موسوعة الإمام الخوئي - ج ١

الشيخ علي الغروي

الفتاوى ، فلا ينبغي التردد في أنه يجب الالتزام بإحدى الفتويين أو الفتاوى ، لأن موضوع الحجية لا يتحقق حينئذٍ إلاّ بالالتزام ، وهو مقدمة لتطبيق العمل على طبقها والوجه فيه : أن الحجة يمتنع أن يكون هو الجميع لاستلزامه الجمع بين المتناقضين ، ولا واحد معيّن لأنه بلا مرجح ، كما يمتنع الحكم بالتساقط والرجوع إلى غير الفتوى لأنه خلاف السيرة والإجماع ، إذن يتعيّن أن تكون الحجة ما يختاره المكلّف ويلتزم به وحاصله : أن الحجة في مفروض الكلام هي إحدى الفتويين أو الفتاوى تخييراً والتمييز حينئذٍ بالاختيار والالتزام ، هذا.

ويأتي منّا إن شاء الله في المسألة الثالثة عشرة عند تعرض الماتن قدس‌سره لمسألة ما إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة وحكمه فيها بالتخيير : أن الحجية التخييرية بأي معنى فسّرت أمر لا محصل له في المقام ، وأن الوظيفة حينئذٍ هو الاحتياط لسقوط الفتويين أو الفتاوى عن الحجية بالتعارض ، إذن لا توقف للتقليد على الالتزام فضلاً عن أن يكون التقليد نفس الالتزام عند تعدد المجتهد واختلافهم في الفتوى.

ثمّ إن التكلم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة فقهية ، اللهُمَّ إلاّ في النذر ، وذلك لعدم وروده في شي‌ء من الروايات. نعم ، ورد في رواية الاحتجاج « فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه » (١) إلاّ أنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد عليها. إذن فلم يؤخذ عنوان التقليد في موضوع أي حكم لنتكلم عن مفهومه ومعناه. وأما أخذه في مسألتي البقاء على تقليد الميت ، والعدول من الحي إلى غيره فهو إنما يتراءى في كلمات الأصحاب ( قدّس الله أسرارهم ) حيث عنونوا المسألتين كما نقلناه ، ومن المعلوم أنهما بهذين العنوانين غير واردتين في الأخبار.

نعم ، سبق إلى بعض الأذهان أن حكم المسألتين مبني على معنى التقليد فيختلف الحال فيهما باختلافه ، لأنا لو فسّرناه بالالتزام وفرضنا أن المكلف التزم بالعمل بفتوى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣١ / أبواب صفات القاضي ب ١٠ ح ٢٠.

٦١

مجتهد ثمّ مات ذلك المجتهد ، فله أن يعمل على فتاواه لأنه من البقاء على تقليد الميت وليس تقليداً ابتدائياً له ، وهذا بخلاف ما إذا فسّرناه بالاستناد إلى فتوى المجتهد في مقام العمل ، لأنه حينئذٍ من تقليد الميت ابتداءً لعدم استناد المكلف إلى شي‌ء من فتاوى المجتهد الميت حال حياته ، وإنما التزم بأن يعمل على طبقها فلا يجوز أن يرجع إلى الميت حينئذٍ. وكذلك الكلام في المسألة الثانية لأنه إذا التزم بالعمل بفتيا مجتهد وفسّرنا التقليد بالالتزام حرم عليه العدول عن تقليده لأنه قد قلّده تقليداً صحيحاً ولا مرخّص له للعدول ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا إن التقليد هو الاستناد إلى فتوى المجتهد في مقام العمل لأنه حينئذٍ لم يتحقق منه تقليد المجتهد ليحرم عليه العدول ، بل لا يكون رجوعه لغيره عدولاً من مجتهد إلى مجتهد آخر ، هذا.

ولكنّا سنبيّن قريباً أن المسألتين لا يختلف حكمهما بالاختلاف في معنى التقليد لعدم ابتنائهما عليه حيث إن لكل من المسألتين مبنى لا يفرق فيه الحال بين أن يكون التقليد بمعنى الالتزام أو بمعنى آخر كما يأتي في محلّه ، إذن صحّ ما ذكرناه من أن عنوان التقليد لم يرد في شي‌ء من الأدلة حتى نبحث عن مفهومه.

بقي شي‌ء وهو أن مسألة التقليد ليست تقليدية وتوضيحه : أنّا قد أسبقنا أن كل مكلّف يعلم علماً إجمالياً بثبوت أحكام إلزامية في الشريعة المقدسة من وجوب أو تحريم ، وبه تنجّزت الأحكام الواقعية عليه ، وهو يقتضي الخروج عن عهدتها لاستقلال العقل بوجوب الخروج عن عهدة التكاليف المتوجّهة إلى العبد من سيّده والمكلف لدى الامتثال إما أن يأتي بنفس الواجبات الواقعية ويترك المحرمات ، وإما أن يعتمد على ما يعذّره على تقدير الخطأ وهو ما قطع بحجيته ، إذ لا يجوز لدى العقل الاعتماد على غير ما علم بحجيته حيث يحتمل معه العقاب ، وعلى هذا يترتب أن العامي لا بدّ في استناده إلى فتوى المجتهد أن يكون قاطعاً بحجيتها في حقه ، أو يعتمد في ذلك على ما يقطع بحجيته ، ولا يسوغ له أن يستند في تقليده على ما لا يعلم بحجيته إذ معه يحتمل العقاب على أفعاله وتروكه وعليه لا يمكن أن تكون مسألة التقليد تقليدية ، بل لا بدّ أن تكون ثابتة بالاجتهاد. نعم ، لا مانع من التقليد في خصوصياته كما يأتي عليها الكلام ، إلاّ أن أصل جوازه لا بدّ أن يستند إلى الاجتهاد.

٦٢

ما يمكن أن يعتمد عليه العامي‌

الّذي يمكن أن يعتمد عليه العامي في حجية فتوى المجتهد في حقّه أمران :

أحدهما : الارتكاز الثابت ببناء العقلاء ، حيث جرى بناؤهم في كل حرفة وصنعة بل في كل أمر راجع إلى المعاش والمعاد ، على رجوع الجاهل إلى العالم لأنه أهل الخبرة والاطلاع ، ولم يرد من هذه السيرة ردع في الشريعة المقدسة. وهذه السيرة والبناء وإن جاز أن لا يلتفت إليهما العامي مفصلاً ، إلاّ أنهما مرتكزان في ذهنه بحيث يلتفت إليهما ويعلم بهما تفصيلاً بأدنى إشارة وتنبيه.

وثانيهما : دليل الانسداد ، وتقريبه أن كل أحد يعلم بثبوت أحكام إلزامية في حقه كما يعلم أنه غير مفوّض في أفعاله بحيث له أن يفعل ما يشاء ويترك ما يريد ، وهذان العلمان ينتجان استقلال العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكاليف الواقعية المنجّزة بعلمه ، وطريق الخروج عنها منحصر في الاجتهاد والاحتياط والتقليد.

أما الاجتهاد ، فهو غير متيسّر على الكثير بل على الجميع ، لأن كل مجتهد كان برهة من الزمان مقلداً أو محتاطاً لا محالة ، وكونه مجتهداً منذ بلوغه وإن كان قد يتفق إلاّ أنه أمر نادر جدّاً ، فلا يمكن أن يكون الاجتهاد واجباً عينياً على كل أحد بل لعلّه خلاف الضرورة بين المسلمين.

وأمّا الاحتياط ، فهو كالاجتهاد غير ميسور له لعدم تمكنه من تشخيص موارده ، على أنّا لا نحتمل أن تكون الشريعة المقدسة مبتنية على الاحتياط. إذن يتعيّن على العامي التقليد لانحصار الطريق به. وبهذا الطريق يستكشف العقل أن الشارع قد نصب في الشريعة طريقاً آخر إلى الأحكام الواقعية بالإضافة إلى العامي فلا يسوغ له أن يأخذ بالعمل بمظنوناته ويترك مشكوكاته وموهوماته ، وذلك لأنه ليس للمقلّد ظنّ بالأحكام فإنه ليس من أهل النظر والاجتهاد. على أن ظنّه كشكّه ووهمه لا أقربية له إلى الواقع بالنسبة إلى شقيقيه ، لعدم ابتنائه على النظر في أدلة الأحكام فليس له طريق أقرب إلى الواقع من فتوى مقلّده.

وعلى الجملة أن دليل الانسداد وإن لم يتم بالإضافة إلى المجتهد ، فإن من يرى انسداد باب العلم الّذي من مقدماته عدم التمكن من الاجتهاد ، كيف يرخّص الرجوع‌

٦٣

إلى فتوى من يرى انفتاحه ويدعي التمكن من الاجتهاد وذلك لعلمه بخطئه ومع تخطئته لا يتمكن العامّي من الرجوع إليه ، إلاّ أنه تام بالإضافة إلى العامّي كما عرفت هذا كلّه فيما يمكن أن يعتمد عليه العامي في المقام.

ما دلّ على جواز التقليد‌

وأما ما يمكن أن يستدل به المجتهد على جواز التقليد في الشريعة المقدسة فهو أُمور :

منها : السيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع عنها وقد تقدمت ، وهي تقتضي جواز التقليد والإفتاء كليهما.

ومنها : قوله عزّ من قائل ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (١) فإنها تدلنا على وجوب النفر حسبما تقتضيه لولا التحضيضية ، كما تدلنا على وجوب التفقه والإنذار لأنهما الغاية الداعية إلى الأمر بالنفر ، وتدلنا أيضاً على أن مطلوبية التفقه والإنذار ليست لأجل نفسيهما ، بل من جهة احتمال التحذر بواسطتهما ، فالغاية من ذينك الواجبين هو التحذر عند الإنذار ، وحيث إن الآية مطلقة فيستفاد منها أن التحذر عقيب الإنذار واجب مطلقاً ، سواء حصل العلم من إنذار المنذرين أم لم يحصل.

وتوضيحه : أن الحذر على ما يستفاد من مشتقاته وموارد استعمالاته ، عنوان للعمل وليس عبارة عن الخوف النفساني فحسب ، ومعناه التحفظ عن الوقوع فيما لا يراد من المخاوف والمهالك ، مثلاً إذا حمل المسافر سلاحه في الطريق المحتمل فيه اللّص أو السبع للمدافعة عن نفسه أو ماله يقال : إنه تحذّر فهو فعل اختياري وليس بمعنى الخوف كما مر ، وقد دلت الآية المباركة على وجوبه ، وبما أن التحذر غير مقيد فيها بصورة حصول العلم من إنذار المنذرين لكي يجب التحذر بالعلم المستند إلى الإنذار ، فلا مناص من الالتزام بوجوب التحذر عقيب الإنذار مطلقاً ، حصل للمتحذر علم من إنذار المنذرين أم لم يحصل.

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٢٢.

٦٤

وعلى الجملة أن للآية المباركة دلالات.

منها : دلالتها على وجوب التقليد في الأحكام ، لدلالتها على وجوب التحذر بانذار الفقيه وهو إنما يتحقق بالعمل على إنذاره وفتواه.

ومنها : دلالتها على وجوب الإفتاء ، وذلك لدلالتها على وجوب الإنذار فإن الإنذار قد يكون بالدلالة المطابقية وفد يكون ضمنياً أو بالالتزام ، وإفتاء المجتهد بالحرمة أو الوجوب يتضمن الإنذار باستحقاق العقاب عند تركه الواجب أو إتيانه الحرام.

ومنها : دلالتها على حجية إنذار الفقيه وإفتائه ، وذلك لأنه لو لم يكن إنذاره حجة شرعاً ، لم يكن أي مقتض لوجوب التحذر بالإنذار لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فوجوب التحذّر عند إنذار الفقيه يستلزم حجية الإنذار لا محالة ، هذا.

وقد يقال : إن الفقاهة والاجتهاد في الصدر الأوّل غير الفقاهة والاجتهاد في العصور المتأخرة ، لأن التفقه في الأعصار السابقة إنما كان بسؤال الأحكام وسماعها عن المعصومين عليهم‌السلام ، ولم يكن وقتئذٍ من الاجتهاد بالمعنى المصطلح عليه عين ولا أثر ، إذن لا دلالة للآية المباركة على حجية إنذار الفقيه بالمعنى المصطلح لتدل على حجية فتواه ، وإنما تدل على حجية النقل والرواية ، لأن إنذار الفقيه بالمعنى المتقدم إنما هو بنقله الحكم الّذي سمعه من مصادره ، أو بإخباره عن أن الفعل يترتب على ارتكابه أو على عدم ارتكابه العقاب ، وأين هذا من التفقه بالمعنى المصطلح عليه لأنه أمر آخر يتوقف على إعمال الدقة والنظر.

وهذه المناقشة وإن أوردها بعض مشايخنا المحققين ( قدّس الله أسرارهم ) (١) إلاّ أنها مما لا يمكن المساعدة عليه وذلك :

أما أوّلاً : فلأن الآية المباركة لمكان أخذها عنوان الفقاهة في موضوع وجوب التحذر ، ليست لها أيّة دلالة على حجية الخبر والرواية من جهتين :

إحداهما : أن حجية الرواية لا يعتبر فيها أن يكون الناقل ملتفتاً إلى معناها فضلاً‌

__________________

(١) رسالة في الاجتهاد والتقليد ( الأصفهاني ) : ١٨.

٦٥

عن أن يكون فقيهاً ، لكفاية الوثاقة في حجية نقل الألفاظ المسموعة عن المعصوم عليه‌السلام من غير أن يتوقف على فهم المعنى بوجه.

وثانيتهما : أن الراوي لا يعتبر في حجية رواياته أن يصدق عليه عنوان الفقيه ، لأنه إذا روى رواية أو روايتين أو أكثر لم يصدق عليه الفقيه وإن كان ملتفتاً إلى معناها لضرورة أن العلم بحكم أو بحكمين لا يكفي في صدق الفقيه مع حجية رواياته شرعاً.

اللهُمَّ إلاّ أن يقال : إن الآية المباركة إذا دلت على حجية الخبر عند صدق الفقيه على ناقله ، دلت على حجيته عند عدم كون الراوي فقيهاً لعدم القول بالفصل ، إلاّ أن ذلك استدلال آخر غير مستند إلى الآية ، كيف وقد عرفت أن الآية قد أُخذ في موضوعها التفقه في الدين. فظهر بما سردناه أن دلالة الآية المباركة على حجية فتوى المجتهد وجواز التقليد أقرب وأظهر من دلالتها على حجية الخبر.

وأما ثانياً : فلعدم كون التفقه والاجتهاد في الأعصار السابقة مغايراً لهما في العصور المتأخرة ، بل الاجتهاد أمر واحد في الأعصار السابقة والآتية والحاضرة ، حيث إن معناه معرفة الأحكام بالدليل ولا اختلاف في ذلك بين العصور. نعم ، يتفاوت الاجتهاد في تلك العصور مع الاجتهاد في مثل زماننا هذا في السهولة والصعوبة حيث إن التفقه في الصدر الأوّل إنما كان بسماع الحديث ، ولم تكن معرفتهم للأحكام متوقفة على تعلم اللغة ، لكونهم من أهل اللسان أو لو كانوا من غيرهم ولم يكونوا عارفين باللغة كانوا يسألونها عن الإمام عليه‌السلام فلم يكن اجتهادهم متوقفاً على مقدمات ، أما اللغة فلما عرفت ، وأمّا حجية الظهور واعتبار الخبر الواحد وهما الركنان الركينان في الاجتهاد فلأجل أنهما كانتا عندهم من المسلّمات. وهذا بخلاف الأعصار المتأخرة لتوقف الاجتهاد فيها على مقدمات كثيرة ، إلاّ أن مجرد ذلك لا يوجب التغيير في معنى الاجتهاد ، فإن المهم مما يتوقف عليه التفقه في العصور المتأخرة إنما هو مسألة تعارض الروايات ، إلاّ أن التعارض بين الأخبار كان يتحقق في تلك العصور أيضاً ، ومن هنا كانوا يسألونهم عليهم‌السلام عمّا إذا ورد عنهم خبران متعارضان. إذن التفقه والاجتهاد بمعنى إعمال النظر متساويان في الأعصار السابقة واللاّحقة وقد كانا متحققين في الصدر الأول أيضاً. ومن هنا ورد في مقبولة عمر بن‌

٦٦

حنظلة : « ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ... » (١) وفي بعض الأخبار ورد الأمر بالإفتاء صريحاً (٢).

فدعوى أن الفقاهة والاجتهاد بالمعنى المصطلح عليه لا عين ولا أثر له في الأعصار السالفة مما لا وجه له. ومعه لا موجب لاختصاص الآية المباركة بالحكاية والإخبار ، لشمولها الإفتاء أيضاً كما عرفت. فدلالة الآية على حجية الفتوى وجواز التقليد مما لا مناقشة فيه.

ومنها : قوله عزّ من قائل ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٣) حيث دلت على وجوب السؤال عند الجهل ، ومن الظاهر أن السؤال مقدمة للعمل فمعنى الآية المباركة : فاسألوا أهل الذّكر لأجل أن تعملوا على طبق الجواب ، لا أن المقصود الأصلي هو السؤال في نفسه لوضوح أنه لغو لا أثر له ، فلا مصحح للأمر به لو لم يكن مقدمة للعمل. فتدلنا الآية المباركة على جواز رجوع الجاهل إلى العالم وهو المعبّر عنه بالتقليد ، وعلى حجية فتوى العالم على الجاهل ، لأنه لو لم يكن قول العالم حجة على السائل لأصبح الأمر بالسؤال عنه لغواً ظاهراً.

ودعوى أن المراد بها وجوب السؤال عنهم حتى يحصل العلم للسائل من أجوبتهم ويعمل على طبق علمه ، وأن معنى الآية : فاسألوا لكي تعلموا فتعملوا بعلمكم ، من البعد بمكان وذلك لأن مثل هذا الخطاب إنما هو لبيان الوظيفة عند عدم العلم والمعرفة فهو في قبال العلم بالحال ، لا أنه مقدمة لتحصيل العلم ، مثلاً يقال : إذا لست بطبيب فراجع الطبيب في العلاج ، فإن المتفاهم العرفي من مثله أن الغاية من الأمر بالمراجعة ، إنما هو العمل على طبق قول الطبيب ، لا أن الغاية صيرورة المريض طبيباً وعالماً بالعلاج حتى يعمل على طبق علمه ونظره ، فقوله راجع الطبيب ، معناه : راجعه لتعمل على نظره لا لتكون طبيباً وتعمل بعلمك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٦ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ١.

(٢) كأمره عليه‌السلام لأبان بن تغلب حيث قال : اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس ... راجع رجال النجاشي ص ٧.

(٣) الأنبياء ٢١ : ٧.

٦٧

إذن معنى الآية المباركة : أنه إذا لستم بعالمين فاسألوا أهل الذكر للعمل على طبق قولهم وجوابهم ، فلا مناقشة في دلالة الآية المباركة من هذه الجهة.

وقد يتوهم أن تفسير أهل الذكر في الأخبار ، بأهل الكتاب أو الأئمة عليهم‌السلام ينافي الاستدلال بها على جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم والفقيه في الأحكام.

ويندفع بأن ورود آية في مورد لا يقتضي اختصاصها بذلك المورد ، والآية المباركة قد تضمنت كبرى كليةً قد تنطبق على أهل الكتاب وقد تنطبق على الأئمة عليهم‌السلام وقد تنطبق على العالم والفقيه ، وذلك حسبما تقتضيه المناسبات على اختلافها باختلاف المقامات ، فإن المورد إذا كان من الاعتقاديات كالنبوّة وما يرجع إلى صفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالمناسب السؤال عن علماء أهل الكتاب ، لعلمهم بآثارها وعلاماتها ، كما أن المورد لو كان من الأحكام الفرعية فالمناسب الرجوع فيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الأئمة عليهم‌السلام وعلى تقدير عدم التمكّن من الوصول إليهم ، فالمناسب الرجوع إلى الفقهاء.

وعلى الجملة ، تضمنت الآية المباركة كبرى رجوع الجاهل إلى العالم المنطبقة على كل من أهل الكتاب وغيرهم ، فالاستدلال بها من تلك الناحية أيضاً مما لا خدشة فيه ، هذا.

ولكن الصحيح أن الآية المباركة لا يمكن الاستدلال بها على جواز التقليد ، وذلك لأن موردها ينافي القبول التعبدي ، حيث إن موردها من الأُصول الاعتقادية بقرينة الآية السابقة عليها وهي ( وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ). وهو ردّ لاستغرابهم تخصيصه سبحانه رجلاً بالنبوة من بينهم فموردها النبوة ويعتبر فيها العلم والمعرفة ولا يكفي فيها مجرد السؤال من دون أن يحصل به الإذعان. فلا مجال للاستدلال بها على قبول فتوى الفقيه تعبداً من دون أن يحصل منها العلم بالمسألة.

٦٨

الآيات الناهية عن التقليد‌

ثمّ إن هناك آيات وردت في النهي عن التقليد وذمه كقوله عزّ من قائل ( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) (١) وقوله ( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) (٢) وغير ذلك من الآيات إلاّ أنها أجنبية عمّا نحن بصدده ، فإن محل الكلام إنما هو التقليد في الأحكام الفرعية بالإضافة إلى العوام غير المتمكن من تحصيل العلم بالمسألة والآيات المباركة إنما وردت في ذم التقليد في الأُصول ، حيث كانوا يتبعون آباءهم في أديانهم ، مع أن الفطرة قاضية بعدم جواز التقليد من مثلهم ولو في غير الأصول وذلك لأنه من رجوع الجاهل إلى جاهل مثله ومن قيادة الأعمى لمثله ، فالذم فيها راجع إلى ذلك. مضافاً إلى أن الأُمور الاعتقادية يعتبر فيها العلم والمعرفة ولا يسوغ فيها الاكتفاء بالتقليد ، وليس في شي‌ء من الآيات المتقدمة ما يدل على النهي عن التقليد في الفروع عن العالمين بها ، لمن لا يتمكن من العلم بالأحكام.

وأمّا الآيات الناهية عن الظن ، فهي أيضاً كسابقتها في عدم الدلالة على حرمة التقليد لما بيّناه في محلّه من أن النهي في تلك الآيات ليس نهياً مولوياً ، وإنما هو إرشاد إلى ما استقل به العقل ، إذ الظن يقترن دائماً باحتمال الخلاف فالعمل به مقرون باحتمال العقاب لا محالة ، ودفع العقاب المحتمل مما استقل به من العقل ، والنهي في الآيات المباركة إرشاد إليه. ومن ثمة قلنا في محله إن حجية أي حجة لا بدّ من أن تنتهي إلى العلم ، إذ لو لم تكن كذلك لاحتمل معها العقاب والعقل مستقل بلزوم دفعه.

وعلى الجملة ، أن دلالة آية النفر على حجية الفتوى وجواز التقليد مما لا إشكال فيه ، ولا يعارضها شي‌ء من الآيات المباركة.

ومنها : الروايات الدالة على جواز العمل بالتقليد وحجية الفتوى في الفروع ، وهي كثيرة بالغة حدّ التواتر الإجمالي وإن لم تكن متواترة مضموناً. وبها يظهر أن الأدلة‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ١٠٤.

(٢) البقرة ٢ : ١٧٠.

٦٩

اللفظية والسيرة والعقل مطبقة على جواز التقليد وحجية فتوى الفقيه. وتلك الأخبار على طوائف :

الاولى : الأخبار المشتملة على إرجاع الناس إلى أشخاص معينين أو إلى عنوان من العناوين المنطبقة عليهم ، كالارجاع إلى العمرى وابنه ، ويونس بن عبد الرحمن وزكريا بن آدم ، ويونس مولى آل يقطين ، والإرجاع إلى رواة حديثهم إلى غير ذلك من الروايات (١). وحيث إن دلالتها على الإرجاع إلى هؤلاء مطلقة فتشمل ما إذا كان ما يؤدّونه في مقام الجواب ، ما وصل إليه نظرهم من الجمع بين الروايتين المتعارضتين أو حمل المطلق على المقيد أو التمسك بالعام عند الشك في التخصيص أو غير ذلك من أنحاء الاجتهاد والاستنباط ، وما إذا كان جوابهم بنقل الألفاظ الّتي سمعوها عنهم عليهم‌السلام.

وأظهر منها قوله عليه‌السلام في رواية إسحاق بن يعقوب : « وأما الحوادث‌

__________________

(١) أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سألته وقلت : من أُعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال : العمري ثقتي فما أدى إليك عني ، فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون ». قال : « وسألت أبا محمد عليه‌السلام عن مثل ذلك فقال : العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني ، فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان ».

عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرضا عليه‌السلام قال : « قلت : لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال : نعم ».

عبد العزيز بن المهتدي قال : « قلت للرضا عليه‌السلام إن شقتي بعيدة فلست أصل إليك في كل وقت ، فآخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين؟ قال : نعم ».

علي بن المسيب الهمداني قال : « قلت للرضا عليه‌السلام : شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني؟ قال : من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا ».

إسحاق بن يعقوب قال : « سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك ... إلى أن قال : وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ». وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٨ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ، ح ٤ ، ٩ ، ٢٧ ، ٣٣ ، ٣٥.

٧٠

الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا » (١) وذلك لأن الحوادث الواقعة قد لا تكون منصوصة فلا يمكن أن يجاب فيها إلاّ بالاجتهاد وإعمال النظر. وأما التعبير فيها برواة الحديث دون العلماء أو الفقهاء ، فلعل السرّ فيه أن علماء الشيعة ليس لهم رأي من عند أنفسهم في قبال الأئمة عليهم‌السلام فإنهم لا يستندون إلى القياس والاستحسان والاستقراء الناقص وغير ذلك مما يعتمد عليه المخالفون ، وإنما يفتون بالروايات المأثورة عنهم عليهم‌السلام فهم في الحقيقة ليسوا إلاّ رواة حديثهم.

الثانية : الأخبار المشتملة على الأمر الصريح بافتاء بعض أصحابهم عليهم‌السلام كقوله لأبان بن تغلب : « اجلس في ( مسجد ) مجلس المدينة وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك » (٢) وقوله لمعاذ بن مسلم النحوي : « بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟ قلت : نعم وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج ، إني أقعد في المسجد فيجي‌ء الرجل فيسألني عن الشي‌ء فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ، ويجي‌ء الرجل أعرفه بمودّتكم وحبكم فأُخبره بما جاء عنكم ، ويجي‌ء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا ، وجاء عن فلان كذا فادخل قولكم فيما بين ذلك فقال لي : اصنع كذا فإني كذا أصنع » (٣).

وهذه الطائفة لا إشكال في دلالتها على جواز الإفتاء في الأحكام ، كما أنها تدلنا على جواز التقليد والرجوع إلى مثل أبان أو معاذ ، إذ لو لم يجز تقليده بأن لم يكن فتواه حجة على السائل لم يكن فائدة في أمرهم عليهم‌السلام بإفتائه لأنه حينئذ لغو ومما لا أثر له.

الثالثة : الأخبار الناهية عن الإفتاء بغير علم وعن القضاء بالرأي والاستحسان والمقاييس ، وهي كثيرة عنون لها باباً في الوسائل وأسماه باب عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد والمقاييس ونحوها من الاستنباطات الظنية في نفس‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٠ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٩.

(٢) المروية في رجال النجاشي ص ٧ ٨.

(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٨ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٣٦.

٧١

بالعمل بقول مجتهد معين وإن لم يعمل بعد ، بل ولو لم يأخذ فتواه ، فإذا أخذ رسالته والتزم بالعمل بما فيها كفى في تحقق التقليد (١).

______________________________________________________

الأحكام الشرعية (١). وهي تدل على حرمة الإفتاء بمثل القياس والاستحسان وغيرهما مما هو متداول عند المخالفين لأنه من الإفتاء بغير علم ، كما أنها تدل على جواز الإفتاء عن مدرك صحيح كالأخبار المأثورة عنهم عليهم‌السلام على ما هو المتعارف عند علماء الشيعة ( قدّس الله أسرارهم ).

(١) إن من يجوز تقليده إما أن يتحد وإما أن يتعدد ، وعلى الثاني إما أن يتفقوا في الفتوى وإما أن يختلفوا ، وعلى جميع هذه التقادير لا يرجع التقييد بالتعيين في كلامه قدس‌سره إلى محصل وذلك :

أمّا في صورة الاتحاد ، فلوضوح أنه لا تعدد لمن يجوز تقليده ليجب تعيينه أو لا يجب.

وأمّا عند التعدد مع الاتفاق في الفتوى ، فلما تأتي الإشارة إليه في المسألة الثامنة عشرة من أن الحجية إنما ترتبت على طبيعي فتوى الفقيه على نحو صرف الوجود وهذا ينطبق على القليل والكثير. إذن الحجة هو الجامع بين الفتويين أو الفتاوى سواء تساووا في الفضيلة أم اختلفوا ، فإن حال المقام حال الخبرين إذا دلّ كلاهما على حكم واحد ، حيث إن المجتهد إذا أفتى مستنداً إلى الجامع بينهما ، فقد استند إلى الحجة وإن لم يعيّن أحدهما ، إذ لا دليل على لزوم تعيين المستند بوجه ، بل التعيين أمر غير ممكن لأنه بلا مرجح ، فالحجة هو الجامع بين الروايتين.

وأمّا عند التعدد مع الاختلاف في الفتوى ، فلما يوافيك في المسألة الثالثة عشرة من أن الوظيفة حينئذٍ هو الاحتياط ، لسقوط الفتويين أو الفتاوى عن الحجية بالتعارض فلا حجة ليجب تعيينها أو لا يجب.

هذا كلّه إذا أُريد بالمعيّن ما يقابل المتعدد. وأمّا لو أُريد به ما يقابل المردد فالتقييد صحيح ، إلاّ أنه أمر لا حاجة إليه لأن المردد لا ماهية ولا وجود له ليكون قابلاً للحكم عليه بالحجية أو بغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٥ / أبواب صفات القاضي ب ٦.

٧٢

[٩] مسألة ٩ : الأقوى جواز البقاء (*) على تقليد الميت ، ولا يجوز تقليد الميت ابتداء. (١)

______________________________________________________

اشتراط الحياة في المقلّد

(١) قد اختلفوا في اعتبار الحياة في من يرجع إليه في التقليد وعدمه ، على أقوال ثلاثة :

أحدها : جواز تقليد الميت مطلقاً ابتداءً واستدامة. ونسب ذلك إلى الأخباريين ووافقهم من الأُصوليين المحقق القمي قدس‌سره في جامع الشتات في موردين حيث سئل في أحدهما عن جواز الرجوع إلى فتوى ابن أبي عقيل قدس‌سره فأجاب بما حاصله : أن الأقوى عندنا جواز تقليد الميت بحسب الابتداء فلا مانع من الرجوع إليه (١). وقال في ثانيهما : إن الأحوط الرجوع إلى الحي (٢) ، والاحتياط في كلامه من الاحتياط المستحب لافتائه بجواز تقليد الميت ابتداء.

وثانيها : عدم جواز تقليد الميت مطلقاً.

وثالثها : التفصيل بالمنع عن جواز تقليد الميت ابتداءً ، والقول بجوازه بحسب البقاء.

وتحقيق الكلام في هذه المسألة يستدعي التكلم في مقامين :

١ ـ تقليد الميت ابتداءً‌

ذهبت العامة إلى جوازه ومن ثمّة قلّدوا أشخاصاً معيّنين من أموات علمائهم ، ووقع ذلك عند أصحابنا قدس‌سرهم مورد الكلام ، والمشهور بل المتسالم عليه عندهم عدم الجواز ، ونسب القول بالجواز إلى المحدّثين وإلى الميرزا القمي قدس‌سره كما مرّ.

__________________

(*) بل الأقوى وجوبه فيما تعين تقليد الميت على تقدير حياته.

(١) جامع الشتات ٢ : ٤٢٠.

(٢) جامع الشتات ١ : ٢٧.

٧٣

والصحيح ، أن خلافه كمخالفة المحدّثين غير مانعين عن دعوى التسالم على عدم مشروعية تقليد الميت ابتداءً ، وسرّه أن المحقق القمي إنما جوّز تقليد الميت بحسب الابتداء تطبيقاً للمسألة على مسلكه وجرياً على ما هو الصحيح عنده من انسداد باب العلم بالأحكام ، وأن الامتثال الجزمي وهو الاحتياط متعذر على المكلفين ، وأن العقل يتنزل معه إلى امتثالها ظنا ، لأنّه المقدور في حقهم فالمتعين على المكلفين إنما هو العمل بالظن ، بلا فرق في ذلك بين الظن الحاصل من فتاوى العلماء الأحياء وبين الظن الحاصل من فتاوى أمواتهم.

وهذا فاسد مبنى وبناءً ، أمّا بحسب المبنى ، فلما ذكرناه في بحث الانسداد من أن دعوى انسداد باب العلم بالأحكام فاسدة من أساسها ، حيث إنها تبتني على أحد أمرين على سبيل منع الخلو :

أحدهما : دعوى عدم حجية الظواهر بالنسبة إلى غير المقصودين بالافهام.

وثانيهما : البناء على عدم حجية الخبر الموثوق به. وقد أثبتنا في محله حجية كل من الظواهر والخبر الموثوق به ، وقلنا إن حجية الظواهر غير مختصة بمن قصد إفهامه والخبر الموثوق به كالمقطوع صحته ، فدعوى الانسداد فاسدة مبنى.

وأمّا بحسب البناء ، فلأنا لو سلّمنا انسداد باب العلم كما يراه ، فهذا إنما يقتضي اعتبار الظن على خصوص المجتهد ، لأنه حينئذٍ يجب أن يعمل بظنه الحاصل من الأدلة ، وأما العامّي فلا ، لأنه كيف يحصل له الظن بالحكم الواقعي من فتوى الميت عند مخالفة الإحياء ، بل الأموات أيضاً معه في المسألة ، وبالأخص إذا كان الإحياء بأجمعهم أو بعضهم أعلم من الميت ، والاختلاف في الفتوى بين العلماء مما لا يكاد يخفى على أحد ، ومعه لا يحصل للعامّي أيّ ظن بأن ما أفتى به الميت مطابق للواقع ، وأن فتوى غيره من الأموات والأحياء مخالف له كيف فإنه يحتمل خطأه حينئذٍ.

فالصحيح بناء على هذا المبنى الفاسد ، أن يقال : إن العامّي يجب عليه العمل على فتوى المشهور في المسألة ، لأن فتواهم مفيدة للظن في حقه ، هذا كلّه بالنسبة إلى خلاف المحقق القمي.

وأما مخالفة المحدّثين فهي أيضاً كذلك ، وذلك لأنهم إنما رخّصوا في تقليد الميت‌

٧٤

بحسب الابتداء ، بناءً على مسلكهم من إنكار مشروعية التقليد بالكلية ، وأن رجوع العامّي إلى المجتهد إنما هو من باب الرجوع إلى رواة الحديث ، كما في رواية إسحاق بن يعقوب « وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا » (١). فالمفتي ينقل الرواية لا أنه يفتي حقيقة حسب رأيه ونظره ، ومن الظاهر أن حجية الرواية وجواز العمل بها لا يتوقفان على حياة الراوي بوجه ، لأنها حجة ويجوز العمل بها كان المحدّث حياً أو ميتاً.

وهذه الدعوى أيضاً فاسدة مبنى وبناءً ، أما بحسب المبنى ، فلما أسلفناه من أن المستفاد من الآيات والروايات أن الرجوع إلى المجتهد إنما هو من أجل أنه أهل الخبرة والاطلاع ، وأن لنظره دخلاً في جواز الرجوع إليه ، لا أنه من جهة كونه راوي الحديث. وقد دلت آية النفر على أن إنذار الفقيه حجة ، ومعناه أن الفقيه بما أنه فقيه وناظر في الأخبار وقد جمع بين متعارضاتها وخصص عموماتها وقيّد مطلقاتها يجوز الرجوع إليه ، فإنه لا يعتبر الفقاهة في الراوي كما مرّ ، فهو من رجوع الجاهل إلى العالم والفقيه ، لا من رجوع العامّي إلى رواة الحديث. فهذه الدعوى غير تامة مبنى.

وأما بحسب البناء ، فلأنا لو سلّمنا أن الرجوع إلى المجتهد من باب الرجوع إلى راوي الحديث ، فلا يمكننا إرجاع العامّي إلى فتوى الميت بعنوان راوي الحديث وذلك لأن كل شخص عامّي أو غيره على علم من أن المسائل الشرعية مورد الخلاف بين العلماء ( قدّس الله أسرارهم ) للاختلاف في مداركها وأخبارها ، وبالأخص إذا كان ممن له حظ من العلم وإن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد ، لأنه إذا رجع إلى الكتب الفقهية رأى أن للشهيد قولاً وللشيخ قولاً آخر وهكذا ، ومع فرض التعارض في الأخبار لا يجوز للعامّي كالمجتهد أن يرجع إلى شي‌ء من المتعارضات. بل لا بدّ من ملاحظة المرجحات والأخذ بما له مرجح من المتعارضين ، وعلى تقدير تكافئهما يلاحظ أن مقتضى القاعدة هو التساقط أو التخيير. فعلى القول بأن الرجوع إلى المجتهد من الرجوع إلى راوي الحديث ، وفرض عدم المرجح في البين ، والقول بأن القاعدة تقتضي التخيير في المتكافئين ، لا بأس برجوعه إلى فتوى الميت فلا مجوّز للحكم بجواز رجوعه إلى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٠ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٩.

٧٥

الميت على نحو الإطلاق.

وملخص الكلام : أن مخالفة المحدّثين والمحقق القمي قدس‌سره ليست مخالفة في المسألة ومحل الكلام ، إذ لعلّها مبتنية على مسلكهما كما مرّ ، وأمّا أن المحقق لو كان بانياً على الانفتاح ، والمحدّثين لو كانوا بانين على أن الرجوع إلى المجتهد من باب الرجوع إلى العالم وأهل الاطلاع ، كانا يجوّزان تقليد الميت ابتداءً فلا علم لنا به ، وكيف كان فلا بدّ من التكلم فيما استدل به على جواز تقليد الميت ابتداءً.

أدلة المثبتين‌

وقد استدلوا عليه بوجوه :

منها : دعوى أن الآيات والروايات الواردة في حجية فتوى الفقيه غير مقيّدة بحال الحياة‌ ، فمقتضى إطلاق الأدلة عدم الفرق في حجيتها بين الحياة والممات ، لأنها كما تشمل فتوى المجتهد الحي كذلك تشمل فتوى المجتهد الميت ، فالنتيجة هو التخيير لا محالة.

ويدفعه : أن الآيات والروايات على تقدير إطلاقهما وشمولهما فتوى الميت في نفسها لا يمكن التمسك بهما في المقام ، وذلك لما مرّ من أن العلماء أحياءهم وأمواتهم مختلفون في المسائل الشرعية ومع مخالفة فتوى الميت لفتوى الأحياء ، بل مخالفتها لفتوى الأموات بأنفسهم ، لا تشملها الإطلاقات بوجه لعدم شمول الإطلاق للمتعارضين ، هذا.

على أن الأدلة القائمة على حجية فتوى الفقيه وجواز الرجوع إليه لا إطلاق لها من تلك الناحية ليشمل فتوى الميت في نفسها ، وذلك لأنها إنما دلت على وجوب الحذر عند إنذار المنذر والفقيه ، أو على السؤال من أهل الذكر ، أو على الرجوع إلى راوي الحديث أو الناظر في الحلال والحرام ، أو غير ذلك من العناوين الواردة في الأخبار ولا شبهة في أن القضايا ظاهرة في الفعلية ، بمعنى أن قولنا مثلاً : العالم يجب إكرامه ظاهره أن من كان متصفاً بالعلم بالفعل هو الّذي يجب إكرامه ، لا الأعم من المتلبس بالفعل ، ومن انقضى عنه التلبس. إذن مقتضى الأدلة المتقدمة أن من كان متصفاً بالإنذار فعلاً أو بالفقاهة أو العلم أو غيرها من العناوين بالفعل ، هو الّذي يجوز تقليده. ولا إشكال‌

٧٦

في أن الميت لا يتّصف بالإنذار أو أهل الذكر أو بغيرهما من العناوين المتقدمة بالفعل ، وإنما كان منذراً أو فقيهاً سابقاً إذ لا إنذار للميت ، ولا أنه من أهل الذكر إلى غير ذلك من العناوين المتقدمة ، وقد عرفت أن الأدلة غير شاملة لمن لم يكن متصفاً بالعناوين المأخوذة في الموضوع بالفعل.

وعلى الجملة ، أن الميت لما لم يكن منذراً أو متصفاً بغيره من العناوين المتقدمة بالفعل ، لم تشمله الأدلة القائمة على حجية فتوى المنذر ، ففتوى الميت خارجة عن مداليل الأدلة رأساً. ولا نريد بذلك دعوى أن الحذر يعتبر أن يكون مقارناً للإنذار وحيث إن هذا لا يعقل في فتوى الميت فإن الحذر متأخر عن إنذاره لا محالة فلا تشمله المطلقات ، بل نلتزم بعدم اعتبار التقارن بينهما قضاءً لحق المطلقات لعدم تقييدها بكون أحدهما مقارناً للآخر.

وإنما ندعي أن فعلية العناوين المذكورة وصدقها بالفعل ، هي المأخوذة في موضوع الحجية بحيث لو صدق أن الميت منذر بالفعل أو فقيه أو من أهل الذكر كذلك ، وجب الحذر من إنذاره وحكمنا بحجية فتواه وإن لم يكن الحذر مقارناً لانذاره ، كما إذا لم يعمل المكلف على طبقة بأن فرضنا أن المجتهد أفتى وأنذر وشمل ذلك زيداً مثلاً ثمّ مات المجتهد قبل أن يعمل المكلف على طبق فتواه ، فإنه حجة حينئذٍ ، لأن إنذاره المكلف إنما صدر في زمان كان المجتهد فيه منذراً بالفعل أي كان منذراً حدوثاً وإن لم يكن كذلك بحسب البقاء ، ويأتي في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت أن هذا كاف في حجية الفتوى ، ومن هنا قلنا إن المقارنة بين الإنذار والحذر غير معتبرة لإطلاق الأدلة من تلك الجهة. وأما إذا لم يصدق المنذر أو الفقيه أو بقية العناوين المتقدمة على الميت ولو بحسب الحدوث كما في التقليد الابتدائي ، نظير فتوى ابن أبي عقيل بالإضافة إلى أمثالنا فلا تشمله المطلقات لأن إنذاره ليس من إنذار المنذر أو الفقيه بالفعل.

ثمّ إن بما سردناه ظهر الجواب عن الأخبار الآمرة بالرجوع إلى أشخاص معيّنين كزكريا بن آدم ، ومحمّد بن مسلم ، وزرارة وأضرابهم حيث إن ظهورها في إرادة الإرجاع إلى الحي غير قابل المناقشة ، لأنه لا معنى للإرجاع إلى الميت والأمر بالسؤال أو الأخذ منه ، وذلك لوضوح أن الإرجاع فيها إنما هو إلى هؤلاء الأشخاص‌

٧٧

بأنفسهم ، لا أن الإرجاع إلى فتاواهم ليقاس ذلك بالأخبار ويدعى أن الفتوى كالرواية لا يفرق الحال في حجيتها بين أن يكون المفتي حياً أو ميتاً ، كما هو الحال في راوي الحديث. إذن لا موضوع للإرجاع بعد موتهم فهذا الوجه غير تام.

ومنها : السيرة‌ ، بتقريب أن العقلاء قد جرت سيرتهم على رجوع الجاهل إلى العالم ، ولا يفرّقون في ذلك بين العالم الحي والميت ، ومن هنا لو مرض أحدهم وشخّص مرضه لرجعوا في علاجه إلى القانون وغيره من مؤلفات الأطباء الأموات من غير نكير ، وحيث لم يردع عن هذه السيرة في الشريعة المقدسة فنستكشف أنها حجة وممضاة شرعاً.

ويرد على هذا الوجه : أن جريان السيرة على رجوع الجاهل إلى العالم مطلقاً وإن كان غير قابل للمناقشة ، إلاّ أنها لو لم تكن مردوعة بما يأتي من أن الأدلة الواردة في حجية فتوى الفقيه ظاهرة في فتوى أحيائهم ، لا تقتضي جواز تقليد الميت في نفسها وذلك لما مرّ من أن العامّي فضلاً عن غيره لا تخفى عليه المخالفة بين العلماء الأموات والأحياء في المسائل الشرعية بل بين الأموات أنفسهم ، ومع العلم بالمخالفة لا تشمل السيرة فتوى الميت بوجه ، لأن الأدلة ومنها السيرة غير شاملة للمتعارضين.

ومنها : الاستصحاب‌ ، وذلك للقطع بحجية فتوى الميت قبل موته فإذا شككنا في بقائها على حجيتها وعدمه ، استصحبنا حجيتها وبه يثبت أن العمل على فتوى الميت مؤمّن من العقاب. نعم ، لولا هذا الاستصحاب تعيّن الرجوع إلى فتوى الحي بمقتضى قاعدة الاشتغال لأنها المتيقنة من حيث الحجية ، وهذا بخلاف فتوى الميت للشك في حجيتها بموته.

والجواب عن ذلك : أنا لو أغمضنا عن أنه من الاستصحابات الجارية في الأحكام لوضوح أن الشك إنما هو في سعة الحجية المجعولة وضيقها ، وقد بيّنا في محله عدم جريان الاستصحاب في الأحكام ، وفرضنا أن لنا يقيناً سابقاً بحجية فتوى الميت بالإضافة إلى الجاهل المعدوم في عصره ، بأن بنينا على أن حجية فتوى الميت إنما جعلت في الشريعة المقدسة على نحو القضايا الحقيقية ، وموضوعها الجاهل المقدّر الوجود لتشمل الجاهل الموجود في عصر المجتهد الميت والجاهل المعدوم الّذي سيوجد‌

٧٨

بعد موته ، ولم ندّع أن اليقين بالحجية إنما هو بالإضافة إلى الجاهل الموجود في زمانه وإلاّ فلا يقين بحجية فتواه على من يريد تقليده ابتداءً بعد موته ، ولم نناقش بأن الحجية إنما ترتبت على الرأي والنظر ، ولا رأي بعد الممات كما ذكره صاحب الكفاية قدس‌سره (١) بأن قلنا إن الرأي حدوثه يكفي في حجيته بحسب البقاء ولا يعتبر استمراره في حجيته بعد الممات ، وأغمضنا عمّا هو الظاهر من الأخبار والآيات المتقدّمتين ، من أن الحجة إنما هو إنذار المنذر بالفعل لا من كان منذراً سابقاً وليس بمنذر بالفعل ، كما إذا قلنا إن الرجوع إنما يجب إلى فتوى المجتهد وأقواله ولا يجب الرجوع إلى ذات المجتهد ونفسه ، حتى تنتفي حجيته بموته كما هو الحال في الرواية إذ الحجية إنما تثبت للرواية ولم تثبت للراوي في ذاته ومن هنا لا تسقط عن الحجية بموته.

لم يمكننا المساعدة على جريان الاستصحاب في المقام ، وذلك لأن المراد بالحجية المستصحبة إن كان هو الحجية الفعلية فلا يقين بحدوثها ، لأن المتيقن عدم الحجية الفعلية بالإضافة إلى العامّي المتأخر عن عصر المجتهد الميت ، لوضوح أن الفعلية إنما تتحقق بوجود المكلف العامّي في عصر المجتهد ، والمفروض عدم تحققه فليست فتاوى الميت حجة فعلية على العامّي غير الموجود في عصره لتستصحب حجيتها الفعلية.

وإن أُريد بها الحجية التعليقية ، أعني الحجية الإنشائية فهي وإن كانت متيقنة على الفرض ، إلاّ أنها ليست بمورد للاستصحاب وذلك للشك في سعة دائرة الحجية المنشأة وضيقها وعدم العلم بأنها هي الحجية على خصوص من أدرك المجتهد وهو حي أو أنها تعم من لم يدركه كذلك.

وبعبارة اخرى إنا نشك في أن حجية رأي المجتهد وفتواه مقيدة بحالة حياته أو أنها غير مقيدة بها ، فلا علم لنا بثبوت الحجية الإنشائية بعد الممات ليمكن استصحابها حتى على القول بجريان الاستصحاب في الأحكام ، وذلك لأن الاستصحاب في المقام أسوء حالاً من الاستصحابات الجارية في الأحكام ، لأن تلك الاستصحابات إنما تدعى جريانها في الأحكام بعد تحقق موضوعاتها وفعليتها كحرمة وطء الخائض بعد‌

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٤٧٧.

٧٩

نقائها وقبل الاغتسال ، لأن الحرمة في المثال فعلية بوجود الحائض فعلى القول بجريان الاستصحاب في الأحكام لا مانع من استصحابها للقطع بثبوتها ، وهذا بخلاف المقام لأن الشك فيه إنما هو في سعة الحكم المنشأ وضيقه من دون أن يكون فعلياً في زمان ، ومعه لا يمكن استصحابه لعدم العلم بثبوت الجعل في زمان الشك فيه.

ومن هنا منعنا جريان الاستصحاب في أحكام الشرائع السابقة وعدم النسخ في الشريعة المقدسة ، ولو على القول بجريانه في الأحكام لرجوع الشك حينئذٍ إلى سعة جعل الحكم وضيقه ، وما عن المحدث الأسترآبادي من أن استصحاب عدم النسخ من الضروريات (١) أمر لا أساس له ، فلو وصلت النوبة إلى الشك في النسخ لمنعنا عن جريانه كما عرفت ، إلاّ أنه إنما لا يعتنى باحتماله لإطلاق الأدلة المثبتة للأحكام أو لما دلّ على استمرار أحكام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم القيامة.

والمتحصل : أن ما استدل به على جواز تقليد الميت من الابتداء لا يمكن تتميمه بوجه.

أدلة المانعين‌

وقد استدلوا على عدم جواز تقليد الميت ابتداءً بوجوه :

الأوّل : ما عن جملة من الأعاظم من دعوى الإجماع على عدم الجواز‌ وأن ذلك مما امتازت به الشيعة عن أهل الخلاف ، لأنهم ذهبوا إلى جواز تقليد الأموات ، ومن هنا قلّدوا جماعة منهم في أحكامهم ، ولم تقبل الشيعة ذلك لاشتراطهم الحياة في من يجوز تقليده. وقد بيّنا أن مخالفة المحقق القمي والمحدّثين ليست من المخالفة في محل الكلام وإنما هي مبتنية على مسلكهما الفاسدين ، ولم يظهر ذهابهما إلى جواز تقليد الميت على القول بالانفتاح ، وكون الرجوع إلى المجتهد من الرجوع إلى أهل الخبرة والاطلاع.

وفيه : أن الإجماع المدعى على تقدير تحققه ليس إجماعاً تعبدياً قابلاً لاستكشاف قول المعصوم عليه‌السلام به ، كما إذا وصل إليهم الحكم يداً بيد عنهم عليهم‌السلام لاحتمال أن يستندوا في ذلك إلى أصالة الاشتغال أو إلى ظهور الأدلة في‌

__________________

(١) الفوائد المدنية : ١٤٣.

٨٠