موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وذلك لعدم خروج الحدث حينئذ. وقد نسب هذا إلى الصدوق أيضاً ، لا لأنه صرح بذلك في كلامه بل لأنه روى مرسلاً عن موسى بن جعفر عليه‌السلام « أنه سئل عن الرجل يرقد وهو قاعد هل عليه وضوء؟ فقال : لا وضوء عليه ما دام قاعداً إن لم ينفرج » (١) وقد التزم في صدر كتابه أن لا يورد فيه إلاّ ما يفتي على طبقه ويراه حجة بينه وبين ربّه (٢). وهذه النسبة صحت أم لم تصح لا يمكننا المساعدة عليه بوجه وذلك لأن ما يمكن أن يستدل به على هذا المدعى روايات أربع وهي إما قاصرة الدلالة أو السند :

الأُولى : هي المرسلة المتقدِّمة ، وهي ضعيفة السند بإرسالها ، نعم لا قصور في دلالتها على المدعى ، وإن لم يستبعد المحقق الهمداني قدس‌سره دعوى ظهور قوله عليه‌السلام « إن لم ينفرج » في كونه كناية عن عدم ذهاب شعوره بحيث يميل كل عضو من أعضائه إلى ما يقتضيه طبعها (٣).

الثانية : موثقة سماعة بن مهران « أنه سأله عن الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائماً أو راكعاً؟ فقال : ليس عليه وضوء » (٤) وهذه الرواية وإن كانت موثقة بحسب السند إلاّ أنها قاصرة الدلالة على المراد ، لأن خفق الرأس أعم من النوم فيحمل على الخفقة جمعاً بينها وبين الأخبار الدالّة على انتقاض الوضوء بالنوم.

الثالثة : رواية عمران بن حمران أنه سمع عبداً صالحاً عليه‌السلام يقول : من نام وهو جالس لا يتعمد النوم ، فلا وضوء عليه (٥).

الرابعة : رواية بكر بن أبي بكر الحضرمي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل ينام الرجل وهو جالس؟ فقال : كان أبي يقول : إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء ، وإذا نام مضطجعاً فعليه الوضوء » (٦) وهاتان الروايتان ضعيفتان‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٨ / ١٤٤ ، الوسائل ١ : ٢٥٤ / أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١١.

(٢) الفقيه ١ : ٣.

(٣) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٧٨ السطر ٢١.

(٤) ، (٥) ، (٦) الوسائل ١ : ٢٥٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١٢ ، ١٤ ، ١٥‌

٤٤١

بحسب السند لعدم توثيق عمران وبكر ، هذا.

على أن الأخبار المتقدِّمة مضافاً إلى ما فيها من قصور الدلالة أو السند ، معارضة مع الأخبار الواردة في أن النوم مطلقاً ناقض للوضوء.

منها ما قدّمناه من رواية زيد الشحام وغيرها. ومنها ما رواه عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أي الحالات فعليه الوضوء » (١) ومنها غير ذلك من الأخبار.

والترجيح مع الطائفة الثانية لموافقتها إطلاق الكتاب ومخالفتها للعامة ، ولا مناص معه من حمل الأخبار المتقدِّمة على التقية. ويؤيده بل يدل عليه قوله عليه‌السلام « كان أبي يقول ... » لإشعاره بل ظهوره في أنه عليه‌السلام كان في مقام التقيّة وإلاّ لم يكن وجه لاسناده الحكم إلى أبيه لا إلى نفسه كما مر ، وعلى ذلك فالوضوء ينتقض مطلقاً بالنوم سواء كان في حال الجلوس أم في غيره من الحالات.

الجهة الرابعة : هل النوم بما هو نوم ينقض الوضوء أو أن سببيته له من جهة أن النوم مظنة للحدث ، فالحكم بوجوب الوضوء مع النوم من باب تقديم الظاهر على الأصل؟ والأول هو الصحيح ، وذلك لأن الظاهر من الروايات الواردة في المقام أن النوم ناقض في نفسه ، فهو بما أنه نوم من الأحداث ، وحملها على أن الناقض أمر آخر والنوم كاشف عنه وأمارة عليه خلاف الظاهر. ففي صحيحة إسحاق بن عبد الله الأشعري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا ينقض الوضوء إلاّ حدث ، والنوم حدث » (٢) وهي كما ترى كالصريح في أن النوم حدث بنفسه ، ومن ثمة طبق عليه كبرى الحدث ، فارادة أن الناقض أمر آخر والنوم أمارة عليه خلاف الظاهر بل الصريح.

وأمّا رواية الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة؟ فقال : إن كان لا يحفظ حدثاً منه إن كان فعليه الوضوء وإعادة‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١ : ٢٥٣ / أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٣ ، ٤.

٤٤٢

الصلاة ، وإن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة » (١) فليست فيها أية دلالة على أن النائم إذا علم بعدم خروج الحدث منه حال المنام لم ينتقض وضوءه وذلك لأن الرواية بصدد التفصيل وبيان أن الخفقة إذا كانت بحيث لو خرج منه حدث في أثنائها لعلم به وحفظه فلا ينتقض وضوءه ، لأنها لم تبلغ مرتبة النوم المستولي على السمع والبصر ولم يصدر منه أي حدث ، وأما إذا كانت بحيث لو خرجت منه ريح حالئذ لم يشعر بها ، فهي نوم حقيقة فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، فالرواية مضافاً إلى إمكان الخدشة في سندها قاصرة الدلالة على المدعى كما عرفت.

نعم ، روى الصدوق في العلل والعيون عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : « إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون سائر الأشياء ، لأن الطرفين هما طريق النجاسة إلى أن قال وأما النوم ، فإن النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شي‌ء منه واسترخى ، فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلّة » (٢).

وهذه الرواية وإن كانت صريحة الدلالة على أن العلّة في ناقضية النوم غلبة خروج الريح من النائم لاسترخاء مفاصله ، إلاّ أن الرواية لا دلالة لها على بقاء الطهارة عند العلم بعدم خروج الريح منه ، وذلك لأنها بصدد بيان الحكمة في الحكم بالانتقاض ، وأن العلة للجعل والتشريع غلبة خروج الريح حالة النوم ، لا أن الانتقاض يدور مدار خروج الريح وعدمه ، وهي نظير ما ورد من أن العلّة في تغسيل الميت هي أن الروح إذا خرجت من البدن خرجت النطفة التي خلق منها من فيه أو عينيه (٣) إلاّ أن من الظاهر أن وجوب تغسيل الميت لا يدور مدار خروج المني منه ، بحيث لو علمنا بعدم خروج النطفة من الميت في مورد لم يجب علينا تغسيله ، فخروج المني منه ليس إلاّ حكمة في الحكم بوجوب تغسيله ، ولا يعتبر في الحِكَم الاطراد ، وكذلك الحال في‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٥٣ / أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٦.

(٢) الوسائل ١ : ٢٥٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١٣. علل الشرائع : ٢٥٧ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١٠٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨٦ / أبواب غسل الميت ب ٣.

٤٤٣

العدّة الواجبة للطلاق لأنها إنما شرعت صيانة للأنساب وتحصيناً لها عن الاختلاف مع أن العدّة واجبة على المرأة العقيم وغيرها ممن لا اختلاط في حقها ، فبهذا يستكشف أن العلة المذكورة ليست من العلل الحقيقية المعتبر فيها الاطراد ، وإنما هي حكمة الجعل والتشريع ومتدرجة تحت المصالح والمفاسد الداعيتين إلى جعل الأحكام ، مضافاً إلى أن الرواية ضعيفة السند ، للضعف في طريق الصدوق إلى الفضل ابن شاذان فلاحظ.

فتحصل : أنه لا فرق في النوم الناقض بين أن يخرج من النائم ريح أو بول أو غيرهما من الأحداث الناقضة للوضوء لاسترخاء مفاصله ، وبين أن لا يخرج شي‌ء منه لبقاء التماسك المانع من استرخاء المفاصل.

الجهة الخامسة : جاء في رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل هل ينقض وضوءه إذا نام وهو جالس؟ قال : إن كان يوم الجمعة في المسجد فلا وضوء عليه ، وذلك أنه في حال ضرورة » (١) وحملها الشيخ قدس‌سره على صورة عدم التمكن من الوضوء ، قال : والوجه فيه أنه يتيمّم ويصلِّي فاذا انفض الجمع توضّأ وأعاد الصلاة ، لأنه ربما لا يقدر على الخروج من الزحمة (٢) واستبعده في المنتقى واحتمل أن تكون صادرة لمراعاة التقية بترك الخروج للوضوء في تلك الحال (٣). واعترض عليه بأن المورد ليس من موارد التقية بوجه ، لأن التقيّة بترك الخروج إنما يتحقّق فيما إذا كان سبب الوضوء منحصراً بالنوم عند من تتقي منه ، ولكن الحصر غير صحيح لجواز أن يكون السبب هو الحدث الذي قد لا يدركه غير صاحبه.

وربما ترد الرواية بأنها شاذة ولم ينسب العمل بها إلى أحد ، هذا.

والصحيح أن العمل بالرواية لو صح سندها مما لا مناص عنه ، وأن الحكم بعدم وجوب الوضوء في مفروضها من جهة التقية كما احتمله في المنتقى ، وذلك لأن الرجل‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٥٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١٦.

(٢) الاستبصار ١ : ٨١ / ٢٥٣.

(٣) منتقى الجمان ١ : ١٢٥.

٤٤٤

الخامس : كل ما أزال العقل (١) مثل الإغماء والسكر والجنون دون مثل البهت.

______________________________________________________

يوم الجمعة بعد ما ازدحم الناس إلى الصلاة وقامت الصفوف إن كان خرج من المسجد وخرق الصفوف من دون أن يصرح بعذرة فلا شبهة في أنه على خلاف التقية المأمور بها ، فإنّه إعراض عن الواجب المتعيّن في حقه من غير عذر وهو يستتبع الحكم بفسقه على الأقل. وإن كان قد خرج مصرحاً بعذرة أيضاً ارتكب خلاف التقية ، لأن النوم اليسير أو النوم جالساً ولو كان غير يسير ليس من النواقض عند كثير منهم كما عرفت ، فكيف يمكن أن يعلل الخروج بالنوم اليسير أو بالنوم جالساً ومن هنا ورد في الرواية « أنه في حال ضرورة » وعليه فلا مناص من الحكم بصحة صلاته لأنها مع الطهارة على عقيدتهم ، وإن كان الأمر على خلاف ذلك عندنا لانتقاض وضوئه بالنوم ، وهي نظير ما إذا توضأ على طريقتهم بأن مسح على الخف أو غسل منكوساً تقيّة ، لأنه متطهر حينئذ على عقيدتهم ولأجله يحكم بصحّة صلاته للعمومات الدالّة على أن التقيّة في كل شي‌ء كما يأتي تفصيله في محلِّه (١) إن شاء الله.

فالمتحصل : أن الرجل إذا نام في المسجد يوم الجمعة وهو جالس لم يحكم بوجوب الوضوء في حقه فيما اقتضت التقية ذلك ، بل لا بدّ من الحكم بصحّة صلاته ، فالعمل بالرواية على طبق القاعدة. اللهمّ إلاّ أن يقوم إجماع تعبّدي على بطلان وضوئه أو صلاته في مفروضها ، إذ معه لا بدّ من الحكم بالبطلان لأنه دليل شرعي يخصص به عمومات التقيّة.

(١) المتسالَم عليه بين الأصحاب قدس‌سرهم أن الإغماء والسكر وغيرهما من الأسباب المزيلة للعقل ناقض كالنوم ، والعمدة في ذلك هو التسالم والإجماع المنقولين عن جمع غفير. نعم توقّف في ذلك صاحبا الحدائق (٢) والوسائل (٣) قدس‌سرهما إلاّ أن مخالفتهما غير مضرة للإجماع ، لما مرّ غير مرة من أن الاتفاق بما هو كذلك مما‌

__________________

(١) في بحوث التقية الجهة الثانية ذيل المسألة [٥٢٧].

(٢) الحدائق ٢ : ١٠٧.

(٣) الوسائل ١ : ٢٥٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ٤ ذيل الحديث ١.

٤٤٥

لا اعتبار به ، وإنما المدار على حصول القطع أو الاطمئنان بقول المعصوم عليه‌السلام من اتفاقاتهم ، وحيث إنّا نطمئن بقوله عليه‌السلام من اتفاق الأصحاب قدس‌سرهم في المسألة فلا مناص من اتباعه ، وإن خالف فيها من لم يحصل له الاطمئنان بقوله عليه‌السلام من إجماعهم.

وقد ذكر المحقق الهمداني قدس‌سره (١) : أنه قلّما يوجد في الأحكام الشرعية مورد يمكن استكشاف قول الامام عليه‌السلام أو وجود دليل معتبر من اتفاق الأصحاب مثل المقام ، كما أنه قلّما يمكن الاطلاع على الإجماع لكثرة ناقلية واعتضاد نقلهم بعدم نقل الخلاف كما فيما نحن فيه ، فلعل الوجه في مخالفة صاحبي الحدائق والوسائل عدم تمامية الإجماع عندهما.

ثم إن اتفاقهم هذا في المسألة إن استكشفنا منه قوله عليه‌السلام ولو على وجه الاطمئنان فهو ، وإلاّ فلتوقفهما مجال واسع.

وقد يستدل على ذلك بوجوه : منها : صحيحة زرارة المتقدِّمة (٢). « قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ما ينقض الوضوء؟ فقالا : ما يخرج من طرفيك الأسفلين ... والنوم حتى يذهب العقل » وما رواه عبد الله بن المغيرة ومحمد بن عبد الله في الحسن عن الرضا عليه‌السلام قالا : « سألناه عن الرجل ينام على دابته؟ فقال : إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء » (٣) بتقريب أن الروايتين تدلاّن على أن الوضوء ينقض بالنوم حتى يذهب العقل ، أو إذا ذهب النوم بالعقل ، ومعنى ذلك أن الناقض حقيقة هو ذهاب العقل سواء استند ذلك إلى النوم أم إلى غيره.

ويرده أن الصحيحة والحسنة إنما وردتا لتحديد النوم الناقض للوضوء ، وقد دلّتا على أن الناقض هو النوم المستولي على العين والأُذن والقلب ، وهو المعبّر عنه بذهاب العقل ، وليست فيهما أية دلالة ولا إشعار بأن الناقض ذهاب العقل بأي وجه اتفق.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٧٨ السطر ٣١.

(٢) في ص ٤٣١.

(٣) الوسائل ١ : ٢٥٢ / أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٢.

٤٤٦

ومنها : صحيحة معمر بن خلاد قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع ، والوضوء يشتد عليه ، وهو قاعد مستند بالوسائد فربما أغفى وهو قاعد على تلك الحال؟ قال : يتوضأ ، قلت له : إن الوضوء يشتد عليه لحال علته ، فقال : إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء ... » (١) وذلك بتقريبين :

أحدهما : أن الإغفاء وإن كان قد يطلق ويراد به النوم إلاّ أنه في الصحيحة بمعنى الإغماء ، وذلك لأن كلمة « ربّما » تدل على التكثير بل هو الغالب فيها على ما صرح به في مغني اللّبيب (٢) ، ومن الظاهر أن ما يكثر في حالة المرض هو الإغماء دون النوم.

ويندفع بأن الإغفاء في الصحيحة بمعنى النوم ولم تقم قرينة على إرادة الإغماء منه وأما كلمة « ربما » فهي إنما تستعمل بمعنى « قد » كما هو الظاهر منها عند الإطلاق ، فمعنى الجملة حينئذ : أنه قد يطرأ عليه الإغفاء أي النوم ، وإنما احتيج إلى استعمال تلك الكلمة مع أن النوم قد يطرأ على الإنسان من دون أن يحتاج إلى البيان ، نظراً إلى أن النوم وهو قاعد متكئ على الوسادة خلاف المعتاد ، إذ العادة المتعارفة في النوم هو الاضطجاع.

وثانيهما : أن قوله عليه‌السلام في ذيل الصحيحة : « إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء » يدل على أن خفاء الصوت على المكلف هو العلة في انتقاض الوضوء ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في ذلك بين أن يستند إلى النوم وبين استناده إلى السكر ونحوه من الأسباب المزيلة للعقل.

وفيه : أن الخفاء على نحو الإطلاق لم يجعل في الصحيحة مناطاً للانتقاض ، وإنما دلّت الصحيحة على أن خفاء الصوت في خصوص النائم كذلك ، وهذا لأن الضمير في « عليه » راجع إلى الرجل النائم ، فلا دلالة في الصحيحة على أن مجرد خفاء الصوت ينقض الوضوء.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٥٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ٤ ح ١.

(٢) مغني اللّبيب ١ : ١٨٠.

٤٤٧

ومنها : ما رواه الصدوق في العلل والعيون عن الرضا عليه‌السلام قال : « إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم إلى أن قال وأما النوم فإن النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شي‌ء منه واسترخى ، فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلّة » (١) وذلك لوحدة الملاك ، حيث إن من ذهب عقله لسكر أو إغماء ونحوهما يسترخي مفاصله ويفتح منه كل شي‌ء ، والغالب في تلك الحالة خروج الريح كما في النائم بعينه ، فهو ومن ذهب عقله سيّان في المناط.

والاستدلال بهذه الرواية في المقام قابل للمناقشة صغرى وكبرى. أما بحسب الصغرى ، فلأنه لم يعلم أن الجنون أو غيره من الأسباب المزيلة للعقل يستتبع الاسترخاء كالنوم.

وأما بحسب الكبرى ، فلأن الرواية كما مر إنما وردت لبيان حكمة التشريع والجعل والاطراد غير معتبر في الحِكَم ، ومن ثمة أوجبنا الوضوء على النائم وإن علم بعدم خروج الريح منه ، ولا يحكم بارتفاع الطهارة في من له حالة الفتور والاسترخاء إلاّ أن يعلم بالخروج. على أن الرواية ضعيفة السند كما مر.

ومنها : رواية دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام « إن الوضوء لا يجب إلاّ من حدث ، وأن المرء إذا توضأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ، ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه أو يكن منه ما يجب منه إعادة الوضوء » (٢).

ويرد عليه : أن مؤلف كتاب الدعائم وإن كان من أجلاء أصحابنا ، إلاّ أن رواياته مرسلة وغير قابلة للاعتماد عليها بوجه. على أن الرواية تشتمل على انتقاض الطهارة بالإغماء فحسب ، والتعدِّي عنه إلى الجنون والسكر وغيرهما من الأسباب المزيلة للعقل يحتاج إلى دليل. وعلى الجملة أن العمدة في المسألة هو الإجماع كما عرفت.

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٤٤٣.

(٢) المستدرك ١ : ٢٢٩ / أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٤. دعائم الإسلام ١ : ١٠١.

٤٤٨

السادس : الاستحاضة (١) القليلة ، بل الكثيرة (*) والمتوسطة ، وإن أوجبتا الغسل أيضاً ، وأما الجنابة فهي تنقض الوضوء (٢) لكن توجب الغسل فقط (٣).

______________________________________________________

(١) يأتي تحقيق الكلام في أقسام الاستحاضة من القليلة والمتوسطة والكثيرة في محله إن شاء الله ونبيّن هناك أن أياً منها يوجب الوضوء فانتظره.

(٢) وذلك للنص ، حيث ورد في صحيحة زرارة المتقدِّمة (٢) بعد السؤال عما ينقض الوضوء : « ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذّكر والدُّبر : من الغائط والبول أو مني أو ريح ، والنوم حتى يذهب العقل ... ».

(٣) كما يأتي في محله ، وأما سائر الأحداث الكبيرة كالنفاس ومس الميت فللكلام فيها جهتان قد اختلطتا ، وذلك لأنه قد يقع الكلام في أن الأحداث الكبيرة غير الجنابة هل توجب الوضوء وتنقضه أو لا؟ وأُخرى يتكلّم في أن الاغتسال منها هل يغني عن الوضوء كما في الاغتسال من الجنابة أو لا بدّ معه من الوضوء؟ وهاتان جهتان إحداهما أجنبية عن الأُخرى كما ترى. فان الرجل المتوضئ إذا مس ميتاً ، أو امرأة متوضئة إذا نفست زماناً غير طويل كنصف ساعة ونحوها ، وقع الكلام في أن ذلك المس أو النفاس هل ينقضان الوضوء بحيث لو أرادا الصلاة بعدهما وجب عليهما الوضوء وإن اغتسلا من المس أو النفاس ، بناء على عدم إغناء كلّ غسل عن الوضوء سوى غسل الجنابة ، أو أن وضوءهما يبقى بحاله ولا ينتقض بالمس والنفاس؟

والمكلف في مفروض المثال وإن لم يمكنه الدخول في الصلاة ما لم يغتسل لمكان الحدث الأكبر ، إلاّ أنه متوضئ على الفرض بحيث لو اغتسل من المس والنفاس ولو قلنا بعدم إغناء الغسل عن الوضوء جاز له الدخول في الصلاة من دون حاجة إلى التوضؤ بوجه ، وإنما مثّلنا بالمس والنفاس ولم نمثّل بحدث الحيض ، لأن أقله ثلاثة أيام ومن البعيد أن لا يطرأ على الحائض في تلك المدة شي‌ء من نواقض الوضوء كالنوم‌

__________________

(*) وجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة مبني على الاحتياط.

(١) في ص ٤٣١.

٤٤٩

[٤٦٢] مسألة ١ : إذا شك في طروء أحد النواقض بنى على العدم (١) وكذا إذا شك في أن الخارج بول أو مذي مثلاً ، إلاّ أن يكون قبل الاستبراء فيحكم بأنه بول ، فان كان متوضئاً انتقض وضوءه كما مر.

[٤٦٣] مسألة ٢ : إذا خرج ماء الاحتقان ولم يكن معه شي‌ء من الغائط لم ينتقض الوضوء ، وكذا لو شك في خروج شي‌ء من الغائط معه.

______________________________________________________

والبول والغائط والريح ، وفرض الكلام في الحائض التي لم يكن لها حدث سوى الحيض يلحق بالأُمور الفرضية التي لا واقع لها بوجه.

وإذا فرضنا رجلاً أو امرأة قد أحدث بالبول أو النوم ونحوهما ثم مس الميت أو نفست قليلاً ، وقع الكلام في أن الغسل من المس أو النفاس في حقهما هل يغني عن الوضوء أو يجب عليهما التوضؤ بعد الاغتسال؟ وهذا لا لأن الأحداث الكبيرة غير الجنابة تنقض الوضوء ، بل لعدم كون المكلف على وضوء ، وعدم إغناء كل غسل عن الوضوء. فهاتان جهتان لا بدّ من التعرض لكل منهما على حدة فنقول :

أمّا الجهة الأُولى ، فالتحقيق عدم انتقاض الوضوء بالأحداث الكبيرة غير الجنابة إذ لا دليل يدل عليه ولم نعثر في ذلك على رواية ولو كانت ضعيفة ، بل الدليل على عدم انتقاض الوضوء بها ، وهو الأخبار الحاصرة للنواقض في البول وغيره من الأُمور المتقدِّمة ، ولم يعد منها مس الميت والنفاس والحيض ، نعم الجنابة ناقضة للوضوء بالنص كما مر ، ولعل هذا هو السبب في عدم تعرض الماتن لغير الجنابة من الأحداث الكبيرة ، فالفارق بين الجنابة وغيرها هو النص.

وأمّا الجهة الثانية ، فسيأتي تحقيق الكلام في تلك الجهة عند تعرض الماتن للمسألة في محلِّها (١) إن شاء الله.

(١) بلا فرق في ذلك بين الشك في وجود الناقض والشك في ناقضية الموجود فيبني في كلتا الصورتين على العدم بالاستصحاب ، وقد دلت على ذلك صحيحة زرارة‌

__________________

(١) في المسألة [٧٦٨].

٤٥٠

[٤٦٤] مسألة ٣ : القيح الخارج من مخرج البول أو الغائط ليس بناقض وكذا الدم الخارج منهما (١) إلاّ إذا علم أن بوله أو غائطه صار دماً وكذا المذي (٢)

______________________________________________________

حيث قال : « لا حتى يستيقن أنه قد نام .... وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا تنقض اليقين أبداً بالشك وإنما تنقضه بيقين آخر » (١) فان موردها وإن كان هو الشك في النوم إلاّ أن تعليلها أقوى شاهد على عدم اختصاص الحكم به ، ومن ذلك يظهر عدم اختصاص الاستصحاب بموارد الشك في الوجود ، وجريانه عند الشك في ناقضية الموجود أيضاً للتعليل.

نعم ، إذا تردد البلل الخارج المشكوك فيه بين البول والمذي مثلاً ، وكان ذلك قبل الاستبراء من البول حكم بناقضيته ونجاسته ، وهذا لا من ناحية عدم جريان الاستصحاب فيه ، بل للأخبار الدالّة على ذلك تقديماً للظاهر على الأصل وقد تقدمت في محلِّها (٢). ومما ذكرناه في هذه المسألة ظهر الحال في المسألة الآتية فلا نطيل.

(١) لأدلة حصر النواقض في البول والغائط والريح والمني والنوم ، فالقيح والدم الخارجان من مخرج البول أو الغائط غير مؤثرين في الانتقاض ، اللهمّ إلاّ أن يكون خروجه بحيث يصدق عليه أنه يبول أو يتغوّط دماً ، لا أنه لا يبول ولا يتغوّط وإنما يخرج الدم من أسفلية ، وذلك لأنه على الثاني لا يصدق عليه انّه يبول أو يتغوّط كما لا يصدق على الخارج منه أنه بول أو غائط.

(٢) الأخبار الواردة في المذي على طوائف أربع :

الأُولى : ما دلّ على عدم ناقضية المذي مطلقاً كحسنة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ولا تنقض له الوضوء وإن بلغ عقبيك ، فإنّما ذلك بمنزلة النخامة ... » (٣) وبهذا المضمون عدة من الأخبار ، وهي وإن لم تكن متواترة بالمعنى‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

(٢) في ص ٣٩١ وما بعدها.

(٣) الوسائل ١ : ٢٧٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٢.

٤٥١

المصطلح عليه إلاّ أن دعوى القطع بصدور بعضها عنهم عليهم‌السلام غير بعيدة جدّاً.

الثانية : ما دلّ على أن المذي ينقض الوضوء مطلقاً سواء أكان عن شهوة أم لم يكن ، وذلك كما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام قال : « سألته عن المذي ، فأمرني بالوضوء منه ، ثم أعدت عليه في سنة أُخرى فأمرني بالوضوء منه وقال : إن علياً عليه‌السلام أمر المقداد بن الأسود أن يسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحيا أن يسأله ، فقال : فيه الوضوء » (١) وبالإطلاق صرح في صحيحة يعقوب بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يمذي فهو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة ، قال : المذي منه الوضوء » (٢).

الثالثة : الأخبار الدالّة على التفصيل بين المذي الخارج بشهوة وبين الخارج لا عن شهوة ، بالنقض في الأول دون الأخير ، وذلك كرواية أبي بصير قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام المذي يخرج من الرجل ، قال : أحد لك فيه حداً؟ قال قلت : نعم جعلت فداك ، قال فقال : إن خرج منك على شهوة فتوضأ وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه الوضوء » (٣) وصحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المذي أينقض الوضوء؟ قال : إن كان من شهوة نقض » (٤) وغيرهما من الأخبار.

الرابعة : ما ورد في عدم ناقضية المذي الخارج بشهوة ، وذلك كصحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس في المذي من الشهوة ولا من الإنعاظ ولا من القبلة ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد » (٥). والوجه في عدم إلحاقها بالمراسيل ما ذكرناه غير مرة من أن التعبير بـ « غير واحد » إنما يصح فيما إذا كانت الواسطة جماعة من الرّواة ، ولا نحتمل أن يكون الجميع غير موثقين ، بل لا أقل من أن يوجد‌

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) ، (٤) الوسائل ١ : ٢٧٩ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٩ ، ١٦ ، ١٠ ، ١١.

(٥) الوسائل ١ : ٢٧٠ / أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٢.

٤٥٢

فيهم ثقات لو لم يكن جلهم كذلك ، بل التعبير بذلك ظاهر في كون الرواية مسلمة عنده ومن هنا أرسلها إرسال المسلمات ، وهذا هو الحال في تعبيراتنا اليوم.

وما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد قال : « اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست أثوابي وتطيبت ، فمرت بي وصيفة ففخذت لها ، فأمذيت أنا وأمنت هي ، فدخلني من ذلك ضيق ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : ليس عليك وضوء ولا عليها غسل » (١) ومحل الاستشهاد بها هو قوله : « ليس عليك وضوء » وأما نفيها الغسل عن الوصيفة فيأتي الكلام عليه في الكلام على غسل الجنابة إن شاء الله. وهذه الرواية واردة في المذي الخارج بشهوة ، بل موردها من أظهر موارد الخروج كذلك.

هذه هي الأخبار الواردة في المقام ، والطائفة الأُولى الدالّة على عدم انتقاض الوضوء بالمذي مطلقاً ، والطائفة الثانية الدالّة على انتقاض الوضوء به متعارضتان والنسبة بينهما هو التباين والترجيح مع الطائفة الاولى من جهات :

الاولى : أنها مشهورة وهي تقتضي ترجيحها على الطائفة الثانية بناء على أن الشهرة من المرجحات.

الثانية : أنها توافق العام الفوق ، وهي الأخبار الحاصرة للنواقض في البول والغائط والريح والمني والنوم ، لاقتضائها عدم انتقاض الوضوء بغيرها من الأسباب ، وموافقة السنّة من المرجحات.

الثالثة : أنها موافقة للكتاب ، لأن مقتضى إطلاق قوله عزّ من قائل ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) ( ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٢) أن من قام من النوم أو غيره من الأحداث الصغيرة إلى الصلاة فتوضأ أو كان جنباً فاغتسل ، له أن يدخل في الصلاة مطلقاً ، أي خرج منه المذي بعد الغسل أو الوضوء أم لم يخرج‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٨٠ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ١٣ ، ٢ : ١٩١ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٢٠.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

٤٥٣

فمقتضى إطلاق الآية عدم انتقاض الوضوء بالمذي ، وقد ذكرنا في محله أن الرواية المخالفة لإطلاق الكتاب إذا كانت معارضة بما يوافق الكتاب سقطت عن الحجية ، وموافقة الكتاب من المرجحات.

الرابعة : أنها مخالفة للعامّة ، لأن أكثرهم لولا كلهم مطبقون على النقض به (١) فالطائفة الثانية ساقطة عن الاعتبار.

وأمّا الطائفة الثالثة الدالّة على انتقاض الوضوء بالمذي الخارج عن شهوة ، فهي غير صالحة لتقييد الطائفة الاولى في نفسها ، مضافاً إلى أنها مبتلاة بالمعارض الراجح. أمّا عدم صلاحيتها للتقييد في نفسها ، فلأن المذي إذا كان هو الماء الرقيق الخارج عند الملاعبة والتقبيل ونحوهما ، والجامع هو الشهوة كما في بعض اللّغات (٢) بل هو المصرح به في مرسلة ابن رباط ، حيث فسرت المذي بما يخرج من شهوة (٣) ومن هنا كان يستحيي علي عليه‌السلام أن يسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حكم المذي كما في بعض الأخبار (٤) كانت الطائفة الثالثة والأولى متعارضتان بالتباين لدلالة الثالثة على أن المذي وهو الماء الخارج عند الشهوة ناقض للوضوء ، وتدل الاولى على أن المذي بهذا المعنى غير ناقض له ، وقد تقدم أن الترجيح مع الطائفة الاولى من جهات.

وإذا كان المذي أعم مما يخرج عند الشهوة أو لا معها ، فلا إشكال في أن الظاهر المنصرف إليه والفرد الغالب من المذي خصوص ما يخرج عند الشهوة ، ولا يمكن معه الجمع بين الطائفتين بحمل الاولى على الثالثة ، لاستلزامه تخصيص الطائفة الاولى مع ما هي عليه من الكثرة والتواتر الإجمالي على الفرد النادر لندرة المذي الخارج من دون شهوة ولا يعد هذا من الجمع العرفي بين المتعارضين ، فالطائفتان متعارضتان بالتباين والترجيح مع الطائفة الأُولى كما مرّ.

__________________

(١) راجع المغني ١ : ١٩١ المسألة ٢٣٤ ، ١٩٤ المسألة ٢٣٨ ، والبدائع ١ : ٢٤ ، والبداية ١ : ٣٤.

(٢) كما في مجمع البحرين [ ١ : ٣٨٨ ] ولسان العرب [ ١٥ : ٢٧٤ ] والثاني غير مشتمل على الماء الرقيق.

(٣) ، (٤) الوسائل ١ : ٢٧٨ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٦ ، ٩.

٤٥٤

والوذي (١) والودي (٢) والأوّل هو ما يخرج بعد الملاعبة ،

______________________________________________________

وأما معارضتها بالمعارض الراجح ، فلأجل أنها معارضة مع الطائفة الرابعة بالتباين ، وهي مرجحة على الطائفة الثالثة بالمرجحات الأربعة المتقدِّمة من الشهرة وموافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة.

(١) اشتملت عليه مرسلة ابن رباط المتقدِّمة ، ومن المحتمل القريب أن يكون الوذي هو الودي ، وغاية الأمر أنه قد يعبّر عنه بالذال المعجمة ، وأُخرى بالدال غير المعجمة ، ويدلُّ على ما ذكرناه صحيحة ابن سنان الآتية (١) لدلالتها على حصر الخارج من الإحليل في المني والمذي والودي ، إذ لو كان هناك ماء آخر وهو الوذي لم يكن الحصر بحاصر. ويؤيده ما ذكره الطريحي في مجمع البحرين من أن ذكر الوذي مفقود في كثير من كتب اللّغة (٢) ، ولم نعثر عليه في أقرب الموارد بعد الفحص عنه. وعلى الجملة الوذي هو الودي ويأتي في التعليقة الآتية أن الودي ليس من الأسباب الناقضة للوضوء.

ثم لو قلنا بأنه غير الودي كما تقتضيه المرسلة المتقدِّمة ، فلا بد من الرجوع فيه إلى إطلاق الكتاب والأخبار الحاصرة للنواقض في الأُمور المتقدِّمة ، وهما يقتضيان عدم انتقاض الوضوء بالوذي.

(٢) وردت كلمة الودي في روايات ثلاث :

إحداها : مرسلة ابن رباط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يخرج من الإحليل المني والوذي والمذي والودي ، فأما المني فهو الذي يسترخي له العظام ، ويفتر منه الجسد وفيه الغسل ، وأما المذي فيخرج من شهوة ولا شي‌ء فيه ، أما الودي فهو الذي يخرج بعد البول ، وأما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء ولا شي‌ء فيه » (٣).

__________________

(١) في التعليقة الآتية.

(٢) مجمع البحرين ١ : ٤٣٣.

(٣) الوسائل ١ : ٢٧٨ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٦.

٤٥٥

والثاني ما يخرج بعد خروج المني ، والثالث ما يخرج بعد خروج البول.

______________________________________________________

وثانيتها : حسنة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة ، فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ، ولا تنقض له الوضوء وإن بلغ عقبيك ، فإنّما ذلك بمنزلة النخامة ، وكل شي‌ء خرج منك بعد الوضوء فإنّه من الحبائل أو من البواسير وليس بشي‌ء ، فلا تغسله من ثوبك إلاّ أن تقذره » (١).

وثالثتها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ثلاث يخرجن من الإحليل وهنّ المني وفيه الغسل ، والودي فمنه الوضوء ، لأنه يخرج من دريرة البول ، قال : والمذي ليس فيه وضوء إنما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف » (٢).

أمّا المرسلة فهي إنما اشتملت على تفسير الودي ولم تتعرض لحكمه ، اللهمّ إلاّ أن يستفاد ذلك مما ذكره عليه‌السلام في المذي بقرينة السياق.

وأما الحسنة والصحيحة فهما متعارضتان ، لدلالة إحداهما على انتقاض الوضوء بالودي ودلالة الأُخرى على عدمه. وفي الوسائل أن الشيخ حمل الصحيحة على من ترك الاستبراء بعد البول ، لأنه إذا خرج منه شي‌ء حينئذ فهو من بقية البول لا محالة. واستجوده في الحدائق (٣) ولعل الشيخ قدس‌سره نظر في ذلك إلى رفع المعارضة بالجمع الدلالي ، للأخبار الواردة في البلل المشتبه الخارج بعد البول وقبل الاستبراء منه ، إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه ، لأن ترك الاستبراء من البول إنما يقتضي الحكم بناقضية البلل إذا اشتبه ودار أمره بين البول والمذي مثلاً ، وأما عند العلم بأن البلل الخارج وذي أو مذي أو غيرهما فلا موجب للحكم بانتقاض الوضوء به ، للعلم بعدم كونه بولاً. فالصحيح أن يقال : إن الروايتين متعارضتان ولا بدّ من علاج التعارض بينهما ، والترجيح مع الحسنة للوجوه المتقدِّمة في المذي من الشهرة وموافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامّة.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١ : ٢٧٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٢ ، ١٤.

(٣) الحدائق ٢ : ١١٩.

٤٥٦

[٤٦٥] مسألة ٤ : ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب المذي والودي والكذب والظلم والإكثار من الشعر الباطل (١) ،

______________________________________________________

(١) الموارد التي ذكرها الماتن قدس‌سره ونقل استحباب الوضوء بعدها عن جماعة من العلماء على قسمين :

فان في جملة منها ربما يوجد القائل بانتقاض الوضوء بها من أصحابنا ولا يوجد القائل به في جملة منها.

أمّا ما لا يوجد القائل بانتقاض الوضوء به كمس الكلب وغيره ، فالأمر بالوضوء بعده وإن كان ورد في بعض الأخبار كما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من مسّ كلباً فليتوضّأ » (١) إلاّ أنه لا بدّ من حملها على التقية ، وذلك لإطلاق الأخبار الحاصرة للنواقض في البول والغائط والريح والمني والنوم ، فان رفع اليد عن أمثال تلك المطلقات الدالّة على الحصر إذا ورد نص على خلافها ، وإن كان من الإمكان بمكان كما التزمنا بذلك في الصوم وقيدنا إطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث ( أربع ) خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء » (٢) بما دلّ على بطلانه بالحقنة بالمائعات ، أو الكذب على الله أو رسوله أو الأئمة عليهم‌السلام أو بغيرهما من المفطرات ، وذلك لأن الإطلاق في الصحيحة وإن كان من القوة بمكان ولكنها بلغت من القوة ما بلغت لا يمكنها أن تعارض مع النص الدال على خلافها ، إلاّ أن الأخبار الحاصرة في المقام أقوى من الأخبار الدالّة على الانتقاض بمس الكلب ونحوه ، إذ الأخبار الحاصرة وردت لبيان أن الوضوء لا ينتقض بتلك الأشياء الشائع القول بانتقاض الوضوء بها ، كالقبلة والمس والضحك وغيرها ، وأنه إنما ينتقض بالبول والغائط والريح والمني والنوم ، ولذلك يتقدم عليها لا محالة. هذا‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٧٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١١ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

٤٥٧

مضافاً إلى النصوص الواردة في عدم انتقاض الوضوء بجملة من تلك الأُمور (١) ومعه تحمل الأخبار الواردة في انتقاض الوضوء بها على التقيّة.

وأمّا ما يوجد القائل بانتقاض الوضوء به من أصحابنا فهو ستة أُمور :

منها : التقبيل ، حيث نسب إلى ابن الجنيد القول بانتقاض الوضوء بالتقبيل المحرم إذا كان عن شهوة (٢) ، واستدلّ عليه بموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قبّل الرجل مرأة من شهوة أو مس فرجها أعاد الوضوء » (٣) وهي كما ترى أعم لعدم تقييدها القبلة بما إذا كانت محرمة ، ولم ترد رواية في انتقاض الوضوء بخصوص القبلة عن حرام. على أنها معارضة بغير واحد من الأخبار المعتبرة الدالّة على عدم انتقاض الوضوء بالقبلة ، منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ليس في القبلة ولا المباشرة ولا مسّ الفرج وضوء » (٤) ومنها : غير ذلك من الأخبار.

ودعوى : أن الصحيحة مطلقة فيقيد بالموثقة الدالّة على انتقاض الوضوء بالقبلة الصادرة عن شهوة وتحمل الصحيحة على القبلة لا عن شهوة.

مندفعة بأن حمل الصحيحة على القبلة الصادرة لا عن شهوة ليس من الجمع العرفي بينهما ، لأن الغالب في القبلة صدورها عن شهوة ، والقبلة لا عن شهوة فرد نادر لا يمكن حمل الصحيحة عليه ، هذا مضافاً إلى الأخبار الحاصرة لأنها أيضاً معارضة مع الموثقة.

ومنها : مسّ الدُّبر والقُبْل والذّكر ، والانتقاض بذلك أيضاً منسوب إلى ابن الجنيد فيما إذا مس عن شهوة باطن فرجه أو باطن فرج غيره محللاً كان أم محرماً (٥) كما نسب‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٦٠ / أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠.

(٢) المختلف ١ : ٩٢.

(٣) الوسائل ١ : ٢٧٢ / أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٩.

(٤) الوسائل ١ : ٢٧٠ / أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٣.

(٥) المختلف ١ : ٩١ المسألة ٤٩.

٤٥٨

إلى الصدوق فيما إذا مس الإنسان باطن دبره وإحليله (١) ، واستدل عليه بالموثقة المتقدِّمة ، وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن الرجل يتوضأ ثم يمسّ باطن دبره قال : نقض وضوءه ، وإن مس باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة ، وإن فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة (٢).

وهذه الموثقة مضافاً إلى معارضتها مع الأخبار المتقدِّمة الحاصرة للنواقض في البول والغائط وأخواتهما معارضة بغير واحد من الأخبار الواردة في عدم انتقاض الوضوء بمس الفرج والذكر منها : صحيحة زرارة المتقدِّمة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ليس في القبلة ولا المباشرة ولا مس الفرج وضوء » (٣) ومنها : موثقة سماعة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يمس ذكره أو فرجه أو أسفل من ذلك وهو قائم يصلي يعيد وضوءه؟ فقال : لا بأس بذلك إنما هو من جسده » (٤) ومنها غير ذلك من الأخبار ، ويظهر من التعليل في موثقة سماعة أنه لا فرق في عدم انتقاض الوضوء بين مس باطن الفرجين ومس ظاهريهما ، لأن الباطن كالظاهر من جسده ، ومعه لا بدّ من حمل الموثقة على التقية. وبما ذكرناه يظهر الجواب عن الموثقة المتقدِّمة أيضاً.

ومنها : القهقهة ، وقد حكي القول بالانتقاض بها أيضاً عن ابن الجنيد مقيداً بما إذا كان متعمداً وفي الصلاة ، لأجل النظر أو سماع أمر يضحكه (٥) واستدل عليه بموثقة سماعة قال : « سألته عما ينقض الوضوء؟ قال : الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلاّ شيئاً تصبر عليه ، والضحك في الصلاة والقي‌ء » (٦) وهي أيضاً‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٩.

(٢) الوسائل ١ : ٢٧٢ / أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ١٠.

(٣) الوسائل ١ : ٢٧٠ / أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٣.

(٤) الوسائل ١ : ٢٧٢ / أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٨.

(٥) المختلف ١ : ٩٣.

(٦) الوسائل ١ : ٢٦٣ / أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ١١.

٤٥٩

محمولة على التقية ، لمعارضتها مع الأخبار الحاصرة للنواقض ، وما دلّ على أن القهقهة غير ناقضة للوضوء كحسنة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة » (١).

ويظهر من قوله عليه‌السلام « وتنقض الصلاة » أن القهقهة المحكومة بعدم كونها ناقضة للوضوء هي القهقهة التي لو كانت صادرة في أثناء الصلاة انتقضت بها الصلاة فالقهقهة في أثنائها غير ناقضة للوضوء وإن انتقضت بها الصلاة. وتوهم إن الحسنة إنما دلت على عدم انتقاض الوضوء بالقهقهة فتحمل الموثقة على انتقاضه بالتبسم والضحك من دون قهقهة جمعاً بين الروايتين سخيف غايته ، إذ لا يحتمل أن ينتقض الوضوء بالضحك دون القهقهة ، لأنها إذا لم توجب الانتقاض لم ينتقض بالتبسم والضحك بطريق أولى.

ومنها : الدم الخارج من السبيلين المحتمل مصاحبته بشي‌ء من البول أو الغائط أو المني ، وهذا أيضاً منسوب إلى ابن الجنيد (٢) وقد استدل عليه بقاعدة الاحتياط بتقريب أن الواجب إنما هو الدخول في الصلاة مع الطهارة اليقينية ، ومع احتمال استصحاب الدم شيئاً من النجاسات الناقضة للوضوء يشك في الطهارة فلا يحرز أن الصلاة وقعت مع الطهارة ، بل لا يجوز معه الدخول في الصلاة ، لأن المأمور به إنما هو الدخول فيها مع الطهارة اليقينية. وفيه : أن مقتضى استصحاب عدم خروج شي‌ء من النواقض مع الدم أن المكلف لم تنتقض طهارته ويجوز له الدخول في الصلاة ، كما أن صلاته وقعت مع الطهارة اليقينية بالاستصحاب.

ومنها : الحقنة ، وانتقاض الوضوء بها أيضاً منسوب إلى ابن الجنيد (٣) ولم نقف في ذلك له على دليل إلاّ أن يستند إلى الأخبار الواردة في أن الوضوء لا ينقضه إلاّ ما خرج من طرفيك الأسفلين أو من طرفيك اللّذين أنعم الله بهما عليك (٤) نظراً إلى أن‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٦١ / أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ٤.

(٢) المختلف ١ : ٩٦ المسألة ٥٤.

(٣) المختلف ١ : ٩٦ المسألة ٥٣.

(٤) الوسائل ١ : ٢٤٩ / أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٢ ، ٥.

٤٦٠