موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وبدونها ، وأما إذا اقتصرنا على خصوص المتنجس بلا واسطة على التفصيل المتقدم تقريبه فلا موقع للاستدلال بها بوجه ، لأن قيام السيرة على عدم الاجتناب في ملاقي المتنجس بلا واسطة مقطوع العدم ، وإنما المتيقن قيامها على عدم الاجتناب عن ملاقي المتنجس مع الواسطة.

الوجه الثالث : الأخبار ، وقد استدلوا بجملة منها على عدم منجسية المتنجس ولنتعرض إلى أهمها فمنها : موثقة حنان بن سدير ، قال : « سمعت رجلاً سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك عليَّ؟ فقال : إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك ، فان وجدت شيئاً فقل هذا من ذاك » (١) بتقريب أن المتنجس لو كان منجساً لما أصابه كان مسح موضع البول المتنجس به بالريق ونحوه موجباً لاتساع النجاسة وزيادتها لا موجباً لطهارته ، فمنه يظهر أن المتنجس غير منجس لما أصابه. وفيه : أن تقريب الاستدلال بالموثقة إنما هو بأحد وجهين :

أحدهما : أن يكون وجه الاشتداد على السائل خروج البلل منه بعد بوله وتمسحه وقبل استبرائه ، فإنه يحتمل أن يكون بولاً حينئذ وهو يوجب تنجس ثوبه بل بدنه وانتقاض طهارته لأنه من البلل الخارج قبل الاستبراء وبه يقع في الشدة لا محالة فعلّمه عليه‌السلام طريقاً يتردد بسببه في أن الرطوبة من البلل أو من غيره ، وهو أن يمسح موضع البول من ذكره بريقه حتى إذا وجد رطوبة يقول إنها من ريقه لا من البلل الخارج منه بعد بوله ، فعلى هذا تدل الموثقة على عدم تنجيس المتنجس أعني موضع البول المتنجس به.

ولكن يبعّد ذلك أمران : أحدهما : أنه عليه‌السلام إنما أمره بأن يمسح ذكره بريقه ولم يأمره بمسح موضع البول من ذكره فلا وجه لتقييده بموضع البول أبداً. وثانيهما : أن المتنجس إذا لم يكن منجساً فلما ذا لم يعلّم السائل طريقة الاستبراء التي توصله إلى القطع بعدم كون الرطوبة بولاً منجساً وناقضاً لطهارته ، لأنه إذا بال واستبرأ فلا محالة يحكم بطهارة البلل الخارج منه بعد ذلك ، لأن البلل بعد الاستبراء محكوم بطهارته في‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٨٤ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٧.

٢٢١

نفسه ولا ينجّسه ملاقاة موضع البول المتنجس به لعدم تنجيس المتنجس على الفرض ، ومعه لم تكن حاجة إلى تعليم طريقة لا تفيده القطع بطهارته. هذا على أن الاشتداد لو كان مستنداً إلى خروج البلل بعد بوله لم يفرق الحال في الاشتداد بين قدرته على الماء وعدمها ، لأن البلل قبل الاستبراء محتمل البولية وناقض للطهارة سواء تمكن من الماء وغسل موضع البول به أم لا ، وإنما يحكم بطهارته فيما إذا خرج بعد الاستبراء ومعه ما معنى قوله : فلا أقدر على الماء.

وثانيهما : أن يكون الاشتداد عليه مستنداً إلى خروج البلل بعد بوله واستبرائه كما قد يتّفق فإنه أيضاً يوجب الضيق والاشتداد ، لأن البلل متنجس بملاقاة موضع البول حينئذ لعدم طهارته فإنه مسحه ولم يغسله ، والإمام عليه‌السلام أراد أن يعلّمه طريق التخلص عن ذلك فأمره بأن يمسح ذكره بريقه حتى يتردد فيما يجده من الرطوبة في أنها من البلل الخارج عن موضع البول ليكون متنجساً به ، أو أنها من ريق فمه ولم يخرج عن موضع البول كي يحكم بطهارته ، ومع الشك في نجاسته يحكم بطهارته بقاعدة الطهارة.

وعليه فالموثقة تقتضي منجسية المتنجس وتدل على أن الرطوبة لو كانت من البلل الخارج عن موضع البول حكم بنجاستها لملاقاتها المتنجس وهو موضع البول ، وإنما لا يحكم بنجاستها فيما إذا مسح ذكره بريقه حتى يتردد في أن الرطوبة من ريقه أو مما خرج عن المحل المتنجس ، فلا دلالة لها على عدم تنجيس المتنجس بوجه. وهذا الاحتمال هو الذي يقتضيه ظاهر الموثقة ، وعلى تقدير التنزل وعدم كونها ظاهرة في ذلك فلا أقل من احتماله ومعه تصبح مجملة وتسقط عن الاعتبار.

ومنها : صحيحة حكم بن حكيم ابن أخي خلاد أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : « أبول فلا أُصيب الماء وقد أصاب يدي شي‌ء من البول فأمسحه بالحائط والتراب ثم تعرق يدي فأمسح ( فأمس ) به وجهي أو بعض جسدي ، أو يصيب ثوبي قال : لا بأس به » (١) لأنها نفت البأس عن مسح الوجه أو بعض جسده أو إصابة ثوبه‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٠١ / أبواب النجاسات ب ٦ ح ١.

٢٢٢

باليد المتنجسة الرطبة وهو معنى عدم تنجيس المتنجس. وفيه : أن السائل لم يفرض في كلامه أن مسح وجهه أو بعض جسده كان بالموضع المتنجس من يده ، لأن المتنجس إنما هو موضع معيّن أو غير معين منها ولم تجر العادة على مسح الوجه أو غيره بجميع أجزاء اليد ، كما أن العرق لا يحيط بتمامها عادة وإنما تتعرق الناحية التي أصابها شي‌ء من البول مثلاً ، فان كانت تلك الناحية معينة في يده وعلمنا أنها قد لاقت وجهه أو بعض جسده وشككنا في أن الملاقي هل كان هو الموضع المتنجس منها أو غيره من المواضع الطاهرة فالأصل أن الموضع المتنجس لم يلاق الوجه أو بعض جسده ، وأما إذا كانت الناحية التي أصابها شي‌ء من البول غير معينة فتكون اليد من الشبهة المحصورة للعلم بنجاسة بعض مواضعها وقد بيّنا في محله أن ملاقي أحد أطراف الشبهة محكوم بالطهارة (١).

ومنها : رواية سماعة قال « قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : إنِّي أبول ثم أتمسّح بالأحجار فيجي‌ء مني البلل ما يفسد سراويلي؟ قال : ليس به بأس » (٢) لأنّ نفيها البأس عن البلل مع العلم بملاقاته الموضع المتنجس بالبول لا يستقيم إلاّ على القول بعدم تنجيس المتنجس ، هذا. ولا يخفى أنّ الرواية لا بدّ من تقييدها بما إذا كان البلل قد خرج بعد استبرائه ، وذلك لما دلّ على نجاسة البلل إذا خرج قبله فلا بدّ من تقييدها بذلك ، بل عن النسخة المطبوعة من التهذيب أنها مقيدة بالاستبراء في نفسها فكأنه قال فيجي‌ء مني البلل بعد استبرائي ما يفسد سراويلي (٣) هذا.

ثم إن الرواية غير صالحة للاعتماد عليها في مقام الاستدلال وذلك أما أوّلاً : فلأن في سندها الحكم بن مسكين وهو ممن لم ينص الأصحاب على مدحه ووثاقته ، نعم ذهب الشهيد قدس‌سره إلى اعتبار رواياته حيث عمل بها معللاً بأنه لم يرد طعن‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤١٠.

(٢) الوسائل ١ : ٢٨٣ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٥١ / ١٥٠.

٢٢٣

في حقه (١) واعترضه الشهيد الثاني قدس‌سره بأن مجرد عدم الجرح لا يكفي في الاعتماد على رواية الرجل بل يعتبر توثيقه ومدحه (٢) ، وهو كما لم يرد طعن في حقه كذلك لم يرد مدحه وتوثيقه ومن هنا ذهب السبزواري وصاحب المدارك قدس‌سرهما إلى تضعيفه. وكذلك الحال في الهيثم ابن أبي مسروق النهدي وهو الذي روى عن الحكم حيث لم تثبت وثاقته ولم يرد في حقه غير أنه فاضل وأنه قريب الأمر فليراجع.

وأمّا ثانياً : فلأنها قاصرة عن إثبات المدعى ، لأنه لم يظهر من الرواية أن نفيه عليه‌السلام البأس ناظر إلى عدم تنجيس المتنجس وأن محل البول المتنجس به لا يتنجس به البلل الخارج منه لتكون الرواية مثبتة للمدعى ، لاحتمال أنها ناظرة إلى طهارة محل البول بالتمسح بشي‌ء كما هو كذلك في موضع الغائط ، فكأنه عليه‌السلام سئل عن أن محل البول يطهر بالتمسح حتى لا يتنجس به البلل الخارج منه أو لا يطهر بغير الغسل ، فالبلل الخارج منه متنجس به لا محالة ، فأجاب عنه بقوله : « ليس به بأس » ومعناه أن المحل يطهر بالتمسح ولا يتنجس البلل الخارج منه بسببه ، ومعه تحمل الرواية على التقية لموافقتها لمذهب العامة كما هو الحال في غيرها من الأخبار الواردة بهذا المضمون ، بل إنّ هذا الاحتمال هو الظاهر البادي للنظر من الرواية ، وعلى تقدير التنزل فهي مجملة لاحتمالها لكلا الأمرين المتقدمين ومعه لا يمكن الاعتماد عليها في شي‌ء.

وأما ما ربما يحتمل من حمل الرواية على صورة خروج البلل من غير أن يصيب مخرج البول المتنجس به ، كما إذا خرج مستقيماً وأصاب السراويل أو غيره فهو بعيد غايته ، لأنه يصيب المخرج عادة ولا سيما إذا خرج بالفتور.

ومنها : صحيحة العيص قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء ، فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه ، قال : يغسل ذكره‌

__________________

(١) نقلهما المجلسي في روضة المتقين ١٤ : ٦٣.

(٢) نقلهما المجلسي في روضة المتقين ١٤ : ٦٣.

٢٢٤

وفخذيه. وسألته عمّن مسح ذكره بيده ثم عرقت يده فأصابه ثوبه يغسل ثوبه؟ قال : لا » (١) حيث نفت لزوم غسل ثوبه مع ملاقاته اليد المتنجسة بمسح ذكره.

ويدفعه أوّلاً : أن الرواية لم يفرض في ذيلها مسح موضع البول من الذكر بيده حتى تتنجس به يده ولعلّه مسح غير ذلك المحل ، إلاّ أنه توهّم أن مسح الذكر يوجب نجاسة اليد كما أنه ينقض الوضوء عند أكثر المخالفين (٢).

وثانياً : أنه لو سلمنا أن ذيل الصحيحة مطلق لعدم استفصاله بين مسح موضع البول ومسح غيره من مواضع الذكر وترك الاستفصال دليل العموم ، وأن مقتضى إطلاقه عدم تنجيس المتنجس ، فلا مناص من تقييد إطلاقها بما دلّ على منجسية المتنجس ، ومنه صدر الصحيحة حيث دلت على وجوب غسل ذكره وفخذيه عند عرقها ، لوضوح أنه لا وجه له إلاّ تنجسها بالعرق المتنجس بموضع البول من ذكره فصدرها وغيره مما دلّ على منجسية المتنجس قرينة على حمل إطلاق الذيل على التمسح بغير موضع البول من ذكره.

وأما احتمال أن العرق لعله كان موجوداً حال بوله في ذكره فقد أصابه البول ونجّسه ثم أصاب ذلك العرق المتنجس فخذه وذكره أو غيرهما ، وأن الصحيحة خارجة حينئذ عما نحن بصدده ، لما تقدّم من أن المائعات المتنجسة مما لا كلام في تنجيسها لملاقياتها ، وإنما الكلام في المتنجسات التي زالت عنها عين النجس وجفت ثم أصابها شي‌ء رطب ، فهو من البعد بمكان ، حيث إن عرق الذكر بحيث أن يصيبه البول عند خروجه أمر غير معهود ، وعلى تقدير تحققه فلا ريب في ندرته ولا مساغ معه لحمل الصحيحة عليه.

__________________

(١) ورد صدرها في الوسائل ١ : ٣٥٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ٣١ ح ٢ وكذا في ٣ : ٤٤١ / أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ١ وذيلها في ٣ : ٤٠١ / أبواب النجاسات ب ٦ ح ٢.

(٢) الأم ١ : ١٩ ، المجموع ٢ : ٤١ ، مقدّمات ابن رشد ١ : ٦٩ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٦٦ المحلّى ١ : ٢٣٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩ ، الوجيز ١ : ١٦ فتح العزيز ٢ : ٣٧ ٣٨ المغني لابن قدامة ١ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ١ : ٢١٦.

٢٢٥

وثالثاً : أنّ الصحيحة لو سلّمنا أن ظاهرها مسح خصوص موضع البول من ذكره بقرينة مقابله أعني قوله : « فمسح ذكره بحجر » لأنه بمعنى مسح خصوص موضع البول بالحجر ، لما أمكننا الاعتماد عليها ، فيما نحن فيه ، إذ لا دلالة لها على أن ما أصاب ثوبه إنما هو خصوص الموضع المتنجس من يده ، لاحتمال أن يكون ما أصابه هو الموضع غير المتنجس منها ، لإطلاق الرواية وعدم تقييدها بشي‌ء ، وعليه فان كان الموضع المتنجس من يده معيناً فيشك في أنه هل أصاب ثوبه أم لم يصبه فالأصل عدم إصابته وإذا كان الموضع المتنجس غير معين فيكون الثوب من ملاقي أحد أطراف الشبهة وملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة محكوم بالطهارة على ما حقّقناه في محلِّه (١). وبعبارة اخرى : أنّ الرواية كما عرفتها مشتبهة الوجه والمراد ، حيث لم تقم قرينة على أنّ الوجه في نفيها الغسل بقوله : « لا » هو عدم تنجيس المتنجس ، أو أنّ وجهه أنّ الثوب لاقى أحد أطراف الشبهة المحصورة وهو محكوم بالطهارة كما مر. وكيف كان فهذه الرواية غير قابلة للاعتماد عليها.

ومنها : رواية حفص الأعور (٢) حيث دلّت على أن الدنّ المتنجس بالخمر إذا جف فلا بأس بجعل الخل فيه. ويدفعها أن تجفيف الدّن من الخمر ثم جعل الخل فيه إنما وقع في كلام السائل ، حيث لم يرد في كلامه عليه‌السلام غير قوله : « نعم » وهو كما يحتمل أن يراد به جعل الخل في دنّ الخمر بعد تجفيفه من دون غسله وهو معنى الاستدلال بها على عدم تنجيس المتنجس كذلك يحتمل أن يراد به جعل الخل فيه بعد غسله فدلالتها إنما هو بالإطلاق ، ولكن لا مناص من تقييدها بما بعد الغسل ، لموثقة عمّار المتقدِّمة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الدنّ يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء كامخ أو زيتون؟ قال : إذا غسل فلا بأس » (٣) .. حيث وردت في تلك المسألة بعينها ودلت على عدم البأس بجعل الخل في الدنّ المتنجس‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤١٠.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٩٥ / أبواب النجاسات ب ٥١ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٩٤ / أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١ وتقدّمت الإشارة إليها في ص ٢١١.

٢٢٦

بالخمر مقيداً بما إذا كان بعد غسله.

هذا ، ثم إنّ الرواية على تقدير صراحتها في إرادة كفاية الجفاف من دون غسل أيضاً لا يمكننا الاعتماد عليها في المقام ، وذلك لإجمالها حيث إنها وإن احتمل أن يكون الوجه في قوله عليه‌السلام فيها « نعم » هو عدم منجسية المتنجس ، إلاّ أن من المحتمل أن تكون ناظرة إلى طهارة الخمر كغيرها من الأخبار الواردة في طهارتها وعليه فقوله « نعم » مستند إلى عدم نجاسة الدنّ في نفسه لطهارة ما أصابه من الخمر وإن حرم شربها ، لأنها إذا جفت حينئذ ولم يبق فيه شي‌ء من أجزائها فلا مانع من أن يجعل فيه الخل أو شي‌ء آخر من المائعات. ويقرّب هذا الاحتمال أن لراوي هذا الحديث رواية أُخرى أيضاً تقتضي طهارة الخمر في نفسها ، قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني آخذ الركوة فيقال إنه إذا جعل فيها الخمر وغسلت ثم جعل فيها البختج كان أطيب له ، فنأخذ الركوة فنجعل فيها الخمر فنخضخضه ثم نصبه فنجعل فيها البختج ، قال : لا بأس به » (١).

ومنها : ما رواه علي بن مهزيار قال : « كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنه بال في ظلمة الليل وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم يره ، وأنه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلّى؟ فأجابه بجواب قرأته بخطه : أما ما توهّمت مما أصاب يدك فليس بشي‌ء إلاّ ما تحقّق ، فان حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها ، من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت ، وإذا كان جنباً أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ، لأن الثوب خلاف الجسد ، فاعمل على ذلك إن شاء الله » (٢) حيث إنها تكفلت ببيان أمرين :

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٣٦٨ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٧٩ / أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ١.

٢٢٧

أحدهما : صغرى أن الرجل قد تنجست يده بالبول وأنه لم يغسلها ، وإنما مسحها بخرقة ثم تمسح بالدهن ومسح به كفيه ووجهه ورأسه ثم توضأ وصلّى. وثانيهما : كبرى أن من صلّى في النجس من ثوب أو بدن والتفت إلى ذلك بعد الصلاة فإنما يجب عليه إعادتها في الوقت ولا يجب قضاؤها خارج الوقت. نعم ، لو صلّى محدثاً ثم التفت إلى حدثه بعد الصلاة تجب عليه إعادتها في الوقت كما يجب قضاؤها خارج الوقت سواء أكان محدثاً بالأصغر أم كان محدثاً بالأكبر. وقد علم من تطبيق الكبرى المذكورة على موردها وصغراها أن المتنجس غير منجّس ، فإنه لولا ذلك لتعيّن الحكم ببطلان الوضوء لانفعال الماء المستعمل فيه بملاقاة يده المتنجسة ومعه تجب إعادة الصلاة التي صلاها بذلك الوضوء في وقتها ، كما يجب قضاؤها خارج الوقت مع أنه عليه‌السلام لم يحكم ببطلان الوضوء بل عدّ الرجل ممن صلّى بوضوء وأوجب عليه الإعادة في وقتها لانكشاف أن صلاته وقعت مع النجس في وقتها ، فصريح تطبيقه هذا أنّ المتنجس غير منجس لما أصابه.

وتوهّم أنّ الوضوء في مورد الصحيحة غير صحيح مطلقاً قلنا بمنجسية المتنجس أم قلنا بعدمه فإن طهارة المحل معتبرة في صحة الوضوء ، وحيث إن يده متنجسة في مفروض الرواية بملاقاتها البول وعدم غسلها فلا مناص من الحكم ببطلان وضوئه وصلاته التي صلاّها بهذا الوضوء ، مندفع بأن اشتراط طهارة الأعضاء في الوضوء مما لم يرد في أي دليل ، غير أنهم اعتبروها شرطاً في صحته نظراً إلى أنّ المتنجس كالنجس منجّس عندهم ، فإنّ نجاسة المحل حينئذ تقتضي سراية النجاسة إلى الماء وطهارة الماء شرط في صحة الوضوء ، فإذا أنكرنا منجسية المتنجس فلا يبقى موقع لاشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء ، لأن الماء على ذلك لا ينفعل بملاقاة العضو المتنجس ومع طهارة الماء لا مناص من الحكم بصحة الوضوء. نعم ، يبقى المحل على نجاسته ، وحيث إنه صلّى مع نجاسة بدنه فقد وجبت عليه إعادة صلاته في الوقت ولا يجب عليه قضاؤها خارج الوقت لتمامية وضوئه على الفرض.

فالإنصاف أن الصحيحة ظاهرة الدلالة على المدعى. ويؤكد ذلك أعني عدم تنجيس المتنجس تقييد الإمام عليه‌السلام الحكم بالإعادة بالصلوات اللّواتي‌

٢٢٨

صلاّها بذلك الوضوء بعينه ، والوجه في ذلك أن بهذا القيد قد خرجت الصلاة الواقعة بغير ذلك الوضوء كما إذا توضأ ثانياً أو ثالثاً وصلّى به فلا تجب إعادتها ولا قضاؤها ولا يتم هذا إلاّ على القول بعدم تنجيس المتنجس ، لأن يده المتنجسة لو كانت منجسة لما أصابها لأوجبت تنجس الماء وجميع أعضاء الوضوء ، ولا بد معه من الحكم ببطلان صلواته مطلقاً سواء أكان صلاّها بذلك الوضوء أم بغيره ، لأن أعضاء وضوئه المتنجسة بسبب ذلك الوضوء باقية على نجاستها ولم يقع عليها أي مطهّر إلاّ أن المتنجس لما لم يكن منجّساً ولم تستلزم نجاسة يده تنجس الماء ولا أعضاء وضوئه لم يحكم ببطلان صلواته اللّواتي صلاّها بالوضوء الثاني أو الثالث وهكذا ، وذلك لطهارة بدنه وأعضاء وضوئه عند التوضؤ الثاني أو الثالث وهكذا ، أما غير يده المتنجسة بالبول فلعدم سراية النجاسة من يده إليه ، وأما يده المتنجسة فللقطع بطهارتها لأنه غسلها مرتين حيث توضأ مرّتين أو أكثر ، وهذا بخلاف الصلوات اللواتي صلاّها بذلك الوضوء بعينه لأن النجاسة البولية لا ترتفع بغسل يده مرّة واحدة ، فاذا صلّى مع نجاسة بدنه فلا محالة يحكم بوجوب إعادتها في الوقت ، فالصحيحة غير قابلة للمناقشة في دلالتها.

والصحيح في الجواب أن يقال : إن الرواية مضمرة ولا اعتبار بالمضمرات إلاّ إذا ظهر من حال السائل أنه ممن لا يسأل غير الإمام كما في زرارة ومحمّد بن مسلم وهكذا علي بن مهزيار وأضرابهم ، والكاتب فيما نحن فيه وهو سليمان بن رشيد لم يثبت أنه ممن لا يسأل غير الإمام عليه‌السلام حيث لا نعرفه ولا ندري من هو فلعلّه من أكابر أهل السنة وقد سأل المسألة عن أحد المفتين في مذهبه أو عن أحد فقهائهم ، وغاية ما هناك أن علي بن مهزيار ظن بطريق معتبر عنده أنه سأل الإمام عليه‌السلام أو اطمأن به إلاّ أنّ ظنه أو اطمئنانه غير مفيد بالإضافة إلى غيره كما لعلّه ظاهر.

ومنها : الأخبار الواردة في طهارة القطرات المنتضحة من الأرض في الإناء وهي طوائف من الاخبار فمنها : ما ورد في غسل الجنب من أنه يغتسل فينتضح من الأرض‌

٢٢٩

في الإناء ، قال : لا بأس (١) حيث دلت على أن الأرض ولو كانت متنجسة غير موجبة لتنجس القطرات المنتضحة منها في الإناء هذا. ويمكن أن يقال إن الأخبار الواردة بهذا المضمون غير ناظرة إلى عدم تنجيس المتنجس وإنما سيقت لبيان أن القطرات المنتضحة من غسالة الجنابة في الإناء غير مانعة عن صحة الاغتسال بالماء الموجود فيه ، وأن حكمها ليس هو حكم الغسالة في كونها مانعة عن صحته.

ومنها : ما ورد في القطرات المنتضحة من الكنيف أو المكان الذي يبال فيه عند الاغتسال أو غيره ، قال : لا بأس به. حيث دلت بإطلاقها على طهارة القطرات المنتضحة من الكنيف وإن علمنا بنجاسة الموضع المنتضح منه الماء ، لعدم استفصالها بين العلم بنجاسة الموضع وبين العلم بطهارته أو الشك فيها وترك الاستفصال دليل العموم. وهذه الأخبار على طائفتين فإن منها ما يقتضي طهارة القطرات المنتضحة مطلقاً بلا فرق في ذلك بين صورتي جفاف الأرض ورطوبتها (٢) ومنها ما دلّ على طهارتها مقيدة بما إذا كانت الأرض جافة ، وهذا كما رواه علي بن جعفر عن أخيه قال : « سألته عن الكنيف يصب فيه الماء فينضح على الثياب ما حاله؟ قال : إذا كان جافاً فلا بأس » (٣) وظاهرها أن للجفاف مدخلية في الحكم بطهارة القطرات المنتضحة من الكنيف كما أن للرطوبة خصوصية في الحكم بنجاستها ، وبها يقيد إطلاق الطائفة المتقدِّمة فيختص الحكم بطهارة الماء المنتضح بما إذا كانت الأرض جافة.

ودعوى أنّ التقييد بالجفاف إنما هو من جهة ملازمته للشك في نجاسة المكان وطهارته ، كما أن رطوبة الكنيف تلازم العلم بنجاسته. مندفعة بأن الجفاف غير مستلزم للشك في نجاسة الكنيف كما أن الرطوبة غير مستلزمة للعلم بنجاسته ، إذ الجفاف قد يقترن بالشك في نجاسته وقد يقترن بالعلم بها وكذلك الرطوبة تارة تقترن بالعلم بالنجاسة وأُخرى تجتمع مع الشك فيها ، وكيف كان ، فالمستفاد من هذه الطائفة‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢١١ / أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ١ ، ٥ ، ٦.

(٢) الوسائل ١ : ٢١٣ / أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٧.

(٣) الوسائل ٣ : ٥٠١ / أبواب النجاسات ب ٦٠ ح ٢.

٢٣٠

بعد تقييد مطلقها بمقيدها عدم تنجيس المتنجس الجاف للماء الوارد عليه هذا.

ولا يخفى أنها وإن دلت على طهارة القطرات المنتضحة من الأرض النجسة حال جفافها إلاّ أنه لا بد من الاقتصار فيها على موردها ، وهو الماء القليل الذي أصابه النجس من غير أن يستقر معه ولا يمكننا التعدي عنه إلى غيره ، فان الالتزام بعدم انفعال الماء القليل حينئذ أولى من الحكم بعدم تنجيس المتنجس على وجه الإطلاق فإن الحكم بعدم انفعال الماء القليل في مورد الرواية لا يستلزم سوى ارتكاب تقييد المطلّقات الواردة في انفعال الماء القليل بملاقاة النجس ، فيستثنى منها ما إذا لم يستقر القليل مع النجس ولا محذور في التقييد أبداً ، وهذا بخلاف الالتزام بعدم تنجيس المتنجسات ، لأنه مخالف للأدلة الواردة في منجسية المتنجس كالنجس هذا.

بل يمكن أن يقال : إن الحكم بعدم انفعال الماء في مفروض الكلام مما لا يستلزمه أي محذور حتى تقييد المطلقات ، وذلك لأن ما دلّ على انفعال الماء القليل بملاقاة النجس أمران : أحدهما : مفهوم ما ورد من أن الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجّسه شي‌ء (١). وثانيهما : الأخبار الواردة في موارد خاصة كالماء الذي وقعت فيه فأرة ميتة أو الإناء الذي قطرت فيه قطرة من الدم (٢) وغير ذلك من الموارد المتقدمة في تضاعيف الكتاب ، ولا إطلاق في شي‌ء منهما يقتضي انفعال الماء القليل بمجرد ملاقاة النجس وإن لم يستقر معه. أما مفهوم قوله : الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شي‌ء فلما حققناه في محلِّه من أنه لا إطلاق في مفهوم ذلك ولا دلالة له على أن الماء إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه كل شي‌ء ، وإنما يقتضي بمفهومه أنه إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه شي‌ء ما ، وليكن ذلك هو الأعيان النجسة بل المتنجسات أيضاً ولو كان الماء وارداً على خلاف السيد المرتضى قدس‌سره حيث فصّل بين الوارد والمورود (٣) ولا يستفاد من مفهومه أنّ النجس أو المتنجس منجس للماء في جميع الأحوال والكيفيات وإن لم يستقر معه.

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٥٨ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١ ، ٢ ، ٥ ، ٦.

(٢) الوسائل ١ : ١٤٢ / أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١ وفي ص ١٥٠ ب ٨ ح ١.

(٣) الناصريات : ٢١٥ المسألة الثالثة.

٢٣١

لكن لا يجري عليه جميع أحكام النجس (١) فاذا تنجس الإناء بالولوغ يجب تعفيره لكن إذا تنجس إناء آخر بملاقاة هذا الإناء ، أو صب ماء الولوغ في إناء آخر لا يجب فيه التعفير ، وإن كان الأحوط خصوصاً في الفرض الثاني. وكذا إذا تنجس الثوب بالبول وجب تعدد الغسل ، لكن إذا تنجس ثوب آخر بملاقاة هذا الثوب‌

______________________________________________________

وأما الروايات الخاصة فلأنه لم يرد شي‌ء منها في انفعال الماء القليل غير المستقر مع النجس ، وإنما وردت في القليل المستقر مع الميتة أو الدم ونحوهما. وعليه فلا إطلاق في شي‌ء من الدليلين حتى يشمل المقام ويكون القول بعدم انفعال القليل غير المستقر مع النجس تقييداً للمطلقات أو تخصيصاً للعمومات.

فتحصل إلى هنا : عدم تمامية شي‌ء من الأخبار المستدل بها على نفي منجسية المتنجسات مطلقاً ، فالصحيح ما ذكرناه من أن المتنجس بلا واسطة مما لا مناص من الالتزام بمنجسيته في الجوامد والمائعات وأما المتنجس مع الواسطة فأيضاً لا كلام في منجسيته في المائعات ، وأما في الجوامد فقد عرفت عدم ثبوتها بدليل وإن ذهب المشهور إلى منجسيته كالمتنجس بلا واسطة ، ولكن الإفتاء بمنجسيته مشكل ومخالفة المشهور أشكل ، ومعه يكون الحكم بمنجسية المتنجس مبنياً على الاحتياط.

(١) فالثوب إذا أصابه البول مثلاً يجب أن يغسل مرتين في الماء القليل إلاّ أنه حكم يخص بالمتنجس بالبول فحسب ، وأما المتنجس بالمتنجس به كما إذا تنجس ثوب آخر بالثوب المتنجس بالبول فلا يأتي ذلك فيه ولا يجب غسله مرّتين ، فإنه لم يصبه البول وإنما أصابه المتنجس به ، فاذا قلنا بكفاية الغسل مرة واحدة في مطلق النجاسات كما هو الصحيح وأن الزائد عنها يحتاج إلى دليل فيكتفى في تطهير الثوب المتنجس بالمتنجس بالبول بالغسل مرّة واحدة ، وأما إذا لم نقل بذلك وقلنا بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلية فلا مناص من الحكم بوجوب غسله مرّتين للشك في كفاية الغسل مرة واحدة في تطهير المتنجس بما تنجس بالبول فنستصحب نجاسته حتى نقطع بارتفاعها. وكذلك الحال فيما إذا ولغ الكلب في الإناء فان تطهيره يتوقّف على تعفيره زائداً على غسله بالماء ، إلاّ أن ذلك الإناء إذا لاقى إناءً ثانياً‌

٢٣٢

فلا نحكم باعتبار التعفير في تطهيره لعدم ولوغ الكلب فيه ولعل هذا مما لا خفاء فيه.

وإنما الكلام كله فيما إذا ولغ الكلب في الإناء بأن شرب من مائه من غير أن يصيب نفسه ثم أفرغنا ماءه في إناء آخر ، فان التعفير لا إشكال في اعتباره في تطهير الإناء الأول لولوغ الكلب فيه ، وهل يجب أيضاً ذلك في الإناء الثاني أو الثالث وهكذا لاشتراكه مع الأول فيما هو العلة في تنجيسه وهو شرب الكلب من الماء المظروف فيه من غير أن يصيب نفسه ، فان ذلك الماء بعينه موجود في الإناء الثاني أو الثالث فيجب تعفيره ، أو أن اعتباره مختص بالأول فحسب؟ فقد قوّى وجوب ذلك بعضهم في الإناء الثاني وما زاد ، واحتاط الماتن قدس‌سره في المسألة بعد ذهابه إلى عدم وجوب التعفير حينئذ.

أما الاحتياط الاستحبابي في تعفيره فلا إشكال في حسنه ، وأما القوة فهي مما لا وجه له ، وذلك لأن من لاحظ صحيحة البقباق التي هي المدرك في الحكم باعتبار التعفير في الولوغ فلا يتأمل في الحكم باختصاصه بالإناء الأوّل ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئاً إلاّ سألته عنه؟ فقال : لا بأس به ، حتى انتهيت إلى الكلب فقال : رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء » (١) ومرجع الضمير في قوله واغسله غير مذكور في الصحيحة وإنما استفدناه من القرينة الخارجية ، وهي أن الكلام إنما هو في التوضؤ بسؤر الكلب وفضل مائه ومن البديهي أن السؤر وفضل الكلب أو غيره لا بد من أن يكون في إناء وإلاّ فلا معنى لصبه ، فالذي أمره عليه‌السلام بغسله بالتراب ثم بالماء هو الإناء الذي شرب منه الكلب لا محالة ، ومن الظاهر أن الإناء الذي شرب منه الكلب وبقي فيه فضله وسؤره إنما هو الإناء الأول دون الثاني والثالث وغيرهما ، حيث إنهما ليسا بإناء شرب منه الكلب وهو ظاهر ، فبهذا اختص وجوب التعفير بالإناء الأوّل فحسب.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٢٦ / أبواب الأسآر ب ١ ح ٤.

٢٣٣

لا يجب فيه التعدّد ، وكذا إذا تنجّس شي‌ء بغسالة البول بناء على نجاسة الغسالة لا يجب فيه التعدّد.

[٢٤٠] مسألة ١٢ : قد مرّ أنه يشترط في تنجس الشي‌ء بالملاقاة تأثره فعلى هذا لو فرض جسم لا يتأثّر (*) بالرطوبة أصلاً ، كما إذا دهن على نحو إذا غمس في الماء لا يتبلل أصلاً يمكن أن يقال إنه لا يتنجّس بالملاقاة ولو مع الرطوبة المسرية ، ويحتمل أن يكون رجل الزنبور والذباب والبق من هذا القبيل (١).

______________________________________________________

ودعوى أنّ الثاني والثالث متّحدان مع الأوّل في المناط ، تحتاج إلى علم الغيب بملاكات الأحكام ومن أين لنا ذلك ، إذ من الجائز أن يكون الملاك متحققاً في خصوص الإناء الأول دون غيره. نعم ، إذا قلنا بما يحكى عن العصريين من أن ولوغ الكلب يوجب انتقال الميكروبات إلى ما ولغ فيه ، فلا مناص من الحكم باتحاد الإناء الثاني والثالث مع الأوّل ، لأنّ الميكروبات المنتقلة إلى الإناء الأوّل بعينها منتقلة إلى الثاني أو غيره ، فان الماء الذي ولغ فيه الكلب هو الموجود في الجميع ، إلاّ أن النجاسة ووجوب التعفير لو كانا دائرين مدار الميكروب لزم الحكم بوجوب تعفير الثوب والبدن وغيرهما مما افرغ فيه شي‌ء من الماء الذي ولغه الكلب في الإناء الأوّل لانتقال الميكروب إليه ، ولم يقل بذلك أحد لأنّ اعتباره مختص بالآنية ، ومن المحتمل أن تنتقل الميكروبات إلى خصوص ما ولغ فيه الكلب أوّلاً ولا ينتقل شي‌ء منها إلى ملاقيه.

(١) أما كبرى ما أفاده فلما قدّمناه وعرفت من أن السراية معتبرة في تنجيس المتنجسات بالارتكاز ، فان العرف لا يرى ملاقاة النجس مؤثرة في ملاقياته مع الجفاف ، فلا مناص في تأثيرها من اعتبار السراية وهي لا تتحقق إلاّ إذا كانت في كلا المتلاقيين أو في أحدهما رطوبة مسرية ، وأما الصغريات الواقعة في كلامه فلا يمكن المساعدة على عدم تأثرها بالرطوبة بوجه ، وذلك لأن الدهن بنفسه يتأثّر بالماء ما دام فيه فكيف لا يتأثر الجسم بالرطوبة بسببه حال كونه في الماء ، واحتمال أن رجل‌

__________________

(*) لكنه مجرد فرض لا واقع له.

٢٣٤

[٢٤١] مسألة ١٣ : الملاقاة في الباطن لا توجب التنجيس فالنخامة الخارجة من الأنف طاهرة وإن لاقت الدم في باطن الأنف. نعم ، لو ادخل فيه شي‌ء من الخارج ولاقى الدم في الباطن ، فالأحوط فيه الاجتناب (*) (١).

فصل

[ فصل في أحكام النجاسة ]

يشترط (٢) في صحّة الصّلاة واجبة كانت أو مندوبة إزالة‌

______________________________________________________

الزنبور وأخويه مما لا يتأثر بالرطوبة حال كونها في الماء خلاف الوجدان كما ذكرناه في تعليقتنا على المتن.

(١) قدّمنا الكلام في ذلك في محلِّه (٢) وقلنا إنّ الملاقاة لا أثر لها في الباطن وإن كان الملاقي أمراً خارجياً كما إذا دخل شي‌ء من الخارج إلى الجوف ولاقى فيه الدم أو غيره من النجاسات فليراجع.

فصل‌

(٢) اتفقوا على اعتبار إزالة النجاسة عن البدن واللباس في صحة الصلاة وهو مما لا كلام فيه. وتدل عليه الأخبار الكثيرة المتواترة إلاّ أنها وردت في موارد خاصة من الدم والبول والمني ونحوها ، ولم ترد رواية في اعتبار إزالة النجس بعنوانه عن البدن واللباس في الصلاة كي تكون جامعة لجميع أفراد النجس ، ففي صحيحة زرارة « قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئاً وصليت ، ثم إني ذكرت بعد‌

__________________

(*) تقدم أن الأقوى فيه الحكم بالطهارة.

(١) في المسألة [١٦١].

٢٣٥

ذلك ، قال : تعيد الصلاة وتغسله ... » الحديث (١) وهي كما ترى تختص بالمني ودم الرعاف وغيره من الدماء ولا تشمل النجاسات بأجمعها ، نعم لو قرئ الضمير في « غيره » مرفوعاً بأن أرجعناه إلى الدم لا إلى الرعاف دلّت على مانعية مطلق النجاسات في الصلاة.

ولكن يمكن استفادة ذلك من الأخبار الواردة في جواز الصلاة في مثل التكّة والجورب والقلنسوة وغيرها من المتنجسات التي لا تتم فيها الصلاة (٢) ، حيث إنّ ظاهرها أنّ الأشياء التي تتم فيها الصلاة يعتبر أن تكون طاهرة وإنما لا تعتبر الطهارة فيما لا تتم فيه الصلاة ، بل يمكن استفادته مما ورد من أن الصلاة لا تعاد إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود (٣) حيث دلّ على وجوب إعادة الصلاة بالإخلال بالطهور وهو بمعنى ما يتطهّر به على ما عرفت في أول الكتاب فيعم الطهارة من الحدث والخبث. ويؤيد ذلك إرادة ما يعم الطهارتين في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار وبذلك جرت السنّة » (٤) فان تذييل حكمه عليه‌السلام بنفي الصلاة من غير طهور بتجويزه الاستنجاء بثلاثة أحجار قرينة واضحة على أن المراد بالطهور ما يعم الطهارة من الخبث والحدث ، وعلى ذلك فالحديث يدلنا على اعتبار الطهارة من كل من الحدث والخبث في الصلاة. ولكن الصحيح هو اختصاص الطهور في الحديث بالطهارة من الحدث كما يأتي بيانه في البحث عن شمول لا تعاد لمن صلّى في النجس عن جهل قصوري (٥) فانتظره.

وكيف كان ، فلا كلام في اعتبار إزالة النجاسة عن الثوب والبدن في الصلاة ، فإذا‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٧٩ / أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٥٥ / أبواب النجاسات ب ٣١ ح ١ ٥.

(٣) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨ ، وفي ٥ : ٤٧١ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٤ وغيرهما.

(٤) الوسائل ١ : ٣١٥ / أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ١.

(٥) في ص ٣١٦.

٢٣٦

النجاسة عن البدن حتى الظفر والشعر (١) واللباس ، ساتراً كان أو غير ساتر عدا ما سيجي‌ء من مثل الجورب ونحوه مما لا تتم الصلاة فيه ، وكذا يشترط (٢) في توابعها من صلاة الاحتياط وقضاء التشهد والسجدة المنسيين.

______________________________________________________

صلّى في النجس متعمداً وجبت إعادتها أو قضاؤها ولا يجب على الجاهل شي‌ء ، وأما ناسي النجاسة فحاله عند الأكثر حال العالم بها في وجوب الإعادة والقضاء ، وإن ذهب شرذمة إلى التفصيل بين الوقت وخارجه فحكموا بوجوب الإعادة دون القضاء استناداً إلى رواية علي بن مهزيار المتقدِّمة (١) ، وتفصيل الكلام في هذه المسألة يأتي في محلِّه إن شاء الله.

(١) الطهارة كما تعتبر في بدن المصلّي وثيابه كذلك تعتبر في عوارض بدنه كشعره وظفره لأنهما أيضاً من بدنه ، ولم نقف على من فصّل في ذلك من الأصحاب ، ولعلّه قدس‌سره إنما تعرض له توضيحاً للكلام ، كما لا فرق في اشتراط الطهارة بين الصلوات الواجبة والمندوبة ، ولا فرق في ذلك بين الأداء والقضاء فإن أحدهما عين الآخر ولا يتفارقان إلاّ من ناحية الزمان ، فحيث إن الطهارة معتبرة في الصلاة والصلاة قضاءً أيضاً صلاة اعتبر فيها الطهارة لا محالة.

(٢) هل يشترط الطهارة من الخبث في توابع الصلاة كصلاة الاحتياط ، وكذا في قضاء الأجزاء المنسية من الصلاة كما إذا نسي سجدة أو غيرها ثم تذكرها فإنه يقضيها بعد الصلاة أو نسي التشهد بناء على أن له قضاء؟

فقد يستشكل في اعتبارها في قضاء الأجزاء المنسية بأن اعتبار الطهارة إنما تختص بالصلاة ، وما يؤتى به من الأجزاء المنسية بعد الصلاة ليس بصلاة. وهذه المناقشة لعلّها تبتني على حمل القضاء فيما دلّ على قضاء الأجزاء المنسية على معناه المصطلح عليه ، وأما إذا حملناه على معناه اللغوي أعني مجرد الإتيان فلا وجه للمناقشة أبداً ، وذلك لأنّ القضاء عين الأداء ولا يفترقان إلاّ من ناحية الزمان ،

__________________

(١) في ص ٢٢٧.

٢٣٧

وكذا في سجدتي السّهو على الأحوط (*) ، ولا يشترط (١) فيما يتقدّمها من الأذان والإقامة والأدعية التي قبل تكبيرة الإحرام ،

______________________________________________________

والطهارة من الخبث معتبرة في الصلاة وأجزائها كالسجدة والتشهد ونحوهما ، فلا مناص معه من اعتبارها في قضاء الأجزاء المنسية أيضاً ، فإن السجدة المقضية مثلاً بعينها السجدة المعتبرة في أداء الصلاة وإنما اتي بها في غير محلها واختلف زمانها ، ومن هنا لو لم يؤت بها قضاء بطلت الصلاة حيث لم يؤت ببعض أجزائها ، فاعتبار الطهارة في قضاء الأجزاء المنسية مما لا شبهة فيه. ومن تلك الأجزاء التشهد المنسي فيعتبر الطهارة في قضائه بناء على أن له قضاء إلاّ أنه لم يثبت القضاء للتشهد كما يأتي في محلِّه (٢) إن شاء الله.

وكذا لا ينبغي الإشكال في اعتبارها في صلاة الاحتياط وذلك لأنها أيضاً صلاة وقد اعتبرنا الطهارة في صحة الصلاة. وأما اعتبارها في سجدتي السهو فلم نقف له على دليل ، ولا سيما أنهما خارجتان عن أجزاء الصلاة ومن هنا لا تبطل بالإخلال بهما ، حيث إن إتيانهما واجب نفسي بعد الصلاة وإنما وجبتا إرغاماً للشيطان كما في الخبر (٣) وكيف كان ، إنهما واجبتان نفسيتان قبل التكلم بعد الصلاة ، لا أنهما من أجزاء الصلاة كما أنهما ليستا بصلاة في نفسهما فلا وجه لاعتبار الطهارة في صحتهما.

(١) لا إشكال ولا ريب في عدم اعتبار الطهارة في الأذان لأنه أمر مستحب وخارج عن حقيقة الصلاة ، بل قد ورد الترخيص في الأذان مع الحدث (٤) فما ظنّك بجوازه مع الخبث. وأما الإقامة فهي أيضاً كالأذان خارجة عن الصلاة فلا موجب لاعتبار الطهارة من الخبث في صحتهما. وأما ما ورد من أن الإقامة من الصلاة ، وأن‌

__________________

(١) وإن كان الأظهر عدم اعتبارها فيهما.

(٢) في المسألة [٢٠١٩].

(٣) راجع ما رواه معاوية بن عمّار المروي في الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٣٢ ح ١.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٩١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ١ ٨.

٢٣٨

ولا فيما يتأخّرها من التعقيب (١) ويلحق باللباس على الأحوط اللحاف الذي يتغطى به المصلي مضطجعاً إيماء سواء كان متستراً به أو لا (*) ، وإن كان الأقوى في صورة عدم التستر به بأن كان ساتره غيره ، عدم الاشتراط (٢).

______________________________________________________

من دخل فيها فقد دخل في الصلاة (٢) فإنما ورد اهتماماً من الشارع بالإقامة وللحث عليها لا أنها حقيقة من الصلاة ، كيف وقد ورد أن الصلاة تفتتح بالتكبير وتختم بالتسليم ، أو أن الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (٣) وهي مع ورودها في مقام البيان والتحديد لم تعدّ الإقامة من الصلاة ، فلا يعتبر فيها ما كان يعتبر في الصلاة كالاستقبال وترك التكلّم والطهارة من الخبث ونحوها. نعم ، لو تكلم المقيم بعد قول قد قامت الصلاة استحبت اعادتها. هذا بالإضافة إلى الطهارة من الخبث.

وأما الطهارة من الحدث فيأتي في محلِّه (٤) اعتبارها في الإقامة لا لأنها من أجزاء الصلاة بل للنهي عنها بدونها (٥) وهو نهي وضعي يقتضي بطلان الإقامة من دونها كما هو الحال في القيام إذ قد ورد أنه لا يقيم إلاّ وهو قائم (٦). ومما ذكرناه في الأذان والإقامة ظهر الحال في الأدعية المستحبّة قبل التكبيرة فلا نطيل.

(١) لانقضاء الصلاة وانتهائها وعدم كون الأمر المتأخر من أجزاء الصلاة.

(٢) هل يشترط الطهارة فيه مطلقاً أو لا يشترط؟ أو يفصّل بين ما إذا تستّر به‌

__________________

(١) التستر باللحاف لا يجزئ في صحة الصلاة وإن كان طاهراً ، لأنه لا يخرج بذلك عن الصلاة عارياً ، نعم إذا جعل اللحاف لباساً له أجزأه ، إلاّ أن نجاسته حينئذ توجب بطلان الصلاة بلا إشكال.

(١) هذا مضمون بعض الأخبار الواردة في الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٦ : ١١ / أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ب ١ ح ١٠.

(٣) قبل المسألة [١٤٠٣] ( فصل في شرائط الأذان والإقامة السابع ).

(٤) الوسائل ٥ : ٣٩١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٢ ، ٣ ، ٦ ٨.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٠٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٥.

٢٣٩

ـ كما إذا لم يكن على بدنه ساتر غيره وما إذا لم يتستر به ، بالاشتراط في الأوّل دون الأخير؟ التحقيق أن هذا التفصيل مما لا يرجع إلى محصّل معقول وإن التزم به الماتن قدس‌سره بل الصحيح أن يفصّل على نحو آخر كما نبينه ، وذلك لأن الساتر كما يأتي في محلِّه ساتران : أحدهما : ما يتستر به العورة عن الناظر المحترم ، ولا يعتبر في هذا القسم من الساتر أية خصوصية من الخصوصيات المفرّدة ، فإن الغرض منه ليس إلاّ المنع عن النظر وهو كما يحصل باللباس كذلك يحصل بالوحل والحشيش ، بل وبالظلمة والدخول في مثل الحب ووضع اليد أو الصوف ونحوهما على القبل والدبر ، لبداهة حصول الغرض بجميع ذلك كما لعله ظاهر. وثانيهما : الساتر المعتبر في الصلاة ويشترط فيه أن يكون من قبيل اللباس حيث ورد أن الرجل لا بد له في صلاته من ثوب واحد ولا بد للمرأة من ثوبين (١) كما يأتي تحقيقه في موضعه إن شاء الله ، فقد اعتبر في الصلاة أن يكون المصلي لابساً واللاّبس في مقابل العاري ، فلا تصح صلاة العريان وإن ستر عورتيه بيده أو بوحل أو ظلمة ونحوها ، لأن المصلي حال كونه متستراً بمثل الحب أو الظلمة يصح أن يقال إنه عريان ، لعدم صدق اللاّبس على المتستر بظلمة أو حب. وإذا تبينت ذلك فنقول :

إنّ المصلِّي مضطجعاً أو غيره إن كان قد لبس اللحاف بأن لفّه على بدنه بحيث صدق عرفاً أنه لبسه لبداهة أن اللبس لا يعتبر فيه كيفية معينة فقد يكون باللبس على الوجه المتعارف وقد يكون باللف كما في المئزر ونحوه فلا مناص من أن يشترط فيه الطهارة لأنه لباس ، وقد اشترطنا الطهارة في لباس المصلِّي كما مرّ بلا فرق في ذلك بين أن يكون له ساتر آخر غير اللحاف وعدمه ، لأن الطهارة لا يختص اعتبارها بالساتر فحسب فإنه يعم جميع ما يلبسه المصلي متعدداً كان أم متحداً.

وأما إذا لم يلبس اللحاف ولم يلفّه على بدنه كما إذا ألقاه على رأسه أو منكبيه على ما هو المتعارف في مثله فلا نعتبر فيه الطهارة بوجه لعدم كونه لباساً للمصلي على‌

__________________

(١) ورد مضمونه في الوسائل ٤ : ٣٨٧ / أبواب لباس المصلي ب ٢١ ح ١ وفي ص ٤٠٦ ب ٢٨ ح ٧ ، ١٠.

٢٤٠