موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

أهل الذمّة والمجوس ، فقال : لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر » (١) وهذه الرواية صحيحة سنداً إلاّ أنها قاصرة الدلالة على المدعى فان دلالتها على طهارة أهل الكتاب أظهر من دلالتها على نجاستهم ، وذلك لأنّ الحكم بنجاستهم يستلزم الحكم بالتجنب عن جميع الأواني المضافة إليهم حتى الآنية التي يشربون فيها الماء ، ولا وجه معه لتقييد الآنية بما يشربون فيه الخمر ولا لتقييد طعامهم بما يطبخونه ، فمن تقييد الآنية والطعام بما عرفت يظهر عدم نجاسة أهل الكتاب. والنهي عن الأكل في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر مستند إلى نجاسة الآنية بملاقاتها الخمر ، وأما النهي عن أكل طعامهم المطبوخ فيحتمل فيه وجهان :

أحدهما : أن أهل الكتاب يأكلون لحم الخنزير وشحمه والمطبوخ من الطعام لا يخلو عن اللحم والشحم عادة ، فطعامهم المطبوخ لا يعرى عن لحم الخنزير وشحمه.

وثانيهما : أن آنيتهم من قدر وغيره يتنجس بمثل طبخ لحم الخنزير أو وضع شي‌ء آخر من النجاسات فيها لعدم اجتنابهم عن النجاسات ، ومن الظاهر أنها بعد ما تنجست لا يرد عليها غسل مطهر على الوجه الشرعي لأنهم في تنظيفها يكتفون بمجرد إزالة قذارتها وهي لا تكفي في طهارتها شرعاً ، وعليه يتنجس ما طبخ فيها بملاقاتها ومن هنا نهى عليه‌السلام عن أكل طعامهم الذي يطبخونه. ويمكن أن يكون هناك وجه آخر لنهيه عليه‌السلام ونحن لا ندركه.

ومنها : حسنة الكاهلي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسي أيدعونه إلى طعامهم؟ فقال : أما أنا فلا أؤاكل المجوسي ، وأكره أن أحرّم عليكم شيئاً تصنعون في بلادكم » (٢) ولا يخفى عدم دلالتها على نجاسة المجوس ، وهو عليه‌السلام إنما ترك المؤاكلة معه لعلوّ مقامه ، وعدم‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥١٨ / أبواب النجاسات ب ٧٢ ح ٢ ، وص ٤١٩ ب ١٤ ح ١ ، وكذا في ٢٤ : ٢١٠ / أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٤١٩ / أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٢.

٤١

مناسبة الاشتراك مع المعاند لشريعة الإسلام لإمام المسلمين فتركه المؤاكلة من جهة الكراهة والتنزه.

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل صافح رجلاً مجوسياً ، فقال : يغسل يده ولا يتوضأ » (١) بدعوى أن الأمر بغسل اليد ظاهر في نجاسة المجوسي ، إلاّ أنّ الصحيح عدم دلالتها على المدعى ، فانّ الرواية لا بد فيها من أحد أمرين :

أحدهما : تقييد المصافحة بما إذا كانت يد المجوسي رطبة ، لوضوح أنّ ملاقاة اليابس غير مؤثرة في نجاسة ملاقية لقوله عليه‌السلام : « كل شي‌ء يابس زكي » (٢).

وثانيهما : حمل الأمر بغسل اليد على الاستحباب من دون تقييد إطلاق المصافحة بحالة الرطوبة ، كما التزم بذلك بعضهم وذهب إلى استحباب غسل اليد بعد مصافحة أهل الكتاب ، ولا أولوية للأمر الأول على الثاني بل الأمر بالعكس بقرينة ما ورد في رواية القلانسي قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ألقى الذمي فيصافحني ، قال : امسحها بالتراب وبالحائط ، قلت : فالناصب؟ قال : اغسلها » (٣) ولعلّ ذلك إشارة إلى انحطاط أهل الكتاب أو من جهة التنزه عن النجاسة المعنوية أو النجاسة الظاهرية المتوهمة. هذا على أن الغالب في المصافحات يبوسة اليد فحمل الرواية على صورة رطوبتها حمل لها على مورد نادر ، فلا مناص من حملها على الاستحباب بهاتين القرينتين.

ومنها : ما رواه أبو بصير عن أحدهما عليهما‌السلام « في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني ، قال : من وراء الثوب ، فان صافحك بيده فاغسل يدك » (٤) ودلالتها على استحباب غسل اليد بعد مصافحة أهل الكتاب أظهر من سابقتها ، لأن الأمر بغسل يده لو كان مستنداً إلى نجاستهم لم يكن وجه للأمر بمصافحتهم من وراء‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤١٩ / أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ١ : ٣٥١ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣١ ح ٥.

(٣) ، (٤) الوسائل ٣ : ٤٢٠ / أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٥.

٤٢

الثياب ، وذلك لاستلزامها نجاسة الثياب فيلزمه عليه‌السلام الأمر بغسل الثياب إذا كانت المصافحة من ورائها وبغسل اليد إذا كانت لا من ورائها.

ومنها : ما عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة ، وأرقد معه على فراش واحد ، وأصافحه ، قال : لا » (١) ونظيرها رواية هارون بن خارجة قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أُخالط المجوس فآكل من طعامهم؟ فقال : لا » (٢) ولا دلالة فيهما على نجاسة المجوس إذ لم تفرض الرطوبة في شي‌ء من الروايتين ، ولا بد من حمل النهي عن المؤاكلة والمراقدة معهم على التنزه لئلاّ يخالطهم المسلمون ، لوضوح أن الرقود معهم على فراش واحد لا يقتضي نجاسة لباس المسلم أو بدنه حيث لا رطوبة في البين ، وكذا الأكل معهم في قصعة واحدة لعدم انحصار الطعام بالرطب.

ومنها : صحيحة أُخرى لعلي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام « عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام؟ قال : إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام ، إلاّ أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل » الحديث (٣) وهي صحيحة سنداً ودلالتها أيضاً لا بأس بها ، لأنّ الأمر باغتساله بغير ماء الحمام لو كان مستنداً إلى تنجس بدن النصراني بشي‌ء من المني أو غيره كما قد يتفق لم يكن هذا مخصوصاً به لأن بدن المسلم أيضاً قد يتنجس بملاقاة شي‌ء من الأعيان النجسة فما وجه تخصيصه النصراني بالذكر ، فمن هنا يظهر أن أمره عليه‌السلام هذا مستند إلى نجاسة النصراني ذاتاً.

ومنها : ما ورد في ذيل الصحيحة المتقدمة من قوله : « سألته عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة؟ قال : لا إلاّ أن يضطر إليه » وعن الشيخ أنه حمل الاضطرار على التقيّة (٤) وأنه لا مانع من التوضؤ بالماء المذكور تقية.

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ٣ : ٤٢٠ / أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٩.

(٤) نقل عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٤٩ ، باب النجاسات باب نجاسة الكافر السطر ٢.

٤٣

ولا يخفى بعده لأنه خلاف ظاهر الرواية ، بل الصحيح أنه بمعنى عدم التمكن من ماء آخر غير ما باشره اليهودي أو النصراني ، ومعنى الرواية حينئذ أنه إذا وجد ماء غيره فلا يتوضأ مما باشره أهل الكتاب وأما إذا انحصر الماء به ولم يتمكن من غيره فلا مانع من أن يتوضأ مما باشره أهل الكتاب ، وعلى هذا فلا دلالة لها على نجاستهم وإلاّ لم يفرق الحال في تنجس الماء وعدم جواز التوضؤ به بين صورتي الاضطرار وعدمه فلا يستفاد منها غير استحباب التجنب عما باشره أهل الكتاب.

ومنها : صحيحة ثالثة له عن أخيه عليه‌السلام قال : « سألته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه؟ قال : لا بأس ، ولا يصلِّى في ثيابهما ، وقال : لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة ، ولا يقعده على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه ، قال : وسألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس لا يدري لمن كان هل تصلح الصلاة فيه؟ قال : إن اشتراه من مسلم فليصل فيه ، وإن اشتراه من نصراني فلا يصلِّي فيه حتى يغسله » (١) ولا دلالة لها أيضاً على نجاسة أهل الكتاب حيث لم تفرض الرطوبة فيما لاقاه المجوسي أو النصراني ، على أن الصلاة في الثوب المستعار أو المأخوذ من أهل الكتاب صحيحة على ما يأتي عن قريب ، ومعه تنزل الرواية على كراهة الأُمور المذكورة فيها.

هذا تمام الكلام في الأخبار المستدل بها على نجاسة أهل الكتاب وقد عرفت المناقشة في أكثرها ، ولكن في دلالة بعضها على المدعى غنى وكفاية بحيث لو كنّا وهذه الأخبار لقلنا بنجاسة أهل الكتاب لا محالة.

إلاّ أن في قبالها عدة روايات معتبرة فيها صحاح وغير صحاح دلت بصراحتها على طهارتهم وإليك نصها :

فمنها : صحيحة العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مؤاكلة اليهود والنصراني والمجوسي ، فقال : إذا كان من طعامك وتوضأ فلا بأس » (٢)

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٢١ / أبواب النجاسات ب ١٤ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٩٧ أبواب النجاسات ب ٥٤ ح ١ ، وكذا في ٢٤ : ٢٠٨ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٣ ح ١.

٤٤

ومفهومها عدم جواز مؤاكلتهم إذا كان من طعامهم أو لم يتوضؤوا ، ومن ذلك يظهر أنّ المنع حينئذ مستند إلى نجاسة طعامهم أو نجاسة أبدانهم العرضية الحاصلة من ملاقاة شي‌ء من الأعيان النجسة كلحم الخنزير وغيره ، إذ الطعام في كلامه عليه‌السلام لا يمكن أن يراد به الجامد منه كالتمر والخبز ونحوهما لأن كل يابس زكي ، وإنما أُريد منه الرطب وهو الطعام المطبوخ غالباً ، وقد تقدّم النهي عن أكل طعامهم المطبوخ في بعض الأخبار ووجّهناه بأحد وجهين فراجع. وكيف كان ، فالصحيحة بصراحتها دلت على طهارة أهل الكتاب بالذات وجواز المؤاكلة معهم في طعام المسلمين إذا توضؤوا إذ لولا طهارتهم لم يكن وجه لجواز مؤاكلتهم سواء توضؤوا أم لم يتوضؤوا ، وعليه فيكون المنع عن المؤاكلة من طعامهم مستنداً إلى نجاستهم العرضية لا محالة.

ومنها : ما رواه زكريا بن إبراهيم قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت : إني رجل من أهل الكتاب وإني أسلمت وبقي أهلي كلهم على النصرانية وأنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم بعد فآكل من طعامهم؟ فقال لي : يأكلون الخنزير؟ فقلت : لا ، ولكنهم يشربون الخمر ، فقال لي : كل معهم واشرب » (١) وهي صريحة الدلالة على طهارتهم بالذات وأن المانع عن مؤاكلتهم ليس إلاّ ابتلاءهم بالنجاسة العرضية الناشئة من أكل لحم الخنزير وغيره ، فاذا لم يأكلوه فلا مانع عن مؤاكلتهم وأما ابتلاؤهم بشرب الخمر فعدم منعه عن المؤاكلة فلعله من جهة أن السائل لم يكن يبتلي بالآنية التي يشربون فيها الخمر ، وأن شارب الخمر لا ينجس في الغالب غير شفتيه وهما تغسلان كل يوم ولا أقل من مرة واحدة فترتفع نجاستهما فلا يكون ابتلاؤهم بشرب الخمر مانعاً من مؤاكلتهم ، أو أن هذه الرواية كغيرها من الأخبار الدالة على طهارة الخمر فلا بد من طرحها أو تأويلها من هذه الجهة بما دلّ على نجاسة الخمر.

ومنها : صحيحة إسماعيل بن جابر قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال : لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال : لا تأكله ثم سكت‌

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ٢١١ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ٥.

٤٥

هنيئة ثم قال : لا تأكله ، ولا تتركه تقول إنّه حرام ولكن تتركه تتنزه عنه ، إن في آنيتهم الخمر ، ولحم الخنزير » (١) ودلالتها على طهارة أهل الكتاب وكراهة مؤاكلتهم ظاهرة.

ومنها : ما رواه عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنه يهودي؟ فقال : نعم فقلت : من ذلك الماء الذي يشرب منه؟ قال : نعم » (٢) ودلالتها على المدعى واضحة ، إذ لولا طهارتهم لتنجس ماء الكوز والإناء بشربهم ولم يجز منه الوضوء.

ومنها : صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال « قلت للرضا عليه‌السلام : الخياط أو القصّار يكون يهودياً أو نصرانياً وأنت تعلم أنه يبول ولا يتوضأ ما تقول في عمله؟ قال : لا بأس » (٣) وهذه الرواية وإن أمكن حملها بالإضافة إلى الخياط على صورة عدم العلم بملاقاة يده الثوب رطباً إلاّ أنّها بالإضافة إلى القصّار مما لا يجري فيه هذا الاحتمال لأنه يغسل الثوب بيده ، وحيث إنه عليه‌السلام نفى البأس عن عمله فتستفاد منه طهارة أهل الكتاب وعدم تنجس الثوب بملاقاتهم رطباً.

ومنها : صحيحته الثانية « قلت للرضا عليه‌السلام : الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة ، قال : لا بأس ، تغسل يديها » (٤) وهي كالصريح في المدعى ، وذلك لأن السؤال في تلك الرواية يحتمل أن يكون قضية خارجية بأن كانت عنده عليه‌السلام جارية نصرانية تخدمه وقد سأله الراوي عن حكم استخدامها ، وعليه فيكون قوله عليه‌السلام : « لا بأس تغسل يديها » جملة خبرية ، ومعناها عدم البأس بخدمتها لطهارة يديها وارتفاع نجاستها العرضية بالغسل. ولكن يبعّد هذا الاحتمال أن السائل من كبراء الرواة ولا يكاد يحتمل في حقه أن يسأله عليه‌السلام عن فعله ، فان اعتبار فعل الإمام كاعتبار قوله‌

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ٢١٠ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ٤.

(٢) الوسائل ١ : ٢٢٩ / أبواب الأسآر ب ٣ ح ٣.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨٥ ح ١١٤٢ وعنه في الوافي ٦ : ٢٠٩ ح ٢٥.

(٤) الوسائل ٣ : ٤٢٢ / أبواب النجاسات ب ١٤ ح ١١.

٤٦

مما لا يخفى على مثله ، فهل يحتمل في حقّه أن يسأله عليه‌السلام عن حكم استخدام الجارية النصرانية بعد قوله : يجوز استخدام الجارية النصرانية ، فكذلك الحال بعد فعله عليه‌السلام.

ويحتمل أن يكون السؤال فيها على نحو القضية الحقيقية كما هو الأظهر ، لأنّ السؤال يقع على أنحاء مختلفة فتارة يسأل عن الغائب بقوله : الرجل يفعل كذا ، وأُخرى يفرض السائل نفسه مبتلى بالواقعة من غير أن يكون مبتلى بها حقيقة كقوله : إنِّي أُصلِّي وأشك في كذا وكذا ، وثالثة : يفرض المسئول عنه مبتلى بالواقعة كقوله : إذا صلّيت وشككت في كذا ، كل ذلك على سبيل الفرض والتقدير وعليه فقوله عليه‌السلام « تغسل يديها » جملة إنشائية وتدل على وجوب غسل اليد على الجارية ، وعلى كلا التقديرين الرواية تدل على طهارة أهل الكتاب وأنه لا مانع من استخدامهم إلاّ نجاستهم العرضية المرتفعة بالغسل.

ومنها : ما ورد في ذيل صحيحة على بن جعفر المتقدِّمة (١) حينما سأل أخاه عليه‌السلام عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء من قوله : « لا إلاّ أن يضطر إليه » فإن حمل الاضطرار في الرواية على التقيّة كما عن الشيخ (٢) قدس‌سره بعيد ، وقد قدّمنا أنه بمعنى عدم وجدان ماء غيره ، وبذلك تكون الرواية ظاهرة في طهارة اليهود والنصارى وعدم نجاسة الماء بملاقاتهما وإلاّ لم يفرق الحال بين صورتي وجدان ماء آخر وعدمه. ومنها غير ذلك من الأخبار التي يستفاد منها طهارة أهل الكتاب ، وهي كما عرفت تامة سنداً وصريحة دلالة وبعد ذلك لا بد من ملاحظة المعارضة بينها وبين الأخبار الواردة في نجاستهم فنقول :

مقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين حمل أخبار النجاسة على الكراهة ، لأنّ الطائفة الثانية صريحة أو كالصريحة في طهارتهم والطائفة الاولى ظاهرة في نجاسة أهل الكتاب ، لأنّ العمدة في تلك الطائفة موثقة سعيد الأعرج أو حسنته المشتملة على‌

__________________

(١) في ص ٤٣.

(٢) نقل عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٤٩ ، باب النجاسات باب نجاسة الكافر السطر ٢.

٤٧

قوله عليه‌السلام « لا » وصحيحة علي بن جعفر المتضمنة لقوله عليه‌السلام « فيغسله ثم يغتسل » وهما كما ترى ظاهرتان في النجاسة وقابلتان للحمل على الاستحباب والكراهة ، وأما الطائفة الثانية التي منها صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة فهي كالصريح في أن النهي عن مؤاكلة أهل الكتاب تنزيهي وليست بحرام فتدل على طهارتهم بالصراحة ، ومعه لا مناص من رفع اليد عن ظاهر الطائفة الأُولى بصراحة الثانية كما جرى على ذلك ديدن الفقهاء قدس‌سرهم في جميع الأبواب الفقهية عند تعارض النص والظاهر.

ومن هنا ذهب صاحب المدارك (١) والسبزواري (٢) قدس‌سرهما إلى ذلك ، وحملا الطائفة الأُولى على الكراهة واستحباب التنزه ، إلاّ أن معظم الأصحاب لم يرتضوا بهذا الجمع بل طرحوا أخبار الطهارة على كثرتها وعملوا على طبق الطائفة الثانية ، والمستند لهم في ذلك على ما في الحدائق (٣) أمران :

أحدهما : دعوى أن أخبار الطهارة مخالفة للكتاب لقوله عزّ من قائل ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ... ) (٤) وأخبار النجاسة موافقة له ، وقد بينا في محلّه انّ موافقة الكتاب من المرجحات. ويدفعه : ما تقدمت الإشارة إليه سابقاً من منع دلالة الآية المباركة على نجاسة المشركين فضلاً عن نجاسة أهل الكتاب ، وقد بينا الوجه في ذلك بما لا مزيد عليه ، فراجع.

وثانيهما : أنّ أخبار النجاسة مخالفة للعامة لأن معظم المخالفين لولا كلّهم يعتقدون طهارة أهل الكتاب (٥) وقد ورد في روايات أئمتنا عليهم‌السلام الأمر بأخذ ما يخالف مذهب المخالفين من المتعارضين (٦) ومقتضى ذلك الأخذ بما دلّ على نجاسة‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٩٤ ٢٩٨.

(٢) ذخيرة المعاد : ١٥٠.

(٣) الحدائق ٥ : ١٦٢ ١٧٢.

(٤) التوبة ٩ : ٢٨.

(٥) قدّمنا شطراً من كلماتهم في هذه المسألة في ص ٣٧ ، فليراجع.

(٦) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١ ، ١٩ ، ٢٥ ، وغيرها.

٤٨

أهل الكتاب وحمل أخبار الطهارة على التقية. ولقد تعجب في الحدائق من صاحب المدارك والسبزواري قدس‌سرهما وحمل عليهما حملة شديدة وذكر في ضمن ما ذكره استنكاراً عليهما ما هذا نصه :

فعدولهم عما مهّده أئمتهم إلى ما أحدثوه بعقولهم حمل الظاهر على النص واتخذوه قاعدة كلية في جميع أبواب الفقه بآرائهم من غير دليل عليه من سنة ولا كتاب جرأة واضحة لذوي الألباب ، وليت شعري لمن وضع الأئمة عليهم‌السلام هذه القواعد المستفيضة إلى أن قال : وهل وضعت لغير هذه الشريعة أو أن المخاطب بها غير العلماء الشيعة ما هذا إلاّ عجب عجاب من هؤلاء الفضلاء الأطياب انتهى (١).

ولا يخفى أن رواياتنا وإن تضمنت الأمر بعرض الأخبار الواردة على مذهب المخالفين والأخذ بما يخالفه ، إلاّ أنه يختص بصورة المعارضة ، وأين التعارض بين قوله عليه‌السلام « لا » في أخبار النجاسة وبين تصريحه عليه‌السلام بالكراهة والتنزيه في نصوص الطهارة؟ فهل ترى من نفسك أنهما متعارضان؟ فإذا لم تكن هناك معارضة فلما ذا تطرح نصوص الطهارة على كثرتها؟ ولم يعرض صاحب المدارك والسبزواري ومن حذى حذوهما عن قول أئمتهم وإنما لم يعملوا بأخبار النجاسة لعدم معارضتها مع الطائفة الدالة على الطهارة كما عرفت ، وحمل الظاهر على النص أمر دارج عند الفقهاء وعنده ( قدس الله أسرارهم ) في جميع أبواب الفقه. وليت شعري ماذا كان يصنع صاحب الحدائق قدس‌سره في كتابه لولا ذلك في موارد حمل الظاهر على النص على كثرتها.

هذا كلّه على أن حمل أخبار الطهارة على تضافرها على التقيّة بعيد في نفسه وذلك لأن التقية إما أن تكون في مقام حكمه عليه‌السلام بجواز مؤاكلة أهل الكتاب وإما أن تكون في مقام العمل بأن يكون مرادهم عليهم‌السلام معاملة السائلين وغيرهم معاملة الطهارة مع أهل الكتاب ، وكلاهما بعيد غايته. أما حملها على التقية في‌

__________________

(١) الحدائق ٥ : ١٧٣.

٤٩

مقام الحكم فلبعد أن يكون عندهم عليهم‌السلام في جميع محافلهم في هذه الأخبار على كثرتها من يتّقون لأجله ويخافون منه في حكمهم بنجاسة أهل الكتاب. وأما حملها على التقيّة في مقام العمل فلأنه أبعد ، إذ كيف يأمر الإمام عليه‌السلام بمعاملة الطهارة معهم بمخالطتهم ومساورتهم ومؤاكلتهم من غير أن يأمرهم بغسل أيديهم وألبستهم بعد المراجعة إلى منازلهم وتمكنهم من العمل على طبق الحكم الواقعي لئلاّ يبطل وضوؤهم وصلاتهم وغيرهما من أعمالهم المتوقفة على الطهور.

وعلى الجملة أن القاعدة تقتضي العمل بأخبار الطهارة وحمل أخبار النجاسة على الكراهة واستحباب التنزه عنهم ، كما أن في نفس الأخبار الواردة في المقام دلالة واضحة على ارتكاز طهارة أهل الكتاب في أذهان المتشرعة في زمانهم عليهم‌السلام وإنما كانوا يسألونهم عن حكم مؤاكلتهم أو غيرها لأنهم مظنة النجاسة العرضية ، فمن هذه الأخبار صحيحتا إبراهيم بن أبي محمود المتقدِّمتان (١) المشتملتان على قوله : « وأنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة » وقوله : « وأنت تعلم أنه يبول ولا يتوضأ » لأن أهل الكتاب لو لم تكن طهارتهم مرتكزة في أذهان المتشرعة لم يكن حاجة إلى إضافة الجملتين المتقدمتين في السؤال ، لأن نجاستهم الذاتية تكفي في السؤال عن حكم استخدامهم وعملهم من غير حاجة إلى إضافة ابتلائهم بالنجاسة العرضية.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمّار قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث « إجناب » وهم يشربون الخمر ، قال : نعم ... » الحديث (٢) فإنّ إضافة قوله : « وهم إجناب وهم يشربون الخمر » شاهدة على ارتكاز طهارتهم في ذهن السائل وإنما سأله عما يعملونه لكونهم مظنة للنجاسة العرضية وإلاّ لم تكن حاجة إلى إضافته كما هو واضح. نعم ، في بعض النسخ « وهم أخباث » إلاّ أنه غلط ولا يناسبه قوله « وهم يشربون الخمر » بخلاف الجنابة بجامع‌

__________________

(١) في ص ٤٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٥١٨ / أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ١.

٥٠

النجاسة العرضية كما لعله ظاهر.

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : « سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر : إنِّي أُعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ثم يرده عليَّ ، فأغسله قبل أن أُصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجّسه ، فلا بأس أن تصلِّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه » (١) ولو لا ارتكاز طهارة الذمي في ذهن السائل لم يزد على سؤاله : وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ، بل ناسب أن يقول : ولعلّه عرق بدنه أو لاقته يده وهي رطبة.

ومنها : ما عن الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه كتب إلى صاحب الزمان ( عجل الله فرجه الشريف ) « عندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة وينسجون لنا ثياباً ، فهل تجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل؟ فكتب إليه في الجواب : لا بأس بالصلاة فيها » (٢).

ومنها : ما عن أبي جميلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه سأله عن ثوب المجوسي ألبسه وأُصلي فيه؟ قال : نعم ، قلت : يشربون الخمر؟ قال : نعم ، نحن نشتري الثياب السابرية فنلبسها ولا نغسلها » (٣). وتقريب الاستدلال بها قد ظهر مما قدمناه في الأخبار المتقدمة. وبذلك ظهر أن طهارة أهل الكتاب كانت ارتكازية عند الرواة إلى آخر عصر الأئمة عليهم‌السلام وإنما كانوا يسألونهم عما يعمله أهل الكتاب أو يساوره من أجل كونهم مظنة النجاسة العرضية ، ومن هنا يشكل الإفتاء على طبق أخبار النجاسة إلاّ أن الحكم على طبق روايات الطهارة أشكل ، لأن معظم الأصحاب من المتقدِّمين والمتأخِّرين على نجاسة أهل الكتاب ، فالاحتياط اللزومي مما لا مناص عنه في المقام.

ثم إنّه إذا بنينا على نجاسة أهل الكتاب بمقتضى الأخبار المتقدمة وتسالم الأصحاب‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥٢١ / أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ١.

(٢) ، (٣) الوسائل ٣ : ٥٢٠ / أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ٧.

٥١

حتى المرتد بقسميه واليهود والنصارى والمجوس (١) ، وكذا رطوباته وأجزاؤه سواء كانت مما تحله الحياة أو لا (*)

______________________________________________________

فهي إنما تختص باليهود والنصارى والمجوس ، ويحتاج الحكم بالنجاسة في بقية أصناف الكفّار كمنكر الضروري من المسلمين إلى دليل وهو مفقود. وأما المرتد فان صدق عليه أحد عناوين أهل الكتاب كما إذا ارتد بتنصره أو بتهوده أو بتمجسه فحكمه حكمهم ، فإذا قلنا بنجاستهم فلا مناص من الحكم بنجاسته لأنه يهودي أو نصراني أو مجوسي بلا فرق في ذلك بين كونه مسلماً من الابتداء وبين كونه كافراً ثم أسلم ، وأما إذا لم يصدق عليه شي‌ء من عناوين أهل الكتاب فهو وإن كان محكوماً بالكفر لا محالة إلاّ أن الحكم بنجاسته ما لم يكن مشركاً أو منكراً للصانع يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، فإنّ الأدلة المتقدِّمة على تقدير تماميتها مختصّة بأهل الكتاب والمفروض عدم كونه منهم ، ومع ذلك فلا بدّ من الاحتياط لذهاب المشهور إلى نجاسة الكافر على الإطلاق.

(١) إذا بنينا على نجاسة أهل الكتاب أو غيرهم من الفرق المحكومة بكفرهم فهل نلحقهم في ذلك بالميتة فنفصّل بين ما تحلها الحياة من أجزائهم وبين ما لا تحلها الحياة بالحكم بنجاسة الأُولى دون الثانية ، أو نلحقهم بالكلب والخنزير فنحكم بنجاسة جميع أجزائهم حتى ما لا تحلّه الحياة؟ الظاهر هو الأوّل وذلك لقصور ما يقتضي نجاستهم ، لأنا لو سلمنا دلالة الأخبار المتقدمة على نجاسة أهل الكتاب فإنما استفدناها من دلالة تلك الأخبار على نجاسة أسآرهم ولا يستكشف بذلك إلاّ نجاسة خصوص الجزء الملاقي منهم للطعام أو الشراب ، وبما أنّا نستعهد في الشريعة المقدسة الحكم بنجاسة بعض الأعيان وطهارة بعضها كما هو الحال في الميتة من الحيوانات الطاهرة فنحتمل أن يكون الكافر أيضاً من هذا القبيل ، ومعه لا يمكننا الحكم بنجاسة أجزائه التي لا تحلّها الحياة ، ولم يرد في شي‌ء من الأدلة نجاسة اليهودي مثلاً‌

__________________

(١) الحكم بنجاسة أهل الكتاب مبني على الاحتياط ، وكذا الحال في المرتد إذا لم يدخل في عنوان المشرك أو الملحد.

٥٢

والمراد بالكافر من كان منكراً للُالوهية أو التوحيد أو الرسالة (١) ، أو ضرورياً من ضروريات الدين مع الالتفات إلى كونه ضرورياً ، بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة ، والأحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقاً ، وإن لم يكن ملتفتاً إلى كونه ضرورياً (١).

______________________________________________________

بعنوانه حتى نتمسك بإطلاقه لإثبات نجاسة جميع أجزائه ، فلم يبق إلاّ دلالة الأخبار على نجاسة الكافر في الجملة ، إذ لا ملازمة بين نجاسة سؤره ونجاسة جميع أجزائه ، لأنّ النجاسة حكم شرعي تعبدي تتبع دليلها ، فلا يمكن الحكم بنجاسة ما لا تحله الحياة من أجزائهم لعدم قيام الدليل عليها ، إلاّ أن تحقّق الشهرة الفتوائية بذهاب الأصحاب إلى نجاستهم على وجه الإطلاق يمنعنا عن الحكم بطهارة ما لا تحلّه الحياة من أجزاء أهل الكتاب.

(١) قد اعتبر في الشريعة المقدسة أُمور على وجه الموضوعية في تحقّق الإسلام بمعنى أن إنكارها أو الجهل بها يقتضي الحكم بكفر جاهلها أو منكرها وإن لم يستحق بذلك العقاب لاستناد جهله إلى قصوره وكونه من المستضعفين.

فمنها : الاعتراف بوجوده ( جلت عظمته ) ووحدانيته في قبال الشرك ، وتدل على اعتبار ذلك جملة من الآيات والروايات وهي من الكثرة بمكان.

ومنها : الاعتراف بنبوة النبي ورسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أيضاً مدلول جملة وافية من الأخبار والآيات ، منها قوله عزّ من قائل ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ) (٢).

ومنها : الاعتراف بالمعاد وإن أهمله فقهاؤنا قدس‌سرهم إلاّ أنّا لا نرى لإهمال اعتباره وجهاً ، كيف وقد قرن الايمان به بالايمان بالله سبحانه في غير واحد من الموارد‌

__________________

(١) أو المعاد.

(٢) البقرة ٢ : ٢٣ ، ٢٤.

٥٣

على ما ببالي كما في قوله عزّ من قائل ( إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (١) ، وقوله ( إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٢) وقوله ( مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٣) وقوله ( مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٤) إلى غير ذلك من الآيات ، ولا مناص معها من اعتبار الإقرار بالمعاد على وجه الموضوعية في تحقق الإسلام.

وهل هناك أمر آخر يعتبر الاعتراف به في تحقق الإسلام على وجه الموضوعية ويكون إنكاره سبباً للكفر بنفسه؟

فيه خلاف بين الأعلام فنسب في مفتاح الكرامة إلى ظاهر الأصحاب أن إنكار الضروري سبب مستقل للكفر بنفسه (٥) ، وذهب جمع من المحقِّقين إلى أن إنكار الضروري إنما يوجب الكفر والارتداد فيما إذا استلزم تكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنكار رسالته ، كما إذا علم بثبوت حكم ضروري في الشريعة المقدسة وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى به جزماً ومع الوصف أنكره ونفاه ، لأنه في الحقيقة تكذيب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنكار لرسالته ، وهذا بخلاف ما إذا لم يستلزم إنكاره شيئاً من ذلك كما إذا أنكر ضرورياً معتقداً عدم ثبوته في الشريعة المقدّسة وأنّه مما لم يأت به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أنه كان ثابتاً فيها واقعاً بل كان من جملة الواضحات فإن إنكاره لا يرجع حينئذ إلى إنكار رسالة النبيّ ، فإذا سُئل أحد في أوائل إسلامه عن الربا فأنكر حرمته بزعم أنه كسائر المعاملات الشرعية فلا يكون ذلك موجباً لكفره وارتداده ، وإن كانت حرمة الربا من المسلّمات في الشريعة المقدّسة ، لعدم رجوع إنكارها إلى تكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو إنكار رسالته.

__________________

(١) النساء ٤ : ٥٩.

(٢) البقرة ٢ : ٢٢٨.

(٣) البقرة ٢ : ٢٣٢.

(٤) البقرة ٢ : ١٧٧.

(٥) مفتاح الكرامة ١ : ١٤٣.

٥٤

ومما ذكرناه يظهر أن الحكم بكفر منكر الضروري عند استلزامه لتكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تختص بالأحكام الضرورية ، لأن إنكار أي حكم في الشريعة المقدسة إذا كان طريقاً إلى إنكار النبوة أو غيرها من الأُمور المعتبرة في تحقق الإسلام على وجه الموضوعية فلا محالة يقتضي الحكم بكفر منكره وارتداده.

هذا وعن شيخنا الأنصاري قدس‌سره التفصيل في الحكم بارتداد منكر الضروري بين المقصّر وغيره بالحكم بالارتداد في الأول لإطلاق الفتاوى والنصوص دون غيره ، إذ لا دليل على سببية إنكاره للارتداد وعدم مبغوضية العمل وحرمته في حقّه ، وما لم يكن بمبغوض في الشريعة المقدّسة يبعد أن يكون موجباً لارتداد فاعله وكفره (١).

وإذا عرفت ذلك فنقول : استدل القائل بارتداد منكر الضروري مطلقاً بعدة من الأخبار وهي على طوائف ثلاث : الأُولى : صحيحة بريد العجلي (٢) وغيرها مما أُخذ في موضوع الحكم بالكفر أدنى ما يكون به العبد مشركاً كما إذا قال للنواة إنّها حصاة أو للحصاة إنها نواة ثم دان به. الثانية : صحيحة الكناني (٣) وغيرها مما أُخذ في موضوع الحكم بالكفر الجحد بالفريضة. والثالثة : صحيحة عبد الله بن سنان (٤) وغيرها مما دلّ على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر وزعم أنها حلال أخرجه ذلك عن الإسلام. وهذه الطائفة بإطلاقها تدل على أن من زعم الحرام حلالاً خرج بذلك‌

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٣٥٤ ، باب النجاسات ( حكم منكر الضرورة من الدين ) السطر ٢٧.

(٢) المروية في الكافي ٢ : ٣٩٧ / ١. وروى عنه في الوافي ٤ : ١٩٩ / ١٨١٥. ثم إنّ هذه الرواية والرواية الثالثة وإن عبّر عنهما بالصحيحة في كلام المحقق الهمداني [ مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٥٦٦ السطر ١٠ ، ٢١ ] وغيره إلاّ أن في سنديهما محمد بن عيسى عن يونس ، وفي نفس محمد بن عيسى كلام كما أن في خصوص روايته عن يونس كلام آخر إلاّ أن الصحيح وثاقة الرجل واعتبار رواياته مطلقاً ولو كانت عن يونس ويأتي تفصيل الاستدلال على وثاقته عند الكلام على الحيض.

(٣) ، (٤) المرويتان في الوسائل ١ : ٣٤ / أبواب مقدمة العبادات ب ٢ ح ١٣ ، ١٠ ثم إن عدّ رواية الكناني صحيحة كما في كلام المحقق الهمداني وغيره مبني على أن محمد بن الفضيل الواقع في سندها هو محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار الثقة ، وفيه كلام فليراجع مظانّه.

٥٥

عن الإسلام ، سواء أكان عالماً بحرمته أم لم يكن بل وسواء كانت الحرمة ضرورية أم غير ضرورية.

أمّا الطائفة الأُولى فقد أسلفنا الجواب عنها سابقاً وقلنا إن للشرك مراتب متعدّدة وهو غير مستلزم للكفر بجميع مراتبه وإلاّ لزم الحكم بكفر المرائي في عبادته بطريق أولى ، لأن الرياء شرك كما نطقت به الأخبار (١) بل هو أعظم من أن يقال للحصاة إنها نواة أو بالعكس ، مع أنّا لا نقول بكفره لأنّ الشرك الموجب للكفر إنما هو خصوص الشرك في الألوهية. وعليه فلا يمكن في المقام الاستدلال بشي‌ء من الأخبار المتضمنة للشرك.

وأمّا الطائفة الثانية فالظاهر أنها أيضاً كسابقتها لأن ظاهر الجحد هو الإنكار مع العلم بالحال كما في قوله عزّ من قائل ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ) (٢) وقد عرفت أن إنكار أيّ حكم من الأحكام الثابتة في الشريعة المقدسة مع العلم به يستلزمه تكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنكار رسالته سواء كان الحكم ضرورياً أم لم يكن ، ولا ريب أنه يوجب الكفر والارتداد فهو خارج عن محل الكلام ، إذ الكلام إنما هو في أن إنكار الضروري بما أنه كذلك هل يستلزم الكفر والارتداد أو أنه لا يوجب الكفر إلاّ مع العلم بثبوته في الشريعة المقدسة المستلزم لإنكار رسالة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا الطائفة الثالثة وهي العمدة في المقام فعلى تقدير تماميتها لا مناص من الحكم بكفر منكر الضروري مطلقاً وإن لم يكن عن علم بالحكم. وقد يورد على دلالتها كما في كلام شيخنا الهمداني (٣) وغيره بأن الصحيحة بإطلاقها تشمل الأحكام الضرورية وغيرها ، ومقتضى ذلك هو الحكم بكفر كل من ارتكب كبيرة وزعم أنها حلال ، وهو مما لا يمكن الالتزام به ، كيف ولازمه أن يكفّر كل مجتهد المجتهد الآخر فيما إذا اعتقد حلية ما يرى الأوّل حرمته وارتكبه ، كما إذا بنى أحدهما على حرمة التصوير‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٦٧ / أبواب مقدمة العبادات ب ١١ ح ١١ ، ١٣ ، ١٦ وب ١٢ ح ٢ ، ٤ ، ٦.

(٢) النمل ٢٧ : ١٤.

(٣) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٥٦٦ السطر ٢٤.

٥٦

مثلاً ورأى الثاني إباحته وارتكبه حيث يصح أن يقال حينئذ إن المجتهد الثاني ارتكب كبيرة وزعم أنها حلال ، وكذا الحال فيما إذا بنى على صحّة النِّكاح بالفارسية وعقد بها ورأى الآخر بطلانه فإنه حينئذ ارتكب كبيرة وزعم أنها حلال حيث حلّل ما قد حرّمه الشارع واقعاً ، فالأخذ بإطلاق الصحيحة غير ممكن فلا مناص من تقييدها بأحد أمرين :

فامّا أن نقيدها بالضروري بأن يكون ارتكاب الكبيرة موجباً للارتداد في خصوص ما إذا كان الحكم ضرورياً ، وإمّا أن نقيدها بالعلم بأن يقال : إن ارتكاب الكبيرة والبناء على حليتها مع العلم بأنها محرمة يوجب الكفر دون ما إذا لم تكن حرمتها معلومة ، وحيث إن الرواية غير مقيدة بشي‌ء وترجيح أحد التقييدين على الآخر من غير مرجح ، فلا محالة تصبح الرواية في حكم المجمل وتسقط عن الاعتبار بل يمكن أن يقال : التقييد بالعلم أرجح من تقييدها بالضروري لأنّه المناسب للفظة الجحود الواردة في الطائفة الثانية كما مرّ.

كذا نوقش في دلالة الصحيحة إلاّ أن المناقشة غير واردة لعدم دوران الأمر بين التقييدين المتقدمين ، بل المتعين أن يتمسك بإطلاقها ويحكم بكفر مرتكب الكبيرة إذا زعم أنها محللة بلا فرق في ذلك بين الأحكام الضرورية وغيرها ولا بين موارد العلم بالحكم وعدمه.

ثم إن الالتزام بالكفر والارتداد إذا لم يصح في بعض هذه الأقسام أخرجناه عن إطلاقها ويبقى غيره مشمولاً للرواية لا محالة ، ولا نرى مانعاً من الالتزام بالارتداد في شي‌ء من الأقسام المتقدمة بمقتضى إطلاق الصحيحة إلاّ في صورة واحدة وهي ما إذا كان ارتكاب الكبيرة وزعم أنها حلال مستنداً إلى الجهل عن قصور كما في المجتهدين والمقلدين ، حيث إن اجتهاد المجتهد إذا أدى إلى إباحة حرام واقعي فلا محالة يستند ارتكابه لذلك الحرام إلى قصوره لأنه الذي أدى إليه اجتهاده وكذا الكلام في مقلديه فلا يمكن الالتزام بالكفر في مثلهما وإن ارتكبا الكبيرة بزعم أنها حلال ، كيف وقد يكون المجتهد المخطئ من الأوتاد الأتقياء فالالتزام بالارتداد حينئذ غير ممكن ، وأما في غيره من الصور فلا مانع من التمسك بإطلاق الصحيحة والحكم بكفر مرتكب‌

٥٧

الكبيرة مطلقاً فلا دوران بين الأمرين المتقدِّمين.

فالصحيح في الجواب عنها أن يقال : إنّ الكفر المترتب على ارتكاب الكبيرة بزعم حليتها ليس هو الكفر المقابل للإسلام الذي هو المقصود بالبحث في المقام ، وذلك لأنّ للكفر مراتب عديدة.

منها : ما يقابل الإسلام ويحكم عليه بنجاسته وهدر دمه وماله وعرضه وعدم جواز مناكحته وتوريثه من المسلم ، وقد دلت الروايات الكثيرة على أن العبرة في معاملة الإسلام بالشهادتين اللتين عليهما أكثر الناس كما تأتي في محلِّها.

ومنها : ما يقابل الايمان ويحكم بطهارته واحترام دمه وماله وعرضه كما يجوز مناكحته وتوريثه إلاّ أن الله سبحانه يعامل معه معاملة الكفر في الآخرة ، وقد كنّا سمّينا هذه الطائفة في بعض أبحاثنا بمسلم الدنيا وكافر الآخرة.

ومنها : ما يقابل المطيع لأنه كثيراً ما يطلق الكفر على العصيان ويقال : إن العاصي كافر ، وقد ورد في تفسير قوله عزّ من قائل ( إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً ) (١) ما مضمونه أنّ الشاكر هو المطيع والكفور العاصي (٢) وورد في بعض الروايات أن المؤمن لا يزني ولا يكذب ، فقيل إنّه كيف هذا مع أنّا نرى أنّ المؤمن يزني ويكذب فأجابوا عليهم‌السلام بأنّ الايمان يخرج عن قلوبهم حال عصيانهم ويعود إليهم بعده فلا يصدر منهم الكذب مثلاً حال كونهم مؤمنين (٣) وعلى الجملة أن ارتكاب المعصية ليس بأقوى من إنكار الولاية لأنّها من أهم ما بني عليه الإسلام كما في الخبر (٤) وقد عقد لبطلان العبادة بدونها باباً في الوسائل ، فإذا لم يوجب إنكارها‌

__________________

(١) الإنسان ٧٦ : ٣.

(٢) روى زرارة عن حمران بن أعين قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً )؟ قال : إمّا آخذ فهو شاكر وإمّا تارك فهو كافر » ونظيرها غيرها من الأخبار المروية في الوسائل ١ : ٣١ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٢ ح ٥.

(٣) كما ورد في عدّة من الأخبار المروية في الكافي ٢ : ٢٨٠ / ١١ ، ٢٨٢ / ١٦ ، ٢٨٥ / ٢١ ، ٢٢.

(٤) ورد في جملة من الروايات المروية في الوسائل ١ : ١٣ / أبواب مقدمة العبادات ب ١.

٥٨

وولد الكافر يتبعه في النجاسة (*) (١)

______________________________________________________

الحكم بالنجاسة والارتداد فكيف يكون ارتكاب المعصية موجباً لهما؟

فالموضوع للآثار المتقدِّمة من الطهارة واحترام المال والدم وغيرهما إنما هو الاعتراف بالوحدانية والرسالة والمعاد وليس هناك شي‌ء آخر دخيلاً في تحقّق الإسلام وترتب آثاره المذكورة. نعم ، يمكن أن يكون له دخالة في تحقّق الايمان ، وهذا القسم الأخير هو المراد بالكفر في الرواية وهو بمعنى المعصية في قبال الطاعة وليس في مقابل الإسلام فلا يكون مثله موجباً للكفر والنجاسة وغيرهما من الآثار.

(١) لا يتوقّف البحث عن نجاسة ولد الكافر وطهارته على القول بنجاسة أهل الكتاب ، بل البحث يجري حتى على القول بطهارتهم لأن الكلام حينئذ يقع في من يتولد من المشرك ، فانّ موضوع بحثنا هذا من تولد من شخصين محكومين بالنجاسة سواء أكانا من أهل الكتاب أم من غيرهم. نعم ، على تقدير القول بنجاستهم فأولادهم أيضاً يكون داخلاً في محل الكلام كأولاد سائر المحكومين بالنجاسة.

ثم إن البحث عن نجاسة ولد الكافر لا ينافي تسالمهم على أن حكم ولد الكافر حكمه من حيث جواز الأسر والاسترقاق ، وذلك لأن هناك أمرين : أحدهما : تبعية ولد الكافر لوالديه من حيث النجاسة وعدمها وهذا هو محل الكلام في المقام. وثانيهما : تبعية ولد الكافر له من حيث جواز الأسر والاسترقاق ، وهذا هو الذي تسالم عليه الأصحاب وقد ثبتت بالسيرة القطعية في حروب المسلمين ، حيث إنّهم كما كانوا يأسرون البالغين ويسترقّونهم من الكفّار كذلك كانوا يأسرون أولادهم وأطفالهم فالتسالم على أحدهما لا ينافي النزاع في الآخر.

ثم إنّ ولد الكافر ينبغي أن يخرج عن محل الكلام فيما إذا كان عاقلاً رشيداً معتقداً بغير مذهب الإسلام كالتهود والتنصر ونحوهما وإن كان غير بالغ شرعاً ، لأنّ نجاسته مسلمة ومما لا إشكال فيه وذلك لأنّه حينئذ يهودي أو نصراني حقيقة ، وعدم تكليفه‌

__________________

(١) هذا فيما إذا كان مميّزاً ومظهراً للكفر ، وإلاّ فالحكم بنجاسته مبني على الاحتياط.

٥٩

وكونه غير معاقب بشي‌ء من أفعاله لا ينافي تهوده أو تنصره ، كيف وقد يكون غير البالغ مشيِّداً لأركان الكفر والضلال ومروجاً لهما بتبليغه كما ربّما يشاهد في بعض الأطفال غير البالغين فضلاً عن أن يكون هو بنفسه كافراً ، وعليه فيتمحض محل الكلام فيما إذا كان ولد الكافر رضيعاً أو بعد الفطام وقبل كونه مميزاً بحيث كان تكلمه تبعاً لوالديه متلقياً كل ما القي إليه على نهج تكلم الطيور المعلمة هذا.

وقد استدلّ على نجاسته بوجوه : الأوّل : أنّه كأبويه كافر حقيقة بدعوى أنّ الكفر أمر عدمي وهو عدم الإسلام في محل قابل له ، والمفروض أنّ الولد ليس بمسلم كما أنّه محل قابل للإسلام وقد مرّ أن مجرد عدم الإسلام في المحل القابل له عبارة عن الكفر. وفيه : أن الكفر وإن كان أمراً عدميا إلاّ أن ظاهر الأخبار أنه ليس مطلق عدم الإسلام كفراً بل الكفر عدم خاص وهو العدم المبرز في الخارج بشي‌ء ، فما دام لم يظهر العدم من أحد لم يحكم بكفره ، فالإظهار معتبر في تحقّق الكفر كما أنه يعتبر في تحقّق الإسلام ، وحيث إن الولد لم يظهر منه شي‌ء منهما فلا يمكن الحكم بكفره ولا بإسلامه.

الثاني : الاستصحاب بتقريب أن الولد حينما كان في بطن امه علقة كان محكوماً بنجاسته لكونه دماً فنستصحب نجاسته السابقة عند الشك في طهارته. ويرده أولاً : أن النجاسة حال كونه علقة موضوعها هو الدم وقد انقلب إنساناً فالموضوع غير باق وثانياً : أن الاستصحاب لا يثبت به الحكم الشرعي الكلي على ما بيناه في محله.

الثالث : الروايات كصحيحة عبد الله بن سنان (١) ورواية وهب بن وهب (٢) وما ورد (٣) في تفسير قوله عزّ من قائل ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (٤) حيث دلّت بأجمعها على أن أولاد الكفار كالكفار وأنهم يدخلون مداخل آبائهم في النار ، كما أن أولاد المسلمين يدخلون مداخل آبائهم في الجنة ، لأن الله أعلم بما كانوا عاملين به على تقدير حياتهم.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣١٧ ح ١٥٤٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٣١٧ ح ١٥٤٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٤٨ / ٢.

(٤) الطور ٥٢ : ٢١.

٦٠