موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٣٥٢] مسألة ٤ : إذا شك في طهارة الأرض يبني على طهارتها (١) فتكون مطهرة إلاّ إذا كانت الحالة السابقة نجاستها ، وإذا شك في جفافها لا تكون مطهرة إلاّ مع سبق الجفاف فيستصحب (٢).

[٣٥٣] مسألة ٥ : إذا علم وجود عين النجاسة أو المتنجِّس لا بدّ من العلم بزوالها (٣) وأما إذا شك في وجودها (٤) فالظاهر كفاية المشي (*) وإن لم يعلم بزوالها على فرض الوجود (٥).

______________________________________________________

(١) لما تقدّم من اعتبار الطهارة في مطهرية الأرض فمع الشك في تحقّقها لا مانع من إحرازها بالاستصحاب لعدم كون الأرض متنجسة أزلاً ، وإذا فرضنا عدم جريانه لمانع كما إذا كانت الأرض مسبوقة بحالتين متضادتين بأن كانت طاهرة في زمان ومتنجسة في زمان آخر واشتبه المتقدم بالمتأخر منهما ، أيضاً حكمنا بطهارتها بقاعدة الطهارة.

(٢) لأن جفاف الأرض شرط في مطهريتها والاستصحاب يحرزه ، إلاّ إذا لم تكن الأرض مسبوقة بالجفاف ، لأنه أمر وجودي فمع الشك في تحققه يبنى على عدمه بالاستصحاب.

(٣) لأن زوال عين النجس شرط في حصول الطهارة بالمشي أو المسح على ما استفدناه من صحيحة زرارة : « يمسحها حتى يذهب أثرها ... » (٢) فلا مناص من إحرازه ، ومع الشك فيه لا يمكن الحكم بحصول الطهارة بوجه.

(٤) بأن علم بتنجس نعله أو رجله ولم يدر بوجود عين النجس لاحتمال انفصالها عنهما بعد الاتصال والملاقاة.

(٥) لأنّ الأصل عدمها ، هذا ولا يخفى أن مماسة الأرض لباطن القدم أو النعل معتبرة في مطهريتها كما مرّ ومع الشك في وجود العين لا تحرز المماسة بوجه ، لأنها على تقدير وجودها حائلة بينهما وبين الأرض ، وأصالة عدم العين لا أصل لها ، إذ‌

__________________

(*) بل الظاهر عدم كفايته ما لم يعلم بزوال العين على فرض الوجود.

(١) الوسائل ٣ : ٤٥٨ / أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٧ ، وتقدّمت في ص ٩٩.

١٢١

[٣٥٤] مسألة ٦ : إذا كان في الظلمة ولا يدري أن ما تحت قدمه أرض أو شي‌ء آخر من فرش ونحوه لا يكفي المشي عليه فلا بد من العلم بكونه أرضاً (١) بل إذا شك في حدوث فرش أو نحوه بعد العلم بعدمه يشكل الحكم بمطهريته (*) أيضاً (٢).

[٣٥٥] مسألة ٧ : إذا رقع نعله بوصلة طاهرة فتنجست تطهر بالمشي (٣) وأما‌

______________________________________________________

لا أثر شرعي يترتب على عدمها حتى يجري فيه الاستصحاب ، بل الأثر مترتب على مماسة الأرض لباطن القدم أو النعل ، واستصحاب عدمها لإثبات المماسة من أظهر أنحاء الأُصول المثبتة ، وهو نظير ما لو شك بعد غسل المتنجِّس في زوال العين وعدمه ، فان استصحاب عدمها لا أثر له في نفسه ، واستصحابه لإثبات تحقق الغسل لتقومه بزوال العين مثبت ولا اعتبار بالأُصول المثبتة بوجه ، ففي موارد الشك في وجود العين لا بدّ من العلم بزوالها على تقدير الوجود.

(١) لأن المطهر ليس هو مطلق المسح أو المشي ، وإنما المطهر خصوص المسح أو المشي في الأرض ، فلا بد في طهارة القدم والنعل من إحراز وقوعهما على الأرض.

(٢) والوجه في الاستشكال أن استصحاب عدم كون الأرض مفروشة أو عدم حدوث الفرش لا يثبت وقوع المسح أو المشي على الأرض ، ومع الشك في ذلك لا يمكن الحكم بمطهريتها. وأشكل من ذلك ما إذا لم تكن الأرض مورداً للاستصحاب ، كما إذا كانت مسبوقة بحالتين متضادتين ككونها مفروشة في زمان وغير مفروشة في زمان آخر واشتبه المتقدم بالمتأخر منهما ، وذلك لأنه ليس هناك استصحاب حينئذ ليتوهم كفايته في الحكم بمطهرية الأرض.

(٣) لأن الرقعة فيما يتنعل به أمر شائع لا ندرة فيها ، ومعه يشملها إطلاق الروايات فإذا تنجّست بعد توصيلها حكم بطهارتها بالمشي أو المسح لصيرورتها جزءاً من النعل بالعرض ، وإن لم يكن من الأجزاء الأصلية لها ، إلاّ أن مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الأجزاء الأصلية والعرضية.

__________________

(*) الظاهر أن لا يحكم بالمطهرية.

١٢٢

إذا رقعها بوصلة متنجسة (١) ففي طهارتها إشكال (*) لما مر من الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة.

الثالث من المطهرات : الشمس (٢).

______________________________________________________

(١) بأن كانت الرقعة متنجسة قبل صيرورتها جزءاً من النعل. وليس منشأ الاشكال حينئذ هو ما ذكره الماتن قدس‌سره إذ لو لم نقتصر على النجاسة الناشئة من الأرض أيضاً استشكلنا في طهارة الرقعة حينئذ ، وذلك لأن النصوص الواردة في المسألة إنما تدل على أن الرجل أو النعل إذا تنجست بالنجاسة الحاصلة من الأرض أو من غيرها حكم بطهارتها بالمسح أو المشي ، فالموضوع في الحكم بالطهارة إنما هو تنجس النعل أو الرجل لا تنجس غيرهما من الأُمور ، والرقعة حينما تنجّست لم تكن داخلة في شي‌ء منهما ، كما أنها بعد ما صارت جزءاً من النعل لم تتنجّس على الفرض. فالمتحصل : أن الأجزاء المتنجسة إذا صارت جزءاً من النعل لم يمكن الحكم بطهارتها بالمسح أو المشي.

مطهِّريّة الشمس‌

(٢) الكلام في مطهرية الشمس من جهات :

الاولى : أن الشمس هل هي كالماء مطهرة للأشياء المتنجسة ولو في الجملة أو أنها لا تؤثر إلاّ في العفو عن النجاسة في بعض آثارها كالتيمم والسجود على الموضع المتنجِّس الذي جففته الشمس من الأرض والحصر والبواري؟

الثانية : أن الشمس هل هي مطهرة للأرض بخصوصها أو أن مطهريتها غير مختصة بها؟ وعلى الثاني هل هي مطهرة لجميع المتنجسات المنقولة وغير المنقولة أو أنها مختصة بالمتنجس غير المنقول؟

__________________

(*) ينبغي الجزم بعدم طهارتها حتى على القول بعدم الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي ، إذ المفروض نجاسة الوصلة قبل كونها جزءاً من النعل.

١٢٣

الثالثة : أن مطهريتها خاصة بالبول أو يعم جميع النجاسات والمتنجسات؟

أمّا الجهة الأُولى : وهي التي أشار إليها الماتن بقوله : الشمس وهي تطهر ... فالمشهور بين أصحابنا أن الشمس من المطهرات في الجملة. بل عن بعضهم دعوى الإجماع في المسألة ، فجواز التيمم والسجود على ما جففته الشمس من المواضع المتنجسة مستند إلى طهارتها بذلك ، لا إلى أن الشمس تؤثر في العفو عنهما مع بقاء الموضع على نجاسته. وعن المفيد (١) وجماعة من القدماء والمتأخرين القول بالعفو دون الطهارة. واستدل للمشهور بجملة من الأخبار المستفيضة :

منها : صحيحة زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه ، فقال : إذا جففته الشمس فصلِّ عليه فهو طاهر » (٢). وهذه الصحيحة أظهر ما يمكن أن يستدل به في المقام ، وقد دلت على أن السطح والمكان المتنجسين بالبول يطهران باشراق الشمس عليهما وتجفيفهما ، ومقتضى صريحها أن جواز الصلاة على المكان المتنجِّس بعد جفافه بالشمس مستند إلى طهارته بذلك لا إلى العفو عنه مع بقاء الموضع على نجاسته. وهذا لا لأن قوله عليه‌السلام « فصلِّ عليه » ظاهر في إرادة السجود على السطح أو المكان ، وجواز السجود عليهما يقتضي طهارتهما لعدم جواز السجدة على النجس ، ليمنع بعدم ظهوره في إرادة السجود ، بل لقوله عليه‌السلام « فهو طاهر » فإنّه صريح في المدعى حتى بناء على حمل قوله : « فصلِّ عليه » على إرادة الصلاة فيه كما ربما يراد منه ذلك.

ودعوى أن الطاهر لم يثبت كونه بالمعنى المصطلح عليه وإنما هو بمعنى النظيف مندفعة بأن الصحيحة إنما وردت عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام وإطلاق الطاهر في ذلك العصر وإرادة معناه اللغوي بعيد غايته ، لأن الطهارة في تلك الأزمنة إنما كانت تستعمل لدى المتشرعة بالمعنى المرتكز منها في أذهانهم ، ولعمري إن الكف عن التعرض لأمثال هذه المناقشة أولى وأحسن.

__________________

(١) لاحظ المقنعة : ٧١.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٥١ / أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ١.

١٢٤

ومنها : صحيحة زرارة وحديد بن الحكيم قالا : « قلنا لأبي عبد الله عليه‌السلام : السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلى في ذلك المكان؟ فقال : إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافاً فلا بأس به ، إلاّ أن يتخذ مبالاً » (١) واستدلوا بهذه الصحيحة أيضاً في المقام لنفيها البأس عن الصلاة في المكان المتنجِّس بعد إصابة الشمس وجفافه وظاهرها أن ذلك من جهة طهارة المكان بالشمس ، لا أنه من جهة العفو مع بقائه على نجاسته كما قيل والوجه في الظهور أن زرارة وصاحبه إنما سألا عن الصلاة في المكان المتنجِّس لاعتقادهما عدم جواز الصلاة في الأرض النجسة وعدم ثبوت العفو عنه ، وهو عليه‌السلام لم يردعهما عن هذا الاعتقاد ، فقوله : « إن كان تصيبه الشمس ... فلا بأس به » بعد تقريرهما على ما اعتقداه ظاهر في طهارة الأرض المتنجسة بإصابة الشمس وتجفيفها. وأما قوله : « والريح » مع عدم مدخليتها في الحكم بالطهارة فلا بد من حمله على بيان أمر عادي ، حيث إن جفاف الأرض كما أنه يستند إلى إشراق الشمس وإصابتها يستند أيضاً ولو بمقدار قليل إلى هبوب الريح وجريان الهواء كما يأتي تفصيله ، فلا إشكال في الصحيحة من تلك الجهة.

نعم ، يمكن المناقشة في دلالتها بأن غاية ما هناك أنها دلت على جواز الصلاة في السطح المتنجِّس بعد جفافه بالشمس ، وهذا يجتمع مع القول بعدم طهارة المكان لجواز أن يكون ذلك مستنداً إلى العفو عنه ، ولا تقرير في الصحيحة بوجه بل هي رادعة عن اعتقادهما حقيقة. نعم لو كانت متضمنة لجواز الصلاة على السطح المتنجِّس بعد إصابة الشمس لم تكن خالية عن الإشعار للمدعى لعدم جواز السجدة على النجس ، وبين العبارتين من الفرق ما لا يخفى ، حيث إن الصلاة على الشي‌ء قد يستعمل بمعنى السجدة عليه ، وهذا بخلاف الصلاة فيه لأنه يصح أن يقال : صلى زيد في المسجد مع سجوده على غير المسجد من الترب والقرطاس ونحوهما ولا يصح استعماله بمعنى السجدة عليه.

ثم إن إطلاق قوله : « وكان جافاً » إما أن نقيده بما ذكر قبله ، ليكون معناه اعتبار‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٥١ / أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٢.

١٢٥

جفاف المتنجِّس بكل من الشمس والريح ، وإما أن يبقى بحاله ليكون معناه اعتبار مطلق الجفاف فيه بحمل ذكر الشمس والريح على بيان أمر عادي غالبي لأنه على الغالب يستند إلى إصابة الشمس أو إلى الرياح. والمتلخص : أن هذه الصحيحة على خلاف الصحيحة المتقدِّمة لا يمكن الاستدلال بها على مطهرية الشمس للأرض.

بل يمكن أن يقال : إن ظاهرها يقتضي اعتبار الجفاف حال الصلاة لقوله : « وكان جافاً » فالجفاف الحاصل قبلها لا اعتبار به حتى إذا كان مستنداً إلى إشراق الشمس وإصابتها ، كما إذا جففت الأرض باشراق الشمس أوّلاً ثم ترطبت حال الصلاة. وعلى ذلك فالصحيحة كما لا دلالة لها على مطهرية الشمس كذلك لا دلالة لها على ثبوت العفو عن نجاسة الأرض بعد إصابة الشمس إلاّ فيما إذا كانت يابسة حال الصلاة.

والإنصاف أن الصحيحة إما أنها ظاهرة في ذلك وإما أنها مجملة لترددها بين المعنيين المتقدمين ، فلا يمكن الاستدلال بها على كل حال.

ومنها : موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ، ولكنه قد يبس الموضع القذر قال : لا يصلى عليه ، وأعلم موضعه حتى تغسله. وعن الشمس هل تطهِّر الأرض؟ قال : إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة ، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً فلا يجوز الصلاة حتى ييبس ، وإن كانت رجلك وجبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى ييبس ، وإن كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنّه لا يجوز ذلك » (١). حيث إن قوله عليه‌السلام « فالصلاة على الموضع جائزة » يدلنا على طهارة الموضع المتنجِّس بالشمس وذلك بقرينة أن السؤال في الرواية إنما هو عن طهارة الموضع ونجاسته لقوله : « وعن الشمس هل تطهر الأرض » فبذلك يظهر أن جواز الصلاة حينئذ من أجل طهارة المكان لا للعفو عن نجاسته حال الصلاة ، وإلاّ لم يتطابق السؤال والجواب ، هذا.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٥٢ / أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٤.

١٢٦

وقد يقال : إن الرواية لا يستفاد منها أزيد من سببية تجفيف الشمس لجواز الصلاة فلا دلالة لها على الطهارة ، بل ربما يستشعر من عدول الإمام عليه‌السلام إلى الجواب بجواز الصلاة ، عدم الطهارة فيكون الرواية حينئذ شاهدة للقائلين بالعفو وكذا ظاهر قوله عليه‌السلام « وإن كانت رجلك رطبة ... » بناء على رجوع الضمير في ييبس إلى الجبهة والرجل لا إلى الموضع حتى يلزم التكرار. مؤكداً ذلك بما عن الوافي (١) وحبل المتين (٢) من قوله عليه‌السلام : « وإن كان عين الشمس » بالعين المهملة والنون بدلاً عن « غير الشمس » لأنها على ذلك صريحة في عدم طهارة الموضع بإصابة الشمس وإشراقها عليه. وكلمة « إن » على تلك النسخة وصلية ، كما أن قوله : « فإنّه لا يجوز ذلك » تأكيد لعدم جواز الصلاة على ذلك الموضع حتى ييبس.

وهذه الدعوى يبعّدها أُمور :

الأوّل : ما تقدّم من أن الرواية بقرينة السؤال فيها ظاهرة في طهارة الموضع.

الثاني : أن الضمير في « ييبس » غير راجع إلى الجبهة أو الرجل بل الظاهر رجوعه إلى « الموضع » لقربه ، ولأن مرجع الضمير لو كان هو الجبهة أو الرجل لكان الأولى أن يقول « حتى تيبس » بدلاً عن « ييبس » وذلك لأن الجبهة والرجل مؤنثتان إحداهما لفظية والأُخرى معنوية.

الثالث : أن كلمة « إن » لو كانت وصلية لكان المتعيّن أن يقول : وإن كان عين الشمس أصابته حتى يبس بدلاً عن « ييبس » لأن « إن » الوصلية إنما يؤتى بها في الأُمور مفروضة التحقق والوجود ، وهي مدلول الأفعال الماضية دون المستقبلة. ومعنى الجملة حينئذ أن عين الشمس لا توجب طهارة الموضع وإن كانت أصابته وجففته ، ولا يصح في مثله أن يقال ولو كانت تجففه بعد ذلك بصيغة المضارع ، لأنه ينافي مفروضية التحقق بل استعمالها غلط أو شبه الغلط. نعم في كلمة « إن » الشرطية لا يفرق الحال بين الماضي والمضارع.

__________________

(١) الوافي ٦ : ٢٣٢ / ٤١٧٩.

(٢) حبل المتين : ١٢٥.

١٢٧

الرابع : أن النسخة لو كانت هي « عين الشمس » وجب تأنيث الضمير في « إصابة » لأن الضمير المتأخر في المؤنثات المعنوية لا بدّ من تأنيثه ، وإن كان الضمير المتقدم جائز الوجهين كما في قولنا : طلع الشمس أو طلعت.

الخامس : أنه لا معنى محصل لاصابة عين الشمس شيئاً ، لأن عينها بمعنى شخصها ونفسها لا تصيب شيئاً أبداً ، وإنما يصيب نورها وشعاعها ، فاستعمال العين في مورد الرواية من الأغلاط. وبعبارة اخرى أن العين والنفس إنما يؤتى بهما للتأكيد ولدفع توهم الاشتباه ، فيقال مثلاً رأيت زيداً بعينه حتى لا يشتبه على السامع أنه رأى أباه أو ابنه ، وهذا لا معنى له في إصابة الشمس وغيرها مما لا يحتمل فيه إرادة عين الشي‌ء ونفسه ، فلا مسوغ لإتيان كلمة « العين » في الرواية حتى يوجب التأكيد ، فالصحيح هو غير الشمس. ويؤكد المدعى أن الرواية إنما أوردها الشيخ قدس‌سره واستدل بها على مطهرية الشمس للأرض (١) ومع كون الرواية « عين الشمس » كيف صح له الاستدلال بها على الطهارة ، فإن الرواية حينئذ صريحة في عدمها.

ومنها : رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر » (٢) أو « كل ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر » (٣) وهي على إحدى الروايتين عامّة وعلى الأُخرى مطلقة. ودلالتها على المدعى غير قابلة للمناقشة. نعم هي مطلقة من جهتين لا بدّ من تقييدهما :

إحداهما : إطلاقها من جهة اليبوسة وعدمها ، حيث إنها تقتضي طهارة كل ما أشرقت عليه الشمس سواء يبس باشراقها أم لم ييبس ، فلا مناص من تقييدها بصورة الجفاف بالإشراق ، لصحيحة زرارة المتقدِّمة الدالّة على اعتبار الجفاف بالشمس في مطهريتها.

وثانيتهما : إطلاقها من جهة كون المتنجِّس مما ينقل أو من غيره ، مع أنهم لم يلتزموا بمطهِّرية الشمس في مثل اليد وغيرها من المتنجسات القابلة للانتقال ، فلا بدّ من‌

__________________

(١) الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٥.

(٢) ، (٣) الوسائل ٣ : ٤٥٢ / أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٥ ، ٦.

١٢٨

تقييدها بغير الأشياء القابلة له ، وذلك للأمر الوارد بغسل البدن والثياب أو غيرهما من المتنجِّسات ، حيث يدلنا على عدم حصول الطهارة بغير الغسل بالماء ، إذ الأمر في الأخبار المشتملة عليه وإن كان للإرشاد إلاّ أن ظاهره التعيين وأن الغسل بالماء متعيّن في التطهير ، فالتخيير بين الغسل بالماء وغيره يحتاج إلى دليل وهو يختص بالأشياء غير القابلة للانتقال ، فلا يكتفى باشراق الشمس في تطهير الأُمور القابلة له.

ويؤيده ما ورد في الفقه الرضوي من قوله عليه‌السلام « ما وقعت الشمس عليه من الأماكن التي أصابها شي‌ء من النجاسة مثل البول وغيره طهّرتها. وأما الثياب فلا تطهر إلاّ بالغسل » (١) حيث خص مطهرية الشمس بالأشياء غير القابلة للانتقال وبعد هذين التقييدين لا يبقى مجال للمناقشة في دلالة الرواية بوجه. وإنما الكلام في سندها وهو ضعيف وغير قابل للاستناد إليه ، لاشتماله على عثمان بن عبد الله وأبي بكر الحضرمي والأول مجهول والثاني غير ثابت الوثاقة ، فإن قلنا بأن اعتماد جماعة من المتقدمين والمتأخرين وعملهم على طبق رواية ضعيفة جابر لضعفها فهو ، وإلاّ لم يصح الاعتماد عليها في الاستدلال.

وربما يقال من أن في رواية الأساطين لها كالمفيد والشيخ والقميين كأحمد بن محمد ابن عيسى وغيره نوع شهادة بوثاقة رواتها لأنهم لا ينقلون عن الضعفاء ، بل كانوا يخرجون الراوي من البلد لنقله الرواية عن الضعيف ، فإن قضية أحمد بن محمد ونفيه البرقي وإبعاده من بلدة قم معروفة في كتب الرجال ، ومع هذا كيف يصح أن ينقل هو بنفسه عن الضعيف ، ومعه لا مناص من الاعتماد على الرواية في المقام.

ولكن لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، لأن نقل هؤلاء الأعاظم من غير الثقة كثير وقد ذكرنا في محلِّه أن مثل ابن أبي عمير قد ينقل عن الضعيف ولو في مورد ، فلا يمكن الاعتماد على مجرّد روايتهم فإنّها لا تستلزم توثيق المخبر بوجه (٢).

وأمّا حديث نفي البرقي من بلدة قم فهو مستند إلى إكثاره الرواية عن الضعفاء‌

__________________

(١) المستدرك ٢ : ٥٧٤ / أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥ ، فقه الرضا : ٣٠٣.

(٢) معجم رجال الحديث ١ : ٦٠.

١٢٩

كجعل ذلك شغلاً لنفسه ، وليس من باب أن النقل عن الضعيف ولو في مورد واحد أو موردين مذموم وموجب للقدح عندهم ، كيف وقد عرفت أن الموثق قد ينقل عن الضعيف فلا يمكن عدّة قدحاً في حقه وإلاّ لزم القدح في أكثر الرواة الأجلاّء ، بل جلّهم حيث لا يكاد يوجد رأو لم يرو عن الضعيف ولو في مورد ، ومعه لا مانع عن أن ينقل أحمد بن محمد عن عثمان أو أبي بكر الضعيفين من دون أن يكون لنقله دلالة على وثاقتهما. فالإنصاف أن الرواية ساقطة سنداً.

فالعمدة في المسألة صحيحة زرارة وموثقة عمار المتقدمتين. ويعارضهما صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : « سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه هل تطهر الشمس من غير ماء؟ قال : كيف يطهر من غير ماء » (١).

والصحيح أنه لا تعارض بينها وبين الصحيحة والموثقة ، وذلك أن السائل لما ارتكز في ذهنه أن الشمس سبب في تطهير المتنجِّس في الجملة ومن هنا قال : هل تطهر الشمس من غير ماء ، وشك في أنها سبب مستقل في طهارة الأرض أو السطح المتنجسين أو أن لها شرطاً ، سأله عليه‌السلام عن استقلال الشمس في المطهرية وعدمها ، والإمام عليه‌السلام بيّن أن الشمس باستقلالها غير كافية في التطهير بل هي محتاجة إلى قيد آخر وهو الماء ، فالصحيحة إنما تدل على اعتبار الماء في مطهرية الشمس ، لا أنها تنفي مطهريتها لتكون معارضة للصحيحة والموثقة المتقدمتين. ثم إنه لما لم يحتمل أن تمس الحاجة إلى الشمس وإصابتها بعد تطهير السطح أو الأرض بالماء تعيّن أن يراد به المقدار القليل غير الموجب للتطهير ، كما وأن الصحيحة يستفاد منها أن موردها الأرض اليابسة ، ومن هنا دلت على اعتبار وجود الماء في تطهيرها بالشمس. فتحصل : أن الصحيحة غير معارضة للروايتين المتقدِّمتين.

وإن شئت قلت : إن مقتضى إطلاقها عدم المطهرية عند عدم الماء سواء أكانت الأرض رطبة أم لم تكن ، ومقتضى صريح الصحيحة المتقدِّمة لزرارة طهارة الأرض الرطبة باشراق الشمس وتجفيفها ، والنسبة بينهما عموم مطلق ، فبها تخرج الأرض‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٥٣ / أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٧.

١٣٠

وهي تطهّر الأرض وغيرها من كل ما لا ينقل ، كالأبنية ، والحيطان ، وما يتصل بها ، من الأبواب ، والأخشاب ، والأوتاد ، والأشجار ، وما عليها من الأوراق ، والثمار والخضروات ، والنباتات ما لم تقطع وإن بلغ أوان قطعها ، بل وإن صارت يابسة ما دامت متصلة بالأرض أو الأشجار.

وكذا الظروف المثبتة في الأرض أو الحائط وكذا ما على الحائط والأبنية مما طلي عليها من جص وقير ونحوهما (١) ،

______________________________________________________

الرطبة عن إطلاق صحيحة ابن بزيع وتبقى تحتها خصوص الأرض اليابسة ، وهي التي دلّت الصحيحة على عدم مطهرية الشمس لها إلاّ مع الماء ، وظاهر أن اعتبار الماء بالمعنى المتقدم في الأرض اليابسة مما لا كلام فيه ، هذا.

ثم لو سلمنا أنها ناظرة إلى نفي المطهرية عن الشمس وأنها معارضة للصحيحة والموثقة فالترجيح معهما ، لأنهما روايتان مشهورتان قد عمل المشهور على طبقهما ومخالفتان للعامّة لذهاب أكثرهم إلى عدم مطهِّرية الشمس (١) كما ذكره صاحب الوسائل (٢) وغيره ، وصحيحة ابن بزيع موافقة لهم فلا بد من طرحها ، هذا تمام الكلام في الجهة الأُولى.

(١) هذه هي الجهة الثانية من الجهات المتقدِّمة الثلاثة وهي أن الشمس هل هي‌

__________________

(١) ففي الميزان للشعراني ج ١ ص ١٠٣ عند الأئمة الثلاثة أن الشمس والنار لا يؤثران في النجاسة تطهيراً ، وقال أبو حنيفة إذا تنجست الأرض فجفت بالشمس طهر موضعها وجاز الصلاة عليها.

وفي نيل الأوطار للشوكاني ج ١ ص ٥٢ أن عدم كفاية الشمس في التطهير مذهب العترة والشافعي ومالك وزفر وقال أبو حنيفة وأبو يوسف هما مطهران لأنهما يحيلان الشي‌ء.

وفي كتاب الام ج ١ ص ٥٢ إذا صبّ على الأرض شيئاً من الذائب كالبول والخمر والصديد وشبهه ، ثم ذهب أثره ولونه وريحه فكان في شمس أو غير شمس فسواء ولا يطهره إلاّ أن يصب عليه الماء. وذهب إلى ذلك الشيخ عبد القادر الشيباني الحنبلي في نيل المآرب ج ١ ص ٢٠ وابن مفلح الحنبلي في الفروع ج ١ ص ١٥٣ وغيرهم.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٥٣ / أبواب النجاسات ب ٢٩ ذيل الحديث رقم ٧٠.

١٣١

مطهّرة للأرض بخصوصها أو أنها مطهرة للأعم منها ومن غيرها؟ المشهور أن الشمس تطهر الأرض وغيرها مما لا ينقل حتى الأوتاد على الجدار والأوراق على الأشجار. وذهب بعضهم إلى اختصاص الحكم من غير المنقول بالأرض مع التعدي إلى الحصر والبواري مما ينقل. وعن ثالث الاقتصار عليهما فحسب ، إلى غير ذلك مما يمكن أن يقف عليه المتتبع من الأقوال.

واستدلّ للمشهور برواية أبي بكر الحضرمي لأن عمومها أو إطلاقها يشمل الجميع. نعم خرجنا عن عمومها أو إطلاقها في المنقول بالإجماع والضرورة وإطلاق ما دلّ على لزوم غسل المتنجسات بالماء فيبقى غير المنقول مشمولاً لهما. ودلالة الرواية وإن كانت ظاهرة كما ذكر إلاّ أنها غير قابلة للاستدلال بها لضعف سندها بعثمان وأبي بكر الحضرمي كما مر.

والصحيح أن يستدل عليه بصحيحة زرارة وموثقة عمار المتقدِّمتين (١) ، لاشتمال الاولى على « المكان » والثانية على « الموضع » وهما أعم من الأرض ، فتشملان الألواح وغيرها من الأشياء المفروشة على الأرض إذا كان بمقدار يتيسر فيه الصلاة ، إذ يصدق على مثله الموضع والمكان ، فاذا قلنا بمطهرية الشمس لغير الأرض من الألواح أو الأخشاب المفروشة على الأرض وهما مما لا ينقل تعدينا إلى غير المفروشة منهما كالمثبتة في البناء أو المنصوبة على الجدار كالأبواب بعدم القول بالفصل.

فاذن قد اعتمدنا في القول بمطهرية الشمس لغير الأرض في غير المنقول على إطلاق الصحيحة والموثقة بنحو الموجبة الجزئية كما أنّا اعتمدنا فيها على الإجماع وعدم القول بالفصل بنحو الموجبة الكلية. فتحصل أنّ مطهِّرية الشمس وإن كانت غير مختصة بالأرض إلاّ أنها لا تعم المنقولات كما مر. نعم استثنوا عنها الحصر والبواري ، ويقع الكلام عليهما بعد التعليقة الآتية فانتظره.

__________________

(١) في ص ١٢٥ ١٢٦.

١٣٢

من نجاسة البول ، بل سائر النجاسات والمتنجسات (١).

ولا تطهِّر من المنقولات إلاّ الحصر والبواري فإنّها تطهرهما أيضاً (*) على الأقوى (٢).

______________________________________________________

(١) هذه هي الجهة الثالثة من الجهات المتقدِّمة ويقع الكلام فيها في أن الشمس مطهّرة من خصوص نجاسة البول أو أنه لا فرق في مطهريتها بين البول وغيره من النجاسات والمتنجسات؟ الصحيح كما في المتن هو الثاني ، لأن صحيحة زرارة وإن لم تشتمل على غير البول ، إلاّ أن الموثقة مطلقة تشمل النجاسة البولية وغيرها ، لأن المأخوذ فيها هو القذر وهو أعم بل هي مصرحة بالتعميم بقوله : « من البول أو غير ذلك » وكذا يستفاد ذلك من صحيحة ابن بزيع لاشتمالها على السؤال عن البول وما أشبهه. نعم هي مضمرة إلاّ أن الإضمار غير قادح في أمثال ابن بزيع وغيره من الأجلاء.

(٢) قد وقعت طهارتهما بالشمس مورد الكلام ، فالأشهر أو المشهور على طهارتهما بالشمس وأنهما مستثنيان من الأشياء المنقولة ، واستدل عليه بوجوه :

الأوّل : رواية أبي بكر الحضرمي (٢) فان عموم قوله : « كل ما أشرقت عليه الشمس » أو إطلاق قوله « ما أشرقت ... » يشمل الحصر والبواري ، وإنما خرجنا عن عمومها أو إطلاقها في غيرهما من المنقولات بالإجماع والضرورة وهما مختصتان بغيرهما.

وقد يناقش في شمول الرواية للحصر والبواري بأن ظاهرها مطهّرية الشمس فيما من شأنه أن تشرق الشمس عليه ، وهو مختص بالمثبتات لعدم كون المنقولات كذلك حيث إنها قد توضع في قبال الشمس وتدخل بذلك فيما من شأنه أن تشرق عليه الشمس ، وقد توضع في مكان آخر لا تشرق الشمس عليه.

__________________

(*) فيه إشكال بل عدم تطهيرها لهما أقرب. وكذا الحال في الگاري والچلابية والقُفّة.

(١) المتقدِّمة في ص ١٢٨.

١٣٣

وفيه : أن اعتبار كون المتنجِّس أمراً قابلاً لاشراق الشمس عليه وإن كان غير قابل للمناقشة ، لأن الموضوع في الرواية هو ما أشرقت عليه الشمس وهو ظاهر في الفعلية والفعلية فرع القابلية ، إلاّ أن اختصاص القابلية بالمثبتات مما لا وجه له ، فان كل شي‌ء مثبت أو غيره قابل لاشراق الشمس عليه إذا كان في محل تصيبه الشمس ، كما أنه ليس بقابل له إذا كان في محل لا تصيبه ، كما إذا كانت الشجرة تحت الجبل مثلاً. وبعبارة اخرى : كل شي‌ء قابل لاشراق الشمس عليه فيما إذا لم يحجز عنه حاجب من دون أن يكون ذلك مختصاً بالمثبتات. فالصحيح أن دلالة الرواية على المدعى غير قابلة للمناقشة ، وإنما لا نعتمد عليها لضعف سندها كما مر.

الثاني : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام في حديث قال : « سألته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال : نعم لا بأس » (١) فإنّها وإن كانت مطلقة من حيث جفافها بالشمس أو بغيرها لعدم تقييدها الجفاف بها ، إلاّ أنه لا بدّ من تقييدها بذلك بصحيحة زرارة الدالّة على اعتبار كون الجفاف بالشمس. وبذلك تدل الصحيحة على طهارة البواري فيما إذا أصابتها الشمس وجففتها ، إذ الصلاة على البواري ظاهره إرادة السجود عليها ولا يتم هذا إلاّ بطهارتها.

ويمكن المناقشة في هذا الاستدلال بأن الصلاة على الشي‌ء وإن كان مشعراً بإرادة السجود عليه إلاّ أنه لا يبلغ مرتبة الظهور ، لتعارف التعبير بذلك في اتخاذ الشي‌ء مكاناً للصلاة ، حيث إن لفظة « على » للاستعلاء وهو متحقِّق عند اتخاذ شي‌ء مكاناً للصلاة لاستعلاء المصلي على المكان. ويشهد على ذلك استعمال هذه الجملة في صحيحة زرارة بالمعنى الذي ذكرناه قال : « سألته عن الشاذكونة يكون عليها الجنابة أيصلّى عليها في المحمل قال : لا بأس بالصّلاة عليها » (٢) ونظيرها من الأخبار ، ومع هذا الاحتمال لا يبقى مجال للاستدلال بالصحيحة على المدعى.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٥١ / أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٥٤ / أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٣.

١٣٤

والظاهر أن السفينة والطرّادة من غير المنقول (١) وفي الگاري ونحوه‌

______________________________________________________

ويتّضح مما ذكرناه أنه لا حاجة إلى تقييد إطلاق الصحيحة بحمل الجفاف على الجفاف بالشمس ، وذلك لأن المكان إذا جفت جازت الصلاة عليه سواء استند جفافه إلى الشمس أم استند إلى غيرها.

الثالث : الاستصحاب ، لأن الحصر والبواري كانا قبل قطعهما وفصلهما بحيث لو أشرقت عليهما الشمس طهرتا لكونهما من النبات وهو مما لا ينقل فلو شككنا بعد فصلهما في بقائهما على حالتهما السابقة وعدمه نبني على كونهما بعد القطع أيضاً كذلك للاستصحاب التعليقي ، ومقتضاه الحكم بكون الشمس مطهرة للحصر والبواري.

وقد يقال بمعارضته بالاستصحاب التنجيزي أعني استصحاب نجاستهما المتيقنة قبل إشراق الشمس عليهما ، ويحكم بتساقطهما والرجوع إلى قاعدة الطهارة.

وفي كلا الأمرين ما لا يخفى. أما في التمسك بالاستصحاب ، فلأنه من استصحاب الحكم المعلق ، والاستصحابات التعليقية غير جارية في نفسها وإن قلنا بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهيّة فضلاً عما إذا لم نقل به. وأما جعله معارضاً بالاستصحاب التنجيزي والحكم بالتساقط والرجوع إلى قاعدة الطهارة ، فلعدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية أوّلاً ، ولعدم كون المورد من موارد الرجوع إلى قاعدة الطهارة ثانياً ، لأن المرجع في المقام بعد تساقط الأصلين إنما هو العمومات أو المطلقات الدالّة على اعتبار الغسل بالماء في تطهير المتنجسات. والمتلخص أنه لا دليل على إلحاق الحصر والبواري بالأرض ، بل حالهما حال غيرهما من المنقولات.

(١) لما تقدم من أن مطهرية الشمس غير مختصة بالأرض ، لأن عنوان « الموضع القذر » أو « السطح » أو « المكان الذي يصلى فيه » كما ورد في الأخبار المتقدِّمة ، من العناوين الشاملة لغير الأرض أيضاً فيشمل الطرادة والسفينة لا محالة ، لصحة أن يقال إن كلا منهما سطح أو مكان يصلى فيه بمعنى أنه قابل ومعد للصلاة فلا إشكال في طهارتهما بالشمس.

١٣٥

إشكال (١) وكذا مثل الچلابية والقفة ، ويشترط في تطهيرها (*) أن يكون في المذكورات رطوبة مسرية (٢).

______________________________________________________

(١) لأنه ونظائره من الچلابية والقفة وغيرهما من المراكب البحرية أو البرية غير معدّة ولا قابلة للصلاة فيها ، لصغرها وضيقها فلا يصدق عليها عنوان السطح أو المكان الذي يصلّى فيه. ونحن وإن قلنا بطهارة الأخشاب ونظائرها بالشمس ، نظراً إلى أنها إذا كانت مثبتة ومفروشة على الأرض صح أن يطلق عليها السطح أو المكان الذي يصلى فيه ، وذكرنا أنها إذا صدق عليها شي‌ء من العناوين المتقدِّمة في مورد تعدينا إلى سائر الموارد أيضاً وإن لم يصدق عليها تلك العناوين ، كما إذا كانت مثبتة في البناء للإجماع القطعي وعدم القول بالفصل ، إلاّ أن هذا فيما إذا كانت الأخشاب مما لا ينقل ، وأما إذا كانت من المنقول فلا إجماع قطعي حتى يسوغ التعدي بسببه.

نعم لو كنّا اعتمدنا على رواية الحضرمي لم يكن مانع من الحكم بالطهارة في الگاري ونظائره بالشمس ، لعموم قوله عليه‌السلام « كل ما أشرقت ... » أو إطلاق قوله « ما أشرقت » ولكنك عرفت عدم كون الرواية قابلة للاعتماد عليها في الاستدلال.

(٢) اشتراط الرطوبة المسرية في مطهرية الشمس لا دليل عليه ، لأن ظاهر السؤال في الروايات عن البول يكون على السطح أو عن السطح يصيبه البول أو يبال عليه ، وإن كان هو اشتمال المتنجِّس على الرطوبة المسرية ، إلاّ أن حكمه عليه‌السلام لم يترتب على ما فيه رطوبة مسرية ، وإنما حكم عليه‌السلام بعدم البأس فيما أشرقت عليه الشمس أو أصابته وجففته. فالمدار على إصابة الشمس وجفاف المتنجِّس باشراقها ، وهذا كما يتحقق مع الرطوبة المسرية كذلك يتحقق فيما إذا كانت الأرض أو السطح ندية ، فيقال إنها كانت ندية فجففت بإشراق الشمس عليها فاللاّزم في مطهِّرية الشمس اشتمال المتنجِّس على النداوة لتوقف صدق الجفاف‌

__________________

(*) لا يشترط ذلك وإنما يشترط أن لا تكون الأرض جافّة.

١٣٦

وأن تجففها بالإشراق عليها بلا حجاب عليها كالغيم ونحوه ولا على المذكورات (١).

______________________________________________________

واليبس عليها ، وعلى ذلك يحمل قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن بزيع : « كيف يطهر من غير ماء » وأما الزائد على ذلك أعني الرطوبة المسرية فلا دليل على اشتراطه ، هذا.

وقد يقال : الجفاف غير اليبوسة ، إذ الأول في مقابل الرطوبة المسرية والثاني في قبال النداوة ، وبما أن بينهما بحسب المورد عموماً من وجه لأن الأول يتوقّف على الرطوبة المسرية ويصدق بذهابها وإن بقيت النداوة في الجملة ، والثاني يكفي فيه مجرّد النداوة ولا يصدق إلاّ بذهاب النداوة بتمامها كان مقتضى الجمع بين صحيحة زرارة المشتملة على اعتبار الجفاف وبين الموثقة المتضمنة لاعتبار اليبوسة هو الاكتفاء بكل من الرطوبة المسرية والنداوة ، بحيث لو كانت في الموضع المتنجِّس رطوبة مسرية فأذهبتها الشمس طهر ولو مع بقاء نداوته لصدق الجفاف بذهاب الرطوبة ، وإن كانت فيه نداوة طهر بذهابها لصدق اليبس بالشمس ، هذا.

ولا يخفي أن اليبس والجفاف على ما يظهر من اللغة مترادفان فيقال : جففه أي يبّسه ، ويبّس الشي‌ء : جففه. والارتكاز العرفي وملاحظة موارد الاستعمالات أقوى شاهد على المدعى. وعليه فالمعتبر إنما هو ذهاب النداوة بالشمس حتى يصدق معه اليبوسة والجفاف ، إذ لو أذهبت الشمس بالرطوبة وبقيت النداوة لم يصدق معه شي‌ء منهما ، فلا يقال إن الشي‌ء جاف أو يابس فلا يحكم بطهارته.

(١) اعتبار استناد الجفاف إلى إشراق الشمس على المتنجِّس هو المصرح به في رواية الحضرمي حيث قال : « كل ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر » (١) فبناء على اعتبار الرواية لا غبار في هذا الاشتراط ، ولعلّها المستند في المسألة عند الماتن وغيره ممّن ذهب إلى ذلك ، وتبع الرواية في التعبير بالإشراق.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٥٣ / أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٦. وتقدّمت في ص ١٢٨.

١٣٧

فلو جفت بها من دون إشراقها ولو باشراقها على ما يجاورها أو لم تجف أو كان الجفاف بمعونة الريح لم تطهر.

نعم ، الظاهر أن الغيم الرقيق أو الريح اليسير على وجه يستند التجفيف إلى الشمس وإشراقها لا يضرّ (١).

______________________________________________________

وأما إذا لم نعتمد على الرواية كما لا نعتمد فالمدرك في هذا الاشتراط موثقة عمار وقد ورد فيها : « إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة ... » (١) لوضوح أن الإصابة لا تصدق مع الحجاب على الشمس أو على المتنجس كالغيم والحصير الملقى على الأرض وغيره مما يمنع من إشراق الشمس عليه ، فلا يكفي الجفاف حينئذ لعدم إصابة الشمس عليه.

(١) أما إذا جفت بالمجاورة فلما تقدم من اعتبار إصابة الشمس وإشراقها على المتنجِّس ومع انتفائها لا يكفي مطلق الجفاف ، وما ورد في صحيحة زرارة من قوله : « إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر » (٢) وإن كان مطلقاً يشمل الجفاف بالمجاورة إلاّ أنه لا بدّ من تقييدها بما إذا كان الجفاف مستنداً إلى إصابة الشمس وإشراقها بمقتضى موثقة عمار.

وأما إذا جفت بمعونة الريح بأن استند الجفاف إلى إشراق الشمس وإلى غيره كالهواء والريح وغيرهما ، فهل يكفي في الطهارة اشتراكهما في التجفيف أو لا بدّ من استناده إلى الإشراق بالاستقلال؟ فالصحيح أن يفصّل بين ما إذا كان تأثير الريح مثلاً في التجفيف بالمقدار المتعارف ، وبين ما إذا كان بالمقدار الزائد عليه.

أما في الصورة الاولى فلا ينبغي الإشكال في كفاية التجفيف المشترك ، لأنه المتعارف في الإشراق وإليه تنظر الإطلاقات ، فانّ إشراق الشمس وتأثيرها في الجفاف من دون أن يشترك معها غيرها ولو بمقدار يسير أمر نادر أو لا تحقق له أصلاً.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٥٢ / أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٤. وتقدّمت في ص ١٢٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٥١ / أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ١. وتقدّمت في ص ١٢٤.

١٣٨

وأمّا الصورة الثانية : كما إذا استند التجفيف في مقدار نصفه إلى الإشراق وفي النصف الآخر إلى النار أو الهواء ، فقد يقال فيها بكفاية التجفيف أيضاً ، بدعوى أن المعتبر حسبما يستفاد من الأخبار استناد الجفاف إلى الشمس وهو حاصل في فرض الاشتراك ، وأما عدم استناده إلى غير الشمس فهو مما لم يقم عليه دليل ولا يستفاد من الأخبار.

ويؤيد ذلك بموثقة عمار لما ورد فيها من قوله : « فأصابته الشمس ثم يبس الموضع » لإطلاق اليبوسة فيها وعدم تقييدها بكونها مستندة إلى الشمس فحسب فمع الاشتراك يصدق أن الأرض مما أصابته الشمس ثم يبست ، هذا.

ولا يخفى أن موثقة عمار وإن كانت مطلقة من تلك الجهة إلاّ أنه على خلاف الإجماع القطعي عندنا ، لصدقها على ما إذا أصابت الشمس شيئاً في زمان ولم يحصل معها الجفاف ولكنه حصل بعد مدة كيوم أو أقل أو أكثر ، لبداهة صدق أن الشي‌ء أصابته الشمس ثم يبس حينئذ ، مع أنه غير موجب للطهارة من غير نكير ، فسوء التعبير مستند إلى عمار ، وعلى أيّ حال لا يمكن الاعتماد على إطلاق الموثقة ، وعليه فلا بد من ملاحظة أنه هل هناك دليل على لزوم استقلال الشمس في التجفيف وعدم استناده إلى غيرها أو لا دليل عليه؟

فنقول إن قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر » يقتضي بظاهره لزوم استناد التجفيف إلى الشمس باستقلالها ، وذلك لأن الجفاف عن رطوبة لا يعقل فيه التعدّد والتكرار ، لأنه أي الجفاف عرض غير قابل للتعدّد عن رطوبة واحدة ، وإذا أُسند مثله إلى شي‌ء فظاهره أنه مستند إليه بالاستقلال ، لأنه لو كان مستنداً إلى شيئين أو أكثر كالشمس والنار ونحوهما لم يصح إسناده إلى أحدهما ، لأنه مستند إلى المجموع على الفرض ولا يعقل فيه التعدّد ، فاذا استند إلى شي‌ء واحد كما في الخبر حيث أُسند فيه إلى الشمس فحسب كان ظاهراً في الاستناد بالاستقلال ، وليست اليبوسة كأكل زيد ونحوه مما لا ظهور له في نفي صدور الفعل عن غيره ، لوضوح أن قولنا : أكل زيد لا ظهور له في عدم صدور الأكل من عمرو مثلاً ، والسر فيه أن الأكل في نفسه أمر قابل للتعدد والتكرار ، فيمكن أن يستند‌

١٣٩

وفي كفاية إشراقها على المرآة مع وقوع عكسه على الأرض إشكال (*) (١).

______________________________________________________

إلى زيد كما يستند إلى عمرو لتعدّده ، وهذا بخلاف الجفاف واليبس ، لأن الشي‌ء الواحد لا يجف عن رطوبة واحدة مرتين ، فعلى ذلك يعتبر في الطهارة بالشمس استناد الجفاف إلى الشمس بالاستقلال ، فمع استناده إليها وإلى غيرها لم يحكم بالطهارة. وأما ما ورد في صحيحة زرارة وحديد من قوله عليه‌السلام « إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافاً فلا بأس » فقد قدّمنا (١) أنها أجنبية عن مورد الكلام ، وإنما تدل على جواز الصلاة في الأمكنة المتنجسة إذا يبست بشي‌ء من الشمس أو النار أو الريح أو غيرها.

(١) ومنشأ الإشكال في المسألة ليس هو عدم صدق الإشراق عليه ، بدعوى أن ظاهر الإشراق وقوع نفس الضوء على الأرض ، وذلك لأنّا لو اعتمدنا على رواية الحضرمي ومنعنا عن صدق الإشراق مع الواسطة ، فلنا أن نحكم بطهارة الأرض في مفروض المسألة بصحيحة زرارة ، لأن الجفاف الوارد فيها مطلق يعم ما إذا كان الجفاف مع الواسطة ، وذلك كما إذا أشرقت الشمس على أرض مجاورة للأرض المتنجسة فجفت بحرارة الشمس لا باشراقها ، ولا تنافي بينها وبين رواية الحضرمي لأنها ليست بذات مفهوم لتدل على أن غير الإشراق لا يطهّر الأرض ، حتى تقع المعارضة بينهما في التطهير بالجفاف مع الواسطة.

بل الإشكال في المسألة ينشأ عما قدمناه آنفاً من اعتبار الإصابة في مطهرية الشمس لموثقة عمار : « إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ... » فإن الإصابة لا تصدق مع وجود الواسطة وعدم المقابلة بين الشمس والموضع. ومفهوم الموثقة عدم حصول الطهارة في غير صورة الإصابة ، وبها قيدنا إطلاق الجفاف في صحيحة زرارة ، وكذا الحال في رواية الحضرمي على تقدير تماميّتها سنداً وشمول الإشراق للاشراق مع الواسطة.

__________________

(*) أظهره عدم الكفاية.

(١) في ص ١٢٥.

١٤٠