موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٢٥٥] مسألة ١٤ : إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد فإن أمكنه إزالتها بدون المكث في حال المرور وجب المبادرة إليها (١) وإلاّ فالظاهر وجوب التأخير إلى ما بعد الغسل ، لكن يجب المبادرة إليه حفظاً للفورية بقدر الإمكان ، وإن لم يمكن التطهير إلاّ بالمكث جنباً فلا يبعد جوازه بل وجوبه (١) ، وكذا إذا استلزم التأخير‌

______________________________________________________

ذلك بما يصدق عليه المسجد بالفعل ، ومن هنا نشك في ترتبها على المسجد الذي جعل داراً أو طريقاً ، وحيث إنه لا إطلاق في تلك الأدلة حتى تشمل ما لا يصدق عليه المسجد بالفعل لأجل كونها ظاهرة في الاختصاص بالمسجد الفعلي فلا محالة تنتهي النوبة إلى الأصل العملي وهو الاستصحاب في المقام ، فمن يرى اعتباره في الأحكام الكلية بكلا قسميه من التنجيزي والتعليقي كالماتن وغيره يستصحب حرمة التنجيس المترتبة على المكان الذي كان مسجداً سابقاً وهو من استصحاب الحكم المنجز ، كما يستصحب وجوب الإزالة عنه على نحو التعليق لأنه كان لو تنجس وجب تطهيره والأصل أنه الآن كما كان.

وأما من أنكر استصحاب الأحكام المعلّقة كشيخنا الأُستاذ وغيره فيلتزم بحرمة تنجيسه لاستصحابها ، وينكر وجوب الإزالة عنه لأنه من استصحاب الحكم المعلّق ومن هنا فصّل في هامش المتن بين حرمة التنجيس ووجوب الإزالة في المسألة. وأما من لا يعترف بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلية المنجزة ولا المعلقة كما بنينا عليه في محله فلا يلتزم بشي‌ء من الحكمين المتقدمين ، ومن هنا كتبنا في تعليقتنا أن الأظهر عدم وجوب الإزالة والأحوط عدم جواز تنجيسه. وأردنا بذلك عدم المخالفة مع المشهور حيث حكموا بحرمته لأنه حكم موافق للاحتياط.

(١) لتمكّنه من امتثال كلا الحكمين ، أعني حرمة المكث في المساجد ووجوب الإزالة ، فيزيلها في حالة المرور من غير مكث.

__________________

(*) الحكم بجوازه فضلاً عن وجوبه لمن يحرم عليه المكث في المسجد في نفسه ممنوع جدّاً ، نعم إذا استلزمت نجاسة المسجد هتكه جاز المكث فيه مقدمةً للإزالة ، ولزم التيمّم حينئذٍ له إن أمكن.

٢٨١

ـ إلى أن يغتسل ـ هتك حرمته (١).

______________________________________________________

(١) إذا لم يتمكن من إزالة النجاسة في حال المرور وتزاحمت حرمة المكث مع وجوب الإزالة ، فهل تجب عليه الإزالة حينئذ أو تتقدم حرمة المكث على وجوب الإزالة أو لا بد من التفصيل في المسألة؟ التحقيق هو الأخير بيان ذلك : أن للمسألة صوراً ثلاثاً :

إحداها : ما إذا كانت حرمة المكث مزاحمة لفورية الإزالة لا لأجل وجوبها كما إذا رأى نجاسة في المسجد وهو جنب يتمكن من الاغتسال ، فإن الأمر يدور في مثله بين المبادرة إلى الإزالة وعصيان حرمة المكث بأن يدخل المسجد ويزيل النجاسة وهو جنب ، وبين أن يترك المكث جنباً ويؤخر الإزالة إلى ما بعد الغسل ، والمتعين في هذه الصورة تأخير الإزالة ، لأنّ ما دلّ على فوريتها لا تقتضي المبادرة إليها بتلك السرعة فان فورية الإزالة كما لا تنافي التراخي لتهيئة آلاتها كذلك لا تنافي تأخيرها بمقدار الاغتسال ، لأنه في الحقيقة أيضاً من مقدّماتها ، فالمتعين حينئذ أن يبادر إلى الاغتسال ثم يشتغل بالإزالة. ومعه لا يتمكن من التيمم بدلاً عن الغسل ولو بداعي غايات أُخر ، لأن مكث الجنب في المسجد بالتيمم إنما يسوغ إذا كان فاقداً للماء وعاجزاً عن الاغتسال ، وأما في أمثال المقام مما يتمكن فيه من الغسل فلا مسوّغ لمكثه في المساجد بالتيمم.

وثانيتها : ما إذا كانت حرمة المكث مزاحمة لأصل وجوب الإزالة لا لفوريتها فحسب كما إذا لم يتمكن من الاغتسال ، كما إذا كان مسافراً مثلاً وعلى طريقه مسجد فيه نجاسة وهو جنب ولا تقف القافلة حتى يغتسل فيزيل ، فإن الأمر حينئذ يدور بين الإزالة وهو جنب وبين تركها رأساً ، والصحيح وقتئذ تقديم حرمة المكث على وجوب الإزالة ، وذلك لتوقفها على أمر حرام وهو المكث ، وبذلك يدخل المقام في كبرى توقّف الواجب على مقدّمة محرّمة والضابط الكلِّي حينئذ تقديم الأهم منهما على المهم ، ولا إشكال في أنّ حرمة المكث التي ثبتت بغير واحد من الاخبار (١) وقوله‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٠٥ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١ ، ٢ ، ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٨ ، ١٧.

٢٨٢

[٢٥٦] مسألة ١٥ : في جواز تنجيس مساجد اليهود والنصارى إشكال (*) وأمّا مساجد المسلمين فلا فرق فيها بين فِرقهم (١).

______________________________________________________

عزّ من قائل ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (٢) بمعونة ما ورد في تفسيره (٣) بإرادة عدم التقرّب من المسجد الذي هو مكان الصلاة جنباً ، إما أنها أهم من وجوب الإزالة أو أنها محتملة الأهمية ، بخلاف الإزالة حيث لا نحتمل أهميتها ومعه لا مناص من تقديمها على وجوب الإزالة ، فلا يسوغ له الدخول في المساجد مع الجنابة وإن استلزم ذلك ترك الإزالة الواجبة.

وأما ما في المتن من عدم استبعاد جواز الإزالة حينئذ بل وجوبها ، فهو مستند إلى تساوي الحكمين أو أهمية وجوب الإزالة عند الماتن وقد عرفت خلافه. نعم ، إذا فرضنا في مورد كان وجوب الإزالة أهم فلا محالة يتقدم على مزاحمة الحرام كما يأتي في الصورة الثالثة ، على ما هو الضابط في توقف أيّ واجب على مقدمة محرمة ، مثلاً إذا توقف إنجاء المؤمن على مكث الجنب في المسجد فلا محالة يتقدم الواجب لأهميته على الحرام وبه ترتفع الحرمة عن مقدّمة الواجب.

وثالثتها : الصورة الثانية بعينها غير أن بقاء المسجد على النجاسة كان مستلزماً لهتكه ، فالتزاحم حينئذ بين حرمة المكث ووجوب الإزالة ولكن لا بما هي إزالة بل بما أن تركها مستلزم للهتك المحرم. ولا إشكال في أن الإزالة بهذا العنوان الثانوي أهم من حرمة المكث في المسجد ، لأن تركها هتك لحرمات الله سبحانه وهو هتك لله جلت عظمته وخلاف ما أمرنا به من تعظيم حرماته ، فهي لمكان أهميتها متقدمة على حرمة المكث ومعه إن أمكنه التيمم فيتيمّم بداعي المكث في المسجد ومن مقدّماته الطهارة من حدث الجنابة ، وبما أن التراب كالماء فيتيمم مقدمة للإزالة الواجبة ، وإذا لم يمكنه التيمم أيضاً فلا بد من أن يمكث في المسجد ويزيل نجاسته وإن كان جنبا.

(١) التحقيق أن تنجيس مساجد اليهود والنصارى وترك الإزالة عنها مما‌

__________________

(*) لا وجه للإشكال بعد عدم كونها مسجداً.

(١) النساء ٤ : ٤٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٠٧ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٠ ، ٢٠.

٢٨٣

[٢٥٧] مسألة ١٦ : إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزءاً من المسجد لا يلحقه الحكم من وجوب التطهير وحرمة التنجيس (١) بل وكذا لو شكّ (*) في ذلك وإن كان الأحوط اللّحوق (٢).

______________________________________________________

لا إشكال في جوازه ، وذلك فان وجوب الإزالة وحرمة التنجيس من الأحكام المختصّة بمساجد المسلمين ولا دليل على شي‌ء منهما في مساجد غيرهم. أما الإجماع المستدل به عليهما فلوضوح عدم تحققه في الكنائس والبِيَع. وأما الأخبار التي أهمها روايات جعل البالوعة مسجداً فلاختصاصها بمساجد المسلمين ومعه لا مقتضي لاسراء أحكامها إلى معابد اليهود والنصارى وغيرهم. على أنّا نقطع نجاسة معابدهم حيث يشربون فيها الخمور ولعل بعضهم يتقرب بذلك إلى الله ولا أقل من أنهم يشربون فيها الماء أو غيره من المائعات فيصيب معابدهم عادة ، ولازم القول بوجوب الإزالة عن معابدهم أن المسلمين في أمثال بغداد وبيروت مكلفون بتطهير معابد هؤلاء وهو لا يخلو من الغرابة كما لا يخفى. نعم ، لا إشكال في وجوب الإزالة وحرمة التنجيس في المساجد التي كانت سابقاً معابد للنصارى واليهود لا لأنها معابدهم بل لأنها مساجد المسلمين بالفعل.

(١) إذ لا موضوع ليترتب عليه حكمه ولا مانع من عدم جعل ساحة المسجد أو جدرانه أو سقفه أو تحته من المسجد ، إذ الوقوف حسب ما يقفها أهلها فيختص المسجد بما جعله الواقف مسجداً ، وغاية الأمر أن غير المسجد يتصل بالمسجد حينذاك والاتصال لا يقتضي سراية حكم أحدهما إلى الآخر.

(٢) إذا شك في أن الساحة من المسجد أو غيره لا مانع من إجراء البراءة عن وجوب تطهيرها وحرمة تنجيسها ، لأنه من الشبهات الموضوعية التحريمية أو الوجوبية وهي مما اتفق المحدّثون والأُصوليون على جريان البراءة فيه. نعم ، لا إشكال في حسن الاحتياط عقلاً وشرعاً. هذا إذا لم تكن هناك أمارة على أن المشكوك فيه‌

__________________

(*) هذا إذا لم يستكشف من ظاهر الحال أو من أمارة أُخرى جزئيتها له.

٢٨٤

[٢٥٨] مسألة ١٧ : إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد المسجدين أو أحد المكانين من مسجد وجب تطهيرهما (١).

[٢٥٩] مسألة ١٨ : لا فرق بين كون المسجد عامّاً أو خاصّاً (*) (٢) وأمّا المكان الذي أعدّه للصّلاة في داره فلا يلحقه الحكم (٣).

______________________________________________________

من المسجد ، وأما مع وجود الأمارة عليه ولو كانت هي شاهد الحال وجريان يد المسلمين عليه بما أنه مسجد فلا محالة يحكم عليه بالمسجدية. ولو لا كفاية أمثالهما من الأمارات في ذلك لم يمكننا إثبات المسجدية في أكثر المساجد إذ من أين يعلم أنه مسجد مع عدم العلم بكيفية وقف الواقف.

(١) للعلم الإجمالي بوجوب الإزالة المردد تعلقه بأحد المسجدين أو المكانين ومعه لا بد من الاحتياط وتطهير كليهما ، فانّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية.

(٢) ما أفاده الماتن قدس‌سره من عدم التفرقة بين قسمي المسجد وإن كان متيناً على تقدير صحّة تقسيم المساجد إلى عام وخاص وذلك لإطلاق الدليل وتحقق الموضوع في كليهما ، إلاّ أن تقسيمه المساجد إلى ذينك القسمين مما لا يمكن المساعدة عليه ، لأنه إنما يصح فيما إذا كانت المساجد ملكاً للمسلمين ، فإنه بناء على ذلك لا مانع من تمليك المسجد لطائفة دون طائفة كمسجد الشيعة أو السنة أو الطلاب أو غير ذلك من الأصناف على ما هو الحال في الحسينيات ، وأما بناء على ما هو الصحيح من أن وقف المساجد تحريرها وصيرورتها ملكاً لله سبحانه أعني رفع المالك العلقة المالكية عنها لوجه الله فلا معنى لاختصاصها بطائفة دون طائفة ، فإن الجميع محررة ومملوكة لله والناس في ملكه سبحانه شرع سواء ، فتقسيم المساجد إلى عام وخاص محل إشكال وكلام.

(٣) لوضوح أن الأدلة إنما أثبتت الحكمين وجوب الإزالة وحرمة التنجيس على بيوت الله المعدة للعبادة المحررة عن علاقة أي مالك من الملاك ، فلا تشمل المكان‌

__________________

(*) صحة اعتبار الخصوصية في المسجد لا تخلو من إشكال.

٢٨٥

[٢٦٠] مسألة ١٩ : هل يجب إعلام الغير إذا لم يتمكّن من الإزالة؟ الظاهر العدم (*) إذا كان مما لا يوجب الهتك وإلاّ فهو الأحوط (١).

______________________________________________________

الذي يستحب إعداده للصلاة لعدم كونه محرراً. على أنه ورد في بعض الأخبار أن المصلّى ومكان الصلاة يجوز أن يجعل كنيفاً (٢) ، فلو كان حكمه حكم المسجد لم يجز تبديله فضلاً عن أن يجعل كنيفاً.

(١) لا ينبغي الإشكال في أن نجاسة المسجد إذا استلزمت هتكه لزم إزالتها على كل حال ، فان كان متمكناً من إزالتها بنفسه يتصدى لها بالمباشرة ومع العجز يُعلم غيره بالحال حتى يزيلها. والوجه في وجوب إعلام الغير حينئذ هو العلم بعدم رضى الشارع بهتك المسجد كعلمنا بعدم رضاه بقتل النفس المحترمة أو غرقها ، ولذا وجب إنقاذها بالمباشرة إن أمكنت وبالتسبيب باعلام غيره إذا عجز عنه بالمباشرة. وما ذكرناه أمر واضح لا خفاء فيه ، وعليه فلا وجه لتردد الماتن فيه وحكمه بوجوب الاعلام احتياطاً ، وإنما الاشكال فيما إذا لم تستلزم نجاسة المسجد هتكه ولا هتك غيره من حرمات الله سبحانه ، كما إذا مسح يده المتنجسة بالماء المتنجس على جانب من المسجد ولم يتمكن هو من إزالتها فهل يجب عليه إعلام غيره بالحال أو أن المقام كسائر الموارد التي لا يجب فيها الاعلام؟ وقد ورد في بعض الأخبار أنه عليه‌السلام كان يغتسل من الجنابة فقيل له قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء فقال له ما عليك لو سكت .. (٣).

ذهب الماتن قدس‌سره إلى عدم وجوب الاعلام ، ولكن الصحيح وجوب ذلك‌

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، وأما في فرض الهتك فلا إشكال في وجوبه.

(١) محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر صاحب الرضا عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره هل يصلح له أن يجعله كنيفاً؟ قال : لا بأس » الوسائل ٥ : ٢٠٩ / أبواب أحكام المساجد ب ١٠ ح ٤ ، وغيرها من الأخبار المروية في هذا الباب.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٥٩ / أبواب الجنابة ب ٤١ ح ١.

٢٨٦

وبيانه يتوقف على التكلم فيما هو الضابط الكلي في نظائر المقام فنقول : إن المحتمل في أمثال المقام بحسب مرحلة الثبوت أمران ، لأنّ الغرض الداعي إلى إيجاب العمل لا يخلو إمّا أن يكون قائماً بالعمل الصادر من نفس المكلف بالمباشرة ، ولا فائدة حينئذ في إعلامه الغير لأنّ العمل الصادر من غيره غير محصل للغرض ، حيث إنه إنما يقوم بالعمل الصادر منه بالمباشرة وهو مباين مع العمل الصادر من غيره ، وإما أن يكون الغرض قائماً بالطبيعي الجامع بين العمل الصادر منه أو من غيره ، وفي هذه الصورة إذا تمكن المكلف من تحصيل ذلك الغرض الملزم بمباشرة نفسه وجب لأن التكليف متوجه إليه ومع العجز عنه يجب أن يحصّل غرض المولى بتسبيبه وإعلامه الغير لأن الغرض الملزم لا يرضى المولى بفواته بحال.

وأما بحسب مرحلة الإثبات فالاحتمالات ثلاثة ، لأنه إما أن يعلم أن المورد من القسم الأوّل ، وإما أن يعلم أنه من القسم الثاني ، وإما أن يشك في ذلك. فان علم أنه من القسم الأوّل فلا يجب إعلام الغير به عند عجز المكلف عن إصداره بالمباشرة. وإذا علم أنه من القسم الثاني يجب على المكلف إعلام غيره تحصيلاً للغرض الذي لا يرضى المولى بفواته بحال.

وأما إذا شك في أنه من القسم الأول أو الثاني بأن لم يكن للكلام ظهور في أحدهما وقد ذكرنا في محله أن ظهور الأمر يقتضي المباشرة فأصالة البراءة عن وجوب الإعلام محكّمة. هذا كله في كبرى المسألة ، وأمّا ما نحن فيه فهو من قبيل القسم الثاني وذلك لضرورة أن إزالة النجاسة عن المسجد كما تتحقق بالمباشرة كذلك تتحقق بالتسبيب بايكالها إلى الغير ، كما إذا أمر عبده بإزالتها أو استأجر أحداً لذلك فان الغرض إنما هو تطهير المسجد ولو كان ذلك بفعل مجنون أو صبي ، وليس الغرض الملزم قائماً بالعمل المباشري ، وإنما يقوم بطبيعي الإزالة وقد عرفت أنّ المكلف في مثله إذا تمكّن من إصدار العمل المأمور به بنفسه يجب أن يتصدى له بالمباشرة ، وإذا عجز عن ذلك فلا بد من إعلامه الغير تحصيلاً للغرض الملزم.

ثم إنّ محتملات الاعلام أيضاً ثلاثة ، وذلك لأنّ المكلّف تارة يعلم أنّ الغير‌

٢٨٧

[٢٦١] مسألة ٢٠ : المشاهد المشرّفة كالمساجد في حرمة التنجيس بل وجوب الإزالة إذا كان تركها هتكاً ، بل مطلقاً على الأحوط. لكن الأقوى عدم وجوبها مع عدمه (١).

______________________________________________________

لا يتحرك بإعلامه ولا يحصل به غرض المولى ، إما لأنه غير مبال بالدين أو لأن إخبار الثقة غير معتبر عنده في الموضوع الخارجي ، أو لأنه لا يعلم بوثاقة المخبر ولا يجب عليه الفحص في الشبهات الموضوعية. وأُخرى يعلم أن الغير يعتني بإعلامه وبه يحصل غرض المولى يقيناً. وثالثة يشك في ذلك ولا يدري أن إعلامه هذا محصّل للغرض أو غير محصل له. وهذه محتملات ثلاثة ، فعلى الأول لا معنى لا يجاب الاعلام بوجه لأنه مما لا يترتّب عليه غرض في نفسه ، وإنما الاعلام طريق إلى تحصيل الغرض الداعي إلى إيجاب المأمور به ، فإذا علمنا أنه لا يوصل إلى ذلك فلا وجه لإيجابه ، ومن هذا يظهر وجوبه على ثاني الاحتمالات إذ به يتوصّل إلى تحصيل الغرض الذي لا يرضى المولى بفواته ، وأما على الاحتمال الثالث فهل يجب الإعلام لقاعدة الاشتغال أو لا يجب للبراءة عن وجوبه؟

الأوّل هو الصحيح لما حقّقناه في بحث البراءة من أن العقل كما يحكم بوجوب التحفّظ على إطاعة أوامر المولى كذلك يحكم بوجوب التحفظ على أغراضه ، فإذا علم بوجود الغرض وشك في القدرة على تحصيله لزمه التصدي له حتى يحصّله أو يظهر عجزه ، ففي المقام حيث علم المكلف بالغرض الملزم في الإزالة وأن المولى لا يرضى بتركه على كل حال لزمه التصدي إلى تحصيله ، وذلك لعلمه بفوات الغرض على تقدير تركه وإنما يشك فيما هو السبب للتفويت ولا يدري أنه مستند إلى فعله أعني تركه الإعلام أو أنه مستند إلى عدم اعتناء الغير بإعلامه ، وحيث إنه لم يحرز استناد الفوت إلى غيره وجب المحافظة على غرض المولى بالإعلام ، وما ذكرناه جار في جميع موارد الشك من جهة الشك في القدرة.

(١) ألحق جماعة من الأعلام بالمساجد ، المشاهد والضرائح المقدسة في وجوب‌

٢٨٨

إزالة النجاسة عنها وحرمة تنجيسها. وألحقها بها الماتن قدس‌سره في حرمة التنجيس دون وجوب الإزالة عنها ، ومن ثمة وقع الكلام في أن حرمة التنجيس ووجوب الإزالة حكمان متلازمان ولا ينفك أحدهما عن الآخر أو لا تلازم بينهما؟ وتوضيح الكلام في ذلك يقع في مسائل ثلاث :

الاولى : ما إذا كان تنجيس المشاهد وترك تطهيرها موجبين لهتكها ، ولا إشكال في هذه الصورة في أنها كالمساجد يحرم تنجيسها وتجب الإزالة عنها ، لأن المشاهد كالصفا والمروة من شعائر الله ، ولا إشكال في أن هتك الشعائر حرام وهو مناف لتعظيم حرمات الله سبحانه.

الثانية : ما إذا لم يكن تنجيسها أو ترك الإزالة عنها موجباً للهتك ، ويقع الكلام في هذه المسألة من جهتين : إحداهما : جهة تنجيسها وأنه محرّم أو لا حرمة فيه. ثانيتهما : جهة تطهيرها وأن إزالة النجاسة عن المشاهد المشرّفة واجبة أو غير واجبة ، ليظهر أن الحكمين متلازمان أو لا تلازم بينهما.

أمّا الجهة الأُولى : فالتحقيق أن تنجيس المشاهد المشرفة محرّم في الشريعة المقدّسة من غير أن يكون ذلك من جهة تبعيتها للمساجد ، فانّا لو لم نلتزم بحرمة تنجيس المسجد وآلاته أيضاً كنّا نلتزم بحرمة تنجيس المشاهد المشرّفة ، وذلك لأنها بما تشتمل عليه من آلاتها وأسبابها إما أن تكون ملكاً للإمام عليه‌السلام قد وقفت لأن يزار فيها ، وإما أن تكون ملكاً للمسلمين قد وقفت لأن يكون مزاراً لهم ، ولوحظ في وقفها نظافتها وطهارتها والوقوف حسبما يقفها أهلها فالتصرف فيها في غير الجهة الموقوفة لأجلها محرّم شرعاً ، ومن الواضح أن المشاهد وآلاتها إنما وقفت لأن يزار فيها الإمام عليه‌السلام وتنجيسها ينافي جهة وقفها. نعم ، التنجيس فيما لا تنافي نجاسته جهة الوقف مما لا محذور فيه وذلك كالخانات الموقوفة للزوار والمسافرين في مسيرهم ، حيث لم تلاحظ في وقفها جهة الطهارة بوجه.

ومن هذا ظهر أن حرمة التنجيس في المشاهد المشرّفة على القاعدة ولا نحتاج في إثباتها إلى دليل ، وهذا بخلاف المساجد لأنها محررة وغير داخلة في ملك مالك ، فهي‌

٢٨٩

ولا فرق فيها بين الضرائح وما عليها من الثياب وسائر مواضعها إلاّ في التأكد وعدمه (١).

______________________________________________________

مملوكة لله سبحانه فلا بدّ في الحكم بحرمة التصرف والتنجيس فيها من إقامة الدليل عليها ، فان تمت أدلّة حرمة تنجيسها فهو ، وأما إذا لم يتم فمقتضى القاعدة أن يلتزم بجواز تنجيسها إذ التصرف فيما لا مالك له غير الله سبحانه حلال.

أمّا الجهة الثانية : أعني جهة تطهيرها وهي المسألة الثالثة من المسائل الثلاث فالظاهر عدم وجوب الإزالة عن المشاهد المشرفة إذا لم يكن بقاؤها على نجاستها مستلزماً للهتك وذلك لعدم الدليل عليه. ودعوى أن ترك الإزالة ينافي تعظيم شعائر الله سبحانه وتعظيمها من الواجبات وقد قال عزّ من قائل ( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١) يدفها أوّلاً : أن تعظيم الشعائر على إطلاقها لا دليل على وجوبه ، كيف وقد جرت السيرة على خلاف ذلك بين المتشرعة. نعم ، نلتزم بوجوبه فيما دلّ الدليل عليه ولا دليل عليه في المقام. وثانياً : أن التعظيم لا يمكن الالتزام بوجوبه بما له من المراتب ، كما إذا رأينا في الرواق الشريف شيئاً من القذارات الصورية كما في أيام الزيارات فان إزالتها مرتبة من تعظيم الشعائر والالتزام بوجوبه كما ترى وعليه فالحكم بوجوب الإزالة في المشاهد المشرّفة قول من غير دليل. فتحصل : أنه لا تلازم بين حرمة التنجيس ووجوب الإزالة وأن التفكيك بينهما أمر ممكن يتبع فيه دلالة الدليل.

(١) وذلك لأنها وقوف ولا مسوغ للتصرف فيها في غير الجهة الموقوفة لأجلها. نعم ، تختلف الحرمة فيها من حيث التأكد وعدمه باختلاف مواردها ، فان التحريم في الرواق الشريف آكد منه في الطارمة ، وهو في الحرم المطهر آكد منه في الرواق ، كما أن الحرمة في الضريح المبارك آكد منها في الحرم وهي في نفس القبر الشريف آكد من الجميع.

__________________

(١) الحج ٢٢ : ٣٢.

٢٩٠

[٢٦٢] مسألة ٢١ : تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف وخطه بل عن جلده وغلافه مع الهتك (*) كما أنّه معه يحرم مسّ خطّه أو ورقه بالعضو المتنجس وإن كان متطهراً من الحدث ، وأما إذا كان أحد هذه بقصد الإهانة فلا إشكال في حرمته (١).

______________________________________________________

(١) الكلام في هذه المسألة يقع من جهتين : إحداهما : ما إذا كان تنجيس الورق أو ترك الإزالة عنه موجباً للهتك ، ولا إشكال حينئذ في حرمتهما لأن المصحف من أعظم الكتب السماوية وهو المتكفل لسعادة البشر في النشأتين وهتكه هتك الله جلت عظمته ، ولا يختص هذا بتنجيسه فان هتك المصحف محرّم بأيّ وجه اتفق ، كما إذا بصق عليه ولا سيما إذا كان بالاخلاط الخارجة من الصدر أو النازلة من الرأس فإنه محرم وإزالته واجبة ، بل البصاق عليه أشد مهانة من تنجيسه بمثل اليد الرطبة المتنجسة بماء متنجس ونحوه. وعلى الجملة أن هتك المصحف مبغوض وقد يستلزم الكفر والارتداد كما إذا هتكه بما أنه كتاب الله المنزل على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وثانيتهما : ما إذا لم يكن تنجيس الورق وترك تطهيره موجباً للهتك ، كما إذا أراد قراءة الكتاب فأخذ الورق بيده وهي متنجسة فهل يحكم بحرمة ذلك ووجوب الإزالة عنه؟ ظاهر الماتن العدم حيث خص الحكم بوجوب الإزالة بصورة الهتك ، والوجه فيه أنه لا دليل حينئذ على حرمة تنجيسه ووجوب الإزالة عنه ، فان الكلام فيما إذا لم يكن المصحف ملكاً لغيره أو وقفاً ، والإفتاء بحرمة التنجيس ووجوب الإزالة حينئذ بلا دليل. هذا ولكن الجزم بجواز التنجيس وترك الإزالة أيضاً مشكل فلا مناص من الاحتياط اللاّزم في المقام.

__________________

(*) المصحف أو غيره ممّا ثبت احترامه في الشريعة المقدّسة لا ريب في حرمة هتكه مطلقاً ، بل لا يبعد أن يكون بعض مراتبه موجباً للكفر ، وأمّا الأحكام المذكورة في ضمن المسائل الآتية فهي بإطلاقها عند عدم تحقق الهتك مبنية على الاحتياط.

٢٩١

هذا كلّه في ورق المصحف ، ومنه يظهر الحال في جلده وغلافه فان الكلام فيهما هو الكلام في ورقه ، لأن الجلد والغلاف قد اكتسبا الشرافة والحرمة باضافتهما إلى الكتاب نظير الخشبة والحديد والفضة والذهب حيث صارت متبركة بإضافتها إلى أحد الأئمة عليهم‌السلام. وأما خط المصحف فعن شيخنا الأنصاري قدس‌سره الاستدلال على وجوب إزالة النجاسة عنه بفحوى حرمة مسّ المحدث له (١). وفيه : أن الأحكام الشرعية مما لا سبيل إلى العلم بملاكاتها فمن المحتمل أن يكون لحرمة مسّ المحدث ملاك يخصّها ، ولا يكون ذلك الملاك موجوداً في مس غيره وإن كان موجباً لتنجيس الخط أو غيره فلا تلازم بينهما. على أن الأولوية والفحوى في كلامه بدعوى أنه إذا حرم مسّ المحدث الخطوط من دون أن تتأثر بذلك ، فإنّ الحدث لا يسري من المحدث إلى غيره فلا محالة يحرم تنجيسها بالأولوية القطعية ، حيث إنه يؤثر في الخطوط وينجسها لو تمت فإنما تتم بالإضافة إلى حرمة التنجيس فحسب ، وأما وجوب الإزالة فلا ربط له بحرمة مس المحدث بوجه ، والاستدلال على وجوبها بفحوى حرمة مس المحدث الكتاب من غرائب الكلام.

ثم إنّ قوله عزّ من قائل ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٢) لا يستفاد منه حكم المسألة فضلاً أن يدل عليه بالأولوية ، وذلك أما أولاً : فلأن المطهر غير المتطهر حيث إن الثاني ظاهر في من تطهر من الحدث بالوضوء أو الغسل أو من الخبث بغسله ، وأما المطهر فهو عبارة عمن طهره الله سبحانه من الزلل والخطأ وأذهب عنه كل رجس ، والمذكور في الآية المباركة هو المطهر دون المتطهر ففيها إشارة إلى قوله سبحانه ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣) فمعنى الآية على هذا أن مس الكتاب الذي هو كناية عن دركه بما له من البواطن لا يتيسّر لغير الأئمة المطهّرين فانّ غير من طهّره الله سبحانه لا يصل من الكتاب إلاّ إلى ظواهره. فالآية المباركة‌

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٣٦٩ ( باب وجوب إزالة النجاسة عن المسجد ) السطر ٣٠.

(٢) الواقعة ٥٦ : ٧٩.

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

٢٩٢

[٢٦٣] مسألة ٢٢ : يحرم كتابة القرآن بالمركّب النجس ولو كتب جهلاً أو عمداً وجب محوه ، كما أنه إذا تنجس خطّه ولم يمكن تطهيره يجب محوه (١).

[٢٦٤] مسألة ٢٣ : لا يجوز إعطاؤه بيد الكافر وإن كان في يده يجب أخذه منه (٢).

______________________________________________________

أجنبية عمّا نحن بصدده.

وأما ما في بعض الروايات من استشهاده عليه‌السلام بهذه الآية المباركة على حرمة مس المحدث كتابة المصحف (١) ففيه مضافاً إلى ضعف الرواية أنه خلاف ظاهر الآية المباركة فلا يمكن المصير إليه ، إلاّ أنه عليه‌السلام لما طبّقها على ذلك علمنا أنه أيضاً من البواطن التي لا يعرفها غيرهم عليهم‌السلام فلولا تطبيقه عليه‌السلام لما أمكن الاستدلال بها على حرمة مس المحدث الكتاب على تقدير صحّة سندها لأنها على خلاف ظاهر الآية كما مر ، فلا مناص من الاقتصار على موردها ولا مسوّغ للتعدِّي عنه إلى غيره.

وأما ثانياً : فلأن الآية على تقدير تسليم دلالتها فإنما تدل على حرمة تنجيس الخطوط ولا دلالة لها على وجوب الإزالة ، لوضوح أنه لا يستفاد من حرمة المس بالأولوية. فتحصل أنه لا دليل على حرمة تنجيس الكتاب ولا على وجوب الإزالة عنه ، وبما أن الجزم بالجواز أيضاً مشكل فلا مناص من الاحتياط اللاّزم ومقتضاه عدم جواز تنجيس جلد الكتاب ولا ورقه ولا خطوطه.

(١) حكم هذه المسألة يظهر من سابقتها.

(٢) إن كان نظره قدس‌سره من ذلك إلى أن إعطاء المصحف بيد الكافر معرض لتنجيسه ، فان الكافر نجس فإذا أُعطي بيده فلا محالة يمسه وينجّسه ، ومس النجس كتابة المصحف حرام فإعطاؤه بيده إعانة على الحرام كما أن المصحف لو كان بيده يجب أخذه منه دفعاً للمنكر ورفعاً له ، فيدفعه : أن الإعانة على الحرام لم تتحقق صغراها في‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٤ / أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٣.

٢٩٣

المقام ، لإمكان إعطاء المصحف بيد الكافر من غير أن يستلزم ذلك مسه وتنجيسه فلم يعلم أن إعطاءه بيده إعانة على الحرام.

على أنّا لو سلمنا تحقق صغرى الإعانة وقلنا إن إعطاء المصحف بيده مستلزم لتنجيسه ، لم يمكننا الحكم بوجوب أخذه منه من جهة دفع المنكر أو رفعه ، لأن كبرى وجوب النهي عن المنكر غير ثابتة بالإضافة إلى الكفار الموجودين في بلاد المسلمين حتى بناء على أنهم مكلفون بالفروع ، وذلك لأنهم يعيشون في بلاد المسلمين على حريتهم ويعامل معهم بأحكامهم وقوانينهم ولا يعامل معهم معاملة المسلمين بأحكامهم ، فإذا علمنا أن أحداً منهم يشرب الخمر في داره لم يجز لنا ردعه دفعاً له لعدم كونه منكراً في مذهبه. وعليه فلا يجوز أخذ المصحف من يد الكافر دفعاً لمسّه وتنجيسه لأن تنجيس المصحف ليس بمنكر على مذهبه.

وثالثاً : أن المصحف لو وجب أخذه من يد الكافر بهذا المناط لوجب أن يؤخذ منه غيره من الكتب السماوية كالتوراة وغيرها ، لاشتمالها على أسماء الله وأسماء الأنبياء بل وعلى أحكامه سبحانه لعدم كونها مفتعلة بأسرها فلو بقيت عنده لمسّها ونجّسها وهو حرام. نعم ، لو كان نظره قدس‌سره إلى صورة أُخرى وهي ما إذا كان إعطاء المصحف بيد الكافر أو بقاؤه عنده مستلزماً لهتكه ومهانته فما أفاده صحيح ، لأنه لا إشكال حينئذ في حرمة إعطائه بيد الكافر ولا كلام في وجوب أخذه منه لئلاّ يلزم هتك حرمات الله سبحانه التي من أعظمها الكتاب ، إلاّ أنّ ذلك مما لا يختصّ بالكتاب كما لا يختصّ بتنجيسه ، فانّ هتك الكتاب غير منحصر بتنجيسه كما أن الحرام لا يختصّ بهتك الكتاب ، فانّ هتك أي حرمة من الحرمات كذلك ، نظير التربة الحسينية على ما يأتي عليها الكلام إن شاء الله.

ثم إنّ كتب الأحاديث حكمها حكم الكتاب ، فيحرم إعطاؤها بيد الكافر ويجب أخذها منه إذا لزم منهما هتكها دون ما إذا لم يلزم منهما ذلك ، كيف وقد حكي أن أكثر اليهود والنصارى إنما أسلموا بمطالعة نهج البلاغة ، ومعه كيف يسوغ الحكم بحرمة إعطائها بيد الكافر أو بوجوب أخذه منه.

٢٩٤

[٢٦٥] مسألة ٢٤ : يحرم وضع القرآن على العين النّجسة كما أنه يجب رفعها عنه إذا وضعت عليه وإن كانت يابسة (١).

[٢٦٦] مسألة ٢٥ : تجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية (٢) بل عن تربة الرسول وسائر الأئمة ( صلوات الله عليهم ) المأخوذة من قبورهم ويحرم تنجيسها. ولا فرق في التربة الحسينية بين المأخوذة من القبر الشريف أو من الخارج إذا وضعت عليه بقصد التبرّك والاستشفاء ، وكذا السبحة والتربة المأخوذة بقصد التبرك لأجل الصلاة.

[٢٦٧] مسألة ٢٦ : إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات في بيت الخلاء أو بالوعته وجب إخراجه ولو بأُجرة وإن لم يمكن فالأحوط (*) والأولى سدّ بابه وترك التخلِّي فيه إلى أن يضمحل (٣).

______________________________________________________

(١) لعلّ ما أفاده قدس‌سره من جهة أن وضع المصحف على الأعيان النجسة هتك لحرمته ومناف لتعظيمه المأمور به ، كما إذا وضع على العذرة العياذ بالله ولا إشكال في أنّ هتكه حرام. وأما إذا كان وضعه على العين النجسة غير موجب لانتهاك حرمته كما إذا وضعناه مع الألبسة في صندوق صنع من جلد الميتة فلا وجه لحرمته لأنه لا يعدّ هتكاً للكتاب. وعلى الجملة أن غير تنجيس الكتاب لم تثبت حرمته إلاّ أن يستلزم هتكه ، وأما إذا كان وضعه على النجس موجباً لتنجيسه فقد عرفت أنه مورد للاحتياط الوجوبي فحرمته غير مستندة إلى استلزامه الهتك والإهانة.

(٢) هذا فيما إذا لزم من تنجيسها أو ترك الإزالة هتك التربة الشريفة ، وإلاّ فيجري فيه الكلام المتقدِّم ، ولا فرق في ذلك بين أقسام الترب لوحدة الملاك.

(٣) التحقيق أن ذلك واجب لا محيد عنه لا أنه أولى وأحوط ، وذلك لأن المناط في الحكم بوجوب الإزالة وحرمة التنجيس ليس هو مجرد تنجيس التربة أو الكتاب أو غيرهما من المحترمات ليحكم بجواز إلقاء النجاسة عليها إذا كانت متنجسة قبل ذلك‌

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

٢٩٥

[٢٦٨] مسألة ٢٧ : تنجيس مصحف الغير موجب (*) لضمان نقصه الحاصل بتطهيره (١).

______________________________________________________

بدعوى أنّ المتنجس لا يتنجس ثانياً ، بل هناك أمر آخر أيضاً يقتضي الحكمين المتقدِّمين وهو لزوم الهتك والمهانة من تنجيسها ولا يفرق في ذلك بين طهارة المحترم ونجاسته ، فانّ التربة أو الورق بعد ما تنجست بوقوعها في البالوعة إذا أُلقيت عليها النجاسة يعد ذلك هتكاً لحرمتها ، وكلما تكرر الإلقاء تعدد الهتك والمهانة ، وكل فرد من الإهانة والهتك حرام في نفسه ، وعليه فلو أمكن إخراجها من البالوعة وجب ولو ببذل الأُجرة عليه إلاّ أن يكون عسراً أو ضرريّاً ، ومع عدم التمكن من إخراجها فلا محيد من سدّ البالوعة إلى أن تضمحل.

(١) إنّ مقتضى قاعدة الضمان باليد أو الإتلاف ضمان الأوصاف التي لها دخل في مالية المال نظير إتلاف العين بنفسها فإذا أتلفه أو وضع يده على المال وتلف الوصف تحت يده فيضمنه لا محالة ، ولا فرق في ذلك بين وصف الصحة وغيره من أوصاف الكمال. وبذلك يظهر أن تنجيس مصحف الغير موجب لضمان النقص الحاصل في قيمته بتنجيسه إلاّ أن عبارة الماتن « تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره » غير وافية بما ذكرناه ، فإنّ بين النقص الحاصل بتطهير المصحف وبين النقص الحاصل في قيمته بتنجيسه عموماً من وجه ، وتوضيحه :

أن مرادنا بالكتاب ليس هو خصوص تمامه لأن بعض المصحف أيضاً كتاب ، كما أنّا لم نرد منه خصوص ما يكتب بالحبر على الأوراق الذي يزول بتطهيره ، بل المراد بالكتاب ما يعم الكتابة على الورق والنقش على الفرش والبساط ونحوها ، وعليه فقد يكون تطهير الكتاب متوقفاً على بذل الأُجرة عليه من دون أن تنقص قيمته بذلك بل قيمته قبل غسله وتطهيره وبعده على حد سواء ، وهذا كما إذا كان الكتاب منقوشاً على فرش كبير ، فانّ تطهيره يتوقّف على بذل الأُجرة عليه إلاّ أن قيمة الفرش باقية‌

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، نعم يضمن نقص القيمة بنجاسته.

٢٩٦

بحالها ولا يطرأ عليها نقص بتطهيره. وأُخرى ينعكس الأمر فلا يتوقف تطهير الكتاب على بذل الأُجرة عليه إلاّ أن قيمته تنقص بتطهيره ، كما إذا كان مكتوباً على الورق بالحبر المذهّب أو المفضّض على نحو يزول بوصول الماء إليه ، فإن قيمة مثله تنقص عما كانت عليه قبل تطهيره ولكن غسل الورق لسهولته لا يحتاج إلى بذل الأُجرة عليه ولا سيما إذا كان الماء قريباً.

وثالثة : يتوقّف تطهيره على بذل الأُجرة عليه كما أن قيمته تنقص بذلك. وهناك صورة أُخرى وهي أن يلزم النقص في قيمة الكتاب بنفس تنجيسه مع قطع النظر عن غسله وتطهيره ، بأن يكون للكتاب الطاهر قيمة وللكتاب المتنجس قيمة أُخرى إلاّ أنها أقل من قيمة الطاهر في السوق لقلة الراغب في المصحف المتنجس لاحتياجه إلى غسله وهو ينقص قيمة الكتاب وإذا كان الأمر كذلك فالمنجّس بتنجيسه مصحف الغير قد أتلف وصفاً من أوصافه الكمالية وهو كونه طاهراً وبه نقصت قيمته الفعلية عما كان يبذل بإزائه لولا نجاسته.

أمّا الأُجرة التي يتوقّف عليها تطهير الكتاب فلا يحكم بضمانها على من نجّسه ، فإنّ الضمان في أمثال المقام أعني غير المعاملات والديون إنما يثبت بأحد أمرين : الإتلاف والاستيلاء على مال الغير المعبّر عنه بضمان اليد ، ولم يتحقق في مقامنا هذا شي‌ء منهما لأنّ المنجّس لم يستول على مصحف الغير بتنجيسه كما أنه لم يتلفه على مالكه ، وأما لزوم إعطاء الأُجرة على التطهير فهو إنما يستند إلى حكم الشارع بوجوب إزالة النجاسة دون من نجّس المصحف. نعم ، المنجّس قد أوجد الموضوع ولم يقم دليل على أن إيجاد الموضوع الذي يسبب حكم الشارع بإتلاف المباشر ماله بالاختيار موجب للضمان. ومن هنا لو ألقى الظالم حراً في البالوعة أو حبسه في داره وقفلها عليه فوجد بذلك الموضوع لوجوب حفظ النفس المحترمة على المكلفين ، واحتاج إنقاذها إلى صرف مقدار من المال في سبيله لم يكن ضمانه على حابسه ، لعدم استناد الإتلاف إلاّ إلى من باشر الإنقاذ بالاختيار.

ونظيره ما إذا تزوّج المعسر وولد أولاداً وهو عاجز عن نفقتها فإنه أوجد بذلك‌

٢٩٧

[٢٦٩] مسألة ٢٨ : وجوب تطهير المصحف كفائي لا يختصّ بمن نجّسه (١)

______________________________________________________

موضوع وجوب الإنفاق وحفظ النفس المحترمة على المكلفين ، ولا يحكم عليه بضمان ما ينفقه الناس على أولاده. وأما النقص الحاصل في قيمة الكتاب بتطهيره فضمانه أيضاً غير متوجه إلى من نجّسه لما عرف من أن للضمان سببين ولم يتحقق شي‌ء منهما على الفرض. نعم ، لو كان المنجّس هو الذي باشر تطهيره لأمكن الحكم بضمانه لاستناد النقص إلى عمله لأنه إنما حصل بفعل المزيل لا بتنجيس الكتاب.

وعلى الجملة المنجّس إذا لم يباشر الإزالة بنفسه لا يحكم بضمانه للنقص الحاصل بتطهيره ، وعليه فينحصر ضمان المنجّس للنقص الطارئ على الكتاب بما إذا استند نقصان القيمة إلى مجرّد التنجيس مع قطع النظر عن تطهيره ، فان مقتضى قاعدة الضمان بالإتلاف ضمان المنجّس حينئذ حيث إنه أتلف وصفاً من أوصاف الكتاب بتنجيسه أعني طهارته الدخيلة في ماليته ، وقد مرّ أن الضمان بالإتلاف أو اليد لا يفرق فيه بين وصف الصحة وغيره من الأوصاف الكمالية التي لها دخل في مالية المال. والنسبة بين النقص الحاصل في هذه الصورة والنقص في الصورتين المتقدمتين عموم من وجه ، لأن النقص الحاصل بتنجيس الكتاب قد يكون أكثر من النقص الحاصل بتطهيره أو الأُجرة المبذولة لغسله ، وأُخرى يكون أقل منهما ، وثالثة يتساويان.

هذا كلّه فيما إذا كان المصحف للغير. وأما إذا كان المصحف ملكاً لمن نجّسه إلاّ أنه للعجز أو العصيان لم يباشر الإزالة ووجب تطهيره على غيره وتوقّف ذلك على صرف المال في سبيله ، فيأتي عليه الكلام في الحاشية الآتية ونبيّن هناك أن المالك المنجّس لا يضمن ما يصرفه المزيل في سبيل تطهير الكتاب.

(١) نظير وجوب الإزالة عن المسجد ، لعدم اختصاص أدلته بشخص دون شخص فلا فرق في ذلك بين مالك المصحف وغيره. وقد يقال باختصاص وجوب الإزالة بمن نجّسه كما قدّمناه عن بعضهم في الإزالة عن المسجد ويدفعه : ما أجبنا به هناك من أنّ القائل بالاختصاص إن أراد اختصاص وجوب الإزالة بالمنجّس بحيث لو عصى أو نسي سقط وجوبها عن بقية المكلفين ، ففيه أن ذلك لا يرجع إلى محصّل ولا يمكن‌

٢٩٨

ولو استلزم صرف المال وجب (*) ، ولا يضمنه من نجّسه (١) إذا لم يكن‌

______________________________________________________

الالتزام بجواز بقاء المصحف على نجاسته ، وإنّ أراد من ذلك أن الأمر بإزالة النجاسة إنما يتوجه على من نجّسه أوّلاً ثم لو عصى ولم يزل وجبت إزالته على غيره فهو وإن كان أمراً ممكناً ومعقولاً بحسب مقام الثبوت ، إلاّ أنه عادم الدليل بحسب مقام الإثبات. فالصحيح عدم اختصاص الحكم بمنجّس الكتاب بل هو واجب كفائي يعمه وغيره.

(١) إذا كان مزيل النجاسة عن المصحف غير من نجّسه واستلزمت إزالتها صرف المال في سبيلها ، فهل يضمنه من نجّسه لأنه السبب في بذل المزيل أو أن ضمانه على المزيل؟ الصحيح عدم ضمان المنجس للمال ، وذلك لأن التسبيب على قسمين :

فان المباشر قد يصدر منه العمل لا بالإرادة والاختيار أو لو كانت له إرادة فهي مغلوبة في جنب إرادة السبب ، وهذا كما إذا أرسل دابته وأطلق عنانها حتى دخلت مزرعة شخص آخر فأتلفتها أو أتلفت شيئاً آخر ، أو أعطى سكيناً بيد صبي فأمره بذبح نائم فذبحه الصبي ، فإن الفعل في أمثال ذلك وإن كان يصدر من فاعله بإرادته إلاّ أنها مغلوبة في جنب إرادة السبب ، فان المباشر حينئذ يعدّ آلة للسبب ، فالسبب في هذه الصورة أقوى من المباشر ومن هنا يقتص من السبب دون مباشرة ، فإن الفعل يسند إليه على وجه الحقيقة لا إلى واسطته ، فحقيقة يقال : إنه قتل أو أتلف ، غاية الأمر أن الفعل صدر منه لا من دون واسطة بل معها ، فكما أنه ليس له أن يعتذر عند قتله بالمباشرة بأنه لم يقتله وإنما قتله السكين مثلاً ، فكذلك في هذه الصورة فإن الدابة أو الصبي كالآلة لفعله. والضمان في الإتلاف بهذه الكيفية مما لا إشكال فيه.

وقد يصدر الفعل من المباشر بالإرادة التامة وبالاختيار وإنما السبب يأمره بذلك العمل أو يشير إليه ، كصديق يشير إلى صديقه بقتل عدوّ له فيرتكبه الصديق المباشر بإرادته واختياره. ولا يسند الفعل في هذه الصورة إلى الآمر والسبب إلاّ بنسبة‌

__________________

(*) هذا إذا لم يكن ضرريّاً.

٢٩٩

لغيره (*) (١) وإن صار هو السبب للتكليف بصرف المال ، وكذا لو ألقاه في البالوعة ، فانّ مئونة الإخراج الواجب على كلّ أحد ليس عليه ، لأنّ الضّرر إنما جاء من قبل التكليف الشرعي ، ويحتمل ضمان المسبّب كما قيل بل قيل باختصاص الوجوب به ، ويجبره الحاكم عليه لو امتنع ، أو يستأجر آخر ، ولكن يأخذ الأُجرة منه.

______________________________________________________

تجوزية لا حقيقية ، ومن هنا لا يقتص من آمره بل من مباشرة. وأوضح من ذلك ما إذا لم يأمره السبب ولا أشار إليه وإنما أوجد الداعي لفعل المباشر بإرادته ، كما إذا كان للسبب أنصار وعشيرة بحيث لو خاصم أحداً ونازعه لقتلته عشيرته من دون حاجة إلى أمره وإشارته ، فمثله إذا نازع أحداً مع الالتفات إلى أن عشيرته لبالمرصاد فقتلته عشيرته ، لا يمكن إسناد القتل إلى ذلك المنازع إلاّ على وجه المجاز فان القاتل في الحقيقة هو العشيرة والأعوان. نعم ، إن منازعة مثله مع الالتفات إلى الحال محرّم من جهة أنها من إيجاد الداعي إلى الحرام وهو حرام.

وعلى ذلك لا وجه للضمان في مفروض الكلام ، حيث إنّ الضمان له سببان فيما نحن فيه أحدهما : الاستيلاء على مال الغير المعبّر عنه باليد. وثانيهما : الإتلاف ، وكلاهما مفقود في المقام. أما اليد فانتفاؤها من الوضوح بمكان ، وأما الإتلاف فلما مرّ من أن المزيل إنما بذل المال في سبيل تطهير المصحف بالإرادة والاختيار ولا يسند الإتلاف معه إلاّ إلى المباشر لا إلى السبب الذي هو المنجّس. نعم ، السبب أوجد الداعي للمزيل المسلم إلى الإتلاف حيث نجّس المصحف وقد عرفت أن إيجاد الداعي للمباشر ليس من التسبيب الموجب للضمان.

(١) ظاهر العبارة وإن كان يعطي في بدو النظر اختصاص عدم ضمان المال المصروف بما إذا كان المصحف ملكاً للمنجّس ، وهذا لا يستقيم فإنه بناء على أن السبب لا ضمان له كما هو الصحيح على ما عرفت لا يفرق بين ما إذا كان المصحف‌

__________________

(*) بل ولو كان لغيره ، نعم يضمن النقص الحاصل من جهة تنجيسه كما تقدّم.

٣٠٠