موسوعة الإمام الخوئي - ج ١

الشيخ علي الغروي

ومن جملة الموارد الّتي تجري فيها أصالة الاشتغال ويتوقف التصرف فيها على إذن الفقيه هو التصرف في سهم الإمام عليه‌السلام لأنه مال الغير ولا يسوغ التصرف فيه إلاّ بإذنه. فإذا علمنا برضاه بالتصرف فيه ، وعدم وجوب دفنه أو إلقائه في البحر أو توديعه عند الأمين ليودعه عند أمين آخر وهكذا إلى أن يصل إلى الإمام عليه‌السلام عند ظهوره وذلك لأنه ملازم عادي لتفويته ولا يرضى عليه‌السلام به يقيناً ، وقع الكلام في أن المتصرف في سهمه عليه‌السلام بصرفه في موارد العلم برضاه هل هو الفقيه الجامع للشرائط أو غيره ، ومقتضى القاعدة عدم جواز التصرف فيه إلاّ بإذنه ، والمتيقن ممن نعلم برضاه عليه‌السلام وإذنه له في التصرف فيه ، هو الفقيه الجامع للشرائط ، لعدم احتمال إذن الشارع لغير الفقيه دون الفقيه.

وأما إذا كان الأصل الجاري في تلك الأُمور أصالة البراءة ، كما في الصلاة على الميت الّذي لا ولي له ولو بالنصب من قبل الإمام عليه‌السلام فإن الصلاة على الميت المسلم من الواجبات الكفائية على كل مكلّف ، ومع الشك في اشتراطها بإذن الفقيه نتمسك بالبراءة ، لأنها تقتضي عدم اشتراطها بشي‌ء ، ومع جريان أصالة البراءة لا نحتاج إلى الاستيذان من الفقيه.

وعلى الجملة : الولاية بعد ما لم تثبت بدليل وجب الرجوع في كل تصرف إلى الأصل الجاري في ذلك التصرف وهو يختلف باختلاف الموارد ، والاحتياج إلى إذن الفقيه إنما هو في موارد تجري فيها أصالة الاشتغال.

وبعد ما عرفت ذلك لا بدّ من التكلّم في أن الولاية بالمعنى المتقدم أعني جواز تصرفات الفقيه ونفوذها ، وتوقف تصرّف الغير على إذنه هل يشترط فيها الأعلمية أو أنها ثابتة لمطلق الفقيه؟

فنقول : أما الأعلمية المطلقة الّتي هي المعتبرة في باب التقليد فلا يحتمل اعتبارها في المقام ، فإن لازم ذلك أن تكون الولاية على مجهول المالك ومال الغيّب والقصّر من المجانين والأيتام والأوقاف الّتي لا متولي لها والوصايا الّتي لا وصي لها وغيرها من الأُمور الحِسبية في أرجاء العالم كلّه راجعة إلى شخص واحد ، ومن المستحيل عادة قيام شخص واحد عادي للتصدي بجميع تلك الأُمور على كثرتها في الأماكن المختلفة‌

٣٦١

من الربع المسكون ، فإن الولاية كالخلافة فلا بدّ فيها من الرجوع إلى الأعلم من جميع النقاط والقيام بها أمر خارج عن طوقه ، كما أن المراجعة من أرجاء العالم في الأُمور الحِسبية إلى شخص واحد في مكان معيّن من البلدان غير ميسورة للجميع.

على أن الأعلمية المطلقة لو كانت معتبرة في الولاية بالمعنى المتقدم لكان من اللاّزم أن يشار إلى اعتبارها في الأخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام ولوصل إلينا يداً بيد واشتهر وذاع ، ولم يرد أدنى إشارة إلى اعتبارها في الروايات ولم يلتزم به الأصحاب قدس‌سرهم فاعتبار الأعلمية المطلقة غير محتمل بتاتاً.

وأما الأعلمية الإضافية كأعلم البلد وما حوله من النقاط الّتي يمكن الرجوع منها إلى ذلك البلد في تلك الأُمور ، فالمشهور بين الأعلام أيضاً عدم اعتبارها في الولاية بل ادعي ظهور الإجماع عليه في بعض الكلمات. إلاّ أن الصحيح هو القول بالاعتبار وذلك لعين ما قدّمناه في اشتراط إذن الفقيه في التصدي للأُمور الحِسبية ، وحاصل ما ذكرنا في وجهه أن مقتضى القاعدة عدم نفوذ تصرف أحد في حق غيره للاستصحاب أو أصالة الاشتغال كما مرّ. إلاّ أن الأُمور المذكورة لما لم يكن بدّ من تحققها في الخارج وكان من الضروري أن يتصرف فيها متصرف لا محالة ، دار الأمر بين أن يكون المتصرف النافذ تصرفه فيها أعلم البلد وأن يكون غيره من الفقهاء والأعلم الإضافي هو القدر المتيقن ممن يحتمل جواز تصرفه في تلك الأُمور.

وكذلك الحال في التصرف في سهم الإمام عليه‌السلام لأنه وإن كان معلوم المالك وهو الإمام عليه‌السلام إلاّ أنه من جهة عدم التمكن من الوصول إليه ملحق بمجهول المالك نظير سائر الأموال المعلوم مالكها فيما إذا لم يمكن الوصول إليه ، وقد تقدم أن القدر المتيقن ممن يجوز تصرفاته في تلك الموارد هو الأعلم إما مطلقاً كما في سهم الإمام عليه‌السلام وغيره مما لا مانع من الرجوع فيه إلى الأعلم مطلقاً وإما بالإضافة إلى البلد كما في الولاية ، لعدم التمكن فيها من الرجوع إلى الأعلم المطلق كما مرّ. فعلى ما بيّناه اعتبار الأعلمية الإضافية لو لم يكن أقوى في المسألة فلا ريب أنه أحوط ، هذا كلّه في اعتبار الأعلمية في غير القضاء من الولايات.

أما المقام الثاني : وهو اعتبار الأعلمية في القضاء فيقع الكلام فيه في الشبهات‌

٣٦٢

الموضوعية تارة وفي الشبهات الحكمية اخرى.

أما الشبهات الموضوعية ، كما إذا كان الترافع في أداء الدين وعدمه أو في زوجية امرأة وعدمها أو نحوهما ، فاعتبار الأعلمية المطلقة في باب القضاء مقطوع العدم لاستحالة الرجوع في المرافعات الواقعة في أرجاء العالم ونقاطه على كثرتها وتباعدها إلى شخص واحد وهو الأعلم ، كما أن التصدي للقضاء في تلك المرافعات الكثيرة أمر خارج عن طوق البشر عادة ، فمورد الكلام والنزاع إنما هو اعتبار الأعلمية الإضافية كاعتبار أن يكون القاضي أعلم من في البلد وما حوله.

وهل تعتبر الأعلمية بهذا المعنى في القاضي أو لا تعتبر؟

المنسوب إلى الأشهر أو المشهور هو الاعتبار ، والتحقيق عدم اعتبار الأعلمية في باب القضاء وذلك لصحيحة أبي خديجة قال : « قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم ... » (١) فإن قوله عليه‌السلام يعلم شيئاً من قضايانا كما أنه يصدق على الأعلم ، كذلك ينطبق على غير الأعلم من الفقهاء. نعم ، لا مجال للاستدلال على ذلك بأن « شيئاً » نكرة يصدق على العلم ببعض المسائل أيضاً ، وذلك لما قدمناه (٢) من أن تنكير تلك اللفظة إنما هو من جهة عدم تمكن البشر من الإحاطة بجميع علومهم وقضاياهم عليهم‌السلام فإن الإنسان مهما بلغ من العلم والفقاهة لم يعرف إلاّ شيئاً من علومهم ، لا أنه من جهة أن العلم ولو بالمسألة الواحدة كاف في جواز الترافع عنده.

ودعوى : أن الرواية ليست بصدد البيان من تلك الجهة وإلاّ جاز التمسك بإطلاقها بالإضافة إلى العامّي الّذي علم مقداراً من المسائل الدينية بالتقليد ، مع أن الرواية غير شاملة له يقيناً. وهذا يدلنا على أنها ليست بصدد البيان من تلك الناحية.

مندفعة أوّلاً : بأن الظاهر من قوله عليه‌السلام « يعلم شيئاً من قضايانا » هو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣ / أبواب صفات القاضي ب ١ ح ٥.

(٢) راجع ص ١٩٣.

٣٦٣

العلم بها من دون واسطة بوجه فلا يصدق على من علم بقضاياهم بتوسط العلم بفتوى مجتهده ، كيف فإن العامّي قد يكون أكثر استحضاراً للفتوى من نفس المجتهد ومع ذلك لا يطلق عليه الفقيه والعالم بأحكامهم عليهم‌السلام وقضاياهم لدى العرف.

وثانياً : هب أن الرواية مطلقة وأنها تشمل العلم بها ولو مع الواسطة ، فإنه لا مانع من أن نقيد إطلاقها بالعلم الخارجي ، لأن منصب القضاء لا يرضى الشارع بتصدي العامي له يقيناً. فدعوى أن الرواية لا إطلاق لها مما لا وجه له.

وقد يقال : إن الرواية وإن كانت مطلقة في نفسها كما ذكر إلاّ أنها تقيد بما دلّ على اعتبار أن يكون القاضي أعلم ، وما يمكن أن يستدل به على التقييد روايات :

منها : مقبولة عمر بن حنظلة ، حيث ورد فيها : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما ... » (١) لتصريحها بأن المعتبر هو ما حكم به أفقههما وبها نقيد إطلاق الرواية المتقدمة. ويرد عليه :

أولاً : أن المقبولة ضعيفة السند ، لعدم ثبوت وثاقة عمر بن حنظلة على ما مرّ غير مرة.

وثانياً : أنها إنما وردت في الشبهات الحكمية ، لأن كلا منهما قد اعتمد في حكمه على رواية من رواياتهم كما هو المصرح به في متنها وكلامنا إنما هو في الشبهات الموضوعية دون الحكمية ، فالرواية على تقدير تماميتها في نفسها أجنبية عن محل الكلام.

وثالثاً : أن الرواية إنما دلت على الترجيح بالأفقهية فيما إذا ترافع المترافعان إلى حاكمين متعارضين في حكمهما ، وهب أنّا التزمنا حينئذٍ بالترجيح بالأعلمية ، وأين هذا من محل الكلام وهو أن الرجوع ابتداءً هل يجوز إلى غير الأعلم أو لا يجوز ، من دون فرض تعارض في البين ولا الرجوع بعد الرجوع ، فالمقبولة غير صالحة للتقييد.

ومنها : معتبرة داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف فرضيا بالعدلين فاختلف‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١.

٣٦٤

العدلان بينهما ، عن قول أيهما يمضي الحكم؟ قال : ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر » (١).

وهذه الرواية وإن كانت سليمة عن المناقشة من حيث السند على كلا طريقي الشيخ والصدوق وإن اشتمل كل منهما على من لم يوثّق في الرجال ، فإن في الأول حسن بن موسى الخشاب ، وفي الثاني حكم بن مسكين ، وذلك لأنهما ممن وقع في أسانيد كامل الزيارات. على أن حسن بن موسى ممن مدحه النجاشي قدس‌سره بقوله : من وجوه أصحابنا مشهور كثير العلم والحديث (٢) والحسنة كالصحيحة والموثقة في الاعتبار فلا مناقشة فيها من حيث السند ، إلاّ أنها قاصرة الدلالة على المدعى وذلك للوجه الثاني والثالث من الوجوه الّتي أوردناها على الاستدلال بالمقبولة ، لأن المظنون بل المطمأن به أن موردها الشبهة الحكمية وأن اختلاف العدلين غير مستند إلى عدالة البينة عند أحدهما دون الآخر ، بل إنما هو مستند إلى اعتماد كل منهما في حكمه إلى رواية من رواياتهم عليهم‌السلام كما أنها وردت في الترافع إلى حكمين بينهما معارضة في حكمهما ، وأين هذا مما نحن فيه أعني الرجوع من الابتداء إلى القاضي غير الأعلم من دون تعارض.

ومنها : رواية موسى بن أكيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حق فيتفقان على رجلين يكونان بينهما فحكما فاختلفا فيما حكما قال : وكيف يختلفان؟ قلت : حكم كل واحد منهما للّذي اختاره الخصمان ، فقال : ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله ، فيمضي حكمه » (٣) ويرد على الاستدلال بها.

أولاً : أنها ضعيفة السند ، لأن فيه ذبيان بن حكيم وهو غير موثق بوجه.

وثانياً : أنها إنما وردت في الرجوع إلى الحكمين المتعارضين في حكمهما وهو أجنبي عن المقام ، كما أن موردها لعلّه الشبهة الحكمية واستناد كل منهما في حكمه إلى رواية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٣ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٢٠.

(٢) رجال النجاشي : ٤٢ / ٨٥.

(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٢٣ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٥.

٣٦٥

إذن فهذه الروايات بأجمعها غير صالحة لتقييد الصحيحة مضافاً إلى أن جميعها تشتمل على الترجيح بالأورعية والأعدلية ، ولا شبهة في أن الأورعية غير معينة للرجوع إلى الأورع عند وجود من هو أعلم منه. وبهذا يظهر أن مواردها صورة المعارضة دون الرجوع ابتداءً.

ومما استدل به على التقييد ما في عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى مالك الأشتر من قوله : « اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك » (١).

ويرد عليه : أوّلاً : أن العهد غير ثابت السند بدليل قابل للاستدلال به في الأحكام الفقهية وإن كانت عباراته ظاهرة الصدور عنه عليه‌السلام إلاّ أن مثل هذا الظهور غير صالح للاعتماد عليه في الفتاوى الفقهية أبداً.

وثانياً : أنه إنما يدل على لزوم اختيار أفضل الرعية للقضاء ، وأين هذا من اعتبار الأعلمية في محل الكلام ، لأن بين الأفضل والأعلم عموماً من وجه فإن الظاهر أن المراد بالأفضل هو المتقدم فيما يرجع إلى الصفات النفسانية من الكرم وحسن الخلق وسعة الصدر ونحوها مما له دخل في ترافع الخصمين وسماع دعواهما وفهمها ، دون الأعلمية في الفقاهة والاستنباط بالمعنى المتقدم في معنى الأعلم.

وثالثاً : أن ما ادعي من دلالة العهد على اعتبار الأعلمية لو تمّ فإنما يختص بالقاضي المنصوب نصباً خاصاً من قبل الإمام عليه‌السلام أو الوالي من قبله ، ومحل الكلام إنما هو القاضي المنصوب بالنصب العام من باب الولاية وأين أحدهما من الآخر.

والمتحصّل : أنه ليس هناك دليل يدلنا على تقييد الصحيحة المتقدمة ، فإطلاقها هو المحكّم كما ذكرناه.

وقد يتوهّم أن في الأخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام ما دلّ على اشتراط الأعلمية في باب القضاء كما ذكره صاحب الوسائل قدس‌سره حيث عقد باباً وعنونه بباب أنه لا يجوز للقاضي أن يحكم عند الشك في المسألة ، ولا في حضور من هو أعلم منه (٢).

__________________

(١) نهج البلاغة : ٤٣٤.

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ٢١٥ / أبواب آداب القاضي.

٣٦٦

ويردّه : أن صاحب الوسائل وإن عنون الباب كذلك إلاّ أنه لم ينقل في ذلك الباب رواية تدلنا على اشتراط الأعلمية في القاضي فلاحظ.

نعم ، ورد في بعض الروايات ذم من دعا الناس إلى نفسه وفي الأُمّة من هو أعلم منه ، كما ورد ذم من يفتي عباد الله وفي الأُمة من هو أعلم منه (١) إلاّ أن هاتين الروايتين مضافاً إلى ضعفهما من حيث السند أجنبيتان عن محل الكلام ، لأن أولاهما راجعة إلى ذم من ادعى الخلافة وفي الناس من هو أعلم منه ، وهو أمر لا شبهة فيه ، والثانية راجعة إلى اشتراط الأعلمية في باب التقليد ، فلا ربط لهما بالمقام ، هذا مضافاً إلى السيرة القطعية الجارية بين المتدينين على الرجوع في المرافعات إلى كل من الأعلم وغير الأعلم ، لعدم التزامهم بالرجوع إلى خصوص الأعلم.

ودعوى : أن المتشرعة لم يعلم جريان سيرتهم على الرجوع في المرافعات إلى غير الأعلم ، لأنه من المحتمل أن يكون كل من أرجع إليه الإمام عليه‌السلام في موارد الترافع هو الأعلم ولو في بلده.

مندفعة بأن هذه الدعوى لو تمت فإنما تتم في القضاة المنصوبين من قبله عليه‌السلام نصباً خاصاً ، وأما المنصوبون بالنصب العام المدلول عليه بقوله « انظروا إلى رجل روى حديثنا » ونحوه فليس الأمر فيهم كما ادعى يقيناً للعلم الخارجي بأنهم في الرجوع إلى تلك القضاة لا يفرّقون بين الأعلم وغيره. بل كما أنهم يراجعون الأعلم يراجعون غير الأعلم.

إذن لم يدلنا في الشبهات الموضوعية أي دليل على اشتراط الأعلمية في باب القضاء.

وأما الشبهات الحكمية : كما إذا كان منشأ النزاع هو الاختلاف في الحكم الشرعي كالخلاف في أن الحبوة للولد الأكبر أو أنها مشتركة بين الوراث بأجمعهم ، أو اختلفا في ملكية ما يشترى بالمعاطاة نظراً إلى أنها مفيدة للملكية أو للإباحة أو أنها مفيدة للملك اللاّزم أو الجائز فيما إذا رجع عن بيعه ، فالنزاع في أمثال ذلك قد ينشأ عن‌

__________________

(١) راجع ص ١٥٠.

٣٦٧

[٦٩] مسألة ٦٩ : إذا تبدل رأي المجتهد هل يجب عليه إعلام المقلّدين أم لا؟ فيه تفصيل فإن كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط ، فالظاهر عدم الوجوب وإن كانت مخالفة فالأحوط الأعلام ، بل لا يخلو عن قوة (*) (١)

______________________________________________________

الجهل بالحكم لعدم علمهما بما أفتى به مقلّدهما وهو شخص واحد ومن هنا ادعى كل منهما ما يرجع إليه نفعه ، وقد ينشأ عن جزمهما بالحكم والفتوى غير أن أحدهما يدعي أن فتوى المجتهد هو اختصاص الحبوة بالولد الأكبر مثلاً ويدعي الآخر أن فتواه على خلاف ذلك ، ففي هاتين الصورتين كلتيهما يجب على المتخاصمين الرجوع إلى مقلّدهما في المسألة ، لأنه حكم شرعي يجب التقليد فيه ، فإذا حكم بأن الحبوة مشتركة بين الوراث مثلاً لم يجز له التحاكم عند حاكم آخر يرى اختصاصها به وذلك لبطلان ما ادعاه بفتوى مقلّده فهاتان الصورتان ليستا من موارد الرجوع إلى الحاكم بوجه.

إذن يتعيّن أن يكون مورد الرجوع إليه ما إذا كان كل من المترافعين مجتهداً في المسألة ، كما إذا أفتى أحدهما في مسألة الحبوة بالاختصاص وكانت فتوى الآخر فيها الاشتراك كبقية أموال المورّث ، فإن النزاع حينئذٍ لا يمكن فصله إلاّ بالرجوع إلى حاكم آخر ، ولا نرى أي مانع وقتئذٍ من الرجوع إلى غير الأعلم ، لإطلاق صحيحة أبي خديجة المتقدمة لصدق أنه ممن يعلم شيئاً من قضاياهم عليهم‌السلام. أو كان أحدهما مجتهداً ورأى أن الحبوة للولد الأكبر ، والآخر قد قلّد مجتهداً يرى أنها مشتركة ، أو كانا مقلّدين وقد قلّد أحدهما من يفتي بالاختصاص والآخر قلّد من يفتي باشتراكها ، ففي جميع هذه الموارد لا تنحل الخصومة إلاّ بالرجوع إلى حاكم آخر ومقتضى إطلاق الصحيحة عدم اشتراط الأعلمية فيه كما مرّ.

(١) قد ذكرنا تفصيل الكلام في هذه المسألة ، في المسألة الثامنة والخمسين فليلاحظ.

__________________

(*) في قوته على الإطلاق إشكال.

٣٦٨

[٧٠] مسألة ٧٠ : لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية (١) وأما في الشبهات الموضوعية فيجوز (٢) بعد أن قلّد مجتهده في حجيتها. مثلاً إذا شكّ في أن عرق الجنب من الحرام نجس أم لا؟ ليس له إجراء أصل الطهارة ، لكن في أن هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا؟ يجوز له إجراؤها بعد أن قلّد المجتهد في جواز الاجراء.

[٧١] مسألة ٧١ : المجتهد غير العادل ، أو مجهول الحال ، لا يجوز تقليده وإن كان موثوقاً به في فتواه (٣) ولكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه (٤) وكذا لا ينفذ حكمه ولا تصرفاته في الأُمور العامة. ولا ولاية له في الأوقاف والوصايا وأموال القصّر والغيّب (٥).

______________________________________________________

(١) لما قدمناه في المسألة السابعة والستين من عدم جواز التقليد في المسائل الأُصولية سواء أكان متمكناً من الاستنباط في المسائل الفرعية أم لم يكن ، هذا إذا كان متمكناً من تشخيص موارد الأُصول والفحص المعتبر في جريانها. وأما إذا لم يتمكن منهما فلا شبهة في عدم كونها مورداً للتقليد بوجه.

(٢) وذلك لأنها مورد للتقليد وهو من التقليد في الأحكام الفرعية حقيقة.

(٣) لاشتراط جواز التقليد بالعدالة ، فمع العلم بانتفائها أو الشك فيها لا يجوز تقليده للعلم بانتفاء الشرط أو عدم إحرازه.

(٤) لما تقدم في التكلّم على أقسام الاجتهاد من أن نظر المجتهد معتبر في أعمال نفسه ، وإن لم يجز تقليده لعدم توفر الشرائط فيه.

(٥) لاشتراط العدالة في الأُمور المذكورة كما يعتبر في التقليد ، فمع إحراز عدمها أو عدم إحرازها لا يترتب عليها أحكامها.

٣٦٩

[٧٢] مسألة ٧٢ : الظن بكون فتوى المجتهد كذا ، لا يكفي في جواز العمل (١) إلاّ إذا كان حاصلاً من ظاهر لفظه شفاهاً أو لفظ الناقل أو من ألفاظه في رسالته والحاصل أن الظن ليس حجة إلاّ إذا كان حاصلاً من ظواهر الألفاظ منه أو من الناقل (٢).

______________________________________________________

(١) لعدم حجية الظن شرعاً وعقلاً.

(٢) لحجية ظواهر الألفاظ على ما بيّناه في محلّه.

والحمد لله أوّلاً وآخراً وصلّى الله على نبيّنا محمّد وآله الطاهرين.

٣٧٠

فهرس الموضوعات

٣٧١
٣٧٢

فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

المقدّمة........................................................................

الاجتهاد والتقليد

مباحث الاجتهاد.............................................................. ١

في أن وجوب الاجتهاد وعدليه عقلي أو شرعي................................ ١

كل مكلّف يجب أن يكون مجتهداً أو مقلداً أو محتاطاً........................... ٦

تعريف الاجتهاد............................................................ ٨

ترتب الآثار على المجتهد غير المستنبط فعلاً................................... ١٠

مبادئ الاجتهاد........................................................... ١٢

أقسام الاجتهاد........................................................... ١٥

الاجتهاد بالقوة والملكة.................................................... ١٦

رجوع المجتهد بالقوة إلى الغير............................................... ١٦

الرجوع إلى المجتهد بالقوة.................................................. ١٨

التجزي في الاجتهاد....................................................... ١٩

رجوع المتجزي إلى الغير................................................... ٢١

الرجوع إلى المتجزي...................................................... ٢٢

التخطئة والتصويب....................................................... ٢٢

٣٧٣

مباحث الإجزاء............................................................ ٢٨

أدلة الإجزاء.............................................................. ٣٥

هل الأمور الثلاثة في عرض واحد؟.......................................... ٤٤

وجوب الاجتهاد كفاية.................................................... ٤٦

مباحث الاحتياط........................................................... ٤٨

الاحتياط في المعاملات..................................................... ٤٨

الاحتياط في العبادات غير المستلزم للتكرار................................... ٤٩

تفصيل المحقق النائيني في جواز الاحتياط...................................... ٥٠

أقسام الاحتياط........................................................... ٥٣

حكم الاحتياط المستلزم للتكرار............................................ ٥٤

التقليد في مسألة جواز الاحتياط............................................ ٥٦

التقليد في الضروريات واليقينيات........................................... ٥٦

مباحث التقليد............................................................. ٥٧

العمل بلا تقليد واحتياط................................................... ٥٧

معنى التقليد.............................................................. ٥٨

معنى التقليد عند اختلاف الفتاوى.......................................... ٦٠

مسألة التقليد ليست تقليدية............................................... ٦٢

أدلة جواز التقليد......................................................... ٦٣

الآيات الناهية عن التقليد.................................................. ٦٩

اشتراط الحياة في المرجع..................................................... ٧٣

تقليد الميت ابتداء......................................................... ٧٣

أدلة جواز تقليد الميت ابتداء................................................ ٧٦

أدلة عدم جواز تقليد الميت ابتداء........................................... ٨٠

البقاء على تقليد الميت..................................................... ٨٣

٣٧٤

أدلة جواز البقاء على تقليد الميت........................................... ٨٤

اشتراط العمل في جواز البقاء على تقليد الميت................................ ٨٦

إشتراط الذكر في جواز البقاء على تقليد الميت............................... ٨٧

أحكام العدول من مجتهد إلى آخر............................................ ٩١

العود إلى الميت بعد العدول إلى الحي........................................ ٩٢

التخيير عند تساوي المجتهدين............................................... ٩٣

أدلة القول بجواز العدول................................................... ٩٤

أدلة القول بعدم جواز العدول............................................ ١٠٢

تقليد الأعلم............................................................. ١٠٦

أدلة عدم وجوب تقليد الأعلم............................................ ١٠٨

أدلة وجوب تقليد الأعلم................................................. ١١٢

الشك في حجية فتوى غير الأعلم......................................... ١١٩

وجوب الفحص عن الأعلم............................................... ١٣٢

التخيير عند تساوي المجتهدين............................................. ١٣٥

استحالة الحجية التخييرية................................................. ١٣٧

الترجيح بالأورعية....................................................... ١٤٠

إذا لم يكن للأعلم فتوى................................................. ١٤٥

تقليد الأعلم في مسألة البقاء.............................................. ١٤٦

حكم عمل الجاهل القاصر والمقصر........................................ ١٦٠

معنى الأعلم............................................................. ١٦٧

تقليد غير الأعلم فيما توافق مع الأعلم..................................... ١٦٩

طرق ثبوت الاجتهاد.................................................... ١٧١

٣٧٥

شروط المرجع............................................................ ١٧٧

١ ـ البلوغ............................................................ ١٧٧

٢ ـ العقل............................................................. ١٧٩

٣ ـ الإيمان............................................................ ١٨٠

٤ ـ العدالة............................................................ ١٨٣

٥ ـ الرجولية.......................................................... ١٨٦

٦ ـ الحرية............................................................ ١٨٨

٧ ـ الاجتهاد المطلق.................................................... ١٨٩

٨ ـ الحياة............................................................. ١٩٥

٩ ـ الأعلمية.......................................................... ١٩٦

١٠ ـ طهارة المولد..................................................... ١٩٦

١١ ـ أن لا يكون مقبلا على الدنيا...................................... ١٩٧

تنبيهات.................................................................. ١٩٨

١ ـ اعتبار الشروط في المرجع بقاء....................................... ١٩٨

٢ ـ تقليد المجتهد القائل بالانسداد........................................ ٢٠١

٣ ـ التقليد في موارد استناد المجتهد إلى الأمارات........................... ٢٠٣

الرجوع إلى المجتهد في موارد الأصول العملية............................... ٢٠٦

٤ ـ حكم تعذر الرجوع إلى المجتهد الجامع للشرائط........................ ٢٠٩

معنى العدالة.............................................................. ٢١٠

العدالة والصغائر........................................................ ٢٢٦

العدالة والمروة........................................................... ٢٣٣

كاشفية حسن الظاهر عن العدالة......................................... ٢٣٥

طرق ثبوت العدالة...................................................... ٢٤١

زوال شروط المرجع..................................................... ٢٤٣

إذا قلد من يحرم البقاء على تقليد الميت فمات وقلد من يجوز البقاء............ ٢٤٤

٣٧٦

وجوب التعلم............................................................ ٢٤٥

تعلم مسائل الشك والسهو............................................... ٢٥٠

نسبة فسق تارك تعلم الأحكام إلى الأنصاري ( قدس سره ).................. ٢٥٣

التقليد في المستحبات والمكروهات......................................... ٢٥٥

عدم جواز البقاء على رأي المجتهد مع تبدل فتواه............................ ٢٥٦

حكم التقليد مع تساوي المجتهدين......................................... ٢٥٧

التبعيض في التقليد....................................................... ٢٥٧

إذا قلد شخصا بتخيل أنه زيد فبان عمرا................................... ٢٥٩

الفارق بين الداعي والتقييد............................................... ٢٥٩

معنى الاشتراط.......................................................... ٢٦٢

طرق ثبوت الفتوى...................................................... ٢٦٥

تقليد من ليس أهلا للفتوى............................................... ٢٦٦

تعذر معرفة الأعلم...................................................... ٢٦٨

الشك في موت المجتهد أو في تبدل رأيه..................................... ٢٦٩

العمل بلا تقليد......................................................... ٢٦٩

شمول حديث لا تعادل للجاهل المقصر..................................... ٢٧١

دوران الفائت بين الأقل والأكثر.......................................... ٢٧٨

الشك في صحة التقليد................................................... ٢٨٥

إذا قلد مجتهدا ثم شك في أنه جامع للشرائط أم لا........................... ٢٩٠

فتوى من لا أهلية له للفتوى............................................... ٢٩٤

قضاوة من لا أهلية له للقضاء............................................. ٢٩٦

اعتبار الاجتهاد في القاضي............................................... ٢٩٩

عدم نفوذ حكم من لا أهلية له للقضاء.................................... ٣٠٣

المال المأخوذ بحكم من لا أهلية له للحكم.................................. ٣٠٣

اعتبار العدالة في القاضي................................................. ٣٠٧

٣٧٧

إذا مضت مدة فشك في أن أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا............. ٣٠٨

التقليد في مسألة تقليد الأعلم............................................. ٣١٠

إذا كان هناك مجتهدان أحدهما أعلم في مورد والآخر في مورد آخر............ ٣١٢

الخطأ في نقل الفتوى..................................................... ٣١٣

ابتلاء المصلي بمسألة يجهل حكمها......................................... ٣١٧

وجوب الاحتياط في زمان الفحص عن المجتهد أو الأعلم..................... ٣٢٠

انعزال الوكيل بموت المجتهد............................................... ٣٢١

البقاء على تقليد الميت بلا رجوع إلى الحيّ................................. ٣٢٢

إذا قلّد مجتهداً يخالف نظره فتوى من قلّده سابقاً............................ ٣٢٣

الوكيل في العمل عن الغير................................................ ٣٢٤

إختلاف المتعاملين تقليداً أو اجتهاداً....................................... ٣٢٦

تعيين الحام في المرافعات.................................................. ٣٢٨

نقض حكم الحاكم...................................................... ٣٢٩

تبدّل الرأي بعد نقل الفتوى.............................................. ٣٣٦

تعارض الناقلين في نقل الفتوى............................................ ٣٣٦

إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها ولم يكن الأعلم حاضراً................... ٣٤٠

تعاقب تقليد الأموات.................................................... ٣٤٣

ما هو المحقق للتقليد...................................................... ٣٤٥

أقسام الاحتياط في الرسائل العملية........................................ ٣٤٦

التبعيض في التقليد....................................................... ٣٤٧

مورد التقليد ومحلّه........................................................ ٣٤٨

١ ـ التقليد في أُصول الدين............................................. ٣٤٨

٢ ـ التقليد في الموضوعات الصرفة....................................... ٣٤٩

٣ ـ التقليد في الموضوعات المستنبطة...................................... ٣٥٠

٤ ـ التقليد في مبادئ الاستنباط......................................... ٣٥٠

٣٧٨

٥ ـ التقليد في أُصول الفقه.............................................. ٣٥٢

عدم اعتبار الأعمليّة في المجتهد لغير التقليد.................................. ٣٥٥

ولاية الفقيه المطلقة........................................................ ٣٥٦

أدلّة ولاية الفقيه........................................................ ٣٥٦

ولاية الفقيه في الأُمور الحسبية............................................ ٣٦٠

اعتبار الأعمليّة في القاضي................................................ ٣٦٣

إذا تبدّل رأي المجتهد هل يجب اعلام المقلدين............................... ٣٦٨

تقليد المجتهد غير العادل أو مجهول الحال.................................... ٣٦٩

ثبوت الفتوى بالظنّ..................................................... ٣٧٠

٣٧٩