موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وثانياً : أن نجاسة البول مما لا مناقشة فيه عنده قدس‌سره وهي إنما استفيدت من الأمر بغسل ما أصابه ، ومعه فلما ذا لا يلتزم بنجاسة الميتة في المقام؟ وقد ورد في غير واحد من الأخبار الأمر بغسل ما أصابته الميتة برطوبة.

وأمّا ما نسبه إلى الصدوق قدس‌سره فالكلام فيه يقع في مقامين :

أحدهما : في صحة إسناد القول بالطهارة إلى الصدوق بمجرد نقله ما يقتضي بظاهره طهارة الميتة.

وثانيهما : في حجية تلك الرواية في حقنا ولو على تقدير عمله قدس‌سره بطبقها.

أمّا المقام الأوّل : فالصحيح عدم تمامية الإسناد ، لأن الصدوق وإن التزم بما نقلناه عنه في أوائل كتابه ، ويبعد عدوله عما بنى عليه إلاّ أن مقتضى ذلك أن تكون الرواية وغيرها مما نقله في كتابه رواية عدل معتبر عنده ، وأمّا الإفتاء على طبقها فلا ، لأنه يعتبر في الإفتاء ملاحظة معارضات الرواية ودفع المناقشات الواردة عليها ، وما رواه قدس‌سره معارض بغير واحد من الأخبار وكيف يفتي بكل ما رواه من الأخبار المتعارضة فهل يفتي بالمتناقضين. ولعلّه يرى طهارة الجلود بالدباغة كما هو أحد الأقوال فيها ، كما يحتمل أن تكون الجلود المسئول عنها في الرواية جلود ما لا نفس له وقد نقل أنها تستعمل في صنع ظروف السمن والماء ونحوهما ، ومع هذه الاحتمالات لا يمكن استكشاف عمله بالرواية وحكمه بطهارة الميتة.

وأمّا المقام الثاني : فحاصل الكلام فيه أن الرواية ضعيفة لإرسالها فلا يمكن أن يعتمد عليها بوجه وإن كانت معتبرة عند الصدوق قدس‌سره ولعلّ وجهه أن العدالة عنده قدس‌سره عبارة عن عدم ظهور الفسق ونحن لا نكتفي بذلك في حجية الأخبار ، بل نرى اعتبار توثيق الرواة. هذا مضافاً إلى أن الرواية شاذة في نفسها فلا يمكن العمل بها في مقابل الروايات المشهورة ، وعلى الجملة أن نجاسة الميتة مما لا يعتريه شك.

٤٢١

وكذا أجزاؤها المبانة منها وإن كانت صغاراً (١) ،

______________________________________________________

أجزاء الميتة المبانة :

(١) إن الميتة بعد ما أثبتنا نجاستها فتثبت النجاسة بالفهم العرفي على كل واحد من أجزائها وإن لم تصدق عليها عنوان الميتة عرفاً ، فيد الغنم وإن لم تكن غنماً وكذا غيرها من أجزائها إلاّ أن الدليل بعد ما دلّ على نجاسة الميتة فمعناه بحسب الفهم العرفي أن ما في ذلك الجسم محكوم بالنجاسة ، ولا دخالة للهيئة التركيبية في نجاستها. كما أن الأمر كذلك في غير الميتة أيضاً فإذا حكم الشارع بنجاسة الكلب وهو حي فلا يشك العرف في نجاسة كل ما له من الأجزاء ، فبنفس ذلك الدليل الذي دلّ على نجاسة الكلب تثبت نجاسة أجزائه أيضاً ، ولذا لا مناص من الحكم بنجاسة أجزاء الميتة كنفسها فاذا قطعنا حيواناً نصفين أو أربعة أجزاء مثلاً دفعة واحدة يحكم بنجاسة كلا النصفين أو الأجزاء لأنها ميتة.

ومن هنا يظهر أنه لا وجه لاستصحاب النجاسة في أجزاء الميتة.

أمّا أوّلاً : فلمكان الدليل الاجتهادي ، فإن نفس ذلك الدليل الذي دلّ على نجاسة الميتة يقتضي نجاسة أجزائها أيضاً من غير حاجة إلى استصحابها.

وأمّا ثانياً : فلأنه أخص من المدعى ، لاختصاصه بما إذا حصل الانفصال بعد الموت ، وأمّا إذا طرأ كل من الموت والانفصال دفعة واحدة كما إذا قطعنا الحيوان نصفين فأين هناك نجاسة سابقة ليمكن استصحابها. هذا على أن الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية غير جار لمعارضته باستصحاب عدم الجعل كما حققناه في محله.

وكيف كان فما حكي عن صاحب المدارك قدس‌سره من المناقشة في نجاسة أجزاء الميتة (١) مما لا وجه له.

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٧٢.

٤٢٢

عدا ما لا تحلّه الحياة منها كالصوف والشعر والوبر والعظم والقرن والمنقار والظفر والمخلب والريش والظلف والسن (١) والبيضة إذا اكتست القشر الأعلى (٢).

______________________________________________________

ما لا تحلّه الحياة من الميتة :

(١) ما قدّمناه آنفاً من الوجه في نجاسة أجزاء الميتة وإن كان يقتضي نجاسة جميع أجزائها إلاّ أن النصوص الواردة في المقام قد دلت على استثناء ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة فلا يحكم عليها بالنجاسة ولا بغيرها من أحكام الميتة ، فيجوز الانتفاع بها على تقدير حرمة الانتفاع بالميتة.

ففي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ، إن الصوف ليس فيه روح » (١).

وفي رواية حسين بن زرارة قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي يسأله عن اللبن من الميتة ، والبيضة من الميتة ، وإنفحة الميتة؟ فقال : كل هذا ذكي » ، قال : يعني الكليني وزاد فيه علي بن عقبة وعلي بن الحسن بن رباط قال : « والشعر والصوف كلّه ذكي » (٢) وفي رواية صفوان عن الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الشعر والصوف والريش وكل نابت لا يكون ميتاً ، قال : وسألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة ، فقال : يأكلها » (٣).

وفي صحيحة حريز قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام لزرارة ومحمد بن مسلم : « اللّبن واللّبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شي‌ء يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه » (٤) إلى غير ذلك من الأخبار.

ما يعتبر في طهارة البيضة :

(٢) اشترط الأصحاب ( قدس الله أسرارهم ) في الحكم بطهارة البيضة الخارجة‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) المرويات في الوسائل ٣ : ٥١٣ / أبواب النجاسات ب ٦٨ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤.

(٤) الوسائل ٢٤ : ١٨٠ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٣.

٤٢٣

عن الميتة أن تكون مكتسية بالقشر الغليظ والكلام في ذلك يقع في مقامين :

أحدهما : فيما تقتضيه القاعدة.

وثانيهما : فيما تقتضيه الرواية الواردة في المقام.

أمّا المقام الأوّل : فالصحيح أنه لا فرق في طهارة البيضة بين صورتي اكتسائها القشر الأعلى وعدمه ، وذلك لقصور ما دلّ على نجاسة الميتة عن شمول بيضتها ، لأن أجزاء الميتة وإن كانت نجسة كنفسها إلاّ أن أدلة نجاستها غير شاملة لما هو خارج عن الميتة وإن كانت ظرفاً لوجوده من غير أن تتصل بشي‌ء من أجزاء الميتة ، فالحكم بطهارة البيضة على وفق القاعدة في كلتا الصورتين.

هذا مضافاً إلى إطلاق نصوص الاستثناء لأنها دلت على استثناء البيضة من غير تقييدها بما إذا كانت مكتسية للقشر الغليظ.

وأمّا المقام الثاني : ففي موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة قال عليه‌السلام إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها » (١) وقد ضعفها صاحبا المدارك (٢) والمعالم (٣) وتبعهما غيرهما نظراً إلى أن غياث بن إبراهيم بتري ولم يزكّ بعدلين ، وهذه المناقشة إنما تتم على مسلكهما من عدم حجية غير الصحاح واعتبار تزكية الرواة بعدلين. وأمّا بناء على اعتبار خبر الثقة كما هو الصحيح فلا مجال للمناقشة في سندها لأنها موثقة وغياث بن إبراهيم وإن كان بترياً وهم طائفة من الزيدية إلاّ أن من المحتمل قوياً أن يكون ذلك غير غياث بن إبراهيم التميمي الواقع في سلسلة السند في المقام ، بل لو كان هو هذا بعينه أيضاً لم يكن يقدح في وثاقته. وأمّا محمد بن يحيى وهو الراوي عن غياث فهو أيضاً موثق وإن كان مردداً بين محمد بن يحيى الخزاز ومحمد بن يحيى الخثعمي إلاّ أنهما موثقان وأحمد بن محمد يروي عن كليهما.

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ١٨١ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٦.

(٢) المدارك ٢ : ٢٧٣.

(٣) نقل عنه في الحدائق ٥ : ٩١.

٤٢٤

سواء كانت من الحيوان الحلال أو الحرام (١)

______________________________________________________

وكيف كان فلا إشكال في سند الرواية ، وعلى هذا لا مناص من الالتزام بتقييد البيضة بما إذا اكتست القشر الأعلى ، إلاّ أن هذا بالإضافة إلى جواز أكلها لأن الرواية ناظرة إليه ومن هنا ذكروها في كتاب الأطعمة والأشربة ، وغير ناظرة إلى طهارتها فقد عرفت أن مقتضى القاعدة الأولية وإطلاقات الأخبار المتقدمة طهارة البيضة مطلقاً من غير تقييدها بشي‌ء ، وحيث لا دليل على خلافها فلا يمكن تقييد البيضة باكتساء القشر الغليظ في الحكم بطهارتها.

نعم ، لا بدّ من تقييدها بذلك في الحكم بجواز أكلها ، وقد مرّ أن البيضة خارجة عن الميتة وأجزائها تخصصاً فهي محكومة بالطهارة بالذات ، ولا ينافي ذلك وجوب غسل ظاهرها لنجاستها العارضة بملاقاة الميتة مع الرطوبة.

(١) ذهب العلاّمة قدس‌سره إلى اشتراط حلية الحيوان في الحكم بطهارة بيضته مستنداً في ذلك إلى ورود جملة من الروايات في الدجاجة وهي مما يؤكل لحمه ، وإلى أن غيرها من المطلقات منصرفة إلى الحيوانات المحللة ، فإن ظاهرها هو السؤال عن جواز أكل البيضة ، ولا يجوز أكل شي‌ء من أجزاء ما لا يؤكل لحمه (١).

هذا ولكن الصحيح أنه لا فرق في ذلك بين الحيوانات المحللة وغيرها لأن الأخبار المدعى انصرافها إلى الحيوانات المحلّلة أو التي وردت في مثل الدجاجة إنما وردت في جواز أكل البيضة ، ونحن لا نضايق القول باشتراط حلية الأكل في الحكم بجواز أكلها إلاّ أن هذا أجنبي عما نحن بصدده ، إذ الكلام في طهارة البيضة ، وقد عرفت أن الحكم بطهارتها لا يتوقّف على ورود رواية أصلاً لأنه على طبق القاعدة ، وليس مدركه هو الأخبار حتى يدعي أن ورودها في محلل الأكل يوجب تقييد الحكم بطهارة البيضة بما إذا كانت من الحيوان الحلال.

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٢٧٠ ، المنتهي ١ : ١٦٦.

٤٢٥

وسواء أخذ ذلك بجز أو نتف أو غيرهما (١) نعم ، يجب غسل المنتوف من رطوبات

______________________________________________________

عدم اعتبار الجز‌

(١) نسب إلى الشيخ الطوسي قدس‌سره اعتبار الانفصال بالجز في الصوف والشعر والوبر والريش ونحوها ، وأنها إذا انفصلت بالنتف يحكم بنجاستها (١) والوجه في ذلك أحد أمرين :

أحدهما : أن الشعر والصوف وأمثالهما يستصحب عند انفصاله بالنتف جزءاً من أجزاء الميتة مما تحله الحياة ، وهو غير مستثنى عن نجاسة الميتة.

وثانيهما : رواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيا؟ فكتب عليه‌السلام لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ، وكلما كان من السخال الصوف إن جز والشعر والوبر والإنفحة والقرن ولا يتعدى إلى غيرها إن شاء الله » (٢) فإنّها قيدت الحكم في الصوف بما إذا انفصل بالجز. وفي كلا الوجهين ما لا يخفى.

أمّا الوجه الأول : فلأن استثناء الشعر والصوف ونحوهما يقتضي استثناء أصولهما المتصلة بهما أيضاً عند نتفهما ، إما لأنها كفروعها مما لا تحله الحياة ، وقد دلّت صحيحة الحلبي المتقدمة على استثناء ما لا روح فيه ، وأُصول الشعر والصوف وأخواتهما كذلك ، والتأذي بنتفها من جهة اتصالها بما له الحياة لا من جهة أنها مما تحلّه الحياة وإما لأجل الشك في حلول الحياة لها والشكّ في ذلك يكفي في الحكم بطهارتها.

وأمّا الوجه الثاني : فلأن غاية ما تقتضيه الرواية المذكورة إنما هو اشتراط الجز في خصوص الصوف في السخال ولا يمكن التعدي عنهما بوجه ، فالحكم بالاشتراط على وجه الإطلاق لا شاهد له ، هذا على أنها غير خالية عن القلق والاضطراب ، ومع ذلك كله اشترطت الجز في صوف السخال وهو بحيث إذا نتف ينفصل عما فوق الجلد‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٧.

(٢) الوسائل ٢٤ : ١٨١ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٧.

٤٢٦

الميتة ويلحق بالمذكورات الإنفحة (١).

______________________________________________________

لدقته ولطافته ، ولم تشترط ذلك في الشعر الذي يستصحب شيئاً من أجزاء الحيوان عند انفصاله بالنتف.

مضافاً إلى ضعف سندها فهي غير قابلة للاعتماد. نعم ، يجب غسل ما ينفصل عن الميتة بالنتف ، لنجاسته العارضة باتصالها إلاّ أن النجاسة العرضية غير منافية لطهارته بالذات ، وإلى هذا أُشير في صحيحة حريز المتقدِّمة (١) في قوله عليه‌السلام « وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه ».

الإنفحة وحكمها :

(١) بكسر الهمزة وفتح الفاء وقد تكسر وتشديد الحاء وتخفيفها وهي المعروف عند العامة بالمجبنة ويقال لها في الفارسية ( پنيرمايه ) ولا إشكال في طهارتها على ما دلّ عليه غير واحد من الأخبار. وإنما الكلام في موضوعها ومعناها فهل هي عبارة عن المظروف فحسب وهو المائع المتمايل إلى الصفرة يخرج من بطن الجدي حال ارتضاعه كما هو ظاهر جماعة ، أو أنها اسم لخصوص الظرف وهو الذي يتكوّن في الجدي حال ارتضاعه ويصير كرشاً بعد أكله العلف ، أو أنها اسم لمجموع الظرف والمظروف؟

تظهر ثمرة الخلاف في الحكم بطهارة كل من الظرف والمظروف على الاحتمالين الأخيرين. أمّا إذا كانت عبارة عن المجموع فلدلالة الأخبار الواردة في طهارة الإنفحة. وأمّا إذا كانت عبارة عن الظرف فقط فلأن المتكوّن في جوفها ليس من أجزاء الميتة ولا هو لاقى شيئاً نجساً فلما ذا يحكم بنجاسته. وهذا بخلاف ما إذا كانت عبارة عن المظروف فقط فإنّه لا يحكم حينئذٍ بطهارة ظرفها وجلدها. نعم ، الأخبار الواردة في طهارة الإنفحة تدل بالدلالة الالتزامية على طهارة السطح الداخل من الجلد أيضاً لاتصاله بالإنفحة ، كما يمكن أن نلتزم بنجاسة داخل الجلد أيضاً ولا نقول‌

__________________

(١) في ص ٤٢٣.

٤٢٧

بنجاسة ملاقيه بمقتضى ما دلّ على طهارة المظروف.

ودعوى : أنّا لا نحتاج في إثبات طهارة المائع المظروف إلى التشبث بالأخبار ، لأنه أمر خارج عن الميتة وحاله حال البيضة فيحكم بطهارته حيث لا موجب لنجاسته.

مدفوعة : بأن الأمر وإن كان كما ذكر إلاّ أن قياس المقام بالبيضة قياس مع الفارق فان المظروف من قبيل المائعات ولو لا دلالة الروايات على طهارة ما يلاصقه من الجلد بالالتزام لتنجس بملاقاة الظرف لا محالة ، لأنه من أجزاء الميتة وهي نجسة بالذات ومع نجاسة المظروف لا يمكن الانتفاع به في شي‌ء ، مع أن الروايات الواردة في المقام بظاهرها بل بصراحة بعضها (١) دلّت على أن الحكم بطهارة الإنفحة إنما هو لأجل أن ينتفع بها في الجبن.

هذا والصحيح في المقام أن يقال : إنه لا يسعنا تحقيق مفهوم اللفظة المذكورة إلاّ على سبيل الظن والتخمين ، ونظن أنها اسم لمجموع الظرف والمظروف ، لأنها لو لم تكن موضوعة بإزائهما وقلنا باختصاصها للمظروف فحسب ، فما هو اللفظ الذي وضع في لغة العرب بإزاء ظرفه؟ ومن البعيد جدّاً أن لا يكون للظرف في لغة العرب اسم موضوع عليه.

وكيف كان إذا لم ندر بما وضعت عليه لفظة الإنفحة وشككنا في حكمها ، فلا مناص من الأخذ بالمقدار المتيقن منها وهو المظروف وما يلاصقه من داخل الجلدة فحسب دون خارجها وهو مشمول لأدلة نجاسة الميتة وأجزائها. والاستدلال على طهارة الجلد بقاعدة الطهارة من غرائب الكلام لأنه مع دلالة الدليل الاجتهادي على نجاسة الجلد لا يبقى مجال للتشبث بالأصل العملي.

ومما ذكرناه في المقام يظهر اختصاص هذا الحكم بانفحة الحيوانات المحلّلة الأكل ، لأن الروايات بين ما ورد في خصوص ذلك وبين ما هو منصرف إليه ، وأمّا ما لا يؤكل لحمه كانفحة الذئب ونحوه فلا دليل على طهارتها فلا محالة تبقى تحت عمومات نجاسة الميتة ، وبذلك يحكم بنجاسة مظروفها لأنه وإن كان خارجاً عن الميتة وأجزائها إلاّ أنه مائع قد لاقى الميتة فلا محالة يتنجس بها.

__________________

(١) وهي رواية أبي حمزة الثمالي المرويّة في الوسائل ٢٤ : ١٧٩ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١.

٤٢٨

وكذا اللّبن في الضرع (١) ولا ينجس بملاقاة الضرع النجس ، لكن الأحوط في اللّبن الاجتناب ، اللّبن في الضرع :

______________________________________________________

اللّبن في الضرع :

(١) لدلالة جملة من الأخبار المعتبرة على ذلك ، كما دلت بدلالتها الالتزامية على طهارة داخل الضرع أيضاً لملاصقته اللبن أو أنه نجس ولكنه غير منجس لملاقيه ، وقد ذهب إلى طهارة اللبن الشيخ (١) والشهيد (٢) وصاحب الغنية (٣) والصدوق (٤) وغيرهم من الأعلام ( قدس الله أسرارهم ) بل ادعى الشهيد قدس‌سره ندرة القول بالنجاسة. وعن الخلاف الإجماع على طهارته (٥) وذهب جماعة آخرون ومنهم العلاّمة (٦) والمحقق (٧) وابن إدريس (٨) قدس‌سرهم إلى نجاسته.

والذي يمكن أن يستدل لهم به وجوه ثلاثة :

أحدها : أن نجاسة اللبن هي التي تقتضيه القاعدة أعني منجسية النجس لملاقيه وحيث إن اللبن لاقى الضرع وهو من أجزاء الميتة فيتنجس لا محالة.

وثانيها : رواية وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام « إن علياً سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن؟ فقال علي عليه‌السلام : ذلك الحرام محضاً » (٩).

وثالثها : رواية الجرجاني المتقدمة التي دلت على حصر المستثنيات في خمسة وهي‌

__________________

(١) النهاية : ٥٨٥.

(٢) الذكرى : ١٤ السطر ٤.

(٣) الغنية : ٤٠١.

(٤) الفقيه ٣ : ٢١٩ / ١٠١١.

(٥) الخلاف ١ : ٥١٩ م / ٢٦٢.

(٦) التذكرة ١ : ٦٤.

(٧) جامع المقاصد ١ : ١٦٧.

(٨) السرائر ٣ : ١١٢.

(٩) الوسائل ٢٤ : ١٨٣ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١١.

٤٢٩

الصوف من السخال إن جز والشعر والوبر والإنفحة والقرن وقال في ذيلها ولا يتعدّى إلى غيرها إن شاء الله. ومن الظاهر أن اللبن غير الخمسة المذكورة في الرواية. وهذه الوجوه بأجمعها ضعيفة.

أمّا الوجه الأول : فلأن قاعدة منجسية النجس ليست من القواعد العقلية غير القابلة للتخصيص ، وإنما هي من القواعد التعبدية وهي غير آبية عن التخصيص كما خصصناها في غير اللبن ، فاذا وردت رواية صحيحة على طهارة اللبن فلا محالة تكون موجبة لتخصيصها وليس في ذلك أي محذور.

وأمّا الوجه الثاني : فلأن الرواية ضعيفة جدّاً فان وهب بن وهب عامي وآية في الكذب بل قيل إنه أكذب البرية فلا يعتمد على روايته أو تحمل على التقية على تقدير صدورها لذهاب أكثر العامة إلى نجاسة اللبن والإنفحة وغيرهما مما يخرج من الميتة (١).

وأمّا الوجه الثالث : فلأنها ليست إلاّ رواية مطلقة فنقيدها بغير اللبن كما قيدناها بما دلّ على طهارة بقية المستثنيات. هذا على أنها أيضاً غير منقحة سنداً بل ومضطربة متناً ، وعليه فالقول بطهارة اللبن هو الأقوى.

والعجب من شيخنا الأنصاري قدس‌سره حيث إنه بعد ما استدلّ على طهارة اللّبن بما يقرب مما قدمناه آنفاً استقرب القول بنجاسة اللبن وقواه وحاصل ما أفاده في وجهه : أن رواية وهب وإن كانت ضعيفة إلاّ أنها منجبرة بمطابقتها للقاعدة المتسالم عليها أعني منجسية النجس وموافقة القاعدة جابرة لضعفها. وأمّا الروايات الواردة في طهارة اللبن وإن كانت بين صحيحة وموثقة إلاّ أنها مخالفة للقاعدة ، وطرح الأخبار الصحيحة المخالفة لأُصول المذهب وقواعده غير عزيز ، إلاّ أن تعضد بفتوى الأصحاب كما في الإنفحة أو بشهرة عظيمة توجب شذوذ المخالف ، وليس شي‌ء من‌

__________________

(١) كالحنابلة والشافعية والمالكية حيث ذهبوا إلى نجاسة كل ما يخرج من الميتة سوى البيض فإن الأولين ذهبا إلى طهارته على تفصيل في ذلك ، وأمّا الحنفية فقد ذهبوا إلى طهارة كل ما يخرج من الميتة من لبن وانفحة وغيرهما مما كان طاهراً حال الحياة راجع ج ١ من الفقه على المذاهب الأربعة ص ١١ ١٥.

٤٣٠

خصوصاً إذا كان (*) من غير مأكول اللحم (١)

______________________________________________________

ذلك متحقِّقاً في المقام فالعمل على رواية وهب هو المتعين (١).

وهذا من غرائب ما صدر منه قدس‌سره لأن الرواية الضعيفة وإن قيل بانجبارها بعمل الأصحاب نظراً إلى أنهم أهل الخبرة والاطلاع ، فعملهم برواية يكشف عن وجود قرينة معها لم تصل إلينا وهي التي دلتهم على صحتها ، إلاّ أن انجبار ضعف الرواية بمطابقتها للقواعد التي ليست إلاّ عبارة عن العموم أو الإطلاق مما لم يقل به أحد ولم يعده هو قدس‌سره من موجبات الانجبار في محلّه. نعم ، العموم أو الإطلاق في نفسه أمر معتبر إلاّ أن الاعتبار أمر وانجبار ضعف الرواية به أمر آخر.

كما أن دعوى عدم العمل بالروايات الصحيحة المخالفة للقواعد ما لم تعتضد بعمل الأصحاب مما لا يمكن المساعدة عليه ، فان كسر الرواية الصحيحة بإعراض الأصحاب وإن كان مورد الخلاف بينهم إلاّ أن كسرها بمخالفة القاعدة مما لا نرى له وجهاً ، وليست الروايات الواردة في المقام معرضاً عنها عندهم كيف وقد اعتمد عليها جماعة من الأصحاب ، حيث ذهب أكثرهم إلى طهارة اللّبن حتى اعترض الآبي في كشف الرموز على دعوى ابن إدريس أن النجاسة مذهب المحصلين بأن الشيخين مخالفان والمرتضى واتباعه غير ناطقين فما أعرف من بقي معه من المحصلين (٢).

وعلى الجملة الرواية إذا كانت معتبرة في نفسها ولم تكن معرضاً عنها عندهم فلا يضرها مخالفتها العموم أو الإطلاق ، بل القاعدة تقتضي أن تكون الرواية مخصصة للعموم أو مقيدة للإطلاق وتخصيص العمومات بالروايات غير عزيز ، فالإنصاف أن روايات الطهارة مما لا غبار عليه ولا وجه للقول بنجاسته.

اختصاص الحكم بالحيوان المحلل :

(١) وهل تختص طهارة اللبن بما إذا كان من الحيوانات المحللة؟

__________________

(*) بل الأظهر فيه النجاسة.

(١) كتاب الطهارة : ٣٤٥ السطر ٣٢.

(٢) كشف الرموز ٢ : ٣٦٨.

٤٣١

ولا بدّ من غسل ظاهر الإنفحة الملاقي للميتة (١) هذا في ميتة غير نجس العين وأمّا فيها فلا يستثني شي‌ء (٢).

______________________________________________________

قد يقال إن اللبن كالبيضة فكما أن طهارتها غير مختصة بما إذا كانت من الحيوانات المحللة فكذلك الحال في اللبن. ولكن الظاهر أن اللبن كالإنفحة وتنحصر طهارته بما إذا كان من الحيوانات المحللة ، ولا يمكن قياسه بالبيضة لأنها كما مرّ خارجة من أجزاء الميتة وأدلة نجاستها لا تشمل البيضة من الابتداء ، وهذا بخلاف اللّبن لأنّه وإن كان أيضاً خارجاً من الميتة إلاّ أنه لا محالة يتنجس بملاقاة أجزائها لميعانه كالإنفحة إلاّ فيما دلت الرواية على طهارة اللبن ، فإنّها بالدلالة الالتزامية تدل على عدم منجسية ما يلاقيه من النجس أو على عدم نجاسته ، والرواية إنما دلت على طهارته فيما يؤكل لحمه كالشاة. وأمّا إطلاق بعض الأخبار فهو منصرف إلى الحيوانات المحللة ، لأنها ناظرة إلى الانتفاع بمثل اللبن والإنفحة مطلقاً كما هو قوله عليه‌السلام « لا بأس به » ولو من حيث أكله لأنه المنفعة الظاهرة منهما دون بقية الانتفاعات وهو إنما يسوغ في الحيوان الحلال.

(١) ظاهره أن الإنفحة عنده قدس‌سره اسم لمجموع الظرف والمظروف وقد عرفت أنه المظنون وعليه لا بدّ من غسل ظاهرها لنجاستها العرضية الحاصلة من ملاقاة الميتة.

عدم الاستثناء في ميتة نجس العين‌

(٢) وذلك لأن الأدلة الدالة على نجاسة أي حيوان كالكلب والخنزير قد دلت على نجاسة جميع أجزائه ، فإن شعر الكلب مثلاً وإن لم يصدق عليه عنوان الكلب إلاّ أن معروض النجاسة ليس هو الهيئة التركيبية وإنما معروضها كل واحد واحد من أجزائه ، ولم يدل دليل على استثناء شي‌ء من أجزاء الحيوانات النجسة.

وقد خالف في ذلك السيد المرتضى قدس‌سره وذهب إلى طهارة شعر الكلب والخنزير بل التزم بطهارة كل ما لا تحلّه الحياة كالعظم والوبر والقرن وغيرها (١).

__________________

(١) الناصريات : ١٨٢ السطر ١٦.

٤٣٢

[١٦٥] مسألة ١ : الأجزاء المبانة من الحي ممّا تحلّه الحياة كالمبانة من الميتة (١).

______________________________________________________

وفيه : أن الموت لو لم يكن موجباً للنجاسة فعلى الأقل ليس من مقتضيات الطهارة ، ونحن إنما التزمنا بطهارة ما لا تحله الحياة من أجزاء الحيوانات الطاهرة بعد موتها من جهة طهارته حال حياتها ، والموت إنما يعرض على ما له الحياة وأمّا ما لا روح فيه كالجماد فلا معنى لموته ، فما لا تحلّه الحياة من أجزاء الحيوانات الطاهرة باق على طهارته وحاله بعد طرو الموت على الحيوان كحاله قبله ، وقد ورد (١) أن النابت لا يكون ميتاً. وأمّا الحيوانات النجسة فأجزاؤها محكومة بالنجاسة من الابتداء وحالها قبل عروض الموت وبعده سيان لما عرفت من أن الموت ليس من أحد أسباب الطهارة.

وأمّا صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال لا بأس » (٢) فلا دلالة لها على عدم نجاسة شعر الخنزير بوجه ، بل ظاهرها مفروغية نجاسة الحبل عند السائل ولذا كان يسأله عليه‌السلام عن حكم التوضؤ بما يستقى به من البئر فعدم البأس إما من جهة عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس أو من جهة عدم إصابة الحبل أو الماء المتنجس به لماء الدلو ، وقد تقدم تفصيل الجواب عن هذه الرواية في بحث انفعال الماء القليل (٣).

الأجزاء المبانة من الحي‌

(١) قد عرفت أن الميتة نجسة في الشريعة المقدسة بمختلف أدلتها من غير فرق في ذلك بين اتصال أجزائها وانفصالها ، كما أنها محرمة بمقتضى الآيات والروايات ، وعلى‌

__________________

(١) روى الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال « الشعر والصوف والريش وكل نابت لا يكون ميتاً » كما تقدّم في ص ٤٢٣.

(٢) الوسائل ١ : ١٧٠ / أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.

(٣) تقدّم في ص ١٢٨.

٤٣٣

الجملة للميتة حكمان ضروريان في الفقه وعليه فاذا فرضنا أن الشارع نزّل شيئاً منزلة الميتة يترتب عليه كلا الحكمين المتقدمين ، لأنهما من الآثار الظاهرة للميتة وليسا من الآثار النادرة أو الأحكام الخفية في الشرع.

هذا وقد يقال : إن الميتة عبارة عن كل ما ذهب عنه روحه من دون فرق في ذلك بين نفس الحيوان وأجزائه ، فكما يقال : هذا حيوان ميت كذلك يصح أن يقال : هذه يد ميتة أو رجل كذلك. فلو تمت هذه الدعوى شملت أحكام الميتة للأجزاء المبانة من الحي لصدق أنها ميتة.

ولكنها بعيدة عن الأنظار العرفية وإن كانت موافقة للذوق وصحيحة بالنظر العقلي أيضاً ، إلاّ أن أجزاء الميتة ليست عند العرف كنفسها بل الميتة بنظرهم هو الحيوان الذي ذهب عنه روحه ، فشمول الميتة في مثل قوله « سألته عن البئر يقع فيها الميتة فقال ... » (١) وقوله عليه‌السلام « لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة » (٢) للأجزاء المبانة من الحي في غاية الإشكال ، فهذا الوجه غير تام.

والصحيح أن يقال : إن الأخبار الواردة في الصيد (٣) وفي قطع أليات الغنم (٤) قد دلّت على تنزيل الأجزاء المبانة من الحي منزلة الميتة ، ولا سيما بملاحظة تعليل الحكم‌

__________________

(١) كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام « عن البئر يقع فيها الميتة فقال : إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلواً وإذا دخل الجنب البئر ينزح منها سبع دلاء ». المروية في الوسائل ١ : ١٩٥ / أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٢.

(٢) صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن آنية أهل الكتاب فقال : لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة والدم ولحم الخنزير » المروية في الوسائل ٢٤ : ٢١١ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ٦.

(٣) كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميت ... » وغيرها من الأخبار المروية في الوسائل ٢٣ : ٣٧٦ / أبواب الصيد ب ٢٤ ح ٢ ، ٣.

(٤) كما رواه الصدوق بإسناده الصحيح عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن قطع أليات الغنم؟ فقال : لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ، ثم قال : إن في كتاب علي عليه‌السلام أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به » وغيرها من الأخبار المروية في الوسائل ٢٤ : ٧١ / أبواب الذبائح ب ٣٠ ح ١ ، ٢ ، ٣.

٤٣٤

إلاّ الأجزاء الصغار كالثالول والبثور ، وكالجلدة التي تنفصل من الشفة أو من بدن الأجرب عند الحك ونحو ذلك (١).

______________________________________________________

بنجاستها بأنها ميتة كما ورد في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام « ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه فإنّه ميت ... » (١) بل وفي نفس إسناد الحكم إلى علي عليه‌السلام تلويح إلى ذلك ، لأن الأجزاء المبانة لو كانت ميتة حقيقة وبالنظر العرفي كميتة الحيوان لم يكن وجه لإسناد كونها كذلك إلى علي عليه‌السلام إذا الميتة ميتة عند الجميع ، فمن ذلك يظهر أنها ليست ميتة بنظر العرف وإنما نزّلها علي عليه‌السلام منزلتها ، وبهذا يحكم بنجاستها وحرمتها لأنهما من الآثار الظاهرة للمنزّل عليه.

بل الأخبار الواردة في قطع أليات الغنم كالصريحة في نجاستها كقوله عليه‌السلام « أمّا تعلم أنها تصيب اليد والثوب وهو حرام » (٢) لوضوح أن المراد بالحرمة فيها هي النجاسة للقطع بعدم حرمة إصابة النجس للثوب واليد.

بقي الكلام في شي‌ء وهو أن الجزء إذا انقطع عنه روحه وأنتن إلاّ أنه لم ينفصل عن البدن فهل يحكم بنجاسته؟

الصحيح عدم نجاسته ، لعدم الدليل على ذلك ما لم ينفصل من البدن. أمّا الأدلة الواردة في نجاسة الميتة فقد عرفت عدم شمولها للأجزاء المبانة فضلاً عن الأجزاء المتصلة ، وأمّا روايات الصيد وقطع أليات الغنم فعدم شمولها للأجزاء المتصلة أوضح لاختصاصها بالأجزاء المنفصلة من الحيوان بآلة الصيد أو بالقطع.

استثناء الأجزاء الصغار :

(١) لعدم صدق الميتة على الأجزاء الكبيرة فضلاً عن الأجزاء الصغار كما لا‌

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٣٧٦ / أبواب الصيد ب ٢٤ ح ١.

(٢) المروية عن حسن بن علي الوشاء في الوسائل ٢٤ : ٧١ / أبواب الذبائح ب ٣٠ ح ٢. وكذا في الوسائل ٢٤ : ١٧٨ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٢ ح ١.

٤٣٥

تشملها روايات الصيد وقطع أليات الغنم لاختصاصها بالجزء الكبير فلا دليل على نجاستها.

وقد يستدل على ذلك بصحيحة علي بن جعفر « عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال عليه‌السلام : إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله » (١) بتقريب أنه عليه‌السلام بصدد بيان عدم مانعية الفعل المذكور في الصلاة من جميع الجهات ، لأنه عليه‌السلام لو كان بصدد بيان عدم قادحية الفعل المذكور بما هو فعل يسير في الصلاة لم يكن وجه لاشتراطه بعدم سيلان الدم حينئذٍ ، لأن الفعل اليسير في الصلاة غير قادح لها سواء أسال منه الدم أم لم يسل وهذه قرينة على أنه عليه‌السلام كان بصدد نفي مانعية الفعل المذكور من جميع الجهات ، وعليه فالرواية تدل على طهارة الثالول ، لأنه قد يقطعه بيده وهو في الصلاة ثم يطرحه ، فلو كان الثالول ميتة كان حمله في الصلاة بأخذه بيده ولو آناً قليلاً مبطلاً للصلاة ، كما أن يده قد تلاقي الثالول وهي رطبة فلو كان ميتة لأوجب نجاسة يده ونجاسة البدن تبطل الصلاة ، مع أنه عليه‌السلام نفى البأس عنه مطلقاً من غير استفصال.

هذا ولا يخفى أن الرواية وإن لم تكن خالية عن الإشعار بالمدعى إلاّ أنها عرية عن الدلالة عليه وإن أصرّ شيخنا الأنصاري قدس‌سره على دلالتها (٢) والوجه فيما ذكرناه أن الرواية ناظرة إلى عدم قادحية الفعل المذكور في الصلاة لأنه فعل يسير وليست ناظرة إلى عدم قادحيته من جميع الجهات. واشتراط عدم سيلان الدم مستند إلى أن نتف الثالول يستلزم سيلانه غالباً ، وكأنها دلت على أن الفعل المذكور غير مانع عن الصلاة في نفسه إلاّ أن له لازماً تبطل به الصلاة فلا بأس به إذا لم يكن مقارناً معه. وأمّا نتف الثالول فلا يلازم ملاقاته اليد رطبة لإمكان إزالته بخرقة أو بقرطاس أو‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥٠٤ / أبواب النجاسات ب ٦٣ ح ١ وكذا في الوسائل ٧ : ٢٤٢ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١٥.

(٢) كتاب الطهارة : ٣٤٣ السطر ١٦.

٤٣٦

[١٦٦] مسألة ٢ : فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى وإن كان الأحوط الاجتناب عنها (١).

______________________________________________________

بأخذه باليد مع يبوستها ، ولو صدق عليه حمل الميتة ولو آناً ما أمكن أن يقال بعدم قدحه في الصلاة ، لأن بطلانها بحمل الميتة ليس من المسلمات ، وإنما المتيقن منه قدح لبس الميتة ولو في شسع. وأمّا حمل الميتة بما لا يتستر به فقدحه غير متسالم عليه. فالصحيح أن يستدل على طهارة الثالول وأشباهه بما ذكرناه وتجعل الصحيحة مؤيدة للمدعى.

فأرة المسك :

(١) أعني الجلدة وهي قد تكون من المذكى وأُخرى من الميتة وثالثة من الحي.

أمّا فأرة المذكى : فلا إشكال في طهارتها لأنها كبقية أجزاء الظبي عند تذكيته.

وأمّا فأرة الحي : فقد وقع الخلاف في طهارتها بين الأصحاب ولعلّ الوجه في نجاستها أن الفأرة من الأجزاء المبانة من الحي وهي كالميتة نجسة.

ويدفعه : ان مدرك الحكم بنجاسة الجزء المبان منحصر في روايات أليات الغنم وما أخذته الحبالة من الصيد كما مرّ وهي مختصة بموردها. وشمولها لمثل الفأرة مما ينفصل عن الحي بنفسه ويعد من ثمرته كما في الأشجار بعيد غايته ، بل الظاهر أن الغالب أخذ المسك من الفأرة المنفصلة من الحي وهو الذي تلتقطه سكنة البوادي في البادية. وأمّا غيره من الأقسام كما يؤخذ من دم الظبي حين ذبحه ويختلط بروثه فهو قليل غايته. فالصحيح في هذه الصورة أيضاً طهارة الفأرة كما ذهب إليه العلاّمة (١) والشهيد (٢) قدس‌سرهما لما عرفت من أنه لا إطلاق ولا عموم في الروايات المتقدمة حتى يتمسك به في المقام.

وأمّا الفأرة المأخوذة من الميتة : فالصحيح أنها نجسة لأنها كبقية أجزاء الميتة وهي‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٨.

(٢) الذكرى : ١٤ السطر ٥.

٤٣٧

نجسة ، كما أن الدم المتكوّن فيها كذلك لأنه من أجزاء الميتة ، اللهم إلاّ أن يقال إن الدم المتكوّن فيها كان محكوماً بالطهارة حال حياة الحيوان ، وكل جزء حكم عليه بالطهارة حال حياته مما لا تحله الحياة فهو محكوم بطهارته بعد موته أيضاً ، وعليه فالدم المذكور طاهر دون جلدته.

ودعوى : أنها مما لا تحله الحياة فحالها حال الصوف وأشباهه.

ظاهرة الفساد : لأنها كبقية جلود الحيوانات مما تحله الحياة فلا وجه لطهارتها ، إلاّ أن يقال إن الفأرة بالإضافة إلى الظبي نظير البيضة بالنسبة إلى الدجاجة ، فكما أنها تتكوّن في جوف الدجاجة من دون أن تعد من أجزائها كذلك الحال في الفأرة بعينها فلا تكون من أجزاء الميتة.

ثم إنه إذا قلنا بنجاسة فأرة الميتة ولم يكن المسك المتكوّن فيها منجمداً حال حياة الظبي ، فلا محالة يتنجس مسكها إلاّ أنها نجاسة عرضية وإنما نشأت من ملاقاة الميتة وإن لم يمكن تطهيره ، وهذا بخلاف ما إذا كان مسكها منجمداً حال حياته لأنه طاهر في ذاته وتزول نجاسته العرضية الناشئة من ملاقاة الفأرة الرطبة النجسة بتطهيره ، هذا كله فيما تقتضيه القاعدة.

وأمّا بالنظر إلى النص الوارد في المقام ففي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلي وهو في جيبه أو ثيابه؟ فقال : لا بأس بذلك » (١) واستدل بها في المدارك على طهارة مطلق الفأرة سواء انفصلت من الظبي في حياته أم أُخذ من المذكى أو من الميتة ، لإطلاق قوله عليه‌السلام لا بأس به وهو ملازم لطهارة الفأرة (٢).

والاستدلال بها يتوقف على عدم جواز حمل النجس أو خصوص الميتة في الصلاة ، وهو في حيّز المنع لجواز حمل النجس بل وحمل الميتة في الصلاة كما يأتي في محله ، فعدم البأس بحمل الفأرة في الصلاة لازم أعم لطهارتها. هذا مع الإغماض عن‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٣٣ / أبواب لباس المصلِّي ب ٤١ ح ١.

(٢) المدارك ٢ : ٢٧٥.

٤٣٨

انصراف الفأرة إلى ما هو المتداول الكثير منها خارجاً وهو الفأرة التي تلقيها الظبية في حياتها كما مرّ. فاذن لا تشمل الصحيحة لما يؤخذ من الميتة.

وذهب كاشف اللثام إلى نجاسة مطلق الفأرة إلاّ الفأرة المأخوذة من المذكى فإنّها طاهرة كغيرها من أجزائه بخلاف ما أخذ من الميتة أو أسقطه الظبي حال حياته واستدل على ذلك بصحيحة عبد الله بن جعفر قال : « كتبت إليه يعني أبا محمد عليه‌السلام يجوز للرجل أن يصلي ومعه فأرة المسك؟ فكتب : لا بأس به إذا كان ذكيا » (١) حيث دلت على أنّ الظبي إذا لم يكن ذكيا سواء أكان حيّاً أم ميِّتاً ففي الصلاة في فأرة مسكه بأس ، وليس هذا إلاّ لكون الفأرة ميتة نجسة (٢).

ودعوى : أن المنع عن الصلاة في شي‌ء أعم من نجاسته وإن كانت صحيحة كما في الحرير وبعض أجزاء ما لا يؤكل لحمه من الحيوان ، إلاّ أن المنع في المقام لا يحتمل استناده إلى غير النجاسة.

والاستدلال بهذه الصحيحة على مدعى كاشف اللثام يبتني على أمرين :

أحدهما : أن يكون ضمير كان راجعاً إلى الظبي.

وثانيهما : أن يكون المذكى في قبال كل من الحي والميت لا في مقابل خصوص الميتة ، وكلاهما ممنوع.

أمّا الأوّل : فلأنه لم يسبق ذكر من الظبي في الرواية ، فيحتمل رجوع الضمير إلى الفأرة باعتبار أنها مما مع المصلي فيصح تذكير الضمير بهذا الاعتبار ، والرواية على هذا تدل على أن الفأرة قسمان : قسم طاهر بالذات وهو المذكى وقسم نجس كذلك وهو غير المذكى ، وقد عرفت نجاسة فأرة الميتة.

وأمّا الثاني : فلأن الظاهر أن الذكي في مقابل الميتة فحسب ، لأن المذكى والميتة قسمان للحيوان الذي زهق روحه وأمّا الحي فهو خارج عن المقسم لا أنه داخل في قسم غير المذكى فلا دلالة للرواية على نجاسة فأرة الحي ، وغاية ما يستفاد منها‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٣٣ / أبواب لباس المصلي ب ٤١ ح ٢.

(٢) كشف اللثام ١ : ٤٠٦.

٤٣٩

نعم لا إشكال في طهارة ما فيها من المسك (١).

______________________________________________________

نجاسة فأرة الميتة وقد بيّنا أن نجاستها على طبق القاعدة من غير حاجة في ذلك إلى النص.

أقسام المسك :

(١) نقل شيخنا الأنصاري قدس‌سره عن التحفة أن للمسك أقساماً أربعة :

أحدها : المسك التركي وهو دم يقذفه الظبي بطريق الحيض أو البواسير فينجمد على الأحجار ، ولم يتأمل قدس‌سره في الحكم بنجاسة هذا القسم لأنه دم منجمد وغاية الأمر أنه ذو ريح طيبة. ودعوى أن الدم قد استحال بالانجماد مدفوعة بأن الجمود فيه كانجماد سائر الدماء مما لا يوجب الاستحالة كما أن التعطر لا يوجبها.

وثانيها : المسك الهندي وهو دم يؤخذ بعد ذبح الظبي ويختلط مع روثه فيصير أصفر اللون أو أشقر ، وقد ألحق قدس‌سره هذا القسم بالقسم السابق وحكم بنجاسته أيضاً لأنه دم مختلط بشي‌ء آخر ، ودعوى الاستحالة في هذا القسم أضعف من سابقه لأن مجرد خلط شي‌ء بشي‌ء لا يقتضي الاستحالة بوجه.

وثالثها : دم يجتمع في سرّة الظبي بعد صيده يحصل بشق موضع الفأرة وتغميز أطراف السرة حتى يجتمع فيها الدم ويجمد وقال قدس‌سره إنه طاهر مع تذكية الظبي ونجس لا معها.

ورابعها : دم يتكوّن في فأرة الظبي بنفسه ، ثم تعرض للموضع حكّة ينفصل بسببها الدم مع جلده وقد حكم بطهارته (١). والأمر كما أفاده وذلك للإجماع والسيرة القطعية المستمرة ، ولصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة ، فكان إذا خرج عرفوا أنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برائحته » (٢).

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٣٤٣ السطر ٢٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٥٠٠ / أبواب النجاسات ب ٥٨ ح ١.

٤٤٠