موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

ومنها : ما رواه محمّد الحلبي قال : « نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : أين نزلتم؟ فقلت : نزلنا في دار فلان فقال : إن بينكم وبين المسجد زقاقاً قذراً ، أو قلنا له : إن بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً فقال : لا بأس إن الأرض تطهر بعضها بعضاً. قلت والسرقين الرطب أطأ عليه فقال : لا يضرّك مثله » (١) وهي غير مقيدة بالقدم والبشرة ، بل مقتضى إطلاقها أن الأرض تطهر باطن القدم والخف وغيره مما يتنعل به عادة.

ومنها : ما رواه في آخر السرائر نقلاً عن نوادر أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن المفضل بن عمر ، عن محمّد الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربّما مررت فيه وليس عليَّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت : بلى ، قال : فلا بأس إن الأرض تطهر بعضها بعضاً ، قلت : فأطأ على الروث الرطب؟ قال : لا بأس أنا والله ربما وطئت عليه ثم أُصلّي ولا أغسله » (٢). وهي مقيدة بالقدم كما هو ظاهر.

وربما يورد على هاتين الروايتين بأنهما متنافيتان نقلاً ، لأن ظاهرهما الحكاية عن قضية واحدة نقلها محمّد الحلبي ، وغاية الأمر أن الراوي عن الحلبي شخصان وقد رواها أحدهما مقيدة بالرجل ورواها الآخر مطلقة فأحد النقلين يناقض الآخر.

هذا ، ولا يخفى أن الروايتين إن حملناهما على تعدد الواقعة كما هو غير بعيد بأن يقال إن الراوي سأله عليه‌السلام عن مسألة واحدة مطلقة تارة ومقيدة بالرجل اخرى حتى يطمئن بحكمها ، فإن المشي حافياً لا يناسب الحلبي ولا يصدر عن مثله إلاّ نادراً فسأله عن حكمه مرة ثانية حتى يطمئن به فهما روايتان ولا مانع من كون إحداهما مطلقة والأُخرى مقيدة بالرجل ، فنأخذ معه بإطلاق المطلقة وهي تقتضي اطراد الحكم في كل ما يتعارف المشي به من أسفل القدم والخف وغيرهما.

وأما إذا قلنا بوحدة الواقعة في الروايتين لاستبعاد التعدّد في الواقعة ولا نرى أي بُعد في تعدّدها كما مرّ سقطت الروايتان عن الاعتبار للعلم بعدم صدور إحداهما‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٣ : ٤٥٨ / أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٤ ، ٩.

١٠١

عن الإمام عليه‌السلام ولا ندري أنه أيهما. والوجه في اختلاف النقل حينئذ أن الحلبي إما أنه نقل الرواية لأحد الراويين بألفاظها ونقلها للآخر بمعناها بتوهم عدم اختلاف المعنى بذلك ، أو أنه نقلها لكلا الراويين بالألفاظ ، إلاّ أن أحدهما نقل الرواية على غير النمط الذي سمعه.

ثم إنك إذا أحطت خبراً بالأخبار الواردة في المقام عرفت أن الصحيح عدم اختصاص الحكم بالرجل والبشرة وأنه مطرد في كل ما يتنعل به عادة. ويمكن الاستدلال على ذلك بوجوه :

الأوّل : التقريب المتقدم في الاستدلال برواية حفص مع الغض عن سندها فإنّها دلت على طهارة الخف بمسحه بالأرض ، وحيث إن الخف لا يحتمل أن تكون له خصوصية في المقام فيستكشف بذلك عمومية الحكم للنعال وغيره مما يتعارف المشي به.

الثاني : عموم التعليل الوارد في بعض الأخبار المتقدِّمة (١) أعني قوله عليه‌السلام « إن الأرض يطهّر بعضها بعضاً » حيث يدل على أن الأرض تطهر النجاسة الحاصلة منها مطلقاً من دون فرق في ذلك بين أسفل القدم والخف وغيرهما. بيان ذلك : أن نجاسة أسفل القدم أو الخف أو غيرهما إنما حصلت من الأرض كما أُشير إليه في بعض الروايات بقوله « إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه » وفي آخر : « إن بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً » (٢) ولأجله صح أن يقال إن الأرض الطاهرة تطهر الأرض النجسة ، وهذا لا بمعنى أنها تطهر الأرض النجسة بنفسها بل بمعنى أنها تطهر الأثر المترشح من الأرض القذرة وهو النجاسة ، فوزان ذلك وزان قولنا : الماء يطهر البول والدم وغيرهما من الأعيان النجسة ، مع أن العين النجسة غير قابلة للتطهير ولا يكون الماء مطهّراً لها بوجه ، إلاّ أنه لما أمكن أن يكون مزيلاً ومطهّراً من الآثار الناشئة‌

__________________

(١) تقدّمت هذه الجملة في الرواية الأُولى والثانية للحلبي ورواية المعلى ، وتأتي في حسنة محمّد ابن مسلم الآتية.

(٢) وهما روايتا الحلبي المتقدِّمتان في ص ١٠١.

١٠٢

عن الأعيان النجسة وهي النجاسة صح أن يقال إن الماء مطهّر للبول.

وهذا تعبير صحيح ولا حاجة معه إلى تفسير الجملة المذكورة بما عن المحدث الكاشاني قدس‌سره من أنها بصدد بيان أمر عادي وهو انتقال القذارة من الموضع المتنجِّس من الأرض إلى الموضع الآخر منها بوضع القدم ورفعها حتى لا يبقى على الأرض شي‌ء من النجاسة (١).

ولا إلى تفسيرها بما عن الوحيد البهبهاني قدس‌سره من أن معناها أن بعض الأرض أي الطاهرة منها يطهر بعض المتنجسات كالنعل ، لمكان أن « بعضاً » نكرة وذلك لما عرفت من أن ظاهره حسب المتفاهم العرفي أن الأرض الطاهرة تطهر الأرض النجسة بالمعنى المتقدم وهي واردة لبيان أمر شرعي ، فحملها على إرادة بيان أمر عادي أو على كون الأرض مطهرة لبعض المتنجسات خلاف الظاهر ولا يمكن المصير إليه.

ثم إن تلك الجملة وإن كانت مجملة في بعض مواردها كما في حسنة محمد بن مسلم قال : « كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام إذ مرّ على عذرة يابسة فوطئ عليها فأصابت ثوبه ، فقلت : جعلت فداك قد وطئت على عذرة فأصابت ثوبك ، فقال : أليس هي يابسة؟ فقلت : بلى ، قال : لا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضاً » (٢) لأن عدم تنجس ثوبه عليه‌السلام وطهارته من جهة يبوسة العذرة غير مرتبطة بقوله : « إن الأرض يطهر بعضها بعضاً » وهو كمضمون رواية عمار : « كل شي‌ء يابس زكي » (٣) ومن الواضح أن ذلك أجنبي عن التعليل الوارد في الرواية ، فالجملة مجملة في الحسنة إلاّ أن إجمالها في مورد لا يضرها في غيره ، لما عرفت من أنها واضحة الدلالة على مطهرية الأرض للأثر الناشي من الأرض النجسة. وكيف كان فمقتضى عموم التعليل اطراد الحكم وشموله لكل ما يتنعل به عادة.

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ : ٧٩.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٥٧ / أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ١ : ٣٥١ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣١ ح ٥ إلاّ أن الرواية عن عبد الله بن بكير بدل عمار.

١٠٣

أو المسح بها (١) بشرط زوال عين النجاسة إن كانت (٢) ، والأحوط (٣)

______________________________________________________

الثالث : صحيحة الأحول المتقدِّمة (١) حيث إنها مطلقة ، لعدم استفصاله عليه‌السلام بين وطء الموضع حافياً ووطئه متنعلاً ، وترك الاستفصال يدل على عدم اختصاص الحكم بأسفل القدم. وهذه الرواية صحيحة السند وتامّة الدلالة غير أنها اشتملت على تحديد المشي بخمسة عشر ذراعاً ، والمشهور لا يلتزم به لذهابهم إلى كفاية مطلق المشي ، وأنّ الحدّ هو النقاء ولو حصل بالمشي بما هو أقل من خمسة عشر ذراعاً ، إلاّ أن ذلك لا يضر بالاستدلال بها ، بل إن أمكننا حمله على الاستحباب أو على بيان أن النقاء عادة لا يتحقّق بأقل من المقدار المذكور فهو ، وإلاّ فلا مناص من الأخذ به وتحديد المشي بخمسة عشر ذراعاً.

(١) كما ورد في صحيحة زرارة ورواية حفص المتقدِّمتين (٢).

(٢) وذلك مضافاً إلى الارتكاز فان التطهير بالأرض لا يزيد على التطهير بالماء وقد مرّ اعتبار إزالة العين فيه تدل عليه صحيحة زرارة : « ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ». ورواية حفص حيث حكم عليه‌السلام فيها بحصول الطهارة فيما فرضه السائل بقوله : « إن وطئت على عذرة بخفي ومسحته حتى لم أر فيه شيئا » ومعه يعتبر في مطهرية الأرض لأسفل النعل والقدم زوال عين النجس بحيث لو انجمدت تحتهما كما في الدم ونحوه ولم تزل بالمشي أو المسح لم يحكم بطهارتهما.

(٣) والوجه في هذا الاحتياط أعني الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة وعدم التعدي إلى النجاسة الحاصلة من الخارج ، كما إذا انفجر ما في أسفل قدمه من الدمل لدى المشي وأصاب الدم خفه أو رجله هو أن الروايات المتقدِّمة إنما وردت في النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض كوطء العذرة الموجودة فيها والمرور على الطريق المتنجِّس وغيرها من الموارد ، ولا مناص معه من الاقتصار‌

__________________

(١) في ص ١٠٠.

(٢) في ص ٩٩ ١٠٠.

١٠٤

على المقدار المتيقن من الأخبار وهي النجاسة الحاصلة من المشي ، وأما المقدار الزائد على ذلك فيرجع فيه إلى عموم أو إطلاق ما دلّ على أن النجاسة يعتبر في إزالتها الغسل بالماء ، لأنه مقتضى القاعدة عند إجمال المخصص لدورانه بين الأقل والأكثر.

ويؤيده ما تقدّم (١) في تفسير قوله عليه‌السلام « إن الأرض يطهّر بعضها بعضاً » من أنّ تعبيره عليه‌السلام عن مطهرية الأرض لباطن النعل والقدم وغيرهما بقوله « إنّ الأرض ... » إنما هو من جهة أن النجاسة كانت ناشئة من الأرض ولأجله صح أن يقال : إن الأرض الطاهرة مطهّرة للأرض القذرة أي للنجاسة الناشئة منها ، ومع كون الأثر وهي النجاسة مستندة إلى غير الأرض لا يصح التعبير المذكور بوجه ، هذا.

وقد يقال بالتعدي إلى النجاسة الحاصلة من الخارج ويستدل عليه بأمرين :

أحدهما : ما ورد في صحيحة زرارة « جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما » (٢) فان قوله عليه‌السلام « يجوز أن يمسح رجليه » يدلنا بإطلاقه على مطهرية المسح في كل من النجاسة الناشئة من الأرض والنجاسة الناشئة من غيرها.

ويدفعه أوّلاً : أن من المحتمل القوي أن يكون قوله : « ويجوز أن يمسح رجليه » ناظراً إلى المسح في الوضوء لنفي ما يزعمه أهل الخلاف من اعتبار غسل الرجلين فيه ، ومن هنا قال : « ويجوز أن يمسح ... » مع أن مسحهما من الشرائط المعتبرة في الوضوء فهو أمر لازم لا جائز ، وعليه فالرواية أجنبية عما نحن بصدده.

وثانياً : أن الرواية لو سلم كونها ناظرة إلى مطهرية المسح ، فلا شك في أنها ليست بصدد البيان ، للقطع بعدم كون المسح مطهراً مطلقاً كالمسح بالخرقة أو الخشب ونحوهما ، فلا إطلاق للرواية حتى يدل على مطهرية الأرض من النجاسة الحاصلة من الخارج.

__________________

(١) في ص ١٠٢.

(٢) الوسائل ١ : ٣٤٩ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٣ ، ٣ : ٤٥٩ / أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ١٠.

١٠٥

وثانيهما : ما ذكره المحقِّق الهمداني قدس‌سره (١) وتوضيحه : أن مقتضى الارتكاز عدم الفرق في مطهرية الأرض بين النجاسة الحاصلة من الأرض وبين الحاصلة من غيرها ، إذ لا يتبادر من الأخبار سوى أن المسح أو المشي مطهّر للرجل أو الخف من النجاسة ، من غير أن تكون لكيفية وصولها إلى الرجل مدخلية في الحكم. ومن هنا لا يتوهم أحد فرقاً بين أن تكون العذرة التي يطأها برجله مطروحة على الأرض أو على الفراش ، وبهذا الارتكاز العرفي نتعدى عن مورد الروايات إلى مطلق النجاسة سواء حصلت بالمشي على الأرض أو بغيره ، هذا.

ولا يخفى أن الارتكاز العرفي وإن كان يقتضي عدم الفرق بين كون العذرة مطروحة على الأرض أو على الفراش ، إلاّ أن الكلام في المقام غير راجع إلى النجاسة المستندة إلى المشي وإن لم تكن ناشئة من الأرض ، وذلك إذ قد لا تصل النعل أو الرجل إلى الأرض أصلاً لحيلولة العذرة أو غيرها من النجاسات بينهما كما أُشير إليه في صحيحة زرارة حيث قال : « فساخت رجله فيها » (٢) أو لكون العذرة الموطوءة مطروحة على خرقة أو خشبة أو غيرهما من الأشياء الموجودة في الطريق ، فلا يعتبر أن تكون النجاسة ناشئة من الأرض وإنما يعتبر استناد النجاسة إلى المشي ، سواء أكانت العذرة واقعة على الأرض أم على الفراش فما أفاده قدس‌سره خارج عن محل الكلام.

وإنما كلامنا فيما إذا استندت النجاسة إلى الخارج وغير المشي كما في المثال المتقدم حيث إن تنجس الأصابع بالدم حينئذ غير مستند إلى المشي ، وفي مثله إن أقمنا دليلاً قطعياً على عدم الفرق بين النجاسة الحاصلة بالمشي والنجاسة الحاصلة بغيره فهو وإلاّ فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن وهو النجاسة الحاصلة بالمشي ، وفي المقدار الزائد يرجع إلى العموم أو الإطلاق وهما يقتضيان إناطة تطهير المتنجِّس بالغسل بالماء. ولا سبيل لنا إلى مناطات الأحكام الشرعية وملاكاتها ونحتمل وجداناً أن تكون لكيفية وصول النجاسة بالمشي مدخلية في الحكم. ويشهد على ذلك ملاحظة‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٦٤٣ السطر ٤.

(٢) المتقدِّمة في ص ٩٩.

١٠٦

الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة دون ما حصل من الخارج ، ويكفي مسمّى المشي أو المسح (١) وإن كان الأحوط المشي خمس عشرة خطوة (*) (٢) وفي كفاية مجرد المماسة من دون مسح أو مشي (٣) إشكال (٤)

______________________________________________________

أحجار الاستنجاء لأنها مطهّرة من العذرة في المحل ، وأما إذا كانت في غيره من الثوب والبدن ونحوهما فالأحجار لا ترفع أثرها بوجه.

(١) لإطلاق النصوص عدا صحيحة الأحول (١) حيث حددت المشي بخمسة عشر ذراعاً. ولكن الصحيح كفاية المسمى ، لأنّ دلالة صحيحة زرارة على أنّ المناط في حصول الطهارة هو النقاء وزوال عين النجس أقوى من دلالة الصحيحة المتقدِّمة على التحديد بخمسة عشر ذراعاً ، لأنه من المحتمل أن يكون التحديد في الصحيحة جارياً مجرى الغالب من توقّف إزالة النجاسة على المشي بذلك المقدار ، ويتقوى هذا الاحتمال بملاحظة قوله عليه‌السلام « أو نحو ذلك » ، فلاحظ.

(٢) الذي ورد في صحيحة الأحول إنما هو خمسة عشر ذراعاً ، وليس من خمس عشرة خطوة عين ولا أثر في الروايات ، والفرق بين الخطوة والذراع بالثلث ، فلا وجه لما ذكره الماتن من أن الأحوط المشي خمس عشرة خطوة. فلو أنه أراد أن يبين مقدار خمسة عشر ذراعاً بالخطوات لوجب أن يقول الأحوط المشي عشر خطوات ، لأن الفاصل بين القدمين مقدار ذراع ومكان القدمين بمقدار نصف ذراع فتكون الخطوة الواحدة ذراعاً ونصفاً ، كما أن خمسة عشر ذراعاً يعادل عشر خطوات على ما أشرنا إليه في التعليقة فليراجع.

(٣) كما إذا وقعت نعله على الأرض وبذلك زالت عنها عين النجس ، أو أنها وقعت على الأرض وتحققت المماسة إذا لم تكن مشتملة على عين النجس.

(٤) ولعلّ الوجه فيه أن رواية الحلبي (٢) دلّت على انحصار المطهر بالمشي ، وذلك من‌

__________________

(*) بل خمسة عشر ذراعاً ، وهي تحصل بعشر خطوات تقريباً.

(١) المتقدِّمة في ص ١٠٠.

(٢) المتقدِّمة في ص ١٠١.

١٠٧

وكذا في مسح التراب عليها (١)

______________________________________________________

جهتين :

إحداهما : قوله عليه‌السلام « أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ » لأنه عليه‌السلام بصدد البيان والتحديد ، وذكر في هذا المقام أليس تمشي ... وهو حينئذ ظاهر الدلالة على حصر المطهر في المشي.

وثانيتهما : قوله عليه‌السلام « فلا بأس » وقد فرع قوله هذا على المشي ، فدل ذلك على أن قوله : « فلا بأس » تصريح بتالي المقدم المحذوف وحاصله : إن مشيت بعد ذلك فلا بأس. ودلالته حينئذ على عدم كفاية غير المشي لا تقبل الإنكار ، إلاّ أنّا خرجنا عن ذلك في المسح بقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة « ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ... » وقوله « لا بأس » في رواية حفص على تقدير اعتبارها جواباً عما سأله الراوي بقوله : إن وطئت على عذرة بخفي ومسحته حتى لم أر فيه شيئاً ، فبهاتين الروايتين يقيد مفهوم الرواية المتقدِّمة ويكون النتيجة أن المطهر أمران : المشي على الأرض والمسح بها ، وأما مجرّد المماسة فمقتضى الرواية عدم كفايتها ، فلو شككنا في ذلك ولم ندر أن المماسة كافية أو ليست بكافية فالمرجع هو المطلقات الدالّة على اعتبار الغسل بالماء في إزالة النجاسات.

(١) كما إذا أخذ حجراً أو شيئاً من التراب ومسح به رجله أو نعله. وظاهر الماتن أن الاشكال في هذه الصورة إنما نشأ عن احتمال أن يكون المعتبر هو مسح الأرض بالرجل أو النعل ، فلو انعكس بأن مسحهما بالأرض لم يمكن الحكم بكفايته ، هذا.

ولكن الصحيح أن الاشكال في هذه الصورة إنما ينشأ من انفصال الأجزاء الأرضية من الأرض ، لأن الحجر أو المقدار المأخوذ من التراب وإن كان حال كونه متصلاً بالأرض مما لا إشكال في كفاية المسح أو المشي عليه ، ولكنه إذا انفصل لم يمكن الحكم بكفايته ، وذلك لأنه ليس بأرض وإنما هو من الأرض ، والأخبار المتقدِّمة إنما دلت على مطهرية الأرض فحسب ، وأما ما هو جزء من الأرض ولكنه ليس بأرض فلم يقم دليل على مطهّريته.

١٠٨

ولا فرق في الأرض بين التراب والرمل والحجر الأصلي (١) بل الظاهر كفاية المفروشة بالحجر بل بالآجر والجص والنورة (٢)

______________________________________________________

ويدلُّ على ذلك التعليل في بعضها بأن الأرض يطهر بعضها بعضاً ، بمعنى أن الأرض الطاهرة تطهر الأرض النجسة بالمعنى المتقدِّم (١) فانّ مقتضاه أن الأرض مطهّرة لا ما هو من أجزائها ، ومن ثمة لا يفرق في الإشكال الذي ذكرناه بين أن يمسح الرجل أو النعل بالحجر أو التراب المأخوذين من الأرض ، وبين أن يمسح الحجر أو التراب المأخوذين من الأرض بالنعل أو الرجل فإن الماسحية والممسوحية في الاشكال سواء وهذا بخلاف ما إذا كان منشأ الاشكال هو ما يوهمه ظاهر الماتن ، فان لازمه الحكم بكفاية المسح في الصورة الثانية كما لعله ظاهر.

نعم ، يأتي منّا في المسألة الثانية من مسائل المقام (٢) ما يدل على كفاية المسح بالأجزاء المنفصلة من الأرض فيما لا يمكن عادة أن يمسح بالأجزاء المتصلة منها فليلاحظ.

(١) كما إذا كانت الأرض ذات رمل أو حجر أو تراب من الابتداء ، وذلك لإطلاق الأرض الواردة في الأخبار ، ولعل هذا مما لا إشكال فيه. وإنما الكلام في كفاية الأرض الرملية أو الحجرية بالعرض ، وهو الذي أشار إليه بقوله : بل الظاهر كفاية المفروشة ....

(٢) لأن المفروشة بالحجر أو بغيره من الأجزاء الأرضية يصح أن يقال إنها أرض حقيقة ، فإن الحجر مثلاً من الأجزاء الأرضية كما عرفت ، وإنما انتقل من مكانه إلى مكان آخر ، ومن الواضح أن الانتقال غير مانع من صدق عنوان الأرض بوجه. ثمّ إنّ فرش الأرض بالحجر أو بغيره من أجزائها أمر متعارف بل هو أمر غالبي في البلاد ، وليس من الأُمور النادرة ليدعى انصراف الأرض عن المفروشة بالحجر أو بغيره.

__________________

(١) في ص ١٠٢.

(٢) في ص ١١٩.

١٠٩

نعم يشكل كفاية المطلي بالقير أو المفروش باللوح من الخشب (١) ،

______________________________________________________

ثمّ لو قلنا بعدم صدق الأرض على المفروشة بشي‌ء من الأجزاء الأرضية فهل يمكننا الحكم بطهارة باطن الرجل أو النعل بالمسح أو المشي عليها؟

قد يقال بطهارتهما بذلك ، نظراً إلى أن استصحاب نجاستهما السابقة يعارض استصحاب مطهرية الأجزاء الأرضية المفروشة فيتساقطان ، كما هو الحال في جميع الاستصحابات التعليقية ، فإن استصحاب المطهرية تعليقي في المقام وتقريبه : أن تلك الأجزاء المفروشة كالحجر وغيره كانت قبل أن تنتقل من مكانها مطهرة لباطن الرجل أو الخف لو مسح أو مشي عليها ، وإذا انتقلت عن مكانها حكم بكونها أيضاً كذلك بالاستصحاب ، وهو يعارض باستصحاب نجاستهما السابقة ، ولأجل ذلك يتساقطان وتنتهي النوبة إلى قاعدة الطهارة وببركتها يحكم بطهارة باطن الرجل أو النعل في مفروض الكلام.

وفيه : بعد الغض عن عدم اعتبار الاستصحابات التعليقية في نفسها وعدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهيّة التي منها استصحاب النجاسة في المقام أن المورد ليس من موارد الرجوع إلى قاعدة الطهارة بل لا بدّ من الرجوع فيه إلى الإطلاقات المقتضية لاعتبار الغسل بالماء في تطهير المتنجسات وعدم جواز الاكتفاء بغيره ، فان المقدار المتيقن ممّا خرج عن تلك المطلقات إنما هو صورة المسح أو المشي على الأرض غير المفروشة ، وأما الزائد المشكوك فيه فيبقى تحت المطلقات لا محالة.

(١) لعدم صدق الأرض عليها ، وكذا الحال في المفروش بالصوف أو القطن أو غيرهما مما ليس من الأجزاء الأرضية. نعم ورد في صحيحة الأحول ورواية المعلى المتقدِّمتين (١) ما بإطلاقه يشمل المقام وهو قوله « مكاناً نظيفاً » و « شي‌ء جاف » لشمولهما المطلي بالقير والمفروش بالقطن ونحوه ، إلاّ أن مقتضى التعليل الوارد في جملة من الأخبار المتقدِّمة أعني قوله عليه‌السلام « إن الأرض يطهر بعضها بعضاً » تقييد‌

__________________

(١) في ص ٩٩ ١٠٠.

١١٠

ممّا لا يصدق عليه اسم الأرض ، ولا إشكال في عدم كفاية المشي (١)

______________________________________________________

الروايتين المتقدمتين بالأرض وعدم ترتب الطهارة على المشي فيما ليس بأرض ويؤيده رواية السرائر عن الحلبي لاشتمالها على اعتبار المشي في الأرض اليابسة.

(١) يتصوّر المشي على الأرض بوجوه :

الأوّل : أن يقع المشي على الأجزاء الأرضية الأصلية كما في الأراضي الحجرية أو الرملية ونحوهما ، ولا إشكال في مطهرية المشي حينئذ على تفصيل قد تقدّم.

الثاني : أن يقع المشي على الأجزاء العرضية كالمشي على الأرض المفروشة بالأحجار مثلاً ، وقد قدمنا أن المشي عليها أيضاً مطهر لأنها من الأرض.

الثالث : أن يقع المشي على أجزاء عرضية تعد بالنظر العرفي من الأرض وإن لم تكن كذلك حقيقة ، وهذا كالمشي على الأرض المفروشة بالقير المعبّر عنه في زماننا هذا بالتبليط ، أو المفروشة بالألواح ونحوها لأنها خارجة عن الأرض حقيقة ، إلاّ أنها لمكان اتصالها بها تعد من الأرض مسامحة ، والأقوى في هذه الصورة عدم كفاية المشي عليها ، لأنها وإن كانت تطلق عليها الأرض عرفاً ومسامحة إلاّ أنها ليست من الأرض حقيقة.

الرابع : أن يقع المشي على الأجزاء العرضية غير المعدودة من الأرض عرفاً ولا حقيقة لانفصالها من الأرض وذلك كالألواح المطروحة على الطريق ، وعدم كفاية المشي في هذه الصورة أظهر من سابقتها ، لأنّ الأجزاء العرضية كانت في الصورة السابقة متصلة بالأرض والاتصال مساوق للوحدة ، وهذا بخلاف هذه الصورة لانفصال الأجزاء فيها من الأرض ولا موجب معه لتوهم الإجزاء أبداً. والمشي على النبات والزرع كالمشي على القير فلا يكتفى به في التطهير ، بل النبات غير متصل بالأرض كالقير وإن كانت مادته وأُصوله متصلتين بها ، فعدم الكفاية في المشي على النبات أظهر ، كما أن المشي على الفرش والحصير والبواري كالمشي على الألواح المطروحة في الطريق وقد عرفت حكمها.

١١١

على الفرش ، والحصير ، والبواري ، وعلى الزرع والنباتات ، إلاّ أن يكون النبات قليلاً بحيث لا يمنع عن صدق المشي على الأرض (١) ، ولا يعتبر أن تكون في القدم أو النعل رطوبة (٢) ولا زوال العين بالمسح أو المشي وإن كان أحوط (٣).

______________________________________________________

(١) لصدق المشي على الأرض عند قلة النبات ولا سيما في البلدان دون البوادي لأنّ الأرض فيها لا تخلو عن الأجزاء العرضية كأجزاء الحطب أو الخرق مما ليس من الأجزاء الأرضية ، ومع ذلك يصدق المشي على الأرض عرفاً.

(٢) لإطلاق الروايات.

(٣) فإذا زالت العين قبل المسح أو المشي بخرقة أو خشبة ونحوهما ثم مسح رجله أو نعله أو مشى بهما على الأرض كفى في الحكم بطهارتهما ، فلا يعتبر أن يكون زوال العين بالمسح أو المشي.

أما عدم اعتبار زوال العين بالمشي فلعدم تقييد الأدلّة الدالّة على مطهريته بما إذا زالت العين بالمشي ، وإنما هي مطلقة كقوله عليه‌السلام « أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ » (١).

وأما عدم اعتبار زوالها بالمسح فلإطلاق صحيحة زرارة الدالّة على مطهرية المسح كالمشي فإن قوله : « ولكنّه يمسحها » (٢) غير مقيد بأن يكون المسح بالأرض فيعم المسح بغيرها ، إلاّ أنه لا بدّ من تقييد إطلاقه بذلك ، نظراً إلى أن المستفاد من النصوص أن المسح قائم مقام المشي في التطهير ، والمشي هو الانتقال من مكان إلى مكان بوضع القدم ورفعها ، فغاية ما يمكن استفادته من الروايات أن الشارع ألغى خصوصية الانتقال من مكان إلى مكان ، واكتفى بمجرّد وضع الرجل على الأرض ورفعها أعني المسح وهو في مكانه من غير أن ينتقل إلى مكان آخر ، وأما إلغاؤه خصوصية الأرض فلا يسعنا استفادته منها بوجه ، وعلى ذلك فلا يعتبر في مطهِّرية الأرض زوال العين بالمسح لأنه كما مرّ قائم مقام المشي وقد مر عدم اعتباره فيه.

__________________

(١) المتقدِّمة في ص ١٠١.

(٢) المتقدِّمة في ص ٩٩.

١١٢

ويشترط طهارة الأرض (١)

______________________________________________________

(١) ذهب إلى ذلك جماعة نظراً إلى أن المتنجِّس لا يكفي في تطهير مثله ، ولا سيما بملاحظة ما هو المرتكز في الأذهان من أن فاقد الشي‌ء لا يكون معطياً له ، وإلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « جُعِلَت لي الأرض مسجداً وطهوراً » (١) لأن معنى الطهور هو ما يكون طاهراً في نفسه ومطهراً لغيره. وإلى غير ذلك من الوجوه.

وعن جماعة منهم الشهيد الثاني قدس‌سره عدم الاشتراط ، بل ذكر قدس‌سره أن مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في الأرض بين الطاهرة ، وغيرها (٢) هذا.

وربما ناقش بعضهم في الاشتراط بأن الأحكام الشرعية تعبدية محضة ولا مجال فيها لإعمال المرتكزات العرفية ، فمن الجائز أن يكون النجس مطهراً لغيره بالتعبّد الشرعي. واستقراء موارد التطهير بالمياه والأحجار في الاستنجاء وغيرها مما اعتبرت فيه الطهارة لا يفيد القطع باعتبارها في كل مطهر.

والصحيح هو ما ذهب إليه الماتن وغيره من اشتراط الطهارة في مطهرية الأرض وذلك لوجهين :

أحدهما : أن العرف حسب ارتكازهم يعتبرون الطهارة في أيّ مطهر ، ولا يجوز عندهم أن يكون المطهر فاقداً للطهارة بوجه ، ولا سيما بملاحظة أن فاقد الشي‌ء لا يكون معطياً له ، ولا نرى أيّ مانع من الاستدلال بالارتكاز وإن كان قد يناقش فيه بأنه لا ارتكاز عرفي في التطهير بالأرض ، ولكنه كما ترى.

وثانيهما : صحيحة الأحول المتقدِّمة (٣) « في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً ، قال : لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك » فان قيد النظافة في المكان وإن ورد في كلام السائل دون الإمام عليه‌السلام إلاّ أنه يمكن أن يستدل بالصحيحة على اعتبار الطهارة من جهتين :

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٠ / أبواب التيمم ب ٧ ح ٢ ، ٣ ، ٤.

(٢) الروضة البهية ١ : ٦٦.

(٣) في ص ١٠٠.

١١٣

وجفافها (١) نعم الرطوبة غير المسرية غير مضرّة (*) ،

______________________________________________________

إحداهما : أن قوله عليه‌السلام « لا بأس » نفي له عما أخذه السائل في كلامه من القيود ، ومعناه أنه لا بأس بما فرضته من وطء الموضع الذي ليس بنظيف مع وطء المكان النظيف بعده ، وهذا في الحقيقة بمنزلة أخذ القيود المذكورة في كلام الإمام عليه‌السلام.

وثانيتهما : أن نفي البأس في كلامه عليه‌السلام قد علّق على ما إذا كان خمسة عشر ذراعاً ، والضمير في قوله « كان » يرجع إلى المكان النظيف أي لا بأس إذا كان المكان النظيف خمسة عشر ذراعاً. ونحن وإن ذكرنا أن التحديد بذلك من جهة أن الغالب توقف زوال العين بالمشي خمسة عشر ذراعاً ، إلاّ أن تعليقه عليه‌السلام عدم البأس على ما إذا كان المكان النظيف كذلك يرجع بحسب اللب إلى أنه لا بأس إذا كان المكان النظيف بمقدار تزول عنه العين بالمشي عليه ، فاذا لم يكن المكان النظيف بهذا المقدار انتفى المعلق عليه وهو عدم البأس لا محالة.

(١) لرواية محمد الحلبي : « أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة » (٢) ورواية المعلّى ابن خنيس : « أليس وراءه شي‌ء جاف » (٣) وهما يقتضيان اعتبار الجفاف في الأرض وعلى ذلك فالأرض الرطبة مسرية كانت أم لم تكن لا تكون مطهّرة لشي‌ء إلاّ أن تكون الرطوبة قليلة بحيث يصدق معها الجفاف ، ويصح أن يقال إن الأرض يابسة لأنها غير مضرة حينئذ.

هذا ، ولكن الروايتين ضعيفتان ، فانّ في سند إحداهما المفضل بن عمر والراوي في الثانية المعلى بن خنيس ، وهو وإن كنّا نعتمد على رواياته إلاّ أن الصحيح أن الرجل ضعيف لا يعوّل عليه ، ومعه لا يمكن الاستدلال بهما على اعتبار الجفاف في الأرض فلا مانع على ذلك من الالتزام بمطهّرية الأرض الندية بمقتضى الإطلاقات. نعم إذا‌

__________________

(*) إذا صدق معها الجفاف واليبوسة.

(١) المتقدِّمة في ص ١٠١.

(٢) المتقدِّمة في ص ٩٩.

١١٤

ويلحق بباطن القدم والنعل حواشيهما بالمقدار المتعارف ممّا يلتزق بها من الطين والتراب حال المشي (١) وفي إلحاق ظاهر القدم أو النعل بباطنهما إذا كان يمشي بهما ، لاعوجاج في رجله وجه قوي وإن كان لا يخلو عن إشكال (٢) ، كما أن إلحاق الرّكبتين واليدين بالنسبة إلى مَن يمشي عليهما أيضاً مشكل (٣) وكذا نعل الدابة‌

______________________________________________________

كانت رطبة على نحو تسري رطوبتها إلى الرجل لم يكن المشي عليها مطهراً ، لأنه كل ما يصل من الرطوبة إلى المحل النجس فهو ينجس بالملاقاة فلا بد من زواله في حصول طهارته. ولعله إلى ذلك ينظر ما ذكره الماتن بقوله : « نعم ، الرطوبة غير المسرية غير مضرة ».

(١) دون الزائد عن المقدار المتعارف وذلك لإطلاق الروايات ، بداهة أن إصابة الأرض أو نجاستها لباطن الرجل أو النعل بخصوصه من دون أن تصيب شيئاً من حواشيهما بالمقدار المتعارف مما يلتزق بهما حال المشي ، قليلة الاتفاق بل لا تحقق لها عادة.

(٢) والوجه في القوة هو أن في مفروض المسألة يصدق وطء الأرض والعذرة والمشي على الأرض وغير ذلك من العناوين المأخوذة في لسان الأخبار ، لأن الوطء هو وضع القدم على الأرض من دون أن تؤخذ فيه خصوصية معينة إذ الوطء في كل شخص بحسبه ، وبما أن الاعوجاج في الرجل أمر متعارف وكثيراً ما يتّفق في كل بلدة ومكان فلا يمكن دعوى انصراف الروايات عن مثله ، ومعه لا مجال للإشكال في المسألة بوجه.

(٣) وذلك لأنّ وضع اليد أو الركبة على الأرض أجنبي عن المشي بالرجل والقدم والأخبار مختصة بالمشي بهما ، وليس فيها ما يعم وضع اليد أو الركبة على الأرض. والتعليل الوارد في بعضها « إن الأرض يطهر بعضها بعضاً » أيضاً لا عموم له ، وذلك لأنّ الأخبار المشتملة على التعليل إنما وردت لبيان عدم انحصار المطهّر في الماء وللدلالة على أن الأرض أيضاً مطهرة في الجملة ، ولم ترد لبيان أنها مطهّرة على وجه العموم ، بل لا يمكن حملها عليه أي العموم لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن.

١١٥

وكعب عصا الأعرج ، وخشبة الأقطع (١) ، ولا فرق في النعل بين أقسامها من المصنوع من الجلود والقطن والخشب ونحوها مما هو متعارف (٢) وفي الجورب إشكال إلاّ إذا تعارف لبسه (*) بدلاً عن النعل (٣).

______________________________________________________

وأما صحيحة الأحول فهي وإن كانت متضمنة الوطء دون المشي ، إلاّ أنها أيضاً غير شاملة للمقام إذ الوطء هو وضع القدم على الأرض ، وأما وضع الركبة أو اليد عليها فلا يسمى وطأ بوجه وإنما يطلق عليه الوضع. فاذا لم تشمل الأخبار الواردة للركبتين واليدين بالنسبة إلى من يمشي عليهما ، كان إطلاق ما دلّ على عدم زوال النجاسة بغير الغسل بالماء محكماً في المقام.

(١) إذ لا يصدق فيها الوطء ولا المشي ، فلا تشملها الأخبار الواردة في المقام ، ولم يقم دليل على أن مجرد المماسة مطهّر في الأشياء المذكورة بخصوصها.

(٢) لإطلاق الأخبار وشمولها لكل ما يتنعل به عادة ، ولا يحتمل أن تكون لبعض الخصوصيات مدخلية في الحكم.

(٣) أشرنا في التعليقة إلى أن الجورب محل اشكال وإن تعارف لبسه بدلاً عن النعل ، والسر في ذلك : أنّ ما تعارف لبسه بعد زمانهم عليهم‌السلام غير مشمول للأخبار ، كما إذا تعارف إلصاق خشبة على باطن القدم أو تعارف لبس شي‌ء جديد وراء الأُمور المتعارفة في عصرهم عليهم‌السلام بل الروايات مختصّة بالأُمور المتعارفة هناك ، وذلك لأنّ تلك الروايات غير واردة على نحو القضية الحقيقية حتى تشمل كل ما تعارف لبسه من غير اختصاص في ذلك بعصر دون عصر ، إذ لو كان الأمر كذلك لم يكن وجه لاختصاص الروايات بالأشياء المتعارف لبسها ، بل كانت تشمل كل ما يلبسه الرجل أو غيره وإن لم يكن متعارفاً ، وهذا مما لا يلتزم به الأصحاب لعدم الخلاف عندهم في اختصاصها بالأُمور المتعارف لبسها. وهذا قرينة على أن الأخبار الواردة في المسألة إنما هي على نحو القضية الخارجية وإنها ناظرة إلى‌

__________________

(*) في فرض التعارف أيضاً لا يخلو من إشكال.

١١٦

ويكفي في حصول الطهارة زوال عين النجاسة وإن بقي أثرها من اللّون والرائحة (١) ، بل وكذا الأجزاء الصغار التي لا تتميز (٢) ، كما في الاستنجاء (*)

______________________________________________________

الأُمور المتعارفة في عصرهم عليهم‌السلام.

ثم إنّ المتعارف في تلك الأزمنة إنما كان أمرين : أحدهما : المشي حافياً. وثانيهما : المشي متنعلاً أو لابساً للخف ونحوهما ، ولم يدلنا دليل في غير الأمرين المذكورين على حصول الطهارة بالمسح أو المشي ، ولا يتعدى عنهما إلى غيرهما بوجه. والتعدِّي إلى جميع أفراد الخف والنعل إنما هو من جهة القطع بعدم اعتبار خصوصية نعل دون نعل أو خف ونحوهما ، لا أنه من جهة كون القضية حقيقية. فتعارف لبس الجورب لا يكاد أن تترتب عليه الطهارة بالمشي.

(١) لأنّ زوال الأثر بمعنى اللون والرائحة لا يعتبر في الغسل بالماء فكيف بالتطهير بالتراب ، بل اللّون والرائحة لا يزولان بالغسل المتعارف ولا بالمسح ولا المشي ولو بمقدار خمسة عشر ذراعاً ، فعلى فرض القول باعتبار زوالهما فلا مناص من المسح أو المشي إلى أن يذهب جلد القدم أو أسفل النعل أو الخف بل قد لا يرتفعان بذلك أيضاً مع أن مقتضى الإطلاقات كفاية مطلق المشي أو المسح فاعتبار الزائد على ذلك خلاف ما نطقت به الروايات. وأما ما ورد في صحيحة زرارة من قوله : « حتى يذهب أثرها » (٢) فالمتيقّن منها إرادة ذهاب العين على نحو لا يبقى منها شي‌ء يعتد به كما هو المتعارف في الاستعمالات وأما زوال اللون والرائحة فقد عرفت أنه لا دليل على اعتباره في الغسل بالماء فضلاً عن التطهير بالتراب.

(٢) وإن اعتبر زوالها في الغسل بالماء ، والوجه في عدم اعتبار زوالها في المقام وضوح أن النجس لا ينقلع بهما على وجه لا يبقى منها أجزاؤها الصغار إلاّ في الأجسام الشفافة ، لانفصال الأجزاء الصغار عنها بالمسح ، ومع ذلك حكموا ( عليهم‌

__________________

(*) الأولى أن يشبّه المقام بأحجار الاستنجاء ، ولعل السهو من القلم أو أنه من غلط النسخة.

(١) المتقدِّمة في ص ٩٩.

١١٧

بالأحجار (١) لكن الأحوط اعتبار زوالها ، كما أن الأحوط زوال الأجزاء الأرضية اللاّصقة بالنعل والقدم وإن كان لا يبعد طهارتها أيضاً (٢).

[٣٤٩] مسألة ١ : إذا سرت النجاسة إلى داخل النعل لا تطهر بالمشي (٣) بل‌

______________________________________________________

السلام ) بكفاية المسح والمشي في التطهير ، وعليه فمقتضى إطلاقات الأخبار عدم اعتبار زوال الأجزاء الصغار في التطهير بهما.

(١) وفي بعض النسخ ولعله الأكثر « كما في ماء الاستنجاء » والظاهر أنه من سهو القلم ، والصحيح أن يشبّه المقام بأحجار الاستنجاء على ما أشرنا إليه في التعليقة كما في بعض النسخ ، لأن كلامنا إنما هو في أن المتنجِّس لا يعتبر في تطهيره بالمسح أو المشي زوال الأجزاء الصغار ، وأحجار الاستنجاء أيضاً كذلك لأنها غير قالعة للأجزاء الصغار عن المحل مع كونها كافية في التطهير ، وليس الكلام فيما يتطهر به وأن وجود الأجزاء الصغار غير مانع عن حصول الطهارة به فلا تغفل.

(٢) لم يرد بذلك بيان أن الأجزاء الأرضية اللاّصقة بباطن القدم والنعل من التراب وغيره طاهرة ، حتى يستدل عليها بالدلالة الالتزامية ويقال إن الدليل القائم على الطهارة بالمسح يدل بالدلالة الالتزامية على طهارة الأجزاء المتخلفة من الأرض في باطن النعل أو القدم ، والوجه في عدم إرادة ذلك أنّ طهارة الأجزاء الأرضية الملاصقة بباطن القدم مثلاً مقطوع بها ، لما قدّمناه من أن المطهّر لا بدّ من أن يكون طاهراً في نفسه ، ومعه إذا كانت الأرض مطهرة فلا مناص من أن تكون أجزاؤها أيضاً طاهرة.

بل المراد به أن الملاصق بالنعل أو القدم من التراب المتعارف ملاصقته في المشي على الأرض إذا تنجس كنفس الرجل أو القدم وطهرناهما بعد ذلك بالمسح أو المشي طهرت الأجزاء الملاصقة أيضاً بالتبع وذلك لإطلاق الأخبار ، فإن المشي من دون أن يلتصق شي‌ء من الأجزاء الترابية بباطن الرجل أو القدم لا يكاد أن يتحقق خارجاً اللهمّ إلاّ أن تكون الأرض حجرية من دون أن يكون فيها شي‌ء من التراب.

(٣) لأن ظاهر قوله في صحيحة الأحول : « في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس‌

١١٨

في طهارة باطن جلدها إذا نفذت فيه إشكال وإن قيل بطهارته بالتبع.

[٣٥٠] مسألة ٢ : في طهارة ما بين أصابع الرجل إشكال (*) (١)

______________________________________________________

بنظيف ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً ... » وغيرها من الأخبار الواردة في طهارة الرجل أو القدم بالمسح أو المشي ، إنما هو تنجس السطح الخارج من النعل أو القدم بالعذرة أو بالبلل المتنجِّس بملاقاة الخنزير أو بغيرهما ، وأن ذلك السطح الخارج يطهر بالمسح أو المشي ، وأمّا طهارة داخلهما أو جوفهما فلا يستفاد من الأخبار الواردة في المسألة ولم يقم عليها دليل آخر ، فان التطهير بالأرض لا يزيد على التطهير بالماء فكما أن في غسل السطح الظاهر بالماء لا يمكن الحكم بطهارة الجوف والداخل فليكن الحال في التطهير بالأرض أيضاً كذلك.

(١) لأن النصوص الواردة في المقام كما عرفت إنما تدل على طهارة السطح الظاهر من القدم أو النعل بالمسح أو المشي ، وأمّا طهارة مثل ما بين الأصابع الخارج عن سطح القدم أو النعل فلا يمكن أن تستفاد منها بوجه.

نعم ، ورد في صحيحة زرارة : « رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها أينقض ذلك وضوءه؟ وهل يجب عليه غسلها؟ فقال : لا يغسلها إلاّ أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلِّي » (٢) ومقتضاها طهارة ما بين الأصابع أيضاً بالمسح لأن الغالب مع السوخ وصول العذرة إلى ما بين الأصابع بل الأمر دائماً كذلك ، ومع هذا حكم عليه‌السلام بطهارة الرجل بالمسح فيستفاد منها أن المسح فيما بين الأصابع أيضاً مطهر.

بل يدلّنا هذا على كفاية المسح بالأجزاء المنفصلة من الأرض فيما يتعذر مسحه بالأجزاء المتصلة منها كما بين الأصابع ، فإن المتيسر في مثله أن يؤخذ حجر أو مدر من الأرض ويمسح به ما بين الأصابع ، فإطلاق قوله عليه‌السلام « يمسحها » يقتضي‌

__________________

(*) لا ينبغي الإشكال فيما تعارف تنجسه بالمشي فيطهر بزوال العين به أو بالمسح.

(١) المتقدِّمة في ص ٩٩.

١١٩

وأمّا أخمص القدم فان وصل إلى الأرض يطهر ، وإلاّ فلا فاللازم وصول تمام الأجزاء النجسة إلى الأرض ، فلو كان تمام باطن القدم نجساً ومشى على بعضه لا يطهر الجميع ، بل خصوص ما وصل إلى الأرض (١).

[٣٥١] مسألة ٣ : الظاهر كفاية المسح على الحائط ، وإن كان لا يخلو عن إشكال (٢).

______________________________________________________

كفاية المسح بتلك الكيفية أيضاً وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم (١). ومع ذلك فقد منعنا عن كفاية المسح بالأجزاء المنفصلة في مثل سطح الرجل أو النعل وغيرهما مما يمكن أن يمسح بالأجزاء المتصلة من الأرض بسهولة.

(١) لأنّ الأخبار الواردة في المقام دلت على طهارة الموضع الذي يمس الأرض بالمشي أو المسح دون المواضع التي لا تمسّها ، ومن هنا لو تنجّست رجله فمشى على أصابعه لم يحكم بطهارة غير الأصابع منها. ويوضحه : أن التطهير بالأرض لا يكون أقوى من التطهير بالماء ، ولم يختلف اثنان في أن الغسل بالماء لا يطهر سوى الموضع المغسول به فكيف تكون الأرض مطهرة للمواضع التي لا تمسها. فأخمص القدم لا تطهر إلاّ بالمسح أو المشي على الأراضي غير المسطحة حتى تصل إلى الأرض وتمسّها.

(٢) لا منشأ للاستشكال في كفاية المسح على الحائط ، لأنه من الأجزاء الأرضية وغاية ما هناك أنها أجزاء مرتفعة عن الأرض بالجعل ، ولكن الارتفاع بالجعل كالارتفاع الأصلي في الجبال غير مانع عن كفاية المسح بوجه ، هذا.

بل لا مجال للتوقّف في المسألة حتى بناء على اشتراط الاتصال ، وذلك لوضوح اتصال الحائط بالأرض ، فإذا مسح رجله على الحائط صدق أنه مسح رجله على الأرض ، فما ربما يتوهم من انصراف الأدلّة عنه مما لا وجه له.

__________________

(١) في ص ١٠٩.

١٢٠