موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٤١٠] مسألة ١٣ : إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما ففرّغه في ظرف آخر بقصد التخلص من الحرام لا بأس به ولا يحرم الشرب أو الأكل بعد هذا (١).

______________________________________________________

إحداهما : الأخبار المشتملة على النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وهذه الطائفة لا تشمل الشارب بوجه ، لأن شرب الچاي من الإناء الفرفوري لا يصدق عليه الأكل والشرب من الآنيتين بل عده كذلك من الأغلاط ، لأنه نظير أن يقال زيد أكل من القدر باعتبار أنه أكل في المشقاب طعاماً طبخ في القدر وهو غلط لعدم أكله من القدر وإنما القدر ما طبخ فيه الطعام ، وكذا الحال في القوري لأنه ظرف قد طبخ فيه الچاي لا أن الشارب شرب الچاي منه.

وثانيتهما : الأخبار المشتملة على النهي عن أوانيهما وأنهما مكروهتان وهي أيضاً غير شاملة للشارب ، لما تقدم من أن المقدر فيها خصوص الأكل والشرب أو مطلق الاستعمال ، والشارب لم يستعمل القوري في المقام ولا أنه أكل أو شرب منه فلا عصيان في حقِّه. نعم استعملها الآمر والخادم كلاهما أحدهما بالمباشرة والآخر بالتسبيب والأمر به ، وحيث إن استعماله المباشري محرم وعصيان حرم التسبيب إليه بالأمر به لأنه أمر بالحرام والعصيان وهو حرام.

(١) لعلّه أراد بذلك ما إذا لم يصدق على تفريغ الطعام أو الشراب من آنيتهما في غيرهما استعمال الآنيتين عرفاً وتوضيحه : أن استعمال كل إناء بحسبه ، فان استعمال آنية الذّهب والفضّة في الشرب أو الأكل قد يكون مع الواسطة لدى العرف كالقدر والسماور ونحوهما فإن الأكل والشرب في مثلهما إنما هو بصب الطعام والشراب منهما في المشقاب والفنجان فإن الأكل أو الشرب منهما من غير واسطة غير معهود ، بل ربما تكون الواسطة شيئاً معيناً عندهم كتوسط الصيني والمشقاب في القدر. وقد يكون بلا واسطة وذلك كالشرب من الكأس والأكل في المشقاب ، فإذا أكل من آنيتهما مع الواسطة المعينة فيما يحتاج فيه إلى التوسط أو من غير واسطة فيما لا حاجة إليها صدق أنه استعملهما في الأكل أو الشرب وهو حرام فلا يجوز تفريغ الطعام من القدر‌

٣٠١

[٤١١] مسألة ١٤ : إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل في إحدى الآنيتين (١)

______________________________________________________

في الصيني والمشقاب أو تفريغ الماء من السماور في الفنجان كما لا يجوز شرب الماء من آنية الذهب من دون واسطة ، وذلك لأنه بنفسه مصداق لاستعمال الآنيتين في الأكل أو الشرب عرفاً ، ولا فرق في ذلك بين قصده التخلص من الحرام بتفريغه وعدمه ، لوضوح أن القصد لا يغيّر الواقع عما هو عليه فبما أن تفريغه أو شربه مصداق لاستعمال الآنيتين حقيقة فقصده التخلّص لا يمنع عن صدق الاستعمال عليهما ولا يخرجهما عن كونهما استعمالاً لهما في الأكل أو الشرب.

وأما لو أكل من آنيتهما بتوسط أمر اخترعه بنفسه على خلاف المتعارف في مثلهما لأن الأكل منهما لم يكن محتاجاً إلى واسطة أصلاً أو لو احتاج فالى واسطة معينة لا إلى تلك الواسطة المخترعة كما إذا فرغ الطعام من القدر الذهبي إلى قدر آخر من الصفر مثلاً أو من السماور كذلك إلى سماور آخر أو من كأس إلى كأس غير ذهب وهكذا فلا يعد تفريغه مصداقاً لاستعمالهما لدى العرف ، لأنه في الحقيقة إعراض عن الإناء الأوّل بداعي التخلّص عن الحرام ، ولا فرق في ذلك بين القول بحرمة استعمالهما في خصوص الأكل أو الشرب وبين القول بحرمة استعمالهما مطلقاً ، لما عرفت من أن التفريغ حينئذ ليس بمصداق لاستعمالهما عرفاً وإذا لم يكن التفريغ مصداقاً له لم يكن وجه لحرمته.

وهذا هو مراد الماتن قدس‌سره في المقام دون الصورة المتقدِّمة فلا وجه للنقض عليه بما إذا فرّغ ماء السماور في القوري أو الفنجان ونحوهما ، وذلك لأنه من قبيل الصورة المتقدِّمة وهو استعمال عرفي للسماور في الشرب منه وقد مرّ أن مراده قدس‌سره ما إذا لم يكن التفريغ مصداقاً للاستعمال الحرام.

(١) ظهر حكم هذه المسألة ممّا قدّمناه (١) في التوضؤ من الإناء المغصوب وتفصيل الكلام فيها بناء على عدم جواز استعمال الآنيتين مطلقاً أن الماء قد ينحصر في‌

__________________

(١) في ص ٢٦٥.

٣٠٢

إحداهما ولا يتمكن المكلف من تفريغه في ظرف آخر على وجه لا يعد استعمالاً للآنيتين ، وقد لا ينحصر أو يتمكن من تفريغه في ظرف آخر من دون أن يعد استعمالاً للآنيتين وهاتان صورتان :

أمّا الصورة الاولى : فلا شبهة في أن وظيفة المكلف هو التيمم وقتئذ ولا يجب في حقِّه تحصيل الطهارة المائية لحرمة مقدمتها ، وإنما الكلام في أنه لو عصى النهي عن تلك المقدّمة وأخذ الماء من الآنيتين فتوضأ أو اغتسل فهل يمكن الحكم بصحتهما أو لا يمكن؟

قد يكون الغسل أو الوضوء محرمين في نفسيهما كما إذا توضأ أو اغتسل فيهما بالارتماس ولا شبهة في بطلانهما حينئذ لعدم إمكان التقرب بما هو مصداق للحرام. وقد يكون المحرم مقدمتهما دون نفسهما كما إذا اغتسل أو توضأ منهما بالاغتراف بأن بنينا على أن الاستعمال المحرم إنما هو تناول الماء منهما فحسب دون الاستعمالات المترتبة عليه ، وصحة الغسل أو الوضوء في هذه الصورة مبتنية على القول بالترتب ولا نرى أيّ مانع من الالتزام به في المقام ، لأن المعتبر في الواجبات المركبة إنما هي القدرة التدريجية ولا تعتبر القدرة الفعلية على جميع أجزائها من الابتداء كما أوضحناه في التكلم على الوضوء من الإناء المغصوب ، وحيث أن القدرة التدريجية متحققة في المقام بالعصيان فلا مانع من الالتزام به ، وذلك لأن الترتب على طبق القاعدة ولا يحتاج الالتزام به إلى دليل بالخصوص ، ولا مانع من الأمر بالأهم والمهم كليهما سوى لزوم الأمر بالجمع بين الضدين المحال إلاّ أن ذلك يرتفع بالتقييد في إطلاق أحدهما فإن الأمر بالغسل أو الوضوء مقيد بالوجدان والأمر بالتيمم وبالاجتناب عن استعمال الآنيتين مطلق في المقام ، ونتيجة ذلك أن الأمر بالغسل أو الوضوء مشروط بعصيان الأمر بالاجتناب والتيمم ، وذلك لأنه لو عصى وتناول الماء من الآنيتين بالاغتراف تحققت القدرة على غسل الوجه في الوضوء ، وحيث إن المكلف عالم بعصيانه مرة ثانية فثالثة فهو متمكن من غسل يديه متدرجاً والقدرة التدريجية كافية في الواجب المركب على الفرض ، فلا مانع من الحكم بصحة الغسل والوضوء بالترتب فان حالهما حال الصلاة المزاحمة بالإزالة على ما بيّناه سابقاً فلا نعيد.

٣٠٣

فإن أمكن تفريغه في ظرف آخر وجب وإلاّ سقط وجوب الوضوء أو الغسل ووجب التيمم ، وإن توضأ أو اغتسل منهما بطل سواء أخذ الماء منهما بيده أو صب على محل الوضوء بهما أو ارتمس فيهما ، وإن كان له ماء آخر ، أو أمكن التفريغ في ظرف آخر ومع ذلك توضّأ أو اغتسل منهما فالأقوى أيضاً (*)

______________________________________________________

وأمّا ما عن شيخنا الأُستاذ قدس‌سره من أن الترتّب مشروط بإحراز الملاك في كلا الواجبين فقد تقدّم الجواب عنه في الكلام على التوضّؤ من الإناء المغصوب فراجع (٢) هذا.

ولا يخفى أن تصحيح الوضوء والغسل بالترتب يبتني على القول بعدم حرمة الاستعمالات المتفرعة على تناول الماء من الإناء ، وإلاّ فالوضوء بنفسه مصداق للحرام ويستحيل أن يتصف معه بالوجوب وكذلك الحال في الغسل. نعم لا ملزم للالتزام به لأن الأخبار الناهية عن الأكل والشرب في آنيتهما تختص بالأكل والشرب منهما ولا تشمل غيرهما من استعمالاتهما فضلاً عن الاستعمالات المترتبة على تناول الماء منهما.

وأما ما ورد بلسان النهي عنهما أو كراهتهما فهي أيضاً كذلك ، لأن المقدر فيهما إما الأكل والشرب فحسب وإما مطلق استعمالاتهما ، واستعمال الإناء لا يصدق إلاّ على تناول الماء منهما وأما صبه بعد ذلك أو إطعامه للحيوان أو غسل الثوب به خارج الإناء فلا يصدق على شي‌ء من ذلك استعمال الآنية بوجه ، ومن هنا نسب إلى عامة الفقهاء صحة التوضؤ منهما في صورة عدم الانحصار مع ذهابهم إلى حرمة استعمالات الآنيتين مطلقاً ، فلو كان الوضوء محرماً في نفسه لم يكن وجه للقول بصحته ، هذا كله في صورة الانحصار.

وأمّا الصورة الثانية : فهي التي أشار إليها الماتن بقوله : وإن كان له ماء آخر أو أمكن التفريغ في ظرف آخر ... فالأقوى أيضاً البطلان.

__________________

(*) بل الأقوى الصحة في غير صورة الارتماس ، ولا يبعد الحكم بالصحة مع الانحصار أيضاً.

(١) ص ٢٦٩.

٣٠٤

البطلان (١) لأنه وإن لم يكن مأموراً بالتيمم إلاّ أن الوضوء أو الغسل حينئذ يعدّ استعمالاً لهما عرفاً فيكون منهياً عنه (*). بل الأمر كذلك (**) لو جعلهما محلاًّ لغسالة الوضوء (٢) لما ذكر من أن توضّؤه حينئذ يحسب في العرف استعمالاً لهما.

______________________________________________________

(١) بل لا ينبغي التأمل في صحة الغسل والوضوء حينئذ ، وذلك لأن الأمر بالطهارة المائية فعلي في حقه لتمكنه من الماء فاذا عصى وتناول الماء منهما بالاغتراف صح وضوءه وغسله قلنا بالترتب أم لم نقل ، لأن الماء الموجود في يده حاله حال المياه المباحة واختيار المقدمة المحرمة لا يضر بصحتهما بعد كونه متمكناً من الماء.

(٢) يقع الكلام في هذه المسألة في صورتين :

إحداهما : ما إذا قصد المتوضئ ادّخار ماء الوضوء وجمعه في الآنيتين لأنه قد يتعلق به الغرض من التبرك أو استعماله بعد ذلك في مورد آخر.

وثانيتهما : ما إذا لم يقصد المتوضئ ذلك وإنما اجتمع ماء الوضوء فيهما بطبعه.

أمّا الصورة الأُولى : فالظاهر أنه لا إشكال في حرمته لأنه استعمال للآنيتين وقد فرضنا حرمته ، والوجه في ذلك أن استعمال أي شي‌ء إنما هو باعماله فيما أُعد له والآنية معدة لأن يجمع فيها الماء والطعام ، وهل حرمة ذلك تستتبع الحكم ببطلان الوضوء وحرمته؟

والصحيح أنها غير مستتبعة لذلك ، وسره أن الوضوء أو الغسل شي‌ء واستعمال الإناء بجمع الماء فيه شي‌ء آخر ولا يصدق استعمال الإناء على الوضوء ، ومع عدم كونه استعمالاً لآنيتهما لا موجب لحرمته وبطلانه.

وقد يقال بالحرمة والبطلان نظراً إلى أن الغسل أو الوضوء علتان للمعصية وهي جمع الماء في الآنيتين وإذا حرم المعلول حرمت علته.

__________________

(*) على الأحوط.

(**) استعمالهما في ذلك وإن فرض أنه كان حراماً إلاّ أن الأظهر عدم بطلان الوضوء به.

٣٠٥

نعم لو لم يقصد جعلهما مصباً للغسالة ، لكن استلزم توضؤه ذلك أمكن أن يقال : إنّه لا يعد الوضوء استعمالاً لهما (١) بل لا يبعد أن يقال : إن هذا الصب أيضاً لا يعد استعمالاً فضلاً عن كون الوضوء كذلك.

______________________________________________________

وفيه : أن دعوى ذلك كدعوى أن الوضوء استعمال للآنيتين أمر لا يمكن المساعدة عليه وذلك لعدم تماميتها صغرى وكبرى.

أما بحسب الصغرى فلأمرين : أحدهما : أن الوضوء هو إيصال الماء إلى البشرة على وجه يجري من محل إلى محل ، ومن الظاهر أنه غير مستلزم لصبّ الماء على الإناء ولا لجمعه فيه ، فان إجراء الماء على أعضاء الوضوء إذا كان على وجه التدهين باليد لم يستلزم صبّ الماء على الإناء. وأما وقوع بعض القطرات فيه أثناء الوضوء فهو وإن كان كذلك إلاّ أنه لا يعد استعمالاً للإناء. مضافاً إلى إمكان المنع عن انفصال القطرات عن المحال ، فبذلك يظهر أن انصباب الماء على الإناء واجتماعه فيه عند الوضوء أمر قد يتحقق وقد لا يتحقّق وليس هذا معلولاً للوضوء حتى لا ينفك عنه.

وثانيهما : هب أن الوضوء يستلزم الصب وأنه علة لاجتماع الماء في الإناء ، إلاّ أنه لا شك في أن اجتماع الماء في الإناء غير مستند إلى التوضؤ بوحدته وإنما هو معلول لأمرين : أحدهما الوضوء وثانيهما إبقاء الإناء في موضعه ، إذ لو نقل منه إلى محل آخر لم يقع عليه ماء الوضوء والإبقاء أمر اختياري للمتوضئ ، ومعه فالوضوء مقدّمة من مقدّمتي الحرام وليس علة تامة للمعصية وقد بيّنا في محلِّه أن مقدّمة الحرام ليست بحرام.

وأما بحسب الكبرى فلأن العلة ومعلولها موجودان متغايران ولا يكون البغض في أحد المتغايرين سارياً إلى الآخر بوجه حيث لا تلازم بينهما ، فلا أساس لما هو المشتهر من أن علة الحرام حرام. والمتلخص أن الوضوء والغسل صحيحان في محل الكلام ولا يعدّان استعمالاً للإناء ، هذا كلّه في الصورة الأُولى.

أمّا الصورة الثانية : فهي التي أشار إليها الماتن بقوله : نعم لو لم يقصد ....

(١) بل هذا هو الصحيح ، لما مر من أن استعمال أي شي‌ء إنما هو إعماله فيما أُعد له‌

٣٠٦

[٤١٢] مسألة ١٥ : لا فرق في الذّهب والفضّة بين الجيد منهما والردي‌ء والمعدني والمصنوعي والمغشوش والخالص (١) إذا لم يكن الغش إلى حد يخرجهما عن صدق الاسم وإن لم يصدق الخلوص. وما ذكره بعض العلماء من أنه يعتبر الخلوص وأن المغشوش ليس محرماً وإن لم يناف صدق الاسم ، كما في الحرير المحرّم على الرجال حيث يتوقف حرمته على كونه خالصاً لا وجه له ، والفرق بين الحرير والمقام أن الحرمة هناك معلقة في الأخبار على الحرير المحض ، بخلاف المقام فإنّها معلقة على صدق الاسم.

______________________________________________________

وقد فرضنا أن الإناء لم يعمل لجمع الماء فيه لأن المتوضئ لا يريد ذلك ولا يقصده وحيث لا إعمال فلا استعمال للإناء. ودعوى : أن صدق الاستعمال عليه أوضح من صدق الاستعمال على الوضوء من ماء الإناء ، عهدتها على مدعيها. فما أفاده الماتن من أن هذا الصب لا يعد استعمالاً فضلاً عن كون الوضوء كذلك متين لا غبار عليه.

(١) لإطلاق الدليل وهو يشمل المعدني والمصنوعي والقسم الجيد والردي‌ء ، وكذلك الخالص والمغشوش إذا كان الخليط قليلاً كما هو الحال في الليرات وغيرها من النقود ، وذلك لأن الحكم يدور مدار عنوان الذهب والفضة وهو يصدق على المغشوش وسائر الأقسام المتقدِّمة. بل قدمنا أن الغالب في صياغة الذهب هو المزج حتى يتقوى بذلك كما قيل ولم يرد اعتبار الخلوص في حرمة أواني الذهب والفضة حتى نلتزم بالجواز في الممتزج بغيرهما ولو قليلاً وإنما الدليل دلّ على حرمة آنيتهما فحسب فمتى صدق هذا العنوان حكم بحرمتهما.

وأما اعتباره في حرمة الحرير على الرجال فهو مستند إلى الأخبار الدالّة على جواز لبس الحرير إذا كان مخلوطاً بغيره ولو قليلاً (١) نعم إذا كثر المزيج بحيث لم يصدق على الإناء عنوان الذهب أو الفضة جاز استعماله لعدم شمول الدليل له وإن كان مشتملاً على شي‌ء منهما. وكذا ما ليس بذهب حقيقة فإنّه لا بأس باستعماله وإن سمي ذهباً لدى العرف كما هو الحال في الذهب المعروف بالفرنكي.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٧٣ / أبواب لباس المصلي ب ١٣.

٣٠٧

[٤١٣] مسألة ١٦ : إذا توضّأ أو اغتسل من إناء الذّهب أو الفضّة مع الجهل بالحكم أو الموضوع صح (*) (١).

______________________________________________________

(١) قد يفرض الكلام فيما إذا كان التوضؤ أو الاغتسال محرماً في نفسه ، كما إذا توضأ أو اغتسل بالارتماس فإنّه استعمال للآنيتين وقد فرضنا حرمته. وقد يفرض فيما إذا كانت مقدمتهما محرمة لا نفسهما كما إذا توضأ أو اغتسل منهما بالاغتراف لما مرّ من أن المحرم ليس إلاّ تناول الماء من الآنيتين لا الأفعال المترتبة عليه. ومحل الكلام في هذه الصورة ما إذا لم نقل بصحة الوضوء أو الغسل عند العلم بالحرمة وموضوعها بالترتب ، لأنه على ذلك لا مناص من الالتزام بصحتهما مع الجهل بالأولوية.

أمّا الصورة الاولى : فلا تردد في الحكم ببطلانهما ، لما ذكرناه في محله من أن الفعل إذا حرم بذاته استحال أن يكون مصداقاً للواجب لأنه مبغوض ولا يكون المبغوض الواقعي مقرباً بوجه ، وجهل المكلف حرمته وإن كان عذراً له إلاّ أنه لا يغيّر الواقع عما هو عليه ولا ينقلب المبغوض محبوباً ومقرباً بسببه. وهذه المسألة طويلة الذيل وقد تعرضنا لتفصيلها في بحث اجتماع الأمر والنهي وقلنا إن ما نسب إلى المشهور من الحكم بصحة العبادة مع الجهل بحرمتها لا يجتمع مع القول بالامتناع فلا بد من الالتزام ببطلانها أو القول بالجواز أعني جواز الاجتماع (٢).

وأمّا الصورة الثانية : فحاصل الكلام فيها أن الحكم ببطلان الغسل والوضوء لما كان مستنداً إلى التزاحم بين حرمة المقدمة ووجوبهما وسقوطهما عن الوجوب للعجز عن المقدمة ، انحصر ذلك بما إذا تنجزت حرمة المقدمة بأن كان المكلف عالماً بحكمها وموضوعها ، وأما إذا لم يكن كذلك لجهل المكلف بحرمتها من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية فلا موجب لسقوطهما عن الوجوب لإباحة المقدمة ولو ظاهراً.

__________________

(*) إذا فرض بطلان الوضوء أو الغسل مع العلم فالحكم بالصحة في فرض الجهل إنما هو مع كونه عذراً شرعياً.

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٢٣٨.

٣٠٨

[٤١٤] مسألة ١٧ : الأواني من غير الجنسين لا مانع منها (١) وإن كانت أعلى وأغلى حتى إذا كانت من الجواهر الغالية كالياقوت والفيروزج (٢).

[٤١٥] مسألة ١٨ : الذّهب المعروف بالفرنكي لا بأس بما صنع منه لأنه في الحقيقة ليس ذهباً ، وكذا الفضة المسماة بالورشو ، فإنّها ليست فضة بل هي صفر أبيض (٣).

[٤١٦] مسألة ١٩ : إذا اضطر إلى استعمال أواني الذّهب أو الفضّة في الأكل والشرب وغيرهما جاز (٤) وكذا في غيرهما من الاستعمالات ، نعم لا يجوز التوضّؤ‌

______________________________________________________

نعم ، هذا إذا كان الجهل معذّراً وموجباً للترخيص في مرحلة الظاهر كما إذا كانت الشبهة موضوعية أو أنها كانت حكمية ولكنه فحص ولم يظفر بالدليل وهو المعبّر عنه بالجهل القصوري ، وأما إذا لم يكن جهله معذراً بأن كان تقصيرياً كما في الشبهات الحكمية قبل الفحص فلا بد من الحكم ببطلان الغسل أو الوضوء لتنجز الحرمة الواقعية بالاحتمال وعدم الترخيص في الإتيان بالمقدمة بحكم العقل ، ومع عدم الترخيص فيها يسقط الأمر عن الغسل أو الوضوء فيحكم ببطلانهما.

(١) لاختصاص الأدلّة بأواني الذهب والفضة فلا نهي عن غيرها.

(٢) لما تقدم من أن ملاكات الأحكام الشرعية مما لا سبيل إليه ، ولم يعلم أن الملاك في النهي عن آنيتهما غلاء قيمتهما ليثبت الحكم فيما هو أعلى وأغلى منهما بالأولوية.

(٣) لما ذكرناه من أن النهي إنما تعلق بالذهب أو الفضة الحقيقيين وليس الأمر في الذهب الفرنكي والورشو كذلك إذ ليسا ذهباً ولا فضة حقيقة وإنما الأول ملوّن بلون الذهب والثاني صفر أبيض أو مادة أُخرى.

(٤) لحديث رفع الاضطرار (١) ‌وقوله ( عليه السلام ) « ليس شيء مما حرّم الله إلا

__________________

(١) وضع عن أُمتي تسعة أشياء : السهو والخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه والطيرة والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم‌

٣٠٩

__________________

ينطق الإنسان بشفة » الوسائل ٨ : ٢٤٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٠ ح ٢ ، ١٥ : ٣٦٩ / أبواب جهاد النفس ب ٥٦ ح ١.

ثم إن هذه الرواية المروية عن التوحيد [ ٣٥٣ / ٢٤ ] والخصال [ ٢ : ٤١٧ / ٩ ] وإن عبّر عنها شيخنا الأنصاري قدس‌سره [ فرائد الأُصول ١ : ٣٢٠ ] بالصحيحة حيث قال : ومنها المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بسند صحيح في الخصال كما عن التوحيد ثم ساق الخبر ، إلاّ أنها ضعيفة السند بأحمد بن محمد بن يحيى. نعم هناك رواية أُخرى صحيحة السند ومتحدة المضمون مع الرواية المتقدِّمة في غير السهو والحسد والطيرة والوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة ، وهي ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : وضع عن هذه الأُمة ست خصال : الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه » المرويّة في [ الوسائل ٢٣ : ٢٣٧ / أبواب الأيمان ب ١٦ ح ٣ ] ، واستدلالنا انّما هو بهذه الرواية لا الرواية المتقدِّمة.

والوجه في صحة سندها أن للشيخ إلى نوادر أحمد بن محمد بن عيسى طريقين أحدهما قابل للاعتماد عليه ، وأما ما يرويه عنه في غير نوادره فقد ذكر إليه طريقين في المشيخة متقسطاً حيث قال : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمد بن عيسى ما رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى ، ثم قال بعد فصل غير طويل : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمد بن عيسى ما رويته بهذا الاسناد : عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد [ التهذيب ١٠ : ٤٢ ، ٧٢ ] وطريقه إليه في الجملة الأُولى صحيح وضعيف في الجملة الثانية ، لأن في طريق الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب أحمد بن محمد بن يحيى العطار وهو ضعيف.

إذن لا يمكننا الحكم بصحة شي‌ء مما يرويه الشيخ قدس‌سره بإسناده عن الرجل في غير نوادره لكونه شبهة مصداقية للأخبار التي رواها عنه بطريقه الصحيح ، إذ من المحتمل أن تكون الرواية من الجملة الثانية التي عرفت ضعف طريق الشيخ إليها. نعم لو كان طريقه إليه معتبراً في كلتا الجملتين لم يكن مجال للمناقشة في الحكم بصحة طريقه إلى الرجل بأن العبارة غير مشتملة على طريقه إلى ما يرويه عنه جميعاً وإنما اشتملت على طريقه مقسطاً ، ومن المحتمل أن يكون له طريق ثالث لم يتعرض إليه في المشيخة. والوجه فيما ذكرناه أنه لو كان له طريق ثالث إليه لوجب أن يذكره في مشيخته لأنه إنما تعرض لطرقه إلى الرواة روماً لخروج

٣١٠

والاغتسال منهما (١) بل ينتقل إلى التيمم.

[٤١٧] مسألة ٢٠ : إذا دار الأمر في حال الضرورة بين استعمالهما أو استعمال الغصبي قدّمهما (٢).

______________________________________________________

وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه » (١).

(١) لعدم اضطراره إليهما ، فاستعمال أواني الذهب والفضة في الغسل أو الوضوء باق على حرمته ، ومع حرمة المقدمة ومبغوضيتها لا تجب العبادة المتوقفة عليها بوجه. بل لا تصح أيضاً إلاّ على الترتب على ما عرفت. نعم لو اضطر إلى خصوص التوضؤ منهما أو إلى جامع التوضؤ وغيره ، كما إذا اضطر إلى إفراغهما شيئاً فشيئاً وهو يحصل بالتوضؤ منهما وبالاغتراف صحّ وضوءه وغسله ، لعدم حرمة مقدمتهما وإباحتهما في نفسهما.

(٢) وهذا لا لأن أدلّة حرمة الغصب بلسان « لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفسه » (٢) « ولا يحلّ لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه » (٣) وهي أقوى دلالة من الأدلّة الدالّة على حرمة استعمال الآنيتين ، حيث إنها بلسان « لا ينبغي » أو « الكراهة » كما تقدم ، والنهي إنما ورد في بعضها ، وذلك لأن الأقوائية في الدلالة أو‌

__________________

الأخبار التي رواها في كتابه عن حدّ المراسيل على ما صرح به في أوّل المشيخة ، والسكوت عن بعض الطرق لا يلائم هذا الغرض فبهذا نطمئن بأن له إلى الرجل طريقين وحيث إنهما معتبران فلا مناص من الحكم بصحّة طريقه إلى الرجل على نحو الإطلاق.

نعم ، هذا إنما هو في المشيخة ، وأمّا في الفهرست فقد ذكر فيه إلى أحمد بن محمّد بن عيسى طريقين كليهما ضعيف ، أحدهما بأحمد بن محمد بن يحيى العطّار والآخر بأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد [ الفهرست : ٢٥ ] فما في بعض الكلمات من أن طريق الشيخ إلى الرجل صحيح في المشيخة والفهرست مبني على وثاقة الرجلين أو أولهما أو أنه من سهو القلم.

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٢ / أبواب القيام ب ١ ح ٦ ، ٧ ، ٢٣ : ٢٢٨ / أبواب كتاب الايمان ب ١٢ ح ١٨.

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٠ / أبواب مكان المصلي ب ٣ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٤٠ / أبواب الأنفال ب ٣ ح ٧.

٣١١

السند إنما هي من المرجحات في المتعارضين وأما في باب التزاحم الذي لا تنافي ولا تكاذب فيه بين الدليلين بحسب الجعل لإمكان ثبوت المتزاحمين كليهما في الشريعة المقدّسة ، نعم قد يكونان متنافيين في مرحلة الامتثال من جهة عجز المكلف عن صرف قدرته في امتثالهما فلا تكون الأقوائية في الدلالة أو السند موجبة لتقديم أحدهما على الآخر ، بل قد يتقدم أضعفهما دلالة أو سنداً على أقواهما من الجهتين لأهميته بحسب الملاك ، ومن هنا قد تتقدم السنة على الكتاب عند تزاحمهما كما إذا كان مدلولها أهم وأقوى بحسب الملاك ، ومقامنا هذا من هذا القبيل حيث لا تعارض ولا تكاذب بين أدلّة حرمة الغصب وأدلة حرمة استعمال الآنيتين ، فان كلتا الحرمتين ثابتتان في الشريعة المقدّسة إلاّ أن المكلف في خصوص المقام غير قادر على امتثالهما معاً ، لفرض اضطراره إلى الشرب من الآنية المغصوبة أو من آنيتهما ، ومع التزاحم لا قيمة لأقوائية الدلالة أو السند ، هذا.

على أن « لا ينبغي » أو « الكراهة » على ما قدمناه لا يقصران في الدلالة على الحرمة عن قوله : « لا يجوز » أو « لا يحل ». أضف إلى ذلك أن الأدلّة غير منحصرة بالأخبار المشتملة على « لا ينبغي » و « الكراهة » لما تقدّم (١) من أن جملة من الأخبار الواردة هناك تشتمل على لفظة النهي ، فليراجع.

بل الوجه في ذلك أن حقوق الناس أهم من حقوق الله سبحانه ، فكلما دار الأمر بينها وبين حق الله محضاً تقدمت حقوق الناس لأهميتها ، فهي الأولى بالمراعاة عند المزاحمة ، وبما أن حرمة استعمال الآنيتين من حقوق الله المحضة بخلاف حرمة التصرّف في المغصوب ، لأن فيها حق الناس أيضاً ، فلا محالة تتقدّم الحرمة فيه على الحرمة في الآنيتين ، لأن حق الناس إذا كان محرز الأهمية من حق الله سبحانه فلا كلام في تقدّمه ، وإذا كان مشكوك الأهمية فالأمر أيضاً كذلك ، للقطع بعدم الأهمية في حق الله سبحانه ، فهما إما متساويان أو أن حق الناس أهم ، ومع كون أحد المتزاحمين محتمل الأهمية يتقدّم على ما لا يحتمل فيه الأهمية.

__________________

(١) في ص ٢٧٨ الطائفة الاولى.

٣١٢

[٤١٨] مسألة ٢١ : يحرم إجارة نفسه (*) لصوغ الأواني من أحدهما وأُجرته أيضاً حرام كما مرّ (١).

[٤١٩] مسألة ٢٢ : يجب على صاحبهما كسرهما (٢) وأمّا غيره (٣) فان علم أن‌

______________________________________________________

(١) تتفرّع هذه المسألة على ما اختاره قدس‌سره من حرمة الانتفاع بالآنيتين حتى اقتنائهما ، وعليه فالأمر كما أفاده لمبغوضية الهيئة عند الشارع وحرمتها فصياغتهما فعل محرم وعمل الحرام لا يقابل بالمال ، فلو آجر نفسه على المحرم بطلت الإجارة لما قدّمناه (٢) في المسألة الرابعة ، فليراجع.

هذا ولكن الصحيح جواز الإجارة على صياغتهما ، لما تقدم من أن الأخبار الواردة في المقام إنما يدل على حرمة استعمالهما في خصوص الأكل والشرب أو مطلقاً ، وأما الانتفاع بهما أو اقتناؤهما فلم يقم دليل على حرمته.

(٢) هذه المسألة أيضاً متفرعة على ما اختاره قدس‌سره من حرمة الانتفاع بهما واقتنائهما ، ومعه الأمر كما أُفيد لمبغوضية الهيئة وعدم رضا الشارع بوجودها وكونها ملغاة عن الاحترام.

(٣) بمعنى أن المسألة تختلف باختلاف المالك مع غيره واتفاقهما في الاعتقاد ، لأن نهي غير المالك للمالك ثم مباشرته للكسر إنما يسوغ من باب النهي عن المنكر عند اتفاقهما اجتهاداً أو تقليداً على حرمة الانتفاع بالآنيتين وعدم جواز اقتنائهما حكماً وموضوعاً ، وأما مع اختلافهما في ذلك بحسب الحكم أو الموضوع ، كما إذا رأى المالك اجتهاداً أو تقليداً جواز الاقتناء والانتفاع بهما أو عدم كون الإبريق الذهبي إناء فلا مسوغ لنهيه إذ لا منكر ، ولا لكسره لجواز إبقائهما للمالك حسب عقيدته وهو معذور في ذلك الاعتقاد ، والهيئة كالمادة حينئذ باقية على احترامها.

__________________

(*) تقدم الكلام في هذه المسألة وما بعدها [ في المسألة ٤٠١ ].

(١) في ص ٢٨٧.

٣١٣

صاحبهما يقلد من يحرّم اقتناءهما أيضاً ، وأنهما من الأفراد المعلومة في الحرمة يجب عليه نهيه وإن توقّف على الكسر يجوز له كسرهما ، ولا يضمن قيمة صياغتهما (١). نعم لو تلف الأصل ضمن (٢) وإن احتمل أن يكون صاحبهما ممن يقلد من يرى جواز الاقتناء ، أو كانتا مما هو محل الخلاف في كونه آنية أم لا ، لا يجوز له التعرّض له (٣).

[٤٢٠] مسألة ٢٣ : إذا شك في آنية أنها من أحدهما أم لا ، أو شك في كون شي‌ء مما يصدق عليه الآنية أم لا ، لا مانع من استعمالها (٤).

______________________________________________________

(١) وليس له الاقدام على كسرهما ، لأن الهيئة وإن لم تكن محترمة وهي مبغوضة الوجود إلاّ أن غير المالك لا يتمكن من إزالتها عند اقدام المالك عليها ، لاستلزامه التصرّف في مادتهما وهي محترمة ولا يجوز التصرّف فيها إلاّ برضا مالكها ، وهذا نظير ما إذا تنجس مصحف الغير فإن الأمر بتطهيره يتوجه على مالكه ، ومع إقدامه عليه ليس لغيره التصرف فيه بالتطهير لاستلزامه التصرف في مال الغير من غير رضاه.

نعم ، إذا لم يرض المالك بكسرهما أو بتطهير المصحف في المثال جاز لغيره الاقدام عليهما بل وجب ، لأن المالك بامتناعه عما وجب عليه في الشريعة المقدّسة ألغى ماله عن الاحترام بهذا المقدار من التصرف فيه ، لأن الهيئة مبغوضة ولا سبيل إلى إزالتها إلاّ بالتصرف في مادتها ولو من دون رضا مالكها ، لامتناعه عن كسرها وعن الاذن فيه ، وكذلك الحال في المصحف المتنجِّس فلاحظ.

(٢) لأن الأصل مال محترم وإتلافه موجب للضمان ، كما إذا أزال الهيئة بإلقاء الإناء في بحر أو نهر ونحوهما.

(٣) كما تقدّم.

(٤) الشك في إناء الذهب والفضة قد يكون من جهة الهيئة وقد يكون من جهة المادة.

أما الشك فيه من جهة الهيئة فهو أيضاً على قسمين : لأن الشبهة قد تكون حكمية‌

٣١٤

مفهومية ، كما إذا شك في الظروف غير المعدة للأكل أو الشرب من جهة الشك في سعة مفهوم الإناء وضيقه ، وأنه هل يشمل الإبريق مثلاً أو يختص بما أُعد للأكل أو الشرب منه ، وقد تكون موضوعية كما إذا لم يدر لظلمة أو عمى ونحو ذلك أن الهيئة هيئة صندوق مدور أو إناء.

أما إذا شك في الهيئة من جهة الشبهة الحكمية فلا بد من الفحص عن مفهوم الإناء وبعد ما عجز عن تشخيصه رجع إلى استصحاب عدم جعل الحرمة لما يشك في صدق الإناء عليه ، لأن مرجع الشك في سعة مفهوم الإناء وضيقه إلى الشك في ثبوت الحرمة وجعلها على الفرد المشكوك فيه ، ومقتضى استصحاب عدم جعل الحرمة عليه جواز الأكل والشرب منه. وعلى تقدير المناقشة في ذلك ، أصالة البراءة عن حرمة استعماله هي المحكّمة.

وأما الشك في الهيئة من جهة الشبهة الموضوعية فهو أيضاً مورد للحكم بالإباحة وذلك لأن اتصاف المادة بهيئة الإناء أمر حادث مسبوق بالعدم ، لعدم كونها متصفة بها من الابتداء ، فمقتضى الاستصحاب النعتي عدم اتصافها بهيئة الإناء. ومع الغض عن ذلك أصالة البراءة عن حرمة استعماله مما لا محذور فيه.

وأما الشك فيه من جهة المادة فالشبهة فيه موضوعية غالباً ، كما إذا لم يدر مثلاً أن مادة الإناء ذهب أو نحاس ، وجريان الاستصحاب حينئذ يبتني على القول بجريانه في الأعدام الأزلية ، وذلك لأن المادة قبل وجودها لم يكن اتصافها بالذهب موجوداً يقيناً وبعد ما وجدت المادة وشككنا في تحقق اتصافها بالذهب نستصحب عدمه ، وكذلك الحال فيما إذا شككنا في كونها فضة ، فبهذا الاستصحاب يثبت أن المادة ليست بذهب ولا فضة فيجوز استعمالها مطلقاً. ومع المناقشة في جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية أصالة البراءة عن حرمة استعمالها مما لا مزاحم له.

نعم ، قد يشك في المادة من جهة الشك في سعة مفهوم الذهب وضيقه ، كما إذا شك في أن مفهوم الذهب أو الفضة هل يصدق على مادة الإناء ، والمرجع حينئذ هو استصحاب عدم جعل الحرمة لما يشك في كونه ذهباً أو فضة ، أو البراءة عن حرمة استعماله على تقدير المناقشة في الاستصحاب.

٣١٥

فصل في أحكام التخلِّي‌

[٤٢١] مسألة ١ : يجب في حال التخلي بل في سائر الأحوال ستر العورة عن الناظر المحترم (١).

______________________________________________________

فالمتلخص أن ما يشك في كونه إناء الذهب أو الفضة يجوز استعماله مطلقاً ، سواء كان الشك من جهة المادة أو الهيئة ، وسواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية.

فصل في أحكام التخلِّي‌

(١) وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم من المسائل القطعية بل الضرورية في الجملة ، ويدلُّ عليه قوله عزّ من قائل ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (١) وغيرها من الآيات المتحدة معها في المفاد ، حيث دلت على وجوب حفظ الفرج عن كل ما يترقّب منه من الاستلذاذات ، إذ الاستلذاذ به قد يكون بلمسه وقد يكون بالنظر إليه ، وقد يكون بغير ذلك من الوجوه على ما تقتضيه القوة الشهوية والطبع البشري ، وذلك لأن حفظ الفرج في تلك الآيات الكريمة غير مقيد بجهة دون جهة. ومعه لا حاجة في تفسير الآية المباركة إلى مرسلة الصدوق قدس‌سره « سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ ) ، فقال : كل ما كان في كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ في هذا الموضع فإنّه للحفظ من أن ينظر إليه » (٢) حتى يرد بإرسالها.

وأيضاً يدل على ذلك جملة من الأخبار فيها روايات معتبرة وإن كان بعضها ضعيفاً.

__________________

(١) النور ٢٤ : ٣٠.

(٢) الوسائل ١ : ٣٠٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ١ ح ٣.

٣١٦

فمنها : ما رواه حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه » (١).

ومنها : حسنة رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلاّ بمئزر » (٢) حيث جعلت ستر العورة من لوازم الايمان فتدل على وجوب سترها مطلقاً ، بعد القطع بأن الاتزار ليس من الواجبات الشرعية في الحمام ، والجزم بأن الحمام ليست له خصوصية في ذلك ، فليس الأمر به إلاّ من جهة أن الحمام لا يخلو عن الناظر المحترم عادة ، كما أن الأمر به ليس مقدمة للاغتسال ومن هنا ورد جواز الاغتسال بغير إزار حيث لا يراه أحد ، وذلك كما في صحيحة الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يغتسل بغير إزار حيث لا يراه أحد ، قال : لا بأس » (٣) ، وهذه الصحيحة تدل على أن الأمر بالاتزار في الحسنة المتقدِّمة ليس إلاّ لوجوب ستر العورة عن الناظر المحترم.

وفي جملة من الأخبار « عورة المؤمن على المؤمن حرام » (٤) وظاهرها أن النظر إلى عورة المؤمن حرام.

وقد يناقش في ذلك ، بأن المراد بالعورة هو الغيبة ، فالأخبار إنما تدل على حرمة غيبة المؤمن وكشف ما ستره من العيوب ، كما ورد تفسيرها بذلك في جملة من النصوص منها : ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سألته عن عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ فقال : نعم ، قلت أعني سفليه ، فقال : ليس حيث تذهب إنما هو إذاعة سرّه » (٥). ومنها : رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال : ليس أن ينكشف فيرى منه شيئاً‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٩ / أبواب أحكام الخلوة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٩ / أبواب آداب الحمام ب ٩ ح ٥.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٢ / أبواب آداب الحمام ب ١١ ح ١.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٩ / أبواب آداب الحمام ب ٩ ح ٤.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٧ / أبواب آداب الحمام ب ٨ ح ٢.

٣١٧

إنما هو أن يزري عليه أو يعيبه » (١) ومنها غير ذلك من الروايات.

والجواب عن ذلك ، أنه لا مناص من حمل تلك الروايات على تفسير كلامه بذلك في خصوص المورد أو الموردين أو أكثر ، فكأنه عليه‌السلام أراد منها معنى عاما ينطبق على الغيبة وإذاعة السر في تلك الموارد تنزيلاً لهما منزلة كشف العورة ، ولا يمكن حملها على أن المراد بتلك الجملة هو الغيبة في جميع الموارد ، وأينما وقعت ، كيف وقد وردت في مورد لا يمكن فيه حملها على ذلك المعنى بوجه. وهذا كما في رواية حنان بن سدير عن أبيه قال : « دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حماماً بالمدينة فإذا رجل في البيت المسلخ فقال لنا : مَن القوم؟ فقلنا من أهل العراق ، فقال : وأي العراق؟ قلنا : كوفيون ، فقال : مرحباً بكم يا أهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار ، ثم قال : ما يمنعكم من الأُزر فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال عورة المؤمن على المؤمن حرام ، قال : فبعث إلى أبي كرباسة فشقها بأربعة ثم أخذ كل واحد منّا واحداً ثم دخلنا فيها ... فسألنا عن الرجل فاذا هو علي بن الحسين عليه‌السلام ومعه ابنه محمّد بن علي عليهما‌السلام » (٢). وذلك لأن إرادة الغيبة من قوله عليه‌السلام « فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : عورة المؤمن ... » أمر غير ممكن بقرينة الحمام واتزارهم بالكرباس.

فالمتحصل إلى هنا أن وجوب ستر العورة مما لا إشكال فيه ، وكذا الحال في حرمة النظر إليها على ما دلت عليه الأدلّة المتقدِّمة.

وما عن بعض متأخري المتأخرين من أنه لو لم يكن مخافة خلاف الإجماع لأمكن القول بكراهة النظر ، دون التحريم كما نقله المحقق الهمداني قدس‌سره (٣) فلعلّه مستند إلى مصححة ابن أبي يعفور قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أيتجرّد الرجل عند صبّ الماء ترى عورته؟ أو يصب عليه الماء؟ أو يرى هو عورة الناس؟

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧ / أبواب آداب الحمام ب ٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٩ / أبواب آداب الحمام ب ٩ ح ٤.

(٣) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٨١ السطر ٢٠.

٣١٨

سواء كان من المحارم أم لا (١) رجلاً كان أو امرأة ، حتى عن المجنون والطفل المميِّز (٢) ، كما أنه يحرم على الناظر أيضاً النظر إلى عورة الغير ولو كان مجنوناً أو طفلاً مميِّزاً (٣) ، والعورة في الرجل القُبْل والبيضتان والدُّبْر ، وفي المرأة القُبْل‌

______________________________________________________

قال : كان أبي يكره ذلك من كل أحد » (١).

ولكن فيه أن الكراهة في الروايات لا يراد منها الكراهة بالمعنى المصطلح عليه عند الأصحاب لأنه اصطلاح حديث ، ومعناها الحرمة والبغض ما لم يقم على خلافها دليل ، وعلى ذلك فالرواية إما ظاهرة في الحرمة أو مجملة ، فلا يمكن جعلها قرينة على إرادة الكراهة المصطلح عليها في سائر الروايات. هذا تمام الكلام في وجوب ستر العورة وحرمة النظر إليها ، وأما خصوصيات ذلك فهي التي أشار إليها الماتن بقوله : سواء كان من المحارم ....

(١) هذا وما بعده لإطلاق الأدلّة المتقدِّمة من الآيات والأخبار الدالتين على حرمة النظر إلى عورة الغير ووجوب حفظ الفرج مطلقاً ، وذلك لأنه لم يستثن منه سوى أزواجهم وما ملكت أيمانهم ، بلا فرق في ذلك بين المحرم كالأخ والأُخت والأب والأُم ونحوهم وبين غير المحرم.

(٢) لأنه مقتضى إطلاق الأدلّة المتقدِّمة. وعدم حرمة كشف العورة والنظر إليها في حق الطفل والمجنون نظراً إلى اعتبار العقل والبلوغ في التكليف ، لا يستلزم جواز كشف العورة عندهما ، أو جواز النظر إلى عورتيهما في حق المكلفين ، نعم لا يجب ستر العورة عن الصبي غير المميز ولا عن المجنون غير المدرك لشدة جنونه وذلك لأن الظاهر المنصرف إليه من الأدلّة المتقدِّمة أن العورة إنما يجب سترها عن الناظر المدرك دون الناظر فاقد الشعور والإدراك ، فان حاله حال الحيوان فكما لا يحرم الكشف عنده فكذلك الناظر غير الشاعر المدرك.

(٣) لإطلاق ما دلّ على حرمة النظر إلى عورة الغير ، وإنما خرجنا عن هذا‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣ / أبواب آداب الحمام ب ٣ ح ٣.

٣١٩

والدُّبر (*) (١).

______________________________________________________

الإطلاق في الطفل غير المميز بالسيرة الجارية على جواز النظر إلى عورته كما تأتي الإشارة إليه في المسألة الثالثة إن شاء الله.

(١) الذي ورد في الأدلّة المتقدِّمة من الآيات والروايات هو عنوان الفرج والعورة والظاهر أنهما والسوءة من الألفاظ المترادفة كالإنسان والبشر ، ومعناها ما يستحيي ويأبى من إظهاره الطبع البشري ، والقدر المتيقن من ذلك هو القُبل والدُّبر في المرأة والدبر والقضيب والبيضتان في الرجل ، وحرمة النظر إلى الزائد عن ذلك كحرمة كشفه تحتاج إلى دليل ، وما استدل به على التعميم روايات ثلاث :

إحداها : رواية قرب الاسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام أنه قال : « إذا زوج الرجل أمته فلا ينظرن إلى عورتها ، والعورة ما بين السرّة والرّكبة » (٢).

وثانيتها : خبر بشير النبال قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الحمام فقال : تريد الحمام؟ قلت : نعم ، فأمر بإسخان الماء ثم دخل فاتزر فغطى ركبتيه وسرّته ، ثم أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجاً عن الإزار ، ثم قال : اخرج عني ثم طلى هو ما تحته بيده ، ثم قال : هكذا فافعل » (٣).

وثالثتها : حديث الأربعمائة المروي في الخصال عن علي عليه‌السلام « إذا تعرى أحدكم ( الرجل ) نظر إليه الشيطان فطمع فيه ، فاستتروا ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه ويجلس بين قوم » (٤) وهي تدل على أن العورة الواجبة سترها هي ما بين السرّة والرّكبة.

__________________

(*) بل ما بين السرة والركبة على الأحوط.

(١) الوسائل ٢١ : ١٤٨ / أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٤ ح ٧ ، قرب الاسناد : ١٠٣ / ٣٤٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٥ / أبواب آداب الحمام ب ٥ ح ١ ، ٦٧ / ب ٣١ ح ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٢٣ / أبواب الملابس ب ١٠ ح ٣ ، الخصال ٢ : ٦٣٠.

٣٢٠