موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

عصير الزبيب إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه.

ومنها : موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن الزبيب كيف يحل طبخه حتى يشرب حلالاً؟ قال : تأخذ ربعاً من زبيب فتنقيه ثم تطرح عليه اثني عشر رطلاً من ماء ثم تنقيه ليلة ، فاذا كان من غد نزعت سلافته ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه بالنار غلية ، ثم تنزع ماءه فتصبه على الأوّل ثم تطرحه في إناء واحد ، ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وتحته النار ... » (١).

ومنها : روايته الأُخرى المتقدِّمة (٢) ، والظاهر وحدة الروايتين وإنما وقع الاختلاف في نقلها ، ويكشف عن ذلك اتحاد رواتهما إلى عمرو بن سعيد ، فانّ من البعيد أن يسأل شخص واحد عن مسألة واحدة مرّتين ويرويهما كذلك. وكيف كان ، لا مجال للاستدلال بهما على حرمة عصير الزبيب بعد غليانه ، للقطع بعدم مدخلية مجموع القيود الواردة فيهما في حليته بحيث تنتفي إذا انتفى بعض تلك القيود التي منها قوله عليه‌السلام « فروّقه » أي صفّه فلا يستفاد منهما حرمة العصير بمجرد غليانه ، ولعل السر فيما اعتبره من القيود التي منها ذهاب الثلثين هو أن لا يطرأ الفساد على العصير بنشيشه بعد ما مضى عليه زمان الذي يوجب حرمته وسقوطه عن القابلية للانتفاع به ، كما أُشير إلى ذلك في ذيل الرواية بقوله عليه‌السلام « فإن أحببت أن يطول مكثه عندك فروّقه » (٣).

ويؤيِّده ما ورد في رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي من قوله : « وهو شراب طيِّب لا يتغيّر إذا بقي إن شاء الله » (٤). نعم جاءت حرمة النبيذ الذي فيه القعوة أو العكر في جملة من الأخبار (٥) إلاّ أنها أيضاً لا تدل على حرمته بمجرّد الغليان ، حيث إنّ القعوة‌

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٢٩٠ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٥ ح ٣.

(٢) في ص ١٠٧.

(٣) الوسائل ٢٥ : ٢٨٩ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٥ ح ٢.

(٤) الوسائل ٢٥ : ٢٩١ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٥ ح ٤.

(٥) الوسائل ٢٥ : ٣٥٣ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٢٤ ح ١ ، ٣ ، ٥ ، ٦.

١٢١

ـ كما في نفس تلك الروايات وكذلك العكر عبارة عن ثفل التمر يضرب به الإناء حتى يهدر النبيذ فيغلي أو أنها حب يؤتى به من البصرة فيلقى في النبيذ حتى يغلي وإن لم يظهر أنه أي حب فلعل الوجه في نهيه عما كان مشتملاً على القعوة من النبيذ إنما هو صيرورته مسكراً بسببها بحيث لولا ما فيه من القعوة والعكر لم يكن يتحقق فيه صفة الإسكار بوجه ، فهما مادتان للمسكر في الحقيقة كما أن مادة الجبن كذلك حيث إنه لولاها لم يوجد الجبن.

ويدلّنا على ذلك ما ورد في بعض الروايات : « شه شه تلك الخمرة المنتنة » بعد قول السائل : إنّا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك (١) ، وعليه فلا مجال للاستدلال بهذه الأخبار على حرمة النبيذ بعد غليانه فيما إذا لم يوجب الإسكار.

هذا وقد يستدل في المقام بحسنة عبد الله بن سنان « كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه » (٢) نظراً إلى أن عموم قوله « كل عصير ... » شامل لعصير الزبيب أيضاً فإذا أصابته النار فلا محالة يحكم بحرمته. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من المناقشة.

أمّا أوّلاً : فلأن الظاهر المنسبق إلى الأذهان من لفظة العصير بحسب العرف واللغة إنما هو الرطوبة المتكونة فيما يعصر من الأشياء كالبرتقال والعنب ونحوهما فيما إذا استخرجت بعصره ، فيقال هذا المائع عصير العنب أو البرتقال وهكذا. نعم ، ذكر صاحب الحدائق أنّ العصير اسم مختص بماء العنب ولا يعم غيره (٣). ولعلّ مراده أن العصير الوارد في روايات المسألة مختص بماء العنب ، وأمّا بحسب اللّغة فقد عرفت أنه اسم للماء المتحصل من مثل البرتقال وغيره مما هو مشتمل على رطوبة متكوِّنة في جوفه ، ومن الظاهر أن الزبيب غير مشتمل على رطوبة متكونة في جوفه حتى تستخرج بعصره ويصدق عليها عنوان العصير ، ومجرّد صبّ الماء عليه خارجاً‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٠٣ أبواب الماء المضاف ب ٢ ح ٢.

(٢) المتقدِّمة في ص ١٠٥.

(٣) الحدائق ٥ : ١٢٥.

١٢٢

لا يصحّح إطلاق العصير عليه فانّ له اسماً آخر ، فتارة يعبّر عنه بالنبيذ باعتبار ما نبذ من الزبيب في الماء وأُخرى بالمريس باعتبار دلكه وثالثة بالنقيع باعتبار تصفيته وأما عنوان العصير فلا يطلق عليه أبداً.

وأمّا ثانياً : فلأن الاستدلال بعموم الحديث في المقام مستلزم لتخصيص الأكثر المستهجن فيلزم أن يقال : كل عصير أصابته النار فقد حرم إلاّ عصير البرتقال واللّيمون والرمّان والبطِّيخ وعصير كل شي‌ء سوى عصيري العنب والزّبيب وهو من الاستهجان بمكان ، فلا مناص من حمل الحسنة على معنى آخر لا يلزمه هذا المحذور وبما أنّ المراد بالعصير في الرواية لم يظهر أنه أيّ فرد وأنه خصوص العصير العنبي أو الأعم منه ومن عصير الزبيب ، ولم يمكن إرادة جميع أفراده ومصاديقه فلا يمكننا الحكم بشمولها للمقام.

وعليه فالصحيح أن العصير الزبيبي مطلقاً لا نجاسة ولا حرمة فيه سواء غلى أم لم يغل ، إلاّ أن الاحتياط بالاجتناب عن شربه إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه حسن على كل حال.

وأمّا العصير التمري فالحلية فيه كطهارته أظهر ، حيث لم ترد نجاسته ولا حرمته في شي‌ء من الأخبار سوى ما تقدّم من مثل قوله عليه‌السلام : « كلّ عصير أصابته النار ... » وما ورد في حرمة النبيذ الذي فيه القعوة أو العكر وغيره مما سردناه في عصير الزبيب ، كما أسلفنا هناك الجواب عنها بأجمعها وقلنا إنه لا دلالة لها على حرمة العصير إلاّ أن يكون مسكراً لنشه بنفسه.

هذا مضافاً إلى جملة من الروايات الواردة في دوران الحرمة مدار وصف الإسكار وأحسنها صحيحتان : إحداهما صحيحة معاوية بن وهب ، قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ رجلاً من بني عمِّي وهو من صلحاء مواليك يأمرني أن أسألك عن النبيذ وأصفه لك ، فقال : أنا أصف لك ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ مسكر حرام ... » (١) وثانيتهما صحيحة صفوان الجمّال ، قال : « كنت مبتلى بالنبيذ معجباً‌

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٣٣٧ / أبواب الأشربة المحرمة ب ١٧ ح ١.

١٢٣

[٢٠٣] مسألة ٢ : إذا صار العصير دبساً (١) بعد الغليان قبل أن يذهب ثلثاه فالأحوط حرمته ، وإن كان لحليته وجه (*) ، وعلى هذا فاذا استلزم ذهاب ثلثيه احتراقه ، فالأولى أن يصب عليه مقدار من الماء ،

______________________________________________________

به فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصف لك النبيذ؟ فقال : بل أنا أصفه لك ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل مسكر حرام » (٢) وفي بعض الأخبار بعد ما سألوه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن النبيذ وأطالوا في وصفه : « يا هذا قد أكثرت عليَّ أفيسكر؟ قال : نعم ، قال : كل مسكر حرام » (٣) إلى غير ذلك من الأخبار. فالمتحصل ان العصير زبيبياً كان أم تمرياً طاهر محلل قبل غليانه وبعده ما دام غير مسكر ، وإنما يحرم شربه إذا كان موجباً للإسكار وإن كان الأحوط الاجتناب.

(١) لكثرة مادته الحلوية فهل يحكم بحليته وطهارته إذا قلنا بنجاسة العصير العنبي حينئذ أو أنه باق على حرمته ونجاسته ولا رافع لهما سوى ذهاب الثلثين المفروض عدمه في المقام؟

الوجوه المحتملة في إثبات حليته ثلاثة : الأوّل : أن الحرمة إنما كانت معلقة في الأخبار المتقدِّمة على شرب العصير كقوله عليه‌السلام : « تشرب ما لم يغل فاذا غلا فلا تشربه » (٤) فموضوع الحرمة هو المشروب ، فاذا فرضنا أنه صار مأكولاً كالدبس مثلاً فقد ارتفع موضوع الحرمة وتبدل أمراً آخر لا يتحقق فيه شرب العصير فلا محالة يحكم بحليته. هذه الدعوى وإن كانت جارية في بعض الروايات كما عرفت إلاّ أنها لا تتأتى في أكثرها ، لأنّ الموضوع للحرمة فيها نفس العصير كما في حسنة عبد الله ابن سنان المتقدِّمة (٥) ومن الظاهر أنّ إطلاقها يشمل ما إذا صار العصير دبساً حيث‌

__________________

(*) لكنه ضعيف لا يلتفت إليه.

(١) الوسائل ٢٥ ٣٣٧ / أبواب الأشربة المحرمة ب ١٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٣٥٦ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٢٤ ح ٦.

(٣) وهو خبر حماد المتقدِّم نقله في ص ١٠٤.

(٤) في ص ١٠٥ ، ١٢٢.

١٢٤

دلّت على أن كل عصير أصابته النار فقد حرم سواء أصار دبساً بعد ذلك أم لم يصر.

الثاني : أن الغاية المقصودة من ذهاب الثلثين متحققة عند صيرورة العصير دبساً ومع حصول الغاية والغرض بذلك لا وجه للحكم بحرمته. ولا يخفى أن هذه الدعوى جزافية بحتة ، إذ من أخبرنا بما هو الغاية المقصودة من ذهاب الثلثين في العصير حتى نرى أنها حاصلة في المقام عند صيرورته دبساً أو غير حاصلة.

الثالث : ما عن الشهيد الثاني قدس‌سره من أن العصير إذا صار دبساً فقد انقلب من حال إلى حال ، والانقلاب من أحد موجبات الطهارة والحل كما في انقلاب الخمر والعصير خلاً (١). وفيه : أن الانقلاب غير الاستحالة والاستهلاك ، إذ الاستحالة عبارة عن انعدام شي‌ء ووجود شي‌ء آخر عقلاً وعرفاً وإما بحسب العرف فقط ، ومن هنا لا يصح أن يطلق المطهّر على الاستحالة إلاّ على وجه المسامحة ، لأنّ ما هو الموضوع للحكم بالنجاسة قد زال وأما ما وجد فهو موضوع جديد ، فارتفاع النجاسة وغيرها من أحكامه مستند إلى ارتفاعه بنفسه وانعدامه بصورته ، لأن شيئية الشي‌ء إنما هي بصورته النوعية ، والاستحالة هي انعدام صورة نوعية ووجود صورة أُخرى عقلاً وعُرفاً وإمّا بالنظر العرفي فحسب ، لوضوح أن الصور النوعية العُرفية هي الموضوع للأحكام الشرعية في أدلّتها ومع ارتفاع موضوع الحكم وانعدامه لا موضوع ليطرأ عليه حكمه. وأما القدر المشترك بين الصورتين النوعيتين المعبّر عنه بالهيولى عند الفلاسفة فلا حكم له في الشريعة المقدسة لاشتراكه بين موجودات العالم بأسرها ، مثلاً إذا استحال كلب ملحاً أو الخشبة المتنجسة رماداً ترتفع عنهما نجاستهما لانعدام موضوعها ، لأنّ الموجود غير المنعدم على الفرض ، وهذا بخلاف الانقلاب لأنه عبارة عن تبدل وصف بوصف آخر كتبدل الحنطة خبزاً من دون تبدل في الصور النوعية بوجه ، حيث إن الخبز والدقيق عين الحنطة وإنما الاختلاف في الأوصاف ، ولم يدلّنا دليل على أن الانقلاب موجب للطهارة أو الحلية. نعم ، خرجنا عن ذلك في خصوص الانقلاب خلاًّ بالنص ولا يمكننا التعدِّي عن مورده إلى غيره ، ومن هنا إذا‌

__________________

(١) راجع الروضة البهيّة ١ : ٦٧.

١٢٥

فإذا ذهب ثلثاه حل بلا إشكال.

[٢٠٤] مسألة ٣ : يجوز أكل الزبيب والكشمش والتمر في الأمراق والطبيخ وإن غلت ، فيجوز أكلها بأيّ كيفية كانت على الأقوى (١).

______________________________________________________

تنجّس العصير بسبب آخر غير غليانه بأن قطرت عليه قطرة بول أو غيره ثم انقلب دبساً مثلاً فلا نظن أن يلتزم الشهيد قدس‌سره بطهارته بدعوى الانقلاب ، وعليه فالصحيح أن الحرمة الطارئة على العصير بغليانه لا ترتفع إلاّ بذهاب ثلثيه ، فاذا فرضنا أنه انقلب دبساً لشدة حلاوته كما يتفق في بعض البلاد فلا مناص من الحكم بحرمته إلاّ أن يصب عليه مقدار من الماء فيغلي ، فإذا ذهب ثلثاه نحكم بحليته حيث لا يفرق في ارتفاع الحرمة بذهاب الثلثين بين غليان العصير في نفسه وبين غليانه بالماء الخارجي المصبوب عليه ، فاذا فرضنا أنّ العصير عشرة كيلوات وقد أغلي وصار دبساً بعد ذهاب نصفه بالغليان ، فلا مانع من أن يصب عليه الماء بمقدار خمسة كيلوات أُخر حتى إذا غلى وذهب منه نصفه وهو خمسة كيلوات يحكم بحلِّيّته ، لأن الباقي ثلث المجموع المركب من الماء والعصير.

(١) إذا طبخ الزبيب أو التمر في المرق أو غيره فحرمته على تقدير الغليان وعدمها مبتنيان على ما قدمناه في المسألة السابقة ، فإن قلنا بعدم حرمة العصير زبيبياً كان أم تمرياً كما قلنا به فلا ينبغي الإشكال في جواز أكلهما في الطبيخ والأمراق غلى بالماء أو الدهن أم لم يغل ، وأما إذا قلنا بحرمة عصيرهما إلحاقاً له بالعصير العنبي في المرق أو في غيره فلا كلام أيضاً في حلية أكلهما. وقد قدّمنا أنّ الغليان هو القلب وهو تنازل الأجزاء وتصاعدها ، وذكرنا أنه لا يتحقق في غير المائعات كالعنب والتمر والزبيب. وأمّا إذا فرض غليانهما ولو بالماء أو الدهن وفرضنا صدق عنوان العصير ولو مع المقدار القليل مما حولهما من الدهن والمرق فأيضاً لا نلتزم بحرمة أكلهما في الأغذية وذلك لأنّ المحرم حينئذ إنما هو المقدار القليل الذي في حولهما إلاّ أنه لما كان مستهلكاً في بقية المرق والطبيخ جاز أكله لانعدام موضوع الحرمة عرفاً ، فحاله حال الدم المتخلِّف في اللّحم حيث إنه طاهر محرم أكله ولكنّه إذا طُبخ مع اللّحم واستهلك في ضمنه يحكم بجواز أكله بالاستهلاك.

١٢٦

العاشر : الفقّاع (١)

______________________________________________________

هذا كلّه فيما إذا قلنا بطهارة عصيري التمر والزبيب ، وأما إذا قلنا بنجاستهما إلحاقاً لهما بالعصير العنبي عند القائلين بنجاسته فلا مانع أيضاً من أكلهما في الأغذية والأطعمة إذا لم يعرض عليهما الغليان ، وأما إذا غليا فيحكم بنجاسة ما حولهما ولو بمقدار قليل ، ومع تنجس شي‌ء من المرق يتنجس الجميع فلا محالة يحرم أكلهما مع المرق والطّبيخ ، ولا ينفع حينئذ استهلاك ذلك المقدار النجس القليل في بقية أجزاء الطبيخ لأنه ينجّس البقية بمجرد ملاقاتها ، نظير ما إذا أصابته قطرة دم أو بول لأنها ينجّس جميع المرق وشبهه وإن كانت مستهلكة في ضمن المرق.

فتحصّل أن المسألة تبتني على المسألة المتقدِّمة ، وحيث إنّا نفينا هناك حرمة عصيري التمر والزبيب فضلاً عن نجاستهما فلا نرى مانعاً من أكلهما في الطبيخ والمرق وكذلك الحال في العنب ، لأنّا وإن قلنا بحرمة عصيره إلاّ أنّا أنكرنا نجاسته ، وقد عرفت أنّ الحرمة غير مانعة عن جواز أكله في الأطعمة والأمراق ما دام لم تطرأ عليه صفة الإسكار فيما إذا كان بمقدار يستهلك في بقية الطبيخ والمرق.

(١) لا إشكال في نجاسة الفقاع في الشريعة المقدّسة كحرمته ، بل الظاهر أنها اتفاقيّة بين أصحابنا القائلين بنجاسة الخمر ، وتدلّ على نجاسته الأخبار المستفيضة منها : مكاتبة ابن فضال ، قال : « كتبتُ إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن الفقّاع فقال : هو الخمر وفيه حد شارب الخمر » (١). ومنها : موثقة عمّار قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفقّاع فقال : هو خمر » (٢) إلى غير ذلك من الأخبار ، حيث اشتملت على أنّ الفقّاع خمر وورد في بعضها أنه خمر مجهول (٣) ، وهذا إما لأجل أنّ الفقّاع خمر حقيقة وإن كان إسكاره ضعيفاً بحيث لا يسكر إلاّ بشرب مقدار كثير منه وعن بعض أهل الخبرة والاطلاع أن المادة الألكلية التي تدور عليها رحى الإسكار‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٢٥ : ٣٦٠ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٢٧ ح ٢ ، ٤.

(٣) كما في موثقة ابن فضال ورواية أبي جميلة المرويتين في الوسائل ٢٥ : ٣٦١ / أبواب الأشربة المحرّمة ب ٢٧ ح ١١ ، ٨.

١٢٧

وهو شراب متّخذ من الشعير على وجه مخصوص ، ويقال : إن فيه سكراً خفيّاً وإذا كان متخذاً من غير الشعير فلا حرمة ولا نجاسة إلاّ إذا كان مسكراً (١).

______________________________________________________

في العرق بأقسامه إنما هي بنسبة الواحد إلى اثنين فنصفه الآخر خليط ومزيج ، وأما في الخمر بأقسامها فهي بنسبة الواحد إلى خمس ، وفي الفقّاع بنسبة الواحد إلى خمسين ، وحيث إنه خمر حقيقية حكم بنجاسته وحرمته ، ويدلُّ عليه قوله عليه‌السلام : انه خمر مجهول كما مرّ وقوله : إنه خمرة استصغرها الناس (١) وإما من جهة أنّ الفقّاع وإن لم يكن خمراً حقيقية إلاّ أن الشارع نزّله منزلة الخمر في جميع ما كان يترتّب عليها من أحكامها فهو تنزيل موضوعي. وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ حكمه حكم الخمر بعينها ، وإنما الكلام في تعيين موضوعه وتحقيق أن الفقّاع أي شي‌ء وإليه أشار الماتن بقوله : وهو شراب متخذ من الشعير.

(١) وقع الكلام بينهم في أن الفقاع ما هو ، فذهب بعضهم إلى أنه شراب يتّخذ من ماء الشعير ، وعن آخر أن الفقّاع وإن كان بحسب القديم والغالب يتّخذ من ماء الشعير إلاّ أنه الآن قد يتّخذ من الزبيب ، وقيل : إن إطلاقه على الأعم لعله اصطلاح حدث في خصوص الشام. وعليه فلا بدّ من النظر إلى أن ما نحكم بنجاسته وحرمته هل هو خصوص ما اتخذ من ماء الشعير أو أن كل شي‌ء صدق عليه أنه فقّاع محكوم بنجاسته وحرمته وإن اتّخذ من غيره؟

الصحيح الاقتصار في الحكم بهما على خصوص ما اتخذ من ماء الشعير ، وذلك لأنهم بعد اتفاقهم على أن الشراب المتخذ من ماء الشعير فقّاع حقيقة اختلفوا في أن المتخذ من غيره أيضاً كذلك أو أنه خارج عن حقيقته فهو من الاختلاف في سعة الموضوع وضيقه ، ولا مناص معه من الاكتفاء بالمقدار المتيقن وهو المتخذ من ماء الشعير كما هو الحال في جميع الموارد التي يدور فيها الأمر بين الأقل والأكثر ، وذلك للشك في أن المتّخذ من غيره أيضاً من الفقّاع حقيقة أو أن المراد به في زمانهم ( عليهم‌

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٣٦٥ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٢٨ ح ١.

١٢٨

[٢٠٥] مسألة ٤ : ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في معالجاتهم ليس من الفقاع فهو طاهر حلال (١).

______________________________________________________

السلام ) وبلدهم إنما هو خصوص المتخذ من ماء الشعير ، حيث إن إطلاقه على الأعم في غير زمانهم أو في غير بلادهم كالشام مما لا يكاد يجدي في الحكم بحرمته ونجاسته ، إذ المدار فيهما على ما يطلق عليه الفقاع في عصرهم وبلدهم وحيث إنه مشكوك السعة والضيق فيرجع في غير المورد المتيقن إلى أصالة الطهارة والحل.

فالمتحصّل أن المائع إذا كان مسكراً فلا إشكال في حرمته كما يحكم بنجاسته إن تمّ ما استدل به على نجاسة مطلق المسكر وأما إذا لم يكن مسكراً فالحكم بنجاسته وحرمته يحتاج إلى دليل وهو إنما قام عليهما في الشراب المتخذ من الشعير ، فيرجع في المتخذ من غيره إلى مقتضى الأُصول.

بقي الكلام في شي‌ء وهو أنه هل تتوقّف نجاسة الفقّاع وحرمته على غليانه ونشيشه أو يكفي فيهما مجرّد صدق عنوانه كما هو مقتضى إطلاق الفتاوى وأغلب النصوص؟ فقد يقال بالأول وأن حكمهم بحرمة الفقاع ونجاسته على الإطلاق إنما هو بملاحظة أن الغليان والنشيش معتبران في تحقق مفهومه ، لأن الفقاع من فقاعة ، فلا يكون فقاعاً حقيقة إلاّ إذا نش وارتفع في رأسه الزبد ، وهذا هو الصحيح لصحيحة محمّد بن أبي عمير عن مرازم ، قال : « كان يعمل لأبي الحسن عليه‌السلام الفقاع في منزله ، قال ابن أبي عمير : ولم يعمل فقاع يغلي » (١) حيث دلّت على أن المحرّم من الفقّاع هو الذي يغلي وينش ، وإلاّ لم يكن وجه لعمله في منزل أبي الحسن عليه‌السلام وتفسير ابن أبي عمير بأنه لم يعمل فقّاع يغلي.

(١) وذلك لأن ما يستعمله الأطباء في معالجاتهم إنما هو الماء الذي يلقى على الشعير ثم يطبخ معه ويؤخذ عنه ثانياً فيشرب ولا دليل على حرمته ونجاسته ، إذ الفقاع وإن أُطلق عليه ماء الشعير إلاّ أنه ليس كل ما صدق عليه ماء الشعير محكوماً‌

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٣٨١ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٩ ح ١.

١٢٩

الحادي عشر : عرق الجنب من الحرام (*) (١)

______________________________________________________

بنجاسته وحرمته ، وإنما المحرّم والنجس منه هو الذي يطبخونه على كيفية مخصوصة يعرفها أهله.

(١) وقع الخلاف في نجاسة عرق الجنب من الحرام وطهارته ، فعن الصدوقين (٢) والشيخين (٣) وغيرهم القول بنجاسته ، بل عن الأمالي : أن من دين الإمامية الإقرار بنجاسته (٤) ، وظاهره أن النجاسة إجماعية عندنا ، وعن الحلِّي قدس‌سره دعوى الإجماع على طهارته وأن من قال بنجاسته في كتاب رجع عنه في كتاب آخر (٥).

واستدلّ للقول بنجاسته بأُمور :

الأوّل : ما نقله المجلسي في البحار من كتاب المناقب لابن شهرآشوب نقلاً عن كتاب المعتمد في الأُصول ، قال ، قال علي بن مهزيار : وردتُ العسكر وأنا شاك في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلاّ أنه صائف والناس عليهم ثياب الصيف وعلى أبي الحسن عليه‌السلام لبادة وعلى فرسه تجفاف لبود وقد عقد ذنب فرسه والناس يتعجّبون عنه ويقولون : ألا ترون إلى هذا المدني وما قد فعل بنفسه؟ فقلتُ في نفسي لو كان هذا إماماً ما فعل هذا ، فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا إلاّ أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلاّ ابتل حتى غرق بالمطر وعاد عليه‌السلام وهو سالم من جميعه ، فقلتُ في نفسي يوشك أن يكون هو الامام ، ثم قلت أُريد أن أسأل عن الجنب إذا عرق في الثوب فقلتُ في نفسي‌

__________________

(*) في نجاسته إشكال بل منع ، ومنه يظهر الحال في الفروع الآتية ، نعم الأولى ترك الصلاة فيه فيما إذا كانت الحرمة ذاتية.

(١) نقل الصدوق في المقنع : ٤٣ ٤٤ عن والده حرمة الصلاة فيه وبه قال الصدوق في الفقيه ١ : ٤٠ ذيل الحديث ١٥٣.

(٢) المقنعة : ٧١ ، النهاية : ٥٣.

(٣) أمالي الصدوق : ٧٤٦ مجلس ٩٣.

(٤) السرائر ١ : ١٨١.

١٣٠

فقلت في نفسي إن كشف وجهه فهو الامام فلمّا قرب منِّي كشف وجهه ثم قال : إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه ، وإن كانت جنابته من حلال فلا بأس ، فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة (١).

الثاني : ما رواه إدريس بن داود أو يزداد الكفرثوثي أنه كان يقول بالوقف فدخل سر من رأى في عهد أبي الحسن عليه‌السلام فأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أيصلّى فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب الانتظار إذ حرّكه أبو الحسن عليه‌السلام بمقرعة وقال مبتدئاً : إن كان من حلال فصلّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصلّ فيه (٢).

الثالث : رواية الفقه الرضوي « إن عرقت في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة من الحلال فتجوز الصلاة فيه وإن كانت حراماً فلا تجوز الصلاة فيه حتى يغسل » (٣) وهذه الرواية وإن كانت بحسب الدلالة ظاهرة ، حيث إنّه عليه‌السلام جعل الحكم بعدم جواز الصلاة فيما أصابه عرق الجنب من الحرام مغياً بغسله ولم يجعل غايته الزوال وتوضيحه : أن الثوب الذي أصابه عرق الجنب لم يسقط عن قابلية الصلاة فيه إلى الأبد بضرورة الفقه بل بالضرورة الارتكازية ، فيرتفع المنع عن الصلاة في مثله بأحد أمرين لا محالة ، فإن المنع إذا كان مستنداً إلى نجاسة عرق الجنب من الحرام فيرتفع بغسله ، وإن كان مستنداً إلى مانعية العرق عن الصلاة في نفسه ولو مع القول بطهارته نظير أجزاء ما لا يؤكل لحمه حيث إنها مانعة عن الصلاة وإن كانت طاهرة كما في بصاق الهرّة مثلاً فترتفع مانعيته بزواله كإزالته بالنفط أو البانزين أو بغيرهما إلاّ أنه عليه‌السلام لمّا جعل منعه عن الصلاة فيه مغياً بغسله ولم يجعل غايته الزوال كشف ذلك عن نجاسة عرق الجنب من الحرام ، إلاّ أنها لا تتم بحسب السند ، فان الفقه الرضوي لم يثبت كونه رواية فضلاً عن أن تكون معتبرة.

__________________

(١) البحار ٥٠ : ١٧٣ ١٧٤ ، المناقب ٤ : ٤١٣ ٤١٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٤٧ / أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١٢.

(٣) فقه الرضا : ٨٤.

١٣١

وأما الرواية الأُولى والثانية فهما أيضاً ضعيفتان ، أما بحسب السند فلأنّ حال إسنادهما غير واضح حيث لم يذكر السند فيهما بتمامه. ودعوى انجبارهما بشهرة الفتوى بمضمونهما بين القدماء ، مدفوعة صغرى وكبرى ، أما بحسب الكبرى فلما مرّ غير مرّة من أن الشهرة لا يمكن أن تكون جابرة لضعف الرواية كما أن إعراضهم عن رواية لا يكون كاسراً لاعتبارها ، وأما بحسب الصغرى فلما قدّمنا نقله عن الحلي قدس‌سره وهو من الأعلام المحقِّقين من أن من ذهب إلى نجاسة عرق الجنب من الحرام في كتاب ذهب إلى طهارته في كتاب آخر (١).

فالمشهور حينئذ هو طهارة العرق دون نجاسته فكيف يتوهّم أنهم اعتمدوا في الحكم بنجاسته إلى هاتين الروايتين. على أنّ اشتهار الفتوى بنجاسته لو سلم أيضاً لا يكاد يجدي في المقام ، لأنّ الشهرة التي يدعى أنها جابرة أو كاسرة إنما هي الشهرة في مقابل النادر لا الشهرة في مقابل شهرة اخرى مثلها كما في المقام.

وأما بحسب الدلالة فلأنّ الروايتين إنما تدلاّن على المنع من الصلاة في ثوب أصابه عرق الجنب من الحرام ولا دلالة له على نجاسته لأنه لازم أعم للنجاسة كما مر ، ومما يبعّد نجاسة عرق الجنب من الحرام أو مانعيّته عن الصلاة أنّ السؤال في الأخبار المتقدِّمة إنما هو عن عرق الجنب ولم يقع السؤال عن عرق الجنب من الحرام ، وهذا كاشف عن عدم معهوديّة نجاسته إلى زمان العسكري عليه‌السلام ، والتفصيل في نجاسته أو مانعيّته بين كون الجنابة من الحلال وبين كونها من الحرام إنما صدر منه عليه‌السلام مع أن من البعيد أن تخفى نجاسته أو مانعيّته عند المسلمين إلى عصر العسكري عليه‌السلام لكثرة ابتلائهم به في تلك الأزمنة ، لكثرة الفجرة من السلاطين والأُمراء وبالأخص إذا عممنا الحرام إلى الحرام بالعرض كوطء الزوجة أيام حيضها أو في نهار شهر رمضان.

كيف وقد ورد في جملة من الأخبار عدم البأس بعرق الجنب وأن الثوب والعرق لا يجنبان (٢) ، فلو كان عرق الجنب من الحرام نجساً أو مانعاً عن الصلاة لورد ما يدلّنا‌

__________________

(١) تقدّم في ص ١٣٠.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٤٥ / أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١ ، ٣ ، ٥ ، ٦ ، ٩.

١٣٢

على نجاسته أو مانعيته إلى زمان العسكري عليه‌السلام فمن هذا كله يظهر أنه لا مناص من حمل الأخبار المانعة على التنزه والكراهة لاستقذار عرق الجنب من الحرام ، وبهذا المقدار أيضاً تثبت كرامته عليه‌السلام وإعجازه حيث أجاب عما في ضمير السائل من غير أن يسبقه بالسؤال.

بقي الكلام في مرسلة الشيخ قدس‌سره في مبسوطه حيث قال في محكي كلامه : وإن كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه على ما رواه بعض أصحابنا (١). فالكلام في أن ما رواه ذلك البعض أي رواية ، والظاهر أنه أراد بذلك رواية علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام ، فإنه يغتسل فيه من الزنا ، ويغتسل فيه ولد الزنا ، والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم » (٢) وذلك لأنه إن كانت هناك رواية أُخرى دالة على نجاسة عرق الجنب من الحرام لنقلها نفس الشيخ في كتابي الأخبار أو نقلها لا محالة في شي‌ء من كتبه المعدّة للاستدلال كالمبسوط وغيره ، ولم ينقل شيئاً يدل على ذلك في كتبه فتعيّن أن يكون مراده تلك الرواية المتقدِّمة ، إلاّ أنها غير قابلة للاعتماد لضعف سندها ، فانّ علي بن الحكم إنما رواها عن رجل وهو مجهول ، ومعه تدخل الرواية في المراسيل ولا يمكن أن نعتمد عليها في مقام الاستدلال.

وأضف إلى ذلك ، المناقشة في دلالتها حيث إنها إنما تقتضي نجاسة بدن الزاني وولد الزنا وقد قدّمنا طهارة ولد الزنا كما لا إشكال في طهارة بدن الزاني ، وإنما الكلام في نجاسة عرقه ولا دلالة لها على نجاسة عرقه بوجه ، على أنها معارضة بما دلّ على طهارة الزاني وولد الزنا. نعم ، لا إشكال في نجاسة الناصب كما أسلفنا في محلِّه (٣) فتحصّل أنه لم ترد رواية معتبرة في عرق الجنب من الحرام حتى يستدلّ بها على‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩١ ما نصّه : « ان كانت الجنابة عن حرام روى أصحابنا انه لا تجوز الصلاة فيه ».

(٢) الوسائل ١ : ٢١٩ / أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٣ ، وكذا في ٣ : ٤٤٨ / أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١٣.

(٣) في ص ٦٩.

١٣٣

سواء خرج حين الجماع أو بعده (١) من الرجل أو المرأة ، سواء كان من زنا أو غيره ، كوطء البهيمة أو الاستمناء أو نحوهما مما حرمته ذاتية ، بل الأقوى ذلك في وطء الحائض والجماع في يوم الصوم الواجب المعيّن أو في الظهار قبل التكفير (٢).

______________________________________________________

نجاسته. وقد بيّنا في كتاب الصلاة أن الشيخ قدس‌سره كثيراً ما يسند الرواية إلى أصحابنا اجتهاداً منه قدس‌سره في دلالة رواية وحسبان دلالتها على المدعى مع أنها محل منع أو خلاف.

وبالجملة أن الأخبار المتقدمة التي استدل بها على النجاسة في المقام ضعيفة وغير قابلة للاعتماد عليها في الاستدلال. ثم إنه لو قلنا بانجبار ضعفها من جهة شهرة الفتوى بمضامينها عند القدماء فغاية ما يستفاد منها عدم جواز الصلاة فيما أصابه عرق الجنب من الحرام ، وقد عرفت أنه غير ملازم للحكم بنجاسته لاحتمال كونه مانعاً مستقلا عن الصلاة كما هو الحال في أجزاء ما لا يؤكل لحمه.

(١) لأن الجنابة إنما تتحقق بالتقاء الختانين وحيث إنها من الحرام فيصدق أنه جنب من الحرام ، فاذا بنينا على نجاسة عرقه بمقتضى الأخبار المتقدمة فلا مناص من الحكم بنجاسته حين التقائهما وبعده بلا فرق في ذلك بين خروج المني وعدمه ، لأن النجاسة مترتِّبة على عنوان الجنابة وهي غير متوقِّفة على الإنزال في الجماع. وأما العرق قبل الجماع والالتقاء فلا إشكال في طهارته لعدم تحقّق موضوع النجاسة وهو الجنابة من الحرام فعدم نجاسته سالبة بانتفاء موضوعها ، فما في بعض الكلمات من أن العرق قبل الجماع محكوم بطهارته لخروجه عن الإطلاق من سهو القلم حيث لا موضوع حتى يخرج عن الإطلاق.

(٢) تبتني هذه المسألة على أن المراد بالحلال والحرام في روايتي علي بن مهزيار وإدريس بن داود المتقدمتين هل هو الحلية والحرمة الفعليتين سواء كانتا ذاتيتين أم عرضيتين ، مثلاً إذا أُكره أحد على الزنا أو اضطر إليه فكان حلالاً فعلياً في حقه لم يحكم بنجاسة عرقه وإن كان محرّماً ذاتياً في نفسه ، كما أنه إذا جامع زوجته وهي حائض أو في يوم الصوم الواجب المعيّن بحيث كان الوطء محرّماً فعلياً في حقِّه حكم‌

١٣٤

[٢٠٦] مسألة ١ : العَرَق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس وعلى هذا فليغتسل في الماء البارد ، وإن لم يتمكن فليرتمس في الماء الحار ، وينوي الغسل‌

______________________________________________________

بنجاسة عرقه وإن كان حلالاً ذاتياً في نفسه.

أو المراد منهما هو الحلية والحرمة الذاتيتان ، أعني بهما ما كان طريقه منسداً في نفسه وما كان الطريق إليه مفتوحاً كذلك وإن طرأه ما يوجب حليته أو حرمته ، ففي الصورة الاولى من المثال المتقدم يحكم بنجاسة عرقه لأنه جماع انسد الطريق إليه في نفسه في الشريعة المقدسة وإن طرأ عليه الإكراه أو الاضطرار أو غيرهما مما يوجب حلِّيّته الفعلية ، كما أنه في الصورة الثانية يحكم بطهارة عرقه لأنه جماع لم ينسد الطريق إليه وإن لم يتحقق شرطه بالفعل كعدم حيض الزوجة فلا يطلق عليه الجنب عن الحرام ، بل تصدّق الحليلة على الزوجة حينئذ فيقال إنه حليلة الابن ، كما في قوله عزّ من قائل ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) (١) فللابن وطيها؟

فعلى الأوّل لا بد من الحكم بنجاسة عرق الجنب في جميع موارد الحرمة الفعلية ذاتية كانت أم عرضية ، وعلى الثاني يقتصر في الحكم بنجاسة عرق الجنب بما إذا كانت الجنابة محرمة ذاتية فحسب. ولا يبعد دعوى انصراف الحلال والحرام إلى الحرمة والحلية الذاتيتين ، حيث إن ظاهر قوله عليه‌السلام « إذا كان عرق الجنب وجنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه ، وإن كانت جنابته من حلال فلا بأس » أن تكون الجنابة بعنوان أنها جنابة محرّمة ، أو كانت بما هي كذلك محللة ، فإذا كانت الجنابة بما أنها جنابة محللة لم يحكم بنجاسة عرق الجنب ، لأنّ الجنابة في موارد الحرمة العرضية بما أنها جنابة محللة وإنما حكم بحرمتها بعناوين زائدة على ذواتها فلا يكون مثلها مستلزماً لنجاسة عرق الجنب. نعم ، إذا أُكره على الزنا أو اضطر إليه حكم بنجاسة عرقه ، لأنّ الجنابة حينئذ بما أنها جنابة محرمة وإن كانت محلّلة بعنوان طارئ آخر.

__________________

(١) النساء ٤ : ٢٣.

١٣٥

حال الخروج ، أو يحرّك (١) بدنه تحت الماء بقصد الغسل (١).

[٢٠٧] مسألة ٢ : إذا أجنب من حرام ثم من حلال ، أو من حلال ثم من حرام ،

______________________________________________________

(١) إذا اغتسل المجنب من الحرام في الماء البارد فلا إشكال في صحة غسله فيحكم بطهارة عرقه بعد غسله ، وأما إذا اغتسل والماء حار فيشكل الحكم بصحة غسله إذا عرق بدنه في أثنائه ، لأنّ الجنابة لا ترتفع إلاّ بتمام الغسل ، ومن هنا لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ولا دخول المسجد ولا غير ذلك من الأحكام المترتبة على الجنابة فيما إذا غسل بعض أعضائه ولم يغسل الجميع ، فاذا عرق بدنه وهو في أثناء غسله وقلنا بنجاسة عرق الجنب من الحرام فلا محالة يتنجس بدنه بذلك ولا يصح الغسل مع نجاسة البدن. وتوضيحه : أنه إذا قلنا بكفاية ارتماسة واحدة أو صبة كذلك في غَسله وغُسله ، بأن يطهر بدنه بتلك الارتماسة وينوي بها الاغتسال حتى تحصل طهارة بدنه عن الخبث وطهارته الحدثية في زمان واحد ، لأن الطهارة البدنية وإن لم تكن متقدمة على غسله زماناً إلاّ أن تقدمها الرتبي كاف في صحة غسله فلا يكون عرقه في أثناء غسله مانعاً عن صحته ، وذلك لأنه يرتمس في الماء دفعة واحدة أو يصب الماء على بدنه وينوي به غسل الجنابة فإنه كما يطهر بدنه عن الخبث حينئذ كذلك تزول عنه جنابته ، ولا يضره اتحادهما زماناً لأنّ الطهارة الخبثية متقدِّمة على غسله رتبة والتقدم الرتبي كاف في صحّة الغسل كما مرّ.

وأما إذا اعتبرنا في صحته تقدم الطهارة الخبثية بحسب الزمان فلا يتمكن الجنب من الحرام من الغسل إذا عرق بدنه في أثنائه لتنجس بدنه قبل إتمام غسله ، وقد ذكر الماتن في تصحيح ذلك أنه يرتمس في الماء حينئذ وبه يطهر بدنه وينوي غسل الجنابة حال خروجه أو يحرّك بدنه تحت الماء بقصد الغسل ، فيكون دخوله في الماء مطهّراً لبدنه كما أن خروجه أو تحريك بدنه تحت الماء اغتسال من الجنابة.

وما أفاده قدس‌سره يبتني على القول بكفاية الارتماس بحسب البقاء في صحّة الغسل وعدم اعتبار إحداثه ، لأن إحداث الارتماس حينئذ وإن لم يكن كافياً في ارتفاع‌

__________________

(١) يأتي ما فيهما من الإشكال في صحة الغسل.

١٣٦

فالظاهر نجاسة عرقه أيضاً خصوصاً في الصورة الأُولى (١).

______________________________________________________

جنابته لنجاسة بدنه حال الارتماس ، إلاّ أنه إذا طهر بدنه بذلك ونوى الغسل بتحريك بدنه تحت الماء أو بخروجه كفى ذلك في غسله ، لاستمرار ارتماسه وبقائه ما دام غير خارج عن الماء وقد فرضنا أن الارتماس بقاء كاف في صحة غسله. وأما إذا قلنا أن الاغتسال إنما يصح بأحد أمرين : وهما صبّ الماء على البدن أو الارتماس في الماء ارتماسة واحدة كما في الخبر (١) ولا يتحقّق شي‌ء منهما بالارتماس بقاءً ، لأنه بعد ارتماسه لم يصب الماء على بدنه ، كما أنه لم يرتمس ارتماسة ، لأن ظاهر إسناد الفعل إلى فاعله إنما هو إيجاده وإحداثه إلاّ أن تقوم قرينة على إرادة الأعم ، وعليه فالاغتسال بالارتماس بقاء محل إشكال في نفسه ولو مع قطع النظر عن نجاسة عرق الجنب من الحرام ، فالغسل في الماء الحار غير ممكن في حقه لابتلائه بنجاسة البدن كما عرفت.

(١) الجنابة الواردة في الروايتين المتقدمتين إن أُخذت في موضوع الحكم بالنجاسة بما هي جنابة إذا كانت عن حرام ، وفي موضوع الحكم بالطهارة إذا كانت عن حلال أو أُخذت كذلك في موضوع الحكم بالمانعية عن الصلاة ، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في أنّ العبرة بالوجود الأوّل ، فإن كان من حرام حكم بنجاسة عرقه وإلاّ حكم بطهارته وذلك لأجل أنه لا معنى للجنابة بعد الجنابة ، وأنّ الجنب لا يجنب ثانياً ، والمعلول يستند إلى أسبق علله ، فالجنابة تستند إلى العمل الحرام السابق وأما العمل الثاني فهو غير مسبب للجنابة بوجه. وأما إذا قلنا إن الجنابة في الروايتين إنما أُخذت في موضوع الحكمين المتقدمين بما هي عنوان مشير إلى سببها وموجبها لا بما هي جنابة فكأنهما دلّتا على أن سبب الجنابة إذا كان محرّماً يحكم بنجاسة عرق الجنب وبمانعيته في الصلاة وإن كان سببها محلّلاً فلا يحكم بشي‌ء منهما فلا كلام حينئذ في أنه صدر منه سببان وفعلان أحدهما محرم والآخر حلال ، فيحكم بنجاسة عرقه ومانعيته من الصلاة سواء في ذلك تقدّم الحرام وتأخّره.

وقد يتوهّم حينئذ أنّ جملتي الرواية متعارضتان ، لأن مقتضى إحدى الجملتين‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٣٠ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥.

١٣٧

[٢٠٨] مسألة ٣ : المجنب من حرام إذا تيمّم لعدم التمكّن من الغسل فالظاهر عدم نجاسة عرقه (١) وإن كان الأحوط الاجتناب عنه ما لم يغتسل ، وإذا وجد الماء ولم يغتسل بعد فعرقه نجس لبطلان تيمّمه بالوجدان (١).

______________________________________________________

طهارة عرقه في مفروض المسألة ، لأنه أتى بسبب جنابة وهو حلال ومقتضاه طهارة عرق الجنب وعدم مانعيته عن الصلاة ، كما أن مقتضى الجملة الثانية نجاسته ومانعيته لأنه أتى بسبب جنابة وهو حرام وهو يقتضي نجاسة العرق ومانعيته ، ولأجل ذلك تتعارضان فتسقطان فلا يبقى دليل على نجاسة عرق الجنب ولا على مانعيته عن الصلاة في مفروض الكلام ، فان مقتضى قاعدة الطهارة طهارة عرقه كما أن الأصل عدم مانعيته عن الصلاة ، إلاّ أنّ هذه الدعوى بمكان من الفساد ، وذلك لأنّ الجنابة من الحرام أعني السبب المحرم وإن كانت مقتضية للنجاسة والمانعية عن الصلاة إلاّ أنّ الجنابة من الحلال أعني السبب الحلال ليست مقتضية للطهارة ولا لصحّة الصلاة وإنما يحكم بالطهارة وعدم المانعية لعدم المقتضي للحكم بالنجاسة أو المانعية ، ومن الظاهر أنه لا تصادم بين المقتضي للنجاسة والمانعية وهو السبب الحرام وبين اللاّبدية مقتضي وهو السبب الحلال وبما أنه أوجد السبب المحرم فهو يقتضي نجاسة العرق ومانعيّته من غير معارضة شي‌ء ، وهو نظير قولنا إنّ بول ما لا يؤكل لحمه يوجب النجاسة ويمنع عن الصلاة وبول ما يؤكل لحمه لا يوجبهما ، فإذا أصاب الثوب كلاهما فهل يتوهم أحد أن فيه سببين أحدهما يقتضي النجاسة والمانعية والآخر يقتضي الطهارة وعدم المانعية فيتعارضان ويرجع إلى قاعدة الطهارة وأصالة عدم مانعية البول حينئذ؟ وذلك لوضوح أن بول ما يؤكل لحمه إنما يحكم بطهارته وعدم مانعيته لعدم المقتضي لا من جهة مقتض للطهارة أو جواز الصلاة معه ، ومن الظاهر أنه لا تنافي بين المقتضي واللاّمقتضي وبين ما يضر وما لا يضر.

(١) لا إشكال ولا كلام في أن المتيمم متطهر ، لقوله عزّ من قائل في آية التيمم‌

__________________

(*) الظاهر أنّ حكمه حكم العرق قبل التيمّم.

١٣٨

( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) (١) فإنّ مسح الوجه أو الرأس بالأرض والتراب كان من الأُمور المستصعبة في تلك الأزمنة لأنه نهاية الذل وغاية الخضوع ، فبيّن سبحانه أنه لا يريد بأمره هذا أن يجعلهم في مشقة وحرج وإنما أراد أن يطهِّرهم ، فقد أُطلقت الطهارة على التيمم كما ترى ، وفي الرواية « إنّ التيمّم أحد الطّهورين » (٢) ولو لا كونه طهارة لزم التخصيص فيما دلّ على اشتراط الطهارة في الصلاة لصحة صلاة المتيمم وهو غير متطهر وهو آب عن التخصيص ، فكون التيمم طهوراً مما لا إشكال فيه.

وإنما الكلام في أن الطهارة الحاصلة بالتيمم رافعة للجنابة حقيقة إلى زمان التمكن من الماء وتعود الجنابة بعده ، وهذا لا بمعنى أن التمكن من أسباب الجنابة لانحصار سببها بالوطء والإنزال ، بل بمعنى أن رافعية التيمم للجنابة موقتة بوقت ومحدودة من الابتداء بحد وهو زمان عدم التمكن من الماء واستعماله ، وعليه فيترتب على التيمم كل ما كان يترتب على الطهارة المائية من جواز الدخول معها في الصلاة ومس كتابة القرآن وغيرهما من الآثار ، أو أن الطهارة الحاصلة بالتيمم مبيحة للدخول في الصلاة فحسب لا بمعنى أن التيمم ليس بطهور بل بمعنى أنه طهور غير الطهارة المائية ، فلنا طهارتان : المائية والترابية وهما طهارة واجد الماء وطهارة الفاقد له ، والطهارة الثانية إنما يترتب عليها إباحة الدخول في الصلاة معها وإباحة كل ما هو مشروط بالطهارة فهو مع جنابته شرعاً وواقعاً حكم عليه بجواز الدخول في الصلاة مثلاً لا أنه خرج من الجنابة كما إذا اغتسل.

والثاني هو المتعيِّن ، وذلك لأنه لا يكاد يستفاد من أدلّة كفاية التيمم بدلاً من الغسل أن التيمم رافع للجنابة حقيقة ، لأن أدلة التيمم إنما دلت على كفايته وبدليته في المطهرية فلا يمكننا الحكم بأنه كالطهارة المائية يرفع الجنابة حقيقة ، فيتعين أن يكون التيمم مبيحاً. وتبتني عليهما فروع : منها : ما إذا تيمم بدلاً عن الغسل ثم أحدث‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨١ / أبواب التيمم ب ٢١ ح ١ ، ب ٢٣ ح ٥.

١٣٩

[٢٠٩] مسألة ٤ : الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام ففي نجاسة عرقه إشكال ، والأحوط أمره بالغسل إذ يصح منه قبل البلوغ على الأقوى (١).

______________________________________________________

بالأصغر بأن نام أو بال فهل يجب أن يتوضأ حينئذ لصلواته أو لا بدّ من التيمم؟ فعلى القول بأن التيمم رافع يجب عليه الوضوء لأنه كمن اغتسل ونام ، وعلى القول بأنه مبيح يجب التيمم عليه لأنه جنب ، وإنما حكم الشارع بإباحة دخوله في الصلاة لتيممه وهو قد انتقض بنومه ، فهو بالفعل جنب غير واجد للماء فيجب أن يتيمم لصلاته.

ومنها : ما إذا لم نتمكّن من تغسيل الميت لمانع فيه فيمّمناه ، فلو مسّه أحد بعد ذلك لا يجب عليه الغسل بمسه بناء على أن التيمم رافع للحدث حقيقة ويجب عليه ذلك بناء على أنه مبيح ، لأن الميت محدث بحدث الموت وإنما أُبيح دفنه بتيممه فحسب.

ومنها : ما نحن فيه ، لأنّ التيمم إذا كان رافعاً للجنابة حقيقة فنحكم بطهارة عرقه لأنه ليس جنباً من الحرام ، وأما بناء على أنه مبيح كما هو المختار فعرقه محكوم بالنجاسة لأنه جنب من الحرام وإنما التيمم أوجب إباحة دخوله في الصلاة.

ومنها : غير ذلك من الفروع التي يأتي تفصيلها كتفصيل الكلام في أن التيمم رافع أو مبيح في مبحث التيمم إن شاء الله فانتظره.

(١) يقع الكلام في هذه المسألة من جهتين : إحداهما في أن عرق الصبي المجنب من الحرام هل هو كعرق البالغ المجنب محكوم بنجاسته أو أنه محكوم بالطهارة على خلاف المجنب من الحرام من البالغين؟ وثانيتهما : أنه إذا قلنا بنجاسة عرقه فهل يصح منه غسل الجنابة حتى يرتفع به نجاسة عرقه ومانعيته من الصلاة أو أن الغسل منه لا يقع صحيحاً ، فلا رافع لنجاسة عرقه ولا لمانعيته عن الصلاة. ولنسمّ الجهة الأُولى بالبحث عن المقتضي والجهة الثانية بالبحث عن الرافع.

أمّا الجهة الأُولى : فالحكم بنجاسة عرق الصبي إذا أجنب من الحرام والحكم بطهارته يبتنيان على أن المراد من لفظة الحرام الواردة في الروايتين المتقدمتين هل هو الحرام الفعلي الذي يستحق فاعله العقاب بفعله ، بمعنى أن ما أُخذ في موضوع الحكم بنجاسة العرق ومانعيّته هو الحرام بما أنه حرام فلعنوان الحرام دخالة في ترتّب حكمه ،

١٤٠