موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٢٩٣] مسألة ٤ : لا يعفى عن دم الرعاف ولا يكون من الجروح (١).

[٢٩٤] مسألة ٥ : يستحب لصاحب القروح والجروح أن يغسل ثوبه من دمهما كلّ يوم مرّة (٢).

[٢٩٥] مسألة ٦ : إذا شك في دم أنه من الجروح أو القروح أم لا ، فالأحوط عدم العفو عنه (*) (٣).

______________________________________________________

عما لم تتعارف إصابته البدن والثوب ، والدم الخارج من الجروح المذكورة مما لا يصيبهما عادة.

(١) لدلالة غير واحد من الأخبار على عدم جواز الصلاة معه (٢) ولعلّ الوجه فيه : أنّ دم الرعاف يستند إلى الحرارة الناشئة من الهواء أو أكل شي‌ء وشربه ولأجلها تتفجّر العروق ، وهو وإن كان يصدق عليه الجرح حقيقة إلاّ أنه يندمل بساعته ولا استقرار له وقد مرّ اشتراطهما في العفو عن دم القروح والجروح. وأما إذا استند دم الرعاف إلى قرحة داخلية وكان لها ثبات ودوام فالأمر أيضاً كما عرفت وهو غير مشمول للأخبار المتقدِّمة ، لأن العفو إنما ثبت في الدم الذي يصيب الثوب أو البدن عادة ، والدم الخارج من الأنف بسبب القرحة الداخلية ليس كذلك ، لمكان تقدّم الأنف على سائر أجزاء البدن فهو عند خروجه لا يصيب شيئاً منهما بطبعه.

(٢) عرفت تفصيل الكلام في ذلك مما قدمناه فلا نعيد.

(٣) لا شبهة في أنّ الحكم بالمانعية وعدمها أي العفو موضوعهما الدم المتحقق خارجاً ، فانّ غير الخارج لا يكون مانعاً ولا يقال إنه من دم القروح والجروح أو من غيرهما ولو قلنا بنجاسته ، فإذا رأينا في الخارج دماً وشككنا في أنه من القروح والجروح حتى لا يكون مانعاً أو من غيرهما ليكون مانعاً لم يمكننا استصحاب كونه‌

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

(١) الوسائل ١ : ٢٦٤ / أبواب نواقض الوضوء ب ٧ ح ١ ، ٢ ، ٥ وكذا في المجلد ٣ : ٤٧٩ / أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٢ وكذا في المجلد ٧ : ٢٣٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١ ، ٤ ، ٦.

٤٠١

[٢٩٦] مسألة ٧ : إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة متقاربة ، بحيث تعد جرحاً واحداً عرفاً (١) جرى عليه حكم الواحد فلو برأ بعضها لم يجب غسله ، بل معفو عنه حتى يبرأ الجميع ، وإن كانت متباعدة لا يصدق عليها الوحدة العرفية فلكلٍ حكم نفسه ، فلو برأ البعض وجب غسله ولا يعفى عنه إلى أن يبرأ الجميع (٢).

______________________________________________________

من غيرهما لعدم الحالة السابقة وهو ظاهر. نعم بناءً على مسلكنا من جريان الأصل في الأعدام الأزلية لا مانع من استصحاب عدم كونه من الجروح والقروح ، لأنه قبل وجوده لم يكن منتسباً إليهما قطعاً فاذا وجدت الذات وشككنا في أن الاتصاف والانتساب إلى القروح والجروح هل تحققا معها أم لم يتحقّقا فنستصحب عدم حدوث الاتصاف والانتساب ، فهو دم بالوجدان وليس بدم القروح والجروح بالاستصحاب فبضم أحدهما إلى الآخر يحرز دخوله تحت العموم أعني عموم ما دلّ على مانعية النجس أو إطلاقه ، لوضوح أن الباقي تحت العموم غير معنون بشي‌ء سوى عنوان عدم كونه دم الجروح والقروح. ولعل الوجه في احتياط الماتن قدس‌سره عدم جزمه بجريان الأصل في الأعدام الأزلية.

(١) وإن كانت له شعب.

(٢) فاذا كان جرح في يده وآخر في رجله مثلاً فبرأ أحدهما فلا محالة يرتفع عنه العفو لبرئه ، ولا يحكم باستمراره إلى أن يبرأ الثاني لتعدّدهما فانّ كلاًّ منهما جرح مستقل له حكمه.

وقد يقال باستمرار العفو إلى أن يبرأ الجميع لموثقة أبي بصير المتقدِّمة (١) حيث ورد فيها « إن بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ » بدعوى دلالتها على العفو عن الجميع حتى يبرأ الجميع. وللمناقشة في ذلك مجال واسع وذلك أمّا أوّلاً : فلأنها حكاية فعل من الإمام عليه‌السلام في قضية شخصية ولا إطلاق للافعال ، ولعلّ عدم غسله الثوب من جهة أن دماميله كانت تعد بالنظر العرفي قرحة واحدة ذات‌

__________________

(١) في ص ٣٩١.

٤٠٢

الثاني ممّا يعفى عنه في الصلاة : الدم الأقل من الدرهم (١)

______________________________________________________

شعب. نعم لو كان سأل عن رجل به دماميل وأجابه بأنه لا يغسل ثوبه إلى أن يبرأ لأمكن الاستدلال بترك تفصيلها ، ولكن الأمر ليس كذلك كما مرّ لأنها حكاية فعل في واقعة.

وأمّا ثانياً : فلأنها معارضة بمرسلة سماعة المتقدِّمة (١) « إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم » بناء على ما هو المعروف عندهم من أن مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده ، حيث تدل على أن العفو في كل جرح سائل ملغى ببرئه فاذا حصل ارتفع سواء برأ الجرح الآخر أم لم يبرأ ، والتعارض بين الروايتين بالإطلاق فيتساقطان ويرجع إلى عموم ما دلّ على مانعية النجس في الصلاة.

(١) لا إشكال ولا خلاف في ثبوت العفو عما دون الدرهم من الدم كما لا شبهة في وجوب إزالة ما زاد عنه ، وإنما الخلاف فيما إذا كان بقدره بلا زيادة ونقصان وإن كان إحراز أن الدم بقدر الدرهم غير خال عن الصعوبة بل هو نادر التحقق جدّاً ، كما إذا ألقينا درهماً على الدم ثم وضعناه على الثوب أو البدن فتنجس بقدره فهل يعمه العفو أو يختص بما إذا كان أقل منه؟ قد اختلفت كلماتهم في ذلك كما أن الأخبار مختلفة ، فمنها ما هو مجمل من تلك الناحية ومنها ما ظاهره العفو عنه كما ادعي ، ومنها ما يقتضي وجوب إزالته ومانعيته وإليك بعضها :

منها : مصححة الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « في الدم يكون في الثوب إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسل حتى صلّى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد الصلاة » (٢) وهي إما أن تكون مهملة لعدم تعرضها للمسألة أعني ما إذا كان الدم بقدر الدرهم لأنها قليلة الاتفاق والتكلم فيها مجرد بحث علمي ، وإنما تعرضت لما إذا كان أقل من‌

__________________

(١) في ص ٣٩٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٣٠ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٢.

٤٠٣

قدر الدرهم أو زاد عليه ، ففيما إذا كان الدم بقدره يرجع إلى عموم ما دلّ على مانعية النجس في الصلاة. وإما أن تكون مجملة لأن مفهوم الشرطية الاولى في الرواية أن الصلاة تجب إعادتها إذا لم يكن الدم أقل من مقدار الدرهم سواء أكان بقدره أم كان زائداً عليه ، كما أن مفهوم الشرطية الثانية أعني قوله : « وإن كان أكثر من قدر الدرهم ... » عدم وجوب الإعادة إذا لم يكن الدم بأكثر من مقدار الدرهم سواء أكان أقل منه أم كان مساوياً معه ، فالجملتان متعارضتان في الدم بقدر الدرهم ، وحيث إن تعارضهما بالإطلاق فيحكم بتساقطهما والرجوع إلى عموم مانعية النجس في الصلاة.

ومنها : حسنة محمد بن مسلم قال « قلت له : الدم يكون في الثوب عليَّ وأنا في الصلاة ، قال : إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ في غيره ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم وما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره. وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه » (١) وقد قدّم في هذه الرواية بيان مانعية ما زاد عن الدرهم على بيان العفو عن الأقل منه على عكس الرواية المتقدمة ، ويأتي فيها أيضاً الاحتمالان المتقدمان فإنها إما أن تكون مهملة فيما هو بقدر الدرهم وإما أن تكون مجملة ، لعين ما قدمناه في الرواية السابقة وبعد تساقطهما بالمعارضة يرجع إلى عموم مانعية النجس ، فان ذكر أحد الأمرين مقدماً على الآخر لا تكون قرينة على المتأخر منهما. اللهمّ إلاّ أن يقال : المراد بالزائد على مقدار الدرهم في قوله : « ما لم يزد على مقدار الدرهم » هو مقدار الدرهم فما زاد كما احتمله صاحب الجواهر (٢) قدس‌سره لمعهودية إطلاق الزائد على شي‌ء من المقادير وإرادة ذلك المقدار وما فوقه كما في قوله عزّ من قائل ( فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ) (٣).

هذا والذي يسهّل الخطب أن في المقام رواية ثالثة تقتضي مانعية ما كان بقدر الدرهم من الدم وهي قرينة على الروايتين المتقدمتين ، ومعها لا بد من الحكم بوجوب‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٣١ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦.

(٢) الجواهر ٦ : ١١١.

(٣) النساء ٤ : ١١.

٤٠٤

سواء كان في البدن أو اللباس (١)

______________________________________________________

إزالة الدم بقدر الدرهم سواء أكانت الروايتان ظاهرتين أم مجملتين وهي صحيحة عبد الله بن أبي يعفور في حديث قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ، ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلّى أيعيد صلاته؟ قال : يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة » (١).

(١) النجس في الصلاة إذا سلبت عنه مانعيته لا يكون مانعاً عنها مطلقاً سواء أكان في الثوب أم في البدن. وأما اشتمال الأخبار على الثوب دون البدن فلعل السر فيه غلبة إصابة الدم للثوب ، لأنّ البدن مستور به غالباً فما يصيب الإنسان يصيب ثوبه دون بدنه ، حيث لا يصيبه غير دم القروح والجروح إلاّ نادراً ، هذا. على أن الظاهر عدم الخلاف في مشاركة الثوب والبدن في العفو.

وأما رواية مثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قلت له : إني حككت جلدي فخرج منه دم ، فقال : إن اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلاّ فلا » (٢) فهي وإن كانت تقتضي التفصيل بين الثوب والبدن بأن يكون العفو في الثوب محدوداً بما دون الدرهم كما دلّت عليه الأخبار المتقدِّمة ، وفي البدن محدوداً بما دون الحمّصة حسبما يقتضيه هذا الخبر ، إلاّ أنّ الصحيح عدم الفرق بين الثوب والبدن ، فإنّ الرواية غير قابلة للاعتماد عليها سنداً ودلالة.

أما بحسب السند فلأجل مثنى بن عبد السلام حيث لم تثبت وثاقته. وأما بحسب الدلالة فلأن ظاهرها طهارة ما دون الحمصة من الدم دون العفو عنه مع نجاسته ، إذ الأمر بغسل شي‌ء إرشاد إلى نجاسته كما أن نفي وجوبه إرشاد إلى طهارته كما مر غير مرة ، فالرواية تدل على نجاسة ما زاد عن مقدار الحمصة وطهارة ما دونها ، وهذا مما لم ينسب إلى أحد من أصحابنا عدا الصدوق ، وقد تقدّم نقله والجواب عنه في التكلّم‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٣٠ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٣٠ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٥.

٤٠٥

من نفسه أو غيره (١) عدا الدماء الثلاثة (*) من الحيض والنفاس والاستحاضة (٢)

______________________________________________________

على نجاسة الدم (١). فالرواية متروكة فلا يبقى معه لتوهّم انجبارها بعملهم مجال.

(١) فصّل صاحب الحدائق قدس‌سره بين دم نفس المصلِّي وغيره ، فألحق دم الغير بدم الحيض في عدم العفو عن قليله وكثيره قائلاً ، ولم أقف على من تنبه ونبّه على هذا الكلام إلاّ الأمين الأسترآبادي فإنه ذكره واختاره (٢). واستند في ذلك إلى مرفوعة البرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قال : دمك أنظف من دم غيرك ، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس ، وإن كان دم غيرك قليلاً أو كثيراً فاغسله » (٣) ولكن الصحيح ما ذهب إليه الماتن وغيره من عدم الفرق في العفو عما دون الدرهم بين دم نفسه وغيره ، فإن الرواية المستدل بها على التفصيل المدعى وإن كانت لا بأس بدلالتها إلاّ أنها ضعيفة بحسب السند لكونها مرفوعة ، ولم يعمل بها الأصحاب قدس‌سرهم كما يظهر من كلام صاحب الحدائق قدس‌سره حتى يتوهم انجبارها بعملهم.

(٢) لرواية أبي بصير « لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض فإن قليله وكثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء » (٤) هذا بالإضافة إلى دم الحيض. وأما دم النفاس والاستحاضة لأجل أن دم النفاس حيض محتبس يخرج بعد الولادة والاستحاضة مشتقة من الحيض فحكمها حكمه.

هذا والصحيح عدم الفرق في العفو عما دون الدرهم بين الدماء الثلاثة وغيرها وذلك أما بالإضافة إلى دم النفاس فلأنّا لو سلمنا أنه حيض محتبس وكان ذلك وارداً‌

__________________

(١) على الأحوط في الاستحاضة بل في النفاس والحيض أيضاً.

(٢) في ص ١٦.

(٣) الحدائق ٥ : ٣٢٨.

(٤) الوسائل ٣ : ٤٣٢ / أبواب النجاسات ب ٢١ ح ٢.

(٥) الوسائل ٣ : ٤٣٢ / أبواب النجاسات ب ٢١ ح ١. ثم إن في الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٣ بدل ( لا تبصره ) لم تبصره.

٤٠٦

في رواية معتبرة لم يمكننا إسراء حكم الحيض إليه ، لأنّ المانعية على تقدير القول بها إنما ثبتت على الحيض غير المحتبس ، والمحتبس موضوع آخر يحتاج إسراء الحكم إليه إلى دلالة الدليل ولا دليل عليه. وأما بالإضافة إلى دم الاستحاضة فلأنه ودم الحيض وإن كانا مشتركين في بعض أحكامهما إلاّ أنهما دمان وموضوعان متغايران يخرجان من عرقين ومكانين مختلفين كما في الخبر (١) فلا وجه لاشتراكهما من جميع الجهات والأحكام ، ومن هنا ذكر صاحب الحدائق قدس‌سره أن استثناء دمي الاستحاضة والنفاس إلحاقاً لهما بدم الحيض للوجهين المتقدمين أو غيرهما مما ذكروه في وجهه لا يخرج عن القياس (٢).

وأما بالإضافة إلى دم الحيض فلأن الرواية وإن كانت دلالتها غير قابلة للإنكار إلاّ أن سندها مورد للمناقشة من جهتين : إحداهما : أن الرواية مقطوعة وغير مسندة إلى الإمام عليه‌السلام وإنما هو كلام من أبي بصير حيث قال : « لا تعاد .. » وقد أُجيب عن ذلك بأن ذكرها في الكتب المعتبرة أعني التهذيب والكافي يأبى عن ذلك ، لبعد أن ينقل الشيخ أو الكليني قدس‌سرهما كلام غيره عليه‌السلام. ويدفعه : أن غاية ما يستفاد من نقلهما أن الرواية صادرة عنهم عليهم‌السلام حسب اعتقادهما ، وأما أن الأمر كذلك في الواقع فلا. والصحيح في الجواب عن هذه المناقشة أن يقال : إنها وإن رويت مقطوعة وغير مسندة إليه عليه‌السلام في بعض نسخ التهذيب (٣) إلاّ أنها مرويّة في الكافي (٤) وفي بعض النسخ الأُخر من التهذيب (٥) مسندة إلى أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ومن هنا نقلها في الوسائل كذلك (٦) فليراجع.

وثانيتهما : أن في سند الرواية أبا سعيد المكاري ولم يرد توثيق في حقه ، بل له‌

__________________

(١) لاحظ الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ١.

(٢) الحدائق ٥ : ٣٢٨.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٧ / ٧٤٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٣.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥٧ / ٧٤٥.

(٦) الوسائل ٣ : ٤٣٢ / أبواب النجاسات ب ٢١ ح ١.

٤٠٧

أو من نجس العين (١)

______________________________________________________

مكالمة مع الرضا عليه‌السلام لو صحت وثبتت لدلت على أنه كان مكارياً حقيقة حيث لم يكن يعتقد بإمامته وأساء معه الأدب في كلامه ، ودعا الرضا عليه‌السلام عليه بقوله : « أطفأ الله نور قلبك وأدخل الله الفقر بيتك » وابتلي بالفقر والبلاء بعد خروجه من عنده (١) نعم ابنه الحسين أو الحسن ممن وثّقه النجاشي (٢) وغيره. وعلى الجملة الرواية ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها في شي‌ء ، إلاّ أن استثناء دم الحيض عما عفي عنه في الصلاة هو المشهور بينهم حيث ذهبوا إلى أن قليله وكثيره مانع عن الصلاة ، وأنكروا نقل خلاف في المسألة بل قالوا إنها إجماعية ، وعليه فان قلنا بانجبار ضعف الرواية بعملهم فلا مانع من القول باعتبارها ، وأما بناء على ما سلكناه من أن عمل المشهور أو أعراضهم لا يكون جابراً أو كاسراً فلا يمكننا استثناء دم الحيض لأجلها. وأما الإجماع المدعى فنحن لو لم نجزم بعدم تحقق إجماع تعبدي فلا أقل من أن لا نجزم بتحققه ، إذ من المحتمل أن لا يصل إليهم الحكم يداً بيد ويعتمدوا في ذلك على الرواية المتقدمة ، ومعه يكون استثناء دم الحيض مبنياً على الاحتياط.

(١) يمكن أن يعلّل ذلك بوجهين : أحدهما : أنّ الأدلّة المتقدِّمة إنما دلّت على العفو من حيث مانعيّة نجاسة الدم لا من حيث مانعيّة شي‌ء آخر ككونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه. ويدفعه : أن نجس العين لا يلزم أن يكون دائماً مما لا يؤكل لحمه فانّ من أفراده المشرك بل اليهود والنصارى بناء على نجاسة أهل الكتاب فإنهم من أفراد نجس العين حقيقة وليسوا مما لا يؤكل لحمه ، لما يأتي في محلِّه من أن ذلك العنوان غير شامل للآدمي ومن هنا تصح الصلاة في شعره أو غيره من أجزائه الطاهرة ولا سيما إذا كان من نفس المصلي ، فتعليل مانعية نجس العين بكونه مما لا يؤكل لحمه عليل.

وثانيهما : أن أدلة العفو إنما دلت على العفو عن النجاسة الدموية لا عن النجاسة‌

__________________

(١) تنقيح المقال ٣ : ٢٨٧.

(٢) رجال النجاشي : ٣٨ / ٧٨ وفيه الحسين.

٤٠٨

الأُخرى ، وحيث إن الدم من العين النجسة فنجاسته من جهتين من جهة أنه دم ومن جهة أنه من نجس العين ولا تشمل أدلة العفو غير النجاسة الدموية.

وهذا الوجه هو الصحيح وتوضيحه : أن محتملات الأخبار الواردة في العفو عما دون الدرهم من الدم ثلاثة : لأنها إما أن تدل على العفو عن النجاسة الدموية فحسب ، فلا تشمل حينئذ دم نجس العين كالمشرك واليهودي بناء على نجاسة أهل الكتاب لأنّ نجاسته من جهتين من جهة أنه دم ومن جهة أنه من نجس العين ، وقد فرضنا أن الأدلّة إنما دلّت على العفو عن النجاسة الدموية لا عن النجاسة من جهة أُخرى. وإما أن تدل على العفو عن نجاسة الدم وإن كانت نجاسته من جهتين فتشمل حينئذ دم نجس العين كالمشرك وغيره إلاّ أنها غير شاملة لدم ما لا يؤكل لحمه لأنّ فيه جهة أُخرى من المانعية غير مانعية النجس كما لا يخفى. وإما أن تدل على العفو عن مانعية الدم الأقل من مقدار الدرهم مطلقاً فتشمل الأخبار حينئذ كل دم أقل من الدرهم ولو كان مما لا يؤكل لحمه. والمقدار المتيقن من تلك المحتملات هو الأوّل وعليه لا دلالة لها على العفو عن دم نجس العين فضلاً عما لا يؤكل لحمه.

وإن شئت قلت : إنّ نجاسة دم نجس العين وإن كانت نجاسة واحدة إلاّ أنها من جهتين كما مر ، ودليل العفو لم يدل على أزيد من العفو عن نجاسة الدم بما هو فلا يعم ما إذا كان الدم من نجس العين لأنّ نجاسته من جهتين. ويؤكد ذلك أنّ أدلّة العفو المتقدِّمة إنما يستفاد منها عدم مانعيّة الدم الأقل من الدرهم ولم تدلّ على أن فيه اقتضاء للجواز ، فكيف يمكن معه أن يلتزم بمانعيّة بصاق المشرك أو اليهودي مثلاً بناء على نجاسته وإن كان قليلاً ولا يلتزم بمانعية دمه.

ثم لو أغمضنا عن ذلك كلّه وبنينا على أن أدلة العفو تشمل دم نجس العين كغيره فالنسبة بينها وبين ما دلّ على المنع عن الصلاة في ثوب اليهودي والنصراني (١) عموم من وجه ، حيث إنها تدلّ على بطلان الصلاة فيما تنجس من ثيابهما ولو بدمهما ، وهذه الأدلّة تقتضي جواز الصلاة في الدم الأقل ولو كان من اليهودي أو غيره من الأعيان‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٢١ / أبواب النجاسات ب ١٤ ح ١٠.

٤٠٩

أو الميتة (١) بل أو غير المأكول (٢)

______________________________________________________

النجسة فتتعارضان في الدم الأقل إذا كان من نجس العين وتتساقطان ، والمرجع حينئذ هو المطلقات وهي تقتضي بطلان الصلاة في دم نجس العين ولو كان أقل من الدرهم.

(١) قد ظهر الحال في دم الميتة مما قدّمناه في دم نجس العين فلا نعيد.

(٢) لأن أجزاء ما لا يؤكل لحمه مانعة مستقلّة بنفسها سواء أمكنت الصلاة فيها أم لم تمكن كما في لبنه وروثه ، لموثقة ابن بكير قال : « سأل زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ، فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الصلاة في وبر كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شي‌ء منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله ... » (١) وأدلّة العفو كما عرفت إنما تدل على العفو عن مانعية الدم فحسب ولم تدل على العفو عن مانعية ما لا يؤكل لحمه أو غيره فمقتضى الموثقة بطلان الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه ولو بحملها ، وأدلّة العفو لا تقتضي العفو عن غير النجاسة الدموية ، ولا معارضة بين المقتضي واللاّمقتضي.

فان قلت : إنّ أدلّة العفو كما مرّت مطلقة تشمل دم المأكول وغيره فلا وجه لتخصيصها بما يؤكل لحمه. قلت : على تقدير تسليم الإطلاق فيها أنها معارضة بموثقة ابن بكير ، والنسبة بينهما هي العموم من وجه ، فإن الموثقة دلت على مانعية ما لا يؤكل لحمه كان دماً أم غيره ، وأدلة العفو دلت على العفو عما دون الدرهم من الدم سواء أكان مما يؤكل لحمه أم مما لا يؤكل لحمه ، وفي النتيجة لا بدّ من الحكم ببطلان الصلاة في دم ما لا يؤكل لحمه إما لتقديم الموثقة على أدلة العفو لقوة دلالتها حيث إنها بالعموم ودلالة الأدلة بالإطلاق ، وإما للحكم بتساقطهما بالمعارضة والرجوع إلى أدلّة مانعيّة النجس في الصلاة.

هذا وللشيخ المحقق الهمداني قدس‌سره كلام في المقام وحاصله عدم دلالة‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٤٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١.

٤١٠

الموثقة على إرادة الدم من كل شي‌ء ، بدعوى أن سياق الرواية يشهد بأن المراد بعموم كل شي‌ء هو الأشياء التي يكون المنع من الصلاة فيها ناشئاً من حرمة الأكل ، بحيث لو كان حلال الأكل لكانت الصلاة فيها جائزة ، فمثل الدم والمني خارج عما أُريد بهذا العام لأن الحيوان لو كان محلل الأكل أيضاً لم تكن الصلاة في دمه أو منيه جائزة لنجاستهما ، فاذا لم يكن الدم ونحوه مشمولاً لعموم المنع من الابتداء بقيت أدلة العفو غير معارضة بشي‌ء (١) هذا.

وما أفاده قدس‌سره ينبغي أن يعد من غرائب الكلام ، وذلك لأن للدم جهتين مانعتين عن الصلاة : إحداهما : نجاسته ومنجسيته للثوب والبدن. وثانيتهما : كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، ولا يفرق في المانعية من الجهة الأُولى بين كون الدم مما يؤكل لحمه وكونه من غيره. وهذا بخلاف المانعية من الجهة الثانية لاختصاصها بما لا يؤكل لحمه ، كما أن المانعية من الجهة الثانية لا تتوقف على تحقق المانعية من الجهة الأُولى ومن هنا لو فرضنا الدم من غير المأكول طاهراً كما إذا ذبح وقلنا بطهارة الدم المتخلف في الذبيحة مما لا يؤكل لحمه أيضاً كان استصحابه في الصلاة مانعاً عن صحتها وإن لم يكن نجساً ولا مانع من الصلاة فيها من ناحية الطهارة إذا استصحبناه في الصلاة على نحو لم يلاق الثوب أو البدن فإنه أيضاً يوجب البطلان ، وليس ذلك إلاّ من جهة أن ما لا يؤكل لحمه مانع باستقلاله سواء أكان نجساً أم لم يكن. وهل يسوغ القول بمانعية الأجزاء الطاهرة مما لا يؤكل لحمه كالوبر والشعر حيث تصح فيهما الصلاة على تقدير حلية حيوانهما دون أجزائه النجسة؟ فإنه أمر غير محتمل بالوجدان ، كيف وقد دلّت الموثقة على مانعيّة ما لا يؤكل لحمه بجميع أجزائه النجسة والطاهرة. بل قد صرحت ببطلان الصلاة في روثة مع أن حال الروث حال الدم بعينه ، فمع شمول الموثقة له يقع التعارض بينها وبين أدلة العفو. والنتيجة عدم جواز الصلاة في دم غير المأكول كما مر. وكان الأولى على ما ذكرناه أن لا يعقّب الماتن استثنائه الدم مما لا يؤكل لحمه بقوله « على الأحوط » لأنه يوهم أن استثناء بقية المذكورات في كلامه أعني دم نجس‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٥٩٤ السطر ١٨.

٤١١

مما عدا الإنسان (١) على الأحوط ، بل لا يخلو عن قوة ، وإذا كان متفرِّقاً في البدن أو اللِّباس أو فيهما وكان المجموع بقدر الدرهم ، فالأحوط عدم العفو (*) (٢).

______________________________________________________

العين والميتة مما لا شبهة فيه بخلاف استثنائه الدم مما لا يؤكل لحمه فإنه أمر غير مسلم مع أنك عرفت أن استثناءه مما لا تردّد فيه ، بل إنه أولى بالاستثناء كما لا يخفى وجهه.

(١) يأتي الوجه في استثناء ذلك في محله إن شاء الله.

(٢) ذكرنا أن الدم بقدر الدرهم فما زاد تجب إزالته ولا عفو عنه ، وهذا إذا كان له وجود واحد مما لا خلاف فيه ، وأما إذا كان مقدار الدرهم أو الزائد عليه متفرقاً في وجودات متعدِّدة فقد وقع الخلاف في وجوب إزالته وعدمه ، فذهب جماعة إلى أن العبرة بكل واحد من وجوداته فاذا بلغ مقدار الدرهم فما زاد باستقلاله تجب إزالته وتحكم بمانعيته. وقال جماعة آخرون إنّ المانعية ووجوب الإزالة حكمان مترتبان على ذات الدم وطبيعيه ، والاجتماع والافتراق من حالاتها ، فاذا بلغ مجموع الوجودات المتفرقة مقدار الدرهم وما زاد وجبت إزالته وهو مانع عن الصلاة.

ومنشأ الخلاف هو اختلاف الاستظهار والاستفادة من الأخبار ، فقد يستظهر منها أن العبرة بالاجتماع الفعلي دون التقديري بمعنى أن الدم المجتمع بالفعل إذا كان بمقدار الدرهم وجبت إزالته ، وأما الدم غير المجتمع كذلك فهو مما لا عبرة به ولا تجب إزالته ولو كان أكثر من مقدار الدرهم على تقدير الاجتماع. وقد يستظهر أن العبرة بكون ذات الدم بمقدار الدرهم فما زاد ولو على تقدير الاجتماع ، فالتقديري كالفعلي كاف في المانعية ووجوب الإزالة. وكيف كان المتبع هو الأخبار فلا بد من النظر إلى الروايات الواردة في المقام لنرى أن المستفاد منها أي شي‌ء :

فمنها : صحيحة الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال : لا ، وإن كثر فلا بأس أيضاً‌

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

٤١٢

بشبهه من الرعاف ينضحه ولا يغسله » (١) لدلالتها على أن دم الرعاف إذا كان نقطاً وشبيهاً بدم البراغيث لم يمنع من الصلاة سواء أكانت النقط على تقدير اجتماعها بمقدار الدرهم فما زاد أم لم تكن ، ومقتضاها أن العبرة بكون الدم بمقدار درهم فما زاد مجتمعاً وأما المتفرق منه فهو ليس بمانع ولا تجب إزالته ولو كان على تقدير الاجتماع بقدر الدرهم فما زاد.

والجواب عن ذلك أن الرواية غير شاملة لما إذا كانت النقط بالغة بمقدار الدرهم على تقدير الاجتماع ، وذلك لأن دم البرغوث في الثياب لا يكون على الأغلب المتعارف بمقدار الدرهم على تقدير اجتماعه ، فالمشبه به أعني دم الرعاف أيضاً لا بدّ أن يكون كذلك ، حيث دلت الصحيحة على العفو عما يشابه دم البراغيث فهي منصرفة عن صورة بلوغ دم البراغيث أو الرعاف إلى حد الدرهم ولو على تقدير الاجتماع ، هذا.

ثم لو سلّمنا عدم انصرافها وقلنا بشمولها لما إذا كانت النقط بمقدار الدرهم على تقدير الاجتماع ، فهي معارضة بحسنة محمد بن مسلم قال « قلت له : الدم يكون في الثوب عليَّ وأنا في الصلاة ، قال : إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ في غيره وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره ، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه » (٢) فان مقتضى إطلاقها وجوب الإعادة إذا كان الدم أكثر من مقدار الدرهم مجتمعاً أم متفرقاً ، والتعارض بينهما بالإطلاق ومقتضى القاعدة سقوطهما والرجوع إلى عموم الفوق وهو عموم ما دلّ على مانعية النجس في الصلاة ، إذ المقدار المتيقن الخروج منه هو الدم الأقل من الدرهم وأما الزائد على ذلك متفرقاً فهو مشكوك الخروج فتشمله العمومات كما مرّ.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٣١ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٧.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٣١ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦.

٤١٣

ثم إن في المقام روايتين استدل بهما على كلا الطرفين : إحداهما : مرسلة جميل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : « لا بأس أن يصلي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقاً شبه النضح ، وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم » (١) ولكنها لإرسالها ضعيفة غير قابلة للاستدلال بها. وثانيتهما : صحيحة ابن أبي يعفور في حديث قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ، ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلِّي ، ثم يذكر بعد ما صلّى ، أيعيد صلاته؟ قال : يغسله ولا يعيد صلاته ، إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة » (٢) فالدم الذي تجب إزالته هو ما كان قدر الدرهم مجتمعاً أو ما كان مجتمعاً قدر الدرهم كما في الروايتين.

والمحتملات في هذه الجملة : « إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً » أربعة :

الأوّل : أن يكون قدر الدرهم إسماً ليكون ومجتمعاً خبره.

الثاني : أن يكون مقدار الدرهم خبراً ليكون واسمها الدم المحذوف في الكلام ومجتمعاً خبر بعد خبر ، والمعنى حينئذ إلاّ أن يكون الدم قدر الدرهم ويكون مجتمعاً ، والنتيجة في هاتين الصورتين واحدة وهي دلالتها على أن المانع يعتبر فيه أمران : أحدهما أن يكون الدم بقدر الدرهم. وثانيهما أن يكون مجتمعاً ، فالدم المشتمل على هاتين الصفتين تجب إزالته ، فلا تترتب المانعية على الدم الذي ليس بقدر الدرهم وإن كان مجتمعاً أو ما كان بقدره ولم يكن مجتمعاً فالدم المتفرق لا عبرة به ولو كان بقدر الدرهم.

الثالث : أن يكون قدر الدرهم خبراً ليكون ومجتمعاً حالاً وهذا له صورتان : إحداهما : أن يكون مجتمعاً حالاً من الدم الذي هو اسم ليكون ، والمعنى حينئذ إلاّ أن يكون الدم مقدار الدرهم حال كونه أي الدم مجتمعاً ونتيجتها عدم العبرة بالدم المتفرق وإن كان بقدر الدرهم كما في الصورتين السابقتين. وثانيتهما : أن يكون مجتمعاً‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٣٠ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٣٠ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ١.

٤١٤

حالاً من مقدار الدرهم الذي هو خبر ليكون ، والمعنى حينئذ ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون الدم مقدار الدرهم حال كونه مجتمعاً فتدل على أن بلوغ نقط الدم مقدار الدرهم على فرض اجتماعها مانع عن الصلاة وتجب إزالته. وعليه لا يعتبر الاجتماع الفعلي في المانعية ، لأن السائل قد فرض الدم نقطاً وتوصيف قدر الدرهم حينئذ بالاجتماع إنما يكون بمعنى الفرض والتقدير ومعناه أن الدم إذا كان بمقدار الدرهم على تقدير اجتماع النقط المنتشرة منه وجبت إزالته وهو مانع عن الصلاة.

وهذا الاحتمال هو المتعين الصحيح دون الاحتمالات الثلاثة المتقدمة ، وذلك لأنها تستلزم أن يكون الاستثناء الواقع في كلامه عليه‌السلام منقطعاً ، لأن الدم في مورد الصحيحة إنما هو النقط المنتشرة ولا يتحقق فيها الاجتماع بالفعل ، فلا بد أن نفرضه في غير مورد السؤال أي في غير الدم النقط وهو معنى كون الاستثناء منقطعاً ، وحيث إنه خلاف ظاهر الاستثناء فلا يصار إليه ويتعيّن الأخذ بالمحتمل الأخير. وعليه فالصحيحة تدل على أنّ النقط المنتشرة في الثوب إذا كانت بمقدار الدرهم على تقدير اجتماعها وجبت إزالتها وأن المانع لا يعتبر فيه الاجتماع بالفعل ، هذا.

ثم لو تنزّلنا عن ذلك وقلنا بعدم ظهور الصحيحة فيما ذكرناه فلا أقل من أنه محتمل كغيره وهو يوجب إجمال الرواية ويسقطها عن الاعتبار ، ولا بد معه من الرجوع إلى عموم مانعية النجس ، وذلك لما حرّرناه في محلِّه من أنّ المخصّص إذا دار أمره بين الأقل والأكثر فإنما يتبع في المقدار المتيقن منه وهو الأقل ويرجع في الأكثر المشكوك فيه إلى العام.

وتوضيحه : أن الروايات الواردة في مانعية النجاسة بين ما ورد في النجاسة السابقة على الصلاة ودلت على وجوب غسلها وإعادة الصلاة منها ، وبين ما ورد في انكشاف النجاسة في أثنائها ودلّت على إتمام الصلاة وعدم وجوب إعادتها كموثقة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دماً ، قال : يتم » (١) بحيث لو كنّا نحن وهذه الموثقة لقلنا بعدم وجوب الإعادة مطلقاً عند انكشاف‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٨٣ / أبواب النجاسات ب ٤٤ ح ٢.

٤١٥

النجاسة في أثناء الصلاة إلاّ أن صحيحة زرارة (١) دلتنا على أن من علم بنجاسة سابقة في أثناء الصلاة يقطع صلاته وهي باطلة إلاّ أن يحتمل طروها في أثنائها فإنه يقطع صلاته ويغسله ثم يبني عليها ، وحيث إن الصحيحة أخص من الموثقة فلا محالة تخصصها ومعه يحكم بوجوب إزالة النجاسة السابقة على الصلاة فإنها مانعة عن صحتها. ثم إنه ورد على هذا المخصص مخصص آخر وهو أدلة العفو عما دون الدرهم من الدم لدلالتها على عدم بطلان الصلاة فيه ولو كان سابقاً على الصلاة وصلّى فيه متعمداً ، وهذا هو القدر المتيقن من التخصيص في صحيحة زرارة وغيرها مما دلّ على مانعية النجاسة السابقة على الصلاة ، وبهذا المقدار تخرج عن عموم أدلة المانعية أو إطلاقها. وأما الدم الزائد على مقدار الدرهم أو ما هو بقدره متفرقاً فخروجه عنها غير معلوم وعموم أدلة المانعية أو إطلاقها محكّم فيه.

فتحصل إلى هنا أنه لا فرق فيما هو بقدر الدرهم فما زاد بين كونه مجتمعاً وكونه متفرقاً ، هذا إذا كان الدم في الثوب ، وكذلك الحال فيما إذا كان في البدن لما مر من عدم الفرق بين الثوب والبدن. وعدم ذكر البدن في الأخبار من جهة أن الغالب إصابة الدم الثوب لأنه مستور به ، وعليه لو فرضنا أن في ثوبه وبدنه دماً لا يبلغ كل منهما مقدار الدرهم بنفسه إلاّ أنهما على تقدير اجتماعهما يبلغان مقدار الدرهم فما زاد فلا محالة تجب إزالته وهو مانع عن الصلاة.

بقي شي‌ء وهو أن للمصلي إذا كان أثواب متعددة كما هو المتعارف في الأعصار المتأخرة ، وكان الدم في كل واحد منها أقل من مقدار الدرهم إلاّ أن مجموعة بقدره فما زاد فهل تجب إزالته وهو مانع من الصلاة؟ التحقيق لا ، وذلك لأن الأخبار الواردة في المسألة إنما موردها الثوب وقد دلت على أن الدم الكائن فيه إذا كان بمقدار الدرهم فما زاد مجتمعاً بالفعل أو بالتقدير وجبت إزالته ، كما أنه إذا كان أقل من ذلك يعفى عنه في الصلاة ، فإذا فرضنا أن الدم في كل واحد من الأثواب أقل من مقدار الدرهم فهو موضوع مستقل للعفو وتشمله أدلته إذ يصدق أنه ثوب والدم الكائن فيه أقل من‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٨٢ / أبواب النجاسات ب ٤٤ ح ١.

٤١٦

والمناط سعة الدرهم (١) لا وزنه ، وحدّه سعة أخمص الراحة ، ولما‌

______________________________________________________

الدرهم ، وكذلك الحال في الثوب الثاني والثالث وهكذا ، فان مقتضى إطلاق الروايات عدم الفرق في العفو بين تعدد الثوب ووحدته ، ولا دليل على أن مجموع ما في الأثواب المتعدِّدة إذا كان بقدر الدرهم يكون مانعاً عن الصلاة. ولا يقاس المقام بالمسألة المتقدِّمة ، فإن الثوب الواحد إذا كان فيه شبه النضح والنقط وكان مجموعها بقدر الدرهم يصح أن يقال إنه ثوب والدم الكائن فيه بقدر الدرهم وهو مانع عن الصلاة ، وكذا إذا كان مجموع ما في البدن والثوب بقدر الدرهم لأن حكمهما واحد. وهذا بخلاف المقام لتعدد الثياب وكون كل واحد منها مشمولاً لأدلة العفو في نفسه ، فافهم ذلك واغتنمه.

(١) لأنه الموافق للفهم العرفي من مثله ، ولا يكاد يستفاد من قوله : « إلاّ أن يكون بمقدار الدرهم ... » أن يكون الدم بمقدار وزن الدرهم ليعتبر وزنه ووزن الدم الكائن في الثوب ليرى أنهما متساويان أو مختلفان ، مع ما في وزن الدم وهو في الثوب من الصعوبة والإعضال.

ثم إن الدراهم المتعارفة في زمان الصادقين عليهما‌السلام وافياً كانت أم بغلياً كانت مختلفة من حيث السعة والضيق ، حيث إنها كالقِرانات العجمية الدارجة إلى قريب عصرنا إنما كانت تضرب بالآلات اليدويّة لا بالمكائن والأدوات الدقيقة ، ومن الواضح أنّ الآلة اليدوية لا انضباط لها لتكون الدراهم على ميزان واحد ، ومن هنا كانت دائرتها تختلف بحسب الضيق والسعة وقد شاهدنا هذا الاختلاف في القِرانات العجمية المضروبة قبيل عصرنا ببلدة همدان أو خراسان. وعليه فلا بدّ من تشخيص أنّ الميزان سعة أي درهم فنقول :

الدراهم إذا كانت مختلفة من حيث السعة والضيق فلا يمكن أن تكون العبرة بأجمعها ، فإن لازمه الحكم بالعفو عن مقدار خاص باعتبار أنه أقل من مقدار بعض الدراهم ، والحكم بعدمه باعتبار أنه يزيد على مقدار بعضها الآخر ، فإذن لا بدّ من أن تكون العبرة ببعضها دون غيره ، وحيث إنه لم تقم قرينة على إرادة أكثرها سعة ولا‌

٤١٧

على متوسطها فلا مناص من الاقتصار على أقلها سعة من الأفراد المتعارفة الدارجة في عصر الصادقين عليهما‌السلام على ما تقتضيه القاعدة عند دوران المخصص المجمل بين الأقل والأكثر. وعليه فيقع الكلام في تحديد الدراهم المتعارفة وتميزها عن غيرها ، ولم يرد تحديد الدرهم في شي‌ء من الروايات ، والمعروف بينهم أن المراد بالدرهم المعفوّ عما دونه هو البغلي ، وعن المتقدِّمين تفسيره بالوافي. ومن البعيد جدّاً أن يعبِّروا عن شي‌ء واحد بتعبيرين مختلفين.

ثم إنّ كلماتهم قد اختلفت في تحديد سعة ذلك الدرهم المفسّر بالبغلي أو الوافي ، فقد نسب إلى أكثر العبائر تحديدها بأخمص الراحة وهو أكثر التحديدات المذكورة في المقام ، وعن الإسكافي تحديدها بسعة العقد الأعلى من الإبهام (١) من غير تعرّض لكونه البغلي أو غيره. وعن بعضهم تحديدها بعقد الوسطى. وعن رابع تحديدها بعقد السبابة وهو أقل التحديدات المتقدِّمة. أما تحديدها بأخمص الراحة فلا مستند له في كلماتهم سوى ما عن ابن إدريس في سرائره من أنه شاهد درهماً من الدراهم التي كانت تجدها الحَفَرة في بلدة قديمة يقال لها بغل قريبة من بابل تقرب سعته من سعة أخمص الراحة (٢).

وفيه أوّلاً : أن ابن إدريس إنما شهد على أنّ سعة الدرهم البغلي قريبة من سعة أخمص الراحة لا أن سعته بمقدار سعتها ، فهو في الحقيقة شهد على نقصان سعة الدرهم عن المقدار المدعى ، ولازم الاعتماد على شهادته تحديد الدرهم البغلي بما ينقص عن سعة أخمص الراحة بشي‌ء لا تحديده بسعتها.

وثانياً : أن شهادته قدس‌سره غير مسموعة ، فإنّ الشهادة يعتبر فيها تعدّد الشاهد ولا يكتفى فيها بالواحد ، وباب الشهادة غير باب النقل والرواية كما لا يخفى. على أن الدرهم البغلي مورد الخلاف من حيث نسبته ، فان ابن إدريس نسبه إلى المكان حيث قال : وهو أي الدرهم البغلي منسوب إلى مدينة قديمة يقال لها بغل.

__________________

(١) المختلف ١ : ٣١٧ المسألة ٢٣٣.

(٢) السرائر ١ : ١٧٧.

٤١٨

حدّه بعضهم بسعة عقد الإبهام من اليد وآخر بعقد الوسطى وآخر بعقد السبابة فالأحوط (*) الاقتصار على الأقل وهو الأخير.

[٢٩٧] مسألة ١ : إذا تفشي من أحد طرفي الثوب إلى الآخر فدم واحد (١)

______________________________________________________

وعن آخر نسبته إلى ابن أبي البغل. وعن ثالث أنه منسوب إلى رأس البغل ، ومع هذا الاختلاف كيف يعتمد على شهادته ، فهذا التحديد لا مثبت له ، وكذلك التحديدات الأُخر لعدم قيام الدليل على شي‌ء منها.

وتوهّم أنّ المراد بالدرهم هو الدرهم على نحو القضية الحقيقية بأن يكتفى بكل ما صدق عليه عنوان الدرهم في أي زمان كان ولو كانت سعته أكثر من سعة الدراهم الموجودة في زمانهم عليهم‌السلام مندفع بأنه محض احتمال لا مثبت له ، فان الظاهر من الدرهم في رواياته هو الدرهم المتعارف في عصرهم ، وحيث لم يرد تحديد سعتها في شي‌ء من رواياتهم فمقتضى القاعدة الاقتصار على أقل التحديدات المتقدمة وهو تحديد سعته بسعة عقد السبابة لأنه المقدار المتيقن في البين ، ويرجع فيما زاد على هذا المقدار إلى عموم ما دلّ على مانعية النجس في الصلاة كما هو الحال في غير المقام عند إجمال المخصص لدورانه بين الأقل والأكثر.

ثم إنّا لو ظفرنا بدرهم وأحرزنا أنه كان موجوداً في زمانهم عليهم‌السلام أيضاً لم يمكننا الاعتماد على سعته ، إذ من المحتمل القريب لو لم ندع الجزم به كما مر اختلاف الدراهم الموجودة في زمانهم بحسب الضيق والسعة ، ومعه كيف يعلم أن ما ظفرنا به هو المراد بالدرهم الواقع في رواياتهم ، ولعل سعته أقل أو أكثر من سعة الدراهم المقصودة في الروايات. كما أن تعيين أوزان الدراهم مما لا ثمرة له إذ المدار على سعة الدرهم لا على وزنه كما عرفت ، وقد يكون الدرهم أوسع من غيره وهو أقل وزناً من ذلك ، فلا أثر لتحقيق أن الدرهم ستة دوانيق أو أقل أو أكثر.

(١) لا شبهة في وحدته حينئذ ، إذ الدم ليس من الأعراض الخارجية وإنما هو من‌

__________________

(١) لا يترك.

٤١٩

والمناط في ملاحظة الدرهم أوسع الطرفين (١). نعم لو كان الثوب طبقات فتفشى من طبقة إلى أُخرى فالظاهر التعدد (٢) وإن كانتا من قبيل الظهارة والبطانة ، كما أنه لو وصل إلى الطرف الآخر دم آخر لا بالتفشي ، يحكم عليه بالتعدد (١) وإن لم يكن طبقتين (٣).

______________________________________________________

الجواهر وله أبعاد ثلاثة من العمق والطّول والعرض ، فدائماً له سطح داخلي فقد يُرى من الجانب الآخر وقد لا يُرى.

(١) لصدق أنه دم بقدر الدرهم فما زاد فتجب إزالته وإن كان في الطرف الآخر أقل منه.

(٢) لأنّ التعدّد في الوجود يمنع عن وحدة الدمين ولو كان الثوب واحداً ، كما إذا أصاب الدم الظهارة وتفشى إلى البطانة وكان مجموعهما بمقدار الدرهم فما زاد فإنه مانع عن الصلاة وتجب إزالته لأجلها بناء على عدم اعتبار الاجتماع الفعلي في الحكم بوجوب الإزالة كما هو الصحيح.

(٣) لا يتم الحكم بالتعدد في مثله على إطلاقه ، وذلك لأن الدم في كل من الطرفين قد يتصل بالدم الكائن في الطرف الآخر وقد يبقى بينهما فاصل ولا يتصلان لثخانة الثوب أو لكونه مانعاً من السراية والتفشي كما في النايلون الدارج في زماننا. أما المتصلان فهما دم واحد بالنظر العرفي كالمتفشي من جانب إلى جانب آخر ، بل هما متحدان بالنظر الدقيق الفلسفي لأن الاتصال مساوق للوحدة فلا وجه في مثله لضم أحدهما إلى الآخر وملاحظة بلوغ مجموعهما مقدار الدرهم فإنه دم واحد ، فاذا كان في أحد الجانبين بمقدار الدرهم فهو وإلاّ تشمله أدلة العفو لا محالة. وأما غير المتصلين فهما دمان متعددان فينضم أحدهما إلى الآخر ويلاحظ بلوغ مجموعهما مقدار الدرهم وعدمه.

__________________

(*) بشرط أن لا يتصل أحد الدمين بالآخر ، وإلاّ فالحكم بالتعدد لا يخلو من إشكال.

٤٢٠