موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

( قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) (١) وغير ذلك من الآيات ، لأنها إنما استعملت فيها بمعنى ما لا يتيسر ، لا بمعنى ما يكره وما لا يليق ، فهي على ذلك قد استعملت في الموثقة بمعنى الحرمة كما قد استعملت بهذا المعنى في قوله عليه‌السلام « فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً » (٢) أي لا يتيسر لك نقض اليقين بالشك لا أنه لا يناسبك ولا يليق لك.

نعم ، يمكن أن يقال إنها وإن كانت بمعنى الحرمة لغة إلاّ أنها ظاهرة في عصرنا في المعنى المصطلح عليه أعني الكراهة والأمر غير المناسب ، وبما أن تاريخ النقل إلى المعنى المصطلح عليه غير معيّن ولا ندري أنه كان متقدماً على عصر الصدور أم كان متأخراً عنه فلا محالة تكون مجملة. والمتلخص أن الرواية إما ظاهرة في الحرمة أو أنها مجملة وعلى كلا التقديرين لا مجال لدعوى كونها قرينة على التصرف في الأخبار الناهية المتقدِّمة وحملها على الكراهة ، هذا والذي يسهّل الخطب أن المسألة متسالم عليها بين الأصحاب ولا خلاف في حرمة الأكل والشرب في أواني النقدين.

بقيت شبهة وهي أن مقتضى الأخبار المتقدِّمة حرمة الأكل في أواني الذهب والفضة وحرمة الشرب في آنية الفضة ، وأما الشرب من آنية الذهب فلم يصرح بحرمته في الأخبار المتقدِّمة حتى بناء على أن « كره » بمعنى أبغض. نعم ورد ذلك في الطائفة الثالثة إلاّ أنكم ناقشتم في دلالتها بإمكان دعوى إجمالها ، فما ادعيتم من أن الطائفة الأُولى والثانية تدلان على حرمة الأكل والشرب من أواني الذهب مما لا دليل عليه.

والجواب عنها مضافاً إلى أن المسألة متسالم عليها بينهم ، أن قوله عليه‌السلام « نهى عن آنية الذّهب والفضّة » وقوله : « عن آنية الذّهب والفضّة فكرههما أي أبغضهما » وغيرهما من الأخبار المتقدِّمة في الطائفتين مطلق ، فكما أنها تشمل‌

__________________

(١) ص ٣٨ : ٣٥.

(٢) كما في صحيحة زرارة المروية في الوسائل ٣ : ٤٧٧ / أبواب النجاسات ب ٤١ ح ١ ، ٣ : ٤٨٢ / أبواب النجاسات ب ٤٤ ح ١.

٢٨١

والوضوء والغسل وتطهير النجاسات وغيرها من سائر الاستعمالات (١) حتى وضعها على الرفوف (*) للتزيين ، بل يحرم تزيين المساجد والمشاهد المشرفة بها ، بل يحرم اقتناؤها من غير استعمال.

______________________________________________________

استعمال الأواني المذكورة أكلاً كذلك تشمل استعمالها بحسب الشرب ، لأن الإناء هو ما يستعمل في الأكل والشرب فصح أن الطائفتين تدلاّن على حرمة الأكل والشرب في الأواني المذكورة ، ويؤيدها جملة من الروايات الناهية عن الشرب في آنية الذهب والفضة (٢) إلاّ أن أسنادها غير نقية عن المناقشة ومن ثمة جعلناها مؤيدة للمدعى هذا كله في حرمة الأكل والشرب من الآنيتين.

وقد تلخص أن مقتضى الأخبار المتقدِّمة حرمة الأكل والشرب من أواني الذهب والفضة وإن لم يصدق عليهما استعمال الإناء ، نظراً إلى أن استعماله إنما هو بتناول الطعام أو الشراب منه وأما أكله أو شربه بعد ذلك فهما أمران آخران وغير معدودين من استعمال الإناء. وكيف كان فهما محرمان صدق عليهما الاستعمال أم لم يصدق.

(١) المعروف بين الأصحاب قدس‌سرهم تعميم الحكم بالحرمة بالنسبة إلى سائر الاستعمالات من الوضوء والغسل وتطهير النجاسات وغيرها مما يعد استعمالاً للآنية. بل عن بعضهم دعوى الإجماع في المسألة ، وهو إن تمّ فلا كلام وأما لو ناقشنا في ذلك إما لأن الإجماع محتمل المدرك وإما لعدم ثبوته في نفسه ولو لاقتصار بعضهم على خصوص الأكل والشرب وعدم تعرضه لغيرهما ، فلا يمكن المساعدة على ما التزموه بوجه لضعف مستنده حيث استدلوا على ذلك :

تارة برواية موسى بن بكر عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : « آنية الذّهب والفضّة متاع الذين لا يوقنون » (٣) فان المتاع بمعنى ما ينتفع به ومنه متاع‌

__________________

(*) الحكم بحرمته وحرمة ما ذكر بعده محل إشكال بل منع ، نعم الاجتناب أحوط وأولى.

(١) كحديث المناهي ورواية مسعدة المرويتين في الوسائل ٣ : ٥٠٨ / أبواب النجاسات ب ٦٥ ح ٩ ، ١١.

(٢) الوسائل ٣ : ٥٠٧ / أبواب النجاسات ب ٦٥ ح ٤.

٢٨٢

البيت ، فالرواية تدل على أن الانتفاع بآنيتهما حرام لأنهما مما ينتفع به غير الموقنين وبذلك يحرم استعمالاتهما مطلقاً حيث إن استعمال الشي‌ء انتفاع به ، ويدفعه : أن المتاع وإن كان بمعنى ما ينتفع به إلاّ أن الانتفاع في كل متاع بحسبه ، فان الانتفاع بالفرش الذي من أمتعة البيت بفرشه وفي اللباس بلبسه وهكذا ، ومن الظاهر أن الانتفاع بآنيتهما إنما يكون بالأكل والشرب فيهما ، لأن الإناء إنما يعد لذلك وهما الغاية المطلوبة منه ، فمعنى الرواية أن الانتفاع بهما كما ينتفع به غير الموقنين محرم ، وقد مرّ أن الانتفاع بالإناء إنما هو باستعماله في خصوص الأكل والشرب فلا تشمل بقية الانتفاعات ، هذا على أن الرواية على طريق الكليني ضعيفة بسهل بن زياد وموسى بن بكر ، وعلى رواية البرقي بخصوص الأخير فليراجع. ومعه لا دليل على حرمة استعمالاتهما عدا الأكل والشرب وإن كانت الشهرة على خلاف ذلك.

وأُخرى بصحيحتي محمد بن مسلم المتقدِّمة « نهي عن آنية الذهب والفضة » ومحمد ابن إسماعيل بن بزيع « سألت الرضا عليه‌السلام عن آنية الذهب والفضة فكرههما » (١) ونحوهما من المطلقات ، نظراً إلى أن النهي والكراهة لا معنى لتعلقهما بالذوات ، أما في النهي فهو ظاهر وأما في الكراهة فلأن الكراهة التكوينية وإن أمكن أن تتعلق بالذوات بأن يكون الشي‌ء مبغوضاً بذاته كما أنه قد يكون محبوباً كذلك إلاّ أن الكراهة التشريعية كالنهي لا معنى لتعلقها بالذوات ، والكراهة في الصحيحة لا يحتمل حملها على الكراهة التكوينية لأن ظاهر الرواية أنها صدرت من الامام عليه‌السلام بما أنه مبيّن للأحكام ، ولا ظهور لها في أنه عليه‌السلام بصدد إظهار الكراهة الشخصية في الإناء ، ومعه لا بدّ من تقدير شي‌ء من الأفعال في الصحيحتين ليكون هو المتعلق للنهي والكراهة ، وحيث إن المقدر غير معيّن بوجه فلا مناص من تقدير مطلق الاستعمالات.

ويرد على هذا الاستدلال أن النهي والكراهة وإن لم يمكن أن يتعلّقا بالذوات إلاّ أن المقدّر متعيّن وهو في كل مورد بحسبه ، لأن المناسب في مثل النهي عن الأُمّهات هو‌

__________________

(١) المتقدِّمتين في ص ٢٧٣ ، ٢٧٩.

٢٨٣

النكاح لأنه الأثر الظاهر في النساء ، وفي النهي عما لا فلس له من الأسماك أو الميتة أو الدم هو الأكل ، وحيث أن الأثر الظاهر من الإناء هو الأكل والشرب منه لأنه لم يعد إلاّ لهما لا لغيرهما من الاستعمالات ، فناسب أن يكون المقدر في الصحيحتين هو الأكل أو الشرب فحسب ، هذا.

وتوضيح الكلام في المقام أن هناك وجوهاً أو احتمالات :

الأوّل : ما قدمناه آنفاً من أن المقدر هو الأكل والشرب فحسب ، لأن النهي عن كل شي‌ء إنما هو بحسب الأثر المرغوب منه ، وقد تقدم أن الأثر المرغوب منه في الآنية هو الأكل والشرب منها ، وعلى ذلك تتحد الصحيحتان مع الأخبار الناهية عن الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة ولا يبقى دليل على المنع عن سائر استعمالاتهما.

الثاني : أن المقدر مطلق الاستعمال الأعم من الأكل والشرب ، ويقع الكلام على هذا التقدير في أن المحرّم هو نفس تلك الاستعمالات أو أنه أعم منها ومن الأفعال المترتبة عليها؟ وعلى القول بحرمة الاستعمال نفسه دون الفعل المترتب عليه كما هو الصحيح لا بأس بالتوضؤ من أواني الذهب والفضة ، لأن المحرّم على ذلك هو استعمالهما أعني تناول الماء منهما فحسب ، وأما صرفه بعد ذلك في شي‌ء من الغسل أو الوضوء أو الصب أو غيرها فلا يعد استعمالاً للآنية بل هو فعل آخر لم يقم على حرمته دليل ، وإنما التزمنا بحرمة الأكل والشرب منهما بعد تناول الطعام أو الشرب منهما لقيام الدليل عليها لا لأنهما استعمال للإناء ، هذا إذا كان عنده ماء آخر يتمكن من الوضوء أو كان متمكناً من إفراغ الآنيتين في ظرف آخر.

وأمّا إذا انحصر الماء بما في الآنيتين فصحة الوضوء والغسل منهما تبتني على القول بالترتب كما قدّمناه في التوضّؤ من الآنية المغصوبة ، فإن حال الآنيتين حال الأواني المغصوبة من تلك الجهة وقد تقدّم الكلام فيها مفصّلاً. وعلى الجملة لا دليل على حرمة التوضّؤ وغيره من الأفعال المترتِّبة على استعمالهما بناء على هذا الاحتمال كما لا دليل على حرمة وضعها على الرفوف للتزيين لعدم صدق الاستعمال عليه ، فان استعمال أي شي‌ء إنما هو عبارة عن إعماله في جهة من الجهات المرغوبة منه ، ومجرد التزيين بهما ليس من الجهات المرغوبة من الآنيتين حتى لو سئل عمن وضعهما على‌

٢٨٤

الرف أنك هل استعملتهما؟ لأجاب بقوله : لا ، بل وضعتهما على الرف مثلاً للتزيين.

الثالث : أن المقدّر هو الانتفاع كما هو المناسب لقوله عليه‌السلام في رواية موسى بن بكر « آنية الذّهب والفضّة متاع الذين لا يوقنون » لما عرفت من أن المتاع بمعنى ما ينتفع به ، وعليه فالمحرّم هو الانتفاع منهما مطلقاً سواء أكان ذلك باستعمالهما أم بغيره كالتزيين لوضوح أنه انتفاع بهما كالانتفاع بالتزيين بغيرهما من النقوش الموجودة على البيوت والأبواب وإن لم يعد استعمالاً لهما أو للنقوش ، وإلى هذا ذهب صاحب الجواهر قدس‌سره (١) إلاّ أنه على ذلك لا دليل على حرمة اقتنائهما وادّخارهما لعدم كونه انتفاعاً بهما بوجه كما إذ ادّخرهما بداعي بيعهما عند ما دعت الحاجة إليه.

الرابع : أن المقدر مطلق الفعل المتعلق بهما سواء عد استعمالاً لهما أم لم يعد وسواء كان انتفاعاً بهما أم لم يكن ، وذلك كالاقتناء لأن حفظهما عن الضياع أيضاً فعل متعلق بهما فيحرم.

هذه هي الوجوه المحتملة في المقام ، وقد عرفت أن أظهرها أوّلها لما تقدّم من أن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن يكون المقدر في كل مورد ما يناسب ذلك المورد فيقدر النكاح في تحريم الأُمهات والأكل في تحريم الدم والميتة وما لا فلس له من الأسماك واللبس في تحريم لباس الذهب والحرير دون فرشهما مثلاً ، وبما أن المناسب للآنية كما يأتي في معنى الإناء هو الأكل والشرب فليكن المقدر في النهي عن آنية الذهب والفضّة خصوص الأكل والشرب منهما دون سائر الاستعمالات ، هذا ومع التنازل عن ذلك فالظاهر هو الاحتمال الثاني ، ومع الإغماض عنه فالاحتمال الثالث وأما الاحتمال الرابع فهو مما لا يمكن تتميمه بدليل ، ولعله لأجل الترتب في الاحتمالات المذكورة ترقي الماتن شيئاً فشيئاً ، فأوّلاً حكم بحرمة الأكل والشرب منهما ثم عطف عليها سائر الاستعمالات ثم عممها إلى مثل الوضع على الرفوف ثم ترقي إلى حرمة اقتنائها.

__________________

(١) الجواهر ٦ : ٣٤٣.

٢٨٥

ويحرم بيعها وشراؤها (١)

______________________________________________________

(١) ذكرنا في البحث عن المكاسب المحرمة أن مالية الأموال بالمواد لا بالصور الشخصية والصفات ، فالمال إنما يبذل بإزاء موادها فحسب ولا يقع شي‌ء من الثمن بإزاء الصور الشخصية بالاستقلال. نعم الصور باعثة على بذل المال في مقابل المواد وموجبة للزيادة في قيمتها (١) فترى أن الصوف المغزول مثلاً تزيد قيمته على غير المغزول منه وإن كان المال مبذولاً في مقابل المادة التي هي الصوف.

فأواني النقدين لا إشكال في جواز بيعهما فيما إذا وقع الثمن في المعاملة بإزاء مادتهما من غير أن يكون للهيئة دخل في بذل الثمن بإزائها ، وذلك لوضوح أنهما من الأموال ومن هنا لو أتلفهما متلف ضمنهما كما التزم شيخنا الأنصاري قدس‌سره بذلك في بيع الصليب والصنم إذا قصد المعاوضة على موادهما فحسب (٢) وأما إذا باعهما بشكلهما وهيئتهما بأن كان لصورتهما دخل في المعاوضة وفي بذل المال في مقابلهما فعلى ما قدمناه أيضاً لا إشكال في صحة بيعهما ، لأن الثمن إنما يبذل بإزاء المواد ولا يقع شي‌ء منه في قبال الصور الشخصية بوجه وإنما هي دواع للبيع فقط سواء قلنا بحرمة اقتنائهما أم لم نقل.

نعم ، على القول بحرمة الاقتناء يبتني الحكم ببطلان بيعهما على تمامية شي‌ء من العمومات المقتضية للبطلان كقوله : « إن الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه ». إذ مع القول بحرمة اقتنائهما يصدق أنهما مما حرّمه الله لحرمة جميع الأفعال المتعلقة بهما ، وقوله في رواية تحف العقول : « وكل شي‌ء يجي‌ء منه الفساد محضاً » (٣) إلاّ أن رواية تحف العقول ضعيفة السند ، والرواية الاولى يأتي عدم تماميتها في التعليقة الآتية ، فعلى ذلك لا مانع من جواز بيع الأواني المصوغة من النقدين.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ١ : ١٩٨.

(٢) المكاسب ١ : ١١٤.

(٣) تحف العقول : ٣٣٥.

٢٨٦

وصياغتها وأخذ الأُجرة عليها بل نفس الأُجرة أيضاً حرام ، لأنها عوض المحرم وإذا حرّم الله شيئاً حرّم ثمنه (١).

[٤٠٢] مسألة ٥ : الصفر أو غيره الملبس بأحدهما يحرم استعماله إذا كان على وجه لو انفصل كان إناءً مستقلا (٢)

______________________________________________________

(١) تترتّب هذه المسألة على جواز اقتنائهما وعدمه ، لأنه إذا جاز جازت صياغتها للاقتناء كما جاز أخذ الأُجرة عليها. وهذا بخلاف ما إذا قلنا بحرمته لأن الأفعال المتعلقة بها إذا حرمت بأجمعها ولم يبق لها طريق محلل حرمت صياغتها ولم يجز أخذ الأُجرة عليها ، وهذا لا لما استند إليه الماتن قدس‌سره من أن الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه ، لأنها رواية عامية لم تثبت من طرقنا بل ولا من طرقهم ، فان ما يوجد في كتبهم هو « إن الله إذا حرّم أكل شي‌ء حرّم ثمنه » بإضافة لفظة « أكل » نعم عثرنا على روايتها من غير تلك اللفظة في موضع من مسند أحمد ، إلاّ أنها محمولة على السقط والاشتباه لأن أحمد بنفسه رواها من ذلك الراوي بعينه في مواضع أُخر من مسنده بإضافة لفظة « أكل » كما مرّ (١) فما اعتمد عليه الماتن ساقط.

بل الوجه في حرمة صياغتها وأخذ الأُجرة عليها حينئذ أن الشارع بعد ما سدّ السبيل إلى إيجادها وحرّم الأفعال المتعلقة بها بأجمعها كما هو الفرض لم يجز تسليمها وتسلمها لحرمتها ومبغوضيتها ولا تصح معه الإجارة على صياغتها ، إذ لا يعقل الأمر بالوفاء بعقدها مع حرمة العمل ومبغوضيته ، فإنّه كالإجارة للغيبة أو الكذب أو غيرهما من المحرمات فلا يشمله ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود ولا تصح الإجارة على صياغتها.

(٢) الإناء الملبس بأحدهما قد يكون من قبيل إناء في إناء نظير الشعار والدثار بحيث لو نزعنا الإناء الصفر مثلاً عما لبس به بقي لباسه إناء مستقلا في نفسه ، وهذا‌

__________________

(١) شرح العروة ٢ : ٣٩٥ ذيل المسألة [١٦٢].

٢٨٧

وأما إذا لم يكن كذلك فلا يحرم ، كما إذا كان الذّهب أو الفضّة قطعات منفصلات لبّس بهما الإناء من الصفر داخلاً أو خارجاً.

[٤٠٣] مسألة ٦ : لا بأس بالمفضّض (١) والمطلي والمموّه بأحدهما. نعم يكره‌

______________________________________________________

لا شبهة في حرمة استعماله مطلقاً أو في خصوص الأكل والشرب على الخلاف لأنه إناء ذهب أو فضة ، وقد لا يكون من هذا القبيل كما إذا نصب فيه قطعة ذهب أو فضة أو كان له حلقة أو سلسلة منهما ، وهذا لا إشكال في جواز استعماله لعدم كون الإناء إناء ذهب أو فضة وإنما هو صفر أو غيره وإن كان مشتملاً على قطعة منهما مثلاً.

(١) وهو المقصود بالمطلي والمموّه ، ولعل الوجه في تسمية المفضّض مموّهاً أنه يوهم الناظر أن الإناء من الفضة أو الذهب كما في المذهّب مع أنه مع الصفر أو النحاس أو غيرهما ، وقد تقدّم (١) في حسنة الحلبي المنع عن الأكل في الآنية المفضّضة ، ولكن صحيحة معاوية بن وهب قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الشرب في القدح فيه ضبة من فضة قال : لا بأس إلاّ أن تكره الفضة فتنزعها » (٢) وحسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض واعزل فمك عن موضع الفضة » (٣) تدلاّن على الجواز ، ومعه لا بدّ من حمل النهي في حسنة الحلبي على الكراهة بالإضافة إلى المفضّض لأنه مقتضى الجمع بين الطائفتين مع التحفّظ على ظهورها في الحرمة بالإضافة إلى الفضّة ، إذ لا مانع من حمل النهي الوارد في رواية واحدة على الكراهة في جملة وعلى الحرمة في جملة أُخرى.

وذلك لما بيّنّاه في محله من أن الأمر والنهي ظاهران في الحرمة والوجوب فيما إذا لم يقترنهما الترخيص في فعل المنهي عنه أو في ترك المأمور به كما أن ظاهرهما الكراهة والاستحباب إذا اقترنهما ، وحيث إن النهي في المفضض قد اقترنه المرخص دون الفضّة‌

__________________

(١) في ص ٢٧٩.

(٢) الوسائل ٣ : ٥٠٩ / أبواب النجاسات ب ٦٦ ح ٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٥١٠ / أبواب النجاسات ب ٦٦ ح ٥.

٢٨٨

استعمال المفضض ، بل يحرم (١) الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضّة ، بل الأحوط ذلك في المطلي (*) أيضاً.

______________________________________________________

لم يكن مناص من حمله على ظاهره في الفضة وعلى الكراهة في المفضّض ، فلا يتوهّم على ذلك أن المقام من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، لما تبيّن من أن صيغة النهي إنما استعملت في معنى واحد وهو إبراز اعتبار المكلف محروماً عن الفعل وإنما فرقنا بين الفضّة والمفضّض لقيام القرينة على الترخيص في الثاني دون الأوّل.

(١) هذا هو المعروف بينهم إلاّ أنه إنما يتم في الإناء المشتمل على قطعة من الفضّة وذلك لحسنة عبد الله بن سنان الآمرة بعزل الفم عن موضع الفضة وحيث لا قرينة على الرخصة في تركه فلا بد من الأخذ بظاهره ومقتضى الجمود عليه هو الوجوب. وأما الإناء المطلي فلا يأتي ذلك فيه حيث لا فضة فيه ليقال : اعزل فمك عن موضع الفضة ، وإنما هو مطلي بمائها وهو من قبيل الأعراض التي لا وجود لها بالاستقلال وإن كان مشتملاً على الأجزاء الصغيرة من الفضّة حقيقة.

ثم إن كراهة الأكل والشرب والأمر بعزل الفم فيما فيه قطعة فضة أو فيه وفي المطلي يختص بالفضّة فحسب ، وأما الإناء المشتمل على قطعة من الذهب أو الإناء المطلي بالذّهب فلا كراهة في استعماله كما لا دليل فيه على وجوب عزل الفم عن موضع الذهب ، بل القاعدة تقتضي الجواز فيه وإن كان الذهب أعلى قيمة من الفضة وذلك لعدم السبيل إلى ملاكات الأحكام الشرعية ، فلو كان الملاك في الحكم بكراهة الأكل والشرب في المفضض أو وجوب العزل عن موضع الفضة غلاء قيمتها وكونها مرغوبة لدى الناس لكانت الأحجار الكريمة من الزبرجد والألماس وغيرهما مما هو أعلى قيمة من الفضة أولى بالكراهة أو الوجوب.

نعم ، ورد في رواية الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن السرير فيه الذهب أيصلح إمساكه في البيت؟ فقال : إن كان ذهباً فلا وإن كان ماء الذهب‌

__________________

(*) وإن كان الأظهر أنه لا بأس به.

٢٨٩

[٤٠٤] مسألة ٧ : لا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما إذا لم يكن بحيث يصدق عليه اسم أحدهما (١).

______________________________________________________

فلا بأس » (١) وهي تدل على عدم جواز إمساك السرير إذا كان ذهباً إلاّ أنها مختصة بالسرير ولا تعم الإناء المذهّب بوجه.

ودعوى : أن الرواية تكشف عن أن حرمة مطلق المذهّب في الشريعة المقدسة كانت مرتكزة ومفروغاً عنها عند السائل ، مندفعة بأن الرواية ضعيفة سنداً ودلالة. أما بحسب السند فلوقوع محمد بن سنان وربعي في سلسلته ، وأما بحسب الدلالة فلأجل القطع بجواز إبقاء السرير من الذهب لضرورة عدم حرمة إبقاء الذهب في الشريعة المقدّسة سريراً كان أو غيره ، وأما قوله عزّ من قائل ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (٢) فهو ناظر إلى تحريم منع الزكاة ، فإن إخراج زكاة المسكوك من الفضة والذهب مانع عن تجمعهما إلاّ إذا كانا أقل من النصاب وهو مما لا حرمة في إبقائه في الشريعة المقدسة بوجه.

ومما ذكرناه يظهر أن ما ذكره صاحب الحدائق قدس‌سره من إلحاق المذهّب بالمفضض مما لا يمكن المساعدة عليه لعدم الدليل كما عرفت.

(١) لأنّ الحرمة إنما ترتبت على استعمال آنية الذهب والفضة مطلقاً أو في خصوص الأكل والشرب على الخلاف فتدور مدار صدقها ، فاذا فرضنا أن الخليط أكثر من الذهب والفضة بحيث لا يصدق على الإناء إنائهما إلاّ على سبيل التسامح والمجاز لم يحرم الأكل والشرب منه ، كما إذا كان ثلثاه من الصفر ونحوه وثلثه منهما.

وأمّا إذا قلّ خليطهما بحيث لم يمنع عن صدق إناء الذهب أو الفضة عليه كما هو الغالب المتعارف في صياغة الذهب بل لا يوجد منه الخالص إلاّ نادراً كما قيل‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥١٠ / أبواب النجاسات ب ٦٧ ح ١.

(٢) التوبة ٩ : ٣٤.

٢٩٠

[٤٠٥] مسألة ٨ : يحرم ما كان ممتزجاً منهما وإن لم يصدق عليه اسم أحدهما بل وكذا ما كان مركّباً منهما ، بأن كان قطعة منه من ذهب وقطعة منه من فضّة (١).

[٤٠٦] مسألة ٩ : لا بأس بغير الأواني إذا كان من أحدهما (٢) كاللّوح من‌

______________________________________________________

فلا ينبغي الإشكال في حرمته إذ لا يعتبر في الأحكام المترتبة على آنية الذهب والفضة خلوصهما من غيرهما كما يعتبر ذلك في حرمة لبس الحرير ، لوضوح أن إطلاق الأدلّة تشمل الردي‌ء والجيد كليهما.

(١) الأدلّة اللّفظية الواردة في المقام وإن كانت قاصرة الشمول للممتزج من الذّهب والفضّة ، وكذا ما كان مركّباً منهما بأن كان نصفه من الفضّة ونصفه من الذّهب أو غير ذلك من أنحاء الامتزاج ، وذلك لأن الممتزج منهما لا يصدق عليه إناء الذهب ولا إناء الفضة ومع عدم صدق أحد العنوانين عليه لا يحكم بحرمة الأكل والشرب منه ، إلاّ أنه لا بدّ من الالتزام بحرمته بمقتضى الفهم العرفي والارتكاز ، وذلك لقيامهما على أن المركب من عدّة أشياء محرّمة بانفرادها محرم وإن لم ينطبق عليه شي‌ء من عناوين أجزائه ، مثلاً إذا ركّبنا معجوناً من الميتة والدم الطاهرين أو من التراب والنخاع حرم أكله حسب الفهم العرفي والارتكاز وإن لم يصدق على المركب عنوان الميتة أو الدم أو غيرهما من أجزائه ، وذلك لحرمة أكل الأجزاء بانفرادها.

(٢) لاختصاص الأخبار الواردة بالآنية لكونها مأخوذة في موضوعها ولسانها فأدلة التحريم لا تشمل غيرها ، ولوجود الدليل على الجواز وهو صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام قال : « سألته عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة فضة؟ قال : نعم ، إنما يكره استعمال ما يشرب به » (١).

مضافاً إلى الأخبار الواردة في موارد خاصة كما ورد في ذي الفقار سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنه هبط به جبرئيل من السماء وكانت حلقته فضّة (٢) وما ورد في ذات الفضول درعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن لها ثلاث حلقات‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٣ : ٥١١ / أبواب النجاسات ب ٦٧ ح ٥ ، ٣.

٢٩١

الذهب أو الفضة ، والحلي كالخلخال ، وإن كان مجوّفاً بل وغلاف السيف والسكين وأمامة الشطب ، بل ومثل القنديل ، وكذا نقش الكتب والسقوف والجدران بهما.

______________________________________________________

من فضّة : حلقة بين يديها وحلقتان من خلفها (١) أو أربع حلقات : حلقتان في مقدّمها وحلقتان في مؤخّرها (٢) وغير ذلك من الروايات ، هذا.

وقد يقال بحرمة غير الأواني منهما كأوانيهما ويستدل عليها بجملة من الأخبار :

منها : خبر الفضيل بن يسار قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السرير فيه الذهب ، أيصلح إمساكه في البيت؟ فقال : إن كان ذهباً فلا وإن كان ماء الذهب فلا بأس » (٣) لدلالتها على حرمة إمساك السرير الذي فيه الذهب.

ويدفعه إن إمساك الذهب لم يقم دليل على حرمته كما مر والمحرم إنما هو استعمال آنيته مطلقاً أو في خصوص الأكل والشرب ، فلا مناص من حمل الرواية على الكراهة لأن اتخاذ السرير الذهبي من أعلى مراتب الإقبال على نشأة الدنيا المؤقتة وهو بهذه المرتبة مذموم بتاتاً. على أن الرواية ضعيفة السند كما مر.

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه المروية بأسانيد متعددة قال : « سألته عليه‌السلام عن السرج واللجام فيه الفضة أيركب به؟ قال : إن كان مموّهاً لا يقدر على نزعه فلا بأس وإلاّ فلا يركب به » (٤).

وفيه ما قدّمناه في الرواية المتقدِّمة من أن مضمونها مقطوع الخلاف فان جعل الفضة في السرج أو اللجام لم يقم على حرمته دليل. بل نفس الصحيحة تدلنا على الجواز لأنها علقت الحرمة على التمكن من النزع ، فلو كان جعل الفضة في السرج واللجام كاستعمال آنيتها محرماً لم يفرق في حرمته بين التمكن من نزعها وعدمه ، وذلك لأنه متمكن من تعويضهما أو من تعويض المركب أو المشي راجلاً ، حيث لم يفرض في‌

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ٣ : ٥١٢ / أبواب النجاسات ب ٦٧ ح ٧ ، ٤ ، ١.

(٤) الوسائل ٣ : ٥١١ / أبواب النجاسات ب ٦٧ ح ٥.

٢٩٢

الرواية عدم القدرة من تلك الجهات حتى يتوهم أن نفيه عليه‌السلام البأس من أجل الاضطرار ، هذا.

مضافاً إلى النصوص الواردة في موارد خاصة كما تقدم بعضها ، ومع ذلك لا مناص من حمل الرواية على الكراهة وذلك لأن المراد من المموه ليس هو المطلي جزماً إذ لا فضة فيه ليتمكن من نزعها أو لا يتمكن منه ، وإنما المطلي يشتمل على ماء الفضة فحسب ، بل المراد به تلبيس السرج أو اللجام بالفضة وهو كما ترى من أعلى مراتب الإقبال على الدنيا ونشأتها. هذا على أنّا لو تنازلنا عن ذلك فغاية الأمر أن نلتزم بحرمة الفضة في مورد الصحيحة فحسب وهو السرج واللجام فالاستدلال بها على حرمتها مطلقاً مما لا وجه له.

ومنها : صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن آنية الذّهب والفضّة فكرههما ، فقلت قد روى بعض أصحابنا أنه كان لأبي الحسن عليه‌السلام مرآة ملبسة فضة فقال : لا والحمد لله (١) أو لا والله (٢) إنما كانت لها حلقة من فضّة وهي عندي ، ثم قال : إن العباس حين عُذر عمل له قضيب ملبّس من فضة من نحو ما يعمله الصبيان تكون فضة نحواً من عشرة دراهم فأمر به أبو الحسن عليه‌السلام فكسر » (٣) إذ لولا حرمة استعمال الذهب والفضة في غير الأواني أيضاً لم يكن وجه لتشديده عليه‌السلام في الإنكار.

ويندفع بأن استنكاره عليه‌السلام إنما هو لكذبهم في أخبارهم ، كيف فان المرآة الملبّسة إنما تناسب العرس والطرب ولا يتناسب مع المؤمنين فضلاً عن الامام عليه‌السلام وليست فيها أية دلالة على حرمة استعمال الفضّة في غير الإناء.

وعن بعضهم الاستدلال على حرمة استعمالهما في غير الأواني بما عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إن هذين حرام على ذكور أُمّتي ، حلّ لأُناثهم » (٤) مشيراً إلى‌

__________________

(١) كما في الكافي ٦ : ٢٦٧ / ٢.

(٢) كما في التهذيب ٩ : ٩١ / ١٢٥.

(٣) الوسائل ٣ : ٥٠٥ / أبواب النجاسات ب ٦٥ ح ١.

(٤) في سنن النسائي ٨ : ١٦٠ وسنن أبي داود ٤ : ٥٠ ومسند أحمد بن حنبل ١ : ٩٦ كلّهم عن

٢٩٣

الحرير والذّهب. ويرد على الاستدلال به أُمور :

الأوّل : أن الحديث نبوي لم يثبت من طرقنا فلا يمكن الاعتماد عليه.

الثاني : أنه غير شامل للفضة لاختصاصه بالذهب والحرير.

الثالث : أن الحديث يختص بالرجال وكلامنا إنما هو في حرمة الذهب والفضة لمطلق المكلفين ذكوراً كانوا أم إناثاً.

الرابع : أن التحريم الوارد في الحديث لا يراد به سوى تحريم لبسهما فحسب ، إذ لا يحتمل حرمة استعمال الحرير بفرشه أو بغير ذلك من الاستعمالات.

فالمتلخص أنه لا دلالة في شي‌ء من الأخبار المتقدِّمة على المدعى.

وأما الاستدلال عليه ببعض الوجوه الاعتبارية كدعوى أن استعمال الذهب والفضة في غير الأواني كنقش الكتب والسقوف والجدران تعطيل للمال وتضييع له في غير الأغراض الصحيحة ، وأنه يستلزم الخيلاء وكسر قلوب الفقراء وغير ذلك مما ربما يستدل به في المقام فمما لا ينبغي الإصغاء إليه ، لأنه أي تضييع للمال في جعلهما حلقة للمرآة أو السيف أو في استعمالهما في موارد أُخر ، وأي فرق بين إبقائهما في مثل المرآة والسقف ونحوهما وبين إبقائهما في الصندوق من غير استعمالهما في شي‌ء ، كما أن استعمالهما لا يستلزم العجب وكسر القلوب كيف وقد تقدّم أن درع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيفه كانا مشتملين على حلقات الفضّة ، وذلك لوضوح أن استعمالهما كاستعمال بقية الأشياء الثمينة والأحجار الكريمة الغالية التي لا خلاف في جواز استعمالها.

__________________

أبي زرير الغافقي قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيمينه حريراً وأخذ ذهباً لشماله ثم رفع بهما يديه وقال : إن هذين حرام على ذكور أُمتي ، ورواه ابن ماجة في سننه ٢ : ١١٨٩ / ٣٥٩٥ مع زيادة « حلّ لأُناثهم » في آخره. وفي سنن الترمذي على هامش الماحوذي ٤ : ٢١٧ / ١٧٢٠ عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : حرام لباس الحرير والذهب على ذكور أُمّتي وأُحلّ لأُناثهم.

٢٩٤

[٤٠٧] مسألة ١٠ : الظاهر أن المراد من الأواني ما يكون من قبيل الكأس والكوز والصيني والقدر والسماور والفنجان وما يطبخ فيه القهوة وأمثال ذلك مثل كوز القليان (*) بل والمِصفاة والمشقاب والنعلبكي ، دون مطلق ما يكون ظرفاً ، فشمولها لمثل رأس القليان ورأس الشطب ، وقراب السيف ، والخنجر ، والسكّين وقاب الساعة ، وظرف الغالية ، والكحل ، والعنبر والمعجون والترياك ونحو ذلك غير معلوم وإن كانت ظروفاً ، إذ الموجود في الأخبار لفظ الآنية وكونها مرادفاً للظرف غير معلوم ، بل معلوم العدم وإن كان الأحوط في جملة من المذكورات الاجتناب. نعم لا بأس بما يصنع بيتاً للتعويذ إذا كان من الفضة ، بل الذهب أيضاً ، وبالجملة فالمناط صدق الآنية ، ومع الشك فيه محكوم بالبراءة (١).

______________________________________________________

(١) إن من العسير جدّاً تعيين معاني الألفاظ وكشف حقائقها بالرجوع إلى كتب اللغة ، لأنّ شأن اللغوي إنما هو التفسير بالأعم وشرح الألفاظ ببيان موارد استعمالاتها ، وليس من شأنه تعيين المعاني الحقيقية ولا أنه من أهل خبرة ذلك. إذن لا سبيل إلى تعيين معنى الإناء لأن ما ذكروه في تفسيره من أنه كوعاء وزناً ومعنى (٢) أو أنه الوعاء والجمع آنية وجمع الجمع أوان كسقاء وأسقية وأساق (٣) تفسير بالأعم لعدم صحة استعمال الإناء فيما يصح استعمال الوعاء فيه ، إذ الوعاء مطلق الظرف يجمع فيه الزاد أو المتاع فيصدق على مثل الصندوق وغيره مما لا يصدق عليه الإناء. ففي كلام علي ( عليه أفضل الصلاة ) : « يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها » (٤) فترى أنه ( سلام الله عليه ) قد أطلق الأوعية على القلوب مع أنه لا يصح إطلاق الآنية عليها إذ لا يصح أن يقال : القلوب آنية ، فبذلك يظهر أن الوعاء لا يرادف الإناء فهو من التفسير بالأعم.

__________________

(*) في كونه من الإناء إشكال.

(١) كما في المصباح المنير : ٢٨.

(٢) كما في أقرب الموارد ١ : ٢٣.

(٣) نهج البلاغة : ٤٩٥ باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه‌السلام رقم ١٤٧.

٢٩٥

بل قد يقال : إنه من التفسير بالمباين لأن الوعاء قد أُخذ فيه مفهوم اشتقاقي بمعنى المحل ويعينه ما يضاف إليه فيقال وعاء من أوعية الماء ، وليس كذلك الإناء فتفسير أحدهما بالآخر من التفسير بالمباين ، وصدقهما على بعض الموارد إنما هو باعتبارين بمعنى أن الإناء إنما يطلق الوعاء عليه بالإضافة إلى ما يوضع فيه ولا يطلق عليه إذا لوحظ الظرف شيئاً مستقلا في نفسه.

والمتحصل أن مفهوم الإناء من المفاهيم المجملة ومعه لا بدّ من الاقتصار على المقدار المتيقن منه ويرجع إلى البراءة في الزائد المشكوك فيه لأنه من الشبهات الحكمية التحريمية ، والقدر المتيقن من مفهوم الإناء هو الظروف المعدة للأكل والشرب منها قريباً أو بعيداً ، فيشمل المشقاب والقدر والمصفاة والصيني الموضوع فيه الظرف الذي يؤكل فيه أو يشرب منه ، كما يشمل السماور حيث إن نسبته بالإضافة إلى الماء المصبوب منه كنسبة القدر بالإضافة إلى ما يطبخ فيه ، ولا يشمل كوز القليان ولا قراب السيف ولا رأس الشطب وغير ذلك مما ذكروه في المقام لعدم كونها مستعملة في الأكل والشرب ولو بعيداً ، هذا.

بل يمكن أن يقال إن الإناء يختص بما يكون قابلاً لأن يشرب به لصحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة (١) المشتملة على قوله عليه‌السلام « نعم ، إنما يكره استعمال ما يشرب به » لأنها رواية معتبرة قد دلت على حصر الحرمة بما يشرب به وإن كان قد يستعمل في الأكل أيضاً كالكأس ونحوه ، فلا يشمل الصيني والقدر والمصفاة والمشقاب وحلقات الذهب أو الفضة التي يتعارف وضع الاستكان فيها في بعض البلدان وصحاف الذهب أو الفضة التي يؤكل فيها الطعام وغيرها وذلك لعدم كونها قابلة لأن يشرب بها.

نعم ، يشمل الحب وغيره مما يشرب به الماء ولو مع الواسطة كما يأتي. فالصحيحة على ذلك شارحة للفظة الإناء الواردة في الأخبار وموجبة لاختصاص الحرمة بما يشرب به ، وإن كان الأحوط الاجتناب عن كل ما يستعمل في الأكل والشرب ولو بعيداً.

__________________

(١) في ص ٢٩١.

٢٩٦

[٤٠٨] مسألة ١١ : لا فرق في حرمة الأكل والشرب (١) من آنية الذّهب والفضّة بين مباشرتهما لفمه ، أو أخذ اللقمة منهما ووضعها في الفم. بل وكذا إذا وضع ظرف الطعام في الصيني من أحدهما ، وكذا إذا وضع الفنجان في النعلبكي من أحدهما ، وكذا لو فرّغ ما في الإناء من أحدهما في ظرف آخر لأجل الأكل والشرب لا لأجل نفس التفريغ ، فان الظاهر حرمة الأكل والشرب لأنّ هذا يعد أيضاً استعمالاً لهما فيهما ، بل لا يبعد حرمة شرب الچاي في مورد يكون السماور من أحدهما وإن كان جميع الأدوات ما عداه من غيرهما ، والحاصل أن في المذكورات كما أن الاستعمال حرام (*) ، كذلك الأكل والشرب أيضاً حرام. نعم‌

______________________________________________________

(١) لإطلاق الأخبار الناهية عن الأكل والشرب من آنيتهما. ودعوى أنهما منصرفان إلى الأكل والشرب من غير واسطة ، تندفع بأنها لو تمت فإنّما يتم في الشرب فحسب ، لأن الغالب فيه هو الشرب بلا واسطة أي بمباشرة الفم للإناء ، وأما الأكل فالأمر فيه بالعكس لعدم جريان العادة على أخذ الطعام من الإناء بالفم ، فإنّه شأن الحيوانات حيث تأخذ العلف من المعلف بالفم وأما الإنسان فهو إنما يأكل بأخذ الطعام بيده أو بغيرها من الآلات ثم وضعه في فمه ، فالغالب في الأكل هو الأكل مع الواسطة ، هذا.

ولو أغمضنا عن ذلك وسلمنا انصرافهما إلى الأكل والشرب من غير واسطة ، ففي صحيحتي محمد بن إسماعيل بن بزيع « فكرههما » ومحمّد بن مسلم المرويّة في محاسن البرقي « نهي عن آنية الذهب والفضة » (٢) وما هو بمضمونهما غنى وكفاية ، وذلك لأن النهي والكراهة وإن كانا لا يتعلقان بالذوات إلاّ بلحاظ الأفعال المتعلقة بها لكن المقدر فيهما إما أن يكون خصوص الأكل والشرب لمناسبته الإناء أو يكون مطلق الاستعمال الشامل للأكل والشرب ، وعلى كلا التقديرين دلت الروايتان على حرمتهما‌

__________________

(*) مرّ أن حرمته مبنية على الاحتياط.

(١) المتقدِّمتين في ص ٢٧٨ ٢٧٩.

٢٩٧

المأكول والمشروب لا يصير حراماً (*) فلو كان في نهار رمضان لا يصدق أنه أفطر على حرام ، وإن صدق أن فعل الإفطار حرام (١) ،

______________________________________________________

من غير تقييدهما بمباشرة الفم للإناء ، فمقتضى إطلاقهما حرمة الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة مطلقاً كانا من غير واسطة أو معها ، إذ لا موجب لانصرافهما إلى الأكل والشرب بلا واسطة.

(١) وقع الكلام في أن الحرمة والحزازة في الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة هل تختصان بالأكل والشرب فقط أو يعمان المأكول والمشروب أيضاً؟

نسب إلى المفيد (٢) وظاهر أبي الصلاح (٣) والعلاّمة الطباطبائي قدس‌سرهم القول بحرمة المأكول والمشروب أيضاً ، ويظهر من الحدائق الميل إليه حيث ذكر توجيهاً لكلام المفيد قدس‌سره أن النهي أولاً وبالذات وإن كان عن تناول المأكول والمشروب لكن يرجع ثانياً وبالعرض إلى المأكول بأن يقال إن هذا المأكول يكون حراماً متى أُكل على هذه الكيفية ، وظاهر النصوص يساعده إلى آخر ما أفاده (٤). والمشهور عدم تعدِّي الحرمة إلى المأكول والمشروب.

ولقد رتبوا على هذا النزاع أنه بناء على سراية الحرمة إلى المأكول والمشروب لو أكل المكلف أو شرب من آنيتهما في نهار شهر رمضان فقد أفطر على الحرام ووجب عليه الجمع بين الكفارات الثلاث نظير ما إذا أفطر بالخمر أو الميتة ونحوهما ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالاختصاص وعدم سراية الحرمة إليهما لأنه على ذلك إفطار بالحلال لعدم حرمة المشروب والمأكول حينئذ ، هذا.

__________________

(*) لا وقع لهذا الكلام إذ لا معنى لحرمة المأكول والمشروب إلاّ حرمة أكله وشربه ، نعم الأكل من الآنية المغصوبة لا يكون من الإفطار على الحرام ، والفرق بين الموردين ظاهر.

(١) نسب إليه في الذكرى : ١٨ السطر ١٩ ، لاحظ المقنعة : ٥٨٤.

(٢) حكاه عنه في الذكرى : ١٨ السطر ٢٠ ، ولاحظ الكافي لأبي الصلاح : ٢٧٨ ، ٢٧٩.

(٣) الحدائق ٥ : ٥٠٨.

٢٩٨

والتحقيق أنه لا معنى محصل لهذا النزاع لوضوح أن الأحكام التكليفية لا تتعلق على الذوات الخارجية بما هي ، وإنما تتعلق عليها بلحاظ الفعل المتعلق بها ، فلا معنى لحرمة الميتة أو الخمر مثلاً إلاّ حرمة أكلها أو شربها ، وعليه فلا معنى محصل لحرمة المأكول والمشروب في نفسهما بعد حرمة الفعل المتعلق بهما أعني الأكل والشرب.

ثم إن معنى الإفطار بالحرام هو أن يكون المفطر محرماً في نفسه مع قطع النظر عن كونه مفطراً كأكل الميتة وشرب الخمر ونحوهما ، وبما أن الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة كذلك لحرمتهما في نفسهما فيكون الاقدام عليهما في نهار شهر رمضان إفطاراً على الحرام.

نعم ، هناك كلام في أن الحرمة في الإفطار على الحرام الموجب للجمع بين الخصال هل تعتبر أن تكون ذاتية بأن تكون ثابتة على المحرم بالعنوان الأولي كما في أكل الميتة وشرب الخمر ونحوهما ، أو أن الحرمة العرضية الطارئة على المحرم بالعنوان الثانوي أيضاً تقتضي كفارة الجمع ، كما إذا أفطر بالطعام المغصوب مثلاً إذ الطعام مباح في نفسه وإن حرم بعنوان أنه غصب وتصرف في مال الغير من غير رضاه ، أو أفطر بالأكل أو الشرب من آنية الذهب والفضة فان الطعام والشراب الموجودين في آنيتهما وإن كانا مباحين في ذاتيهما إلاّ أنهما محرمان بالعنوان الثانوي وهو كونه أكلاً أو شرباً من آنيتهما؟

والصحيح كما يأتي في محلِّه (١) بناء على أن الإفطار على الحرام موجب للجمع بين الخصال ، عدم الفرق بين الحرمة الذاتية والعرضية لإطلاق الدليل ، هذا.

ثم إن هناك نزاعاً آخر وهو أن الأكل مثلاً قد يكون محرماً بعنوان أنه مفطر ولا إشكال في أن ذلك من الإفطار على الحرام وبه يجب الجمع بين الخصال الثلاث سواء أكانت حرمته ذاتية أم كانت عرضية ، كما إذا أكل الميتة أو الطعام المغصوب في نهار شهر رمضان ، وقد يكون محرماً لا بعنوان أنه مفطر بل بعنوان آخر وإن كان قد ينطبق على المفطر ، كما إذا أكل طعاماً مضراً له وهو ملكه ، فإن الأكل وإن كان محرماً حينئذ‌

__________________

(١) في المسألة [٢٤٧٢].

٢٩٩

وكذلك الكلام في الأكل والشرب من الظرف الغصبي (١).

[٤٠٩] مسألة ١٢ : ذكر بعض العلماء أنه إذا أمر شخص خادمه فصبّ الچاي من القوري من الذّهب أو الفضّة في الفنجان الفرفوري وأعطاه شخصاً آخر فشرب ، فكما أن الخادم والآمر عاصيان كذلك الشارب لا يبعد (*) (٢) أن يكون عاصياً ، ويعدّ هذا منه استعمالاً لهما.

______________________________________________________

بناء على أن الإضرار بالنفس حرام إلاّ أنه لكونه مضراً له لا لأجل كونه مفطراً ، وإن كان قد ينطبق عليه كما إذا أكله في نهار رمضان وهو صائم ، فهل تكون الحرمة من غير جهة الأكل والإفطار أيضاً موجبة للإفطار على الحرام ويجب معه الجمع بين الكفارات كما في المحرم بعنوان المفطر أولاً؟

الصحيح كما يأتي في محله (٢) أن الحرمة من جهة أُخرى غير موجبة للجمع بين الخصال ولا يكون الإفطار معها إفطاراً على الحرام.

(١) قد اتضح مما سردناه في التعليقة المتقدِّمة أن الأكل والشرب من آنية الذّهب والفضّة وكذا أكل المغصوب وشربه غير الأكل أو الشرب من الآنية المغصوبة مع حلِّيّة ما فيها من الطعام والشراب وذلك لأن الثاني ليس من الإفطار بالحرام وإنما هو إفطار بالمباح ، لأن الطعام ملكه أو أنه لغيره إلاّ أنه مجاز في أكله والمحرم تناول الطعام والشراب من الآنية لأنه تصرف في مال الغير وهو حرام فالأكل حلال وإن كانت مقدمته محرمة ، وهذا بخلاف الأكل أو الشرب من آنية الذهب والفضة أو أكل المغصوب لما مر ، فما صنعه الماتن قدس‌سره من إلحاق الأكل والشرب من الآنية المغصوبة بالأولين مما لا يمكن المساعدة عليه.

(٢) بل هو بعيد وإن كان أمر الآمر وفعل الخادم محرماً ، وذلك لأن الأخبار الواردة في المقام على طائفتين :

__________________

(*) بل هو بعيد.

(١) لاحظ المسألة [٢٤٧٢].

٣٠٠