موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٤٦٩] مسألة ٤ : لا فرق بين المس ابتداء أو استدامة فلو كان يده على الخط فأحدث يجب عليه رفعها فوراً ، وكذا لو مس غفلة ثم التفت أنه محدث (١).

[٤٧٠] مسألة ٥ : المس الماحي للخط أيضاً حرام فلا يجوز له أن يمحوه باللسان أو باليد الرطبة (٢).

[٤٧١] مسألة ٦ : لا فرق بين أنواع الخطوط حتى المهجور منها كالكوفي (٣) وكذا لا فرق بين أنحاء الكتابة من الكتب بالقلم أو الطبع أو القص بالكاغذ أو الحفر أو العكس (٤).

______________________________________________________

(١) لشمول النهي عن مسها للمس ابتداء واستدامة بالارتكاز.

(٢) لأنه محو بالمسّ حيث يمسّه فيمحيه ، والمسّ من دون طهارة حرام.

(٣) لأن الحرمة إنما ترتبت على مسِّ كتابة القرآن النازل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء أكانت مكتوبة بالخط الكوفي أو النسخ أو النستعليق أو بغيرها من أنحاء الخطوط القديمة أو المستحدثة ، وكذلك يحرم مسها وإن كانت مكتوبة بغير الخط العربي.

(٤) أنحاء الكتابة ثلاثة : أحدها : الخط البارز وهو الذي يعلو على سطح القرطاس أو الجلد أو غيرهما.

ثانيهما : الخط العادي وهو الذي لا يعلو على القرطاس أو غيره من الأجسام القابلة للكتابة عليها عند النظر ، وهذا هو المتعارف الغالب في الكتابة.

ثالثها : الخط المحفور وهو الذي يحفر على الخشب أو الصفر أو غيرهما.

أما القسمان الأولان فلا ينبغي الاستشكال في حرمة مسهما ، لأنهما من الكتابة القرآنية القابلة للمس وهو حرام على غير المتطهر.

وأما القسم الثالث فقد يستشكل في حرمته كما عن شيخنا الأنصاري قدس‌سره نظراً إلى أن الكتابة بالحفر غير قابلة للمس ، لقيام الخط فيها بالهواء ولا يصدق عليه‌

٤٨١

[٤٧٢] مسألة ٧ : لا فرق في القرآن بين الآية والكلمة ، بل والحرف (١) وإن كان يكتب ولا يقرأ كالألف في قالوا وآمنوا (٢) بل الحرف الذي يقرأ ولا يكتب (*) إذا كتب كما في الواو الثاني من داود إذا كتب بواوين ، وكالألف في رحمن ولقمن إذا كتب كرحمان ولقمان (٣).

[٤٧٣] مسألة ٨ : لا فرق بين ما كان في القرآن أو في كتاب (٤)

______________________________________________________

المس عرفاً (٢) والصحيح أن المحفور كغيره ولا فرق بينهما بوجه ، وما ادعاه قدس‌سره لو تمّ فهو من التدقيقات الفلسفية التي لا سبيل لها إلى الأحكام الشرعية والوجه فيما ذكرناه أن العرف يرى الخط في هذا القسم عبارة عن أطراف الحفر المتصلة بالسطح وهو أمر قابل للمس.

(١) لما تقدم من أن الحرمة إنما ترتبت على مس القرآن النازل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية كانت أو كلمة أو حرفاً.

(٢) لأنه جزء من كتابة القرآن وإن لم يكن مقروءاً.

(٣) الصحيح أن يفصل بين ما يعد صحيحاً حسب قواعد الكتابة فلا يجوز مسه ، لأنه جزء من كتابة القرآن كالألف في رحمن ولقمن إذا كتب كرحمان ولقمان ، وإنما كتب في القرآن على غير تلك الكيفية تبعاً للخليفة الثالث حيث إنه كتب رحمن ولقمن ، واحتفظ بكتابته إلى الآن ، كما أنه كتب « ما لهذا » هكذا : « مال هذا » (٣) وهو غلط ، وبين ما يعد غلطاً بحسب القواعد ، لأنه إذا كان غلطاً زائداً لم يحرم مسه لخروجه عن كتابة القرآن.

(٤) لما مرّ من أن الحرمة حسبما يقتضيه الفهم العرفي إنما ترتبت على القرآن النازل‌

__________________

(*) هذا إذا لم تعدّ الكتابة من الأغلاط.

(١) كتاب الطهارة : ١٥٢ السطر ٢.

(٢) كما في سورة الكهف ١٨ : ٤٩ حيث كتب هكذا ( ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ... ) وفي سورة الفرقان ٢٥ : ٧ حيث كتب ( ما لِهذَا الرَّسُولِ ... ).

٤٨٢

على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء انضمّ إلى باقي حروفه وآياته كما إذا كان في المصحف ، أم انفصل بأن كان في كتاب فقه أو لغة أو غيرهما ، هذا.

وعن الشهيد قدس‌سره التصريح بجواز مس الدراهم البيض المكتوب عليها شي‌ء من الكتاب ، مستدلاً على ذلك بما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته هل يمس الرجل الدرهم الأبيض وهو جنب؟ فقال : إي إني والله لأُوتى بالدرهم فآخذه وإنِّي لجنب » (١) وذكر أن عليه سورة من القرآن ، وبما أنّا لا نحتمل أن تكون للدراهم خصوصية في الحكم بالجواز فيمكن الاستدلال بالرواية على جواز مس كتابة القرآن في غير المصحف مطلقاً.

ويرد عليه أن الرواية ضعيفة السند ، وذلك لأن البزنطي من أصحاب الرضا والجواد عليهما‌السلام ومحمد بن مسلم من أصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام فليسا من أهل طبقة واحدة حتى يروي البزنطي عن محمد بن مسلم من غير واسطة. ويؤيده أن البزنطي ليس في ترجمته أنه يروي عن محمد بن مسلم إذن في البين واسطة وحيث لم تذكر في السند فالرواية مرسلة لا اعتبار بها ، ولعلّه لذلك عبّر الشهيد عنها بالخبر ولم يوصف في كلام صاحب الحدائق قدس‌سره بالصحيحة أو الموثقة وعبّر عنها المحقق الهمداني بالرواية (٢) هذا ويمكن أن يضعف الرواية بوجه آخر وهو أن الرواية نقلها المحقق قدس‌سره عن كتاب جامع البزنطي (٣) ولم يثبت لنا اعتبار طريقه إلى هذا الكتاب ، هذا.

ثم إن دلالة الرواية أيضاً قابلة للمناقشة ، وذلك لأنه إنما دلّت على أن الجنب أو المحدث يجوز أن يأخذ الدرهم المكتوب عليه شي‌ء من الكتاب ، وأما أن الجنب يجوز أن يمس تلك الآية المكتوبة عليه فلا ، إذ ليست في الرواية أية دلالة عليه فمن الجائز أن تكون الرواية ناظرة إلى دفع توهم أن الجنب لا يجوز أن يأخذ الدرهم الذي فيه‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢١٤ / أبواب الجنابة ب ١٨ ح ٣.

(٢) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٢٣١ السطر ٢٤.

(٣) المعتبر ١ : ١٨٨.

٤٨٣

بل لو وجدت كلمة من القرآن في كاغذ ، أو نصف الكلمة كما إذا قص من ورق القرآن أو الكتاب يحرم مسها أيضاً (١).

[٤٧٤] مسألة ٩ : في الكلمات المشتركة بين القرآن وغيره المناط قصد الكاتب (٢).

______________________________________________________

شي‌ء من الكتاب حيث قال عليه‌السلام « إي إني والله لأُوتى بالدرهم فآخذه وإني لجنب » فهذه الرواية ساقطة. وأما ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال « سألته عن الجنب والطامث يمسان أيديهما الدراهم البيض؟ قال : لا بأس » (١) فهي وإن دلت على أن الجنب والطامث يجوز أن يمسا الدراهم إلاّ أنه لم يثبت اشتمالها على شي‌ء من الكتاب ، بل الظاهر اشتمالها على اسم الله سبحانه. على أنها معارضة برواية عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يمس الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله » (٢) مع الغض عن سندها ، لاشتماله على أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وهو ممن لم يوثق في الرجال.

(١) لإطلاق موثقة أبي بصير ، لأن المنع عن مس الكتاب يشمل الآية والكلمات بل الحروف ، اللهمّ إلاّ أن يخرج عن القرآنية بحيث لا يصدق عليه عنوان الكتاب ، كما إذا قطعت حروفه وانفصل بعضها عن بعضها الآخر ، فان كل واحد من الحروف المنفصلة حينئذ لا يطلق الكتاب عليه ولا يقال إنه قرآن بالفعل ، بل يقال : إنه كان قرآناً سابقاً ومعه لا موجب لحرمة مسه.

(٢) كما هو الحال في غير الكلمات القرآنية من المشتركات كأعلام الأشخاص ، مثلاً لفظة محمد تشترك بين اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره من المسمّين بها ، ولا تتميز إلاّ بقصد الكاتب بحيث لا تترتب عليها آثارها إلاّ إذا قصد بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجملة « قال موسى » مثلاً إنما يحرم مسها إذا كتب قاصداً‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٢ : ٢١٤ / أبواب الجنابة ب ١٨ ح ٢ ، ١.

٤٨٤

[٤٧٥] مسألة ١٠ : لا فرق فيما كتب عليه القرآن بين الكاغذ ، واللوح ، والأرض ، والجدار ، والثوب ، بل وبدن الإنسان (١) فإذا كتب على يده لا يجوز مسه عند الوضوء ، بل يجب محوه أوّلاً ثم الوضوء (٢).

[٤٧٦] مسألة ١١ : إذا كتب على الكاغذ بلا مداد (٣) فالظاهر عدم المنع من مسه ، لأنه ليس خطاً. نعم لو كتب بما يظهر أثره بعد ذلك فالظاهر حرمته كماء البصل فإنّه لا أثر له إلاّ إذا أُحمي على النار.

______________________________________________________

بها القرآن ، وأما لو قصد بها شي‌ء غيره أو لم يقصد بها شي‌ء أصلاً ، كما إذا قصد بكتابتها تجربة خطّه ، فلا مقتضي لحرمة مسها بوجه ، وهذا بخلاف الكلمات المختصة بالكتاب لأنها محرمة المس مطلقاً ، قصد بكتابتها القرآن أم لا هذا.

(١) لحرمة مس الكتابة مطلقاً ، سواء كانت الكتابة على القرطاس أو على شي‌ء آخر.

(٢) أو يتوضأ بصبّ الماء على بشرته ، أو برمس يده في الماء من دون مس ، لأن مسها مس لكتابة القرآن من غير وضوء وهو حرام.

(٣) أعني الكتابة من غير أن يظهر أثرها على القرطاس وهي أحد أقسام الكتابة ولا إشكال في عدم حرمة المس حينئذ لأنه من السالبة بانتفاء موضوعها ، حيث لا خط ولا كتابة كي يحرم مسهما.

القسم الثاني من الكتابة ما إذا كتب بالمداد أعني ما يظهر أثره على القرطاس بالكتابة ، وهذا لا إشكال في حرمة مسه كما عرفت.

القسم الثالث : ما إذا كتب بما لا يظهر أثره بالكتابة وإنما يظهر بالعلاج ، كما إذا كتب باللبن أو بماء البصل إذ لا يظهر أثر الكتابة بهما إلاّ إذا أُحمي على النار ، فهل يحرم مس هذا القسم من الكتابة قبل أن يظهر بالعلاج؟ استظهر الماتن حرمته وهو الصحيح لأنّ الكتابة موجودة قبل العلاج ، لوضوح أن الحرارة ليست من أسباب تكونها وإنما هي سبب لبروزها وكونها قابلة للاحساس ، والحرمة إنما ترتبت على مسِّ الكتابة‌

٤٨٥

[٤٧٧] مسألة ١٢ : لا يحرم المسّ من وراء الشيشة (١) وإن كان الخطّ مرئيّاً وكذا إذا وضع عليه كاغذ رقيق يرى الخط تحته. وكذا المنطبع في المرآة ، نعم لو نفذ المداد في الكاغذ حتى ظهر الخط من الطرف الآخر لا يجوز مسّه (٢) خصوصاً إذا كتب بالعكس فظهر من الطرف الآخر طرداً.

[٤٧٨] مسألة ١٣ : في مس المسافة الخالية التي يحيط بها الحرف كالحاء أو العين مثلاً إشكال أحوطه الترك (*) (٣).

[٤٧٩] مسألة ١٤ : في جواز كتابة المحدث آية من القرآن بإصبعه على الأرض أو غيرها إشكال ، ولا يبعد عدم الحرمة (**) (٤) فإن الخط يوجد بعد المسّ.

______________________________________________________

سواء أكانت بارزة أم لم تكن.

(١) لضرورة أن المحرم إنما هو مس الكتابة ومس الشيشة ليس مساً للكتابة حقيقة لوجود الحائل على الفرض.

(٢) لأنّ الحرمة إنما ترتبت على مس كتابة القرآن من دون فرق في ذلك بين الكتابة المقلوبة وغيرها ، فان الخط الظاهر في الجانب الآخر من الخطوط القرآنية فيحرم مسها مع الحدث ، وأظهر من ذلك ما إذا كتب مقلوباً فظهر من الطرف الآخر طرداً لأنه كتابة قرآنية بلا ريب.

(٣) والأقوى جوازه ، لعدم كون الممسوس كتابة القرآن.

(٤) علّله قدس‌سره بأن الخط يوجد بعد المس فلا يقع المس على الكتابة. وفيه أن الخط وإن كان معلولاً للمس ويوجد المس فيوجد الخط إلاّ أن تأخره رتبي لا زماني ، ولا أثر للتقدم والتأخر الرتبيين بوجه ، لأن الموضوع للأحكام الشرعية إنما هو الأُمور الواقعة في الزمان وليس التقدم والتأخر زمانياً في المقام ، لوضوح أن الخط غير متأخر عن المس بحسب الزمان وإنما هما متقارنان ويوجدان في زمان واحد ، ولا‌

__________________

(*) وأظهره الجواز.

(**) بل هو بعيد وأظهره الحرمة.

٤٨٦

وأمّا الكتب على بدن المحدث وإن كان الكاتب على وضوء فالظاهر حرمته (*) خصوصاً إذا كان بما يبقى أثره (١).

______________________________________________________

مناص معه من الحكم بالحرمة في المسألة ، لدلالة الموثقة المتقدِّمة على عدم جواز مس الكتابة مع الحدث ، سواء أكان مقارناً مع الخط أم كان متأخراً عنه في الزمان.

(١) للكتب على بدن المحدث صورتان : إذ قد يبقى أثر الكتابة وقد يزول كما إذا كتب بالماء مثلاً ، لأنّه يرتفع بعد الكتابة ويجف ، وقد حكم قدس‌سره بالحرمة في كلتا الصورتين كما أنه حكم بالجواز في الفرع المتقدم على ما نحن فيه. ويا ليته عكس الأمر في المسألتين وحكم بالحرمة في الفرع المتقدم وبالجواز في الصورتين ، وذلك لأن الوجه فيما صنعه الماتن من الحكم بالتحريم في الصورتين ، أن المس بعد الحكم بحرمته لا يفرق فيه بين أن يكون بالتسبيب أو بالمباشرة ، والكاتب في مفروض المسألة وإن لم يرتكب المس المحرم بالمباشرة لأنه متطهر على الفرض ، إلاّ أنه بكتابته أوجد المس في بدن المحدث فان مس المحدث للكتابة مسبب عن فعل الكاتب ، وقد عرفت أن إيجاد المس محرم مطلقاً ، سواء أكان بالمباشرة أم بالتسبيب.

ويتوجّه عليه : أن الحرمة على ما دلّت عليه الموثقة إنما ترتبت على مس كتابة القرآن مع الحدث ، والمس إنما يتحقق إذا كان هناك جسمان لاقى أحدهما الآخر ، ولا يتحقّق هذا في المقام ، وذلك لأن المراد بالكتابة ليس هو الخطوط والنقوش في نفسهما كيف وهما من الأعراض ، والمس إنما يقع على الجواهر بما لها من الطوارئ والأعراض ولا يقع على العرض نفسه ، بل المراد بها هو الخطوط مع معروضاتها من القرطاس أو الخشب أو الحديد أو غيرها من الأجسام الخارجية ، وعليه فالكاتب إنما أوجد الكتابة في بدن المحدث وهو كما إذا أوجدها في القرطاس أو الحديد ، ومعه ليس في البين سوى الخطوط على بدنه وهو المعبّر عنه بالممسوس ، فأين هناك الجسم الآخر الماس حتى يقال إن الكاتب أوجد المس بالتسبيب ويحكم عليه بالحرمة ، فإن المس‌

__________________

(*) فيه إشكال ، وإن كان الأحوط تركه.

٤٨٧

[٤٨٠] مسألة ١٥ : لا يجب منع الأطفال (١) والمجانين من المسّ إلاّ إذا كان مما يعد هتكاً ، نعم الأحوط عدم التسبيب لمسهم (٢).

______________________________________________________

لا يتحقّق إلاّ بتلاقي الجسمين وليس في المقام إلاّ جسم واحد كما عرفت.

نعم ، إذا مس المحدث ذلك الموضع بيده أو بغيرها من أعضائه صدق عليه مس الكتابة ، ومن هنا قلنا إن المتوضئ يجب أن يمحو الآية المكتوبة على مواضع وضوئه أوّلاً ثم يتوضأ ، لأن مسه مس صادر عن المحدث وهو حرام. وعليه فالظاهر عدم حرمة الكتابة على بدن المحدث في كلتا الصورتين.

(١) لأن المنع عن المس خاص بالمكلفين ، والأطفال والمجانين غير مكلفين بالاجتناب عنه فهو في حقهم مباح ، ومع إباحة الفعل الصادر عن الصبي أو المجنون لا مقتضي لوجوب منعهم عن المس.

(٢) هذا أحد الأقوال في المسألة ، أعني المنع عن التسبيب لمسهم مطلقاً. وقد يفصّل بين ما إذا كان التسبيب باعطائهم له ومناولتهم إياه ، بأن كان التسبيب بإيجاد مقدمة من مقدمات أفعالهم ، وبين التسبيب بإصدار نفس العمل من الغير كما إذا أخذ إصبع الصبي أو المجنون ووضعها على الكتاب ، بالمنع في الصورة الثانية دون الاولى.

والصحيح عدم حرمة التسبيب في كلتا الصورتين ، وذلك لأنّا وإن قدمنا في محله أن مقتضى الفهم العرفي والارتكاز عدم الفرق في العصيان والمخالفة بين إيجاد العمل المحرم بالمباشرة وبين إيجاده بالتسبيب ، لأن كليهما يعد عصياناً للنهي عرفاً وبالارتكاز ، إلاّ أن ذلك يختص بما إذا كان العمل محرماً في حق المباشر ، وأما إذا كان العمل مباحاً وغير مبغوض بوجه فلا مانع من إيجاد الفعل بالتسبيب إليه ، والأمر في المقام كذلك ، لأن المس الصادر عن غير المكلفين إنما يصدر على الوجه الحلال فلا مانع من إيجاد المس بيده.

اللهمّ إلاّ أن يعلم أهمية الحكم بحيث لا يرضى الشارع بتحقق العمل في الخارج ولو من غير المكلفين ، كما إذا دلّ عليه دليل خارجاً ومعه لا بدّ من الحكم بوجوب‌

٤٨٨

ولو توضّأ الصبي المميز فلا إشكال في مسه ، بناء على الأقوى من صحة وضوئه وسائر عباداته (١).

[٤٨١] مسألة ١٦ : لا يحرم على المحدث مسّ غير الخط من ورق القرآن حتى ما بين السطور والجلد والغلاف (٢) نعم يكره ذلك (٣) كما أنه يكره تعليقه وحمله.

[٤٨٢] مسألة ١٧ : ترجمة القرآن ليست منه بأيّ لغة كانت فلا بأس بمسِّها على المحدث (٤) ،

______________________________________________________

ردعهم فضلاً عن حرمة التسبيب إليه ، وهذا قد ثبت في جملة من الموارد كشرب الخمر والزنا واللواط والقتل وغيرها من الأفعال القبيحة للعلم بعدم رضا الشارع بتحققها في الخارج ، إلاّ أنه لم يقم دليل على ذلك في المقام ، فالصحيح جواز التسبيب في كلتا الصورتين المتقدِّمتين.

(١) سيأتي تحقيق ذلك في محلِّه إن شاء الله (١).

(٢) لاختصاص المنع بمسِّ الكتابة ، وعدم الدليل على حرمة المس في غير الخط.

(٣) اعتمد في ذلك وفي كراهة التعليق على رواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدِّمة (٢) الناهية عن مس المصحف ومسّ خطّه وتعليقه ، فانّ المصحف في قبال الخط يشمل الجلد والورق والغلاف ، وقد تقدّم الكلام على هذه الرواية فليلاحظ.

(٤) لأن المراد بالقرآن هو الذي أنزله الله سبحانه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عربي اللغة كما في قوله عزّ من قائل ( إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (٣) فالنهي عن مسِّه على غير الوضوء لا يشمل ترجمته ، لأنها ترجمة القرآن لا أنها القرآن نفسه.

__________________

(١) بَحَثها مختصراً في عدة أجزاء منها في ذيل المسألة [٨٦٦] وكذا في المسألة [٢٥٠٣] وهو أكثر تفصيلاً من سائر الموارد.

(٢) في ص ٤٧٤.

(٣) يوسف ١٢ : ٢.

٤٨٩

نعم لا فرق في اسم الله تعالى بين اللغات (١).

[٤٨٣] مسألة ١٨ : لا يجوز وضع الشي‌ء النجس على القرآن وإن كان يابساً لأنه هتك وأمّا المتنجِّس فالظاهر عدم البأس به (*) مع عدم الرطوبة فيجوز للمتوضِّئ أن يمسّ القرآن باليد المتنجِّسة ، وإن كان الأولى تركه (٢).

[٤٨٤] مسألة ١٩ : إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز لا يجوز للمحدث أكله (٣) وأمّا المتطهر فلا بأس خصوصاً إذا كان بنيّة الشفاء أو التبرّك.

______________________________________________________

(١) لعدم اختصاص اسمه تعالى بكلمة الله ، بل كلّ ما عبّر به عن الذات المقدّسة ولو في غير اللغة العربية فهو اسمه.

(٢) لا ضابط كلي في كلا طرفي النفي والإثبات ، لأن المدار على صدق الهتك الذي بمعنى الوهن وعدم الاعتناء بالشي‌ء وهذا يختلف باختلاف الموارد ، فقد ترى عدم صدق الهتك على وضع نجس العين على الكتاب ، كما إذا كان جلده من ميتة الأسد لأنه غالي القيمة وعزيز الوجود ، أو وضعنا المصحف في صندوق صنع من جلد الميتة تحفظاً عليه ، فإنّه لا يعدّ هتكاً للكتاب بل هو تجليل وتعظيم له واعتناء بشأنه ، وقد يصدق عليه الهتك كما إذا وضع عليه العذرة أو ما يشبهها من النجاسات ، لأنه هتك عظيم وإن لم تسر النجاسة إليه ليبوستها ، بل قد يتحقّق الهتك بوضع جسم طاهر عليه ، كما إذا وضع عليه روث البقر أو الغنم أو غيرهما من الحيوانات المحلّلة. إذن فالمدار على صدق الهتك وعدمه من دون فرق في ذلك بين الأعيان النجسة والمتنجِّسة والأعيان الطاهرة.

(٣) لأنه بأكله يمس كتابة القرآن بباطن فمه ، ولا فرق في المس المحرم بين المس بظاهر البدن وباطنه. نعم هذا يتوقّف على صدق القرآن على الكتابة وهي في فمه ، وأما‌

__________________

(*) المدار في الحرمة على صدق الهتك ، وقد يتحقق ذلك في بعض أفراد المتنجِّس بل في بعض أفراد الطاهر أيضاً.

٤٩٠

إذا سقطت عن القرآنية لتفرّق أجزائها وزوال هيئتها المعتبرة فلا مانع من أكلها ، إذ لا يحرم أكل اللّقمة على المحدث إلاّ لاستلزامه المسّ الحرام ، وإذا لم تبق الكتابة بحالها فلا موضوع ليستلزم الأكل مسّه ، اللهمّ إلاّ أن يكون أكلها على وجه الإهانة فيحرم لأنه هتك.

هذا ما أردنا إيراده في الجزء الثالث من كتابنا ، والحمدُ لله أوّلاً وآخرا.

٤٩١
٤٩٢

فهرس الموضوعات

٤٩٣
٤٩٤

فهرس الموضوعات

فصل في المطهِّرات‌............................................................... ١

فصل في المطهِّرات‌............................................................ ١

الطهارة

فصل في المطهِّرات................................................... ١ ـ ٢٥١

١ ـ الماء.................................................................... ١

دليل مطهرية الماء للجوامد................................................... ١

تطهير المضاف النجس...................................................... ٣

اشتراط زوال العين في التطهير بالماء........................................... ٤

عدم اعتبار زوال اللون والرائحة في التطهير بالماء خلافا للعلامة................... ٤

اشتراط عدم تغير الماء أثناء الاستعمال في التطهير............................... ٦

اشتراط طهارة الماء في التطهير به............................................. ٩

اشتراط عدم خروج الماء عن الاطلاق....................................... ١٠

اعتبار التعدد في المتنجس بالبول وفي الظروف والتعفير فيما ولغ فيه الكلب...... ١١

اعتبار العصر في الغسل بالمطر والجاري والكثير............................... ١٤

الكلام في اعتبار ورود الماء على المتنجس دون العكس......................... ١٥

التفصيل بين الغسلة المطهرة والغسلة غير المطهرة.............................. ١٧

٤٩٥

اشتراط طهارة الماء قبل الغسل ولا يضر تنجّسه بوصوله إلى المحل النّجس........ ١٨

اشتراط اطلاق الماء في التطهير به حتى حين الاستعمال......................... ١٨

حكم تغير الماء بالاستعمال................................................. ١٩

حكم استعمال الغسالة في التطهير........................................... ٢١

اعتبار التعدد في تطهير الثوب والبدن من البول إذا كان الماء قليلا............... ٢٣

نقد أدلة القائلين بكفاية الغسل مرة......................................... ٢٣

التعرض لتفصيل صاحب المعالم والمدارك في المقام.............................. ٢٥

هل الحكم بالتعدد يخص الثوب والبدن؟..................................... ٢٦

هل تكفي الصبة الواحدة المستمرة عن الغسلتين؟............................. ٢٧

هل الحكم بوجوب التعدد يختص ببول الآدمي؟.............................. ٢٨

اختصاص وجوب الغسل مرتين بغير مخرج البول.............................. ٢٨

الكلام في وجوب إزالة العين قبل الغسلتين................................... ٢٨

شهرة كفاية الغسل مرة في التطهير من بول الرضيع........................... ٣٠

هل يعتبر العصر في التطهير من بول الصبي؟.................................. ٣١

هل الرش كالصب في التطهير من بول الصبي؟............................... ٣١

هل الحكم بكفاية الغسل مرة يعم الصبية أو يختص بالصبي؟.................... ٣٢

عدم اختصاص الحكم بالصبي الذي بلغ سنتين................................ ٣٢

كفاية الغسل مرة في المتنجس بالمتنجس بالنجس؟............................. ٣٩

وجوب غسل الأواني ثلاث مرات في الماء القليل.............................. ٤٠

تطهير الإناء المولوغ فيه بالتعفير بالتراب وبالغسل مرتين....................... ٤١

الاستدلال على ما ذهب إليه ابن الجنيد من لزوم غسل إناء الولوغ سبع مرات... ٤٢

حكاية اعتبار تجفيف الإناء بعد الغسلات عن المفيد........................... ٤٣

معنى التعفير.............................................................. ٤٤

٤٩٦

لزوم التعفير بالتراب وعدم كفاية الرماد والأشنان و.......................... ٤٥

هل يلحق اللطع بالولوغ................................................... ٤٦

وجوب الغسل سبع مرات من ولوغ الخنزير.................................. ٤٧

استحباب غسل ظروف الخمر سبع مرات................................... ٤٨

الكلام في اعتبار طهارة التراب قبل التعفير................................... ٥٠

كيفية تعفير الإناء الضيق................................................... ٥١

عدم جريان حكم التعفير في غير الظروف................................... ٥٢

عدم تكرار التعفير بتكرر الولوغ........................................... ٥٣

لزوم تقديم التعفير على الغسلتين............................................ ٥٤

كفاية الغسل مرة إذا غسل الإناء بالماء الكثير................................. ٥٤

اعتبار التعفير في الغسل بالماء الكثير......................................... ٥٩

كيفية غسل الإناء ثلاث مرات............................................. ٦٠

إذا شك في متنجس أنه من الظروف أو من غيرها............................ ٦١

كيفية تطهير المتنجس الذي لا يرسب فيه الماء................................ ٦٣

كيفية تطهير المتنجس الذي يرسب فيه الماء.................................. ٦٣

هل يعتبر في التطهير الدلك والفرك بعد الغسل................................ ٦٤

كيفية تطهير المتنجس الذي يرسب فيه الماء ولا يقبل العصر.................... ٦٥

في اعتبار التعدد والعصر وانفصال الغسالة في الغسل بالكثير.................... ٦٨

عدم اعتبار العصر ونحوه في المتنجس ببول الرضيع............................ ٧٠

كيفية تطهير الدهن المتنجس................................................ ٧٣

كيفية تطهير اللحم المتنجس................................................ ٧٧

كيفية تطهير الطحين والعجين والحليب النجس............................... ٧٩

كيفية تطهير التنور المتنجس................................................ ٨٠

تطهير الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر والحجر............................. ٨٠

٤٩٧

إذا صبغ ثوب بالدم لا يطهر ما دام يخرج منه الماء الأحمر...................... ٨١

عدم لزوم توالي الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد............................... ٨٢

حكم تنجس الفلز من الذهب وغيره........................................ ٨٤

كيفية تطهير الظروف الكبار التي لا يمكن نقلها.............................. ٩٠

عدم الحاجة إلى العصر في تطهير شعر المرأة ولحيته الرجل...................... ٩٢

حكم ما يبقى بين الأسنان من الطعام النجس................................. ٩٥

طهارة آلات التطهير بالتبعية................................................ ٩٧

٢ ـ الأرض............................................................... ٩٨

مطهرية الأرض باطن القدم والنعل والخف خلافا لما يظهر من الطوسي (قدس سره) ٩٨

أخبار مطهرية الأرض..................................................... ٩٩

عدم اختصاص مطهرية الأرض بالرجل والبشرة............................. ١٠٢

اشتراط زوال عين النجس في مطهرية الأرض............................... ١٠٤

كفاية مسمى المشي أو المسح في مطهرية الأرض............................ ١٠٧

عدم الفرق في مطهرية الأرض بين التراب والرمل والحجر.................... ١٠٩

اعتبار طهارة الأرض في مطهريتها......................................... ١١٢

اعتبار جفاف الأرض في مطهريتها........................................ ١١٤

الاشكال في مطهرية الأرض للجورب..................................... ١١٦

كفاية زوال العين في مطهرية الأرض وإن بقي الأثر......................... ١١٧

الاشكال في طهارة ما بين أصابع الرجل.................................... ١١٩

كفاية المسح على الحائط................................................. ١٢٠

إذا شك في طهارة الأرض بنى على طهارتها................................. ١٢١

٣ ـ الشمس............................................................ ١٢٣

هل الشمس مطهر أو موجب للعفو عن النجاسة؟........................... ١٢٣

٤٩٨

هل تختص مطهرية الشمس بالأرض؟...................................... ١٢٣

هل تختص مطهرية الشمس بنجاسة البول؟................................. ١٣٣

الكلام في تطهير الشمس للحصر والبواري................................. ١٣٣

هل يشترط الرطوبة المسرية في مطهرية الشمس؟............................ ١٣٦

اعتبار استناد الجفاف إلى إشراق الشمس من دون حجاب................... ١٣٧

تطهير الشمس باطن الأرض المتصل بالظاهر................................ ١٤١

اشتراط زوال العين في مطهرية الشمس.................................... ١٤٤

٤ ـ الاستحالة.......................................................... ١٤٧

معنى الاستحالة......................................................... ١٤٧

دليل مطهرية الاستحالة.................................................. ١٤٨

الكلام في مطهرية الاستحالة للمتنجس.................................... ١٤٩

الشك في الاستحالة في الأعيان النجسة.................................... ١٥٤

الشك في الاستحالة في المتنجسات........................................ ١٥٧

عدم كون النار من المطهرات............................................. ١٥٨

٥ ـ الانقلاب........................................................... ١٥٩

كون الانقلاب من مصاديق الاستحالة..................................... ١٥٩

أخبار طهارة الخمر بالانقلاب............................................ ١٦٠

هل يشترط في طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجية إليه........ ١٦٢

عدم طهارة العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلا........................... ١٦٣

طهارة العنب أو التمر المتنجس إذا صار خمرا ثم انقلب خللا.................. ١٦٣

مطهرية الانقلاب للخمر ولو انقلبت إلى شيء آخر غير الخل................. ١٦٤

عدم طهارة الخمر بإزالة سكرها بإلقاء شيء فيها............................ ١٦٥

طهارة بخار البول وكذا بخار الماء المتنجس.................................. ١٦٧

عدم مطهرية الانقلاب للمتنجس واختصاصه بالنجس....................... ١٦٨

٤٩٩

الفرق بين تفرق الأجزاء بالاستهلاك وبين الاستحالة........................ ١٧١

إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة.................................... ١٧٣

٦ ـ ذهاب الثلثين....................................................... ١٧٣

الكلام في تقدير الثلثين بالوزن أو الكيل أو المساحة......................... ١٧٤

مغايرة الوزن للكيل والمساحة وعدم اتحاده معهما............................ ١٧٤

الكلام فيما تقتضيه الأدلة الاجتهادية من اعتبار الوزن أو الكيل والمساحة...... ١٧٥

الكلام فيما تقتضيه الأصول العملية من اعتبار الوزن أو الكيل والمساحة....... ١٧٧

ثبوت ذهاب الثلثين بالعلم وبالبينة......................................... ١٧٨

ثبوت ذهاب الثلثين بخبر العدل الواحد..................................... ١٧٩

ثبوت ذهاب الثلثين بقول ذي اليد........................................ ١٧٩

عدم طهارة الثوب والبدن ولا نفس القطرة الواقعة عليهما بذهاب ثلثيها....... ١٨٠

إذا كان في الحصرم حبة أو حبتان من العنب فعصر واستهلك لا ينجس بالغليان ١٨٣

الكلام في طهارة العصير المغلي بإلقائه في عصير آخر ذهب ثلثاه ثم ذهب ثلثا المجموع ١٨٤

حرمة العصير الذي ذهب ثلثاه من غير غليان ثم غلى بعد ذلك............... ١٨٦

عدم حرمة العصير التمري أو الزبيبي إذا غلى............................... ١٨٧

هل يطهر العصير العنبي المغلي بانقلابه خلا................................. ١٨٨

هل ينجس الخل العنبي ـ إذا زالت حموضته وصار ماء مضافا ـ بالغليان...... ١٩٠

عدم الدليل على حرمة العصير التمري بالغليان............................. ١٩١

٧ ـ الانتقال............................................................ ١٩١

عدم صدق الانتقال اصطلاحا على المنتقل إلى النبات أو الشجر من البول...... ١٩١

صور الانتقال من حيث الاستناد إلى المنتقل عنه وعدمه...................... ١٩١

حكم دم البق الخارج منه بعد قتله......................................... ١٩٥

٥٠٠