موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

الإعادة في الوقت ولا في خارجه إلحاقاً له بجاهل النجاسة ، ذهب الشيخ قدس‌سره إلى ذلك في بعض أقواله (١) واستحسنه المحقق في المعتبر (٢) وجزم به صاحب المدارك (٣) قدس‌سره كما حكي.

وقد يتوهّم أنّ هذا هو مقتضى القاعدة ، إما لأجل أن الناسي غير مكلف بما نسيه لاستحالة تكليف الغافل بشي‌ء ، وحيث إنه لا يتمكن إلاّ من الصلاة في النجس فتركه الطهارة مستند إلى اضطراره ، والإتيان بالمأمور به الاضطراري مجز عن التكليف الواقعي على ما حقق في محله (٤). وإما من جهة أن النسيان من التسعة المرفوعة عن أمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعنى رفعه أن الناسي غير مكلف بالصلاة المقيدة بالجزء أو الشرط المنسيين ، فمانعية النجاسة أو شرطية الطهارة مرتفعة عنه فلا بد من الحكم بصحة صلاته وعدم وجوب الإعادة عليه مطلقاً.

ولا يخفى فساده ، وذلك لأنّ الاضطرار على ما أسلفناه في محلِّه إنما يرفع الأمر بالواجب المركّب من الجزء أو الشرط المضطر إلى تركه وسائر الأجزاء والشروط فالصلاة مع الطهارة غير مأمور بها في حقه ، وأما أن الأمر تعلق بغير الجزء أو الشرط المضطر إلى تركه وهو الصلاة الفاقدة للطهارة في المقام فهو يحتاج إلى دليل وحديث الرفع لا يتكفل ذلك لأنه إنما ينفي التكليف وليس من شأنه الإثبات (٥).

هذا فيما إذا فرض أن النسيان قد استوعب الوقت ، وأما إذا فرض الالتفات في الوقت بأن كان المنسي الطهارة في خصوص ما أتى به فأيضاً لا مجال للتمسك بعموم الحديث ، وذلك مضافاً إلى ما قدمناه من أن حديث الرفع لا يثبت الأمر بغير الجزء أو الشرط المضطر إلى تركه ، أن حديث رفع الخطأ والنسيان غير جار في أمثال المقام ، فانّ النسيان إنما تعلّق بفرد من أفراد الواجب الكلي أو بجزئه وشرطه والأمر إنما يتعلّق‌

__________________

(١) نقله العلاّمة في التذكرة ٢ : ٤٩٠.

(٢) المعتبر ١ : ٤٤١.

(٣) المدارك ٢ : ٣٤٨.

(٤) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢٣٢.

(٥) مصباح الأُصول ٢ : ٤٦٢.

٣٤١

بالطبيعي الجامع بين أفراده ومصاديقه ، فلم يتعلق النسيان بما تعلق به الأمر بل المنسي أمر والمأمور به أمر آخر ، فما تعلّق به النسيان لم يتعلّق به الأمر وما تعلّق به الأمر وهو الجامع لم يتعلّق به النسيان ، فكيف يرتفع الأمر عن الطبيعي الجامع بنسيان فرده أو نسيان جزء ذلك الفرد أو شرطه ، ففي المقام النسيان إنما تعلّق بنجاسة الثوب أو البدن في فرد من أفراد الصلاة والأمر متعلِّق بجامع الأفراد الواقعة بين المبدأ والمنتهى فلا يمكن التمسّك بالحديث في رفع الأمر عن الصلاة المشروطة بالطهارة.

نعم ، لا مانع من التمسك بحديث لا تعاد في الحكم بعدم وجوب الإعادة والقضاء في المقام ، لما عرفت من أن الطهور في الحديث يختص بالطهارة من الحدث فالطهارة من الخبث مما لا تعاد منه الصلاة ، إلاّ أنّ النوبة لا تصل إلى التمسك بلا تعاد لوجود النصوص المتضافرة الواردة في أنّ ناسي النجاسة يعيد صلاته عقوبة لنسيانه وتساهله في غسلها ، وإليك بعضها :

منها : حسنة محمد بن مسلم المتقدِّمة (١) ، حيث ورد فيها « وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه ». ومنها : مصححة الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « في الدم يكون في الثوب إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسل حتى صلّى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد الصلاة » (٢). ومنها : موثقة سماعة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرى في ثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلِّي؟ قال : يعيد صلاته كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه ، عقوبة لنسيانه ، قلت : فكيف يصنع من لم يعلم؟ أيعيد حين يرفعه؟ قال : لا ولكن يستأنف » (٣).

ومنها : صحيحة زرارة المتقدمة قال فيها « قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو‌

__________________

(١) في ص ٣٣٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٣٠ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٨٠ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٥ ، ٢.

٣٤٢

غيره أو شي‌ء من مني فعلّمت أثره إلى أن أُصيب له الماء ، فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئاً وصليت ، ثم إني ذكرت بعد ذلك ، قال : تعيد الصلاة وتغسله » (١). ومنها : صحيحة عبد الله بن أبي يعفور في حديث قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ، ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ، ثم يذكر بعد ما صلّى أيعيد صلاته؟ قال : يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة » (٢) إلى غير ذلك من الأخبار. وبأزائها صحيحة العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلِّي فيه ثم يذكر أنه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة؟ قال : لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له » (٣) حيث تدلّ على صحّة صلاة الناسي وعدم وجوب إعادتها فهما متعارضتان.

وقد يتوهّم أنّ الجمع بينها وبين النصوص المثبتة للإعادة يقتضي حمل تلك النصوص على استحباب الإعادة بدعوى أنها ظاهرة في وجوب الإعادة والصحيحة صريحة في نفيها فبصراحتها يرفع اليد عن ظاهر النصوص المتقدمة وتحمل على استحباب الإعادة لناسي النجاسة.

وفيه : أن رفع اليد عن ظهور أحد الدليلين المتعارضين بصراحة الآخر إنما هو في الدليلين المتكفلين للتكليف المولوي ، كما إذا دلّ أحدهما على وجوب الدعاء حين كذا ودلّ الآخر على النهي عن الدعاء في ذلك الوقت فبصراحة كل منهما يرفع اليد عن ظاهر الآخر ، وأما في الدليلين الارشاديين فلا وجه لهذا الجمع بوجه ، حيث إنهما متعارضان ، لإرشاد أحدهما إلى فساد الصلاة عند نسيان النجاسة وإرشاد الآخر إلى صحتها ، فحالهما حال الجملتين الخبريتين إذا أخبرت إحداهما عن فساد شي‌ء والأُخرى عن صحّته. فالإنصاف أنهما متعارضتان هذا ، على أن قوله عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٨٠ / أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٥ ، ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٣٠ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ١.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٨٠ / أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٣.

٣٤٣

« يعيد صلاته كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه ، عقوبة لنسيانه » غير قابل الحمل على استحباب الإعادة فإن العقوبة لا تناسب الاستحباب ، بل التفصيل في بعض الأخبار المتقدِّمة بين الجاهل والناسي أظهر قرينة على وجوب الإعادة عليه ، إذ لو استحبت الإعادة في حقه لما كان هناك فرق بينه وبين الجاهل ، لأن الجاهل أيضاً تستحب الإعادة في حقه كما تقدم في صحيحة وهب بن عبد ربه وموثقة أبي بصير حيث حملناهما على استحباب الإعادة عليه.

فالصحيح في علاج المعارضة أن يقال : إن النصوص الآمرة بالإعادة من الروايات المشهورة المعروفة ، وصحيحة العلاء النافية لوجوب الإعادة رواية شاذة نادرة كما شهد بذلك الشيخ في تهذيبه (١) ، فبذلك تسقط الصحيحة عن الاعتبار لأنّ الرواية النادرة لا تعارض المشهورة بوجه ، وهذا لا لأنّ الشهرة من المرجحات حتى يقال إنه لا دليل على الترجيح بها فإن المرفوعة ضعيفة غايته ، وكذلك المقبولة لأن عمر بن حنظلة لم تثبت وثاقته وما دلّ على أنه لا يكذب علينا ضعيف ، بل من جهة أن الشهرة إذا بلغت تلك المرتبة في المقام كان معارض المشهور مما خالف السنة وقد أُمرنا بطرح ما خالف السنة أو الكتاب.

وعلى تقدير التنزّل عن ذلك أيضاً لا يمكننا الاعتماد على الصحيحة ، لأنّ العلاّمة في التذكرة نسب القول بعدم وجوب الإعادة في المسألة إلى أحمد (٢) ونسبه الشيخ قدس‌سره إلى جملة معظمة من علمائهم كالأوزاعي والشافعي في القديم وأبي حنيفة وقال : روي ذلك عن ابن عمر (٣) فالصحيحة إذن موافقة للعامّة (٤) ومخالفة العامّة من‌

__________________

(١) أوردها الشيخ في تهذيبه ١ : ٤٢٤ / ١٣٤٥ تارة ، وأُخرى في ٢ : ٣٦٠ / ١٤٩٢ وعقّبها هناك بقوله : فإنه خبر شاذ لا يعارض به الأخبار التي ذكرناها ها هنا وفيما مضى من كتاب الطهارة.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٩٠.

(٣) الخلاف ١ : ٤٧٩ ذيل مسألة ٢٢١.

(٤) قال ابن قدامة الحنبلي في المغني ١ : ٧٥١ الصحيح أن مسألة الجهل بالنجاسة ونسيانها

٣٤٤

المرجّحات ، وبذلك تحمل الصحيحة على التقية ويتعين العمل على طبق النصوص الآمرة بإعادة الصلاة عند نسيان نجاسة الثوب أو البدن.

وبما ذكرناه في الجواب عن صحيحة العلاء يظهر الحال في الأخبار المستفيضة النافية لوجوب الإعادة عمن نسي الاستنجاء وذلك كموثقة عمّار ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لو أن رجلاً نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة » (١) وغيرها من الأخبار الواردة بمضمونها. وذلك لأنّا لا نحتمل أن يكون للنجاسة الناشئة عن الاستنجاء خصوصية في الحكم بعدم وجوب الإعادة. فحال هذه حال صحيحة العلاء فلا يمكن أن يعارض بها الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب الإعادة عند نسيان النجاسة لاشتهارها ومخالفتها للعامة كما مر هذا.

على أنها معارضة في خصوص موردها وهو ناسي الاستنجاء بغير واحد من الأخبار : منها : صحيحة عمرو بن أبي نصر قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أبول وأتوضأ وأنسى استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت؟ قال : اغسل ذكرك وأعد صلاتك ولا تعد وضوءك » (٢). ومنها غير ذلك من الأخبار الآمرة بإعادة الصلاة عند نسيان الاستنجاء.

فالمتحصل أن وجوب الإعادة في المسألة مما لا إشكال فيه بل لعله المتسالم عليه عند الأقدمين ، وإنما الخلاف بينهم في وجوب القضاء وعدمه. نعم ، نسب إلى الشيخ قدس‌سره القول بعدم وجوب الإعادة (٣) إلاّ أن النسبة غير ثابتة وقد أنكرها‌

__________________

واحدة فكما في الجهل يعذر ففي النسيان أولى لورود النص بالعفو. وفي شرح الزرقاني ( فقه مالك ) ج ١ ص ١٦٥ : الطهارة من الخبث شرط في الصحة في حال الذكر والقدرة على المشهور ابتداءً ودواماً. وفي الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ١٦ بعد نقله عن المالكية قولين في إزالة النجاسة قال : فان صلّى بالنجاسة ناسياً أو عاجزاً عن إزالتها فصلاته صحيحة على القولين.

(١) الوسائل ١ : ٣١٨ / أبواب النجاسات ب ١٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ١ : ٢٩٤ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٣.

(٣) نسب إليه العلاّمة في التذكرة ٢ : ٤٩٠.

٣٤٥

بعضهم حيث قال : فما عن الشيخ في بعض أقواله من القول بعدم الإعادة مطلقاً ضعيف جدّاً ، مع أنه غير ثابت عنه بل الثابت خلافه (١). هذا ومما يبعّد تلك النسبة ما قدمنا نقله من تصريح الشيخ بشذوذ صحيحة العلاء ومعه كيف يعتمد عليها في الحكم بعدم وجوب الإعادة في المسألة. وأما الأخبار النافية للإعادة عمّن نسي الاستنجاء فقد عرفت أنها معارضة في نفس موردها ، مضافاً إلى معارضتها مع الأخبار الآمرة بالإعادة على ناسي النجاسة فلا دليل يعتمد الشيخ عليه في الحكم بعدم وجوب الإعادة في المسألة.

وأمّا القضاء فقد تقدم أن المشهور عدم الفرق في وجوب الإعادة بين الوقت وخارجه. وعن جماعة عدم وجوبها في خارجه ، ولعل الوجه فيه أن المتيقن مما دلّ على عدم وجوب الإعادة على ناسي النجاسة إنما هو عدم وجوبها خارج الوقت ، كما أن المتيقن مما دلّ على وجوبها إنما هو وجوبها في الوقت فنرفع اليد عن ظاهر كل من الطائفتين بنص الطائفة الأُخرى ، لأنه مقتضى الجمع العرفي بين المتعارضين ، والنتيجة وجوب الإعادة في الوقت وعدم وجوبها في خارجه كما جمع بعضهم بذلك بين الأخبار الواردة في بطلان بيع العذرة وأن ثمنها سحت ، وبين الأخبار الواردة في صحته وأنه لا بأس بثمن العذرة (٢) بدعوى أن المتيقن من العذرة في الأخبار المانعة عذرة ما لا يؤكل لحمه والمتيقن منها في الأخبار المجوّزة عذرة ما يؤكل لحمه ، والجمع العرفي بينهما يقتضي حمل الظاهر من كل منهما على نصّ الآخر ونتيجته جواز بيع العذرة مما يؤكل لحمه وعدم جوازه مما لا يؤكل لحمه.

ويدفعه : أنّ الجمع بذلك جمع تبرعي صرف وليس من الجمع العرفي في شي‌ء ، لأنه إنما يصح فيما إذا كان هناك لفظان كان أحدهما ظاهراً في شي‌ء والآخر في شي‌ء آخر فيكون النص من كل منهما قرينة على إرادة خلاف الظاهر من الآخر ، وأما مع الاتحاد في اللّفظ والدلالة في كلتا الطائفتين فلا مساغ لذلك ، حيث إن المتبع هو الظهور‌

__________________

(١) الجواهر ٦ : ٢١٧.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٧٥ / أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ٢ ، ٣.

٣٤٦

والمفروض أنهما ظاهرتان في شي‌ء واحد لوحدة اللفظ والدلالة وإنما تختلفان في الحكم ، فهما من المتعارضين ولا يأتي فيهما الجمع العرفي بحمل إحداهما على شي‌ء والأُخرى على شي‌ء آخر ، وعليه فالصحيح ما سلكه المشهور من أن الإعادة لا فرق في وجوبها بين الوقت وخارجه لإطلاقات الأخبار المتقدمة هذا.

على أنّ حسنة محمد بن مسلم المتقدِّمة (١) صريحة الدلالة على وجوب القضاء في المسألة حيث ورد في ذيلها « وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه » فان ظاهر « صلاة كثيرة » هي الفرائض الكثيرة دون النوافل المتعددة وقد دلت على وجوب إعادتها عند تذكر النجاسة بعد مضي وقتها. ونظيرها رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال : إن كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي ولا ينقص منه شي‌ء وإن كان رآه وقد صلّى فليعتد بتلك الصلاة ثم ليغسله » (٢) هذا.

وربما يستدل على التفصيل بين الوقت وخارجه بما عن علي بن مهزيار قال : « كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنه بال في ظلمة الليل وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم يره ، وأنه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلّى؟ فأجابه بجواب قرأته بخطِّه : أما ما توهّمت مما أصاب يدك فليس بشي‌ء إلاّ ما تحقّق ، فان حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قِبَل أن الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت ، وإذا كان جنباً أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ، لأن الثوب خلاف الجسد ، فاعمل على ذلك إن شاء الله » (٣) فإنها كما ترى صريحة في التفصيل بين الوقت وخارجه لقوله ( عليه‌

__________________

(١) في ص ٣٣٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٧٧ / أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ١٠.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٧٩ / أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ١.

٣٤٧

السلام ) : « إن الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت » ومعناه أنه لا يعيد الصلاة في غير وقتها.

وقد نوقش في الاستدلال بهذه الرواية باضطراب متنها وإجمال عبائرها ، وقد شهد باجمالها المحدث الكاشاني قدس‌سره حيث حكي عنه : أن الرواية يشبه أن يكون قد وقع فيه غلط من النسّاخ ، ومع إجمال الرواية لا يمكن أن تنهض حجّة لإثبات حكم شرعي (١).

ولا يخفى ما في هذه المناقشة أما أولاً : فلأجل أن إجمال جملة من جملات الرواية واضطراب بعضها من حيث الدلالة لا يكاد يسري إلى جملاتها الصريحة بوجه ، فالقاعدة أن يؤخذ بصريحها وتطرح مجملاتها ومتشابهاتها ، وقوله : « لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت » لا نرى فيه أي إجمال أو اضطراب فلا إجمال في دلالته. وأما ثانياً : فلما قدّمناه في بحث تنجيس المتنجس من أن الرواية غير مجملة ولا أنها مضطربة المتن في شي‌ء (٢). نعم ، هي من جملة الأدلة القائمة على عدم تنجيس المتنجس وبذلك يرتفع الاضطراب المتوهم عن الحديث ، فان الوجه في قوله : « أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه » إنما هو نجاسة بدنه أعني كفه ، لا بطلان وضوئه فإنه بناء على عدم تنجيس المتنجس محكوم بصحته ، حيث إن كفه المتنجسة التي يبست بالتمسح بالخرقة لا تنجس ما يلاقيها من الماء أو غيره ومع طهارة الماء يحكم بصحة الوضوء وإن كان بعض أعضائه وهو كفه متنجساً ، حيث لا دليل على اعتبار طهارة الأعضاء في الوضوء إلاّ من جهة عدم سراية النجاسة إلى الماء ، ومع البناء على عدم تنجيس المتنجس يبقى ماء الوضوء وسائر أعضائه على طهارته ، فنجاسة الكف لا تكون مانعة عن صحّة الوضوء ، فبطلان الصلوات حينئذ مستند إلى نجاسة بدنه وكفّه ، والمكلف حينما توضأ وإن كان غسلها لا محالة إلاّ أن النجاسة المفروضة في الرواية لما كانت هي نجاسة البول وهي تحتاج إلى غسلها مرتين بالماء القليل لم يكف‌

__________________

(١) الوافي ٦ : ١٥٣.

(٢) تقدّم في ص ٢٢٨.

٣٤٨

مطلقاً سواء تذكر بعد الصلاة أو في أثنائها (١)

______________________________________________________

غسل كفه مرة واحدة في طهارتها ، فلو كان قد اكتفى بالوضوء مرة واحدة بطلت صلاته لنجاسة بدنه وهو المراد بقوله : « تعيد الصلوات اللّواتي كنت صليتهنّ بذلك الوضوء بعينه » نعم ، إذا توضأ مرة ثانية ولم يكتف بذلك الوضوء بعينه طهرت كفه المتنجسة لتعدد غسلها فلا تبطل صلواته اللواتي صلاّهن بغير الوضوء الأول.

وعلى الجملة لا تشويش في الرواية ولا اضطراب في متنها غير أنها مبتنية على عدم تنجيس المتنجس فلا مانع من الاستدلال بها من هذه الجهة. نعم ، الرواية مخدوشة السند بسليمان بن رشيد حيث لم يظهر أنه من هو ولم يعلم حاله ولعله قاض من قضاة الجمهور ومن أحد حكّامهم ، ومثله إنما ينقل عن أئمة مذهبه لا عن أئمتنا عليهم‌السلام فلم يثبت أن الرواية منقولة عنهم عليهم‌السلام ومعه كيف يمكن الاعتماد عليها في الاستدلال. نعم ، إدراج الرواية في أخبارنا المدرجة في الجوامع المعتبرة قد يؤثر الظن بصدورها عن المعصومين عليهم‌السلام إلاّ أنه مجرد ظن والظن لا يغني من الحق شيئاً ، فالصحيح ما سلكه المشهور في المقام من أن الناسي لا فرق في وجوب الإعادة في حقّه بين الوقت وخارجه.

(١) بفحوى الأخبار المتقدِّمة الآمرة بالإعادة على الجاهل إذا التفت إلى نجاسة ثوبه أو بدنه في أثناء الصلاة ، حيث إنها تدل على وجوب الإعادة عند نسيان النجاسة والالتفات إليها في أثناء الصلاة بالأولوية ، لأن النسيان هو الجهل بعينه بزيادة السبق بالعلم ، فالبطلان مع النسيان أولى منه مع الجهل هذا. على أن المسألة منصوصة كما في صحيحة ابن سنان المتقدِّمة (١) المروية عن كتاب المشيخة لابن محبوب حيث ورد فيها « وإن كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله ثم رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله وأعد صلاتك » وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء ، قال : ينصرف‌

__________________

(١) في ص ٣٣٥.

٣٤٩

أمكن التطهير أو التبديل أم لا (١).

[٢٧٧] مسألة ١ : ناسي الحكم تكليفاً أو وضعاً كجاهله في وجوب الإعادة والقضاء (*) (٢).

[٢٧٨] مسألة ٢ : لو غسل ثوبه النجس وعلم بطهارته ثم صلّى فيه ، وبعد ذلك تبيّن له بقاء نجاسته (٣) فالظاهر أنه من باب الجهل بالموضوع‌

______________________________________________________

ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة .. » (١).

(١) لإطلاقات الأخبار الدالة على أن ناسي النجاسة يعيد صلاته.

(٢) لا إشكال في أن ناسي الحكم كجاهله ، فإن الناسي هو الجاهل بعينه إذ لا واسطة بين العالم والجاهل ، حيث إن المكلف إما أن ينكشف لديه الشي‌ء وإما أن لا ينكشف ، الثاني هو الجاهل والناسي أيضاً كذلك لعدم انكشاف الحكم لديه إما لتقصيره وإما لقصوره ، فكون الناسي داخلاً في موضوع الجاهل مما لا شبهة فيه ، وإنما الكلام في أن حكمه أيضاً حكم الجاهل أو أن له حكماً يخص به؟ وبما أنه ظهر مما تقدم أنه لا مانع من شمول حديث لا تعاد للجاهل غير الناسي فضلاً عن الجاهل الناسي فالأقرب صحة صلاته ، إلاّ أن الحكم بالصحة يختص بما إذا كان الناسي معذوراً كما كان هذا هو الحال في الجاهل غير الناسي.

(٣) فهل مثله يلحق بناسي موضوع النجس لسبق علمه به وإن كان جاهلاً في حال الصلاة أو يلحق بجاهله؟ الثاني هو الصحيح ، وذلك لأنّ المستفاد من صحيحة زرارة المتقدِّمة (٢) وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه ، وإن علم قبل أن يصلِّي فنسي وصلّى فيه فعليه الإعادة » (٣) أن المناط في صحة الصلاة إنما هو عدم تنجز‌

__________________

(*) هذا فيما إذا لم يكن معذوراً وإلاّ فلا تجب الإعادة فضلاً عن القضاء.

(١) الوسائل ١ : ٣١٥ / أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢ ، ب ١٠ ح ٤.

(٢) في ص ٣٢٧.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٧٦ / أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٧.

٣٥٠

فلا يجب عليه الإعادة والقضاء. وكذا لو شك في نجاسته ثم تبيّن بعد الصلاة أنه كان نجساً (١) وكذا لو علم بنجاسته فأخبره الوكيل في تطهيره بطهارته أو شهدت‌

______________________________________________________

النجاسة حالها ، كما هو مقتضى قوله : « فصلّى فيه وهو لا يعلم » ولم يقل : لم يعلم ، فكل من صلّى في النجس وهو غير عالم به ولم تتنجز النجاسة في حقه يحكم بصحة صلاته وإنما يستثني من ذلك خصوص من نسي موضوع النجاسة ، وبما أن من غسل ثوبه واعتقد طهارته غير عالم بنجاسة ثوبه ولم تتنجز نجاسته عليه في حال الصلاة ولا يصدق عليه عنوان الناسي قطعاً فلا محالة يحكم بصحة صلاته ، هذا.

على أنّ المسألة منصوصة لحسنة ميسر قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فأُصلي فيه فاذن هو يابس؟ قال : أعد صلاتك ، أما إنك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء » (١) حيث صرّحت بأنك لو غسلت ثوبك وصلّيت فيه ثم ظهر عدم زوال النجاسة عنه لم تجب إعادتها وحيث لا معارض لها فلا مناص من العمل على طبقها. وأما الأمر بالإعادة على تقدير أن غسله غيره كما في صدرها فهو في الحقيقة تخصيص في الأدلة المتقدمة النافية للإعادة عن الجاهل بموضوع النجس ، ومرجعه إلى الردع عن العمل بأصالة الصحة الجارية في عمل الغير بحسب البقاء وبعد انكشاف الخلاف ، لا بحسب الحدوث والابتداء وإلاّ لم يجز له الشروع في الصلاة فيه ، ولا دلالة في الرواية على عدم جواز الشروع بل فيها دلالة على الجواز. وعلى الجملة أن صدر الحسنة إما أن يحمل على ما ذكرناه من عدم جواز الاعتماد على أصالة الصحّة في عمل الغير بعد انكشاف الخلاف ، وإما أن يحمل على استحباب إعادة الصلاة وغسل الثوب حينئذ.

(١) ما أفاده قدس‌سره من الحكم بصحّة الصلاة في مفروض المسألة وإلحاقه بصورة الجهل بموضوع النجس وإن كان كما أفاده ، لما تقدّم من أنّ المناط في الحكم بصحّة الصلاة في النجس عدم تنجّز النجاسة حال الصلاة ، بل قدّمنا سابقاً أن‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٢٨ / أبواب النجاسات ب ١٨ ح ١.

٣٥١

البيِّنة بتطهيره ثم تبيّن الخلاف (١).

______________________________________________________

الفحص غير لازم في مثلها فما ظنك بوجوب الإعادة حينئذ ، إلاّ أنه لم يكن محتاجاً إلى البيان لأنه بعينه من الجهل بموضوع النجس ولم يقع إشكال في صحة الصلاة معه وهو بعينه مورد صحيحة زرارة المتقدمة « فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئاً ثم صلّيت فرأيت فيه ، قال : تغسله ولا تعيد الصلاة » (١).

(١) وذلك لما تقدم من أن المناط في عدم وجوب الإعادة جهل المصلي بنجاسة ثوبه أو بدنه حال الصلاة وعدم تنجزها عليه وهو متحقق في المقام ، لعدم تنجز النجاسة الواقعية بقيام البينة أو غيرها من الأمارات على خلافها فلا كلام في صحّة صلاته ، وإنما المناقشة في ثبوت الطهارة باخبار الوكيل ، فإن الوكالة المعتبرة التي هي من العقود مختصة بالأُمور الاعتبارية التي منها العقود والإيقاعات ، وأما الأُمور التكوينية كالأكل والغسل والتطهير ونحوها فغير قابلة للوكالة ، لأن أكل الوكيل مثلاً لا يكون أكلاً لموكله كما يكون بيعه بيعاً له حقيقة. نعم ، التوكيل بحسب اللّغة يعم الأُمور التكوينية وغيرها فيقال : أوكل أمره إلى كذا ، اللهُمَّ إنّا نتوكّل عليك في أُمورنا. فهو بمعنى الإيكال والإحالة وخارج عن الوكالة الشرعية ولا يترتّب عليه آثارها ، وعليه فان كان الغاسل موثقاً وقلنا باعتبار خبر الثقة في الموضوعات الخارجية ، فلا محالة يكون إخباره عن طهارة الثوب معتبراً فلا إشكال في ثبوتها باخباره ، ولكن ذلك لا يختص بالوكيل. وأما إذا أنكرنا اعتباره في الموضوع الخارجي فلا يترتّب على إخبار الوكيل أثر ولا تثبت به طهارة الثوب إلاّ من باب العمل بأصالة الصحّة في عمل الوكيل ، ولكنّك عرفت أنّ أصالة الصحة في عمل الغير غير مجزئة ولا معتبرة بعد انكشاف الخلاف على ما استفدناه من حسنة ميسر المتقدمة ، فلا يترتّب عليها سوى جواز الدخول في الصلاة فيما علم بنجاسته سابقاً وأخبر الوكيل بغسله وتطهيره.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٧٧ / أبواب النجاسات ب ٤١ ح ١. وقد تقدّمت في ص ٣٢٧.

٣٥٢

وكذا لو وقعت قطرة بول أو دم مثلاً وشك في أنها وقعت على ثوبه أو على الأرض ثم تبيّن أنها وقعت على ثوبه ، وكذا لو رأى في بدنه أو ثوبه دماً ، وقطع بأنه دم البق أو دم القروح المعفو ، أو أنه أقل من الدرهم ، أو نحو ذلك ، ثم تبيّن أنه مما لا يجوز الصلاة فيه ، وكذا لو شك في شي‌ء (*) من ذلك ثم تبيّن أنه مما لا يجوز ، فجميع هذه من الجهل بالنجاسة لا يجب فيها الإعادة أو القضاء (١).

______________________________________________________

(١) مقتضى صحيحة زرارة كما مر أن المناط في بطلان الصلاة في النجس علم المصلي بنجاسة ثوبه أو بدنه وتنجزها عليه حال الصلاة ، فإذا لم يكن عالماً بنجاستهما ولم تتنجز النجاسة في حقه فلا محالة يحكم بصحة صلاته وعدم وجوب الإعادة عليه وذلك لأنها عللت الحكم بعدم وجوب الإعادة بقوله : « لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت .... » وهو كالصريح في أن المانع عن صحة الصلاة في النجس إنما هو تنجز النجاسة على المصلي حال الصلاة ، فمع عدم علمه وعدم تنجزها عليه لا يحكم ببطلان صلاته ولا بوجوب الإعادة عليه ، وقد خرجنا عن هذا الضابط في خصوص ناسي النجس بالنصوص المتقدمة القائمة على بطلان صلاته مع عدم تنجز النجاسة عليه لنسيانه وعذره ، وذلك عقوبة لتساهله ونسيانه حتى يحتفظ بطهارة ثوبه وبدنه.

وعلى هذا الضابط تتفرع فروع : منها ما تقدم. ومنها : ما إذا وقعت قطرة بول أو دم مثلاً وشك في أنها هل وقعت على ثوبه أو على الأرض ، ثم تبينت إنها واقعة على ثوبه. ومنها : الفرعان المذكوران بعد ذلك فإن النجاسة غير منجزة في جميعها ، ومعه يحكم بصحة صلاته وعدم وجوب الإعادة في حقه ، فان المفروض عدم انطباق عنوان الناسي عليه.

ثم إن ما أفاده الماتن في هذه المسألة من أن المصلي إذا شك في أن الدم من المعفو أو من غيره فصلّى ثم تبيّن أنه مما لا يجوز لم تجب عليه الإعادة ، لا ينافي ما يأتي منه قدس‌سره من البناء على عدم العفو فيما إذا شك في أن الدم من الجروح أو القروح أو‌

__________________

(*) هذا فيما إذا جاز الصلاة فيه مع التردد.

٣٥٣

[٢٧٩] مسألة ٣ : لو علم بنجاسة شي‌ء فنسي ولاقاه بالرطوبة ، وصلّى ثم تذكر أنه كان نجساً وأن يده تنجست بملاقاته (١) فالظاهر أنه أيضاً من باب الجهل بالموضوع لا النسيان ، لأنه لم يعلم نجاسة يده سابقاً والنسيان إنما هو في نجاسة شي‌ء آخر غير ما صلّى فيه. نعم ، لو توضأ أو اغتسل قبل تطهير يده وصلّى كانت باطلة (١) من جهة بطلان وضوئه أو غسله.

______________________________________________________

من غيرهما ، أو شك في أنه بقدر الدرهم أو أقل حيث احتاط فيهما احتياطاً لزومياً وبنى على عدم العفو في كلا الموردين. والوجه في عدم منافاتهما أن كلامه قدس‌سره في المقام مبني على القول بجواز الدخول في الصلاة مع الشك في أن الدم من المعفو أو من غيره ، وهذا لا يضره الحكم بعدم العفو فيما إذا لم نبن على جواز الدخول في الصلاة مع الشك في أنّ الدم من المعفو كما يأتي عن قريب (١). وبعبارة واضحة : أنّ البحث في المقام متمحض في لزوم الإعادة وعدمه من ناحية أن المقام داخل في صغرى الجهل بالنجاسة أو غير داخل فيها ، والبحث في المسألتين المذكورتين إنما هو في جواز الدخول في الصلاة مع الشك في أن الدم من المعفو أو من غيره ، فعلى تقدير البناء على جوازه لا محذور في الحكم بعدم وجوب الإعادة في المقام لجهل المكلف بالنجاسة وعدم صدق عنوان الناسي عليه.

(١) بأن تكون النجاسة منسية من جهة ومجهولة من جهة ، فإن نجاسة ثوبه أو بدنه إذا كان هو الملاقي للنجس مجهولة ولا يعلم بها المصلي من الابتداء ، ونجاسة الملاقي كالإناء الذي لاقته يده أو ثوبه وهو السبب في نجاستهما منسية لعلمه بنجاسته سابقاً ، فهل يحكم ببطلان الصلاة في مثلها؟

الصحيح لا ، لعدم تنجّز النجاسة على المصلِّي حال الصلاة لجهله بنجاسة يده أو ثوبه ، وأما نجاسة الإناء الذي هو السبب في نجاستهما فهي وإن كانت منسية إلاّ أن‌

__________________

(*) هذا فيما إذا لم يطهر العضو المتنجس بنفس الوضوء أو الغسل.

(١) في ص ٤٢٢.

٣٥٤

[٢٨٠] مسألة ٤ : إذا انحصر ثوبه في نجس فان لم يمكن نزعه حال الصلاة لبرد أو نحوه صلّى فيه (١)

______________________________________________________

ما دلّ على أن نسيان النجاسة موجب لبطلان الصلاة الواقعة في النجس إنما دلّ على بطلانها فيما إذا نسي نجاسة بدنه أو ثوبه الذي صلّى فيه ، وما صلّى فيه المكلف في مفروض المسألة ليس بمنسي النجاسة وهو يده أو ثوبه وإنما هو مجهول النجاسة وما نسيت نجاسته هو السبب ولا اعتبار بنسيان نجاسته ، فما نسيت نجاسته لم تقع فيه الصلاة وما وقعت فيه الصلاة لم تنس نجاسته فصلاته صحيحة.

نعم ، لو كان ملاقي الإناء النجس مثلاً عضواً من أعضاء الغسل أو الوضوء ، فتوضأ أو اغتسل قبل تطهير ذلك العضو المتنجس يحكم ببطلان الصلاة حينئذ ، ولكنه لا من جهة مانعية النجاسة المجهولة عن الصلاة بل من جهة بطلان وضوئه أو غسله ، بناء على اشتراط طهارة محل الغسل أو الوضوء في صحتهما على خلاف في ذلك يأتي في محلِّه (١) إلاّ أنه خارج عن مورد البحث والنزاع ، إذ الكلام إنما هو في مانعية نجاسة الثوب والبدن في الصلاة لا في بطلانها ببطلان الغسل أو الوضوء ، حيث إن بطلان الصلاة ببطلانهما مما لا إشكال فيه حتى مع الجهل بنجاسة منشأ نجاسة اليد أو غيرها من أعضائهما ، كما إذا لم يعلم بنجاسة الإناء أصلاً ولاقته يده فتوضأ وصلّى وعلم بنجاسته بعد الصلاة.

(١) لأنه المقدار المتيقن من الأخبار الآمرة بالصلاة في الثوب المتنجس كما يأتي في المسألة الآتية ، فإن إطلاقها وإن كان يشمل غير صورة الاضطرار إلى لبس المتنجس ونلتزم فيها أيضاً بالجواز ، إلاّ أن المقدار المتيقن منها صورة الاضطرار إلى لبسه. مضافاً إلى الضرورة والإجماع وغيرهما مما دلّ على أن الصلاة لا تسقط بحال ، وأن المكلف معذور فيما هو خارج عن قدرته والله سبحانه أولى بالعذر في مثله ، وأنه بلاء ابتلي به كما في روايات السلس والبطن (٢) وهذا هو الوجه في وجوب الصلاة في الثوب‌

__________________

(١) ذيل المسألة [٥٣٩] ( فصل في شرائط الوضوء. الثاني ).

(٢) راجع حسنة منصور وموثقة سماعة المرويتين في الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض

٣٥٥

ولا يجب عليه الإعادة أو القضاء (١)

______________________________________________________

المتنجس عند الاضطرار ، وليس الوجه فيه عدم شمول أدلة مانعية النجس في الصلاة لصورة الاضطرار ، حيث إنها مطلقة تشمل صورة الاضطرار وغيرها في أنفسها.

(١) أما القضاء فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوبه في مفروض المسألة ، لأن موضوعه فوات الواجب في وقته ولم يتحقق الفوت في المسألة ، لأنه مأمور بالصلاة في الثوب المتنجس وقد أتى بها في وقتها مشتملة على أجزائها وشرائطها ، حيث إن المانعية قد سقطت في حال الاضطرار ، إذ الأمر بالصلاة في الثوب المتنجس ومانعية النجاسة عن الصلاة حتى في حال الاضطرار أمران لا يجتمعان ، وعليه فلم يفت عنه الواجب في ظرفه حتى يجب قضاؤه.

وأمّا الإعادة في الوقت فالمعروف بينهم عدم وجوبها ، وعن الشيخ قدس‌سره في بعض كتبه وجوب الإعادة (١) ، ونقل عن ابن الجنيد أن من ليس معه إلاّ ثوب واحد نجس يصلي فيه ويعيد في الوقت إذا وجد غيره ، ولو أعاد إذا خرج الوقت كان أحب إليَّ (٢) ، وعن المدارك (٣) والرياض نسبة القول بوجوب الإعادة إلى جماعة (٤).

وقد استدل لهم بموثقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه سئل عن رجل ليس عليه إلاّ ثوب ولا تحل الصلاة فيه ، وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال : يتيمّم ويصلِّي فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة » (٥) وهي على طبق القاعدة لما قدمناه عند التكلّم على الإجزاء من أن الإتيان بالمأمور به الاضطراري إنما يجزئ إذا كان الاضطرار مستوعباً للوقت بتمامه ، وأما إذا كان الاضطرار في بعض الوقت‌

__________________

الوضوء ب ١٩ ح ٢ ، وص ٢٦٦ ب ٧ ح ٩.

(١) النهاية : ٥٥ ، المبسوط ١ : ٩١.

(٢) نقله في الحدائق ٥ : ٣٥٠ عن المختصر.

(٣) المدارك ٢ : ٣٦٢.

(٤) رياض المسائل ٢ : ٤٠٨.

(٥) الوسائل ٣ : ٤٨٥ / أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٨.

٣٥٦

دون بعضه فلا يتحقق معه الاضطرار إلى ترك الواجب ، حيث إنّ الأمر إنما يتعلق بالطبيعي الجامع بين أفراده العرضية والطولية ، ومع التمكّن من إيجاده في ضمن أيّ فرد مشتمل على شرائطه وأجزائه لا يتحقّق الاضطرار إلى ترك المأمور به ، فهو من الاضطرار إلى ترك فرد من أفراد الواجب لا إلى ترك المأمور به ، والفرق بينهما من الوضوح بمكان.

نعم ، إذا اعتقد بقاء اضطراره أو استصحب بقاءه إلى آخر الوقت جاز له البدار ، إلاّ أنه لا يجزئ عن المأمور به الواقعي فيما إذا ارتفع عذره في أثناء وقت الواجب كما عرفت. فما تضمّنته الموثقة هو الذي تقتضيه القاعدة ، فسواء كانت هناك رواية أم لم تكن لا مناص من الالتزام بمضمونها ، فوجود الموثقة وعدمها سيان ، إلاّ أنّا مع ذلك لا نلتزم بوجوب الإعادة في المقام وذلك لحديث لا تعاد ، حيث دلّ على أن الطهارة الخبثية لا تعاد منها الصلاة ، وقد مرّ أن الحديث يشمل الناسي والجاهل كليهما والمكلف في المقام حيث إنه جاهل باشتراط الطهارة الخبثية في صلاته فإنه بادر إلى الصلاة في ثوبه المتنجس بالاستصحاب أو باعتقاد بقاء عذره إلى آخر الوقت فهو لا يعلم باشتراط الطهارة في صلاته فلا تجب عليه إعادتها بالحديث. وأما الموثقة فهي أجنبية عما نحن فيه حيث إن موردها تيمم المكلف للصلاة بدلاً عن الجنابة أو الوضوء مع عدم اضطراره إليه واقعاً لفرض أنه وجد الماء قبل انقضاء وقت الصلاة ، وقد عرفت أن مقتضى القاعدة فيه بطلان الصلاة ووجوب الإعادة بعد ارتفاع الاضطرار ، ولا دليل على أن ما أتى به مجزئ عن المأمور به ، وحديث لا تعاد لا ينفي الإعادة من الإخلال بالطهارة من الحدث حيث إنها مما تعاد منه الصلاة ، وهذا بخلاف المقام لعدم الإخلال فيه إلاّ بالطهارة من الخبث وهي مما لا تعاد منه الصلاة. وعلى الجملة أن الفارق بين المقام وبين مورد الموثقة قيام الدليل على الإجزاء فيما نحن فيه وهو حديث لا تعاد بخلاف مورد الموثقة كما عرفت.

بقي شي‌ء : وهو أن الموثقة إنما وردت في من تيمم ولم يكن فاقداً للماء في تمام وقت الصلاة وإنما كان فاقداً له في بعضه ، وهذا هو الذي قلنا إن القاعدة تقضي فيه بوجوب الإعادة وبطلان الصلاة ، لأن المدار في صحة التيمم على الفقدان في تمام الوقت دون بعضه ، بل قلنا لا مسوّغ فيه للبدار إلاّ أن يستند إلى ترخيص ظاهري أو تخيلي وهما‌

٣٥٧

وإن تمكّن من نزعه ففي وجوب الصلاة فيه أو عارياً أو التخيير وجوه (١) الأقوى الأوّل ، والأحوط تكرار الصلاة.

______________________________________________________

غير مفيدين للاجزاء على تقدير ارتفاع الاضطرار قبل خروج وقت الصلاة ، ولأجل هذا كانت الإعادة فيه على طبق القاعدة.

وهناك مسألة أُخرى نلتزم فيها باستحباب الإعادة وعدم وجوبها ولعله المعروف بينهم ، وهي ما إذا تيمم لصلاة سابقة وصلّى ولم ينتقض تيممه حتى دخل وقت فريضة أُخرى وأتى بها بتيمّمه السابق ، وبعد ذلك وجد الماء في أثناء وقت الفريضة الأُخرى ، إلاّ أنها غير المسألة المبحوث عنها في المقام ، إذ المفروض في تلك المسألة أن المكلف على الطهارة حقيقة لفقدانه الماء في تمام وقت الفريضة المتقدمة ، وطهارته وإن كانت ترابية إلاّ أنها باقية بحالها حين إتيان الفريضة الأخيرة ، لوضوح أن دخول وقت الفريضة لا يكون ناقضاً للطهارة بوجه ، ومع إتيانه الفريضة متطهِّراً حقيقة لا وجه لوجوب الإعادة عليه. نعم ، لا مانع من استحبابها كما يأتي في محلِّه (١) وأين هذا من مفروض الرواية ، فإن المصلي في موردها لم يكن فاقداً للماء في مجموع وقت الصلاة فلم تنعقد له طهارة من الابتداء ، ومعه لا وجه لحمل الأمر بالإعادة في الرواية على الاستحباب.

(١) بل أقوال أشهرها وجوب الصلاة عارياً ، ودونه القول بالتخيير بينها وبين الصلاة في الثوب المتنجس ، ودونهما القول بوجوب الصلاة في الثوب المتنجس خاصّة. ومنشأ اختلاف الأقوال هو اختلاف الأخبار الواردة في المسألة فقد ورد في جملة من الأخبار الصحاح الأمر بالصلاة في الثوب المتنجس ، وهي وإن لم تبلغ من الكثرة مرتبة التواتر إلاّ أن دعوى القطع بصدور بعضها عنهم عليهم‌السلام غير بعيدة :

منها : صحيحة الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره ( آخر ) قال : يصلي فيه فاذا وجد الماء غسله » (٢) ومنها :

__________________

(١) لاحظ المسألة [١١٤٢].

(٢) الوسائل ٣ : ٤٨٤ / أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ١.

٣٥٨

صحيحته الأُخرى « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله؟ قال : يصلي فيه » (١).

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب في ثوبه ليس معه غيره ولا يقدر على غسله ، قال : يصلِّي فيه » (٢). ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كله دم ، يصلِّي فيه أو يصلِّي عرياناً؟ قال : إن وجد ماء غسله ، وإن لم يجد ماء صلّى فيه ولم يصل عرياناً » (٣). ومنها : غير ذلك من الأخبار.

وبأزائها جملة من الأخبار دلت على وجوب الصلاة عارياً منها : مضمرة سماعة قال : « سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلاّ ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال : يتيمم ويصلي عرياناً قاعداً يومي إيماء » (٤). ومنها : مضمرته الأُخرى قال : « سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب وليس عليه إلاّ ثوب فأجنب فيه وليس يجد الماء؟ قال : يتيمم ويصلي عرياناً قائماً يومي إيماء » (٥). ومنها : رواية محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة وليس عليه إلاّ ثوب واحد وأصاب ثوبه مني؟ قال : يتيمم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعاً فيصلي ويومي إيماء » (٦). ومنها غير ذلك من الأخبار.

هذه هي الأخبار الواردة في المسألة ، فمن الأصحاب من رجح الطائفة السابقة على الثانية ، لاشتمالها على المرجح الداخلي أعني صحتها وكونها أكثر عدداً من الثانية‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٨٤ / أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٨٤ / أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٨٤ / أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٥.

(٤) الوسائل ٣ : ٤٨٦ / أبواب النجاسات ب ٤٦ ح ١.

(٥) الوسائل ٣ : ٤٨٦ / أبواب النجاسات ب ٤٦ ح ٣.

(٦) الوسائل ٣ : ٤٨٦ / أبواب النجاسات ب ٤٦ ح ٤.

٣٥٩

ومنهم من عكس الأمر لاشتمال الطائفة الثانية على المرجح الخارجي أعني عمل المشهور على طبقها ، ومنهم جمع ثالث قد أخذوا بكل واحدة من الطائفتين لما فيهما من المرجحات ، ومن هنا ذهبوا إلى التخيير بين الصلاة عارياً وبين الإتيان بها في الثوب المتنجس.

وذهب صاحب المدارك إلى عدم المعارضة بين الطائفتين ، لأن الطائفة الأُولى صحاح بخلاف الثانية ولا اعتبار بغير الصحيحة ولو كان موثقة (١). وما ذكره قدس‌سره متين على ما سلكه من عدم حجية غير ما يرويه الإمامي العدل أو الثقة ، وأما بناء على ما هو الصحيح المعمول به من كون الموثقة كالصحيحة في الاعتبار فلا وجه لما أفاده ، لأن الطائفتين حينئذ على حد سواء ولا يكون وصف الصحة مرجحاً أبداً ومعه لا مزيّة في البين والطائفتان متعارضتان.

والذي يوهن الطائفة الثانية أن روايتي سماعة مضمرتان ، وليس سماعة في الجلالة والاعتبار كمحمد بن مسلم وزرارة وأضرابهما حتى لا يحتمل سؤاله عن غير الإمام ، ولعلّه سأل غيره ولو ممن رآه أهلاً للسؤال ، ومن المحتمل أن يكون قد سأل شخصين آخرين غير الإمام عليه‌السلام. ويؤكده اختلاف الروايتين في الجواب حيث ورد في إحداهما : « إنه يصلِّي قاعداً » ودلت الأُخرى على أنه يصلي قائماً ، ومعه كيف يمكن الجزم بأن المسئول في الروايتين هو الإمام عليه‌السلام. فالروايتان ساقطتان عن الاعتبار.

وأما رواية الحلبي ففي سندها محمد بن عبد الحميد ، وأبوه عبد الحميد وإن كان موثقاً وقد ورد في صحيحة إسماعيل بن بزيع : « إذا كان القيّم به مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس » (٢) إلاّ أن ابنه الواقع في سلسلة الحديث وهو محمد لم تثبت وثاقته ، فان كل من وثقه من علماء الرجال قد تبع النجاشي في توثيقه ، ولكن العبارة المحكية عنه غير وافية في توثيق الرجل ، حيث قال في محكي كلامه : « محمد بن‌

__________________

(١) راجع المدارك ٢ : ٣٦٠ ٣٦١.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٦٣ / أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٦ ح ٢.

٣٦٠