موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٤٥٣] مسألة ٣ : لا يلزم المباشرة في الاستبراء (١) فيكفي في ترتب الفائدة أن باشره غيره كزوجته أو مملوكته.

[٤٥٤] مسألة ٤ : إذا خرجت رطوبة من شخص وشك شخص آخر في كونها بولاً أو غيره فالظاهر لحوق الحكم أيضاً (٢) من الطهارة إن كان بعد استبرائه والنجاسة إن كان قبله ، وإن كان نفسه غافلاً بأن كان نائماً مثلاً ، فلا يلزم أن يكون من خرجت منه هو الشاك ، وكذا إذا خرجت من الطفل ، وشك وليه في كونها بولاً ، فمع عدم استبرائه يحكم عليها بالنجاسة.

[٤٥٥] مسألة ٥ : إذا شك في الاستبراء يبني على عدمه (٣) ولو مضت مدّة بل ولو كان من عادته. نعم لو علم أنه استبرأ وشك بعد ذلك في أنه كان على‌

______________________________________________________

(١) لأن مقتضى الأخبار المتقدِّمة أن نتر البول ثلاثاً موضوع للحكم بطهارة البلل وعدم ناقضيته ، سواء في ذلك أن ينتره بالإصبع أو بالخرقة أو بغيرهما مما يمكن به النتر ، وسواء كان ذلك بالمباشرة أو بالتسبيب ، كما إذا نترته مملوكته أو زوجته ، لما تقدم من أن الغرض من الاستبراء إنما هو النقاء وهذا لا يفرق فيه بين آلات النتر وأنحائه.

(٢) لأن الأخبار الواردة في المقام دلتنا على أن النجاسة والناقضية حكمان مترتبان على خروج البلل المشتبه قبل الاستبراء من البول ، كما أن الطهارة وعدم الناقضية مترتبان على خروج البلل بعد الاستبراء منه ، فالحكمان مترتبان على خروج البلل بلا فرق في ذلك بين من خرج منه البلل وغيره ، بحيث لو خرج البلل من شخص بعد ما بال واعتقد كونه مذياً مثلاً وشك آخر في أنه بول أو مذي ، بنى على نجاسته وناقضيته فيما إذا خرج قبل الاستبراء من البول ، لما تقدم من أن مقتضى الروايات عدم الفرق في ذلك بين من خرج منه البلل وغيره ، كما لا فرق فيه بين أن يكون من خرج منه البلل غافلاً أو معتقداً للطهارة بالغاً كان أو غيره.

(٣) لأن الاستبراء ليس له محل مقرر شرعي ، والتجاوز عن المحل الاعتيادي‌

٤٠١

الوجه الصحيح أم لا بنى على الصحة (١).

[٤٥٦] مسألة ٦ : إذا شك من لم يستبرئ في خروج الرطوبة وعدمه بنى على عدمه (٢) ولو كان ظانّاً بالخروج ، كما إذا رأى في ثوبه رطوبة وشك في أنها خرجت منه أو وقعت عليه من الخارج.

[٤٥٧] مسألة ٧ : إذا علم أن الخارج منه مذي ، ولكن شك في أنه هل خرج معه بول أم لا ، لا يحكم عليه بالنجاسة ، إلاّ أن يصدق عليه الرطوبة المشتبهة بأن يكون الشك في أن هذا الموجود هل هو بتمامه مذي أو مركب منه ومن البول (٣).

[٤٥٨] مسألة ٨ : إذا بال ولم يستبرئ ، ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة بين‌

______________________________________________________

لا اعتبار به في جريان قاعدة التجاوز كما مر ، فأصالة عدم الاستبراء عند الشك فيه هي المحكّمة وإن لم يستبعد الماتن قدس‌سره في المسألة الخامسة من مسائل الفصل السابق جريان القاعدة عند التجاوز عن المحل الاعتيادي ، إلاّ أنه مما لا يمكن تتميمه بدليل كما عرفت.

(١) لقوله عليه‌السلام كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (١) وغيرها من الأخبار.

(٢) لأن الأخبار المتقدِّمة إنما وردت لبيان حكم الشك في صفة البلل بعد العلم بوجوده وخروجه ، بأن يشك في أنه بول أو مذي ، فالشك في أصل وجوده وأنه هل خرج منه البلل أم لم يخرج خارج عن محطها ، وأصالة العدم تقتضي الحكم بعدمه.

(٣) هذا على قسمين :

لأنه قد يقطع بأن ما يراه من الرطوبة المشتبهة مذي مثلاً ، ولكنه يشك في أنه خرج معه بول أيضاً أم لا ، وهذا مورد لأصالة عدم الخروج ، لأنه من الشك في وجود البلل وخروجه ، وقد تقدم أن مورد الأخبار هو الشك في صفة الخارج لا الشك في الخروج.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

٤٠٢

البول والمني (١) يحكم عليها بأنها بول ، فلا يجب عليه الغسل (*) ، بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء ، فإنّه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل عملاً بالعلم الإجمالي ، هذا إذا كان ذلك بعد أن توضأ ،

______________________________________________________

وقد يقطع بأن البلل الخارج منه مقدار منه كنصفه مذي مثلاً ، ولا يدري أن النصف الآخر منه أيضاً مذي أو بول وهو مشمول للإخبار ، لأنه من الشك في صفة الخارج بالإضافة إلى النصف المشكوك كونه بولاً أو مذياً وليس من الشك في الخروج.

(١) بأن علم أنها نجسة وشك في أنها هل توجب الوضوء أو أنها مني توجب الغسل ، قد حكم الماتن قدس‌سره بوجوب الوضوء حينئذ ، كما حكم بالاحتياط والجمع بين الوضوء والغسل فيما إذا خرجت بعد الاستبراء من البول.

وأُورد على ذلك بأن مورد الأخبار الواردة في المقام إنما هو البلل المردد بين البول وغير المني كالمذي ، بحيث لو كان خرج قبل الاستبراء حكم ببوليته وناقضيته ، ولو خرج بعده حكم بطهارته وكونه من الحبائل ، وأما البلل المردد بين البول والمني فالأخبار غير شاملة له ، ومقتضى العلم الإجمالي في مثله هو الجمع بين الوضوء والغسل هذا ، على أنّا لو قلنا بشمول الأخبار للبلل المردد بينهما فمقتضاه الحكم بكونه منياً فيما إذا خرج بعد الاستبراء من البول ، وذلك لما تقدم من أن الروايات المتقدِّمة قد دلت على أن البلل الخارج بعد الاستبراء من البول ليس ببول ، وإذا نفينا بوليته ثبت لازمه وهو كونه منياً في المقام ، والماتن لا يرضى بذلك ومن ثمة حكم بوجوب الجمع بين الوضوء والغسل حينئذ ، هذا.

والصحيح ما أفاده الماتن قدس‌سره وذلك لأن صحيحة محمد بن مسلم وموثقة سماعة المتقدِّمتين (٢) الدالتين على أن الجنب إذا بال وخرجت منه رطوبة مشتبهة وجب عليه الوضوء والاستنجاء دون الاغتسال لأن البول لم يدع شيئاً ، بعد تقييدهما‌

__________________

(*) هذا إذا لم يكن متوضئاً وإلاّ وجب عليه الجمع بين الوضوء والغسل على الأحوط.

(١) في ص ٣٩٥.

٤٠٣

بغير صورة الاستبراء من البول ، للأخبار الدالّة على أن البلل بعد الاستبراء لا يوجب الوضوء وأنه من الحبائل ، تدلنا على أن احتمال كون البلل المردد بين البول والمني من المني المتخلف في الطريق ساقط لا يعبأ به ، لأن البول لم يدع شيئاً فهو مقطوع العدم كما أن احتمال كونه منياً نزل من محله أو بولاً كذلك مورد لأصالة العدم ، نعم لا دافع لاحتمال كونه من البول المتخلف في الطريق ، ومن ثمة حكم في الروايتين بوجوب الوضوء والاستنجاء ، هذا فيما إذا كان المكلف جنباً وقد بال.

ومن ذلك يظهر الحال فيما إذا لم يكن جنباً وذلك لأنه لا خصوصية للجنابة فيما يستفاد من الروايتين ، فلنفرض أن المكلف لم يجنب قبل ذلك ولم يخرج منه المني حتى يحتمل أن يكون البلل الخارج منه منياً متخلفاً في الطريق وإنما بال كما هو مفروض الماتن قدس‌سره ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة ، فإن احتمال كونه بولاً أو منياً نزلا من محلهما مندفع بأصالة العدم ، واحتمال كونه بولاً متخلفاً لا دافع له ، فالرطوبة محكومة بالبولية والناقضية فلا يجب عليه إلاّ الوضوء.

فاذ قد عرفت ذلك ، ظهر لك أن ما ذكره الماتن هو الصحيح ، فان من بال ولم يستبرئ بالخرطات وخرجت منه الرطوبة المرددة بين البول والمني لم يحتمل في حقه أن تكون الرطوبة منياً تخلف في الطريق لعدم سبقه بالجنابة ، أو لو كان جنباً قبل ذلك فالبول لم يدع شيئاً في الطريق ، وأما احتمال أنها مني أو بول نزلا من محلهما فهو مندفع بأصالة العدم ولا يعتنى به بوجه. نعم احتمال أنه بول متخلف في الطريق مما لا دافع له ، لأنه لم يستبرئ على الفرض ، فالرطوبة الخارجة محكومة بالبولية والناقضية ولا يجب على المكلف سوى الوضوء كما في المتن.

وأما إذا استبرأ بالخرطات ، فكما لا يحتمل أن تكون الرطوبة منياً متخلفاً في الطريق كذلك لا يحتمل أن يكون بولاً متخلفاً لمكان الخرطات ، فيبقى احتمال كونها منياً أو بولاً نزلا من محلهما ، وكل من هذين الاحتمالين في نفسه وإن كان مورداً للأصل إلاّ أن دوران الأمر بينهما والعلم الإجمالي بأنه بول أو مني يمنع عن جريان الأصل في أطرافه ، ومعه لا مناص من الاحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء كما ذكره الماتن‌

٤٠٤

وأما إذا خرجت منه قبل أن يتوضأ فلا يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء لأن الحدث الأصغر معلوم ووجود موجب الغسل غير معلوم ، فمقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء وعدم وجوب الغسل (١).

______________________________________________________

( قدس‌سره ) هذا فيما إذا كان المكلف متوضئاً بعد الاستبراء بمكان من الوضوح ، وأما إذا خرجت منه الرطوبة قبل أن يتوضأ فستسمع الكلام عليه في التعليقة الآتية إن شاء الله.

(١) قد يقال إن المقام من موارد استصحاب كلي الحدث ، وهو من استصحاب القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي ، بناء على أن الحدث الأكبر والأصغر متضادان بحيث لو طرأ أحد أسباب الأكبر ارتفع الأصغر وثبت الأكبر مكانه ، وذلك لأن الحدث بعد ما توضأ المكلف في مفروض المسألة مردد بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ، لأن الرطوبة المرددة على تقدير أن تكون بولاً واقعاً فالحدث مقطوع الارتفاع ، وعلى تقدير أن تكون منياً كذلك فهو مقطوع البقاء ومقتضى استصحاب الحدث الجامع بينهما المتيقن وجوده قبل الوضوء بقاء الحدث ومعه يجب عليه الغسل بعد الوضوء حتى يقطع بارتفاع حدثه الثابت بالاستصحاب.

نعم ، إذا بنينا على أن الحدث الأكبر والأصغر فردان من الحدث وهما قابلان للاجتماع ، أو أن الأكبر مرتبة قوية من الحدث وإذا طرأت أسبابه تبدلت المرتبة الضعيفة بالقوية لم يجر استصحاب كلي الحدث ، لأنه من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، إذ المكلف بعد خروج البلل يشك في أن الحدث الأصغر هل قارنه الأكبر أو تبدل إلى مرتبة قوية أو أنه باق بحاله ، ومقتضى الأصل حينئذ أن الأصغر لم يحدث معه فرد آخر وأنه باق بحاله ولم يتبدل إلى مرتبة قوية ، ومعه لا يجب عليه الغسل بعد الوضوء ، هذا.

والصحيح ما أفاده الماتن قدس‌سره وذلك لما ذكرناه في محله من أن الاستصحاب إنما يجري في الكلي الجامع إذا لم يكن هناك أصل حاكم عليه كما إذا لم يكن المكلف متوضئاً في مفروض الكلام ، وأما معه فلا مجال لاستصحاب الجامع‌

٤٠٥

لتعيّن الفرد الحادث والعلم بأنه من أي القبيلين تعبداً ، وتوضيح الكلام في كبرى المسألة وتطبيقها على المقام :

أن المستفاد من قوله عزّ من قائل ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ).( ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (١) أن الوضوء إنما هو وظيفة غير الجنب ، لأنه مقتضى التفصيل الوارد في الآية المباركة ، وكذا الحال في الأخبار لما ورد من أن غسل الجنابة ليس قبله ولا بعده وضوء (٢) فعلمنا من ذلك أن الأدلّة القائمة على وجوب الوضوء للمحدث مقيدة بغير الجنب ، لأن غسل الجنابة لا يبقي مجالاً للوضوء ، وحيث إن المكلف في مفروض المسألة لم يكن متوضئاً قبل خروج الرطوبة المشتبهة وهو شاك في جنابته لاحتمال أن تكون الرطوبة بولاً واقعاً ، فمقتضى الاستصحاب عدم جنابته فهو محدث بالوجدان وليس جنباً بالاستصحاب فيحكم عليه بوجوب الوضوء لتحقق موضوعه بضم الوجدان إلى الأصل ، ومع استصحاب عدم الجنابة لا مجال لاستصحاب كلي الحدث لأنه أصل حاكم رافع للتردد والشك ، فان مقتضاه أن المكلف لم يجنب بخروج البلل وأن حدثه الأصغر باق بحاله.

بل يمكن أن يقال إن الرطوبة المشتبهة ليست بمني ، وذلك ببركة الاستصحاب الجاري في الأعدام الأزلية ، ولا يعارضه استصحاب عدم كونها بولاً ، إذ المكلف محدث بالأصغر على الفرض ولا أثر للبول بعد الحدث حتى ينفى كونها بولاً ، ولا يفرق الحال فيما ذكرناه بين أن يكون الأكبر والأصغر متضادّين أو قلنا إنهما قابلين للاجتماع ، أو أن الأكبر مرتبة قوية من الحدث والأصغر مرتبة ضعيفة ، وذلك لأن مقتضى الأصل عدم حدوث الجنابة وعدم اقتران الحدث الأصغر بالأكبر وعدم تبدله إلى المرتبة القوية من الحدث.

فما أفاده الماتن قدس‌سره من أن المكلف إذا لم يكن متوضئاً وخرجت منه الرطوبة المشتبهة ، لم يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء وعدم وجوب الجمع بينه وبين‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٤٦ / أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٢ وغيره.

٤٠٦

فصل في مستحبّات التخلِّي ومكروهاته‌

أمّا الأوّل : فإن يطلب خلوة أو يبعد حتى لا يرى شخصه (١).

______________________________________________________

الغسل ، معلّلاً بأن الحدث الأصغر معلوم ووجود موجب الغسل غير معلوم ، ومقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء وعدم وجوب الغسل ، هو الصحيح.

فصل في مستحبّات التخلِّي ومكروهاته‌

الحكم باستحباب جملة من الأُمور التي تعرض لها الماتن قدس‌سره أو كراهتها يبتني على القول بالتسامح في أدلة السنن واستحباب ما بلغ فيه الثواب وإن لم يكن الأمر كما بلغ ، والتعدي عنها إلى أدلة الكراهة ، وحيث إنّا لم نلتزم بذلك ، وقلنا إن أخبار من بلغ واردة للإرشاد إلى ترتب الثواب على العمل المأتي به انقياداً وبرجاء الثواب ، من دون أن تكون فيها أية دلالة على استحباب العمل فضلاً عن التعدي عنها إلى الكراهة ، لم يسعنا الحكم بالاستحباب أو الكراهة في تلك الأُمور ، كيف ولم يرد في بعضها سوى أن له فائدة طبية أو منفعة أو مضرة دنيويتين ، أو غير ذلك مما لا يمكن الاستدلال به على الندب أو الكراهة ، وإنما نتعرض لها تبعاً للماتن وتتميماً للكلام على طريقتهم.

(١) لجملة من الأخبار الواردة في مدحه منها : ما رواه الشهيد في شرح النفلية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه لم يرَ على بول ولا غائط (١) ومنها رواية جندب ( جنيد ) بن عبد الله قال في حديث : « ورد علي أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال يا أخا الأزد معك طهور؟ قلت : نعم ، فناولته الإداوة فمضى حتى لم أره وأقبل وقد تطهر ... » (٢) ومنها : ما ورد في وصف لقمان من أنه لم يره أحد من الناس على بول ولا غائط قط‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٠٥ / أبواب أحكام الخلوة ب ٤ ح ٣ ، شرح النفلية : ١٧.

(٢) الوسائل ١ : ٣٠٦ / أبواب أحكام الخلوة ب ٤ ح ٥.

٤٠٧

وأن يطلب مكاناً مرتفعاً للبول (١) أو موضعاً رخواً (٢) وأن يقدم رجله اليسرى عند الدخول في بيت الخلاء ، ورجله اليمنى عند الخروج (٣) وأن يستر رأسه (٤)

______________________________________________________

ولا اغتسال ، لشدّة تستّره وتحفّظه في أمره ... (١).

(١) لما في مرسلة الجعفري قال : « بت مع الرضا عليه‌السلام في سفح جبل فلما كان آخر الليل قام فتنحى وصار على موضع مرتفع فبال وتوضأ ... » (٢) ورواية ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشد الناس توقياً للبول ، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية أن ينضح عليه البول » (٣).

(٢) ففي رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فقه الرجل أن يرتاد موضعاً لبوله » (٤) أو لموضع بوله كما في مرسلة سليمان الجعفري المتقدِّمة. وفي رواية ابن مسكان : « أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية أن ينضح عليه البول ». كما تقدمت في التعليقة السابقة.

(٣) استدل على استحباب ذلك بدعوى الإجماع عليه وكونه مشهوراً عندهم كما في المدارك (٥).

(٤) ادعي عليه الاتفاق كما عن الذكرى والمعتبر (٦) لما عن المقنعة من أن تغطية الرأس إن كان مكشوفاً عند التخلي سنة من سنن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧).

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٠٥ / أبواب أحكام الخلوة ب ٤ ح ٢.

(٢) ، (٣) ، (٤) الوسائل ١ : ٣٣٨ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٢ ح ٣ ، ٢ ، ١.

(٥) المدارك ١ : ١٧٤.

(٦) الذكرى : ٢٠ السطر ٩ ، المعتبر ١ : ١٣٣.

(٧) الوسائل ١ : ٣٠٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣ ح ١.

٤٠٨

وأن يتقنع (١) ويجزئ عن ستر الرأس (٢) وأن يسمي عند كشف العورة (٣) وأن يتكئ في حال الجلوس‌

______________________________________________________

(١) لما ورد عن أبي عبد الله عليه‌السلام من أنه كان إذا دخل الكنيف يقنّع رأسه ويقول سراً في نفسه : بسم الله وبالله ... (١) وفي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر : يا أبا ذر استحي من الله ، فاني والذي نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الغائط متقنعاً بثوبي استحياء من الملكين اللذين معي ... (٢).

(٢) لعلّه لأن التقنع أخص من الستر ، فإذا تحقّق حصل الغرض الداعي إلى الأمر بالأعم.

(٣) كما ورد في مرسلة الصدوق : قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام « إذا انكشف أحدكم لبول أو لغير ذلك ، فليقل : بسم الله ، فان الشيطان يغض بصره حتى يفرغ » (٣) وقد يستدل على ذلك برواية أبي أُسامة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث أنه سئل وهو عنده : ما السنّة في دخول الخلاء؟ قال : تذكر الله وتتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم ... (٤) وبالمرسل المروي عن الصادق عليه‌السلام أنه كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه ويقول سراً في نفسه بسم الله وبالله (٥) وفيه : أنّا لو سلمنا أن المراد بالتسمية مطلق ذكر الله سبحانه ، فغاية ما يستفاد من هاتين الروايتين هو استحباب الذكر والتسمية عند دخول الكنيف والخلاء ، وأين هذا من استحبابهما عند كشف العورة فإنّهما أمران متغايران.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٠٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ١ : ٣٠٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣ ح ٣.

(٣) الوسائل ١ : ٣٠٨ / أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ٩.

(٤) الوسائل ١ : ٣٠٩ / أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ١٠.

(٥) الوسائل ١ : ٣٠٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣ ح ٢.

٤٠٩

على رجله اليسرى (١) ويفرج رجله اليمنى (٢) وأن يستبرئ بالكيفية التي مرّت (٣) وأن يتنحنح قبل الاستبراء (٤) وأن يقرأ الأدعية المأثورة بأن يقول عند الدخول :

______________________________________________________

(١) كما في الذكرى (١) وكشف الغطاء (٢) واللّمعتين (٣) ومنظومة الطباطبائي (٤) ولم يرد في أخبارنا ما يدل عليه. نعم في السنن الكبرى للبيهقي عن سراقة بن جشعم : علّمنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل أحدنا الخلاء أن يعتمد اليسرى وينصب اليمنى (٥) ولعلّه إليه أشار الشهيد في الذكرى حيث أسند ذلك إلى رواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذا العلاّمة في النهاية بقوله : لأنه علّم أصحابه الاتكاء على اليسار (٦).

(٢) كما عن جماعة ، وهو في الجملة لازم الاعتماد على اليسرى.

(٣) في الجواهر : لا خلاف فيه بين المتأخِّرين (٧). وعن ظاهر بعض المتقدمين الوجوب. وقد أشرنا سابقاً (٨) إلى أن الأخبار الواردة في الاستبراء كلها إرشادية ولا دلالة فيها على الاستحباب فضلاً عن الوجوب.

(٤) كما عن العلاّمة (٩) والشهيد (١٠) والبهائي (١١) وغيرهم ، حيث ذكروا التنحنح ثلاثاً في كيفية الاستبراء ، واعترف في الحدائق بعدم العثور على مأخذ له (١٢).

__________________

(١) الذكرى : ٢٠ السطر ٣١.

(٢) كشف الغطاء : ١١٦ السطر ١٥.

(٣) الروضة البهية ١ : ٨٦.

(٤) الدرة النجفية : ١٤.

(٥) السنن الكبرى ١ : ٩٦.

(٦) نهاية الأحكام ١ : ٨١.

(٧) الجواهر ٢ : ٥٨.

(٨) في ص ٣٩٥ تنبيه.

(٩) نهاية الأحكام ١ : ٨١.

(١٠) الذكرى : ٢٠ السطر ٣٥.

(١١) لاحظ حبل المتين : ٣٢.

(١٢) الحدائق ٢ : ٥٨.

٤١٠

اللهمّ إنّي أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم (١) أو يقول : الحمد لله الحافظ المؤدي (٢) والأولى الجمع بينهما (٣). وعند خروج الغائط : الحمد لله الذي أطعمنيه طيباً في عافية وأخرجه خبيثاً في عافية (٤)

______________________________________________________

(١) كما في رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام قال : إذا دخلت الغائط فقل : أعوذ بالله إلى آخر ما في المتن (١) إلاّ أنها غير مشتملة على لفظة « اللهمّ إني » بل الوارد فيها « أعوذ بالله » وفي مرسلة الصدوق : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد دخول المتوضأ قال : اللهمّ إلى آخر ما نقله الماتن (٢) ولكنزها مشتملة على زيادة « اللهمّ أمط عني الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم » وروى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام إذا دخلت المخرج فقل بسم الله اللهمّ إني أعوذ بك إلى آخر ما في المتن (٣) إلاّ أن « الخبيث المخبث » مقدم فيها على « الرجس النجس » كما أن فيها زيادة « بسم الله ».

(٢) كما في مرسلة الصدوق قال : « وكان عليه‌السلام إذا دخل الخلاء يقول : الحمد لله الحافظ المؤدي » (٤).

(٣) حتى يعمل بكلتا الروايتين. والأولى من ذلك الجمع بينهما وبين ما ورد في مرسلة الصدوق من أن الصادق عليه‌السلام كان إذا دخل الخلاء يقنّع رأسه ويقول في نفسه بسم الله وبالله ولا إله إلاّ الله ، رب أخرج عني الأذى سرحاً بغير حساب واجعلني لك من الشاكرين فيما تصرفه عنِّي من الأذى والغم الذي لو حبسته عني هلكت ، لك الحمد اعصمني من شر ما في هذه البقعة وأخرجني منها سالماً وحل بيني وبين طاعة الشيطان الرجيم (٥).

(٤) وفي مرسلة الصدوق « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تزحر قال : اللهمّ كما أطعمتنيه طيباً في عافية فأخرجه مني خبيثاً في عافية » (٦) وهذا كما ترى يختلف مع ما في المتن من جهات.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١ : ٣٠٧ / أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ٢ ، ٥.

(٣) ، (٤) ، (٥) ، (٦) الوسائل ١ : ٣٠٦ / أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ١ ، ٦ ، ٧ ، ٥.

٤١١

وعند النظر إلى الغائط : اللهمّ ارزقني الحلال وجنبني عن الحرام (١) وعند رؤية الماء : الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً (٢) وعند الاستنجاء : اللهمّ حصّن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرمني على النار ووفقني لما يقربني منك يا ذا الجلال والإكرام (٣) وعند الفراغ من الاستنجاء : الحمد لله الذي عافاني من البلاء‌

______________________________________________________

(١) كما في مرسلة الصدوق قال : « كان علي عليه‌السلام يقول ما من عبد إلاّ وبه ملك موكل يلوي عنقه حتى ينظر إلى حدثه ، ثم يقول له الملك : يا ابن آدم هذا رزقك فانظر من أين أخذته وإلى ما صار؟ وينبغي للعبد عند ذلك أن يقول : اللهمّ ارزقني الحلال وجنّبني الحرام » (١).

(٢) ورد هذا الدعاء في رواية عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « بينا أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات يوم جالساً مع محمّد بن الحنفية إذ قال له : يا محمّد ائتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة ، فأتاه محمد بالماء فأكفاه فصبه بيده اليسرى على يده اليمنى ، ثم قال : بسم الله وبالله والحمد لله الذي جعل الماء ... » (٢) والرواية كما ترى لا دلالة لها على استحباب ذلك عند النظر إلى الماء ، وإن ذكره جمع غفير كالمفيد في المقنعة (٣) والطوسي في مصباح المتهجد (٤) والكفعمي في المصباح (٥) والشهيد في النفلية (٦) وغيرهم من الأعلام.

(٣) كما في رواية ابن كثير الهاشمي المتقدِّمة حيث ورد فيها : « ثم استنجى فقال : اللهمّ حصّن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرّمني على النار » (٧) نعم الرواية كما في‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٣٣ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ٤٠١ / أبواب الوضوء ب ١٦ ح ١.

(٣) المقنعة : ٤٣.

(٤) مصباح المتهجد : ٧.

(٥) المصباح للكفعمي : ١٠.

(٦) الألفية والنفلية : ٩٠.

(٧) الوسائل ١ : ٤٠١ / أبواب الوضوء ب ١٦ ح ١.

٤١٢

وأماط عني الأذى (١) وعند القيام عن محل الاستنجاء يمسح يده اليمنى (٢) على بطنه ويقول : الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى (٣) وعند الخروج أو بعده : الحمد لله الذي عرفني لذته ، وأبقى في جسدي قوته ، وأخرج عني أذاه ، يا لها نعمة ، يا لها نعمة ، يا لها نعمة لا يقدر القادرون‌

______________________________________________________

الوسائل غير مشتملة على « ووفقني .... » إلى آخر ما في المتن.

(١) كما في رواية أبي بصير حيث قال عليه‌السلام : « وإذا فرغت فقل : الحمد لله الذي عافاني من البلاء وأماط عنّي الأذى » (١) بناء على أن المراد بالفراغ في الرواية هو الفراغ عن الاستنجاء لا التخلي.

(٢) كما عن المفيد قدس‌سره (٢).

(٣) ذكره الشيخ في مصباح المتهجد (٣) حيث قال : ثم يقوم من موضعه ويمر يده على بطنه ويقول : الحمد لله الذي أماط عنّي الأذى وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى فإذا أراد الخروج ... الحديث (٤) وعن الصدوق في الهداية (٥) والمقنع (٦) : إذا فرغت من حاجتك فقل : الحمد لله ... إلى آخر الدعاء. وإذا أراد الخروج ... (٧) وفي دعائم الإسلام عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إذا دخلت المخرج فقل ... فاذا فرغت فقل : الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهنأني طعامي وشرابي » (٨) ولم يذكر فيه « وعافاني من البلوى » كما أنه وكلام الصدوق غير مقيدين بحالة القيام من الموضع.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٠٧ / أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ٢.

(٢) المقنعة : ٤٠.

(٣) مصباح المتهجد : ٧.

(٤) المستدرك ١ : ٢٥٥ / أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ١٣.

(٥) الهداية : ١٦.

(٦) المقنع : ٧ ، ٩.

(٧) المستدرك ١ : ٢٥٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ١١.

(٨) المستدرك ١ : ٢٥٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ١٠ ، دعائم الإسلام ١ : ١٠٤.

٤١٣

قدرها (١) ويستحب أن يقدّم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول (٢) وإن يجعل المسحات إن استنجى بها وتراً (٣) فلو لم ينق بالثلاثة وأتى برابع يستحب أن يأتي بخامس ليكون وتراً وإن حصل النقاء بالرابع (٤). وأن يكون الاستنجاء والاستبراء باليد اليسرى (٥)

______________________________________________________

(١) ذكره الشيخ في مصباح المتهجد قال : فاذا خرج قال : الحمد لله الذي إلى آخر ما نقله في المتن (١). وفي مرسلة الصدوق « كان عليه‌السلام إذا دخل الخلاء يقول ... فاذا خرج مسح بطنه وقال : الحمد لله الذي أخرج عني أذاه وأبقى فيَّ قوته ، فيا لها من نعمة لا يقدر القادرون قدرها » (٢) وفي رواية القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن آبائه عن علي عليه‌السلام « أنه كان إذا خرج من الخلاء قال : الحمد لله الذي رزقني لذته وأبقى قوته في جسدي وأخرج عني أذاه يا لها نعمة ثلاثاً » (٣) وهاتان الروايتان غير موافقتين لما في المتن من جهات ، وعن المجلسي قدس‌سره أن أكثر العلماء جمعوا بين الروايتين وقالوا : الحمد لله الذي إلى آخر ما ذكره في المتن.

(٢) لموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بالماء يبدأ بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال : بالمقعدة ثم بالإحليل » (٤).

(٣) لما عن علي عليه‌السلام من أنه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وتراً إذا لم يكن الماء » (٥).

(٤) لإطلاق الرواية.

(٥) أما الاستنجاء فلجملة من الأخبار الواردة في النهي عن أن يستنجي الرجل‌

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٧.

(٢) الوسائل ١ : ٣٠٨ / أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ٦ ، الفقيه ١ : ١٧ / ٤٠.

(٣) الوسائل ١ : ٣٠٧ / أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ٣.

(٤) الوسائل ١ : ٣٢٣ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٤ ح ١.

(٥) الوسائل ١ : ٣١٦ / أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ٤.

٤١٤

ويستحب أن يعتبر ويتفكر في أن ما سعى واجتهد في تحصيله وتحسينه كيف صار أذية عليه ، ويلاحظ قدرة الله تعالى في رفع هذه الأذية عنه وإراحته منها (١).

وأمّا المكروهات فهي : استقبال (٢)

______________________________________________________

بيمينه ، وأن الاستنجاء باليمين من الجفاء (١) ولما أخرجه أبو داود في سننه عن عائشة من أنها قالت : كانت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى. وعن حفصة زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه ويجعل شماله لما سوى ذلك (٢) وفي المنتهي للعلاّمة (٣) عن عائشة كانت يد رسول الله اليمنى لطعامه وطهوره ويده اليسرى للاستنجاء وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استحب أن يجعل اليمنى لما علا من الأُمور واليسرى لما دنى.

وأما الاستبراء فلمرسلة الفقيه قال أبو جعفر عليه‌السلام : « إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه » (٤) وللرواية المتقدِّمة الدالّة على أن النبي استحب أن يجعل اليد اليمنى لما علا من الأُمور واليسرى لما دنى ، لأن الاستبراء من القسم الأخير.

(١) في مرسلة الفقيه كان علي عليه‌السلام يقول : « ما من عبد إلاّ وبه ملك موكل يلوي عنقه حتى ينظر إلى حدثه ثم يقول له الملك : يا ابن آدم هذا رزقك فانظر من أين أخذته وإلى ما صار ، وينبغي للعبد عند ذلك أن يقول : اللهمّ ارزقني الحلال وجنبني الحرام » (٥) وفي رواية أبي أُسامة : « يا ابن آدم انظر إلى ما كنت تكدح له في الدنيا إلى ما هو صائر » (٦).

(٢) النهي يختص باستقبال الشمس فلا كراهة في استدبارها ، نعم لا فرق في القمر‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٢١ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٢.

(٢) السنن ج ١ ص ٩.

(٣) المنتهي ١ : ٢٤٩.

(٤) الوسائل ١ : ٣٢٢ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٢ ح ٦.

(٥) ، (٦) الوسائل ١ : ٣٣٣ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٨ ح ١ ، ٥.

٤١٥

الشمس والقمر بالبول والغائط (١) وترتفع بستر فرجه ولو بيده ، أو دخوله في بناء أو وراء حائط (٢) واستقبال الريح‌

______________________________________________________

بين استقباله واستدباره للنهي عن كليهما.

(١) لجملة من الأخبار منها : رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول » (١). ومنها : ما في عوالي اللآلي عن فخر المحققين قال : « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تستقبلوا الشمس ببول ولا غائط فإنهما آيتان من آيات الله » (٢). ومنها : مرسلة الكليني قال : وروى أيضاً : لا تستقبل الشمس والقمر (٣) ومنها : مرسلة الصدوق قال : وفي خبر آخر : لا تستقبل الهلال ولا تستدبره يعني في التخلِّي ـ (٤) ومنها : غير ذلك من الأخبار.

(٢) لعلّه لما في بعض الأخبار من النهي عن البول والفرج باد للقمر يستقبل به (٥) نظراً إلى أنه مع الستر أو الدخول في البناء ونحوهما لا يكون الفرج بادياً للقمر. وفيه أن الأخبار الناهية لا تختص بتلك الرواية ، وقد تعلق النهي في جملة منها على استقبال الشمس والقمر أو استقبال الهلال واستدباره ، ولا يفرق في ذلك بين ستر الفرج والدخول في البناء وعدمهما.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٤٢ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٥ ح ١.

(٢) المستدرك ١ : ٢٧٢ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٠ ح ٢ ، عوالي اللآلي ٢ : ١٨٩ / ٧٣.

(٣) ، (٤) الوسائل ١ : ٣٤٣ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٥ ح ٥ ، ٣ ، الكافي ٣ : ١٥ / ٣ ، الفقيه ١ : ١٨ / ٤٨.

(٥) كما في حديث المناهي قال : « ونهى أن يبول الرجل وفرجه باد للشمس والقمر » ورواية الكاهلي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يبولنّ أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به » الوسائل ١ : ٣٤٣ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٥ ح ٤ ، ٢ ثم إن الوجه في حمل الرواية على الكراهة أن الحرمة في المسألة لم تنقل من أصحابنا مع أنها ممّا يكثر الابتلاء به ، والحكم في مثلها لو كان لذاع ولم يخف على المسلمين فضلاً عن الأعلام المحقِّقين ولم تنحصر روايته بواحدة أو اثنتين.

٤١٦

بالبول بل بالغائط أيضاً (١) والجلوس في الشوارع (٢)

______________________________________________________

(١) لما في مرفوعتي محمد بن يحيى وعبد الحميد بن أبي العلاء أو غيره « ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها » (١) ومرفوعة محمد بن علي بن إبراهيم « ولا تستقبل الريح لعلتين ... » (٢) وبذلك يظهر أن تخصيص الحكم باستقبال الريح كما صنعه الماتن وبعضهم مما لا وجه له ، للتصريح بالاستدبار في المرفوعتين.

(٢) ففي حديث المناهي : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبول أحد تحت شجرة مثمرة أو على قارعة الطريق » الحديث (٣) وفي حديث الأربعمائة : « لا تبل على المحجة ولا تتغوط عليها » (٤) وفي دعائم الإسلام عنهم عليهم‌السلام « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الغائط فيه أي في الماء ... وعلى الطرق ... » (٥) وفي البحار عن العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم « ... ولا يتوضأ على شط نهر جار ... ولا على جواد الطريق » (٦) وفي صحيحة عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رجل لعلي بن الحسين عليه‌السلام أين يتوضأ الغرباء؟ قال : تتقي شطوط الأنهار والطرق النافذة .. » (٧) وظاهر النهي في الصحيحة وإن كان حرمة التخلي في تلك الموارد إلاّ أنه لا مناص من حملها على الكراهة ، لتسالم الأصحاب على الجواز في تلك الموارد.

نعم ، عن المفيد (٨) والصدوق (٩) أنهما عبّرا بعدم الجواز ، ولم يعلم إرادتهما التحريم‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٠١ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢ ح ٢ ، ٦.

(٢) المستدرك ١ : ٢٤٦ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ١ : ٣٢٧ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ١٠.

(٤) الوسائل ١ : ٣٢٨ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ١٢.

(٥) المستدرك ١ : ٢٦١ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٢ ح ٢ ، دعائم الإسلام ١ : ١٠٤.

(٦) المستدرك ١ : ٢٦٢ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٢ ح ٤ ، البحار ٧٧ : ١٩٤ / ٥٣.

(٧) الوسائل ١ : ٣٢٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ١.

(٨) المقنعة : ٤١.

(٩) المقنع : ٨.

٤١٧

أو المشارع (١) أو منزل القافلة (٢) ، أو دروب المساجد (٣)

______________________________________________________

من ذلك. على أن التخلِّي في تلك المواضع ولا سيما الشوارع والزقاق كان من الأُمور المتعارفة في الأعصار السابقة ، بل الأمر كذلك حتى الآن في بعض الأمصار وكذا في القرى والبوادي ، والحكم في أمثال ذلك ممّا يعم به البلوى غالباً لو كان لاشتهر وبان ، ولورد في غير واحد من الأخبار ولم يكد يخفى على الأعلام الباحثين عن مدارك الأحكام. أضف إلى ذلك أن مساق الصحيحة وظاهرها أنها بصدد بيان السنن والآداب ليتأدب بها الغريب ، وإلاّ فالأحكام الشرعية لا فرق فيها بين الغرباء وغيرهم.

(١) جمع مشرعة وهو مورد الشاربة. وفي مرفوعة علي بن إبراهيم قال : « خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله عليه‌السلام وأبو الحسن موسى عليه‌السلام قائم وهو غلام ، فقال له أبو حنيفة : يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال : اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال ، ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول ، وارفع ثوبك ، وضع حيث شئت » (١) وفي رواية السكوني « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتغوّط على شفير بئر ماء يستعذب منها أو نهر يستعذب أو تحت شجرة فيها ثمرتها » (٢) ونظيرها رواية الحصين بن مخارق (٣) وفي صحيحة عاصم المتقدِّمة « تتقي شطوط الأنهار ... » وفي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : « وكره البول على شط نهر جار » (٤).

(٢) للأمر بالاجتناب عن منازل النزال في مرفوعة القمي المتقدِّمة (٥) ورواية إبراهيم بن أبي زياد الكرخي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث من فعلهن ملعون : المتغوّط في ظل النزال ... » (٦).

(٣) للأمر بالاجتناب عن أفنية المساجد في مرفوعة القمي المتقدِّمة (٧).

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) ، (٤) ، (٥) ، (٦) ، (٧) الوسائل ١ : ٣٢٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ٢ ، ٣ ، ٦ ، ٩ ، ٢ ، ٤ ، ٢.

٤١٨

أو الدور (١) أو تحت الأشجار المثمرة (٢) ولو في غير أوان الثمر (٣) والبول قائماً (٤)

______________________________________________________

(١) لعلّه لما ورد في صحيحة عاصم بن حميد المتقدِّمة من قوله عليه‌السلام « تتقي شطوط الأنهار ... ومواضع اللعن ، فقيل له : وأين مواضع اللّعن؟ قال : أبواب الدور » (١).

(٢) وفي صحيحة عاصم المتقدِّمة : « وتحت الأشجار المثمرة » وفي رواية الحسين ابن زيد : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبول أحد تحت شجرة مثمرة » (٢) وفي مرفوعة القمي المتقدِّمة (٣) « ومساقط الثمار » وفي رواية السكوني وابن مخارق المتقدمتين : « أو تحت شجرة فيها ثمرتها أو ثمرها » وفي مرسلة الفقيه عن أبي جعفر عليه‌السلام (٤) ووصيّة النبي المتقدِّمة (٥) « تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت » وفي رواية عبد الله بن الحسن : « تحت شجرة مثمرة قد أينعت أو نخلة قد أينعت يعني أثمرت » (٦).

(٣) ذهب إليه جماعة من المتأخرين ، وإن كانت الأخبار الواردة ظاهرة الاختصاص بحالة وجود الثمرة كما مر.

(٤) لجملة من الأخبار : منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « من تخلى على قبر أو بال قائماً ، أو بال في ماء قائماً أو مشى في حذاء واحد أو شرب قائماً ، أو خلا في بيت وحده وبات على غمر فأصابه شي‌ء من الشيطان لم يدعه إلاّ أن يشاء الله ، وأسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان وهو على بعض هذه الحالات » (٧) ومنها : مرسلة الصدوق قال : « قال عليه‌السلام البول قائماً‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٢٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ، وتقدّم في ص ٤١٧.

(٢) الوسائل ١ : ٣٢٧ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ١٠.

(٣) في ص ٤١٨.

(٤) الوسائل ١ : ٣٢٧ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٤.

(٥) في ص ٤١٨.

(٦) الوسائل ١ : ٣٢٨ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ١١.

(٧) الوسائل ١ : ٣٢٩ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٦ ح ١.

٤١٩

وفي الحمام (١) وعلى الأرض الصلبة (٢) وفي ثقوب الحشرات (٣) وفي الماء (٤)

______________________________________________________

من غير علة من الجفاء » (١) ومنها غير ذلك من الأخبار.

(١) استدل عليه بأنه من الصفات المورثة للفقر كما في الخبر (٢).

(٢) لما ورد من أن « من فقه الرجل أن يرتاد موضعاً لبوله » (٣) و « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أشدّ الناس توقِّياً للبول ، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية أن ينضح عليه البول » (٤) وفي الجواهر : يظهر من بعضهم عدم جعله من المكروهات ، بل جعل ارتياد موضع للبول من المستحبات ، والأولى الجمع بينهما للتسامح بكل منهما (٥) انتهى.

(٣) لما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنه قال : « لا يبولن أحدكم في جحر » (٦) وفي البحار عن أعلام الدين للديلمي قال : « قال الباقر عليه‌السلام لبعض أصحابه وقد أراد سفراً فقال له : أوصني ، فقال : لا تسيرن شبراً وأنت حاف ... ولا تبولنّ في نفق » الحديث (٧).

(٤) ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « من تخلّى على‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٥٢ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣٣ ح ٣.

(٢) عن الخصال [ ٢ : ٥٠٤ ] قال أمير المؤمنين عليه‌السلام « البول في الحمام يورث الفقر ». راجع البحار ٧٧ : ١٧٠ / ٩ آداب الاستبراء ومثله في المستدرك ١ : ٢٨٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٩ ح ٧ وفي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : « لا يبولنّ الرجل في ماء جار فان فعل ذلك وأصابه شي‌ء فلا يلومنّ إلاّ نفسه » الخصال ٢ : ٦١٣.

(٣) الوسائل ١ : ٣٣٨ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٢ ح ١ ، ٢.

(٤) الوسائل ١ : ٣٣٨ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٢ ح ١ ، ٢.

(٥) الجواهر ٢ : ٦٧.

(٦) كنز العمال ج ٩ ص ٣٦٤ / ٢٦٤٨١.

(٧) المستدرك ١ : ٢٨٦ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٩ ح ١٠. النَّفَق محركة ـ : سرب في الأرض له مخلص إلى مكان ، والسرب جحر الوحشي ، أعلام الدين : ٣٠٢.

٤٢٠