موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وأن ما لا تغيّر فيه لا انفعال فيه قليلاً كان أم كثيراً.

وهذا الاستدلال من عجائب ما صدر عن الكاشاني ( طاب ثراه ) لأنّه من أحد المتضلعين في الأخبار وقد ادعى مع ذلك استفاضة الروايات المتقدمة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يرد شي‌ء منها من طرقنا وإنما رواها العامة بطرقهم فلا رواية حتى تستفيض فهذه الدعوى سالبة بانتفاء موضوعها على أنّها لم تبلغ مرتبة الاستفاضة من طرق العامة أيضاً وإنما رووها بطريق الآحاد ومثل هذا لا يكاد يخفى على المحدّث المذكور فهو من غرائب الكلام.

ومنها : ما ورد من طرقنا بمضمون أن الماء لا ينجسه شي‌ء إلاّ أن يتغيّر طعمه أو ريحه أو لونه حيث حصر علّة الانفعال بالتغيّر في أحد الأوصاف الثلاثة وهو كما في رواية القماط أنّه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إن كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضأ منه وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ » (١) وصحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضّأ منه ولا تشرب » (٢) وصحيحة عبد الله بن سنان قال : « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن غدير أتوه وفيه جيفة؟ فقال : إن كان الماء قاهراً ولا توجد منه الريح فتوضأ » (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة على انحصار المناط في الانفعال بالتغيّر قليلاً كان الماء أم كثيراً ، فالقلّة لا تكون علّة للانفعال بالملاقاة ما دام لم يتغيّر في أحد أوصافه.

ويدفعه عدم ورود شي‌ء من هذه الأخبار في خصوص القليل حتى تعارض الأخبار المتقدمة الدالّة على انفعال القليل بالملاقاة ، فإنّ الموضوع فيها هو النقيع والغدير وأشباههما مما هو أعم من القليل والكثير ، بل ظاهر هذه العناوين هو‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٣٨ / أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ١ : ١٣٧ / أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١.

(٣) الوسائل ١ : ١٤١ / أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١١.

١٢١

خصوص الكثير فإن النقيع وأمثاله إنما يطلق على الماء الذي يبقى مدّة في الفلوات والقليل ليس له بقاء كذلك. وغاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بهذه الأخبار أنها مطلقة لعدم استفصالها بين القليل والكثير وترك الاستفصال دليل العموم.

والجواب عن ذلك : أنها وإن كانت مطلقة لما ذكر ، إلاّ أنّه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها بالأخبار المتقدمة التي ادعينا تواترها إجمالاً لدلالتها على انفعال القليل بمجرد ملاقاة النجس وإن لم يتغيّر شي‌ء من أوصافه ، وهذا كما دلّ على نجاسة ماء الإناء إذا أصابته قطرة من الدم (١) أو أصابته يده وهي قذرة (٢) أو شرب منه الكلب والخنزير (٣) ومن الظاهر أن ملاقاة هذه الأُمور للماء القليل لا يوجب تغيّره في شي‌ء مع أنّه ينفعل بملاقاتها. وهذه الأخبار تكفي في تقييد إطلاق الروايات المتقدمة.

وممّا يدلّنا على هذا ما ورد في صحيحة صفوان بن مهران الجمال من سؤاله عليه‌السلام عن مقدار الماء وحكمه بعدم الانفعال على تقدير بلوغ الماء نصف الساق والوجه في دلالتها أنّه لو لم يكن هناك فرق بين القليل والكثير لما كان وجه لسؤاله عليه‌السلام عن مقدار الماء. « قال صفوان الجمال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب وتشرب منها الحمير ويغتسل فيها الجنب ويتوضأ منها؟ قال : وكم قدر الماء؟ قال : إلى نصف الساق ، وإلى الركبة ، فقال : توضأ منه » (٤). وقد دلت هذه الرواية على عدم انفعال الكر بورود السباع وولوغ الكلاب ونحوهما ، فإن الماء في الصحاري إذا بلغ نصف الساق يشتمل على أضعاف الكر غالباً ، إذ الصحاري مسطحة وليست مرتفعة الأطراف كالحياض الموجودة في البيوت فإذا بلغ فيها الماء نصف الساق فهو يزيد عن الكر بكثير.

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٥٠ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ١٥٣ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٧ ، وغيرها.

(٣) الوسائل ١ : ٢٢٥ / أبواب الأسآر ب ١ ح ٢ ، ٣.

(٤) الوسائل ١ : ١٦٢ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٢.

١٢٢

ويدلّ على تقييد المطلقات المتقدمة أيضاً ما ورد من الأخبار في تحديد الماء العاصم بالكر كما في صحيحة إسماعيل بن جابر قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي‌ء فقال كر ... » (١) وغيرها ممّا هو بهذا المضمون لأنّها تدل على أن القليل ينفعل بملاقاة النجس وإن لم يحصل فيه تغيّر ، وهذه الأخبار وإن كانت معارضة للمطلقات المتقدمة بالعموم من وجه إلاّ أنّها تتقدم على المطلقات وتوجب تقيدها لا محالة. والوجه في ذلك هو أن هذه الأخبار دلتنا على أن هناك شيئاً يوجب انفعال القليل دون الكثير وليس هذا هو التغيّر قطعاً لأنّه كما ينجس القليل كذلك يوجب انفعال الكثير لما دلّ على تنجس ماء البئر ونحوه بالتغيّر في أحد أوصافه كما عرفته سابقاً ، ولا سيما أن أغلب الآبار كر ، وعليه فلا بدّ من تقييد ما دلّ على اعتصام البئر والكر ونحوهما كإطلاق قوله لأنّ له مادّة (٢) وقوله كر (٣) بما إذا لم يتغيّر بشي‌ء من أوصاف النجس.

وقد صرّح بما ذكرناه في صحيحة شهاب بن عبد ربّه المروية عن بصائر الدرجات حيث قال عليه‌السلام في ذيلها : « وجئت تسئل عن الماء الراكد من الكر (٤) مما لم‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٥٩ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٧.

(٢) الوسائل ١ : ١٤١ / أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١٢ ، وكذا في ص ١٧٢ / أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٧.

(٣) كما في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة آنفاً.

(٤) قد اعتمدنا في نقل الصحيحة مشتملة على كلمة « من الكر » والاستدلال بها على نجاسة الكر المتغيّر بأوصاف النجس على نقل صاحب الوسائل قدس‌سره ولما راجعنا البحار [ ٧٧ : ٢٤ ] ونفس بصائر الدرجات [ ٢٥٨ / ١٣ ] ظهر أن نسخ الكتاب مختلفة وفي بعضها « من البئر » وبذلك تصبح الرواية مجملة وتسقط عن الاعتبار. والذي يسهل الخطب أن مدرك الحكم بنجاسة الكر المتغيّر غير منحصر بهذه الصحيحة وذلك لقيام الضرورة والتسالم القطعي حتى من الكاشاني قدس‌سره على نجاسة الماء المتغيّر ولو كان كراً.

مضافاً إلى الأخبار المتقدمة التي استدللنا بها على ذلك في ص ٥٧ فإن فيها غنى وكفاية في الحكم بنجاسة الماء المتغيّر.

أضف إلى ذلك موثقة أبي بصير قال : « سألته عن كر من ماء مررت به وأنا في سفر قد بال

١٢٣

يكن فيه تغيّر أو ريح غالبة قلت فما التغيّر؟ قال : الصفرة ، فتوضأ منه وكلما غلب كثرة الماء [ عليه ] فهو طاهر (١).

وإذا قيدنا أدلّة اعتصام الكر وشبهه بما لا تغيّر فيه فتنقلب النسبة بين المطلقات وأخبار اعتصام الكر إلى العموم المطلق ، وتكون أخبار اعتصام الكر غير المتغيّر أخص مطلقاً من المطلقات لأنّها بإطلاقها دلت على عدم انفعال غير المتغيّر كراً كان أم قليلاً ، والروايات الواردة في الكر تدل على عدم انفعال خصوص الكر الذي لا تغيّر فيه ، وبما أنّها أخص مطلقاً من المطلقات فلا محالة نقيدها بالكر ، والنتيجة أن ما لا يكون كراً ينفعل بملاقاة النجاسة ، فالذي يوجب انفعال خصوص القليل دون الكثير هو ملاقاة النجس في غير صورة التغيّر.

وإلى هنا تلخص أن الروايات العامة لا تنفع المحدث المزبور في المقام.

وأمّا الأخبار الخاصة فمما يستدل به على مسلك المحدث الكاشاني قدس‌سره عدّة روايات.

منها : ما رواه محمد بن ميسر قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ، ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان قال : يضع يده ثم يتوضّأ ثم يغتسل ، هذا ممّا قال الله عزّ وجلّ :

__________________

فيه حمار أو بغل أو إنسان قال : لا توضأ منه ولا تشرب » الوسائل ١ : ١٣٩ / أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٥ ، لأنّها بعد ما قيدناها بالأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالّة على عدم نجاسة الكر بملاقاة النجس من غير تغيّر كالصريحة في إرادة تغيّر الكر ببول الإنسان فيه.

وأمّا نهيه عليه‌السلام عن شربه أو التوضؤ منه إذا بال فيه بغل أو حمار فهو محمول على الكراهة أو التقيّة.

ويؤيدها ما ورد في غير واحد من الأخبار من النهي عن التوضؤ أو الشرب من الغدير والنقيع فيما إذا تغيّرا بوقوع الجيفة فيهما [ الوسائل ١ : ١٣٩ / أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٤ ، ٦ ، ١١ ، ١٣ ] إذ النقيع ، والغدير في الصحاري يشتملان عادة على أزيد من الكر بكثير ولا سيّما على المختار من تحديده بسبعة وعشرين شبراً ، فليلاحظ.

(١) الوسائل ١ : ١٦٢ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١١.

١٢٤

ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » (١) وقد دلت على عدم انفعال القليل بملاقاة المتنجس أعني يدي الرجل القذرتين ولذا صح منه الوضوء والغسل وهي كما ترى واردة في خصوص القليل كما هو ظاهر.

وقد يناقش فيها كما في طهارة المحقق الهمداني قدس‌سره بأنّها وردت تقية لموافقتها لمذهب العامة ، حيث جمعت بين الوضوء وغسل الجنابة وهما مما لا يجتمعان في مذهب الشيعة (٢). ولا يخفى ضعف هذه المناقشة كما نبّه عليه هو قدس‌سره أيضاً إذ المراد بالوضوء في الرواية ليس هو الوضوء بالمعنى المصطلح عليه بل هو بمعناه اللغوي ، وهو المعبّر عنه في الفارسية بـ « شستشو كردن » فأين اجتماع الوضوء مع الغسل.

فالصحيح في الجواب أن يقال : إن القليل في الرواية ليس بمعناه المصطلح عليه عند الفقهاء فإنه اصطلاح منهم قدس‌سرهم ولم يثبت أن القليل كان بهذا المعنى في زمانهم عليهم‌السلام بل هو بمعناه اللغوي الذي هو في مقابل الكثير ، ومن البيّن أن القليل يصدق حقيقة على الكر والكرين بل وعلى أزيد من ذلك في الصحاري بالإضافة إلى ما في البحار والبركان ، وعليه فالرواية غير واردة في خصوص القليل. نعم ، أن إطلاقها يشمل ما دون الكر أيضاً ، ولكنك عرفت أن الأخبار الواردة في انفعال القليل بالملاقاة البالغة حد التواتر تقتضي تقييد المطلقات وتخصيصها بغير ذلك لا محالة ، ولعلّ السؤال في الرواية من أجل أن جماعة من العامة ذهبوا إلى نجاسة الغسالة في الجنابة ولو مع طهارة البدن (٣) بل ذهب أبو حنيفة وغيره إلى نجاسة غسالة‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٥٢ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٥.

(٢) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ١٥ السطر ٢٨.

(٣) وفي عمدة القارئ شرح البخاري ، للعيني الحنفي ج ٣ ص ٧٢ « باب استعمال فضل وضوء الناس » اختلف الفقهاء فيه : فعن أبي حنيفة ثلاث روايات ( الاولى ) : ما رواه عنه أبو يوسف انّه نجس مخفف ( الثانية ) رواية الحسن بن زياد عنه انه نجس مغلظ ( الثالثة ) : رواية محمد بن الحسن عنه انه طاهر غير طهور ، وهو اختيار المحققين من مشايخ ما وراء النهر

١٢٥

______________________________________________________

الفتوى عندنا.

وفي المجلد ١ من بدائع الصنائع للكاشاني الحنفي ص ٦٨ : ان أبا يوسف جعل نجاسة المستعمل في الوضوء والغسل خفيفة لعموم البلوى فيه لتعذر صيانة الثياب عنه. ولكونه محل الاجتهاد فأوجب ذلك خفة في حكمه والحسن جعل نجاسته غليظة لأنّها نجاسة حكمية وانها أغلظ من الحقيقية ألا ترى انه عفي عن القليل من الحقيقية دون الحكمية كما إذا بقي على جسده لمعة يسيرة.

وقال ابن حزم في المجلد ١ من المحلّى ص ١٨٥ : انّ أبا حنيفة ذهب إلى عدم جواز الغسل والوضوء بالماء المستعمل في الوضوء والغسل وإن شربه مكروه ، وقال : روي عنه يعني أبا حنيفة انه طاهر والأظهر عنه انه نجس وهو الذي روي عنه نصاً وانه لا ينجس الثوب إذا أصابه الماء المستعمل إلاّ أن يكون كثيراً فاحشاً. ونقل عن أبي يوسف انه فصل بين ما إذا كان المقدار الذي أصاب الثوب من الماء المستعمل شبراً في شبر فقد نجسه وما إذا كان أقل من ذلك فلم ينجسه ، ثم نقل عن أبي حنيفة وأبي يوسف كليهما ان الرجل الطاهر إذا توضأ في بئر فقد نجس ماءها كلّه فيجب نزحها ولا يجزيه ذلك الوضوء بلا فرق في ذلك بين أن يتوضأ للصلاة قبل ذلك وما إذا لم يتوضأ لها ، فإن اغتسل فيها أيضاً أنجسها كلها سواء أكان جنباً قبل ذلك أم لم يكن ، وإنّما اغتسل فيها من غير جنابة بل ولو اغتسل في سبعة آبار نجسها كلّها.

وعن أبي يوسف انه ينجسها كلّها ولو اغتسل في عشرين بئراً ، وفي ص ١٤٧ مشيراً إلى أبي حنيفة وأصحابه ما هذا نصه : ومن عجيب ما أوردنا عنهم قولهم في بعض أقوالهم : انّ ماء وضوء المسلم الطاهر النظيف أنجس من الفأرة الميتة.

ولم يتعرّض في الفقه عل المذاهب الأربعة [ ج ١ ص ٣٨ ] لهذا القول بل عدّ الماء المستعمل من قسم الطاهر غير الطهور قولاً واحداً. نعم ذهب جماعة إلى ذلك.

ففي المغني لابن قدّامة الحنبلي ج ١ ص ١٨ : الماء المنفصل عن أعضاء المتوضي والمغتسل في ظاهر المذهب طاهر غير مطهر لا يرفع حدثاً ولا يزيل نجساً وفي ص ٢٠ قال : جميع الأحداث سواء فيما ذكرنا ..

وفي كتاب الأُم للشافعي ج ١ ص ٢٩ : إذا توضّأ بما توضّأ به رجل لا نجاسة على أعضائه لم يجزه لأنّه ماء قد توضي به ، وكذا لو توضأ بماء قد اغتسل فيه رجل ، والماء أقل من قلتين لم يجزه .. ثم قال : لو أصاب هذا الماء الذي توضأ به من غير نجاسة على البدن

١٢٦

الوضوء أيضاً فإنّهم يشترطون في الطهارة أن يكون الماء عشرة في عشرة (١) وهو يبلغ‌

__________________

ثوب الذي توضّأ به أو غيره أو صبّ على الأرض لم يغسل منه الثوب ، وصلّى على الأرض لأنّه ليس بنجس ... وتابعه الغزالي في الوجيز ج ١ ص ٣ فقال : الماء المستعمل في الحدث طاهر غير طهور على القول الجديد.

وفي المدونة لمالك ج ١ ص ٤ قال مالك : لا يتوضّأ بماء قد توضي به مرّة ولا خير فيه فإذا لم يجد رجل إلاّ ماء قد توضي به مرة فأحب إلى أنّه يتوضأ به إذا كان طاهراً ولا يتيمّم وإذا أصاب الماء الذي توضي به مرة ثوب رجل فلا يفسد عليه ثوبه إذا كان الماء طاهراً. وقد نسب ذلك أيضاً إلى مالك في بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج ١ ص ٢٨.

(١) عثرنا على ذلك في المجلد ٢٤ من التفسير الكبير للفخر الرازي ص ٩٥ حيث قال : وأمّا تقدير أبي حنيفة بعشر في عشر فمعلوم انّه مجرّد تحكّم. ويطابقه ما في المجلد ١ من الفقه على المذاهب الأربعة ص ٢٨ من قوله : الحنفية قالوا إن الماء ينقسم إلى قسمين كثير وقليل فالأول كماء البحر ، والأنهار ، والترع ، والمجاري الزراعية ومنه الماء الراكد في الأحواض المربعة البالغة مساحتها عشرة أذرع في عشرة بذراع العامة ...

هذا ولكن المعروف من أبي حنيفة وأصحابه في كتبهم المعدة للإفتاء والاستدلال تقدير الكثير بأمر آخر ، وهو كون الماء بحيث إذا حرك أحد طرفيه لا يتحرك الآخر. وقد نصّ بذلك في بداية المجتهد ج ١ لابن رشد ص ٢٤ ، وفي التذكرة ١ ص ١٩ عن أبي حنيفة وأصحابه انّه كلّما يتيقن أو يظن وصول النجاسة إليه لم يجز استعماله وقدره أصحابه ببلوغ الحركة. ثم ضعفه بعدم الضبط فلا يناط به ما يعم به البلوى ، وفي المجلد ١ من المحلّى ص ١٥٣ عن أبي حنيفة ان الماء ببركة إذا حرك أحد طرفيها لم يتحرك طرفها الآخر فإنّه لو بال فيها ما شاء أن يبول فله أن يتوضأ منها ويغتسل فإن كانت أقل من ذلك لم يكن له ولا لغيره أن يتوضأ منها ولا أن يغتسل. وأيضاً في المجلد ١ من المحلّى ص ١٤٣ عن أبي حنيفة ما حاصله انّ وقوع شي‌ء من النجاسات في الماء الراكد ينجس كلّه قلّت النجاسة أو كثرت ويجب إهراقه ولا تجوز الصلاة بالوضوء أو بالاغتسال منه كما لا يجوز شربه كثر ذلك الماء أو قلّ اللهمّ إلاّ أن يكون بحيث إذا حرّك أحد طرفيه لم يتحرّك الآخر فإنه طاهر حينئذٍ ويجوز شربه كما يجوز التطهير به.

وقال في بدائع الصنائع المجلد ١ ص ٧٢ انّهم اختلفوا في تفسير الخلوص فاتفقت الروايات عن أصحابنا انّه يعتبر الخلوص بالتحريك وهو انّه إن كان بحال لو حرك طرف منه يتحرك الطرف الآخر فهو مما يخلص وإن كان لا يتحرك فهو مما لا يخلص ... وقد أورد في المحلّى ص ١٤٣ عي أبي حنيفة وأصحابه بأن الحركة في قولهم ان حرك طرفه لم يتحرك ...

١٢٧

مائة شبر في سعته ، ومن هنا لا يغتسلون في الغدران والنقيع لعدم بلوغهما الحد المذكور اللهمّ إلاّ أن يكون نهراً أو بحراً ، ولأجل هذا سأله الراوي عن الاغتسال في مياه الغدران والنقيع بتخيل انفعالهما بالاغتسال وأجابه عليه‌السلام بأنها معتصمة وأزيد من الكر. وعدم اعتصام الكر حرجي ولو في بعض الموارد ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ).

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال : لا بأس » (١) وتقريب الاستدلال بها أن شعر الخنزير نجس ، والغالب أن الماء يتقاطر من الحبل على الماء الموجود في الدلو ، فلو كان القليل ينفعل بملاقاة النجس لتنجس ماء الدلو بما يتقاطر عليه من الماء الملاقي لشعر الخنزير ، مع أن الإمام عليه‌السلام نفى البأس عن التوضؤ به ، وهذا يدل على عدم انفعال القليل. ويدفع هذا الاستدلال :

أوّلاً : أن الرواية شاذة ، فهي لو تمت وصحت فلا يعارض بها الأخبار المشهورة التي دلت على عدم اعتصام القليل ، والشهرة في الرواية من مرجحات المتعارضين بل ذكرنا في الأُصول إنها تلغي ما يقابلها عن الحجية رأساً (٢).

وثانياً : أن من الجائز أن يكون الحبل المفروض اتخاذه من شعر الخنزير غير متصل بالدلو على نحو يصل إليه الماء ويتقاطر منه على الدلو ولعلّ وجه السؤال عن حكم ذلك حينئذٍ هو احتمال بطلان الوضوء لأجل أن الخنزير وشعره مبغوضان في الشرع. وقد أفتى جمع من الفقهاء قدس‌سرهم بحرمة استعمال نجس العين حتى في غير ما يشترط فيه الطهارة كلبسه في غير حال الصلاة ، فإذا حرم استعمال شعر الخنزير مطلقاً ، كان من المحتمل بطلان الوضوء الذي هو أمر عبادي بالاستقاء له بما هو مبغوض ، ولأجل هذا الاحتمال سأله عليه‌السلام عن حكم الوضوء بذلك الماء‌

__________________

بماذا تكون فليت شعري هل تكون بإصبع طفل ، أم بتبنة ، أو بعود مغزل ، أو بعوم عائم ، أو بوقوع فيل ، أو بحصاة صغيرة ، أو بانهدام جرف؟! نحمد الله على السلامة من هذه التخاليط.

(١) الوسائل ١ : ١٧٠ / أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٣٥٥.

١٢٨

وأجابه عليه‌السلام بعدم البأس به.

وثالثاً : أن دلالة الرواية على اعتصام القليل لو تمت فإنّما هي بالإطلاق ، ولا مانع من تقييده بما دلّ على انفعال القليل بالملاقاة ، ولا بعد في بلوغ ما في بعض الدلاء المستعمل في سقي المزارع كراً ، ولا سيما إذا بنينا على أن مكعّبه ما يكون سبعة وعشرين شبراً.

ورابعاً : لو أغمضنا عن جميع ذلك ، وفرضنا الصحيحة صريحة في ملاقاة شعر الخنزير لماء الدلو مع فرض قلته ، فأيضاً لا دلالة لها على عدم انفعال القليل بملاقاة النجس ، وذلك لجواز أن تكون الصحيحة ناظرة إلى عدم نجاسة شعر الخنزير ، كما ذهب إليه السيد المرتضى قدس‌سره (١) وغيره واستدلّ عليه بهذه الصحيحة ، وعليه فيتعيّن حملها على التقية لذهاب جماعة من العامة إلى عدم نجاسة شعر الخنزير والكلب (٢). وكيف كان فلا يمكن الاستدلال بها على تساوي الماء القليل والكثير في الاعتصام ، وقد قدّمنا أن ما في صحيحة صفوان الجمّال (٣) من سؤاله عليه‌السلام عن مقدار الماء وحكمه بعدم الانفعال على تقدير بلوغ الماء نصف الساق أوضح شاهد على الفرق بين الماء القليل والكثير.

ومنها : رواية أبي مريم الأنصاري قال : « كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلواً للوضوء من ركيّ له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة ، فأكفأ رأسه وتوضأ بالباقي » (٤) حيث دلت على عدم انفعال القليل بملاقاة‌

__________________

(١) الناصريات : ١٨٢ السطر ١٦.

(٢) ففي الفقه على المذاهب الأربعة المجلد ١ ص ٨ أن المالكية قالوا بطهارة جميع الأشياء المذكورة « الشعر والوبر والصوف والريش » من أي حيوان سواء أكان حيّاً أم ميّتاً مأكولاً أم غير مأكول ولو كلباً أو خنزيراً وسواء أكانت متصلة أم منفصلة ... وفي ص ١١ أن المالكية ذهبوا إلى طهارة كل حي ولو كان كلباً أو خنزيراً ووافقهم الحنفية على طهارة عين الكلب ما دام حيّاً على الراجح إلاّ أن الحنفية قالوا بنجاسة لعابه تبعاً لنجاسة لحمه بعد موته.

(٣) الوسائل ١ : ١٦٢ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٢.

(٤) الوسائل ١ : ١٥٤ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٢.

١٢٩

النجس ، ولذا توضّأ عليه‌السلام بباقي الماء في الدلو.

وقد حملها الشيخ تارة على أن الدلو كان بمقدار كر (١) وهو لا يخلو عن غرابة.

واخرى على أن العذرة عذرة غير الإنسان من سائر الحيوانات المأكول لحمها. ويبعّده : أنّ العذرة قد أخذت فيها الرائحة الكريهة كما في مدفوع الإنسان والهرة والكلب ، ولا تطلق العذرة على مدفوع سائر الحيوانات المحللة لعدم اشتماله على الرائحة الكريهة وإنّما يعبّر عنها بالروث.

وثالثة على أن المراد بالباقي هو الباقي في البئر دون الماء الباقي في الدلو. ويدفعه : أن ظاهر الرواية أنّه أكفأ رأس الدلو حتى يتوضأ بالماء الباقي في الدلو لا أنّه أراق جميع ماء الدلو. على أن هذا الاحتمال بعيد في نفسه.

ورابعة حملها على التقية. ولا يخفى أن غرضه قدس‌سره بهذه الوجوه هو التحفظ على الرواية وعدم طرحها مهما أمكن العمل بها ولو بحملها على وجوه بعيدة لا أنه ( طاب ثراه ) لم يلتفت إلى بعد تلك الوجوه على ما هو عليه من الدقة والجلالة.

فالصحيح في الجواب أن يقال : إن الرواية ضعيفة السند من جهة بشير الراوي عن أبي مريم لتردده بين الثقة وغيره ، وإن كان أبو مريم موثقاً في نفسه فلا اعتبار بالرواية.

ومنها : ما عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت له راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة؟ قال : إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ وصبّها وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة وكذلك الجرّة وحبّ الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء وقال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شي‌ء ، تفسخ فيه أو لم يتفسخ إلاّ أن يجي‌ء له ريح تغلب على ريح الماء » (٢) والجواب عنها أنها ضعيفة سنداً ومتناً ، فأما ضعفها سنداً فلوقوع علي بن حديد في‌

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٩.

(٢) الوسائل ١ : ١٣٩ / أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٨.

١٣٠

طريقها ، وأمّا بحسب متنها فلاشتمالها على ما لا يقول به أحد حتى ابن أبي عقيل وهو تنجس الماء بتفسخ الميتة وعدمه تفسخها ، فإن من يرى انفعال القليل بالملاقاة ومن لا يرى انفعاله بها لا يفرق بين ما إذا تفسخ فيه النجس وما إذا لم يتفسخ. هذا أوّلا.

وأمّا ثانياً : فلاشتمالها على الفرق بين مقدار الراوية والزائد عليه مع أنّه لا فرق بينهما ، فإن الفرق إنّما هو بين الكر والقليل والراوية أقلّ من الكر فطرح الرواية متعيّن هذا (١).

على أنّ هاتين الروايتين وأشباههما على تقدير صحتها في نفسها لا يمكن أن تقابل بها الأخبار المتواترة الدالّة على انفعال الماء القليل بالملاقاة ، لأن الشهرة تستدعي إلغاء ما يقابلها عن الاعتبار رأسا ، وعليه فالمقتضي لانفعال القليل موجود وهو تام والمانع عنه مفقود.

الوجوه الأخر مما استدلّ به الكاشاني ( قدس‌سره )

ثم إن المحدث الكاشاني على ما نقله في الحدائق (٢) استدلّ على ما ذهب إليه بوجوه آخر لا يخلو بعضها عن دقة وإن كان ضعيفاً.

منها : أن القليل لو قلنا بانفعاله بالملاقاة لما أمكن تطهير شي‌ء من المتنجسات به وهو مقطوع الفساد وذلك لأن الجزء المتصل من القليل بالمتنجس ينفعل بملاقاته على الفرض فلا تحصل به الطهارة. وأمّا غير الجزء المتصل بالمتنجس فلا ربط بينه وبين المتنجس حتى يطهر به ويمكن تقريب ما أفاده بوجهين :

أحدهما : أن يقال إن الجزء المتصل من القليل بالمتنجس ينفعل بمجرد الملاقاة على الفرض ، ومع انفعاله لا يحصل به التطهير ، إذ يشترط في المطهّر أن يكون طاهراً في نفسه ، وهكذا نقول في الجزء الثاني منه إذا اتصل بالمتنجس وكذا في الجزء الثالث وهكذا ...

__________________

(١) يأتي أن بعض أفراد الراوية يسع مقدار الكر أعني ما يبلغ مقدار سبعة وعشرين شبرا.

(٢) الحدائق ١ : ٣٠١.

١٣١

وثانيهما : أن الجزء المتصل بالمتنجس إذا انفعل بالملاقاة فهو يوجب تنجس المغسول به ثانياً ، لأنّه نجس وهو يوجب التنجيس لا محالة وهكذا كلّما غسلناه به فلا تحصل به الطهارة ، والقول بتنجسه بالملاقاة وطهارته بالانفصال عنه مستبعد جدا ، لأن الانفصال ليس من أحد المطهرات.

والجواب عن التقريب الأول : أن ما ذكره من الصغرى والكبرى ممنوعتان.

أمّا الصغرى وهي انفعال الماء القليل بمجرّد اتصاله بالمتنجس فلأن المقصود بالكلام في المقام كما أشرنا إليه في أوائل البحث إنّما هو إثبات انفعال القليل في الجملة وعلى نحو الموجبة الجزئية لا في كل مورد وكل حال ، ويكفي في ثبوت ذلك انفعال القليل بالملاقاة المتنجس فيما إذا ورد عليه النجس ، وأمّا إذا كان الماء وارداً على النجس ، فهب أنّا التزمنا بما أفاده من عدم انفعاله بالملاقاة ، لما أشار إليه من عدم إمكان تطهير المتنجس بالقليل على تقدير انفعاله ، فهذا المحذور إنما يلزم فيما إذا قلنا بانفعال القليل مطلقا ، دون ما إذا خصصناه بصورة ورود النجس عليه ، ويأتي تفصيل ذلك في محلّه إن شاء الله (١).

وعلى الجملة إن الالتزام بعدم انفعال القليل عند وروده على النجس تخصيصا لأدلة انفعال القليل في تلك الصورة بما دلّ على حصول الطهارة بالغسل بالقليل لا ينافي ما نحن بصدد إثباته في المقام من انفعال الماء القليل بملاقاة النجس في الجملة وعلى نحو الموجبة الجزئية ، إذ يكفي في ثبوته انفعال القليل في صورة ورود النجس عليه ، هذا كلّه أوّلا.

وثانياً : أنّه يشترط في التطهير إزالة عين النجاسة عن المتنجس ، وإذا زالت عين النجس عن المغسول فلا محالة يبقى متنجسا ، ولنا أن نمنع عن انفعال القليل بملاقاة المتنجس بدعوى اختصاص الإجماع والأدلّة الدالّة على انفعال القليل بما إذا لاقته عين النجس ، ولم يدلنا دليل على انفعاله بملاقاة المتنجس كما ذهب إلهى المحقق الخراساني قدس‌سره (٢) وهذا غير القول بعدم منجسية المتنجس ، لأنّا وإن قلنا‌

__________________

(١) قبل المسألة [٣٠٨].

(٢) نقل عنه في المستمسك ١ : ١٤٦.

١٣٢

بمنجسية المتنجسات كالنجاسات ، إلاّ أن لنا أن نلتزم بعدم انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجسات ، لاختصاص ما دلّ على انفعاله بملاقاة الأعيان النجسة ، وعليه فلا يتنجس القليل عند اتصاله بالمتنجس حتى يلزم محذور عدم إمكان تطهير المتنجس بالماء القليل.

وهذا الوجهان وإن كان لا يلتزم بشي‌ء منهما على ما ستعرف ، إلاّ أن الغرض من ذكرهما هو أن حصول الطهارة عند الغسل بالماء القليل لا ينافي الالتزام بانفعال القليل ، فإن المقصود إثبات انفعاله في الجملة لا في كل مورد.

وأمّا منع الكبرى على تقدير تمامية الصغرى ، فلأن الدليل إنّما أثبت اشتراط عدم نجاسة الماء قبل غسل المتنجس ، وأمّا عدم تنجسه حتى بغسله فلا ، ولم يستفد ذلك من أي دليل إذ الماء لا بدّ وأن لا يحتمل القذارة بل الغسل به حتى يحتمل قذارة المتنجس المغسول به ، وأمّا عدم تحمله القذارة حتى بغسله فيه فلم يقم على اعتباره دليل. بل الأمر في القذارات العرفية كما ذكرناه قطعاً فإن الماء إذا لم يكن متقذراً بالقذارة العرفية ، وغسل به شي‌ء متقذر عرفاً فلا محالة يتحمل الماء تلك القذارة ويرفعها عن المغسول به ، والقذارة تنتقل منه إلى الماء بالغسل فإذا كان هذا حال القذارة العرفية فلتكن القذارة الشرعية أيضاً كذلك.

بل الحاكم كما وصفناه في أحجار الاستنجاء أيضا ، إذ يشترط فيها أن لا تكون متنجسة قبل الاستنجاء بها ، مع أنها تتنجس بالاستنجاء فتقلع النجاسة عن المحل ويتصف بها كما يتصف المحل بالطهارة ، والماء في المقام أيضاً كذلك فإنه ينفعل بنجاسة المغسول به ، ويتحملها بعد ما لم يكن كذلك قبل غسله فيطهر الثوب ويتنجس الماء. وهو قدس‌سره سلّم ذلك في الأحجار وإنما استشكل في خصوص المقام.

وأمّا الجواب عن التقريب الثاني : فهو انّا إن استثنينا الغسالة عما دلّ على انفعال الماء القليل ، فلا يبقى مجال لانفعال القليل باتصاله بالمتنجس وتنجس المغسول به ثانياً وهذا ظاهر ، وأمّا إذا لم نستثن ذلك وقلنا بنجاستها فأيضاً نلتزم بعدم تنجس المغسول بالماء القليل ثانياً ، وذلك بتخصيص ما دلّ على تنجيس المتنجس بما دلّ على جواز التطهير بالقليل.

١٣٣

ومنها : أي من جملة ما استدلّ به الكاشاني ( طاب ثراه ) أن دلالة الأخبار على انفعال الماء القليل بالمفهوم ، ودلالة الأخبار الخاصة أو العامة على عدم انفعاله بالمنطوق ، والدلالة المنطوقية تتقدّم على الدلالة المفهومية كما أن النص يتقدم على الظاهر كذا أفاده قدس‌سره.

ولا يخفى عدم تمامية شي‌ء من الصغرى والكبرى في كلامه.

أمّا عدم تمامية الصغرى فلأجل أن الدليل على انفعال الماء القليل غير منحصر في مفهوم قوله عليه‌السلام الماء إذا بلغ ... فإن هناك روايات خاصة قد دلت على انفعال القليل بمنطوقها.

وأمّا منع الكبرى : فلما بيّنا في محلّه من أن كون الدلالة بالمنطوق لا يكون مرجّحا لأحد المتعارضين على الآخر ، بل قد تتقدم الدلالة المفهومية على المنطوق كما إذا كان المفهوم أخص مطلقاً من المنطوق وبذلك نقدّم الأخبار الدالة على انفعال القليل وإن كانت الدلالة بالمفهوم على ما دلّ على عدم انفعاله بالمنطوق من العموم أو الإطلاق لأن الأولى أخص مطلقاً من الثانية. على أن المعارضة للدلالة المفهومية ترجع إلى معارضة الدلالة المنطوقية لاستحالة التصرف في المفهوم بما هو ، فإنّه معلول وملازم للخصوصية المذكورة في المنطوق ، وعليه فالمعارضة بين المنطوقين دائماً كما ذكرناه وتفصيل ذلك موكول إلى علم الأُصول.

ومنها : أن اختلاف الروايات الواردة في تحديد الكر يكشف كشفاً قطعياً عن عدم اهتمام الشارع بالكر ، حيث حدّ في بعضها بسبعة وعشرين شبراً وفي بعضها الآخر بستة وثلاثين وفي ثالث باثنين وأربعين شبراً وسبعة أثمان شبر ، وعليه فلا مناص من حملها على بيان استحباب التنزه عمّا لم يبلغ حدّ كر لما بينها من الاختلاف الكثير.

ويدفعه : أن اختلاف الأخبار الواردة في التحديد لا يكشف عن عدم اهتمام الشارع بوجه ، بل المتعيّن حينئذ أن يؤخذ بالمقدار المتيقن ويحمل الزائد المشكوك فيه على الاستحباب.

١٣٤

ومنها : أن الماء القليل لو كان ينفعل بالملاقاة لبيّن الشارع كيفية التحفظ عليه وأمر بحفظه عن ملاقاة النجاسات والمتنجسات ، كأيدي المجانين والصبيان المتقذّرة غالبا ولم يرد من الشارع رواية في ذلك. وأيضاً استلزم ذلك نجاسة جميع مياه البلدتين المعظّمتين مكة والمدينة لانحصار مائهما في القليل غالباً ، وتصل إليه أيدي الأطفال ونظائرها مما هو متنجس على الأغلب ، ومعه كيف يصنع أهل البلدتين. بل بذلك يصبح جعل أحكام الماء في حقهم من الطهارة وغيرها لغواً ظاهراً.

أمّا ما ذكره أولاً فالجواب عنه أن بيان كيفية التحفظ على الماء القليل غير لازم على الشارع بوجه ، فإن التحفظ عليه كالتحفظ على الأموال والذي يلزم على الشارع هو بيان حكم القليل ، وبعد ما صرّح بأعلى صوته على أن الماء القليل ينفعل بملاقاة النجس والمتنجس على ما نطقت به الأخبار المتقدمة في محلّها فعلى المكلف أن يجنّبه عن ملاقاة ما يوجب تنجسه من أيدي المجانين والأطفال وغيرهما ممن تغلب النجاسة في شفتيه أو يديه.

وأمّا ما ذكره ثانياً فيردّه أن الشارع قد حكم بطهارة كل ما يشك في نجاسته ، ومن الظاهر أنه لا علم وجداني لأحد بنجاسة مياه البلدتين ، وإنما يحتمل نجاستها كما يحتمل طهارتها ، فإن دعوى العلم بنجاسة الجميع جزافية محضة.

لا يقال : لا استبعاد في دعوى العلم الوجداني بنجاسة مياه البلدتين نظراً إلى أن النجاسة من الأُمور السارية كما نشاهده بالعيان عند ما نسي أحد نجاسة يده مثلاً فإنّه إلى أن يلتفت إليها قد نجّس أشياء كثيرة من ثيابه وبدنه وأوانيه وغيرها. هذا بضميمة ملاحظة الأماكن التي جرت عادتهم على جعل المياه القليلة عليها في البلدتين ، حيث إن المياه فيهما تجعل على ظروف وأوان مثبتة في بيت الخلاء ، وقد جعل عندها آنية اخرى يأخذ بها المتخلي من مياه الأواني المثبتة فيستنجي ويطهر بدنه ، وليست أواني المياه في البلدتين كالحباب المتعارفة عندنا مما يمكن تطهيره بالمطر أو الشمس أو بإلقاء كر عليه ، فإنّها كما بيّناه مثبتة في بيت الخلاء ، وهي مسقّفة لا تصيبها شمس ولا مطر ولا يلقى عليها كر. وملاحظة كثرة الواردين عليهما من حجاج وزوّار ، وهي على طوائف مختلفة من فرق السنّة والشيعة وفيهم أهل البوادي والقرى وغيرهم ممن‌

١٣٥

لا يبالي بالنجاسة وربما يعتقد بكفاية مطلق إزالة العين في التطهير ، فإذا قلنا مع ذلك كلّه بانفعال الماء القليل وتنجس ما في تلك الأواني المثبتة بنجاسة يد أحد الواردين أو الأطفال والمجانين ، فلا محالة تسري النجاسة منها إلى جميع الأشياء الموجودة في البلدتين ، ومن البيّن أن دعوى العلم القطعي بنجاسة يد أحد الواردين والمتخلين من هؤلاء الجماعات قريبة لا سبيل إلى إنكارها ، وقد عرفت أن ذلك يستلزم العلم بنجاسة جميع المياه وغيرها مما يوجد في البلدتين.

لأنّه يقال : هذه الدعوى وإن كانت صحيحة كما ذكرت ، إلاّ أنها تتوقف على القول بانفعال القليل بكل من النجس والمتنجس ، إذ لو اقتصرنا في انفعاله بملاقاة الأعيان النجسة كما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره أو منعنا عن كون المتنجس منجّساً مطلقاً ولو مع الواسطة كما يأتي تفصيل ذلك في محلّه إن شاء الله ، لم يبق في البين إلاّ احتمال النجاسة وهو مورد لقاعدة الطهارة. نعم ، لو قلنا بانفعال القليل بكل من النجاسات والمتنجسات ، وقلنا أيضاً بتأثير المتنجس في التنجيس على الإطلاق مع الواسطة وبدونها لكانت الشبهة المذكورة وهي دعوى العلم الوجداني بنجاسة المياه القليلة بل جميع الأشياء في العالم ، مما لا مدفع له. وإنكار العلم الوجداني حينئذ مكابرة بيّنة ، بل ذكر المحقق الهمداني قدس‌سره أن من أنكر حصول العلم الوجداني له بنجاسة كل شي‌ء ، وهو يلتزم بمنجسية المتنجسات ، فلا حق له في دعوى الاجتهاد والاستنباط فإنّه لا يقوى على استنتاج المطالب من المبادئ المحسوسة فضلاً عن أن يكون من أهل الاستدلال والاجتهاد (١). والأمر كما أفاده لما مرّ من أن النجاسة مسرية فإن العلم بنجاسة يد أحد الواردين على أماكن الاجتماع كالمقاهي والمطاعم والبلدتين المعظمتين أو شفتيه حاصل لكل أحد ، وهو يستلزم العلم بنجاسة كل شي‌ء (٢) والجواب عن هذه الشبهة منحصر بما ذكرناه.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٥٧٩ السطر ١٥.

(٢) وينقل عن بعض الأفاضل في النجف انّه كان يتيمّم بدلاً عن الوضوء دائماً قبل مدّ أنابيب الماء بدعوى العلم بنجاسة جميع المياه ، فإن السقائين كانوا يضعون القربة على الأرض

١٣٦

انفعال القليل بالمتنجسات‌

الجهة الرابعة : أن ما ذكرنا من انفعال القليل بالملاقاة هل يختص بملاقاة الأعيان النجسة أو يعم ملاقاة المتنجسات أيضاً؟.

ذهب المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره إلى أن المتنجس لا ينجس القليل (١) ووافقه على ذلك شيخنا المحقق الكبير الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس‌سره في بحثه الشريف مستدلاً بأن مدرك انفعال القليل بالملاقاة إما هو الإجماع وهو غير متحقق في ملاقاة المتنجسات على نحو يفيد القطع بالحكم كما هو المطلوب في الأدلّة اللبّية ، والمقدار المتيقن منه هو خصوص ملاقاة الأعيان النجسة ، وإما الروايات الواردة في تحديد الكر ، وهي وإن دلت على انفعال القليل بما لا ينفعل به الكثير ، إلاّ أن مدلولها تعليق العموم لا السلب العام فمفهومها ان القليل ينجسه شي‌ء ما ، فإن السالبة الكلية تناقضها الموجبة الجزئية وليس هذا الشي‌ء هو التغيّر قطعاً ، لأنّه ينجّس الكثير أيضاً ولا اختصاص له بالقليل ، فتعيّن أن يكون هو ملاقاة النجاسات كما هي المتيقن ، وإذا ثبت منجسية شي‌ء منها ثبت منجسية غيره من الأعيان النجسة أيضاً لعدم القول بالفصل ، أو لما دلّ من الأخبار الخاصة على منجسية الأعيان النجسة وأمّا المتنجسات فلا يستفاد منها أنها كالنجاسات كما أسلفناه في الأصول. وإما هو الأخبار الخاصة وهي إنما تختص بعين النجاسات من الكلب والدم والبول وغيرها من الأعيان النجسة ، كما أنها المنسبق من الشي‌ء في الأخبار العامة ولا أقل أنها القدر المتيقن منه كما أشرنا إليه آنفا ، وعلى الجملة لا دليل على انفعال القليل بالمتنجسات.

ولا يخفى أنه وإن لم ترد رواية في خصوص انفعال القليل بملاقاة المتنجسات إلاّ أن مقتضى إطلاق غير واحد من الأخبار أن القليل ينفعل بملاقاة المتنجسات كما ينفعل بملاقاة الأعيان النجسة ، وإليك جملة منها :

__________________

وهي متنجسة بالبول والعذرة وبذلك كانت تتنجس القربة وما عليها من القطرات التي تصيب ماء القربة عند قلبها لتفريغها.

(١) نقل عنه في المستمسك ١ : ١٤٦.

١٣٧

منها : ما رواه أبو بصير عنهم عليهم‌السلام قال : « إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس ، إلاّ أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الماء وفيها شي‌ء من ذلك فأهرق ذلك الماء » (١) حيث دلت على أن ملاقاة اليد المصابة ببول أو مني تنجس الماء القليل مطلقاً سواء أكان فيها عين البول أو المني موجودة أم لم تكن.

ومنها : صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة؟ قال يكفئ الإناء » (٢) ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين صورتي وجود عين النجاسة في اليد ، وزوالها عنها.

ومنها : موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن أصاب الرجل جنابة فأدخل يده في الإناء فلا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي‌ء من المني » (٣) ومفهومها أن اليد إذا أصابها شي‌ء من المني وأدخلها في الإناء ففيه بأس وإطلاق مفهومها يشمل ما إذا كانت عين المني موجودة في اليد ، وما إذا زالت عينها.

ومنها : موثقة أُخرى لسماعة قال : « سألته عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في الإناء قبل أن يفرغ على كفّيه؟ قال : يهريق ... وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شي‌ء من المني ... » (٤) ومفهومها أنّه إذا أصابها شي‌ء من المني ففيه بأس ، وإطلاق مفهومها يعمّ صورتي وجود عين المني في يده وزوالها عنها ، وقد صرح عليه‌السلام بهذا المفهوم بعد ذلك بقوله : وإن كان أصاب يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كلّه.

ومنها : ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه؟ قال : إن كانت يده قذرة فأهرقه ... » (٥) وهي أيضاً مطلقة تشمل صورتي وجود عين النجس ، وزوالها عن اليد.

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ١ : ١٥٢ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٤ ، ٧ ، ٩.

(٤) الوسائل ١ : ١٥٤ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٠.

(٥) الوسائل ١ : ١٥٤ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١١.

١٣٨

وعلى الجملة أن الأخبار مطلقة ، والإطلاق يكفي في الحكم بانفعال الماء القليل بالمتنجسات ، ومعه لا تسعنا المساعدة لما ذهب إليه صاحب الكفاية قدس‌سره من التفصيل بين ملاقاة النجاسات والمتنجسات كما لا وجه لما ادعاه من عدم دلالة دليل على منجسية المتنجس للقليل ، فإن إطلاقات الأخبار تكفي دليلاً على المدعى ، ومجرد أن انفعال القليل بملاقاة الأعيان النجسة هو المقدار المتيقن من المطلقات ، لا يمنع عن التمسك بإطلاقاتها لما قررناه في الأُصول من أن وجود القدر المتيقن في البين غير مضر بالإطلاق (١).

وقد يتوهّم تقييد تلك المطلقات بما ورد في رواية أبي بصير المتقدمة من قوله عليه‌السلام « إلاّ أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الماء وفيها شي‌ء من ذلك فأهرق ذلك الماء ... » حيث قيّد عليه‌السلام الحكم بانفعال الماء بما إذا أدخل يده في الماء وفيها شي‌ء من قذر بول أو جنابة ، ووجود القذر في اليد إنما يكون بوجود عين البول والجنابة فيها دون ما إذا زالت عينهما عن اليد ، فمقتضى الرواية عدم انفعال الماء القليل بملاقاة مثل اليد المتنجسة فيما إذا زالت عنها عين القذر من البول والمني فالمتنجس لا يوجب التنجيس وبها نقيّد إطلاق سائر الأخبار.

ولا يخفى عدم إمكان المساعدة عليه ، وذلك لأن للقذر إطلاقين : فربما يطلق ويراد منه المعنى الاشتقاقي بمعنى الحامل للقذارة ، وعليه فإضافته إلى البول والجنابة إضافة بيانية كخاتم فضة أي قذر من بول أو جنابة ولا بأس بالاستدلال المتقدم حينئذ ، فإن مفهوم الرواية أنّه إذا لم يكن في اليد بول أو جنابة فلا بأس بإدخالها الإناء.

واخرى يطلق ويراد منه المعنى المصدري أي القذارة ، وبهذا تكون إضافته إلى البول والجنابة اضافة نشوية ومعناه أن في اليد قذارة ناشئة من بول أو جنابة ، وعليه لا يتم الاستدلال المذكور بوجه لأن اليد حينئذ وإن كانت خالية عن البول والجنابة إلاّ أنها محكومة بالقذارة الناشئة من ملاقاة البول أو الجنابة ، فصح أن يقال فيها شي‌ء من القذر ، وبما أنه لا قرينة على تعيين إرادة أحد المعنيين فتصبح الرواية بذلك مجملة ولا يصح الاستدلال بها على التقييد.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٧٠.

١٣٩

هذا كلّه على أن الرواية غير خالية عن المناقشة في سندها حيث إن في طريقها عبد الله بن المغيرة ولم يظهر أنه البجلي الثقة ، فالرواية ساقطة عن الاعتبار.

ونظيرها في توهم التقييد رواية علي بن جعفر (١) إلاّ أن شذوذها واشتمالها على ما لا يلتزم به الأصحاب ، وهو تفصيلها في الحكم بالانفعال وعدمه بين صورتي وجدان ماء آخر وعدم وجدانه ، يمنع عن رفع اليد بها من المطلقات.

والمتحصل : أن التفصيل في انفعال الماء القليل بين ملاقاة النجاسات والمتنجسات غير وجيه.

تفصيلٌ حديث‌

نعم ، يمكن أن نفصّل في المقام تفصيلاً آخر إن لم يقم إجماع على خلافه وهو التفصيل بين ملاقاة القليل للنجاسات والمتنجسات التي تستند نجاستها إلى ملاقاة عين النجس ، وهي التي نعبّر عنها بالمتنجس بلا واسطة وبين ملاقاة المتنجسات التي تستند نجاستها إلى ملاقاة متنجس آخر أعني المتنجس مع الواسطة ، بالالتزام بالانفعال في الأول دون الثاني ، إذ لم يقم دليل على انفعال القليل بملاقاة المتنجس مع الواسطة ، حتى أنّه لا دلالة عليه في رواية أبي بصير المتقدمة بناء على إرادة المعنى الثاني من القذر فيها وذلك لأن القذر لم ير إطلاقه على المتنجسات غير الملاقية لعين النجس أعني المتنجس بملاقاة متنجس آخر ، فإنّه نجس ولكنه ليس بقذر.

والذي يمكن أن يستدل به على انفعال القليل بملاقاة مطلق المتنجس ولو كان مع الواسطة أمران :

أحدهما : التعليل الوارد في ذيل بعض الأخبار الواردة في نجاسة سؤر الكلب ، وقد ورد ذلك في روايتين :

__________________

(١) وهي ما عن علي بن جعفر عليه‌السلام « عن جنب أصابت يده جنابة من جنابته فمسحها بخرقة ثم أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزؤه أن يغتسل من ذلك الماء؟ قال عليه‌السلام : إن وجد ماء غيره فلا يجزؤه أن يغتسل به وإن لم يجد غيره أجزأه » المروية في قرب الاسناد : ١٨٠ / ٦٦٦.

١٤٠