موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

استصحاب كلِّي الحدث.

وأمّا إذا كان هناك أصل معيّن لحال الفرد المشكوك فيه فلا يبقى لاستصحاب الكلي مجال ، كما إذا خرج المائع المردد بين البول والمني بعد الحدث الأصغر في المثال ، فان استصحاب عدم حدوث الجنابة أو عدم خروج المني معيّن للحدث المشكوك فيه ، ومقتضاه أن المكلف لم يخرج منه المني وأنه ليس بمحدث بالأكبر ، ولا يعارض ذلك استصحاب عدم خروج البول منه إذ لا أثر يترتب عليه ، حيث إن مفروض الكلام أن المكلف قد أحدث بالأصغر والمحدث لا يحدث ثانياً ولا أثر للبول بعد البول مثلاً وكيف كان فمع جريان الأصل المذكور لا يبقى لاستصحاب الحدث الكلي مجال.

ومقامنا هذا من هذا القبيل ، لأن استصحاب عدم إصابة النجاسة للمحل قبل الخروج بضمه إلى الوجدان وهو ملاقاة المحل للغائط يقتضي عدم كون الموضع متنجساً بغير الغائط فهو معيّن لحال النجاسة الحادثة المشكوكة ومعه يتخيّر بين الغسل والمسح كما تقدم.

وثانيتهما : أن يشك في طروء نجاسة أُخرى على المحل بعد خروج الغائط مع الجزم بعدم طروءها قبل الخروج ، وحال هذه الصورة حال الصورة المتقدِّمة حيث إن النجاسة الثانية مشكوكة الحدوث والأصل عدمه ، إذ المحل متنجس بالغائط بالوجدان ولم تصبه النجاسة الأُخرى بالاستصحاب فيتخيّر بين غسل المحل والتمسح بالأحجار قلنا بتنجس المتنجِّس ثانياً أم لم نقل. أما على الأول فالأمر ظاهر كما مرّ ، وأما على الثاني فلأن المحل حينئذ وإن لم يتنجّس بالنجاسة الثانية إلاّ أن المحل يتبدل حكمه بملاقاتها كما مر ، ومع الشك في تبدل حكم المحل يجري استصحاب عدم طروء النجاسة الثانية ، وعدم تبدل حكمه من التخيير إلى تعيّن الغسل بالماء ، وهو أصل موضوعي لا يجري معه استصحاب نجاسة المحل.

ودعوى : أن المقام مورد لاستصحاب نجاسة المحل للعلم بنجاسته قبل التمسح والشك في ارتفاعها بالاستجمار ، وذلك للشك في أن المحل أصابته نجاسة غير الغائط أم لم تصبه ، ومعه يجري استصحاب كلي النجاسة وهو من القسم الأوّل من استصحاب الكلِّي.

٣٨١

[٤٤٧] مسألة ٥ : إذا خرج من بيت الخلاء ، ثم شك في أنه استنجى أم لا بنى على عدمه (١) على الأحوط (*) وإن كان من عادته‌

______________________________________________________

مندفعة بأن مقتضى الأصل الجاري في الموضوع أن المحل لم تصبه أية نجاسة غير الغائط ، وذلك بضم الوجدان إلى الأصل ، وبه يثبت أن المحل متنجس بالغائط فحسب فيترتب عليه حكمه وهو التخيير بين الغسل والمسح.

وعلى الجملة إن احتمال إصابة النجاسة سواء كان قبل خروج الغائط أم بعده وسواء قلنا بتنجس المتنجِّس ثانياً أم لم نقل ، مندفع بالاستصحاب لأن المقتضي للحكم بكفاية التمسح وهو تنجس المحل بالغائط محرز بالوجدان ، فاذا شككنا في طروء المانع وهو إصابة نجاسة أُخرى للمحل يبنى على عدمه كما مر ، ولا مجال معه لاستصحاب الكلي في كلتا الصورتين.

(١) لاستصحاب عدمه وعدم جريان قاعدة التجاوز فيه ، وتوضيحه : أن قاعدة التجاوز إنما تجري فيما إذا صدق التجاوز عن المشكوك فيه ، كما إذا شك في صحة شي‌ء وفساده بعد العلم بوجوده الجامع بينهما ، لوضوح أن التجاوز عن المشكوك فيه فرع إحرازه وتحققه ، فإذا أحرز وجوده وشك في أنه هل أتى به صحيحاً أو فاسداً صدق التجاوز عن المشكوك فيه حقيقة ، وأما إذا شك في وجود شي‌ء وعدمه كما في المقام فلا يصدق أنه شي‌ء قد مضى وتجاوز عنه ، إذ لم يحرز أصل وجوده فضلاً عن التجاوز عنه ، ولعل المكلف لم يأت به أصلاً. مع أن المضي والتجاوز معتبران في القاعدة حسبما تقتضيه أدلتها على ما يأتي في محله إن شاء الله.

نعم ، دلت صحيحة زرارة : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : يمضي ، قلت : رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : يمضي ، قلت : رجل شك في التكبير وقد قرأ ، قال : يمضي ، قلت : شك في القراءة وقد ركع قال : يمضي ، قلت : شك في الركوع وقد سجد قال : يمضي على‌

__________________

(*) بل على الأظهر واحتمال جريان قاعدة التجاوز مع الاعتياد ضعيف.

٣٨٢

صلاته ، ثم قال : يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (١) وغيرها من الأخبار الواردة في القاعدة على أن التجاوز الحقيقي عن المشكوك فيه غير معتبر في جريانها ، بل المعتبر هو التجاوز عن المحلل المقرر له في الشريعة المقدسة ، لأنه عليه‌السلام قد حكم بالمضي في الشك في الموارد المسئول عنها في الصحيحة المتقدِّمة ، مع أن التجاوز عن المشكوك فيه غير محرز في شي‌ء من تلك الموارد ، لوضوح أن الشك فيها إنما هو في أصل الوجود ومعه لا يمكن إحراز التجاوز الحقيقي. وعلى الجملة دلت الصحيحة على أن التجاوز عن المحل كالتجاوز عن المشكوك فيه ، إلاّ أن شيئاً من التجاوز الحقيقي والتعبدي غير صادق فيما نحن فيه :

أمّا التجاوز حقيقة ، فلما تقدم من أن مع الشك في الوجود لا يمكن إحراز التجاوز عن المشكوك فيه.

وأمّا التجاوز تعبداً وهو التجاوز عن المحل ، فلأنه لا محل مقرر للاستنجاء في الشريعة المقدسة ، بل أي مورد استنجى فيه المكلف فهو محله ، والصلاة وإن كانت مشروطة بالطهارة أو إن النجاسة مانعة عن الصلاة على الخلاف إلاّ أن ذلك لا يستلزم أن يكون للاستنجاء محل مقرر شرعاً ، فالتجاوز التعبدي أيضاً لا تحقق له.

ودعوى : أن الاستنجاء إذا كان له محل اعتيادي كبيت الخلاء ونحوه وشك فيه بعد الخروج عنه ، صدق عليه أنه مضى وتجاوز محله.

تندفع بأن التجاوز عن المحل الاعتيادي وإن كان صادقاً عليه ، إلاّ أنه لم يقم دليل على كفايته في جريان القاعدة ، وإنما الدليل دلّ على جريانها عند التجاوز عن المحل المقرر الشرعي للمشكوك فيه ، وهو كالتجاوز الحقيقي غير صادق بالتجاوز عن المحل الاعتيادي.

نعم ، لو قلنا بكفاية التجاوز عن المحل العادي للمشكوك فيه ، لم يحتج إلى الاستنجاء بالإضافة إلى الصلوات المتأخرة عن الشك فيه ، لأن الاستنجاء حينئذ قد أحرزته قاعدة التجاوز ، نظير ما إذا شككنا في الوضوء وأحرزناه بالتعبد الشرعي‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

٣٨٣

بل وكذا لو دخل في الصلاة ثم شك (١).

______________________________________________________

بالقاعدة ، لأنه وقتئذ كما يكفي بالإضافة إلى ما بيده من الصلاة كذلك يكفي بالإضافة إلى الصلوات المتأخرة عن الشك فيه ، هذا كله في جريان قاعدة التجاوز بالإضافة إلى الاستنجاء نفسه.

(١) إذا شك في الاستنجاء وهو في أثناء الصلاة جرت قاعدة التجاوز بالإضافة إلى الأجزاء المتقدِّمة على الشك فيه ، لصدق التجاوز والمضي حقيقة ، وأما بالإضافة إلى الأجزاء الآتية فليحصّل الطهارة بالاستنجاء في أثنائها ، كما إذا لم يستلزم الفعل الكثير كالاستنجاء من البول من غير أن يكشف عورته ، أو كان بجنبه حوض ماء فدخل فيه ثم خرج وهو مستقبل القبلة ، أو استنجى بالتمسح بالحجر أو الخرقة ، فإذا حصّله في أثناء الصلاة حكم بصحتها.

لا يقال : الاستنجاء في أثناء الصلاة مما لا أثر له وهو مقطوع الفساد ، إما لأنه كان قد استنجى قبل الصلاة والاستنجاء في أثنائها من الاستنجاء على الاستنجاء وهو فاسد لا أثر له ، وإما لأنه لم يستنج قبل الصلاة والأجزاء المتقدِّمة قد وقعت باطلة لاقترانها بالمانع أعني نجاسة البدن ، ومعه لا يترتب على الاستنجاء في أثناء الصلاة أي أثر.

لأنه يقال : الأمر وإن كان كذلك بالإضافة إلى الواقع ، إلاّ أن أثر الاستنجاء في أثناء الصلاة إنما هو انقطاع الاستصحاب الجاري في نجاسة المحل ، لأنه لو لم يستنج في أثنائها لكان رفع اليد عن نجاسة المحل المتيقنة سابقاً نقضاً لليقين بالشك وهو حرام وهذا بخلاف ما إذا استنجى في أثناء الصلاة لأن رفع اليد حينئذ عن نجاسة المحل نقض لليقين باليقين ، وقد ذكرنا عند التعرض للشبهة العبائية أن الشي‌ء قد لا يكون له أثر بالإضافة إلى الواقع إلاّ أن له أثراً بالإضافة إلى انقطاع الاستصحاب والحكم الظاهري ، وهو كاف في التعبد به فلا إشكال من هذه الجهة (١). ونظيره ما ذكرناه في‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ١١٠.

٣٨٤

نعم لو شك في ذلك بعد تمام الصلاة صحت (١) ولكن عليه الاستنجاء للصلوات‌

______________________________________________________

الشك في نية الفريضة ، كما إذا رأى نفسه في أثناء الصلاة كصلاة الفجر أو الظهر أو غيرهما وعلم أنه ناو للفريضة بالفعل ، ولكنه شك في أنه هل نواها من الابتداء أو أنه نوى شيئاً غيرها ، فإن القاعدة تجري حينئذ بالإضافة إلى الأجزاء المتقدِّمة ، وبما أنه ناو للفريضة بالفعل فيحكم بصحة صلاته.

نعم ، تصحيح الصلاة بذلك يبتني على أن لا تكون الطهارة شرطاً للأكوان المتخللة في الصلاة كما أنها شرط لأفعالها ، وأما لو بنينا على ذلك وقلنا الطهارة كما أنها معتبرة في أفعال الصلاة كذلك تعتبر في الأكوان المتخللة بين أجزائها كما هو الظاهر من بعض الأخبار ، فلا يبقى مجال لتصحيح الصلاة بما مر ، وذلك لا لاعتبار عدم طروء النجاسة في أثنائها لأنها غير مانعة في الأكوان المتخللة حسبما دلت عليه صحيحة زرارة : « ولعلّه شي‌ء أُوقع عليك » (١) فلا مانع من إزالتها في أثناء الصلاة ، بل لأن المكلف في الآن الذي يشك في الاستنجاء فيه فاقد للطهارة ، بل محكوم بنجاسة البدن بمقتضى استصحابها ، وقاعدة التجاوز لا تجري بالإضافة إلى ذلك الآن لعدم التجاوز عنه كما لا يمكنه إحراز الطهارة فيه بالاستنجاء ، لأنه يحتاج إلى زمان ، وهو من الأكوان المتخللة ولم يحرز الطهارة فيه ، فلا مناص من الحكم ببطلان الصلاة بمقتضى استصحاب النجاسة السابقة.

(١) لقاعدة الفراغ لصدق المضي والتجاوز عنها حقيقة ، إلاّ أنه يستنجي للصلوات الآتية إذ لا تجري فيها القاعدة لعدم صدق المضي والتجاوز عنها حقيقة ولا تعبّداً وإجراء القاعدة بالإضافة إلى الصلاة المتقدِّمة وإن كان يلزمه تحقق الاستنجاء والطهارة لا محالة وإلاّ لم يحكم بصحة الصلاة ، إلاّ أن القاعدة لا تثبت لوازماتها قلنا إنها من الأُصول أم قلنا إنها أمارة كما اخترناه في محله ، وذلك لأن المثبت لا دليل على اعتباره في شي‌ء من الأُصول والأمارات ، وحجية الأمارات المثبتة تختص بما إذا كانت‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٨٢ / أبواب النجاسات ب ٤٤ ح ١.

٣٨٥

الآتية ، لكن لا يبعد جريان قاعدة التجاوز في صورة الاعتياد (١).

[٤٤٨] مسألة ٦ : لا يجب الدلك باليد في مخرج البول عند الاستنجاء (٢) وإن شك في خروج مثل المذي بنى على عدمه (٣) لكن الأحوط الدلك (*) في هذه الصورة.

______________________________________________________

الإمارة من سنخ الحكاية والاخبار كالخبر الواحد ونحوه ، لجريان السيرة العقلائية على الأخذ بكل من المداليل المطابقية والالتزامية في الحكاية والإخبار ، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محلِّه.

(١) لكنك عرفت أنه بعيد ، إذ لا دليل عليه ، وأدلة الاستصحاب محكّمة.

(٢) لإطلاق الأمر بالغسل أو الصب.

(٣) الوجه في كفاية الصب وعدم اعتبار الدلك في المخرج إذا احتمل أن يكون على البشرة ما يمنع عن وصول الماء إليه أحد أمرين :

أحدهما : استصحاب عدم طروء المانع على المحل ، وذلك لأنه يكفي في طهارته مجرد الصب عليه ، ولا ندري هل طرأ عليه ما يمنع عن وصول الماء إليه أم لم يطرأ ومقتضى الأصل عدمه. وقد ذكروا نظير ذلك في الطهارة الحدثية فيما إذا شك في وجود الحاجب على بدنه كدم البق أو البرغوث أو غيرهما مما يمنع عن وصول الماء إلى البشرة ، وهذا لعله اعتمد عليه جمع غفير.

إلاّ أنه مندفع بأن أصالة عدم المانع لا أثر شرعي له ، إذ الطهارة إنما ترتبت على وصول الماء إلى البشرة ولم تترتب على عدم الحاجب والمانع في المحل. نعم وصول الماء إلى البشرة لازم عقلي له ، واستصحاب عدم المانع لإثبات وصول الماء إلى البشرة مثبت لا اعتبار به.

وثانيهما : دعوى أن سيرة المتدينين خلفاً عن سلف وجيلاً بعد جيل في الطهارة الحدثية والخبثية قد جرت على عدم الاعتناء باحتمال وجود الحاجب أو طروء المانع‌

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

٣٨٦

[٤٤٩] مسألة ٧ : إذا مسح مخرج الغائط بالأرض ثلاث مرات كفى مع فرض زوال العين بها (١).

______________________________________________________

على المحل ، وهي متصلة بزمان المعصومين عليهم‌السلام وبعدم ردعهم عنها يستكشف رضاهم عليهم‌السلام بذلك ، وعليه لا يجب الدلك في الاستنجاء من البول وإن احتمل وجود المانع على المحل كالمذي.

ويردّه أن المسلمين وإن كان عملهم الخارجي جارياً على عدم الفحص عن المانع والحاجب ، إلاّ أنه مستند إلى اطمئنانهم بعدمه أو إلى غفلتهم عنه بالكلية. وأما جريان سيرتهم على ذلك عند احتمال وجود الحاجب على المحل فهو غير محقق بوجه ، وهذا هو الذي يترتب عليه الأثر في المقام ، إذ الكلام إنما هو في المانع المحتمل على المحل. إذن استصحاب نجاسة المحل هو المحكّم حتى يقطع بارتفاعها بالدلك أو بغيره.

(١) وذلك للإطلاق ، فإن صحيحة زرارة : « ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... » (١) غير مقيدة بأن تكون الأحجار ماسحة أو ممسوحة ، وكذلك روايته الأُخرى : « جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ... » (٢) حيث إن مسح العجان أعم من أن يكون الموضع ماسحاً أو ممسوحاً.

نعم ، في موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن التمسح بالأحجار فقال : كان الحسين بن علي عليه‌السلام يمسح بثلاثة أحجار » (٣). وظاهرها أن الأحجار إنما كانت ماسحة ، إلاّ أنها ليست بصدد بيان أن الأحجار يعتبر أن تكون ماسحة أو لا يعتبر ، وإنما هي حكاية فعل عن الامام عليه‌السلام للدلالة على كفاية التمسح في الاستنجاء. وأما جريان عادته عليه‌السلام بالتمسح بالأحجار المستفاد من قوله : كان فهو مستند إلى الغلبة ، إذ التمسح عادة إنما هو بجعل‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣١٥ / أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ١.

(٢) ، (٣) الوسائل ١ : ٣٤٨ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٣ ، ١‌

٣٨٧

[٤٥٠] مسألة ٨ : يجوز الاستنجاء بما يشك في كونه عظماً أو روثاً أو من المحترمات ويطهر المحل (١).

______________________________________________________

الأحجار ماسحة وأما التمسح بجعلها ممسوحة فهو على خلاف العادة المتعارفة ، هذا كلّه مضافاً إلى إطلاق موثقة يونس بن يعقوب المتقدِّمة (١) « ويذهب الغائط ». لدلالتها على أن المدار في طهارة المحل هو إذهاب الغائط وإزالته ، بلا فرق في ذلك بين أن تكون الأحجار ماسحة وبين كونها ممسوحة.

(١) ما أفاده قدس‌سره بناء على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية من الوضوح بمكان ، لأن مقتضاه أن ما يشك في كونه عظماً أو روثاً ليس بعظم ولا بروث وبذلك يجوز التمسح به لجوازه بكل جسم قالع للنجاسة ، وقد خرج عنه العظم والروث وهو عنوان وجودي مسبوق بالعدم فبالاستصحاب يصح الحكم بجواز التمسح بالمشكوك فيه ، لأنه استنجاء بالوجدان وليس ما يتمسح به عظماً ولا روثاً بالاستصحاب ، والاستنجاء بما ليس كذلك كاف في طهارة المحل هذا ، بل الاستصحاب النعتي أيضاً يقتضي ذلك في بعض الموارد ، كما إذا شك في أن الورق من المحترمات كالكتاب أو أنه من الصحف والمجلاّت ، فان مقتضى الاستصحاب أنه ليس من الكتاب مثلاً ، وهو استصحاب نعتي لأن الورق كان ولم يكن من الكتاب في زمان ، وكذلك الحال فيما إذا كان التمسح بالعظم أو الروث أو المحترمات محرماً تكليفياً فحسب ، وذلك لأن الشبهة موضوعية والشبهات الموضوعية التحريمية مورد للبراءة بالاتفاق.

وأما إذا بنينا على أن التمسح بتلك الأُمور محرّم وضعي ، ومنعنا عن جريان الأصل في الأعدام الأزلية ، فلا يمكننا الاكتفاء بالتمسح بما يشك في كونه من هذا القبيل للشك في زوال النجاسة بسببه ولا أصل يحرز به ارتفاعها ، بل مقتضى استصحاب نجاسة المحل عدم حصول الطهارة بالتمسح بما يشك في كونه عظماً أو روثاً أو من المحترمات.

__________________

(١) في ص ٣٥٢.

٣٨٨

وأما إذا شك في كون مائع ماء مطلقاً أو مضافاً لم يكف في الطهارة (١) بل لا بدّ من العلم بكونه ماء.

فصل في الاستبراء‌

والأولى في كيفياته أن يصبر حتى تنقطع دريرة البول (٢) ثم يبدأ بمخرج الغائط فيطهّره (٣) ،

______________________________________________________

(١) لأن موضوع الحكم بالطهارة مقيد بالماء ، وهو عنوان وجودي لا مناص من إحرازه في الحكم بالطهارة بالغسل ، ومع الشك في القيد لا يمكن الحكم بطهارته.

فصل في الاستبراء‌

(٢) بل الصبر مما لا مناص عنه حتى تنقطع ، لوضوح أن الغرض من الاستبراء ليس إلاّ نقاء المجرى والمحل من الرطوبات البولية المتخلفة فيهما ، وهذا لا يحصل إلاّ بالاستبراء بعد الانقطاع ، فلو استبرأ قبله لزمه الاستبراء ثانياً ، لإمكان أن تتخلف الرطوبات البولية في الطريق بالبول بعد استبرائه ولا يؤمن خروجها بعد الانقطاع إلاّ بأن يستبرئ ثانياً ، هذا.

على أنه يمكن استفادة ذلك من رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللاً ، قال : إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما ثم استنجى ، فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي » (١) حيث إن الامام عليه‌السلام فرّع الخرط فيها على البول بلفظة « فاء » الظاهرة في اعتبار كون الخرط متأخراً عن البول.

(٣) لم ينص على ذلك في الأخبار إلاّ أنه يقتضيه أمران :

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٨٢ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٢.

٣٨٩

ثم يضع إصبعه الوسطى (١) من اليد اليسرى (٢)

______________________________________________________

أحدهما : أن لا تتلوث يده ولا موضع الاستبراء بالنجاسة ، حتى يحتاج إلى الغسل بالماء زائداً عما يحتاج إليه في البدء بمخرج الغائط.

وثانيهما : استحباب تقديم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول كما في بعض الروايات (١) لأنه كما يستحب تقديمه على الاستنجاء من البول كذلك يستحب تقديمه على الأُمور المعتبرة فيه لزوماً أو على غير وجه اللزوم.

(١) كما في النبوي « من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثم ليسلها ( يسلتها ) ثلاثاً » (٢) ولا بأس بالعمل به رجاء ومن باب الانقياد.

(٢) للنهي عن الاستنجاء باليمين وعن مس الذكر بها (٣) ولما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من استحباب أن يجعل اليد اليمنى للطعام والطهور وغيرهما من أعالي الأُمور ، واليسرى للاستنجاء والاستبراء ونحوهما من الأُمور الدانية (٤).

نعم ، الحكم باستحباب ذلك يبتني على التسامح في أدلة السنن.

__________________

(١) كموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بالماء يبدأ بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال : بالمقعدة ثم بالإحليل » الوسائل ١ : ٣٢٣ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٤ ح ١.

(٢) المستدرك ١ : ٢٦٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٢ ، ٣.

(٣) الوسائل ١ : ٣٢١ / أبواب أحكام الخلوة ب ١٢.

(٤) سنن أبي داود ج ١ ص ٩ عن عائشة قالت : كانت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى. وأيضاً فيه عن حفصة زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه ، ويجعل شماله لما سوى ذلك. وفي المنتهي للعلاّمة ج ١ ص ٢٤٩ عن عائشة : كانت يد رسول الله اليمنى لطعامه وطهوره ويده اليسرى للاستنجاء ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استحب أن يجعل اليمنى لما علا من الأُمور واليسرى لما دنى.

٣٩٠

على مخرج الغائط ، ويمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرات (١).

______________________________________________________

(١) اختلفت كلماتهم في عدد المسحات المعتبرة في الاستبراء ، فذهب المشهور إلى اعتبار أن تكون المسحات تسعاً ، بأن يمسح من مخرج الغائط إلى أصل القضيب ثلاث مرات بقوة ، ويمسح القضيب ثلاثاً ويعصر الحشفة وينترها ثلاثاً كما ذكره الماتن قدس‌سره. وعن جملة منهم قدس‌سرهم كفاية الست بالمسح من مخرج النجو إلى أصل القضيب ثلاثاً وينتره ثلاثاً. وعن علم الهدى (١) وابن الجنيد (٢) أن المسحات المعتبرة في الاستبراء ثلاث ، وهو بأن ينتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاثاً. وعن المفيد قدس‌سره في المقنعة أنه يمسح بإصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، ثم يضع مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقه ، ويمرهما عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرة أو مرتين أو ثلاثاً ليخرج ما فيه من بقية البول (٣) وظاهر هذا الكلام عدم اعتبار العدد في الاستبراء والمدار فيه على الوثوق بالنقاء.

هذه هي أقوال المسألة ومنشأ اختلافها هو اختلاف الروايات الواردة في المقام.

منها : رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللاً ، قال : إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما ثم استنجى ، فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي » (٤).

ومنها : حسنة محمّد بن مسلم قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل بال ولم يكن معه ماء ، قال : يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه ، فإن خرج بعد ذلك شي‌ء فليس من البول ولكنه من الحبائل » (٥).

__________________

(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر ١ : ١٣٤.

(٢) نقل عنه في المستمسك ٢ : ٢٢٧.

(٣) المقنعة : ٤٠.

(٤) الوسائل ١ : ٢٨٢ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٢ ، ٣.

(٥) الوسائل ١ : ٣٢٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ١١ ح ٢.

٣٩١

ومنها : رواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يبول قال ينتره ثلاثاً ثم إن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي » (١) وقالوا إن القاعدة تقتضي الاكتفاء بكل ما ورد في النصوص لاستبعاد تقييد بعضها ببعض ، ولا نرى نحن أيّ مانع من تقييد المطلق منها بالمقيد فان حالهما في المقام حال بقية المطلقات والمقيدات فقانون المطلق والمقيد يقتضي تقييد رواية عبد الملك الدالّة على كفاية التمسح بما بين المقعدة والأنثيين ثلاثاً وغمز ما بينهما ، برواية حفص الدالّة على اعتبار مسح القضيب ثلاثاً ، كما يقتضي تقييد رواية حفص بحسنة محمد بن مسلم المشتملة على مسح الحشفة ثلاثاً أيضاً ، وبهذا يستنتج أن المعتبر في الاستبراء تسع مسحات كما هو المشهور.

ثم إن رواية عبد الملك المتقدِّمة اشتملت على قوله : « وغمز ما بينهما » وفي الجواهر أن الغمز أي غمز ما بين المقعدة والأنثيين لم يقل أحد بوجوبه فلا مناص من طرحه (٢). والظاهر أن الرواية لم تعتبر شيئاً زائداً على مسح القضيب ، حيث إن الضمير يرجع إلى الأنثيين ، والمراد بما بينهما هو القضيب باعتبار وقوعه بين البيضتين وإنما لم يصرح عليه‌السلام به حياء ، وليس غمز الذكر إلاّ عصره ومسحه بشدّة والله العالم بحقيقة الحال.

تتميم : ظاهر المتن اعتبار الترتيب في المسحات التسع المتقدِّمة ، حيث عبّر بكلمة « ثم » واعتبر تقدم المسحات الثلاث بين المقعدة والأنثيين على المسحات الثلاث المعتبرة في القضيب ، كما اعتبر تقدم مسحات القضيب على المسحات الثلاث في الحشفة ، وهذا لم يقم عليه دليل ، بل الأخبار المتقدِّمة مطبقة على أن المسحات لا يعتبر الترتيب بينها ولا اختلاف بين الروايات من هذه الجهة ، وإن كان لا بدّ من تقييد مطلقها بمقيدها كما تقدم وذلك :

أمّا رواية حفص بن البختري ، فلأن ظاهرها أن الضمير في « ينتره » راجع إلى‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٨٢ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٢ ، ٣.

(٢) الجواهر ٣ : ١١٤.

٣٩٢

البول المدلول عليه بجملة « يبول » كما في قوله عزّ من قائل ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) (١) ومعنى ينتره أنه يجذب البول ، وانجذاب البول المتخلف في الطريق لا يتحقّق بعصر نفس القضيب ، لأن الاختبار أقوى شاهد على أن المتخلف من البول بين المقعدة وأصل القضيب أكثر من المتخلف في القضيب ، بحيث لو عصرت ما بينهما لرأيت أن البول يتقاطر من القضيب بأزيد مما يخرج في مسح القضيب ، وعليه فالرواية تدل على اعتبار عصر ما بين المقعدة ونهاية القضيب وجذب البول المتخلف فيما بينهما ثلاثاً ، وما بين المقعدة ونهاية الذكر قطعات ثلاث وهي : ما بين المقعدة والأنثيين والقضيب ، والحشفة ، ومسح القطعات الثلاثة ثلاثاً تبلغ تسع مسحات كما تقدم ، فالرواية دلت على اعتبار المسحات التسع من دون أن تعتبر الترتيب بينها بحيث لو مسح من عند المقعدة إلى نهاية القضيب ثلاث مرات كفى في تحقق المسحات التسع المعتبرة في الاستبراء ، مع أن المسحات الثلاثة الأُولى لم تتقدم بأجمعها على المسحات الوسطى الثلاث ، كما أنها بتمامها لم تتقدم على المسحات الأخيرة الثلاث.

وأمّا حسنة محمد بن مسلم ، فلأن أصل الذكر الوارد في الحسنة ظاهره العروق التي يقوم عليها الذكر ، ولم يرد به آخر القضيب وهو القسمة الأخيرة المرئية خارجاً ، كما أن أصل الشجر يطلق على العروق المنشعبة المتشتتة تحت الأرض ، وهي التي يقوم بها الشجر ، وهذه العروق هي الكائنة فيما بين المقعدة والأنثيين ، وعليه فالحسنة تدل على اعتبار المسح فيما بين المقعدة وطرف الذكر ثلاث مرات ، ولا دلالة لها على اعتبار تقدم المسحات الثلاث في القطعة الأُولى على مسحات القطعة الوسطى الثلاث ، بل لو مسح من عند المقعدة إلى طرف القضيب مرة وهكذا في المرة الثانية والثالثة كفى في حصول الاستبراء بمقتضى الحسنة. وهذا الذي ذكرناه في تفسيرها إما أنه الظاهر المستفاد منها لدى العرف ، وإما أنه محتمل الإرادة منها في نفسه ، ومعه تصبح الرواية مجملة. وكيف كان فليست الحسنة ظاهرة الدلالة على اعتبار الترتيب بين المسحات.

هذا ، وقد يتوهم أن قوله عليه‌السلام « وينتر طرفه » مطلق ولا دلالة له على نتر‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٨.

٣٩٣

ثم يضع سبابته (*) فوق الذّكر وإبهامه تحته (١) ويمسح بقوّة إلى رأسه ثلاث مرّات ، ثم يعصر رأسه ثلاث مرّات.

______________________________________________________

الطرف ثلاثاً ، ويندفع بأنه عليه‌السلام لم يرد بقوله « وينتر طرفه » أن مسح أصل الذّكر مغاير مع نتر طرفه ، بأن يراد مسح الذكر إلى الحشفة ثلاثاً مرّة ، ومسح نفس الحشفة أُخرى ، بل الظاهر أنه عليه‌السلام أراد المسح من أصل الذّكر إلى نهايته ثلاث مرّات ودفعاً لتوهم عدم اعتبار نتر الحشفة أضاف قوله : « وينتر طرفه » أي يمسح القضيب وينتر طرفه في كل واحد من المسحات الثلاث ، فالحسنة والرواية المتقدِّمة متطابقتان.

وأما رواية عبد الملك ، فقد تقدم أن المراد من « غمز ما بينهما » إنما هو عصر القضيب بقوة لأنها معنى الغمز ، وحيث أنها مطلقة بالإضافة إلى تعدد الغمز وعدمه فلا مناص من تقييدها بالروايتين المتقدمتين الدالتين على اعتبار غمز الذكر ثلاثاً ، ومعه تدل الرواية على اعتبار المسحات التسع فيما بين المقعدة والأنثيين والقضيب وطرفه ، من غير أن تدل على اعتبار الترتيب بوجه ، فهي متطابقة مع الروايتين المتقدمتين ، وعلى ذلك لو مسح من عند المقعدة إلى نهاية الذكر مرة وهكذا في المرة الثانية والثالثة تحقّقت به المسحات التسع المعتبرة في الاستبراء.

والمتحصل : أن الأخبار الواردة في المقام مطبقة على عدم اعتبار الترتيب في المسحات ، فالقائل باعتبار التسع إن أراد ما قدمنا تفصيله فهو ، وأما لو أراد مسح كل قطعة من القطعات الثلاث ثلاثاً مترتبة على الترتيب الذي ذكره الماتن قدس‌سره فهو مما لا دليل عليه.

(١) لم نعثر على ذلك في شي‌ء من الروايات معتبرها وضعيفها ولا نستعهده في فتاوى أصحابنا ، فإن الموجود في كلماتهم عكس ما ذكره الماتن قدس‌سره على أنه من الصعوبة بمكان لأنه خلاف المتعارف المعتاد ، فان الطبع والعادة جريا على مسح‌

__________________

(*) الظاهر أن وضع السبابة تحت الذكر والإبهام فوقه أولى.

٣٩٤

ويكفي سائر الكيفيات (١) مع مراعاة ثلاث مرات ، وفائدته الحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة (٢) وعدم ناقضيتها ، ويلحق به في الفائدة المذكورة طول‌

______________________________________________________

القضيب بوضع السبابة تحته والإبهام فوقه ، فما ذكره قدس‌سره من سهو القلم والصحيح عكسه.

(١) لأن الغرض ليس إلاّ تنقية المجرى والطريق من الرطوبات البولية المتخلفة فيهما ، وهذا كما يحصل بالكيفية المتقدِّمة كذلك يحصل بغيرها وهو ظاهر.

(٢) مقتضى قاعدة الطهارة وإن كان طهارة الرطوبة المشتبهة ، إلاّ أن الظاهر لما كان يقتضي تخلف شي‌ء من الرطوبات البولية في الطريق وهي قد تجتمع وتخرج بعد البول بحركة ونحوها ، حكم الشارع بناقضية الرطوبة المشتبهة للوضوء تقديماً للظاهر على الأصل ، ومنه نستكشف نجاستها وكونها بولاً ولو من جهة حصر النواقض وعدم انطباق شي‌ء منها على الرطوبة المشتبهة بعد البول سوى البول كما يأتي في المسألة الثانية إن شاء الله. وإذا استبرأ وحصلت به تنقية الطريق من الرطوبات المتخلفة فيه لم يحكم بنجاسة البلل ولا بناقضيته حسب الأخبار المتقدِّمة.

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال : « من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم يجد بللاً فقد انتقض غسله ، وإن كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللاً فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء ، لأن البول لم يدع شيئاً » (١) وموثقة سماعة : « فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ولكن يتوضأ ويستنجي » (٢) فلا مناص من تقييدهما بما إذا لم يستبرئ من البول ، لما عرفت من أن الطهارة لا تنتقض بالبلل المشتبه إذا خرج بعد الاستبراء.

تنبيه : الأخبار الواردة في الاستبراء إنما وردت للإرشاد ، ولبيان ما يتخلّص به عن انتقاض الوضوء بالبلل المشتبه ، لأنه ناقض للطهارة ومحكوم بالنجاسة كما عرفت‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١ : ٢٨٣ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٥ ، ٦ ، ٢ : ٢٥١ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ٧ ، ٨.

٣٩٥

المدّة على وجه يقطع بعدم بقاء شي‌ء في المجرى (١) بأن احتمل أن الخارج نزل من الأعلى ، ولا يكفي الظن بعدم البقاء (٢) ومع الاستبراء لا يضر احتماله (٣)

______________________________________________________

فلا دلالة في شي‌ء منها على وجوب الاستبراء ولو شرطاً ، لكونها واردة للإرشاد ولصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا انقطعت درة البول فصب الماء » (١) لدلالتها على طهارة المحل بصبّ الماء عليه بعد الانقطاع من غير أن يشترط الاستبراء في طهارته ، فالاستبراء لا دليل على وجوبه ، بل الحكم باستحبابه أيضاً مشكل ، لما عرفت من أن الأخبار الآمرة به وردت للإرشاد ولا دلالة في شي‌ء منها على وجوب الاستبراء ولا على استحبابه.

(١) لما أشرنا إليه من أن الأخبار المتقدِّمة إنما وردت للإرشاد إلى ما يتخلّص به عن انتقاض الوضوء بالبلل المشتبه بعد البول والوضوء ، لأن الظاهر تخلف شي‌ء من الرطوبات البولية في الطريق وهي قد تجتمع وتخرج بعد البول بالحركة ونحوها والشارع قدم هذا الظاهر على الأصل ، فالفائدة المترتبة على الاستبراء ليست إلاّ سدّ هذا الاحتمال ، إذ معه لا يحتمل أن تكون الرطوبة المشتبهة من الرطوبات البولية المتخلفة في الطريق ، ولا يندفع به احتمال كونها بولاً قد نزل من موضعه ، لوضوح أن هذا الاحتمال كما أنه موجود قبله كذلك موجود بعده. نعم ، هذا الاحتمال يندفع بالأصل وليس أمراً يقتضيه ظاهر الحال ليتقدم على الأصل ، فعلى ذلك لو قطع المكلف ولو بطول المدة أن البلل الخارج ليس من الرطوبات البولية المتخلفة في الطريق لم يحتج إلى الاستبراء بوجه ، وترتبت عليه فائدته ، وإن كان يحتمل أن تكون بولاً نزل من موضعه إلاّ أنه مندفع بالأصل كما مرّ.

(٢) لعدم العبرة به ، ومقتضى إطلاق الأخبار الواردة في الاستبراء أن وجود الظن كعدمه.

(٣) كما أشرنا إليه.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٤٩ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣١ ح ١.

٣٩٦

وليس على المرأة استبراء (١) نعم الأولى أن تصبر قليلاً (٢) وتنحنح وتعصر فرجها عرضاً ، وعلى أي حال ، الرطوبة الخارجة منها محكومة بالطهارة وعدم الناقضية ما لم تعلم كونها بولاً.

[٤٥١] مسألة ١ : من قطع ذكره يصنع ما ذكر فيما بقي (٣).

______________________________________________________

(١) لاختصاص الروايات بالرجال ، وحيث إن الحكم بناقضية البلل على خلاف القاعدة فلا مناص من الاقتصار على مورد النصوص ، فالمرأة باقية على الأصل وهو يقتضي طهارة البلل الخارج منها بعد البول.

(٢) حتى تطمئن بعدم كون البلل من الرطوبات البولية المتخلفة في الطريق ، لأنها من المائعات وبالصبر تنزل وتخرج ولا يبقى شي‌ء منها في الطريق حتى يخرج بعد البول ، نعم هذا على سبيل الاحتياط والأولوية لا على وجه اللزوم والوجوب ، لأن البلل في المرأة محكوم بالطهارة وعدم الناقضية كما مر ، وكذلك الحال في التنحنح وعصر فرجها عرضاً. بل الأولوية في تلك الأُمور ليست محتاجة إلى النص ، لما مرّ من أن الاستبراء مختص بالرجال ، والأُمور المذكورة في حق المرأة من باب الاحتياط ولا كلام في أولويتها ، إذ بها تنزل الرطوبات المتخلفة في محلها ولا تبقى ليخرج بعد البول فيوجب الشك في نجاستها وناقضيتها ويحتاج في دفع احتمالهما إلى التشبث بالأصل.

(٣) فيستبرئ بمسح ما بين المقعدة والأنثيين إذا قطع من أصله ، أو به ومسح المقدار الباقي من ذكره إذا قطع مقدار منه ، وذلك لأن الأمر به في الأخبار المتقدِّمة ليس على وجه التعبد ، بل المرتكز أن الأمر به من جهة النقاء وإخراج الرطوبة المتخلفة في الطريق ، وهذا لا يفرق فيه بين سليم الذكر ومقطوعه لحصول النقاء بمسح الذكر وما بين المقعدة والأنثيين ، هذا.

ثم إن هذا الوجه الاستحساني الذي ذكرناه وإن كان صحيحاً في نفسه ، إلاّ أنّا في غنى عنه للنص ، وهو رواية حفص المتقدِّمة (١) لأن قوله عليه‌السلام « ينتره ثلاثاً » ‌

__________________

(١) في ص ٣٩٢.

٣٩٧

[٤٥٢] مسألة ٢ : مع ترك الاستبراء يحكم على الرطوبة المشتبهة بالنجاسة والناقضية (١).

______________________________________________________

يدل بإطلاقه على اعتبار جذب البول ثلاثاً بالإضافة إلى سليم الذكر ومقطوعه.

(١) تقدم الوجه في ذلك آنفاً فلا نطيل بإعادته ، وقد تعجب صاحب الحدائق قدس‌سره من حكمهم بنجاسة البلل المشتبه على مسلكهم وقال في الكلام على الماء الطاهر المشتبه بالنجس : إن العجب منهم ( نوّر الله مراقدهم ) فيما ذهبوا إليه هنا من الحكم بطهارة ما تعدّى إليه هذا الماء ، مع اتفاقهم ظاهراً في مسألة البلل المشتبه الخارج بعد البول وقبل الاستبراء على نجاسة ذلك البلل ووجوب غسله ، إلى أن قال : والمسألتان من باب واحد كما لا يخفى (١).

وإلى ما ذكره قدس‌سره من المناقشة أشرنا سابقاً بقولنا : ومن هنا قد يتوقف في الحكم بنجاسة البلل المشتبه لعدم دلالة دليل على نجاسته (٢) وقد تعرّض شيخنا الأنصاري قدس‌سره لكلام صاحب الحدائق في الأُصول ، وذكر أن نجاسة البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء إنما استفيدت من أمر الشارع بالطهارة عقبه ، من جهة استظهار أن الشارع جعل هذا المورد من موارد تقديم الظاهر على الأصل لما مرّ من أن الظاهر تخلف شي‌ء من الرطوبات البولية في الطريق ، وهي قد تجتمع وتخرج بعد البول بحركة ونحوها فحكم بكون الخارج بولاً ، لا أنه أوجب خصوص الوضوء بخروجه ، وقال : إن بذلك يندفع تعجب صاحب الحدائق من حكمهم بعدم النجاسة فيما نحن فيه أي في ملاقي بعض أطراف الشبهة وحكمهم بها في البلل ، مع كون كل منهما مشتبهاً ... انتهى.

ونزيد عليه أن ظاهر قوله عليه‌السلام « ويستنجي » في موثقة سماعة المتقدِّمة (٣)

__________________

(١) الحدائق ١ : ٥١٤.

(٢) شرح العروة ٣ : ١٤٩.

(٣) في ص ٣٩٥.

٣٩٨

وإن كان تركه من الاضطرار وعدم التمكن منه (١).

______________________________________________________

أن الشارع إنما حكم بذلك لأجل أن البلل الخارج وقتئذ بول ناقض للوضوء ، إذ لو لا كونه بولاً نجساً لم يكن وجه لأمره عليه‌السلام بعده بالاستنجاء ، لوضوح أن مجرّد غسل الذّكر من غير بول لا يسمّي استنجاء بوجه ، هذا.

مضافاً إلى أن نواقض الوضوء محصورة ، فإذا حكمنا على البلل بالناقضية استكشف من ذلك أنه بول لا محالة ، إذ لا ينطبق شي‌ء منها على البلل سوى البول ، فالبولية والناقضية متلازمتان في البلل ، وهذا بخلاف البلل الخارج بعد الاستبراء لأنه محكوم بالطهارة وعدم انتقاض الوضوء به ، كما دلت عليه النصوص ، ومن هنا قيدنا صحيحة محمّد بن مسلم وموثقة سماعة المتقدِّمتين (١) الدالتين على انتقاض الغسل بالبلل ، بما إذا خرج قبل الاستبراء من البول.

فالمتحصل : أن الأخبار الواردة في المقام وإن لم تشتمل على أن البلل المشتبه بول أو نجس ، وإنما دلت على انتقاض الوضوء به إذا خرج قبل الاستبراء من البول ، إلاّ أن الصحيح كما أفاده الماتن هو الحكم ببوليته وناقضيته كما عرفت.

(١) كما إذا كانت يداه مغلولتين أو غير ذلك من الوجوه ، والوجه فيما أفاده أن المستفاد من الأدلّة الدالّة على نجاسة البلل الخارج قبل الاستبراء من البول وانتقاض الطهارة به ، أن طهارة البلل وعدم انتقاض الوضوء به من الآثار المترتبة على العملية الخاصة المتقدم تفصيلها ، فاذا انتفت ولو للاضطرار ترتبت عليه النجاسة والانتقاض لأنه مقتضى إطلاقها.

ودعوى أن الاضطرار مرفوع في الشريعة المقدسة لحديث رفع الاضطرار ، وحيث إن ترك الاستبراء في مفروض المسألة مستند إليه ، فهذا الترك كلا ترك وكأنه قد استبرأ بمقتضى الحديث ، وبذلك يحكم على البلل بالطهارة وعدم الانتقاض به.

__________________

(١) في ص ٣٩٥.

٣٩٩

مندفعة بوجوه تعرضنا لها في التكلم على الحديث عمدتها : أن الرفع فيما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والخطأ ونحوها قد تعلق بالتكاليف الإلزامية المتوجهة إلى المكلف بسبب الفعل الصادر منه بالاختيار ، كالافطار في نهار رمضان إذا صدر عن علم واختيار ، لأنه موضوع لجملة من الآثار منها وجوب الكفارة والحرمة والعقاب وإذا ارتكبه بالاضطرار أو الإكراه ونحوهما ارتفعت عنه الحرمة ووجوب الكفارة بحديث رفع الاضطرار ، وأما الأحكام الإلزامية المتوجهة إلى المكلف بسبب أمر غير اختياري له فلا يرتفع عنه بالحديث ، وقد مثلنا لذلك بالنجاسة ووجوب الغسل المترتبين على إصابة النجس وملاقاته ، لأنهما حكمان مترتبان على إصابة البول ونحوه ، والإصابة ليست من الأفعال الاختيارية له وإن كانت قد تصدر عنه بالاختيار ويكون فعلاً من أفعاله ، إلاّ أن نجاسة الملاقي مترتبة على الإصابة بما أنها أصابه لا بما أنها فعل اختياري للمكلف ، فالنجاسة تترتب على إصابة النجس سواء أكانت باختياره أم لم تكن ، ولا مجال في مثل ذلك للقول بأنها صدرت بالاضطرار ، ومقتضى حديث الرفع عدم نجاسة الملاقي حينئذ.

والأمر في المقام كذلك ، لأن النجاسة والانتقاض قد ترتبا على خروج البلل بعد البول وقبل الاستبراء منه ، ومن الواضح أن خروجه ليس من الأفعال الاختيارية للمكلف ، وإن كان قد يستند إلى اختياره إلاّ أنه إنما أُخذ في موضوعيهما بما أنه خروج البلل لا بما أنه فعل اختياري للمكلف ، فمتى تحقق ترتب عليه أثره وإن كان مستنداً إلى الاضطرار أو الإكراه.

على أن معنى الحديث إنما هو رفع الحكم عن المضطر إليه كترك الاستبراء في مفروض الكلام لا ترتيب أثر الفعل على الترك المستند إلى الاضطرار أو الإكراه مثلاً إذا أُكره أحد أو اضطر إلى ترك البيع في مورد لم يحكم بحصول الملكية المترتبة على البيع ، نظراً إلى أن تركه مستند إلى الإكراه أو الاضطرار ، وإنما حكم بارتفاع الحكم المترتب على ترك البيع ، لأن الترك هو المضطر إليه أو المكره عليه فلاحظ.

٤٠٠