موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وأمّا إدخال المتنجس فلا بأس به ما لم يستلزم الهتك (١).

[٢٤٤] مسألة ٣ : وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي (٢)

______________________________________________________

الآية على تقدير كون النجس فيها بمعناه المصطلح عليه بالمشركين ولا يمكننا التعدي عنهم إلى غيرهم من النجاسات فضلاً عن المتنجسات ، وإن كان تعميم المنع إلى كل منهما ظاهر جماعة. فإلى هنا تحصّل أن إدخال النجاسة في المساجد بما هو كذلك مما لم تقم على حرمته دليل اللهمّ إلاّ أن يستلزم هتكها أو تنجيسها.

(١) قد اتضح الوجه فيه مما سردناه آنفاً.

(٢) لعدم اختصاص أدلّة وجوبها بشخص دون شخص وعدم قابلية الإزالة للتكليف بها إذا قام بها بعض المكلفين. وعن الشهيد في الذكرى التفصيل بين ما إذا استند تنجيس المسجد إلى فاعل مشعر مختار فوجوب الإزالة عيني في حقه ، وبين ما إذا كان مستنداً إلى غيره فوجوب الإزالة كفائي على الجميع (١) وهذا كما إذا اقتتل في المسجد حيوانان فاقدان للشعور والاختيار فقتل أحدهما الآخر وتلوث المسجد بدمه ، أو افترست الهرة طيراً وتنجس المسجد بدمه وهكذا. وفيه : أنه إن أراد بذلك أن الإزالة عند ما استند تنجيس المسجد إلى فاعل مختار متعينة في حقه وإذا عصى واجبه وترك الإزالة تجب على غيره من المسلمين كفاية كما التزموا بذلك في مثل إنفاق الوالد على ولده الفقير أو العكس حيث إنه واجب عيني في حقه ، إلاّ أنه إذا عصى وترك واجبه يجب على عامة الناس كفاية لوجوب حفظ النفس المحترمة ، وفي صلاة الميت ودفنه وكفنه فإنها أيضاً واجبات عينية على وليه على وجه فيقوم بها بالمباشرة أو التسبيب ، فاذا خالفها تجب على غيره من المسلمين كفاية ، فهو وإن كان دعوى معقولة على ما حقّقناه في محلِّه إلاّ أنّ إثباتها يحتاج إلى دليل وهو مفقود في المقام ، لأنّ نسبة أدلة وجوب الإزالة إلى من نجّس المسجد وغيره على حد سواء.

وإن أراد به أن الأمر بالإزالة متوجه إلى الفاعل المختار ولا تكليف على غيره أزال‌

__________________

(١) الذكرى : ١٥٧.

٢٦١

ولا اختصاص له بمن نجّسها أو صار سبباً ، فيجب على كل أحد.

[٢٤٥] مسألة ٤ : إذا رأى نجاسة في المسجد وقد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدّماً على الصلاة مع سعة وقتها (١) ومع الضيق قدّمها (٢) ، ولو ترك الإزالة مع السعة واشتغل بالصلاة عصى لترك الإزالة ، لكن في بطلان صلاته إشكال ، والأقوى الصحة (٣)

______________________________________________________

أم لم يزل ، وإنما تجب على المسلمين كفاية فيما إذا استند تنجيس المسجد إلى غير الفاعل المختار ، ففيه : أن الفاعل المختار قد يعصي ولا يزيل فيبقى المسجد متنجساً لعدم وجوب الإزالة على غيره من المكلفين لا كفاية ولا عيناً وهو خلاف الإجماع والارتكاز وغيرهما من الأدلة القائمة على وجوب إزالة النجاسة عن المسجد. فالصحيح أن وجوب الإزالة كفائي في كلتا الصورتين.

(١) لأنها من الواجبات المضيقة ووجوبها على الفور ، والصلاة موسّعة والموسّع لا يزاحم المضيق بوجه.

(٢) لأن الصلاة أهم فإنها عمود الدين كما في الخبر (١).

(٣) قالوا إن الوجه في صحتها منحصر بالترتب. وذهب صاحب الكفاية إلى إمكان تصحيح العبادة حينئذ بالملاك من غير حاجة إلى القول بالترتّب (٢). أما الملاك فقد أسلفنا في محله عدم صحة تصحيح العبادة به إذ لا علم لنا بوجوده ، لوضوح أن الملاك إنما نستكشفه من الأمر المتعلق بالعبادة ومع فرض سقوط الأمر بالمزاحمة لا سبيل لنا إلى إحرازه (٣) ، وأما الترتّب فهو وإن كان صحيحاً في نفسه بل إن تصوره بجميع ما هو عليه من خصوصياته ومزاياه مساوق لتصديقه ، إلاّ أن مورده ما إذا كان كلا الواجبين مضيقاً كحفظ النفس المحترمة والصلاة في آخر وقتها ، وأما إذا كان‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٧ / أبواب أعداد الفرائض ب ٦ ح ١٢ وب ٨ ح ١٣.

(٢) كفاية الأُصول : ١٣٤.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٧٠.

٢٦٢

هذا إذا أمكنه الإزالة. وأما مع عدم قدرته مطلقاً أو في ذلك الوقت فلا إشكال في صحة صلاته (١) ولا فرق في الاشكال في الصورة الأُولى بين أن يصلي في ذلك المسجد أو في مسجد آخر (*) (٢) وإذا اشتغل غيره بالإزالة لا مانع من مبادرته إلى الصلاة قبل تحقّق الإزالة (٣).

______________________________________________________

أحدهما أو كلاهما موسعاً فلا مجال فيه للترتب بوجه.

فالتحقيق في تصحيح الصلاة حينئذ أن يقال : إن المضيق قد وجب على المكلف بعينه ، وأما الأمر في الموسع فهو إنما تعلق بالطبيعي الجامع بين المبدأ والمنتهى ، فالفرد المزاحم من أفراده مع المضيق لم يتعلق به أمر أو وجوب وإنما هو مصداق للمأمور به لا أنه مأمور به بنفسه حتى في غير موارد التزاحم ، ومن البين أنه لا تزاحم بين الواجب وهو المضيق وبين غير الواجب وهو الفرد المزاحم من الموسع مع الواجب المضيق ، فاذا أتى المكلف بالمضيق فهو وإلاّ فقد عصى التكليف المتوجِّه إليه ، إلاّ أنه يتمكّن من إتيان ذلك الفرد المزاحم من الموسع مع المضيق بداعي الأمر المتعلق بالطبيعي الجامع الملغى عنه الخصوصيات وهذا كاف في صحة صلاته. نعم ، إذا بنينا على أن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده ولو نهياً غيريّاً فلا مناص من بطلان الصلاة في مفروض المسألة ، لأنها من أضداد الإزالة المأمور بها ، ولكنّا لا نقول به كما أسلفنا تفصيله في محلِّه.

(١) لوضوح أنّ النجاسة بوجودها غير مزاحمة لشي‌ء وإنما المزاحم مع الصلاة هو الأمر بإزالتها ، وإذا سقط عن المكلف لعجزه فلا موجب لبطلان صلاته.

(٢) أو في مكان ثالث كما إذا صلّى في بيته ، لأن الميزان منافاة العمل للواجب المأمور به والمنافاة متحققة في جميع الصور كما هو واضح.

(٣) لانصراف الأمر بالإزالة عنه بفعل غيره ، فكما له حينئذ أن ينام أو يجلس أو يشاهد عمل المزيل كذا له أن يصلي لوحدة المناط.

__________________

(*) أو في مكان آخر غير المسجد.

٢٦٣

[٢٤٦] مسألة ٥ : إذا صلّى ثم تبين له كون المسجد نجساً كانت صلاته صحيحة وكذا إذا كان عالماً بالنجاسة ثم غفل وصلّى (١) وأما إذا‌

______________________________________________________

(١) إذا بنينا على أن عصيان الأمر بالإزالة مع العلم به ولو مع التمكن منها وعدم اشتغال الغير بها غير مستلزم لبطلان الصلاة وإن كان المكلف يستحق بذلك العقاب لتركه المأمور به المنجز في حقه فلا وقع للكلام على الصحة مع الغفلة أو الجهل ، وأما إذا بنينا على بطلانها حينئذ فللنزاع في الصحة مع الغفلة أو الجهل مجال فنقول : أما الغافل فلا ينبغي الإشكال في صحة صلاته لأن الغافل كالناسي لا تكليف في حقه ، إذ التكاليف بأسرها مشروطة بالقدرة على امتثالها والغافل لعدم التفاته غير متمكن من الامتثال ، ولا يمكن قياسه بالجاهل لأنه متمكن من امتثال ما جهله بالاحتياط ولا يتمكن الغافل من ذلك لعدم التفاته ، فحيث إن المكلف غير مأمور بالإزالة فلا إشكال في صحة صلاته.

وأما الجاهل كمن رأى رطوبة في المسجد ولم يدر أنها بول أو مائع طاهر ، فبنى على عدم نجاسة المسجد بأصالة الطهارة أو أصالة عدم كون الرطوبة بولاً فصلّى ، ثم انكشف أنها رطوبة بول مثلاً ، فالحكم ببطلان صلاته وصحتها يبتني على لحاظ أن الحكم ببطلانها عند العلم بوجود النجاسة ، هل هو من جهة مزاحمة الأمر بالصلاة مع الأمر بالإزالة أو أنه من جهة تنافي الحكمين واستلزام ذلك التقييد في دليل الواجب؟ لأن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد سواء أكان النهي نفسياً أم كان غيرياً.

فان استندنا في الحكم ببطلان الصلاة إلى التزاحم وعدم قدرة المكلف على امتثال كلا الحكمين ، وأن الأمر بالإزالة لمكان أنها أهم يسلب القدرة عن الصلاة ، ومع عدم القدرة لا تكليف بها ، والعبادة من غير أمر تقع فاسدة كما نسب إلى البهائي (١) قدس‌سره حيث إن الأمر بالشي‌ء وإن لم يقتض النهي عن ضده إلاّ أنه يقتضي عدم الأمر‌

__________________

(١) نسبه إليه في كفاية الأُصول : ١٣٣ ، وانظر زبدة الأُصول : ٨٢.

٢٦٤

به ، فاذا كان الضد عبادة فلا محالة تقع فاسدة ، فلا مناص من الحكم بصحة صلاة الجاهل بوجود النجاسة ، لعدم فعلية الأمر بالإزالة لجهله ، ومع عدم فعلية وجوبها لا سالب لقدرة المكلف عن الصلاة فهي مقدورة له بحسب التكوين والتشريع فيشملها الإطلاقات وبه يحكم بصحتها.

وعلى الجملة لا تكاذب بين المتزاحمين بحسب مقام الجعل وإنما قيل ببطلان غير الأهم إذا كان عبادة من جهة أن الأمر بالأهم يسلب القدرة عنه ، وهذا مختص بما إذا تنجز الأمر بالأهم بالإضافة إلى المكلف ، وأما مع عدم تنجزه للجهل به فلا مانع من شمول الإطلاقات للمهم ، وبذلك صح الحكم بصحة الصلاة وتعيّن التفصيل في الحكم ببطلانها بين صورتي العلم بالنجاسة وجهلها.

وأما إذا استندنا في الحكم ببطلانها إلى تنافي الحكمين فلا بد من الحكم ببطلانها في كلتا صورتي العلم بالنجاسة وجهلها ، وذلك لأنّا إذا بنينا على أن الأمر بالإزالة يقتضي النهي عن ضدها فلا محالة يقع التعارض بين الحرمة والوجوب في الصلاة ، لأنهما أمران لا يجتمعان ولا يعقل جعلهما في مورد واحد ، فلا مناص من الأخذ بأحدهما ورفع اليد عن الآخر ، فاذا رجّحنا الحرمة لأهمية الإزالة فيستلزم ذلك تقييداً في دليل الواجب وهو تخصيص واقعي ، ولا مناص معه من الحكم ببطلان الصلاة في كلتا صورتي العلم بالنجاسة والجهل بها ، لأن الحكم بوجوب الصلاة مع فرض وجوب الإزالة وإن لم يتنجز لجهل المكلّف أمر مستحيل سواء أكان عالماً بالنجاسة أم لم يكن. ومن هنا قلنا في بحث اجتماع الأمر والنهي : إنّا إذا بنينا على الامتناع وقدّمنا جانب الحرمة فمقتضاه الالتزام بالتخصيص في دليل الواجب ، ومعه يحكم ببطلانه في كلتا صورتي العلم بالحرمة وجهلها ، ولأجله حكمنا ببطلان الوضوء بالماء المغصوب مطلقاً سواء علم المتوضي بغصبيته أم جهلها ، وقلنا : إنّ ما اشتهر من أن العبادة تقع صحيحة في باب الاجتماع عند الجهل بحرمتها كلام شعري لا أساس له على القول بالامتناع (١).

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٢٣٣.

٢٦٥

علمها أو التفت إليها في أثناء الصلاة (١) فهل يجب إتمامها ثم الإزالة ،

______________________________________________________

فذلكة الكلام : أنه على ما سلكناه آنفاً من أنه لا تزاحم ولا تعارض بين الواجبات المضيقة والموسعة فلا كلام في صحة الصلاة في كل من صورتي العلم بالنجاسة وجهلها. وأما إذا بنينا على أنهما متزاحمان ، فان قلنا بالترتب أو بإمكان تصحيح العبادة بالملاك فلا بد من الالتزام بصحة الصلاة في كلتا الصورتين ، غاية الأمر أن الأمر بالصلاة على القول بالترتب مشروط في فرض العلم بعصيان الأمر بالإزالة. وأما إذا لم نقل بالترتب ولا بإمكان تصحيح العبادة بالملاك فلا كلام في بطلان الصلاة عند العلم بوجود النجاسة ووجوب إزالتها. وأما عند الجهل بها فلا بد من التفصيل بين ما إذا كان مستند الحكم ببطلان الصلاة عند العلم بالنجاسة هو التزاحم فنحكم بصحتها عند الجهل بالنجاسة ، وبين ما إذا كان المستند هو المعارضة وتنافي الحكمين فنلتزم ببطلانها في كلتا الصورتين.

(١) للمسألة صور ثلاث :

الاولى : ما إذا علم بوجود النجاسة قبل الصلاة ثم غفل عنها فدخل في الصلاة والتفت إليها في أثنائها.

الثانية : ما إذا دخل في الصلاة من دون علمه بوجود النجاسة إلاّ أنه التفت إليها في أثناء الصلاة.

الثالثة : ما إذا طرأت النجاسة وهو في أثناء الصلاة. وفي جميع هذه الصور إن تمكن من إزالة النجاسة في أثناء صلاته من غير أن توجب الانحراف عن القبلة أو تعدّ من الفعل الكثير وجبت ، فيقطع صلاته ويزيل النجاسة ثم يتمها من حيث قطعها ، وأما إذا استلزمت الانحراف أو عدّت من الفعل الكثير ، ففي وجوب إتمام الصلاة ثم الإزالة ، أو إبطالها والمبادرة إلى الإزالة ، أو التفصيل بين الصورة الاولى فيجب قطع الصلاة لاستصحاب وجوب الإزالة الثابت قبل الصلاة ، وبين الأخيرتين فيجب إتمام الصلاة ثم الإزالة لاستصحاب وجوب إتمامها المتحقق قبل وجوب الإزالة وجوه.

ذهب الماتن قدس‌سره إلى وجوب إتمامها مطلقاً ، ولعل وجهه أن دليل فورية‌

٢٦٦

الإزالة لا يقتضي لزوم الزائد على الفورية العرفية ، وليس على نحو يشمل المقام كما لا يشمل ما إذا طرأت النجاسة على المسجد وهو في أثناء الطعام أو غيره مما يحتاج إليه.

وتفصيل الكلام في المقام : أن فورية الإزالة ووجوب المبادرة نحوها إن كان مدركهما دليلاً لفظيّاً كما إذا قلنا بدلالة الآية المباركة والأخبار المتقدمة على وجوبها الفوري وكان مدرك وجوب إتمام الفريضة وحرمة قطعها أيضاً دليلاً لفظياً ، كما إذا استدللنا عليهما بما ورد من أن الصلاة تحريمها التكبيرة وتحليلها التسليم (١) بحمل التحريم والتحليل على الحرمة والحلية التكليفيتين ، حيث يدل حينئذ على أن الأُمور القاطعة للصلاة من الاستدبار والقهقهة ونحوهما محرمة لأن محلل الصلاة هو التسليم ، فيكون الإطلاقان متزاحمين فان كلا منهما يشمل صورة وجود الآخر وعدمه ، فيدل أحدهما على وجوب المبادرة إلى الإزالة وفوريتها سواء كان المكلف في أثناء الفريضة أم لم يكن ، ويدلُّ الآخر على حرمة قطع الفريضة مع نجاسة المسجد وعدمها ، وحيث إن المكلف لا يتمكن من امتثال كليهما كما هو مفروض المسألة فالاطلاقان متزاحمان ولا بد من الرجوع إلى قواعد باب التزاحم ، وهي تقتضي وجوب تقديم الأهم أو ما يحتمل أهميته على غيره.

هذا إذا كان أحدهما كذلك ، وإلاّ فيتخير بينهما لتساويهما من جميع الجهات. ولما لم تثبت الأهمية في المقام ولا أنها محتملة في أحدهما دون الآخر ، تخيّر المكلف بين إتمام الصلاة ثم الإزالة وبين قطعها والمبادرة إلى الإزالة ، والحكم بوجوب الإتمام حينئذ مبني على احتمال كونه أهم. ولا يفرق في ذلك بين القول بالترتب وعدمه لأن القول بالترتب بين المتساويين أيضاً ينتج التخيير. نعم ، القول بالترتب يلزمه القول بتعدد العقاب إذا تركهما معاً لأن كلا من الإزالة وإتمام الصلاة واجب مشروط بترك الآخر فهناك واجبان مشروطان تحقق شرط كل منهما بتركهما فيترتب عليه عقابان ، وهذا بخلاف ما إذا أنكرنا الترتب حيث لا تكليف حينئذ إلاّ بأحدهما مخيراً فإذا تركهما فقد‌

__________________

(١) قدّمنا مصدرها في ص ٢٣٩.

٢٦٧

عصى تكليفاً واحداً كما هو الحال في سائر الواجبات التخييرية.

وأما إذا كان مدركهما دليلاً لبياً أعني به الإجماع ، نظراً إلى أن ما دلّ على وجوب الإزالة لا يدل على وجوبها الفوري الدقي ، غاية الأمر أن يدل على وجوب الفور العرفي ، حيث لا مجال لتوهم دلالته على جواز تأخير الإزالة إلى مرور خمسين سنة مثلاً ، فلا بد في امتثال الأمر بالإزالة من المبادرة إليها عرفاً ، والفورية العرفية لا ينافيها إتمام ما بيده من الصلاة أو إنهاء ما اشتغل به من أكل أو شرب ونحوهما مما بقي منه شي‌ء طفيف ، وعليه فلو وجبت الإزالة فوراً عقلياً فهو مستند إلى الإجماع لا محالة كما أن وجوب إتمام الصلاة إنما يثبت بالإجماع المنعقد على وجوبه وحرمة قطعها ، لأن المراد بالتحليل والتحريم في الأخبار المتقدِّمة إنما هو الحرمة والحلية الوضعيتان أعني مانعية مثل القهقهة والاستدبار ونحوهما بعد تكبيرة الإحرام وعدم مانعيتها بعد التسليمة ، فإنه لا موضوع حينئذ كي تمنع عنه تلك الأُمور فلا دلالة للروايات على حرمتها التكليفية ومن هنا ورد في بعضها : « أن الصلاة مفتاحها التكبير ، أو أنها يفتتح بالتكبير ويختم بالتسليم » (١) ومعناه أن الإتيان بشي‌ء من القواطع بعد الافتتاح يوجب انقطاع الصلاة وبطلانها. والذي يدلنا على أن المراد بالتحليل والتحريم هو الحرمة والحلية الوضعيتان ، أن المراد بهما لو كان هو الحرمة والحلية التكليفيتان لم يفرق في ذلك بين النافلة والفريضة ، لأن إطلاق الروايات كما تشمل الثانية أيضاً تشمل الاولى فالتكبيرة محرّمة في النوافل والفرائض والتسليمة محلّلة. مع أنّ النوافل غير محرّم قطعها بلا إشكال.

فعلى ما ذكرنا لو قلنا بوجوب إتمام الصلاة وحرمة قطعها فلا بد من الاستناد فيهما إلى الإجماع المدعى. إذن فالنتيجة أيضاً التخيير لأن الإجماع دليل لبي يقتصر فيه على المقدار المتيقن ، والمتيقن من وجوب إتمام الصلاة ووجوب المبادرة إلى الإزالة إنما هو غير صورة المزاحمة ، فالمبادرة إلى الإزالة إنما نعلم بوجوبها فيما إذا يكن المكلف في‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠ / أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ب ١ ح ٧ وفيه أوّل الحديث وفي ص ٤١٥ / أبواب التسليم ب ١ ح ٢.

٢٦٨

أو إبطالها والمبادرة إلى الإزالة؟ وجهان أو وجوه ، والأقوى وجوب الإتمام (*).

______________________________________________________

أثناء الصلاة ، كما أن إتمام الفريضة إنما يجب إذا لم تكن الإزالة واجبة في حقه ، ومع فرض التزاحم لا دليل على وجوب شي‌ء من الإتمام والمبادرة إلى الإزالة ، فله أن يقطع صلاته ويشرع في الإزالة كما أن له أن يتمها ثم يزيل النجاسة. وإذا فرضنا أن فوريّة الإزالة استندت إلى دليل لفظي وكان وجوب الإتمام مستنداً إلى الإجماع ، فلا محالة تتعين عليه الإزالة وتتقدّم على وجوب إتمام الصلاة ، لأنّ إطلاق دليلها يشمل ما إذا كان المكلف في أثناء الصلاة ، ولا يزاحمه وجوب الإتمام لأن القدر المتيقن من وجوبه غير صورة الابتلاء بالمزاحم. وإذا عكسنا الفرض وكان وجوب الإتمام مستنداً إلى دليل لفظي والفورية في الإزالة ثبتت بدليل غير لفظي ، فينعكس الحكم ويجب عليه الإتمام ثم الإزالة ، لأن دليله بإطلاقه يشمل ما إذا تنجس المسجد في أثناء الصلاة ، ولا يزاحمه دليل فورية الإزالة لاختصاصه بما إذا لم يبتل المكلف بتكليف آخر هذا.

والتحقيق هو التخيير بين إتمام الصلاة ثم الإزالة وبين قطعها والمبادرة إلى الإزالة قبل إتمامها كما أشرنا إليه في تعليقتنا على المتن ، وذلك لعدم الدليل على وجوب إتمام الصلاة ، فإن الأخبار المتقدمة لا دلالة لها عليه ، والإجماع المدعى على وجوبه غير ثابت فلم يبق سوى الإجماع المنقول ولا اعتبار به عندنا ، وكذلك الحال في الفورية العقلية في الإزالة حيث لم يقم دليل على وجوبها ، فإن غاية ما يمكن استفادته من الأخبار الواردة في جواز جعل الكنيف مسجداً بعد طمّه ومن صحيحة علي بن جعفر المتقدمة إن تمت دلالتها هو الفورية العرفية غير المنافية مع إتمام ما بيده من الصلاة أو غيرها فالمكلف يتخير بين الأمرين المتقدِّمين.

ثم إن ما ذكرناه من التخيير بين الأمرين السابقين أو تقديم أحدهما على الآخر يأتي في جميع الصور الثلاث ولا اختصاص له ببعض دون بعض ، وذلك لأجل الابتلاء‌

__________________

(*) بل الأقوى هو التخيير بين الأمرين.

٢٦٩

[٢٤٧] مسألة ٦ : إذا كان موضع من المسجد نجساً ، لا يجوز تنجيسه ثانياً بما يوجب تلويثه بل وكذا مع عدم التلويث إذا كانت الثانية أشدّ وأغلظ من الاولى ، وإلاّ ففي تحريمه تأمّل ، بل منع إذا لم يستلزم تنجيس ما يجاوره من الموضع الطاهر لكنّه أحوط (١).

______________________________________________________

بالمزاحم في الجميع. هذا كله من جهة الحكم التكليفي أعني وجوب إتمام ما بيده من الصلاة أو وجوب قطعها والمبادرة إلى الإزالة. وأما من ناحية حكمها الوضعي أعني صحتها إذا أتمها ولم يبادر إلى الإزالة فقد اتضح مما أسلفناه في المسألة المتقدمة ، حيث إنها صحيحة تعينت عليه المبادرة إلى الإزالة أم لم تتعين. نعم إذا قلنا بتعينها حينئذ ولكنّه تركها وأتم صلاته فقد ارتكب محرّماً وعصى بتأخيره الإزالة ، إلاّ أنّ صلاته صحيحة على كل حال.

(١) للمسألة صور :

الاولى : أن يكون تنجيس الموضع المتنجس من المسجد سبباً لسراية النجاسة إلى غير الموضع المتنجس منه وموجباً لاتساعها. ولا ينبغي الإشكال حينئذ في حرمته لأنه تنجيس للمسجد في المقدار الزائد ابتداء وهو حرام.

الثانية : ما إذا لم يوجب اتساع النجاسة إلاّ أن النجاسة الثانية كانت أشد من النجاسة السابقة في المسجد ، كما إذا كان متنجساً بالدم وهو يزول بالغسل مرة واحدة ثم نجّسه بالبول مع البناء على أنه لا يزول إلاّ بالغسل مرتين ، وهذا أيضاً محرّم لاشتماله على ما هو الملاك في الحكم بحرمة تنجيس المسجد ابتداء فكما أنه مبغوض عند الشارع كذلك الثاني ، لأن الشارع يبغض تشديد النجاسة فيه فهو إيجاد لمبغوضه في المسجد من الابتداء.

والثالثة : ما إذا لم يكن التنجيس مستلزماً لاتساع النجاسة ولا أن الثانية كانت أشد من السابقة ، إلاّ أنه أوجب تلويث المسجد تلويثاً ظاهرياً مضافاً إلى نجاسته الواقعية ، كما إذا أراد تنجيس الموضع المتنجس من المسجد بالبول مثلاً بتلويثه بالعذرة الرطبة. وهذا أيضاً كالصورتين المتقدِّمتين محكوم بحرمته لمنافاته احترام المسجد‌

٢٧٠

[٢٤٨] مسألة ٧ : لو توقّف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز بل وجب وكذا لو توقف على تخريب (*) شي‌ء منه ولا يجب طمّ الحفر وتعمير الخراب. نعم ، لو كان مثل الآجر مما يمكن ردّه بعد التطهير وجب (١).

______________________________________________________

وتعظيم حرمات الله فهو هتك محرم.

الرابعة : ما إذا كان تنجيس الموضع المتنجس غير موجب لاتساع النجاسة ولا لتشديدها ولا كان موجباً للتلويث الظاهري. والصحيح عدم الحرمة في هذه الصورة لعدم كونه تنجيساً للمسجد حقيقة ، فإنّ المتنجس لا يتنجس ثانياً كما أشرنا إليه في محلِّه (٢) وقلنا إنّ النجاسة والطهارة حكمان وضعيان وحقيقتهما الاعتبار ولا معنى للاعتبار بعد الاعتبار.

(١) في المسألة جهات من الكلام : الجهة الاولى : في جواز حفر المسجد وتخريبه إذا توقّفت الإزالة الواجبة على شي‌ء منهما. ولا ينبغي التأمل في جوازهما بل وجوبهما إذا كان حفرة أو تخريبه بمقدار يسير ولم يعدّ إضراراً للمسجد ومانعاً عن الصلاة والعبادة فيه ، وذلك للمقدمية وتوقّف الإزالة المأمور بها عليه بناء على وجوب المقدمة شرعاً. وأما إذا كان بمقدار غير يسير وادي إلى الإضرار والمنع عن الصلاة في المسجد فالحكم بجوازه فضلاً عن وجوبه محل إشكال ومنع ، لتزاحم ما دلّ على وجوب الإزالة مع الأدلة الدالة على حرمة الإضرار بالمسجد ، وحرمة الإضرار لو لم تكن أقوى وأهم من وجوب الإزالة فعلى الأقل أنها محتملة الأهمية دون الوجوب فلا مسوّغ معه للحكم بجواز حفر المسجد أو تخريبه. هذا إذا كان الدليل على وجوب الإزالة هو الأخبار المتقدِّمة ، وأما إذا استندنا فيه إلى الإجماع فالخطب سهل لعدم شمول الإجماع للإزالة المستلزمة للإضرار بالمسجد.

__________________

(*) هذا إذا لم يكن التخريب إضراراً بالوقف وإلاّ ففي جوازه فضلاً عن الوجوب إشكال حتى فيما إذا وجد باذل لتعميره.

(٢) في ص ٢٠٠.

٢٧١

الجهة الثانية : في أن حفر المسجد أو تخريبه إذا قلنا بجوازه فهل يجب طمّ الحفر وتعمير الخراب منه؟ نصّ الماتن بعدم وجوبهما وهو الحق الصريح ، وهذا لا لما قيل من أن الحفر والتخريب إنما صدرا لمصلحة المسجد وتطهيره ، والتصرف فيما يرجع إلى الغير إذا كان لمصلحة الغير لا يستتبع الضمان ، فإنه لم يثبت على كبرويته. مثلاً إذا توقف إنجاء نفس محترمة من الحرق أو الغرق على تخريب دارها ، فهو وإن كان صدر لمصلحة مالكها الغريق وإنجائه إلاّ أنه إنما لا يستتبع الضمان فيما إذا استند إلى إذن نفسه أو الحاكم أو العدول لأنه من الأُمور الحسبية التي يرضى الشارع بأمثالها ، وأما إذا لم يستند إلى شي‌ء من ذلك بل خربها أحد من قبل نفسه بداعي إنجاء مالكها فالحكم بعدم استلزامه الضمان في نهاية الإشكال.

بل الوجه فيما ذكرناه أن المسجد يمتاز عن بقية الأُمور الموقوفة بأنه تحرير وفك للأرض عن علاقة المملوكية ، فكما أن المملوك من العبيد قد يحرّر لوجه الله فلا يدخل بعد ذلك في ملك مالك ، كذلك المملوك من الأراضي قد يحرّر ويفك عن الملكية لوجه الله فلا تثبت عليها علاقة مالك أبداً ، والدليل الدال على الضمان إنما أثبته في التصرف في مال أحد وإتلافه ، وأما إتلاف ما ليس بمال لأحد فلم يدل دليل على ضمانه بالتصرف فيه. ومن هنا نفرّق بين المسجد وأدواته وآلاته من الحصر والفرش وغيرهما ، لأنها إما أن تكون ملكاً للمسلمين حيث وقفت لهم حتى ينتفعوا بها في صلاتهم وعبادتهم ، وإما أنها ملك للمسجد وموقوفة له ولا مانع من تمليك المسجد ونحوه من غير ذوي الشعور وإن كان الأول أقرب إلى الأذهان ، فإن المسجد لا يحتاج إلى شي‌ء من الآلات والأدوات وإنما يحتاج إليها المسلمون في عباداتهم وصلواتهم في المسجد. وكيف كان ، فهي مملوكة للغير على كلا الفرضين فالتصرف فيها يستتبع الضمان.

الجهة الثالثة : أن الآجر ونحوه مما يمكن رده إلى المسجد بعد تطهيره هل يجب ردّه إليه؟ حكم الماتن قدس‌سره بوجوبه وهو الصحيح ، وهذا لا لما ورد في بعض الأخبار من الأمر بوجوب ردّ الحصاة أو التراب المأخوذين من المسجد أو البيت‌

٢٧٢

[٢٤٩] مسألة ٨ : إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره (*) أو قطع موضع النجس منه (**) إذا كان ذلك أصلح من إخراجه وتطهيره كما هو الغالب (١).

______________________________________________________

إليه (١) حتى يقال بعدم وجوب الرد في المقام لأن إخراج الآجر مثلاً إنما كان بأمر الشارع وحكمه بوجوب تطهيره بخلاف إخراج الحصاة والتراب ، بل الوجه في ذلك أن الآجر إما أنه جزء للمسجد كما إذا جعلت الأرض وما فيها من الآجر مسجداً وإما أنه وقف للمسجد كسائر آلاته أو وقف للمسلمين ، وعلى أي حال فهو من الموقوف ويجب ردّ الوقف إلى محله ويحرم التصرف فيه في غير الجهة التي أُوقف لأجلها فإن الوقوف حسب ما يقفها أهلها ، ومن ثمة نحكم بعدم جواز التصرف في مثل الحجارة والآجر وغيرهما من أدوات المسجد بعد خرابه لعدم كونها من المباحات الأصلية ، فيجب إما أن يصرف في نفس ذلك المسجد إن أمكن وإلاّ ففي مسجد آخر لأنها وقف للمسجد فيلاحظ فيها الأقرب فالأقرب.

(١) في المسألة جهتان من الكلام : الجهة الاولى : أن المسجد إذا تنجس حصيرة أو فرشه أو غيرهما من آلاته فهل تجب إزالة النجاسة عنه كما تجب إزالتها عن نفس المسجد؟ حكي القول بذلك عن الكثير ولم ينقل فيه خلاف ، إلاّ أن الصحيح عدم وجوب الإزالة عن آلات المساجد ، وذلك لأنّا إن استندنا في الحكم بوجوب الإزالة عن المسجد إلى الإجماع المنعقد على وجوبها كما هو الصحيح فمن الظاهر عدم شموله لآلاته وأدواته ، فانّ المتيقن منه إنما هو نفس المسجد كما هو ظاهر ، وإن اعتمدنا فيه على الأخبار الواردة في جواز اتخاذ الكنيف مسجداً بعد طمّه أو إلى صحيحة علي ابن جعفر المتقدِّمة ، فهما مختصتان أيضاً بنفس المسجد ولا دلالة لهما على وجوب الإزالة عن آلاته. نعم ، لو استندنا في ذلك إلى قوله عزّ من قائل : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ

__________________

(*) على الأحوط.

(**) فيه إشكال.

(١) الوسائل ٥ : ٢٣١ / أبواب أحكام المساجد ب ٢٦ ح ١ ٤.

٢٧٣

نَجَسٌ ... ) (١) أو إلى النبوي : « جنِّبوا مساجدكم النجاسة » (٢) وحملنا النجس على الأعم من النجاسات والمتنجسات لدلا على وجوب إزالة النجاسة عن الحصر والفرش وغيرهما من آلات المساجد لوجوب تجنيب المساجد عنهما وعدم إدخالها فيها.

إلاّ أنك عرفت عدم تمامية الاستدلال بشي‌ء من الآية والرواية ، لأن النجس بمعناه الحدثي المصدري وقد أُطلق على المشركين لشدة خباثتهم ونجاستهم الباطنية والظاهرية ، فلا يمكن التعدي عن مثلها إلى سائر النجاسات فضلاً عن المتنجسات كما أن النبوي مخدوش بحسب الدلالة والسند. فتحصل : أنه لا دليل على وجوب إزالة النجاسة عن آلات المساجد فللمكلف أن يفرش عباءه المتنجس في المسجد ويصلي عليه ولا يجب إخراجه عن المسجد. نعم ، يحرم تنجيس أدواته لأنّ التصرّف في الوقوف في غير الجهة التي أُوقفت لأجلها محرم والحصير إنما أُوقف لأنّ يصلّى فوقه ولم يوقف لتنجيسه. نعم ، في مثل أسلاك المسجد ومنابرها وغيرها من المواضع التي لم توقف للعبادة لا دليل على حرمة تنجيسها لعدم منافاته لجهة الوقف.

الجهة الثانية : أن الحصر والفرش وغيرهما من آلات المسجد إذا دار أمرها بين إخراجها من المسجد لتطهيرها ثم إرجاعها إليه ، وبين قطع الموضع المتنجس منها من دون إخراجها وتطهيرها فهل الأرجح هو القطع أو التطهير بإخراجها أو أن الأمرين متساويان؟ الصحيح أن ذلك لا يدخل تحت ضابط كلي لأن المصلحة قد تقتضي التطهير دون القطع ، كما إذا فرضنا الفرش المتنجس من فرش قاسان فان قطع مقدار من مثله يوجب سقوطه عن المالية ، فلا إشكال في مثله في تعين التطهير بإخراجه من المسجد ثم إرجاعه إليه ، وقد ينعكس الأمر كما إذا كان الحصير المتنجس كبيراً غايته فان نقله من مكانه ثم إرجاعه إليه يذهب بقوته وينقص من عمره ، بخلاف ما إذا قطعنا مقداراً قليلاً منه كمقدار حمصة ونحوها فالمتعين في مثله القطع لا محالة. وعلى‌

__________________

(١) التوبة ٩ : ٢٨.

(٢) الوسائل ٥ : ٢٢٩ / أبواب أحكام المساجد ب ٢٤ ح ٢.

٢٧٤

[٢٥٠] مسألة ٩ : إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع كما إذا كان الجص الذي عمّر به نجساً ، أو كان المباشر للبناء كافراً ، فان وجد متبرِّع بالتعمير بعد الخراب جاز وإلاّ فمشكل (*) (١).

[٢٥١] مسألة ١٠ : لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خراباً وإن لم يصلّ فيه أحد ويجب تطهيره إذا تنجّس (٢).

______________________________________________________

الجملة لا بدّ من مراعاة ما هو الأصلح بحال المسجد وآلاته وهو يختلف باختلاف الموارد والحالات.

(١) كأنّ استشكاله قدس‌سره من جهة اختصاص الأدلة القائمة على وجوب إزالة النجاسة بما إذا كان المسجد قائماً بعينه حال تطهيره ، فإن الأدلة على هذا لا تشمل المقام إذ التطهير مساوق لانعدام موضوع المسجد على الفرض.

قلت : الأمر وإن كان كما أفاده حيث لا دليل على وجوب تطهير المسجد إذا كان مستلزماً لانعدامه ، إلاّ أن ذلك لا اختصاص له بصورة عدم وجدان المتبرِّع ، فانّ المسجد لمكان وقفه وتحريره يحتاج تخريبه إلى مرخص شرعي ، لحرمة التصرف في الوقوف في غير الجهة الموقوفة لأجلها ، ووجود المتبرع لا يكون مرخصاً في تخريب المسجد وإلاّ جاز تخريبه مع وجود المتبرع بتعميره وإن لم يكن محتاجاً إلى التطهير لعدم نجاسته. وكيف كان ، فلا مرخّص في تخريب المسجد في كلتا الصورتين ، ومن هنا أشرنا في التعليقة إلى أن صورتي وجدان المتبرع وعدمه متساويتان في الإشكال.

(٢) لهذه المسألة صورتان : إحداهما : ما تعرض له الماتن في هذه المسألة وهو ما إذا كان المسجد خراباً لا يصلّى فيه لكثرة ما فيه من التراب والزبالات ، إلاّ أنه معنون بعنوان المسجد بالفعل بحيث يقال إنه مسجد خراب ولا يقال إنه كان مسجداً سابقاً وليس كذلك بالفعل.

__________________

(*) لا فرق في الاشكال بين وجود المتبرع وعدمه ، والأقوى كفاية تطهير الظاهر منه ولا يجب تطهير الباطن.

٢٧٥

[٢٥٢] مسألة ١١ : إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة (١) لا مانع منه (٢) إن أمكن إزالته بعد ذلك كما إذا أراد تطهيره بصبِّ الماء واستلزم ما ذكر.

______________________________________________________

وثانيتهما : ما يتعرّض له في المسألة الثالثة عشرة وهي ما إذا خرب المسجد على وجه تغير عنوانه ، ولم يصدق أنه مسجد بالفعل بل قيل إنه كان مسجداً في زمان وأما الآن فهو حمام أو شارع أو حانوت.

أما الصورة الاولى : فلا ينبغي الإشكال فيها في أنّ المسجد يحرم تنجيسه ، كما تجب الإزالة عنه لعين الأدلّة المتقدِّمة القائمة على وجوب الإزالة عن المسجد وحرمة تنجيسه ، لعدم التفصيل فيها بين المساجد العامرة والخربة. وأما الصورة الثانية : فيأتي عليها الكلام عند تعرض الماتن لحكمها (١).

(١) كما إذا قلنا بنجاسة غسالة الغسلة الأُولى ، أو كان المسجد متنجساً بدم ونحوه مما يحتاج إزالته إلى دلكه فأوجب صب الماء عليه قبل إزالته نجاسة بعض المواضع الطاهرة من المسجد.

(٢) والوجه فيه عدم شمول الأدلة القائمة على تنجيس المسجد للمقام ، لأن تنجيس الموضع الطاهر منه مقدمة لتطهيره وتطهير غيره من المواضع النجسة فلا دليل على حرمة تنجيسه أصلاً. على أنّا لو قلنا بحرمة التنجيس في أمثال المقام فلا محالة يقع التزاحم بين ما دلّ على حرمة تنجيس المسجد وما دلّ على وجوب تطهيره والمتعين حينئذ هو الأخذ بالأخير ، لأن الأمر يدور بين تنجيس شي‌ء من المسجد زائداً على نجاسة الموضع المتنجس منه حتى ترتفع نجاسة الجميع في مدة يسيرة ، وبين أن لا يزيد على نجاسة المسجد بشي‌ء وتبقى نجاسة الموضع المتنجس منه إلى الأبد ، ولا كلام في أن الأول هو المتعين الأرجح لأنه أقل محذوراً من الأخير.

__________________

(١) في المسألة [١٣].

٢٧٦

[٢٥٣] مسألة ١٢ : إذا توقف التطهير على بذل مال وجب (*) وهل يضمن من صار سبباً للتنجس؟ وجهان لا يخلو ثانيهما من قوة (١).

______________________________________________________

(١) الكلام في هذه المسألة يقع في موردين :

أحدهما : أن الإزالة إذا توقّفت على بذل مال كقيمة الماء وأُجرة الآلات والأجير هل يجب بذله؟ لأنه مقدمة للإزالة الواجبة ومقدّمة الواجب واجبة عقلاً وشرعاً أو عقلاً فقط.

وثانيهما : أن تنجيس المسجد إذا حصل بفعل فاعل مختار فهل يكون ضامناً للمال الذي تتوقّف الإزالة على بذله؟

أمّا المورد الأوّل : فتفصيل الكلام فيه : أن المال الذي تتوقّف الإزالة على بذله إن كان من أموال نفس المسجد كاجرة الدكاكين الموقوفة لمصالحه أو كان ممن تصدى للإزالة إلاّ أنه كان بمقدار يسير لا يعدّ صرفه ضرراً ولم يكن حرجياً في حقّه فلا ينبغي الإشكال في وجوب بذله لأنه مقدّمة للإزالة المأمور بها. وأما إذا كان ضرريّاً أو موجباً للحرج فالظاهر عدم وجوب بذله ، إذ الإجماع القائم على وجوب الإزالة غير شامل لهذه الصورة فإن المتيقن منه غيرها. وأما الأخبار المستدل بها على وجوب الإزالة فهي وإن كانت مطلقة وتقتضي وجوبها حتى إذا كانت ضررية أو حرجية إلاّ أن قاعدة نفي الضرر أو الحرج تقضي بعدم وجوب الإزالة ، لأنها حاكمة على أدلّة جميع الأحكام الشرعية التي منها وجوب الإزالة ، ولا غرابة في ذلك فإنهم ذهبوا إلى أن الميت إذا لم يكن له مال يشتري به الكفن ولم يكن من تجب عليه نفقته موسراً ، لا يجب عليه ولا على غيره شراء الكفن له ، وإنما يدفن عارياً أو يكفن من سهم سبيل الله من الزكاة كما صرح به جماعة ، لأن الواجب الكفائي هو التكفين لا بذل الكفن ، كما أن الواجب تغسيله دون شراء الماء له ، وهذا الحكم لا دليل عليه سوى قاعدة نفي الضرر ، ومن هنا قد يستشكل في ذلك بأن التكفين أو التغسيل إذا وجب ، وجب تحصيل ما هو مقدمة له من شراء الكفن أو الماء ، لعدم حصول الواجب‌

__________________

(*) فيه إشكال فيما إذا احتاج التطهير إلى بذل مال كثير ، بل لا يجب فيما يضرّ بحاله.

٢٧٧

إلاّ به. فاذا اقتضت القاعدة عدم وجوب شراء الكفن لميت الإنسان الذي هو أعزّ مخلوقات الله سبحانه ، فلا غرو أن تقتضي عدم وجوب بذل المال مقدمة للإزالة الواجبة.

وأمّا المورد الثاني : فقد قوّى الماتن فيه عدم الضمان ، والأمر كما أفاده ، ولنتكلّم أوّلاً في حكم تنجيس مال الغير حتى يظهر منه حكم المقام فنقول : إذا نجّس أحد مال غيره واحتاج تطهيره إلى بذل الأُجرة عليه فالظاهر عدم ضمانه للأُجرة ، وذلك لما ذكرناه في بحث الضمان من أن أدلة الضمان وإن كانت تشمل العين وأوصافها فاذا غصب أحد دابة مثلاً وكانت سمينة ثم عرضها الهزال وهي تحت يده ، فلا محالة يضمن النقص الحاصل في قيمتها كما هو مقتضى « على اليد ما أخذت » وغيره من أدلّة الضمان ، بلا فرق في ذلك بين وصف الصحة وغيرها من أوصاف الكمال. وعليه إذا صار تنجيس مال غيره سبباً لنقصان في قيمته كما قد يوجبه بل قد يسقطه عن المالية رأساً كما إذا نجّس ماء غيره أو لبنه ونحوهما فلا إشكال في ضمانه له حيث أتلفه على مالكه إلاّ أنّ اجرة تطهيره وإرجاعه إلى حالته السابقة مما لا دليل على ضمانه.

وقد يكون التفاوت بين اجرة التطهير ومقدار النقص الحاصل في قيمة المال مما لا يتسامح به ، وهذا كما إذا نجّس فرو غيره فإنه ينقص قيمته لا محالة بحيث لو كان يشترى طاهره بخمسة دنانير مثلاً يشترى بعد تنجسه بأربعة ، إلاّ أن اجرة تطهيره وإرجاعه إلى حالته الأولية لعلها تزيد على ثلاثة دنانير لاحتياجه إلى الدباغة وغيرها من الأعمال بعد غسله ، فالذي يضمنه من صار سبباً لتنجسه دينار واحد في المثال دون اجرة التطهير التي هي ثلاثة دنانير مثلاً ، ومن ذلك يظهر عدم ضمان اجرة التطهير في تنجيس المسجد لما عرفت من أنه لا دليل على ضمانها في تنجيس ملك الغير فضلاً عن تنجيس ما لا يدخل في ملك مالك ، والفرق بين تنجيس المسجد وغيره من الأموال إنما هو في أن المنجّس يضمن النقص الحاصل في قيمتها إذا حصل بتنجيسها ، وهذا بخلاف المسجد فان من صار سبباً لتنجسه لا يضمن النقص أيضاً لما تقدم من أن المساجد موقوفة ومعنى وقفها تحريرها فلا تقاس بسائر الوقوف التي هي ملك غير طلق ، فاذا لم تكن المساجد مملوكة لمالك فلا تشملها أدلّة الضمان‌

٢٧٨

[٢٥٤] مسألة ١٣ : إذا تغيّر عنوان المسجد بأن غصب وجعل داراً أو صار خراباً بحيث لا يمكن تعميره ولا الصلاة فيه ، وقلنا (١) بجواز‌

______________________________________________________

لاختصاصها بمال الغير وقد قدّمنا أن إتلاف أرض المسجد ونفسه غير موجب للضمان فما ظنك بإتلاف صفاتها الكمالية.

(١) هذا الكلام يعطي بظاهره أن القول بجواز تنجيس المسجد في مفروض المسألة وعدم وجوب تطهيره يبتنيان على القول بجواز جعل المسجد مكاناً للزرع ، بحيث لو منعنا عن ذلك لم يمكن الحكم بجواز تنجيسه وعدم وجوب الإزالة عنه. وفيه : أن القول بجواز تنجيس المسجد وعدم وجوب تطهيره في مفروض المسألة إنما يبتنيان على جريان الاستصحابين : التنجيزي والتعليقي كما يأتي تقريبهما في الحاشية الآتية وعدمه ، سواء قلنا بجواز جعل المسجد مكاناً للزرع أم لم نقل حيث إنه مسألة مستقلة لا ربط لها بالمقام ، وهي تبتني على جواز التصرفات غير المنافية للصلاة والعبادة في المسجد ، فلنا أن نمنع عن بعض التصرفات في المسجد كجعله مقهى أو ملهي لمنافاتهما المسجدية ومع ذلك نلتزم بجواز تنجيسه وعدم وجوب الإزالة عنه للمنع عن جريان الاستصحابين ، أو نلتزم بجواز جعله مكاناً للزراعة ولا نقول بجواز تنجيسه ولا بعدم وجوب الإزالة عنه لجريان الاستصحابين المذكورين فالمسألتان من واديين لا ربط لإحداهما بالأُخرى.

وهل يجوز جعل المسجد مكاناً للزرع ولو بالإجارة من الحاكم؟ قد عرفت أن هذا يبتني على جواز التصرّفات غير المنافية للصلاة والعبادة في المسجد أعني جهة وقفه والظاهر جواز ذلك للسيرة المستمرة عند المتشرعة فتراهم يدخلون المسجد فيتكلّمون فيه حول ما لا يرجع إلى دينهم أو يدخلونه للأكل والمنام أو ينزل فيه المسافر إلى غير ذلك من الأفعال التي لا تنافيها جهة وقف المسجد ، وقد مرّ أنّ المسجد محرر ومعه لا مانع من جعله مكاناً للزراعة إذا لم تكن منافية لجهة الوقف ، كما إذا كان المسجد في طريق متروك التردد بحيث لا يصلّون فيه. نعم ، لا يجوز جعله مكاناً للأفعال التي لا يناسبه عنوان المسجد كجعله ملعباً وملهى لمنافاتهما المسجدية‌

٢٧٩

جعله مكاناً للزّرع ففي جواز تنجيسه وعدم وجوب تطهيره كما قيل إشكال (*) والأظهر عدم جواز الأوّل ، بل وجوب الثاني أيضاً (١).

______________________________________________________

كما لا يخفى. وأما استئجاره من الحاكم فهو مما لا مجوّز له ، حيث إن المسجد ليس ملكاً لأحد حتى يؤجره الحاكم نيابة عن مالكه ، وإنما هو محرّر وغير داخل في ملك أحد ولا معنى في مثله للإجارة وأخذ الأُجرة كما لعله ظاهر ، فلا تتوقف الأفعال غير المنافية لعنوان المسجد على استئجاره من حاكم الشرع.

(١) التحقيق جواز تنجيسه وعدم وجوب الإزالة عنه ، وهذا لا لأنّ الوقوف تخرج عن كونها وقفاً بالخراب ويبطل بغصب الغاصب إذا غيّر عنوانها كما إذا جعل المسجد داراً أو حانوتاً ونحوهما ، وذلك لوضوح أن المسجد قد خرج عن ملك مالكه بوقفه وتحريره فهو غير داخل في ملك أحد بأرضه وبأجزائه التي يشتمل عليها فلا ينقلب ملكاً لمالك بخرابه أو بغصبه فان كونه كذلك يحتاج إلى مملك لا محالة ومن ملكه ثانياً بعد تحريره! وما هو الموجب لذلك ، بل المسجد باق على تحريره حتى بعد تغييره وبنائه داراً أو حانوتاً بحيث لو استرجع من يد الغاصب لكان مسجداً محرراً فالغصب إنما أوجب زوال عنوانه لا أنه أبطل تحريره ، بل الوجه فيما ذكرناه هو الشك في سعة الموضوع وضيقه ، لأنّا لا ندري أن حرمة تنجيس المسجد ووجوب الإزالة عنه وغيرهما من أحكامه هل تترتب على ما هو المسجد بحسب الواقع وإن لم يصدق عليه عنوان المسجد لصيرورته داراً أو حانوتاً ونحوهما ، بحيث لا يقال إنه مسجد بالفعل بل يقال إنه طريق أو دار كان مسجداً في زمان ، أو أنها مترتبة على ما يصدق عليه عنوان المسجد بالفعل فما لم يصدق عليه أنه مسجد كذلك لم يحكم عليه بشي‌ء من الأحكام المتقدِّمة وإن كان باقياً على مسجديته وتحريره؟ فان ظاهر صحيحة علي ابن جعفر المتقدِّمة والأخبار الواردة في جعل البالوعة مسجداً بعد طمّها بالتراب وغيرهما مما استدل به على حرمة تنجيس المسجد ووجوب الإزالة عنه ، اختصاص‌

__________________

(*) والأظهر جواز الأول وعدم وجوب الثاني.

٢٨٠