارية حينئذ ارتضعت باللبن الطاهر دون الغلام ، وقد فرضنا أن نجاسة اللبن هي العلة في الحكم بوجوب الغسل من بول الجارية ، وهذا مما لا يلتزم به أحد.

الثانية : أن خروج اللبن من المثانة على تقدير تسليمه لا يقتضي نجاسته ، كيف فان المذي والودي أيضاً يخرجان من المثانة من دون أن يحكم بنجاستهما ، فان ما خرج من المثانة لم يدل دليل على نجاسته إلاّ إذا كان بولاً أو منياً.

__________________

(*) على الأحوط ، والأظهر عدم الاشتراط.

(١) الوسائل ٣ : ٣٩٨ / أبواب النجاسات ب ٣ ح ٤.

٧١

الثالثة : أن الرواية لا يحتمل صحتها ومطابقتها للواقع أبداً ، للقطع بعدم اختلاف اللبن في الجارية والغلام من حيث المحل ، بأن يخرج لبن الجارية من موضع ويخرج لبن الغلام من موضع آخر ، لأن الطبيعة تقتضي خروج اللبن عن موضع معيّن في النساء بلا فرق في ذلك بين كون الولد ذكراً أو أُنثى ، فإذا سقطت الرواية عن الحجية من هذه الجهة أعني دلالتها على خروج لبن الجارية من مثانة أُمها ، فلا محالة تسقط عن الحجية في الحكم المترتب عليه وهو الحكم بوجوب الغسل من بول الرضيع فيما إذا ارتضع باللبن النجس.

ودعوى : أن سقوط الرواية عن الحجية في بعض مداليلها لا يكشف عن عدم حجيتها في بعض مدلولاتها الأُخر لعدم قيام الدليل على خلافه.

مدفوعة : بما ذكرناه غير مرة من أن الدلالات الالتزامية تابعة للدلالات المطابقية حدوثاً وحجية ، فاذا سقطت الرواية عن الاعتبار في مدلولها المطابقي سقطت عن الحجية في مدلولها الالتزامي أيضاً لا محالة ، وحيث إن في الرواية ترتب الحكم بوجوب الغسل من لبن الجارية على خروج لبنها من مثانة أُمها ، وقد سقطت الرواية عن الحجية فيما يترتّب عليه ذلك الحكم لعلمنا بعدم مطابقته للواقع ، سقطت عن الحجية في الحكم المترتب أيضاً وهو وجوب الغسل من لبن الجارية وبولها. وما أشبه دعوى بقاء الرواية على حجيتها في مدلولها الالتزامي بعد سقوطها عن الحجية في المدلول المطابقي ، باستدلال بعض أهل الخلاف على جواز الجمع بين الفريضتين للمطر والخوف والمرض بل وللسفر ونحوه من الأعذار ، بما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنه جمع بينهما في الحضر من غير عذر وقالوا إن هذه الرواية وإن كان لا بدّ من طرحها لكونها مقطوعة الخلاف إلاّ أنها تدلنا على جواز الجمع بينهما للمطر وغيره من الأعذار المتقدِّمة بالأولوية (١). فإنّهم قد أسقطوا الرواية في مدلولها المطابقي‌

__________________

(١) الجزء الثاني من المنتقى لابن تيمية الحراني ص ٤ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر ، قيل لابن عباس ما أراد بذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أُمته ، قلت : وهذا يدل بفحواه على الجمع للمطر وللخوف

٧٢

[٣٢٥] مسألة ١٨ : إذا شك في نفوذ الماء النجس في الباطن في مثل الصابون ونحوه بُني على عدمه (١) كما أنه إذا شك بعد العلم بنفوذه في نفوذ الماء الطاهر فيه بُني على عدمه (٢) فيحكم ببقاء الطهارة في الأوّل وبقاء النجاسة في الثاني.

[٣٢٦] مسألة ١٩ : قد يقال بطهارة الدهن المتنجِّس إذا جعل في الكر الحار بحيث اختلط معه ، ثم أُخذ من فوقه بعد برودته لكنّه مشكل (٣) لعدم حصول العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه ، وإن كان غير بعيد (*) إذا غلى الماء مقداراً من الزمان.

______________________________________________________

عن الاعتبار بدعوى أنها مقطوعة الخلاف ، مع تمسكهم بمدلولها الالتزامي كما عرفت وهو من الغرابة بمكان.

الجهة الرابعة : وهي أسهل الجهات ، أن الرواية ضعيفة السند فان في طريقها النوفلي عن السكوني ، والسكوني وإن كان لا بأس برواياته إلاّ أن النوفلي ضعيف ولم يوثّقه علماء الرجال.

(١) لاستصحاب عدم نفوذ الماء النجس في باطنه.

(٢) لاستصحاب عدم نفوذ الماء الطاهر فيه.

(٣) والوجه في ذلك أن الدهن المنتشر في الماء قد تكون أجزاؤه المتفرقة من الدقة والصغر بمكان يعد عرفاً من الأعراض الطارئة على الماء ، وإن كان في الحقيقة باقياً على جوهريته السابقة على الانتشار إذ الجوهر يمتنع أن يتبدل عرضاً ، إلاّ أنه إذا تشتت وصار أجزاء صغاراً عد بالنظر العرفي عرضاً على الماء ، نظير الدسومة السارية من اللحم إلى اليد أو الإناء. فإنّها لدقتها وصغرها معدودة من عوارض اليد وطوارئ الإناء ، وإن كانت في الحقيقة جوهراً وقابلاً للانقسام إلى اليمين واليسار وإلى غير ذلك من الجهات بناء على استحالة الجزء الذي لا يتجزأ.

__________________

وللمرض ، وإنما خلف وظاهر منطوقه في الجمع لغير عذر للإجماع ولأخبار المواقيت فيبقى فحواه على مقتضاه. انتهى.

(*) بل هو بعيد جدّاً.

٧٣

[٣٢٧] مسألة ٢٠ : إذا تنجّس الأرز أو الماش أو نحوهما يجعل في وصلة ( خرقة ) ويغمس في الكر ، وإن نفذ فيه الماء النجس يصبر حتى يعلم نفوذ الماء‌

______________________________________________________

ولا مانع في هذه الصورة من الحكم بطهارة الدهن إذا أُخذت أجزاؤه المنتشرة على الماء لكونها مأخوذة من الماء الطاهر على الفرض. ولعل الماتن إلى ذلك أشار بقوله : « وإن كان غير بعيد إذا غلى الماء مقداراً من الزمان » إلاّ أن هذه الصورة خارجة عن محل الكلام ، لأنّ البحث إنما هو في طهارة الدهن المتنجِّس مع بقائه على دهنيّته وجوهريّته لا فيما إذا انعدم موضوعه بصيرورته من عوارض الماء.

وقد يلقى الدهن المتنجِّس على الكر فيغلي وبعد ما برد يؤخذ مِن على الماء مع بقائه على دهنيته من دون أن يصير من عوارض الماء. ولا يمكن الحكم بطهارته في هذه الصورة بوجه ، لأن المطهر لا يصل إلى جميع أجزاء الدهن مرة واحدة ، وإنما يلاقي الماء جانباً من الأجزاء الدهنية فحسب ولا يلاقي بقية جوانبها ، وهذا لا يكفي في الحكم بطهارة الدهن أبداً ، لأن الغليان يوجب الانقلاب وبه يتبدل الداخل خارجاً وبالعكس ، ومعه إذا طهّرنا الجانب الخارج من الدهن بإيصال الكر إليه تنجس بملاقاة الجانب الداخل عند صيرورة الخارج داخلاً بالغليان ، لعدم وصول المطهر إلى الأجزاء الدهنية بجميع جوانبها وأطرافها دفعة واحدة. نعم إذا انقلب ذلك الجزء الداخل المتنجِّس خارجاً طهر لاتصاله بالكر ، وعليه فكل واحد من الأجزاء الخارجية إذا دخل الجوف تنجس ، وإذا خرج طهر فلا يحصل بذلك طهارة الدهن كما عرفت.

نعم ، يمكن تطهير الدهن المتنجِّس بطريق آخر أشار الماتن إليه في المسألة الرابعة والعشرين وهو بأن يلقى الدهن المتنجِّس على العجين فيطبخ وإذا صار خبزاً سلط الماء عليه بمقدار يصل إلى جميع أجزائه وجوانبه ، والوجه في طهارته بذلك أن الدهن حينئذ من عوارض الخبز لعدم كونه معدوداً من الجواهر عرفاً ، ومعه إذا طهّرنا الخبز طهرت عوارضه تبعاً لا محالة ، وحاصل هذا الطريق تطهير الأدهان المتنجِّسة بإعدام موضوعها وقلبها عرضاً.

٧٤

الطاهر إلى المقدار الذي نفذ فيه الماء النجس (١) ، بل لا يبعد تطهيره بالقليل بأن يجعل في ظرف ويصب عليه ثم يراق غسالته ، ويطهر الظرف أيضاً بالتبع فلا حاجة إلى التثليث (*) فيه وإن كان هو الأحوط. نعم لو كان الظرف أيضاً نجساً فلا بدّ من الثلاث (٢).

______________________________________________________

(١) قد اتضح حكم هذه المسألة ممّا أسلفناه (٢) في تطهير الصابون وغيره من الأجسام التي ينفذ في جوفها الماء ولا يمكن إخراج غسالتها بعصرها فان الأرز والماش أيضاً من هذا القبيل ، وقد بيّنا أن تطهير تلك الأجسام إنما هو بإيصال الماء الطاهر إلى جوفها فراجع ، هذا وقد تعرّض الماتن في هذه المسألة لحكم فرع آخر وهو طهارة ظرف المتنجِّس بالتبع نتعرّض له في التعليقة الآتية ، فليلاحظ.

(٢) ذهب قدس‌سره إلى أن المحل الذي يجعل فيه المتنجِّس لا يحتاج إلى تطهيره بعد غسل المتنجِّس فيه بل يحكم بطهارة المحل بالتبع ، فاذا كان ذلك المحل من الأواني والظروف التي يعتبر في تطهيرها الغسل ثلاث مرات وكانت طاهرة قبل أن يغسل فيها المتنجِّس لم يجب غسلها ثلاثاً. نعم إذا كانت متنجسة قبل ذلك لم يكن بد من غسلها ثلاث مرّات ، وذلك لأنها إذا كانت متنجسة سابقاً شملها إطلاق موثقة عمار الآمرة بغسل الإناء ثلاث مرّات (٣) وهذا بخلاف ما إذا كانت طاهرة قبل ذلك فان مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم « اغسله في المِركَن مرّتين » (٤) هو الحكم بطهارة الإناء أيضاً ، لأنها دلّت على أنّ الثوب المتنجِّس يطهر بغسله في المِركَن مرّتين ولازمه الحكم بطهارة المِركَن أيضاً بذلك ، وإلاّ لم يصح الحكم بطهارة الثوب حينئذ لملاقاته المِركَن وهو باق على نجاسته على الفرض ، فالحكم بطهارة الثوب في الصحيحة يدل بالدلالة الالتزامية على طهارة المِركَن بالتبع ، هذا.

__________________

(*) بل الحاجة إليه هو الأظهر إذا كان إناء.

(١) في ص ٦٥.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٩٦ / أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٩٧ / أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

٧٥

[٣٢٨] مسألة ٢١ : الثوب النجس يمكن تطهيره بجعله في طشت وصبّ الماء عليه ثم عصره وإخراج غسالته ، وكذا اللحم النجس (١) ، ويكفي المرة في غير البول والمرّتان فيه ، إذا لم يكن الطشت نجساً قبل صبّ الماء وإلاّ فلا بدّ من‌

______________________________________________________

ولو سلّمنا جواز التفكيك بين المِركَن والثوب المغسول فيه من حيث الطهارة والنجاسة ، فسكوت الإمام عليه‌السلام وعدم تعرضه لوجوب غسل المِركَن بعد الغسلة الأُولى والثانية يدل على طهارة المِركَن بعد الغسلتين ، لأنه لو كان باقياً على نجاسته لأشار عليه‌السلام إلى وجوب غسله بعد غسل الثوب لا محالة ، هذا.

ولا يخفى عدم إمكان المساعدة على ذلك بوجه ، لأن غاية ما هناك أن الصحيحة تقتضي طهارة المِركَن بالتبع ، إلاّ أن ذلك لا يوجب الحكم بطهارة الأواني التي تغسل فيها المتنجسات ، وذلك للعلم بعدم صدق الإناء على المِركَن بوجه ولا أقل من احتماله ، إذ الأواني هي الظروف المعدة للأكل والشرب فيها فليس كل ظرف بإناء.

وعلى هذا لم يقم دليل على الطهارة التبعية في مطلق الإناء وإنما الدليل قام عليها في خصوص المِركَن وهو أجنبي عن الإناء ، فإطلاق موثقة عمار المتقدِّمة الآمرة بوجوب غسل الإناء ثلاثاً بالإضافة إلى الأواني التي تغسل فيها المتنجِّسات باق بحاله ، وهو يقتضي عدم حصول الطهارة لها بالتبع. نعم إذا كان الإناء طاهراً في نفسه ولم تطرأ عليه النجاسة من غير جهة غسله ، وكان المغسول فيه مما لا يعتبر فيه التعدّد لم يحكم بنجاسة الإناء أصلاً ، بناء على ما هو الصحيح من أن غسالة الغسلة المتعقبة بالطهارة طاهرة.

(١) اعتبار جعل المتنجِّس في الطشت أولاً ثم صبّ الماء عليه كاعتباره في المسألة السابقة ، يبتني على القول باشتراط الورود في التطهير بالماء القليل ، وقد أسلفنا (١) تفصيل الكلام على ذلك في شرائط التطهير بالماء القليل ، فليراجع.

__________________

(١) في ص ١٥.

٧٦

الثلاث (*) والأحوط التثليث مطلقاً (١).

[٣٢٩] مسألة ٢٢ : اللحم المطبوخ بالماء النجس أو المتنجِّس بعد الطبخ يمكن تطهيره في الكثير ، بل والقليل إذا صبّ عليه الماء ، ونفذ فيه إلى المقدار الذي وصل إليه الماء النجس (٢).

______________________________________________________

(١) عرفت في المسألة السابقة أن الظروف التي تغسل فيها المتنجسات لا بدّ من غسلها ثلاث مرات بعد غسل المتنجِّس وتطهيره ، لأن الطهارة التبعية لم يقم عليها دليل في غير المِركَن كما مر.

(٢) ورد في تطهير اللحم المتنجِّس روايتان :

إحداهما : رواية زكريّا بن آدم قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ، قال : يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب ، واللّحم اغسله وكله ... » (٢) وظاهرها أن ظاهر اللحم قد تنجس بالنجاسة الواقعة في المرق وأنه إذا غسل بعد ذلك حكم بطهارته.

وثانيتهما : رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « أنّ عليّاً عليه‌السلام سئل عن قدر طبخت وإذن في القدر فأرة قال : يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل » (٣) وهذه الرواية ظاهرة في أن اللحم كما أنه تنجس ظاهره بملاقاة المرق المتنجِّس كذلك تنجس باطنه بنفوذ المرق المتنجِّس في أعماقه لفرض طبخه في ذلك المرق ، وبإطلاقها دلت على أن غسل ظاهر اللحم يكفي في تطهيره وجواز أكله بلا فرق في ذلك بين أن يكون باطنه أيضاً متنجساً وعدمه ، لأنه إذا طهر ظاهره حكم‌

__________________

(*) على الأحوط.

(١) الوسائل ٣ : ٤٧٠ / أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٨ ، ٢٥ : ٣٥٨ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٢٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ٢٠٦ / أبواب الماء المضاف ب ٥ ح ٣ ، ٢٤ : ١٩٦ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٤٤ ح ١.

٧٧

[٣٣٠] مسألة ٢٣ : الطين النجس اللاّصق بالإبريق يطهر بغمسه في الكر (*) ونفوذ الماء إلى أعماقه ، ومع عدم النفوذ يطهر ظاهره ، فالقطرات التي تقطر منه بعد الإخراج من الماء طاهرة ، وكذا الطين اللاّصق بالنعل بل يطهر ظاهره بالماء القليل أيضاً ، بل إذا وصل إلى باطنه بان كان رخواً طهر باطنه أيضاً به (١).

______________________________________________________

بطهارة الباطن تبعاً من دون حاجة إلى اشتراط نفوذ الماء في أعماق اللّحم. ومن هنا استدل بعضهم بهذه الرواية على أن البواطن المتنجسة تطهر بالتبع عند غسل ظواهرها.

هذا وفيه : أن مورد الرواية إنما هو تنجس ظاهر اللّحم دون باطنه ، وذلك فانّ اللّحم قد يكون جافّاً كما هو المتعارف في بعض البلاد ، ومثله إذا طبخ نفذ الماء في جوفه بحيث لو كان الماء متنجساً لأوجب نجاسة باطن اللّحم لا محالة. إلاّ أن هذه الصورة خارجة عما هو منصرف الرواية حيث إن ظاهرها إرادة اللحم المتعارف غير الجاف. واللّحم غير الجاف إذا وضع على النار انكمش كانكماش الجلد ، وبه تتصل أجزاؤه المنفصلة وتنسد خلله وفرجه ، ويندفع ما في جوفه من الماء والرطوبات إلى خارجه ، ولا ينفذ الماء في أعماقه لينجس جوفه وباطنه.

وعلى الجملة أن اللّحم الرطب ممّا لا تسري النجاسة إلى جوفه فالمتنجس بالمرق حينئذ ليس إلاّ ظاهره ، ومع الغسل بالماء الطاهر يحكم بطهارته لا محالة ، فلا دلالة للرواية على طهارة الباطن بالتبع فيما إذا سرت إليه النجاسة. على أن الروايتين ضعيفتان بحسب السند فحكم اللحم حينئذ حكم الطين الآتي في التعليقة الآتية.

(١) الطين اللاّصق بالإبريق أو الكوز ونحوهما حكمه حكم الصابون وغيره من الأجسام التي ينفذ الماء في أعماقها ولا تنفصل غسالتها بالعصر ، وعليه فاذا كان ذلك‌

__________________

(*) في حصول الطهارة بذلك قبل تجفيفه إشكال ، وإن كان لا يبعد حصول الطهارة للباطن بنفوذ الماء فيه ، وأولى منه بالإشكال طهارته بالماء القليل ، نعم لا إشكال في طهارة ظاهره بالغسل بالماء القليل أو الكثير.

٧٨

[٣٣١] مسألة ٢٤ : الطحين والعجين النجس يمكن تطهيره بجعله خبزاً ثم وضعه في الكر حتى يصل الماء إلى جميع أجزائه (١) ، وكذا الحليب النجس بجعله جبناً ووضعه في الماء كذلك (٢).

______________________________________________________

الطين جافاً كفى في تطهيره أن يغمس في الكر أو يصبّ الماء عليه حتى ينفذ في أعماقه بمقدار نفذ فيه الماء النجس ، فان هذا يكفي في صدق الغسل عليه حيث إن غسل كل شي‌ء بحسبه.

وأما إذا كان رطباً فقد تقدم الإشكال في تطهير مثله بالصب أو بإلقائه في الكر. اللهمّ إلاّ أن يجفف أو يحرك الماء فيه بمقدار يغلب الماء الطاهر على ما في جوفه من الرطوبات المتنجسة ، أو يبقى في الكر بمقدار تحصل به غلبة الماء الطاهر على الرطوبات الكائنة في جوفه.

(١) وحاصله كما مر هو إعدام الموضوع الأول وقلبه موضوعاً آخر قابلاً للطهارة.

(٢) ربما يستشكل في تطهير الحليب بأن حاله حال سائر المائعات والمياه المضافة التي لا تكون قابلة للطهارة باتصالها بالماء المعتصم ، لما تقدّم (١) في بحث المضاف من أن الاتصال بالكر وشبهه إنما يكفي في تطهير المياه ولا دليل على كفايته في تطهير المضاف.

وفيه : أن الحليب قد يراد تطهيره وهو حليب ، والحال فيه وإن كان كذلك حيث إنه كسائر المائعات والمياه المضافة غير قابل للتطهير بالاتصال ، إلاّ أن هذا ليس بمراد الماتن قدس‌سره قطعاً ، لأنه إنما حكم بطهارته بعد صيرورته جبناً لا في حال كونه حليباً. وقد يراد تطهيره بعد صيرورته جبناً مثلاً ، ولا ينبغي الإشكال في قبوله التطهير حينئذ ، لأن حال الجبن حال الصابون وغيره من الأجسام التي ينفذ فيها الماء في أعماقها إلاّ أنها غير قابلة للعصر ، وقد تقدم أن طريق تطهيرها صبّ الماء أو‌

__________________

(١) في شرح العروة ٢ : ٤٦.

٧٩

[٣٣٢] مسألة ٢٥ : إذا تنجس التنور يطهر بصبّ الماء في أطرافه من فوق إلى تحت ، ولا حاجة فيه إلى التثليث (١) لعدم كونه من الظروف ، فيكفي المرّة في غير البول ، والمرتان فيه ، والأولى أن يحفر فيه حفيرة يجتمع الغسالة فيها وطمها بعد ذلك بالطين الطاهر.

[٣٣٣] مسألة ٢٦ : الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر والحجر (٢) تطهر بالماء القليل إذا أُجري عليها ، لكن مجمع الغسالة يبقى نجساً (*) (٣) ، ولو أُريد تطهير بيت أو سكة فإن أمكن إخراج ماء الغسالة بأن كان هناك طريق لخروجه فهو ، وإلاّ يحفر حفيرة ليجتمع فيها ، ثم يجعل فيها الطين الطاهر كما ذكر في التنور ، وإن كانت الأرض رخوة بحيث لا يمكن إجراء الماء عليها ، فلا تطهر إلاّ‌

______________________________________________________

تسليطه على ظواهرها بمقدار يصل إلى أعماقها ، وذلك لأنه غسلها وغسل كل شي‌ء بحسبه.

(١) لعدم صحّة إطلاق الإناء عليه ، والغسل ثلاث مرات إنما يجب في الإناء فما أفاده الماتن قدس‌سره هو الصحيح ، إلاّ أن الغسالة المجتمعة من غسل التنور محكومة بالنجاسة بناء على نجاسة الغسالة وهي تقتضي نجاسة موضعها ، ومعه لا بدّ من إخراج الغسالة عن ذلك المكان وطم الموضع بالتراب فان بذلك يطهر ظاهره وإن بقي باطنه نجساً.

(٢) أو بالقير أعني التبليط أو بغير ذلك من الأُمور.

(٣) بناء على أن الغسالة نجسة ، ولا يمكن تطهير المجمع بالماء القليل لعدم انفصال الغسالة عنه ، وإنما يطهر بالمطر أو باتصاله بالماء الكثير.

__________________

(*) بناء على نجاسة الغسالة وقد مرّ الكلام فيها [ في صدر فصل الماء المستعمل ].

٨٠