موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

ثم لو شككنا في ذلك ولم ندر أن المراد بماء الورد في الرواية هل هو خصوص القسمين المطلقين ، أو الأعم منهما ومن قسم المضاف فنقول : إن مقتضى إطلاق الرواية جواز الغسل والوضوء بجميع الأقسام الثلاثة المتقدمة مطلقها ومضافها ، ومقتضى إطلاق الآية المباركة ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) وغيرها مما دلّ على انحصار الطهور بالماء والتراب وجوب الوضوء والغسل بالماء وبالتيمم على تقدير فقدانه مطلقاً ، سواء أكان متمكناً من القسم المضاف أم لم يكن ، فلا يكون وجوده مانعاً عن التيمم بحسب إطلاق الآية المباركة ، والنسبة بينهما عموم من وجه فيتعارضان في مادة اجتماعهما وهي ما إذا لم يكن هناك ماء وكان متمكناً من القسم المضاف ، فإنّها مورد للتيمّم بحسب إطلاق الآية المباركة ، ومورد للوضوء حسب ما يقتضيه إطلاق الرواية وبذلك تسقط الرواية عن الاعتبار ويحكم بوجوب التيمم مع وجود القسم المضاف وذلك لما بيناه في محله من أن الرواية إذا كانت معارضة للكتاب بالعموم من وجه فمقتضى القاعدة سقوطها عن الاعتبار لمخالفتها للكتاب في مادة الاجتماع وهذه المناقشة هي الصحيحة.

وربّما يجاب عن الاستدلال بالرواية بوجه آخر وهو : أن لفظة « ورد » يحتمل أن تكون بكسر الواو وسكون الراء ، وماء الورد بمعنى الماء الذي ترد عليه الدواب وغيرها للشراب ، ولعلّ السائل كان في ذهنه أن مثله مما تبول فيه الدواب ، ولأجله سأله عن حكم الوضوء والغسل به ، وعليه فالرواية مجملة لا يمكن الاستدلال بها على شي‌ء.

ويدفعه : ان هذا الاحتمال ساقط لا يعتنى به ، لأنّه إنّما يتجه فيما لو كانت الأخبار الواجب اتباعها مكتوبة في كتاب وواصلة إلى أرباب الحديث بالكتابة ، فبما أنّها ليست معرّبة ومشكّلة يمكن أن يتطرق عليها احتمال الكسر والفتح وغيرهما من الاحتمالات ، ولكن الأمر ليس كذلك فإنّهم أخذوا الأخبار عن رواتها الموثوق بهم بالقراءة ، ووصلت إليهم سماعاً عن سماع وقراءةً بعد قراءة على الكيفية التي وصلت إليهم ، وحيث إن راوي هذه الرواية وهو الصّدوق قدس‌سره قد نقلها بفتح الواو حيث استدلّ بها على جواز الوضوء بالجلاّب فيجب اتباعه في نقله ، ولا يصغي معه إلى‌

٢١

احتمال كسر الواو ، فإنّه يستلزم فتح باب جديد للاستنباط لتطرق هذه الاحتمالات في أكثر الأخبار ، وهو يسقطها عن الاعتبار ، هذا كلّه فيما ذهب إليه الصّدوق (طاب ثراه).

وأمّا ابن أبي عقيل ، وهو الذي ذهب إلى جواز الوضوء بالمضاف فقد يستدل عليه بما رواه عبد الله بن المغيرة عن بعض الصادقين قال : « إذا كان الرجل لا يقدر على الماء وهو يقدر على اللبن فلا يتوضأ باللبن إنّما هو الماء أو التيمم فإن لم يقدر على الماء وكان نبيذ ، فإنّي سمعت حريزاً يذكر في حديث : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد توضأ بنبيذ ولم يقدر على الماء » (١).

وأُجيب عنها بأن المراد بالنبيذ فيها ليس هو النبيذ المعروف لأنّه نجس فكيف يصح الوضوء بمثله ، حتى أن ابن أبي عقيل أيضاً لا يرضى بذلك ، بل المراد به على ما في بعض الأخبار (٢) هو الماء المطلق الذي تلقى عليه تمرة أو تمرتان أو كف من التمر حتى يكتسب بها ما يمنع عن تسرع الفساد إليه ، من دون أن يخرج بذلك عن الإطلاق ، فضلاً عن أن يتصف بالاسكار أو يحكم عليه بالنجاسة.

ولا يخفى ما في هذا التأويل والجواب من المناقشة فإنّ ما يسمّى بالنبيذ لو كان كما ذكره المجيب ماءً مطلقاً لوضوح أنّ إلقاء كف من التمر على الماء لا يخرجه عن الإطلاق لما كان معنى محصل لقوله عليه‌السلام في الرواية : « فإن لم يقدر على‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٠٢ / أبواب الماء المضاف ب ٢ ح ١.

(٢) وهو رواية الكلبي النسابة ، أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن النبيذ؟ فقال : حلال فقال : إنّا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك. فقال : شه شه تلك الخمرة المنتنة. قلت : جُعلت فداك فأي نبيذ تعني؟ فقال : إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تغير الماء وفساد طبائعهم ، فأمرهم أن ينبذوا فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له ، فيعمد إلى كف من تمر فيقذف به في الشن فمنه شربه ومنه طهوره. فقلت : وكم كان عدد التمر الذي في الكف؟ قال : ما حمل الكف فقلت : واحدة أو اثنتين؟ فقال : ربّما كانت واحدة وربّما كانت اثنتين ، فقلت : وكم كان يسع الشن ماء؟ فقال : ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك. فقلت : بأي الأرطال؟ فقال : أرطال مكيال العراق. الوسائل ١ : ٢٠٣ / أبواب الماء المضاف ب ٢ ح ٢.

٢٢

الماء وكان نبيذ ... » فإن النبيذ على هذا ماء مطلق ، فما معنى عدم القدرة على الماء كما هو واضح ، فهذا الجواب على خلاف مفروض الرواية حيث فرض فيها عدم القدرة على الماء ، ففرض النبيذ من الماء المطلق والقدرة عليه خلاف مفروضها.

فالصحيح في الجواب عن الرواية أن يقال : إنّه لم يعلم أن عبد الله بن المغيرة رواها عن أحد المعصومين عليهم‌السلام فإنّه نقلها عن بعض الصادقين والمراد به بعض العدول ، لأن صيغة الصادقين التي هي صيغة جمع في الرواية لمكان البعض لم يرَ استعمالها وإرادة الأئمة منها في شي‌ء من الموارد. نعم ، الصادقين بصيغة التثنية يطلق على الباقر والصادق عليهما‌السلام من باب التغليب كالشمسين والقمرين ، وقد عرفت أن الصادقين في المقام ليس بتثنية. وبالجملة أن تعبيره ببعض الصادقين مشعر بعدم إرادته المعصوم عليه‌السلام هذا أوّلاً.

وثانياً : لو سلمنا أنّه رواها عن الإمام عليه‌السلام فلم يظهر أن ذيلها وهو ما اشتمل على حكم الوضوء بالنبيذ منه عليه‌السلام ولعلّه مما أضافه عبد الله بن المغيرة من عنده نقلاً عن حريز. ولم يعلم أن الواسطة بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحريز من هو؟ وهذا الاحتمال يسقط الرواية عن الاعتبار ، ومعه لا يمكن إثبات حكم مخالف للقواعد بمثلها.

وثالثاً : هب أن ذيل الرواية من الإمام عليه‌السلام لكنه لم يظهر منها إمضاؤه لما نقله عن حريز ، فإنّه لو كان مورداً لامضائه لما كان وجه لاسناده إلى حريز ، بل كان يحكم بعدم البأس من قبله ، فإسناده ذلك إلى حريز مشعر بعدم رضائه وأنّه نقله تقية حيث ظهر من حكمه بعدم جواز الوضوء باللّبن أنّه لا يرضى بالوضوء بالنبيذ النجس بطريق أولى ، وكأنّه تصدى لدفع هذا الاستظهار بإظهاره الموافقة مع العامّة بنقل ما حكاه حريز عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا بناءً على صحّة ما نسبه بعض أصحابنا إلى العامّة من ذهابهم إلى جواز الوضوء بالنبيذ (١).

__________________

(١) ففي الخلاف ١ : ٥٥ بعد حكمه بعدم جواز الوضوء بشي‌ء من الأنبذة المسكرة ما هذا نصّه :

٢٣

ولكنا لم نقف عليه في الفقه على المذاهب الأربعة ولا نكتفي بذلك في الجزم بعدم صحّة النسبة ، فلا بدّ في تحقيق ذلك من مراجعة كتبهم المفصلة (١). وعلى الجملة فلا يثبت بهذه الرواية على علاتها حكم مخالف لما كاد أن يكون ضرورياً من مذهب الشيعة ، هذا كلّه في المسألة الاولى.

عدم مطهريّة المضاف من الخبث‌

المسألة الثانية : في أن المضاف يرفع الخبث أو لا يرفعه : المعروف بين الأصحاب أنّ المضاف لا يكتفى به في إزالة الأخباث والقذارات الشرعية ، ويمكن إسناد المخالفة في هذه المسألة إلى المحدِّث الكاشاني قدس‌سره حيث ذهب إلى عدم سراية‌

__________________

وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة بجواز التوضي بنبيذ التمر إذا كان مطبوخاً عند عدم الماء وهو قول أبي يوسف. وقال محمد : يتوضّأ به ويتيمّم. وقال الأوزاعي : يجوز التوضي بسائر الأنبذة.

(١) المسألة خلافية بينهم ، نصّ على ذلك الترمذي في صحيحه ج ١ ص ١٤٧ حيث قال : وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ ، منهم سفيان وغيره. وقال بعض أهل العلم : لا يتوضأ بالنبيذ ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. وفي المحلّى لابن حزم المجلد الأول ص ٢٠٢ بعد أن حكم بعدم جواز الوضوء بغير الماء كالنبيذ ما نص عبارته : وهذا قول مالك ، والشافعي وأحمد ، وداود ، وقال به الحسن ، وعطاء بن أبي رياح ، وسفيان الثوري ، وأبو يوسف ، وإسحاق وأبو ثور ، وغيرهم. وعن عكرمة أن النبيذ وضوء إذا لم يوجد الماء ، ولا يتيمّم مع وجوده. وقال الأوزاعي لا يتيمّم إذا عدم الماء ما دام يوجد نبيذ غير مسكر ، فإن كان مسكراً فلا يتوضأ به. وقال حميد صاحب الحسن بن حي : نبيذ التمر خاصة يجوز التوضؤ به والغسل المفترض في الحضر والسفر ، وجد الماء أو لم يوجد ولا يجوز ذلك بغير نبيذ التمر ، وجد الماء أو لم يوجد. وقال أبو حنيفة في أشهر قوليه : انّ نبيذ التمر خاصّة إذا لم يسكر فإنّه يتوضأ به ويغتسل فيما كان خارج الأمصار والقرى خاصّة عند عدم الماء ، فإن أسكر فإن كان مطبوخاً جاز الوضوء به والغسل كذلك ، فإن كان نيئاً لم يجز استعماله أصلاً في ذلك ولا يجوز الوضوء بشي‌ء من ذلك ، لا عند عدم الماء ولا في الأمصار ولا في القرى أصلاً وإن عدم الماء ، ولا بشي‌ء من الأنبذة غير نبيذ التمر ، لا في القرى ولا في غير القرى ، ولا عند عدم الماء. والرواية الأُخرى عنه : إن جميع الأنبذة يتوضأ بها ويغتسل ، كما قال في نبيذ التمر سواء سواء. وقال محمد بن الحسن يتوضأ بنبيذ التمر عند عدم الماء ويتيمّم معاً.

٢٤

النجاسة إلى ملاقيها ، وأن غسل ملاقي النجاسة غير واجب إلاّ في بعض الموارد كما في الثوب والبدن للدليل ، وأمّا في الأجسام الصيقلية كالزجاج ونحوه فيكفي في طهارتها مجرد إزالة عين النجاسة ولو بخرقة أو بدلك وأمثالهما ، بلا حاجة معها إلى غسلها فالأجسام نظير بواطن الإنسان وظاهر الحيوان لا يتنجس بشي‌ء (١).

وذهب السيد المرتضى (٢) والشيخ المفيد (٣) قدس‌سرهما إلى أن غسل ملاقي النجاسات وإن كان واجباً شرعاً ، إلاّ أن الغسل لا يلزم أن يكون بالماء بل الغسل بالمضاف بل بكل ما يكفي في إزالة العين ، وصدق عنوان الغسل وإن كان

خارجاً عن المضاف أيضاً كافٍ في طهارته كالغسل بالنفط أو بالاسپرتو إذا قلنا بعدم نجاسته في نفسه ، فإنّهما مائعان وليسا بماء ولا مضاف ، فهناك مقامان للكلام :

ما ذهب إليه الكاشاني ( قدس‌سره )

أحدهما : فيما سلكه الكاشاني قدس‌سره وأن ملاقاة النجاسة بشي‌ء هل توجب سراية النجاسة إليه ، بحيث يجب غسل ذلك الشي‌ء بعد إزالة العين عنه أو أنّها لا توجب السراية ولا دليل على وجوب غسله بعد إزالة العين عنه ، فاللاّزم هو الإزالة دون غسل المحل إلاّ فيما دلّ دليل على وجوب غسله كالبدن والثوب ، وينبغي أن تضاف الأواني أيضاً إلى البدن والثوب ، لقيام الدليل على لزوم غسل الآنية التي يشرب فيها الخمر أو يأكل فيها الكفار أطعمة نجسة كاللّحم النجس (٤) ولعلّه قدس‌سره إنّما ذكر البدن والثوب من باب المثال ، وإن كان ظاهر كلامه الاختصاص. وكيف كان فقد ادعى عدم دلالة دليلٍ على وجوب الغسل في ملاقي النجاسات بعد إزالة العين عنه.

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ : ٧٧.

(٢) الناصريّات : ١٨٣ السطر ٢.

(٣) نقل عنه في الحدائق ١ : ٣٩٩.

(٤) الوسائل ٣ : ٤١٩ / أبواب النجاسات ب ١٤ ح ١ وص ٥١٧ ب ٧٢ ح ٢.

٢٥

ويدفعه : ان العرف يستفيد من الأوامر الواردة في موارد خاصة بغسل ملاقي النجاسات بعد إزالة عينها عدم اختصاص ذلك بموردٍ دون مورد ، فإذا لاحظوا الأمر بغسل الثوب والبدن والفرش والأواني وغيرها بعد إزالة العين عنها بشي‌ء فهموا منه عمومية ذلك الحكم وجريانه في كل شي‌ء لاقاه نجس ، وأمّا أن الغسل الواجب لا بدّ وأن يكون بالماء أو يكفي فيه الغسل بالمضاف أو بشي‌ء آخر أيضاً ، فهو مطلب آخر يأتي بعد هذه المسألة.

وثانياً : قد ورد في موثقة عمار بن موسى الساباطي : « أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يجد في إنائه فأرة ، وقد توضأ من ذلك الإناء مراراً أو اغتسل منه أو غسل ثيابه ، وقد كانت الفأرة متسلخة؟ فقال إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ، ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الإناء ، فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة ... » (١) وهي تدلنا على وجوب الغسل في ملاقي النجس بلا فرق في ذلك بين أفراده وموارده لعموم الرواية ، حيث اشتملت على لفظة « كل » في قوله : « ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ».

ثم إنّ الفرق بين هذا الوجه والوجه المتقدم لا يكاد يخفى ، فإن الاستدلال هناك إنّما كان بفهم العرف واستفادته عموم الحكم من ملاحظة الأمر بالغسل في الموارد المخصوصة ، وأمّا هنا فإنّما نستدل على عمومية الحكم بدلالة الموثقة عليها وإن لم يكن هناك استفادة العموم عرفاً من ملاحظة خصوصيات الموارد ، وكم فرق بين الاستدلال بالخبر والاستدلال بالفهم العرفي من ملاحظة الموارد الخاصة ، فما ذهب إليه المحدث الكاشاني ( طاب ثراه ) ممّا لا يمكن المساعدة عليه وهو متفرد فيما سلكه في المقام ، ولا نعلم موافقاً له من الأصحاب ، ومن هنا طعن عليه كاشف الغطاء قدس‌سره على ما ببالي في شرحه للقواعد بأنّه يأتي بفتيا غريبة ومسائل لم يقل بها الأصحاب.

وأمّا ما أشار إليه في ضمن كلامه من عدم تنجس باطن الإنسان وظاهر الحيوان‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٤٢ / أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١.

٢٦

وكفاية زوال العين فيهما بلا حاجة إلى غسلهما ، فهو وإن كان كما أفاده على خلاف في الأخير لتردّده بين عدم التنجس رأساً وتنجسه مع طهارته بمجرّد زوال العين عنه ، إلاّ أن الحكم بعدم وجوب الغسل شرعاً لا يثبت بهذين الموردين. وقياس غيرهما عليهما مما لا اعتبار به عندنا.

ما ذهب إليه السيد والمفيد ( قدس‌سرهما )

وثانيهما : فيما ذهب إليه السيد والمفيد قدس‌سرهما من أن ملاقاة النجاسة وإن كانت موجبة للسراية ولوجوب غسل ما لاقاها ، إلاّ أن الغسل بإطلاقه يكفي في تطهير المتنجسات بلا حاجة إلى غسلها بالماء وقد استدلّ على ذلك بوجوه :

الوجه الأوّل : ما ورد من إطلاقات الأمر بالغسل في المتنجسات (١) من غير تقييده بالماء ، فمنها يظهر كفاية مطلق الغسل في تطهير المتنجسات.

وقد يجاب عن ذلك بأن المطلقات الآمرة بغسل المتنجسات تنصرف إلى الغسل بالماء ، لمكان قلة الغسل بغير الماء وندرته وكثرة الغسل بالماء وأغلبيته.

وفيه : أن كثرة الأفراد وقلّتها لا تمنع عن صدق الاسم على الأفراد النادرة والقليلة ، وبعبارة اخرى الغسل ليس من المفاهيم المشكّكة حتى يدّعى أن صدقه على بعض أفراده أجلى من بعضها الآخر ، بل الغسل كما يصدق على الغسل بالماء كذلك يصدق على الغسل بغيره حقيقة ، كالغسل بماء الورد بناءً على أنّه مضاف ، إذ الغسل ليس إلاّ بمعنى إزالة النجاسة والقذارة ، وهي صادقة على كل من الغسلين ، وبعد صدق الحقيقة على كليهما فلا تكون قلة وجود أحدهما خارجاً موجبة للانصراف كما هو ظاهر.

فالصحيح في الجواب أن يقال : المستفاد من ملاحظة الموارد التي ورد فيها الأمر‌

__________________

(١) كما في صحيحتي محمد عن أحدهما عليهما‌السلام وابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام لاشتمالهما على الأمر بالغسل مرتين. وهو مطلق وهما مرويتان في الوسائل ٣ : ٣٩٥ / أبواب النجاسات ب ١ ح ١ ، ٢ وأيضاً ورد ذلك في موثقة عمار المتقدمة ، فراجع.

٢٧

بالغسل بالماء ، وتتبع الأخبار الواردة في مقامات مختلفة أنّ الغسل لا بدّ وأن يكون بالماء ، ولا يكتفى بغيره في تطهير المتنجسات وبها تقيد المطلقات ، أعني ما دلّ على لزوم الغسل مطلقاً ، فنحملها على إرادة الغسل بالماء ، ولنذكر جملة من تلك الموارد :

منها : ما ورد في الاستنجاء بالأحجار (١) حيث حكم عليه‌السلام بكفاية الأحجار في التطهير من الغائط ، ومنع عن كفايته في البول وأمر بغسل مخرج البول بالماء ، فلو كان غير الماء أيضاً كافياً في تطهير المخرج لما كان وجه لحصره بالماء.

ومنها : الموارد التي سئل فيها عن كيفية غسل الكوز والإناء إذا كان قذراً ، حيث أمر عليه‌السلام بغسله ثلاث مرات (٢) يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ، ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثم يفرغ منه ، وهكذا ثلاث مرات.

ومنها : أمره عليه‌السلام بغسل الثوب بالماء في المركن مرتين ، وفي الماء الجاري مرة واحدة (٣).

ومنها : أمره عليه‌السلام بتعفير الإناء أولاً ثم غسله بالماء (٤).

ومنها : أمره بغسل الأواني المتنجسة بالماء (٥).

ومنها : أمره بصب الماء في مثل البدن إذا تنجس بالبول ونحوه (٦) ، وبهذه المقيّدات نرفع اليد عن المطلقات المقتضية لكفاية الغسل مطلقاً. وببيان آخر إذا ثبت وجوب‌

__________________

(١) راجع رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه‌السلام المروية في الوسائل ١ : ٣١٧ / أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ٦.

(٢) ورد ذلك في موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروية في الوسائل ٣ : ٤٩٦ / أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

(٣) كما في صحيحة محمد بن مسلم المروية في الوسائل ٣ : ٣٩٧ / أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٤) كما في صحيحة الفضل أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروية في الوسائل ٣ : ٤١٥ / أبواب النجاسات ب ١٢ ح ٢.

(٥) كما في موثقة عمار بن موسى المروية في الوسائل ٣ : ٤٩٤ / أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

(٦) كما في صحيحة الحسين بن أبي العلاء المروية في الوسائل ٣ : ٣٩٥ / أبواب النجاسات ب ١ ح ٤ وغيرها.

٢٨

الغسل بالماء في الموارد المنصوصة المتقدمة فيثبت في جميعها ، لعدم القول بالفصل حتى من السيد قدس‌سره لأن من قال باعتبار الغسل بالماء في الموارد المتقدمة قال به في جميع الموارد ، وكيف كان فلا نعتمد على شي‌ء من المطلقات الواردة في المقام.

الوجه الثاني : الإجماع ، حيث استدلّ به السيد المرتضى قدس‌سره على كفاية الغسل بالمضاف في تطهير المتنجسات ، وهذا الإجماع مضافاً إلى أنّه مما لا يوافقه فيه أحد من الأصحاب غير الشيخ المفيد قدس‌سره إجماع على أمر كبروي وهو أن الأصل في كل ما لم يدلّ دليل على حرمته أو نجاسته هو الحلية والطهارة ، وقد طبقها هو قدس‌سره على المقام بدعوى أنّه لم يرد دليل على المنع من تطهير المتنجس بالمضاف ، فهو أمر جائز وحلال والمغسول محكوم بالطهارة ، وصدور أمثال ذلك منه ( طاب ثراه ) في المسائل الفقهية غير عزيز.

ثم إن الإجماع الذي ادعاه على الكبرى المتقدمة وإن كان كما أفاده تاماً إلاّ أن الاشكال كلّه في تطبيقها على المقام ، وذلك لأنّا إن قلنا بما سلكه المشهور من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، فإن المورد من موارد استصحاب النجاسة بعد غسله بالمضاف ، ومعه لا تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة والحلية وهو ظاهر. نعم ، إذا بنينا على ما سلكناه من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية لمعارضته دائماً باستصحاب عدم الجعل على ما حققناه في محلّه فلا مانع من تطبيق الكبرى الإجماعية على المقام من تلك الناحية ، إذ لا استصحاب هناك حتى يمنع عن جريان قاعدة الطهارة بعد غسل المتنجس بالمضاف ، أو عن جريان البراءة عن حرمة أكله أو شربه ، كما أن مقتضى البراءة جواز الصلاة فيه ، بناءً على ما حققناه في محلّه من جريان البراءة عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، وبها ندفع اشتراط الغسل بالماء إلاّ أنّا ندعي قيام الدليل الاجتهادي على بقاء النجاسة بعد الغسل بالمضاف ، وهو الأخبار المتقدمة الواردة في مقامات مختلفة ، لأنّها دلّت على تقييد إطلاقات الغسل بالماء ، وكيف كان فلا تنطبق الكبرى الإجماعية على المقام.

الوجه الثالث : أن الغرض من وجوب الغسل في المتنجسات ليس إلاّ إزالة النجاسة عن المحل ، والإزالة كما تتحقق بالغسل بالماء كذلك تحصل بالغسل بالمضاف‌

٢٩

أو بغيره من المائعات.

والجواب عن ذلك : أنّ هذه الدعوى مصادرة لأنّها عين المدّعى ، فمن أخبرنا أنّ الغرض من وجوب الغسل مجرّد إزالة العين كيف ما اتفقت كيف ولو صحت هذه الدعوى لتمّ ما ذهب إليه الكاشاني قدس‌سره من عدم وجوب الغسل رأساً (١) ، فإنّ الإزالة كما تحصل بالغسل تحصل بالدلك والمسح أيضاً ، إذن فما الموجب لأصل وجوب الغسل ، فهذا الوجه استحساني صرف ، والسيد أيضاً لا يرتضي بذلك ، لأنّه يرى أصل الغسل واجباً كما مرّ ، ولا يكتفي بمجرد إزالة العين في حصول الطهارة.

الوجه الرابع : قوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (٢) بتقريب انه سبحانه أمر نبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتطهير ثيابه ، ولم يقيّد التطهير بالماء. فمنها يظهر أنّ المطلوب مجرد التطهير سواءً كان بالماء أو بشي‌ء آخر.

وفيه : أن الآية لا دلالة لها على المدعى بوجه ، لأنّا إن حملنا التطهير في الآية المباركة على معناه اللغوي ، وهو إزالة الأوساخ والقذارات كما هو المناسب لمقام النبوّة ، فإنّه لا تناسبها الوساخة والقذارة في البدن والثياب المسببتان لإثارة التنفّر والانزعاج ، وهو خلاف غرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل خلاف قوله أيضاً فإنّه الذي أمر الناس بالنظافة وعدّها من الإيمان بقوله : « النظافة من الإيمان » (٣).

ويؤيّده أنّ أحكام النجاسات لعلّها لم تكن ثابتة في الشريعة المقدسة حين نزول الآية المباركة ، فإن السور القصار إنّما نزلت حين البعثة ، ولم يكن كثير من الأحكام وقتئذٍ ثابتة على المكلفين ، فلا تكون الآية مربوطة بالمقام ، لأن البحث إنّما هو في الطهارة الاعتبارية ، لا في إزالة القذارة والوساخة التي هي معنى التطهير لغة.

وكذا الحال فيما إذا حملنا التطهير في الآية على ما نطقت به الأخبار الواردة في‌

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ : ٧٧.

(٢) المدثر ٧٤ : ٤.

(٣) نهج الفصاحة : ٦٣٦.

٣٠

تفسيرها (١) حيث دلت على أن المراد منها عدم التسبب لتنجس الثياب باطالتها وترك تشميرها كي تحتاج إلى تطهيرها ، فمعنى الآية : قصّر ثيابك لئلاّ تطول وتتلوث بما على الأرض من النجاسات ، وتحتاج إلى تطهيرها ، وليس المراد بها تطهير ثيابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تنجسها نظير قوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) فإن معناه ليس هو تطهيرهم بعد صيرورتهم غير طاهرين ، فالآية أجنبية عن المقام.

وإن حملنا التطهير فيها على التطهير شرعاً ، الذي هو مورد الكلام ، فلا يمكن الاستدلال بها في المقام أيضاً ، فإن الآية على هذا إنّما دلت على لزوم تطهير الثياب وأمّا أن التطهير يحصل بأي شي‌ء فهي ساكتة عن بيانه ولا دلالة لها على كيفية التطهير ، وأنّه لا بدّ وأن يكون بالماء أو بالأعم منه ومن المضاف أو بكل ما يزيل العين وإن لم يكن من المضاف أيضاً ، فلا يستفاد منها شي‌ء من هذه الخصوصيات ، فلو دلت فإنّما تدل على مسلك الكاشاني قدس‌سره من عدم اعتبار الغسل رأساً (٣) ، ولا يرضى به المستدلّ.

الوجه الخامس : الروايات الواردة في جواز التطهير بالمضاف وهي أربع :

إحداها : مرسلة المفيد قدس‌سره حيث قال بعد حكمه بجواز الغسل بالمضاف : إنّ ذلك مرويّ عن الأئمة عليهم‌السلام (٤).

__________________

(١) رواها في الكافي ٦ : ٤٥٥ / ١ ، ونقلها عنه في البرهان في المجلد الرابع ص ٣٩٩ ٤٠٠ ، كما نقل غيرها فإليك شطر منها : ( منها ) ما عن علي بن إبراهيم ( ثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) قال تطهيرها تشميرها ، أي قصرها ، ويقال شيعتنا مطهرون. ( منها ) ما عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله في رواية ، والله تعالى يقول ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) قال : وثيابك ارفعها ولا تجرها ( منها ) : ما عن رجل من أهل اليمامة كان مع أبي الحسن عليه‌السلام أيام حبس ببغداد ، قال قال لي أبو الحسن : إن الله تعالى قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) وكانت ثيابه طاهرة ، وإنّما أمره بالتسنيم.

(٢) الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) مفاتيح الشرائع ١ : ٧٧.

(٤) كما نقله في الحدائق ١ : ٤٠٢ نقلاً عن المحقق.

٣١

ثانيتها : رواية غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عن علي عليه‌السلام قال : لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق (١).

ثالثتها : صحيحة حكم بن حكيم بن أخي خلاد الصيرفي أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : « أبول فلا أُصيب الماء وقد أصاب يدي شي‌ء من البول فأمسحه بالحائط وبالتراب ، ثم تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي ، فقال : لا بأس به » (٢).

رابعتها : مرسلة الكليني قدس‌سره حيث قال : روي أنّه لا يغسل بالريق شي‌ء إلاّ الدم (٣) وهذه جملة الأخبار التي استدلّ بها على جواز غسل المتنجس بالمضاف ولا يتمّ شي‌ء من ذلك.

أمّا مرسلة الكليني فقد نطمئن بعدم كونها رواية أُخرى غير ما ورد من أنّ الدم يغسل بالبصاق كما في رواية غياث ، بل هي هي بعينها.

وأمّا مرسلة المفيد فهي التي طالبه بها المحقق قدس‌سره إذ لا أثر منها في شي‌ء من كتب الروايات ، ولعلّها صدرت منه اشتباهاً وهو غير بعيد ، كما نشاهده من أنفسنا حيث قد نطمئن بوجود رواية في مسألة وليس منها عين ولا أثر.

وأمّا رواية حكم بن حكيم فهي وإن كانت صحيحة بحسب السند إلاّ أنها أجنبية عمّا نحن فيه رأساً ، إذ الكلام في مطهّرية المضاف دون المسح على الحائط والتراب ، بل لا قائل بمطهرية المسح من الفريقين في غير المخرجين لأن العامة إنّما يرون (٤) المسح‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٠٥ / أبواب الماء المضاف ب ٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٠١ / أبواب النجاسات ب ٦ ح ١.

(٣) الوسائل ١ : ٢٠٥ / أبواب الماء المضاف ب ٤ ح ٣.

(٤) كما جرت على ذلك سيرتهم عملاً ، فإن الحائط عندهم كالأحجار عندنا في الاستنجاء بلا فرق في ذلك عندهم بين مخرج الغائط والبول ، كما في مغني المحتاج : ١ / ٤٣ والفقه على المذاهب الأربعة ص ٩٧ ١٠٠ من الجزء الأول. نعم حكى فيه عن المالكية القول بكراهة الاستنجاء على جدار مملوك له. بل سووا بين المخرجين في الاستنجاء بالأحجار أو بغيرها في

٣٢

على الحائط مطهّراً في خصوص المخرجين دون غيرهما ، فالرواية مخالفة لجميع المذاهب فلا محيص من طرحها أو تأويلها. نعم ، هي على تقدير تماميتها سنداً كما هي كذلك ودلالة من جملة الأدلّة الدالّة على عدم منجسية المتنجس. ويأتي الكلام عليها في محلّه إن شاء الله تعالى.

وأمّا الرواية الثانية : فهي ضعيفة السند بغياث بن إبراهيم ، إذ لا يعمل على ما يتفرّد به من رواياته (١) ، هذا على أنّها مختصة بالبصاق والدم ، ولو فرض أنّها عامّة شاملة لغير الدم أيضاً عارضها ما نقله نفس غياث في رواية أُخرى له من أن البصاق لا يغسل به غير الدم (٢) وعليه فتكون الرواية أخص من المدعى ، فإنّ السيد يرى جواز الغسل بمطلق المضاف دون خصوص البصاق ، كما أنّه يرى المضاف مطهّراً من جميع النجاسات لا في خصوص الدم ، فعلى تقدير تمامية الرواية لا بدّ من الاقتصار على موردها وهو مطهّرية البصاق في خصوص إزالة الدم ، وهو ما ذكرناه من أخصية الدليل عن المدعى.

والمتحصل : أن ما ذهب إليه المشهور من عدم رافعية المضاف في شي‌ء من الحدث والخبث هو الصحيح.

__________________

جميع الأحكام والمستحبات. فهذا هو الشوكاني قال في نيل الأوطار المجلد ١ ص ٩٤ قال أصحابنا : ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شي‌ء من أحوال الاستنجاء إلاّ لعذر ، فإذا استنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى ، وإذا استنجى بحجر فإن كان في الدبر مسح بيساره ، وإن كان في القبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض ، أو بين قدميه بحيث يتأتى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر ، وإن لم يمكنه واضطر إلى حمل الحجر حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ، ولا يحرك اليمنى ..

(١) هكذا ذكره المحقق قدس‌سره في المعتبر كما في الجزء الأوّل من الحدائق من الطبعة الأخيرة ص ٤٠٦ ، ولكن الحق انّ الرجل موثق قد وثقه النجاشي قدس‌سره [ ٣٠٥ / ٨٣٣ ] ، وكونه بتري المذهب لا ينافي وثاقته كما ان الظاهر أن موسى بن الحسن الواقع في سند الرواية هو موسى بن الحسن بن عامر الثقة لأنّه المعروف والمشهور ، وقد روى سعد عنه في عدّة مواضع ، إذن فالرواية موثقة.

(٢) الوسائل ١ : ٢٠٥ / أبواب الماء المضاف ب ٤ ح ١.

٣٣

وإن لاقى نجساً تنجس وإن كان كثيراً ، بل وإن كان مقدار ألف كر فإنّه ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة ولو بمقدار رأس إبرة في أحد أطرافه فينجس كلّه (١).

______________________________________________________

وأمّا ما ذهب إليه ابن أبي عقيل من جواز الغسل بالمضاف عند الاضطرار فلعلّه اعتمد في ذلك على الرواية المتقدمة (١) الدالّة على أن المضاف يرفع الحدث عند عدم الماء ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ بالنبيذ عند عدمه ، حيث يستفاد منها كفاية المضاف في رفع الخبث عند عدم الماء بطريق أولى ، ولكنا قدمنا أن المضاف لا يكفي في شي‌ء من رفع الحدث والخبث بلا فرق في ذلك بين وجود الماء وعدمه وأنّ الرواية مؤولة ولم يثبت أنها من الإمام عليه‌السلام وقد ورد في بعض الأخبار المعتبرة التي قدمنا نقلها في أوائل الكتاب : « أنّ بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض ، وقد وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهوراً ، فانظروا كيف تكونون » (٢) وهي قد دلّت على حصر الطهور في الماء بقرينة اقتصاره عليه‌السلام عليه في مقام الامتنان ، فلا طهور غيره من المائعات بلا فرق في ذلك بين صورتي الاختيار والاضطرار.

(١) والكلام في ذلك يقع في مقامين :

أحدهما : في أصل انفعال المضاف بملاقاة النجاسة.

وثانيهما : في أنّه على تقدير انفعاله هل يفرق فيه بين كثيره وقليله؟ فإذا كان بمقدار الكر فحكمه حكم الماء المطلق أو انه لا فرق بين قلته وكثرته؟

المضاف ينفعل بالملاقاة‌

أمّا المقام الأول : فقد تسالموا على أن المضاف ينفعل بملاقاة النجاسة ، ولم يستشكل في ذلك أحد من الأصحاب ، ويدلُّ عليه جميع ما دلّ على عدم جواز استعمال سؤر‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٠٢ / أبواب الماء المضاف ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ١٣٣ / أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٤.

٣٤

______________________________________________________

الكلب والخنزير والكافر والكتابي على تقدير نجاسته ، بل الناصب على ما في بعض الروايات (١) ولو لا نجاسة تلك الأسآر بمباشرة أحد هذه المذكورات لم يكن وجه للمنع من استعمالها ، وإطلاق تلك الأخبار يشمل ما إذا كان السؤر من المائعات المضافة ، إذ المراد بالسؤر مطلق ما باشره جسم حيوان ولو بغير الشرب ، فلا اختصاص له بالماء ولا بالمباشرة بالشرب ، فالذي تحصّل إلى هنا : أن ملاقاة النجاسة تقتضي نجاسة ملاقيها مطلقاً ، والحكم بعدم الانفعال في بعض الملاقيات يحتاج إلى دليل وهو مفقود في المقام.

أمّا المقام الثاني : فالصحيح أنّه لا فرق في انفعال المضاف بين قلّته وكثرته والوجه في ذلك : أن المستفاد من روايات الأسآر أن نجاسة الملاقي من آثار نجاسة الملاقي كما يستفاد هذا من موثقة عمّار المتقدمة (٢) حيث دلت بعمومها على وجوب غسل كل ما لاقاه متنجس ، فنجاسة الملاقي بنفسها تقتضي نجاسة كل ما لاقاه كثيراً كان الملاقي أم قليلاً ، ماءً كان أو مضافاً ، والخروج عن ذلك يحتاج إلى دليل ، ومن يدعي عدم انفعال الملاقي للنجس في موردٍ فعليه إثبات عدم تأثره وانفعاله بالملاقاة وقد أثبتنا ذلك في الكر من الماء بما يأتي في محله. وأمّا غيره كالماء القليل أو المضاف قليله وكثيره فلم يقم دليل على عدم انفعاله بملاقاة النجس ، فمقتضى ما ذكرناه من القاعدة عدم الفرق في انفعال المضاف بالملاقاة بين قليله وكثيره.

ومما يوضح ما ذكرناه ويؤكده : الاستثناء الواقع في بعض روايات الأسآر (٣) حيث إنه بعد ما منع عن استعمال سؤر الكلب في الشرب استثنى منه ما إذا كان السؤر حوضاً كبيراً يستقى منه ، فإن الاستقاء قرينة على أن المراد بالحوض الكبير هو‌

__________________

(١) وهي موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « وإياك أن تغتسل من غسالة الحمّام ، ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت فهو شرهم ، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وأنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه » المروية في الوسائل ١ : ٢٢٠ / أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٥.

(٢) الوسائل ١ : ١٤٢ / أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١.

(٣) الوسائل ١ : ٢٢٦ / أبواب الأسآر ب ١ ح ٧.

٣٥

الحوض المحتوي على الماء لأنّه الذي يستقى منه للحيوان أو لغيره ، والحوض الكبير يشمل الكر بل الأكرار ، فالرواية دلت على نجاسة السؤر في غير ما إذا كان كراً من الماء ، بلا فرق في ذلك بين ما كان ماءً ولم يكن كراً وما إذا لم يكن ماءً أصلاً ، كما إذا كان مضافاً ، قليلاً كان أم كثيراً ، فالخارج عن الحكم بنجاسة الملاقي للنجس ليس إلاّ الكر من الماء.

ويدلُّ على ذلك أيضاً أمران :

أحدهما : ما ورد في بعض الأخبار من أن الفأرة إذا وقعت في السمن فماتت فيه فإن كان جامداً فألقها وما يليها وكُلْ ما بقي ، وإن كان ذائباً فلا تأكله ، واستصبح به والزيت مثل ذلك (١) حيث إننا نقطع من قوله عليه‌السلام والزيت مثل ذلك أن الحكم المذكور أعني نجاسة ملاقي النجس ليس مما يختص بالسمن أو الزيت وإنّما هو مستند إلى ميعانهما وذوبانهما ، فكل مائع له ذوبان يحكم بنجاسته إذا لاقى نجساً بلا فرق في ذلك بين كثرته وقلته.

وبعبارة اخرى السمن والزيت وإن كانا خارجين من المضاف ، إلاّ أنّا نقطع بعدم خصوصية لهما في الحكم ، وأنّه مستند إلى ذوبان الملاقي وميعانه مضافاً كان أم لم يكن وعلى الأوّل قليلاً كان أم كثيراً.

وثانيهما : موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سُئل عن الخنفساء والذباب والجراد ، والنملة ، وما أشبه ذلك يموت في البئر ، والزيت ، والسمن ، وشبهه ، قال : كل ما ليس له دم فلا بأس » (٢) حيث يظهر من قوله عليه‌السلام وشبهه أنّه لا خصوصية للزيت والسمن المذكورين في الرواية ، بل المراد منهما مطلق المائع والرواية دلت على أنّ المائع إذا وقعت فيه ميتة ما لا نفس له لم يحكم بانفعاله وأقرت السائل فيما هو عليه من أن وقوع الميتة مما له نفس سائلة في شي‌ء من المائعات‌

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٩٧ / أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٢ ، والوسائل ١ : ٢٠٥ / أبواب الماء المضاف ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٦٣ / أبواب النجاسات ب ٣٥ ح ١.

٣٦

نعم ، إذا كان جارياً من العالي (*) إلى السافل ولاقى سافله النجاسة لا ينجس‌

______________________________________________________

يقتضي نجاسته ، وقد دلت بإطلاقها على عدم الفرق في المائع بين المضاف والمطلق وبين كثرته وقلته.

ومما يؤيد به المدعى روايتان : إحداهما ما عن السكوني (١) وثانيتهما : رواية زكريا ابن آدم (٢) وقد اشتملتا على السؤال عن حكم المرق الكثير الذي وجدت فيه ميتة فأرة كما في أُولاهما ، أو قطرت فيه قطرة خمر أو نبيذ مسكر كما في ثانيتهما وقد حكم عليه‌السلام في كلتيهما بأن المرق يهراق ، وأمّا اللحم فيغسل ويؤكل حيث دلتا على انفعال المضاف أعني المرق وهو ماء اللّحم مع فرض كثرته عند ملاقاته النجس ، ولا استبعاد في كون المرق بمقدار كر لما حكاه سيدنا الأستاذ ( أدام الله إظلاله ) من أن العرب في مضايفهم ربّما يطبخون بعيراً في القدور ، والقدر الذي يطبخ فيه البعير يشتمل على مرق يزيد عن الكر قطعاً ، ولا سيما على ما يأتي منّا في محلّه من تحديد الكر بسبعة وعشرين شبراً.

ودعوى انصراف الأخبار عن المضاف الكثير لقلّة وجوده لو سلّمت فإنّما تتمّ في البلدان والأمصار دون القرى والبوادي ، لأنّهم كثيراً ما يجمعون الألبان (٣) في القدور أو غيرها بما يزيد عن الكر بكثير. فإذا دلّت الأخبار على انفعال المضاف بقليله وكثيره بالملاقاة ، فلا يفرق فيه الحال بين أن يكون كراً أو أزيد منه فإنّه ينفعل بملاقاة النجس مطلقاً حسب الأدلة المتقدمة.

ثم إن قلنا بعدم انفعال المضاف الكثير فإن قلنا بعدم انفعاله أصلاً فهو كما مرّ مخالف للأدلّة المتقدمة ، وإن قلنا بانفعاله لا في تمامه بل في حوالي النجاسة الواقعة فيه وأطرافها ، فيقع الكلام في تحديد ذلك وأنّه يتنجس بأي مقدار ، مثلاً إذا وقعت قطرة‌

__________________

(*) المناط في عدم التنجس أن يكون الجريان عن دفع وقوة من دون فرق بين العالي وغيره.

(١) الوسائل ١ : ٢٠٦ / أبواب الماء المضاف ب ٥ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٧٠ / أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٨.

(٣) المراد بها هو الذي يصنع منه الزبد المعبر عنه في الفارسية بـ « دوغ » لا الحليب فلا تستبعد.

٣٧

العالي منه كما إذا صبّ الجُلاّب من إبريق على يد كافر ، فلا ينجس ما في الإبريق وإن كان متّصلاً بما في يده (١).

______________________________________________________

دم في مرق كثير فهل نقول بتنجس المرق بمقدار شبر أو نصف شبر من حوالي تلك القطرة فيه أو بأزيد من ذلك أو أقل؟.

لا سبيل إلى تعيين شي‌ء من ذلك ، إذ لو قدّرنا الانفعال بمقدار شبر مثلاً ، فلنا أن نسأل عن أنّه لماذا لم يقدّر شبر ومقدار إصبع ، وهكذا فيتعيّن أن يحكم بنجاسة جميعه وهذا أيضاً من أحد الأدلة على انفعال المضاف الكثير بملاقاة النجس.

(١) إن ما ذكرناه آنفاً من انفعال المضاف بملاقاة النجس يختص بما إذا عدّ المضاف بأسفله وأعلاه شيئاً واحداً عرفاً ، كما إذا كان واقفاً وقد لاقى أحد طرفيه نجساً ، فيحكم بنجاسة الجميع لأنّه شي‌ء واحد عرفاً. وأمّا إذا كان متعدداً بالنظر العرفي ، كما إذا جرى المضاف من طرف إلى طرف بقوة ودفع ولاقى أسفله نجساً ، فلا نحكم بنجاسة الطرف الأعلى منه لأن السافل منه حينئذٍ مغاير لعاليه عرفاً وأحدهما غير الآخر في نظره ، ومن هنا لو فرضنا إبريق ماء يصب منه الماء على ماء سافل وقد وقعت قطرة دم أو نجس آخر في ذلك الماء السافل لا نحكم بنجاسة العالي لأجل اتصاله بما وقع فيه نجس ، أو إذا فرضنا أن الماء يندفع من أسفله إلى أعلاه ، وتنجس أعلاه بنجس فلا نحكم بنجاسة أسفله ، لتعددهما ومغايرتهما عرفا كما في الفوارات والأنابيب المستعملة فعلاً.

وعليه فلا وقع لكون الماء عالياً أو سافلاً أو مساوياً ، لما يأتي في محله من أن الميزان في عدم سراية النجاسة والطهارة من أحد طرفي الماء إلى الآخر ، إنّما هو جريان الماء بالدفع سواء أكان من الأعلى إلى الأسفل أو من الأسفل إلى الأعلى ، فإنّ السيلان والاندفاع يجعلان الماء متعدداً بالنظر العرفي ، فسافله غير عالية وهما ماءان فلا تسري النجاسة من أحدهما إلى الآخر ، كما لا تسري الطهارة من أحدهما إلى الثاني على ما يأتي في مورده فلا يتقوى ولا يعتصم بسافله ، ومن هنا إذا صببنا ماء إبريقٍ على ماء سافل منه وهو كرّ ثم وقعت نجاسة على الإبريق ، فلا نحكم بطهارة ما فيها لتقوّيه بالماء السافل واتصاله به لأنهما ماءان ، بل لو لم يكن دليل على تقوّي السافل‌

٣٨

[٧٤] مسألة ٢ : الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه نعم ، لو مزج معه غيره وصعّد كماء الورد يصير مضافاً (*) (١)

______________________________________________________

بالعالي كما في ماء الحمّام إذ الماء في الحياض في الحمّامات يجري إليها من المادة الجعلية وهي أعلى سطحاً من الحياض ، لم نلتزم بالتقوّي فيه أيضاً ، إذ قد عرفت أن الدفع والجريان يجعلان الماء متعدداً ، ويمنعان عن تقوّي عالية بسافله وسافله بأعلاه ، إلاّ أنّهم عليهم‌السلام حكموا بالتقوّي في الأحواض الصغيرة وأن ماءها يعتصم بالخزانة وبالمادّة الجعلية وإن كانت أعلى سطحاً من الحياض إلحاقاً لماء الحمّام بالجاري ، ولأجل ذلك نلتزم بالتقوّي فيه تعبداً.

عدم زوال الإطلاق بالتصعيد‌

(١) كما إذا صيّرناه بخاراً وانقلب البخار ماء ، ولا إشكال في ذلك غير ما أسلفناه من أن الماء الحاصل بالتصعيد ماء جديد قد وجد بعد انعدام الماء الأوّل ، إذ المفروض أنّه انقلب بخاراً والبخار غير الماء عرفاً ، فإن الماء أخذ فيه السيلان ولا سيلان في البخار ، فالحاصل منه ماء مغاير للماء السابق وعليه فلا يحكم عليه بالطهور لاختصاص الطهورية بالماء النازل من السماء وهو المطر.

ودعوى أن الاستحالة غير مؤثرة في مثله لأنّه قبل استحالته كان ماء ، وكذا بعد استحالته فهو عين الماء السابق ولم تحدث الاستحالة فيه شيئاً.

مندفعة : بأن الأمر لو كان كما ادعيت ، فلما ذا أفتى قدس‌سره في المسألة الرابعة بطهارة المطلق أو المضاف النجس بالتصعيد ، إذ المفروض أن الاستحالة لم تحدث فيه شيئاً لأنّه كان ماء قبل تصعيده ، وكذا بعد تصعيده.

لا يقال : إن البخار كالغبار ، فكما أنّه لم يفت فقيه بل ولم يتوهّم متفقة ولا عاقل بطهارة التراب الحاصل من الغبار إذا أُثير من تراب متنجس ، بدعوى أن التراب‌

__________________

(*) في إطلاقه منع ظاهر ، والمدار على الصدق العرفي. ومنه تظهر حال المسألة الثالثة.

٣٩

[٧٥] مسألة ٣ : المضاف المصعّد مضاف (١)

[٧٦] مسألة ٤ : المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد (*) لاستحالته‌

______________________________________________________

المتنجس قد استحال غباراً وانقلب الغبار تراباً ، فهو موضوع جديد غير التراب السابق فليكن الحال كذلك في البخار.

لأنّه يقال : القياس مع الفارق ، لأن الغبار عين التراب عرفاً ، ولا فرق بينهما إلاّ في الاجتماع والافتراق إذ التراب هو الغبار المجتمع ، والغبار هو التراب المتشتت في أجزاء دقيقة صغار ، وأين هذا من البخار لأنّه أمر مغاير للماء عندهم لما قدّمناه من أن السيلان مأخوذ في مفهوم الماء عرفاً ولا سيلان في البخار.

والظاهر أنّه لا مدفع لهذا الإشكال إلاّ ما أسلفناه من عدم اختصاص الطهورية بالماء النازل من السماء ، وإنّما هي حكم مترتب على طبيعي المياه أينما سرى ، والمفروض أن الماء الحاصل بالتصعيد مما تصدق عليه الطبيعة ، فإذن لا وجه للتوقف في الحكم بطهوريته. ومن هنا أشرنا سابقاً إلى أن الماء المصعد من المضاف ماء مطلق طهور وكذا نفتي بذلك في المصعّد من النجس فانتظره.

المضاف المصعّد‌

(١) لا يمكن المساعدة على ما أفاده قدس‌سره في هذه المسألة بوجه ، لعدم صدق المضاف على المصعّد من المضاف ، أمّا في بعض الموارد فبالقطع واليقين ، كما إذا امتزج الطين بالماء حتى أخرجه عن الإطلاق فصار وحلا ، ثم صعّدناه وحصلنا ماءه فإنّه ماء مطلق قطعاً لعدم تصاعد شي‌ء من الأجزاء الترابية بالتصعيد ، وأمّا في بعض الموارد الأُخر ، كما في تصعيد ماء الورد ، فلما قدّمناه سابقاً من أن مجرد تعطر الماء واكتسابه رائحة من روائح الورد أو غيره لا يخرجه عن الإطلاق ، فلا وجه لعدم طهورية المصعّد منه وإن كان تعطّر بالورد.

__________________

(*) بل الحكم كذلك في الأعيان النجسة فيما إذا لم يكن المصعّد بنفسه من أفرادها كما في المسكرات‌

٤٠