موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

خصوصاً الراكد (١) وخصوصاً في الليل (٢) والتطميح بالبول (٣) أي البول في الهواء‌

______________________________________________________

قبر أو بال قائماً أو بال في ماء قائماً ... فأصابه شي‌ء من الشيطان ، لم يدعه إلاّ أن يشاء الله ... » (١) وفي رواية عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : « لا تشرب وأنت قائم ولا تبل في ماء نقيع ... » (٢) وفي مرسلة حكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « قلت له : يبول الرجل في الماء؟ قال : نعم ولكن يتخوّف عليه من الشيطان » (٣) وفي مرسلة مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إنه نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلاّ من ضرورة ، وقال : إن للماء أهلاً » (٤) وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « لا تشرب وأنت قائم ولا تطف بقبر ، ولا تبل في ماء نقيع ... » (٥) إلى غير ذلك من الأخبار.

(١) الخصوصية مستفادة من الجمع بين الأخبار المتقدِّمة الناهية من البول في الماء وبين الأخبار الواردة في المقام كصحيحة الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري وكره أن يبول في الماء الراكد » (٦) ورواية عنبسة بن مصعب ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبول في الماء الجاري قال : لا بأس به إذا كان الماء جارياً » (٧) إلى غير ذلك من الأخبار ، وذلك لأن مقتضى الجمع بين الطائفتين والتفصيل بين الجاري وغيره في هذه الروايات ، حمل الطائفة الثانية على خفة الكراهة في الجاري ، والأولى على شدتها في الماء الراكد.

(٢) علل ذلك بأن الماء للجن بالليل وأنه مسكنهم ، فلا يبال فيه ولا يغتسل لئلاّ تصيبه آفة من جهتهم ، كذا حكي عن العلاّمة (٨) والشهيد (٩) وغيرهما.

(٣) لما في مرسلة الصدوق من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٢٩ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ٣٤٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٤ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٦.

(٣) الوسائل ١ : ٣٤٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٤ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٦.

(٤) الوسائل ١ : ٣٤٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٤ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٦.

(٥) الوسائل ١ : ٣٤٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٤ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٦.

(٦) الوسائل ١ : ١٤٣ / أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ١ ، ٢.

(٧) الوسائل ١ : ١٤٣ / أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ١ ، ٢.

(٨) نهاية الأحكام ١ : ٨٣.

(٩) الذكرى : ٢٠ السطر ٢٢.

٤٢١

والأكل (١) والشرب حال التخلِّي بل في بيت الخلاء مطلقاً (٢) والاستنجاء باليمين (٣) وباليسار إذا كان عليه خاتم فيه اسم الله (٤)

______________________________________________________

يطمح الرجل ببوله في الهواء من السطح أو من الشي‌ء المرتفع (١) وغيرها.

(١) لمرسلة الفقيه قال : « دخل أبو جعفر الباقر عليه‌السلام الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه فقال : تكون معك لآكلها إذا خرجت فلما خرج عليه‌السلام قال للملوك : أين اللقمة؟ فقال : أكلتها يا ابن رسول الله فقال عليه‌السلام إنها ما استقرت في جوف أحد إلاّ أوجبت له الجنة ، فاذهب فأنت حر فإني أكره أن استخدم رجلاً من أهل الجنّة » (٢) وغيرها من الأخبار المتحدة معها في المفاد.

وتقريب الاستدلال بها أن قوله عليه‌السلام « تكون معك لآكلها إذا خرجت » يكشف عن مرجوحية الأكل في بيت الخلاء ، لأنه لولا مرجوحيته لم يكن عليه‌السلام يؤخر أكل اللقمة بوجه ، لعلمه بأنّها ما استقرت في جوف أحد إلاّ أوجبت له الجنة. نعم لا دلالة لها على كراهة الأكل حال التخلي وإن استدلّ بها بعضهم على كراهة الأكل حالئذ.

(٢) إلحاقاً له بالأكل بحسب الفتوى.

(٣) لجملة من الأخبار كما مرّ (٣).

(٤) كما عن المبسوط (٤) والمهذب (٥) والوسيلة (٦) والتذكرة (٧) وغيرها للاخبار المتضافرة.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٥٢ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣٣ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٩ / ٥٠.

(٢) الوسائل ١ : ٣٦١ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣٩ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٨ / ٤٩.

(٣) في ص ٤١٤.

(٤) المبسوط ١ : ١٨.

(٥) المهذب ١ : ٤١.

(٦) الوسيلة : ٤٨.

(٧) التذكرة ١ : ١٣٣.

٤٢٢

منها : رواية الحسين بن خالد عن أبي الحسن الثاني عليه‌السلام قال « قلت له : إنّا روينا في الحديث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يستنجي وخاتمه في إصبعه وكذلك كان يفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان نقش خاتم رسول الله : محمّد رسول الله ، قال : صدقوا ، قلت : فينبغي لنا أن نفعل قال : إن أُولئك كانوا يتختّمون في اليد اليمنى فإنّكم أنتم تتختّمون في اليسرى » (١).

ومنها : رواية عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لا يمس الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله تعالى ، ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله ... » (٢) لعدم القول بالفصل بين الجنب وغيره ، وغير ذلك من الروايات.

وفي قبالها رواية وهب بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان نقش خاتم أبي : العزة لله جميعاً وكان في يساره يستنجي بها ، وكان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه‌السلام الملك لله وكان في يده اليسرى يستنجي بها » (٣) إلاّ أنها ساقطة عن الاعتبار بوجوه :

أحدها : أنها رواية شاذة لا تقاوم الأخبار المتضافرة في المقام.

وثانيها : أنها معارضة في موردها لاشتمالها على أن النبي والوصي عليهما‌السلام كانا يتختّمان باليسار ، مع أن رواية الحسين بن خالد المتقدِّمة صريحة في أنهما كانا يتختمان باليمين ، ومعه لا بدّ من حمل رواية وهب على التقية لموافقتها العامة (٤).

وثالثها : أن الرجل عامي خبيث ومعروف بالكذب على الله وملائكته ورسله ، بل قيل إنه أكذب البرية وهو يروي المنكرات فلا يصغي إلى روايته أبداً ، ولا يقاس ضعفه بضعف غيره من الرّواة.

ويُستفاد من بعض الأخبار كراهة إدخال الخاتم الذي فيه اسم الله على الخلاء وإن‌

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ١ : ٣٣١ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ٣ ، ٥ ، ٨.

(٤) في تفسير روح البيان ج ٤ ص ١٤٢ الأصل التختم باليمين ولما صار شعار أهل البدعة والظلمة صارت السنة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا.

٤٢٣

وطول المكث في بيت الخلاء (١) والتخلِّي (٢) على قبور المؤمنين (٣) إذا لم يكن هتكاً‌

______________________________________________________

لم يكن في اليد التي يستنجي بها ، كما في رواية عمار المتقدِّمة حيث ورد في ذيلها : « ولا يدخل المخرج وهو عليه » ورواية أبي أيوب قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدخُل الخلاء وفي يدي خاتم فيه اسم من أسماء الله تعالى؟ قال : لا ، ولا تجامع فيه » (١) إلاّ أنهما محمولتان على صورة ما إذا كان الخاتم في اليد التي يستنجي بها ، وذلك لما دلت عليه رواية الحسين بن خالد المتقدِّمة من أن النبي والولي عليهما‌السلام كانا يتختّمان باليمين ويدخلان الخلاء ، ويستنجيان وخاتمهما في إصبعيهما.

(١) لجملة من الأخبار الواردة في أن طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور منها : مرسلة الصدوق قال « قال أبو جعفر عليه‌السلام طول الجلوس على الخلاء يورث الباسورة » (٢).

(٢) للأخبار الدالّة على أن التغوّط بين القبور مما يتخوّف منه الجنون (٣) أو أن من تخلّى على قبر فأصابه شي‌ء من الشيطان لم يدعه إلاّ أن يشاء الله (٤) وفي بعض الروايات النبوية : « إياكم والبول على المقابر فإنّه يورث البرص » (٥) وأن من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوّط فكأنما جلس على جمرة من نار (٦).

(٣) قال في كشف الغطاء : يكره التخلي على القبر حيث لا يكون محترماً ، وإذا كان محترماً فمحرم وربما كان مكفراً ، ويقوى استثناء قبر الكافر والمخالف (٧) ، ولكن النصوص والفتاوى خاليتان عن التقييد بالمؤمن كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٣٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ٣٣٦ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٠ ح ٢.

(٣) ، (٤) الوسائل ١ : ٣٢٩ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٦ ح ٢ ، ١.

(٥) كنز العمال ٩ : ٣٦٤ / ٢٦٤٨٣.

(٦) كنز العمال ج ٩ ، ٣٦٤ / ٢٦٤٨٤.

(٧) كشف الغطاء : ١١٨ السطر ١٥.

٤٢٤

وإلاّ كان حراماً (١) واستصحاب الدرهم البيض (٢) بل مطلقاً (٣) إذا كان عليه اسم الله (٤) أو محترم آخر ، إلاّ أن يكون مستوراً (٥) والكلام (٦) في غير الضرورة (٧)

______________________________________________________

(١) لحرمة هتك المؤمن حيّاً وميِّتاً.

(٢) لما رواه غياث عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام أنه كره أن يدخل الخلاء ومعه درهم أبيض إلاّ أن يكون مصروراً (١).

(٣) قيل لأنه لا يفهم الخصوصية للأبيض بعد تقييده بما كان عليه اسم الله ، لقرب دعوى أن الوجه في الكراهة حينئذ هو احترام الكتابة. وفيه ما لا يخفى على الفطن.

(٤) لعلّه لمعروفية نقش ذلك على الدراهم البيض في ذلك العصر ، كذا في الجواهر (٢).

(٥) لقوله عليه‌السلام في الرواية المتقدِّمة : « إلاّ أن يكون مصروراً » كما مرّ.

(٦) لرواية أبي بصير قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تتكلم على الخلاء فإنّه من تكلم على الخلاء لم تقض له حاجة » (٣) ورواية صفوان عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط ، أو يكلمه حتى يفرغ » (٤) وعن المحاسن عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « ترك الكلام في الخلاء يزيد في الرزق » (٥).

(٧) كما إذا اضطر إلى التكلم لأجل حاجة يضر فوتها ، وقد علله في مصباح الفقيه بانتفاء الحرج والضرر لحكومة أدلتهما على العمومات المثبتة للأحكام (٦).

وفيه : أن أدلّة نفي الحرج والضرر ناظرة إلى نفي الأحكام الإلزامية الحرجية أو‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٣٢ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ٧.

(٢) الجواهر ٢ : ٧٥.

(٣) الوسائل ١ : ٣١٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ٦ ح ٢.

(٤) الوسائل ١ : ٣٠٩ / أبواب أحكام الخلوة ب ٦ ح ١.

(٥) المستدرك ١ : ٢٥٧ / أبواب أحكام الخلوة ب ٦ ح ٣.

(٦) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٩٥ السطر ٢.

٤٢٥

إلاّ بذكر الله (١) أو آية الكرسي (٢)

______________________________________________________

الضررية ، ولا تشمل الأحكام غير الإلزامية إذ لا حرج في فعل المستحب وترك المكروه ، ولا امتنان في رفعهما لمكان الترخيص في ترك أحدهما وارتكاب الآخر وأدلة نفي الضرر مسوقة للامتنان فلا يجري فيما لا امتنان فيه.

(١) لصحيحة أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « مكتوب في التوراة التي لم تغيّر أن موسى سأل ربه فقال : إلهي إنه يأتي عليَّ مجالس أُعزك وأُجلك أن أذكرك فيها ، فقال : يا موسى ، إن ذكرى حسن على كل حال » (١) وحديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « اذكروا الله عزّ وجلّ في كل مكان فإنّه معكم » (٢) وغيرهما من الروايات.

(٢) لرواية عمر بن يزيد قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن؟ قال : لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي ويحمد الله ، وآية على رواية الشيخ وآية الحمد لله ربّ العالمين على رواية الصدوق (٣) وهي على طريقه صحيحة بناء على أن عمر بن يزيد هو عمر بن محمّد بن يزيد بياع السابري وفي بعض الأخبار المروية عن أبي عبد الله عليه‌السلام سألته أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوّط القرآن؟ قال يقرءون ما شاؤوا » (٤) وهي بظاهرها تقتضي عدم كراهية قراءة القرآن مطلقاً. وفي الجواهر : لم أعثر على مفت به بل صرح بعضهم بكراهة ما عداها (٥) وهو مقتضى الجمع بين الروايتين لصراحة الاولى في المنع وعدم الترخيص في الزائد على آيتي الكرسي والحمد ، والثانية تقتضي الجواز ، والجمع بين المنع والجواز ينتج الكراهة.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣١٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ٧ ح ١.

(٢) المستدرك ١ : ٢٥٧ / أبواب أحكام الخلوة ب ٧ ح ٣.

(٣) الوسائل ١ : ٣١٢ / أبواب أحكام الخلوة ب ٧ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٣٥٢ / ١٠٤٢ ، الفقيه ١ : ١٩ / ٥٧.

(٤) الوسائل ١ : ٣١٣ / أبواب أحكام الخلوة ب ٧ ح ٨.

(٥) الجواهر ٢ : ٧٤.

٤٢٦

أو حكاية الأذان (١) أو تسميت العاطس (٢)

[٤٥٩] مسألة ١ : يكره حبس البول أو الغائط (٣) وقد يكون حراماً إذا كان مضرّاً (٤) وقد يكون واجباً كما إذا كان متوضئاً ولم يسع الوقت للتوضؤ بعدهما‌

______________________________________________________

(١) لرواية أبي بصير قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ، ولا تدع ذكر الله عزّ وجلّ في تلك الحال ، لأن ذكر الله حسن على كل حال » (١) وصحيحة محمد بن مسلم المروية عن العلل عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال له : يا محمد بن مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزّ وجلّ وقل كما يقول المؤذن » (٢) ورواية سليمان بن مقبل المديني قال : « قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام لأي علة يستحب للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن وإن كان على البول والغائط؟ فقال : لأن ذلك يزيد في الرزق » (٣).

(٢) لرواية مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « كان أبي يقول : إذا عطس أحدكم وهو على خلاء فليحمد الله في نفسه » (٤) هذا إن أُريد بالتسميت تحميد العاطس نفسه ، وأما لو أُريد به ظاهره وهو الدعاء للغير عند العطاس ، فلم ترد رواية في استثنائه في المقام ، نعم يمكن أن يندرج تحت مطلق الذكر.

(٣) وفي الرسالة الذهبية : « ومن أراد أن لا يشتكي مثانته فلا يحبس البول ولو على ظهر الدابة » (٥) وفي الفقه الرضوي : « وإذا هاج بك البول فبل » (٦) هذا كله في البول ، وأما الغائط فلم نعثر على رواية تدل على كراهة حبسه ولو على مسلك القوم فلاحظ.

(٤) لا يمكن المساعدة على ما أفاده بإطلاقه ، لأن الإضرار بإطلاقه لم تثبت حرمته‌

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ١ : ٣١٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٨ ح ٢ ، ١ ، ٣.

(٤) الوسائل ١ : ٣١٣ / أبواب أحكام الخلوة ب ٧ ح ٩.

(٥) المستدرك ١ : ٢٨٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٩ ح ٤ ، الرسالة الذهبية : ٣٥.

(٦) المستدرك ١ : ٢٨٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٩ ح ٥ ، فقه الرضا : ٣٤٠.

٤٢٧

والصلاة وقد يكون مستحباً كما إذا توقف مستحب أهم عليه (١).

[٤٦٠] مسألة ٢ : يستحب البول (٢) حين إرادة الصلاة وعند النوم ، وقبل‌

______________________________________________________

بدليل ، وإنما يحرم بعض المراتب منه كما إذا أدى إلى تلف النفس ونحوه.

(١) وجوب الصلاة مع الطهارة المائية عند التمكّن من الماء وإن كان مما لا تردد فيه ، إلاّ أنه لا ملازمة بين وجوب ذي المقدّمة ومقدّمته ، ولا وجوب شرعي للمقدّمة كما ذكرناه في محلِّه ، فلا وجه للحكم بوجوب الحبس من تلك الجهة ، وأما الحكم بوجوبه من جهة حرمة تفويت القدرة وعدم جواز تعجيز النفس عن الصلاة الاختيارية المأمور بها فهو أيضاً كسابقه ، لأن لازم ذلك الحكم بحرمة البول وترك الحبس لا الحكم بوجوب الحبس ، نعم لا مانع من الحكم بوجوبه عقلاً لعدم حصول الواجب إلاّ به ، ومن هذا يظهر الكلام في الحكم باستحباب حبس البول إن توقف عليه مستحب آخر أهم.

(٢) الموارد التي ذكرها الماتن قدس‌سره في هذه المسألة لم يثبت استحباب البول فيها بدليل ، نعم ورد في الخصال عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال لابنه الحسن عليه‌السلام : « ألا أُعلمك أربع خصال تستغني بها عن الطب؟ قال : بلى ، قال : لا تجلس على الطعام إلاّ وأنت جائع ، ولا تقم من الطعام إلاّ وأنت تشتهيه ، وجوّد المضغ ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء ، فاذا استعملت هذا استغنيت عن الطب » (١) وفي من لا يحضره الفقيه : « من ترك البول على أثر الجنابة أوشك تردّد بقيّة الماء في بدنه فيورثه الداء الذي لا دواء له » (٢) وفي الجعفريات عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا جامع الرجل فلا يغتسل حتى يبول مخافة أن يتردد بقية المني فيكون منه داء لا دواء له » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ٢٤٥ / أبواب آداب المائدة ب ٢ ح ٨ ، الخصال ١ : ٢٢٨ / ٦٧.

(٢) الفقيه ١ : ٤٦.

(٣) المستدرك ١ : ٤٨٥ / أبواب الجنابة ب ٣٧ ح ١.

٤٢٨

الجماع ، وبعد خروج المني ، وقبل الركوب على الدابة ، إذا كان النزول والركوب صعباً عليه ، وقبل ركوب السفينة إذا كان الخروج صعباً.

[٤٦١] مسألة ٣ : إذا وجد لقمة خبز في بيت الخلاء يستحب أخذها وإخراجها وغسلها ، ثم أكلها (١).

فصل في موجبات الوضوء ونواقضه

وهي أُمور‌ : الأوّل والثاني : البول والغائط من الموضع الأصلي ولو غير معتاد ، أو من غيره مع انسداده ، أو بدونه بشرط الاعتياد أو الخروج على حسب المتعارف. ففي غير الأصلي مع عدم الاعتياد وعدم كون الخروج على حسب المتعارف إشكال ، والأحوط النقض مطلقاً خصوصاً إذا كان دون المعدة (٢).

______________________________________________________

فعلى طريقتهم لا مانع من التمسك بالرواية الأُولى على استحباب البول والغائط عند النوم ، لا خصوص البول كما في المتن وبالروايتين الأخيرتين على استحبابه بعد الجماع وبعد خروج المني ، لا قبل الجماع كما في المتن.

(١) لما ورد من أن أبا جعفر الباقر عليه‌السلام أو الحسين بن علي عليه‌السلام دخل الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه فقال : تكون معك لآكلها إذا خرجت ، فلما خرج قال للمملوك : أين اللّقمة؟ فقال : أكلتها يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عليه‌السلام : إنها ما استقرت في جوف أحد إلاّ وجبت له الجنة فاذهب فأنت حر ، فإني أكره أن أستخدم رجلاً من أهل الجنّة (١).

فصل في موجبات الوضوء ونواقضه‌

(٢) لا إشكال ولا خلاف في أن البول والغائط الخارجين من الموضع الخلقي‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٦١ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣٩ ح ١ ، ٢.

٤٢٩

الطبيعي ناقضان للوضوء بمقتضى النصوص المتواترة : منها : صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك أو النوم » (١) ومنها : صحيحته الثانية : « قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : ما ينقض الوضوء؟ فقالا : ما يخرج من طرفيك الأسفلين : من الذكر والدبر من الغائط والبول ... » الحديث (٢) ومنها غير ذلك من الأخبار.

بل قامت على ذلك ضرورة الإسلام وإن لم يكن خروجهما من المخرج الطبيعي أمراً اعتيادياً للمكلف ، كما إذا جرت عادته على البول والغائط من غير سبيليهما الأصليين لعارض ، حيث تشمله النصوص المتقدِّمة الواردة في أن الخارج من الطرفين اللّذين أنعم الله بهما عليك ينقض الوضوء كالبول والغائط والريح ، وأما مثل القيح والمذي ونحوهما فهو إنما خرج بالدليل. ولا يفرق في ذلك بين أن يكون أخذ الخروج من الطرفين في لسان الروايات المتقدِّمة من جهة المعرفية لما هو الناقض حقيقة أعني البول والغائط ونحوهما ، وإن لم يصرح عليه‌السلام باسمهما ، وبين كونه من جهة الموضوعية بأن يترتّب الأثر على خروجهما من سبيلهما الطبيعيين لا على نفس البول والغائط الخارجين ، لأنّ النصوص على كلا الفرضين شاملة للبول والغائط الخارجين من سبيليهما الطبيعيين وإن كانت عادته على خلافه ، فهذا مما لا تأمل فيه.

وإنما الكلام فيما يخرج من غير المخرج الطبيعي إذا كانت عادته على البول والغائط من سبيلهما الأصليين ، بأن لا ينسد المخرج الطبيعي وانفتح غيره ، فهل ينقض به الوضوء؟ فيه خلاف بين الأعلام ، والمشهور عدم النقض إلاّ مع الاعتياد. وعن الشيخ قدس‌سره التفصيل بين الخارج مما دون المعدة وما فوقها والتزم بالنقض في الأول دون الأخير (٣). وعن السبزواري قدس‌سره عدم النقض مطلقاً أي مع الاعتياد وعدمه (٤). واختاره صاحب الحدائق قدس‌سره (٥) وذهب جماعة منهم المحقق‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١ : ٢٤٨ / أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ١ ، ٢.

(٣) المبسوط ١ : ٢٧.

(٤) لاحظ ذخيرة المعاد : ١٢.

(٥) الحدائق ٢ : ٩٠.

٤٣٠

الهمداني قدس‌سره إلى النقض مطلقاً (١).

وما التزم به المشهور هو الصحيح ، وذلك لأن حمل « ما خرج من طرفيك الأسفلين » الوارد في جملة من الأخبار على المعرفية المحضة بعيد ، ويزيد في الاستبعاد صحيحة زرارة « قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : ما ينقض الوضوء؟ فقالا : ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذكر والدبر : من الغائط والبول أو مني أو ريح ، والنوم حتى يذهب العقل » (٢) حيث صرحت بالذكر والدبر والغائط والبول ، فلو كان المناط في النقض مجرد خروج البول والغائط ، ولم يكن للخروج من السبيلين أثر ودخل ، كان ذكر الأسفلين وتفسيرهما بالذكر والدبر لغواً لا محالة ، فهذه الصحيحة وغيرها مما يشتمل على العنوان المتقدم أعني قوله « ما خرج من طرفيك » واضحة الدلالة على أن للخروج من السبيلين مدخلية في الانتقاض فلا ينتقض الوضوء بما يخرج من غيرهما.

وعلى الجملة : إنّ من خرج غائطه أو بوله من غير المخرجين من دون أن يكون ذلك عاديا له ، كما إذا خرج بوله بالإبرة المتداولة في العصور المتأخرة ، لا يمكننا الحكم بالانتقاض في حقه لعدم شمول الأخبار له.

ودعوى أن الاستدلال بقوله : « من طرفيك الأسفلين » ونحوه من العبائر الواردة في الأخبار من الاستدلال بالمفهوم ، ولا مفهوم للقيود ، مندفعة بأن المفهوم فيها للحصر لا للقيد ، حيث إن زرارة في الصحيحة المتقدِّمة سألهما عليهما‌السلام عمّا ينقض الوضوء فقالا وهما في مقام البيان ـ : « ما يخرج من طرفيك الأسفلين » فهو حصر للناقض فيما يخرج من الطرفين.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٧٥ السطر ٣٢.

(٢) الوسائل ١ : ٢٤٩ / أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٢.

٤٣١

ثم إنّ الصحيحة في الوافي (١) والحدائق (٢) والكافي (٣) والفقيه (٤) قد نقلت كما نقلناه أي بعطف كل من البول والمني والريح بـ « أو » ولم يعطف البول فيها بالواو والمني والريح بأو كما في الوسائل ، ومعه لا تشويش في الرواية بوجه ، ولا حاجة إلى دعوى أن المني معطوف على اسم الموصول ، والبول على الغائط وهما أي البول والغائط بيان للموصول وتفسير له ، بل الصحيح أن المذكورات في الصحيحة عدا النوم تفسير للموصول بأجمعها ، وكأنها اتي بها تقييداً لإطلاق « ما يخرج من طرفيك الأسفلين » وبياناً لعدم انتقاض الوضوء بكل ما يخرج من الطرفين ، وأنه إنما ينتقض بالمذكورات الأربعة إذا خرجت من السبيلين.

نعم ، لا مناص من الالتزام بالنقض فيما إذا كان الخروج من غير السبيلين الأصليين اعتيادياً للمكلف لانسداد المخرج الطبيعي ، وذلك لأن الصحيحة وغيرها من الأخبار المتقدِّمة غير ناظرة إلى تلك الصورة إثباتاً ونفياً ، إذ الخطاب في الصحيحة شخصي قد وجه إلى زرارة وهو كان سليم المخرجين ، وحيث لا يحتمل أن تكون له خصوصية في الحكم بتاتاً كان الحكم شاملاً لغيره من سليمي المخرجين ، وأما غير المتعارف السليم كمن لم يخلق له مخرج بول أو غائط أصلاً فالصحيحة غير متعرضة لحكمه ، وهذا لا للانصراف كي يدفع بأنه بدوي لا اعتبار به بل لما عرفت من أن الخطاب في الصحيحة شخصي ، إذن نرجع فيه إلى إطلاق قوله عزّ من قائل ( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) (٥) والخطاب فيها للعموم ، فاذا ذهب إلى حاجته فرجع صدق أنه جاء من الغائط وانتقضت طهارته وإن خرج غائطه من غير المخرج الأصلي.

__________________

(١) الوافي ٦ : ٢٥٠ / ٤٢٠٨.

(٢) الحدائق ٢ : ٨٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦ / ٦.

(٤) الفقيه ١ : ٣٧ / ١٣٧.

(٥) النساء ٤ : ٤٣.

٤٣٢

ودعوى أن ظواهر الكتاب ليست بحجة أو أن الاستدلال بها نوع تخمين وتخريج كما في كلام صاحب الحدائق قدس‌سره (١) مندفعة بما ذكرناه في محله من أن الظواهر لا فرق في حجيتها بين الكتاب وغيره ، كما أن الاستدلال بالآية ليس من التخمين في شي‌ء لأنه استدلال بالإطلاق والظهور.

وإلى إطلاق صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يوجب الوضوء إلاّ من غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها » (٢) وحملها على الغائط والبول الخارجين على النحو المتعارف كما صنعه صاحب الحدائق قدس‌سره مما لا وجه له ، لأنه تقييد على خلاف الظهور والإطلاق ، فما ذهب إليه السبزواري وصاحب الحدائق قدس‌سرهما من عدم انتقاض الوضوء بالبول والغائط الخارجين من غير المخرجين الطبيعيين مطلقاً ولو مع الاعتياد وانسداد المخرجين الأصليين مما لا يمكن المساعدة عليه. على أن لازمه انحصار الناقض في من خرج بوله وغائطه من غير المخرجين الأصليين بالنوم ، وهو من البعد بمكان.

وأما التفصيل بين الخارج مما دون المعدة وما فوقها كما عن الشيخ قدس‌سره فهو أيضاً لا دليل عليه ، ولعل نظره قدس‌سره إلى تعيين ما هو الموضوع في الحكم بالانتقاض وأن ما خرج عما فوق المعدة لا يصدق عليه الغائط حتى يحكم بناقضيته ، لوضوح أن الغذاء الوارد على المعدة إنما يصدق عليه الغائط إذا انهضم وانحدر إلى الأمعاء وخلع الصورة النوعية الكيلوسية التي كان متصفاً بها قبل الانحدار ، وأما إذا لم ينحدر من المعدة بل خرج عما فوقها ، فلا يطلق عليه الغائط لدى العرف بل يعبّر عنه بالقي‌ء.

وأما القول بالانتقاض ولو مع غير الاعتياد وهو الذي اختاره المحقق الهمداني قدس‌سره فقد ظهر الجواب عنه مما ذكرناه في تأييد القول المختار فلا نعيد.

فالأقوى هو القول المشهور ، وإن كان القول بالنقض مطلقاً هو الأحوط.

__________________

(١) الحدائق ٢ : ٩٠.

(٢) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٢.

٤٣٣

ولا فرق فيهما بين القليل والكثير (١) حتى مثل القطرة ، ومثل تلوّث رأس شيشة الاحتقان بالعذرة. نعم الرطوبات الأُخر غير البول والغائط الخارجة من المخرجين ليست ناقضة (٢) وكذا الدود أو نوى التمر ونحوهما إذا لم يكن متلطخاً بالعذرة (٣).

الثالث : الريح (٤)

______________________________________________________

(١) لإطلاق الأدلّة ، وتوهّم اختصاصها بالكثير نظراً إلى أنه المتعارف من البول والغائط ، مندفع بأن الكثير منهما وإن كان متعارفاً كما ذكر إلاّ أن قليلهما أيضاً متعارف لأنهما قد يخرجان بالقلة وقد يخرجان بالكثرة ، هذا على أن الناقضية حكم مترتب على طبيعي البول والغائط ولا مدخلية في ذلك للكمّ.

مضافاً إلى النصوص الواردة في بعض الصغريات ، كالأخبار الواردة في البلل المشتبه وأنه قبل الاستبراء ناقض للوضوء (١) وذلك لأن البلل المشتبه الخارج بعد البول أو المني قليل غايته ، فاذا كان المشتبه بالبولية ناقضاً للوضوء وهو قليل ، فالقليل مما علم بوليته ينقض الوضوء بالأولوية القطعية.

وما ورد في أن ما يخرج من الدبر من حب القرع والديدان لا ينقض الوضوء إلاّ أن يكون متلطخاً بالعذرة (٢) فان ما يحمله الحب والديدان من العذرة ليس إلاّ قليلاً.

(٢) لحصر النواقض فيما يخرج من السبيلين من البول والغائط والريح والمني ، مضافاً إلى النصوص الواردة في عدم انتقاض الوضوء بالمذي والودي ونحوهما (٣).

(٣) لحصر النواقض ، وللأخبار الواردة في عدم انتقاض الوضوء بما يخرج من الدبر من حب القرع والديدان إلاّ أن يكون متلطخاً بالعذرة (٤)

(٤) انتقاض الوضوء بالريح من المسائل المتسالم عليها بين الفريقين ، والنصوص في ذلك متضافرة منها : الصحاح المتقدِّمة لزرارة فليراجع ، فلا خلاف في أصل المسألة‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٨٢ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٣.

(٢) ، (٣) الوسائل ١ : ٢٧٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٢.

(٤) الوسائل ١ : ٢٥٨ / أبواب نواقض الوضوء ب ٥.

٤٣٤

الخارج (*) من مخرج الغائط إذا كان من المعدة (١) صاحب صوتاً أو لا (٢)

______________________________________________________

وإنما الكلام في بعض خصوصياتها.

(١) الكلام في ذلك هو الكلام في البول والغائط ، فان مقتضى الحصر في الأخبار المتقدِّمة ولا سيما الصحيحة الثانية لزرارة عدم الانتقاض بما يخرج من غير السبيلين سواء كان ريحاً أو بولاً أو غائطاً ، إلاّ أن ذلك يختص بالأشخاص المتعارفين أعني سليمي المخرجين ، لما مرّ من أن الخطاب في الصحيحة شخصي موجه إلى زرارة وهو سليم المخرجين ، فمن انسد سبيلاه وخرج ريحه من غير المخرجين فهو غير مشمول للأخبار ولا بدّ فيه من الالتزام بانتقاض الوضوء كما عرفته في البول والغائط ، فإنّ الصحيحة ساكتة عن مثله وغير متعرضة لحكمه إثباتاً ونفياً ، فلا مناص من الرجوع فيه إلى المطلقات كصحيحة زرارة الثالثة الدالّة على أنه لا يوجب الوضوء إلاّ غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها (٢).

(٢) لإطلاق الصحيحة الثانية لزرارة وغيرها من الأخبار الواردة في المقام ، ولا مجال لتقييدها بما في الصحيحة الثالثة له : « لا يوجب الوضوء إلاّ من غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها » (٣) وذلك لأن القيد فيها لم يذكر للاحتراز بل الوجه في التقييد به أحد أمرين :

أحدهما : أن يكون الإتيان به لبيان الطبيعة والنوع ، وهو المعبّر عنه بالقيد التوضيحي وقيد الطبيعة ، لعدم احتمال أن يكون السماع أو الوجدان الشخصيين دخيلاً في ناقضية الريح ، بأن اعتبر في الانتقاض بهما سماع من خرجت منه أو وجدانه ، فلو خرجت منه الريح وهو لم يسمع صوتها ولو لمانع خارجي من صوت غالب عليه أو صمم ونحوهما لم ينتقض وضوءه وإن سمعها غيره من المكلفين ، ومن هنا لم يفرض في الصحيحة خروج الريح من زرارة أي ممن يسمع صوتها ، وإنما دلت على أن الريح‌

__________________

(*) الاعتبار في النقض إنما هو بصدق أحد العنوانين المعهودين.

(١) ، (٢) المتقدِّمة في ص ٤٣٣.

٤٣٥

دون ما خرج من القُبْل (١) أو لم يكن من المعدة كنفخ الشيطان أو إذا دخل من الخارج ثم خرج.

______________________________________________________

الناقضة هي التي تسمع صوتها. إذن ليس القيد إلاّ لبيان نوع الريح الناقض للوضوء وأن الريح نوعان أحدهما : ما لا ينفك عن الصوت وإلاّ لم تسم ضرطة ، وثانيهما : ما يستشم رائحته نوعاً.

وثانيهما : أن يكون الإتيان به لبيان أن انتقاض الطهارة مترتب على الريح المحرزة بسماع صوتها أو استشمام رائحتها عادة ، فلا أثر للريح المشكوكة الحدوث ، فان الشيطان قد ينفخ في دبر الإنسان حتى يخيل إليه أنه خرجت منه الريح ، فلا ينقض الوضوء إلاّ ريح تسمعها أو تجد ريحها كما في صحيحة معاوية بن عمار (١) وورد في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله : « أن إبليس يجلس بين إليتي الرجل فيحدث ليشككه » (٢) فالتقييد بسماع الصوت واستشمام الرائحة من جهة أنهما طريقان عاديان للعلم بتحققها وغير مستند إلى مدخليتهما في الحكم بالانتقاض ، ومن هنا ورد في صحيحة علي بن جعفر المروية في كتابه عن أخيه عليه‌السلام بعد السؤال عن رجل يكون في الصلاة فيعلم أن ريحاً قد خرجت فلا يجد ريحها ولا يسمع صوتها قال : يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشي‌ء مما صلّى إذا علم ذلك يقيناً (٣).

(١) لا يتفق هذا في الرجال ، وعن جماعة أن ذلك يتفق في قبل النساء وأنه سبب للانتقاض ، معللين ذلك بأن له منفذاً إلى الجوف فيمكن الخروج من المعدة إليه. والصحيح عدم الانتقاض به كما ذكره الماتن قدس‌سره وذلك لأن الريح ليست ناقضة بإطلاقها وطبيعيها ، وإنما الناقض هو الريح المعنونة بالضرطة أو الفسوة كما في الصحيحة المتقدِّمة آنفاً ، والريح الخارجة من القبل لا تسمّى ضرطة ولا فسوة ، وكذا الحال فيما لم يخرج من المعدة كنفخ الشيطان أو الريح الداخلة من الخارج بالاحتقان ونحوه ، إذ لا يطلق عليهما شي‌ء من العنوانين المتقدِّمين.

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ١ : ٢٤٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٣ ، ٥ ، ٩.

٤٣٦

الرابع : النوم مطلقاً وإن كان في حال المشي إذا غلب على القلب والسمع والبصر ، فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل إلى الحد المذكور (١).

______________________________________________________

(١) الكلام في هذه المسألة يقع من جهات :

الاولى : أن ناقضية النوم للوضوء في الجملة مما لا شبهة فيه ، ويدلُّ عليه من الكتاب قوله عزّ من قائل ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ... ) (١) وذلك بأحد وجهين :

أحدهما : أن المراد بالقيام في الآية المباركة هو القيام من النوم ، وذلك لموثقة ابن بكير قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... ) ما يعني بذلك؟ قال : إذا قمتم من النوم ، قلت : ينقض الوضوء؟ فقال : نعم إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع الصوت » (٢) وقد نقل عن العلاّمة في المنتهي (٣) والشيخ في التبيان (٤) إجماع المفسِّرين عليه ، فالآية المباركة ببركة الموثقة والإجماع قد دلت على أن النوم ينقض الوضوء وأنه سبب في إيجابه.

وثانيهما : أن الآية المباركة في نفسها مع قطع النظر عن الإجماع والموثقة تدل على وجوب الوضوء عند مطلق القيام ، سواء أُريد به القيام من النوم أو من غيره ، وإنما خرجنا عن إطلاقها في المتطهر بالإجماع والضرورة القائمين على أن المتطهر لا يجب عليه التوضؤ ثانياً ، سواء قام أم لم يقم ، فالآية المباركة بإطلاقها دلت على وجوب التوضؤ عند القيام من النوم.

وأمّا ما دلّ عليه من السنة فهو جملة كثيرة من الأخبار قد وردت من طرقنا وطريق العامّة (٥) تقدمت جملة من رواياتنا في التكلم على ناقضية البول والغائط‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ١ : ٢٥٣ / أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٧.

(٣) المنتهي ١ : ١٩٥.

(٤) لاحظ التبيان ٣ : ٤٤٨.

(٥) سنن البيهقي ج ١ ص ١١٨ باب الوضوء من النوم عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن

٤٣٧

والريح ، وستطلع على جملة أُخرى منها في التكلم على جهات المسألة وخصوصياتها إن شاء الله. وبالجملة إن المسألة متفق عليها بين الفريقين ، نعم نسب الخلاف في ذلك إلى الأوزاعي من العامة وإلى الصدوق ووالده قدس‌سرهما (١).

أما صحّة النسبة إلى الأوزاعي وعدمها فلا سبيل لنا إلى استكشافها (٢).

وأما ما نسب إلى الصدوق ووالده فهو من البعد بمكان ، كيف وقد دلت على ذلك الآية المباركة ووردت فيه أخبار متضافرة قابلة للاعتماد عليها في الأحكام ، منها‌

__________________

علي بن أبي طالب عن رسول الله قال : إنما العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ. السه بفتح السين المهملة وضمها ثم الهاء المخفّفة العجز وقد يراد به حلقة الدبر. وقد أخرجه أبو داود في سننه ج ١ ص ٥٢ وابن ماجة في سننه ج ١ ص ١٦١ ورواه ابن تيمية في المنتقى مع شرحه نيل الأوطار ج ١ ص ٢٤١ وفي كنز العمال ج ٩ ح ٣٤٢ إلى غير ذلك من الروايات.

(١) حكاه عنهما في المختلف ١ : ٨٩ المسألة ٤٨.

(٢) لأنّ نسبة الخلاف إليه وإن كانت موجودة في المحلى ج ١ ص ٢٢٤ حيث قال : وذهب الأوزاعي إلى أن النوم لا ينقض الوضوء كيف كان ، إلاّ أن المصرح به في شرح صحيح مسلم على هامش إرشاد الساري في شرح البخاري ج ٢ ص ٤٥٤ أن الأوزاعي كالزهري وربيعة ومالك ذهب إلى أن كثير النوم ينقض بكل حال وقليله لا ينقض بحال ، حيث قال : اختلف العلماء في هذه المسألة على ثمانية أقوال : الأول : أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء على أي حال كان ، حكى ذلك عن أبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وأبي مجلز ( مجاز ) وحميد الأعرج وشعبة. الثاني : أن النوم ينقض الوضوء بكل حال ، وهو مذهب الحسن البصري والمزني وأبو عبيد والقاسم بن سلام وإسحاق بن راهويه ، وهو قول غريب للشافعي قال ابن المنذر وبه أقول وروى معناه عن ابن عباس وأنس وأبي هريرة. الثالث : أن كثير النوم ينقض بكل حال وقليله لا ينقض بحال ، وهو مذهب الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه. الرابع : إذا نام على هيئة من هيئات المصلي كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوءه سواء كان في الصلاة أو لم يكن ، وإن نام مضطجعاً أو مستلقياً على قفاه انتقض ، وهذا مذهب أبي حنيفة وداود وقول للشافعي غريب. الخامس : لا ينقض إلاّ نوم الراكع والساجد ، روي هذا عن أحمد بن حنبل. السادس : لا ينقض إلاّ نوم الساجد ، روي أيضاً عن أحمد. السابع : لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال وينقض خارج الصلاة ، وهو قول ضعيف للشافعي. الثامن : إذا نام جالساً ممكناً مقعدته من الأرض لم ينتقض وإلاّ انتقض سواء قل أو كثر وسواء كان في الصلاة أو خارجها ، وهو مذهب الشافعي.

٤٣٨

ما رواه هو قدس‌سره بنفسه عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام حيث سألهما عما ينقض الوضوء؟ فقالا : ما يخرج من طرفيك الأسفلين : الذكر والدبر من غائط أو بول أو مني أو ريح والنوم حتى يذهب العقل .... (١) وهي صحيحة السند ومع روايته هذه وملاحظته الآية المباركة كيف يذهب إلى عدم ناقضية النوم للوضوء.

فلعلّ نظرهما فيما ذكراه في الرسالة والمقنع من حصر نواقض الوضوء في البول والغائط والمني والريح كما ذكره صاحب الحدائق (٢) إلى أن النواقض الخارجة من الإنسان منحصرة في الأربعة في مقابل القي‌ء والقلس والقبلة والحجامة والمذي والوذي والرعاف وغيرها مما يخرج أو يصدر من الإنسان ، لأنها ليست ناقضة للوضوء خلافاً للعامة القائلين بالانتقاض بها (٣) لا أن مرادهما أن الناقض مطلقاً منحصر في الأربعة.

الجهة الثانية : النوم الناقض للوضوء هو النوم المستولي على القلب والمستتبع لذهاب العقل وتعطيل الحواس عن إحساساتها ، وإن شئت قلت : الناقض إنما هو حقيقة النوم فاذا تحققت انتقض بها الوضوء ، ويستكشف حصول تلك الحقيقة أعني الاستيلاء على القلب من النوم الغالب على الحاستين : السمع والبصر ، فإنّه أمارة على تحقّق الحقيقة الناقضة للوضوء ، لا أن نومهما موضوع للحكم بالانتقاض كي يتوهّم عدم انتقاض الوضوء في فاقد الحاستين بالنوم ، إذ لا عين له ليبصر وينام ولا اذن له ليسمع وينام.

ويدلّ على ذلك ما رواه زيد الشحام قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخفقة والخفقتين؟ فقال : ما أدري ما الخفقة والخفقتين إن الله تعالى يقول ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) إن علياً عليه‌السلام كان يقول : من وجد طعم النوم‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٧ / ١٣٧ ، الوسائل ١ : ٢٤٩ / أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٢.

(٢) الحدائق ٢ : ٩٤.

(٣) راجع الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٧٨ ٨٨.

٤٣٩

فإنّما أوجب عليه الوضوء » (١). وما رواه عبد الرحمن بن الحجاج ، وهي بمضمون الصحيحة المتقدِّمة إلاّ أنه قال : « من وجد طعم النوم قائماً أو قاعداً فقد وجب عليه الوضوء » (٢). وما رواه عبد الله بن المغيرة ومحمد بن عبد الله في الحسن عن الرضا عليه‌السلام قالا : « سألناه عن الرجل ينام على دابته؟ فقال : إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء » (٣).

وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من أن العين قد تنام وأن المعتبر هو استيلاء النوم على السمع والبصر أو هما مع القلب ، كما في صحيحة زرارة حيث قال عليه‌السلام : « يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فاذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء ... » (٤) ورواية سعد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « اذنان وعينان ، تنام العينان ولا تنام الأُذنان ، وذلك لا ينقض الوضوء ، فاذا نامت العينان والأُذنان انتقض الوضوء » (٥) فالظاهر أنه ناظر إلى بعض الأشخاص ممن لا يغمض عينيه في المنام ، فإنّه إذا لم يبصر وعيناه منفتحتان قد يشك في نومه ، ولا نظر له إلى جميع الأفراد لوضوح أن الإنسان قد يغمض عينيه قبل المنام ، ومجرد عدم الابصار لا يوجب انتقاض الوضوء فلا عبرة بنوم العين أبداً. وبما سردناه في المقام تتّحد الأخبار بحسب المفاد وتدل بأجمعها على أن الناقض حقيقة النوم ، والخفقة والخفقتان لا أثر لهما في الانتقاض.

الجهة الثالثة : مقتضى إطلاق الآية المباركة والأخبار الواردة في المقام أن النوم بإطلاقه ناقض للوضوء ، سواء أكان ذلك في حال الاضطجاع أم في حال الجلوس أو القيام ، إلاّ أن المتسالم عليه عند الحنابلة والمالكية عدم انتقاض الطهارة بالنوم اليسير بلا فرق بين الجلوس والقيام (٦) بل عن بعضهم أن النوم في حال الجلوس أو غيره من الحالات التي لا يخرج فيها الحدث عادة غير موجب للانتقاض سواء قل أم كثر (٧)

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ١ : ٢٥٤ / أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٨ ، ٩ ، ٢.

(٤) ، (٥) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١ ، ٨.

(٦) ، (٧) راجع المحلى ج ١ ص ٢٢٤ والفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٨٠ ٨١.

٤٤٠