موسوعة الإمام الخوئي - ج ١

الشيخ علي الغروي

احتمال الزائد بالبراءة ، لأن التكليف انحلالي ففي غير المقدار المتيقن يرجع إلى الأصل فلا موجب معه للاحتياط ، إلاّ أن ذلك فيما إذا تعلّق الشك بثبوت تكليف واقعي زائداً على المقدار المتيقن. وأما إذا شكّ في وجود تكليف منجّز واصل للمكلف زائداً على القدر المتيقن فهو مورد للاحتياط. وذلك لأن احتمال التكليف المنجَّز منجِّز ، لأنه مساوق لاحتمال الضرر ، ودفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب مما استقل العقل بوجوبه وهذا كما في غالب الفسقة فترى أنه يوماً يترك الصلاة ويعلم بفوات فرائضه ووجوب قضائها لا محالة ثمّ يتركها في اليوم الثاني كذلك فيعلم أيضاً أنه فوّت فرائضه كما يعلم بوجوب قضائها وهكذا في اليوم الثالث والرابع إلى مدة ، ثمّ بعد ذلك يشك في أن القضاء المتنجّز وجوبه عليه في كل يوم بعلمه والتفاته هو المقدار الأقل أو الأكثر فإنه مورد للاحتياط ، لاحتماله زائداً على القدر المتيقن وجود تكليف منجّز آخر وقد عرفت أن احتماله مساوق لاحتمال العقاب ، ووجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب مما لا شبهة فيه لدى العقل.

ولا يقاس ذلك بمثل ما إذا تردد الدين بين الأقل والأكثر ، لأن الشك في مثله إنما هو في أصل توجه التكليف بالمقدار الزائد ، لعدم علمه أن ما أخذه من الدائن مرّة واحدة خمسة دراهم أو ستة مثلاً وهذا بخلاف المقام ، لاحتمال أن يكون هناك تكليف منجّز واصل في وقته ، إذ التكليف بقضاء الصلوات المتعددة تدريجي لا محالة ، لأن موضوعه وهو الفوت أي فوت الصلوات المتعددة ، من الأُمور التدريجية فإن المكلّف يأتي بصلاته في هذا اليوم لا عن التقليد الصحيح أو من دون تقليد فيعلم بفواتها فيكلّف بقضاء ما فاتته في ذلك اليوم ، ثمّ إذا أتى اليوم الثاني أيضاً يفوت صلاته فيكلّف بقضاء ما فاته في ذلك اليوم وهكذا في اليوم الثالث والرابع ، وبعد برهة مضت كذلك يتردد في أن القضاء المتنجّز وجوبه في حقّه هو المقدار الأقل أو الأكثر فهو من الشك في وجود تكليف زائد متنجّز واصل ومعه يكون المورد مورداً للاشتغال ، فإن الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية فلا بدّ حينئذٍ من القضاء بمقدار يتيقّن معه بالفراغ. ويتوجه عليه :

أوّلاً : أن ما أفاده لو تمّ فإنما يتم فيما إذا كان التنجّز سابقاً على زمان الشك والتردد‌

٢٨١

بين الأقل والأكثر كما في المثال ، لتنجّز الأمر بقضاء الصلوات الفائتة في الزمان السابق على الشك في أن الفائت هو الأكثر أو الأقل. وأما إذا كان زمان التنجز متحداً مع زمان الشك والتردد ، كما إذا نام وحينما استيقظ شكّ في أن نومه هل استمر يوماً واحداً ليجب عليه قضاء صلوات يوم واحد ، أو أنه طال يومين ليجب عليه قضاء صلوات يومين ، فإن وجوب القضاء لم تتنجز عليه حينئذٍ إلاّ في زمان الشك والتردد ، ولا يكون الاحتمال معه إلاّ احتمال تكليف واقعي لم يصل إلى المكلف ، وليس من احتمال التكليف المتنجّز بوجه ، إذ لم يتنجز عليه شي‌ء قبل هذا الزمان. ومقامنا أيضاً من هذا القبيل ، لأن مفروضنا أن المكلف اعتقد صحة ما أتى به لا عن تقليد أو عن التقليد غير الصحيح ، ولم يعلم أن إعماله مخالفة للواقع ليتنجز عليه قضاؤها وإنما علم بالمخالفة بعد صدورها ، وفي الوقت نفسه يتنجز عليه وجوب القضاء مردداً بين الأقل والأكثر ومعه كيف يكون ذلك من احتمال التكليف المنجز ، إذ في أي وقت تنجز عليه وجوب القضاء ليكون احتماله في زمان الشك والتردد بين الأقل والأكثر احتمالاً للتكليف المنجز ، وإنما هو من احتمال وجود تكليف واقعي وهو مندفع بالبراءة ، وعلى الجملة لم يتنجز عليه وجوب القضاء شيئاً فشيئاً وعلى نحو التدريج في كل يوم كما هو الحال في المثال ، وإنما تنجز عند العلم بالمخالفة وهو زمان الشك والتردد في أن ما فاته هو الأقل أو الأكثر فهو حين توجه التكليف مردد بينهما ، فيدفع احتمال التكليف الزائد بالبراءة فما أفاده قدس‌سره غير منطبق على المقام.

ثانياً : أن ما أفاده لا يرجع إلى محصّل ، لأن التنجز يدور مدار المنجز حدوثاً وبقاءً فيحدث بحدوثه كما أنه يرتفع بارتفاعه ، ومن هنا قلنا بجريان الأُصول في موارد قاعدة اليقين ، لزوال اليقين بالشك الساري لا محالة ومع زواله يرتفع التنجز ، إذ لا معنى للتنجز من غير منجز ، فلا يكون مانع من جريان الأُصول في موردها ، فإذا علم بنجاسة شي‌ء ، ثمّ شك في مطابقة علمه ومخالفته للواقع جرت فيه قاعدة الطهارة ، ولا يعامل معه معاملة النجاسة بوجه ، إذ لا منجز لها بقاء ، وعلى ذلك فالمكلف فيما مثّل به وإن كان علم بوجوب قضاء الصلوات في اليوم الأول ، ولأجله تنجز عليه وجوب القضاء ، إلاّ أنه عند الشك والتردد بين الأقل والأكثر لا علم له بما‌

٢٨٢

فاتته من الصلوات وإذا زال العلم زال التنجز لا محالة. ولا يكفي العلم السابق بحدوثه في التنجز بحسب البقاء ، ومن ثمة إذا استدان من زيد متعدداً وتردّد في أنه الأقل أو الأكثر جرت البراءة عن وجوب ردّ الأكثر مع العلم بتنجز وجوب ردّ الدين حين استلامه من الدائن ، وإنما تردد بعد وصوله وتنجز الأمر بالأداء ، ولا وجه له سوى ما قدّمناه من أن التنجز يرتفع بارتفاع المنجز الّذي هو العلم ، فإن وجوب دفع ما أخذه إنما كان متنجزاً ما دام عالماً بالحال فإذا زال زال التنجز لا محالة ، وجرى الأصل بالإضافة إلى المقدار الزائد المشكوك فيه.

وعلى الجملة الشك في المقام من الشك في أصل ثبوت التكليف الزائد فتجري فيه البراءة الشرعية والعقلية ، وليس من احتمال التكليف المنجز ، فإن التنجز إما أن يستند إلى العلم الوجداني أو التعبدي أو إلى العلم الإجمالي أو إلى كون الشبهة قبل الفحص ومع وجود شي‌ء من ذلك يكون الاحتمال من احتمال التكليف المنجز ، ومع عدم تحقق شي‌ء منها أو زواله لا معنى للتنجز وكون احتمال التكليف من احتمال التكليف المنجز.

بقي الكلام فيما سلكه المشهور في المسألة من وجوب القضاء بمقدار يظن معه بالفراغ ، ولم يظهر لنا مستندهم في ذلك بوجه لأنّا إن ألحقنا أمثال المقام بموارد قاعدة الاشتغال على ما قدّمنا تقريبه آنفاً ، فاللاّزم هو الحكم بوجوب القضاء بمقدار يقطع معه بالفراغ ولا مرخّص للاكتفاء معه بالظن به ، وإن قلنا إنها ملحقة بموارد البراءة كما هو الصحيح فلا يجب سوى القضاء بالمقدار المتيقن دون الأكثر ولو ظنّاً ، فما سلكه المشهور في المسألة لا وجه موجّه له.

نعم ، يمكن أن يوجّه كلامهم بأن أمثال المقام وإن كانت مورداً للبراءة في نفسها ، إلاّ أنهم التزموا فيها بالاشتغال نظراً إلى أن إجراء البراءة عن المقدار الزائد في تلك المقامات يستلزم كثيراً العلم بالوقوع في مخالفة التكليف الواقعي. وقد صرّحوا بذلك في جملة من الموارد ، كما إذا شكّ في استطاعته أو في بلوغ المال حدّ النصاب ، أو شكّ في ربحه أو في الزيادة على المئونة ، وقالوا إنها وإن كانت مورداً للبراءة في نفسها ، إلاّ أن إجراءها يستلزم العلم بالمخالفة ، لأن كل من شكّ في الاستطاعة أو الربح أو في الزيادة على المئونة أو البلوغ حد النصاب لو أجرى البراءة عن التكاليف المحتملة في تلك‌

٢٨٣

الموارد ، كوجوب الحج أو الخمس أو الزكاة لفاتت التكاليف الواقعية عن جملة من المكلفين بها واقعاً. والسر في ذلك أن امتثال التكاليف المذكورة غالباً يتوقف على الفحص فإن موضوعاتها مما لا يحصل العلم بها بغيره ، إذن إجراء البراءة في أمثال ذلك قبل الفحص يستلزم الوقوع في مخالفة الواقع كثيراً. ولعلّهم قد ألحقوا المقام أيضاً بتلك الموارد نظراً إلى أن الرجوع فيه إلى البراءة عن الزائد يستتبع فوات القضاء عن جملة ممن هو مكلف به واقعاً ، ومن هنا التزموا بالاشتغال في أمثال المقام وإن كانت في نفسها مورداً للبراءة كما ذكرناه.

ثمّ إن مقتضى ذلك وإن كان هو القضاء بمقدار يتيقن معه بالفراغ إلاّ أن إيجابه يستلزم العسر والحرج ، لأن احتمال التكليف باب موسّع وأمر خفيف المئونة فلو أوجبنا معه الاحتياط لوجب عند كل محتمل وهو أمر عسر ، ومن هنا لم يوجبوا الاحتياط بمقدار يوجب اليقين بالفراغ ، ولم يرخّصوا الاكتفاء بالاحتمال بالرجوع إلى البراءة عن الزائد ، لاستلزامه تفويت الواجب عمّن هو مكلّف به واقعاً ، واعتبروا الظن بالفراغ لأنه أوسط الأُمور وخير الأُمور أوسطها ، فإن هذا هو الحال في كل مورد تعذّر فيه الامتثال اليقيني على المكلّف ، فإن العقل يتنزل وقتئذٍ إلى كفاية الامتثال الاطمئناني ثمّ الامتثال الظني بل يكتفي بالامتثال الاحتمالي عند تعذر المراتب المتقدمة عليه ، ولا يتنزّل العقل إلى الامتثال الاحتمالي من الامتثال اليقيني ابتداءً على ما ذكروه في التكلّم على دليل الانسداد. إذن يلتئم مدرك المشهور من ضم أمر بأمر أعني قاعدة الاشتغال المنضمة إلى قاعدة نفي الحرج.

ويرد على ذلك أولاً : أن جريان البراءة في تلك الموارد وإن كان يستلزم العلم بالوقوع في مخالفة الواقع ، إلاّ أن الكلام في أن هذا العلم يحصل لأي شخص؟ أفيحصل العلم به للعامّي المتردد أو يحصل للمفتي بإجراء البراءة في تلك المقامات؟

أما المقلّد فلا علم له بالوقوع في مخالفة الواقع عند إجراء البراءة عن وجوب الحج أو الخمس أو الزكاة ، وإنما يحتمل المخالفة كما يحتمل الموافقة ، وأما المفتي بالجواز فهو وإن كان يحصل له العلم بذلك لأنه يعلم علماً إجمالياً أن جملة ممن يتمسك بالبراءة في تلك الموارد يقعون في مخالفة الواقع ويفوّتون بها التكاليف المتوجهة إليهم واقعاً ، إلاّ أن‌

٢٨٤

[٤١] مسألة ٤١ : إذا علم أن أعماله السابقة كانت مع التقليد ، لكن لا يعلم أنها كانت عن تقليد صحيح أم لا بنى على الصحة (١).

______________________________________________________

علم المجتهد إجمالاً بمخالفة عمل العامّي للواقع لا يترتب عليه أيّ أثر ، لأنه إنما يفتي بلحاظ وظيفة المقلّد وما يقتضيه وظيفته في نفسه ، وحيث إنه شاك لا علم له بالمخالفة فله أن يتمسك بالبراءة عن التكليف المشكوك فيه.

بل لو علم المجتهد علماً تفصيلياً بوقوع المقلّد في مخالفة الواقع بتجويز المجتهد للرجوع إلى البراءة عند الشك في الموضوعات الخارجية ، أيضاً لم يترتب أثر عليه كما إذا علم أن زيداً مستطيع أو أنه مديون أو يده متنجّسة ، غير أن المقلّد لم يكن عالماً بذلك فإن له أن يتمسك بالبراءة أو قاعدة الطهارة حتى لو سألنا المفتي عن وظيفة العامّي حينئذٍ لأجاب بأنه يتمكن من الرجوع إلى الأُصول العملية ، والسرّ فيه ما بيّناه من أن المدار في جواز الرجوع إلى الأصل إنما هو شك المكلّف في نفسه.

ثانياً : أنّا لو سلمنا أن المقام من موارد الاشتغال دون البراءة لم يكن للاكتفاء بالظن وجه صحيح. ودعوى أن وجوب الاحتياط بالمقدار الموجب لليقين بالفراغ عسر حرجي ، مندفعة : بما مرّ غير مرة من أن المدار في تلك القاعدة إنما هو الحرج الشخصي دون النوعي. والاحتياط أعني الإتيان بالأكثر قد لا يكون حرجياً على المقلّد بوجه ، كما إذا دار أمر الفائت بين صلاتين أو ثلاث ، فإنه لا حرج على المكلّف في الإتيان بالمحتمل الأكثر ، ومع أنه لا حرج شخصي على المكلّف لا وجه للتنزل من الواجب أعني الامتثال اليقيني إلى الامتثال الظني أبداً. وإذا فرضنا أن الاحتياط حرجي على المكلّف وجب أن يحتاط ويأتي بالأكثر إلى أن يكون الزائد حرجياً في حقه لا أنه يتنزل إلى الامتثال الظني كما أُفيد.

فالصحيح ما ذكرناه من جواز الاقتصار في تلك الموارد بالمقدار الأقل وإجراء البراءة عن الأكثر.

الشك في أن العمل هل صدر عن تقليد صحيح؟

(١) كما إذا علم أنه قد استند في أعماله الّتي أتى بها سابقاً إلى تقليد مجتهد يقيناً ، غير‌

٢٨٥

أنه يشك في أن تقليده ذلك صحيح وأنه موافق للموازين المقررة في الشريعة المقدسة أو غير مطابق لها؟ والشك في صحة التقليد السابق وفساده قد يتصوّر بالإضافة إلى التقليد نفسه ، وأنه مطابق للموازين أو غير مطابق لها ، وقد يتصوّر بالإضافة إلى أعماله الّتي أتى بها عن التقليد المشكوك صحته وفساده ولأجله يشك في وجوب إعادتها أو قضائها وعدمه فالكلام يقع من جهتين :

الجهة الأُولى : ما إذا شكّ المكلّف في أن تقليده السابق هل كان مطابقاً للموازين الشرعية أو لم يكن؟ إن التقليد السابق بما أنه عمل قد صدر وتصرّم فلا أثر يترتب على صحته وفساده في نفسه سوى مشروعية العدول إلى المجتهد الآخر وعدمها على تقدير حياة المجتهد السابق أو مشروعية البقاء على تقليده وعدمها على تقدير موته.

والتحقيق أن الشك من هذه الجهة مما لا أثر له ، وذلك لأن المجتهد في مفروض المقام قد يكون مستجمعاً للشرائط المعتبرة في المرجعية لدى الشك إلاّ أنه يشك في أن استناده إلى فتاواه هل كان موافقاً للقواعد الشرعية أو أنه استند في ذلك إلى هوي نفسه أو غيره من الدواعي غير المسوّغة للاستناد ، وقد لا يكون بل يشك في استجماعه لها وعدمه.

أما الصورة الأُولى : فالشك فيها في أن الاستناد إلى فتوى ذلك المجتهد هل كان موافقاً للموازين أم لم يكن ، أمر لا أثر له وذلك لأن المدار في الحكم بصحة التقليد وجواز العمل على طبقه إنما هو بكون المجتهد ممن يجوز تقليده في نفسه ، بأن يكون الرجوع إليه موافقاً للموازين الشرعية واقعاً ، وأما أن الاستناد أيضاً إلى فتوى ذلك المجتهد لا بدّ أن يكون مطابقاً للموازين الشرعية فلم يقم عليه أيّ دليل. فلو فرضنا أن المكلّف استند إلى فتوى مجتهد جامع للشرائط لا لمدرك شرعي يسوقه إليه بل لاتباع هوى نفسه ورغبته ، التزمنا بصحة عمله وتقليده مع العلم بأن استناده إلى فتوى المجتهد لم يكن مطابقاً للموازين ، وذلك لأنه من التقليد المطابق للقواعد واقعاً فلو قلنا بحرمة العدول عن تقليد المجتهد الجامع للشرائط ، أو قلنا بجواز البقاء على تقليده إذا مات مشروطاً بتعلّم فتاواه أو بالعمل بها حال حياته لم يجز في المثال‌

٢٨٦

العدول عن تقليد ذلك المجتهد كما جاز للمكلّف البقاء على تقليده ، لأن الأدلة المستدل بها على عدم جواز العدول عن تقليد المجتهد ، أو على جواز البقاء على تقليده غير قاصرة الشمول للمقام ، لأنه تقليد صحيح واقعاً وإن لم يكن استناده إلى فتاواه مطابقاً للموازين. فالشك في هذه الصورة في أن الاستناد مطابق للقواعد أو غير مطابق لها لا يترتب عليه شي‌ء من الأثرين المتقدّمين ، أعني جواز العدول وعدم جواز البقاء على تقليده ، لما عرفت من حرمة العدول وجواز البقاء ولو مع العلم بعدم كون الاستناد مطابقاً للموازين فضلاً عمّا إذا شكّ في ذلك ، ففي هذه الصورة لا أثر للشك في كيفية الاستناد وكونه غير مطابق للموازين ككونه مطابقاً لها.

وأما الصورة الثانية : أعني ما إذا شكّ في صحة تقليده وفساده مع الشك في أن المجتهد الّذي قلّده مستجمع للشرائط أو غير مستجمع لها لأجل الشك في اجتهاده أو ورعه وعدالته أو غيرهما من الشرائط فلا مناص فيها من الفحص عن استجماعه للشرائط ولا يجوز فيها البقاء على تقليده حتى فيما إذا قلّده على طبق الموازين الشرعية ، كما إذا قطع باجتهاده أو شهد عليه عدلان ، إلاّ أنه بعد ذلك شك شكاً سارياً في اجتهاده واحتمل أن يكون علمه السابق جهلاً مركباً ، أو ظهر له فسق الشاهدين واقعاً.

والوجه في وجوب الفحص على المكلّف وعدم جواز البقاء له على تقليده هو أنه يشك في حجية نظره وفتواه ، ولا مسوّغ معه للبقاء على تقليده كما لا مسوّغ لتقليده بحسب الحدوث ، لعدم الفرق في ذلك بين الحدوث والبقاء. ففي هذه الصورة أيضاً لا أثر للشك في صحة التقليد وفساده بالإضافة إلى الأثرين المتقدّمين أعني حرمة العدول وجواز البقاء لما قد عرفت من أنه لو كان عالماً من صحة تقليده لاستناده إلى علمه الوجداني أو التعبدي لم يجز له البقاء على تقليده ، كما لا يجوز تقليده حدوثاً فضلاً عمّا إذا شكّ فيها ، كما يجب عليه العدول عن تقليده ، فبالإضافة إلى التقليد في نفسه ، وجواز العدول والبقاء لا أثر للشك بوجه.

الجهة الثانية : ما إذا شكّ في صحة تقليده وفساده بالإضافة إلى أعماله الّتي أتى بها على طبقه فيشك في وجوب إعادتها أو قضائها ، وقد مرّ غير مرة أن المدار في صحة‌

٢٨٧

العمل وفساده إنما هو بكونه مطابقاً للواقع أو مخالفاً له ، فإذا أحرز المكلّف أن أعماله الّتي أتى بها مطابقة للواقع لأنه عمل فيها بالاحتياط ، أو أتى بالسورة أو التسبيحات الأربع ثلاثاً من باب الرجاء بحيث لم يكن أيّ نقص في عمله لم تجب عليه إعادته أو قضاؤه ، كما أنه إذا علم بمخالفتها للواقع فيما يرجع إلى الأركان من الطهور والركوع أو غيرهما مما ورد في حديث لا تعاد وجبت إعادتها أو قضاؤها ، لعدم إتيانه بما هو المأمور به على الفرض ، ومقتضى حديث لا تعاد وجوب الإعادة إذا أخل بالأركان في صلاته. وأما لو علم بمخالفتها للواقع في غير الأركان من الأجزاء والشرائط المعتبرة في المأمور به ، كما إذا أخلّ بالسورة أو اكتفى بالتسبيحات الأربع مرة واحدة ، فإن كان جهله قصورياً عذريا كما إذا اعتمد على علمه الوجداني أو التعبدي كالبينة ثمّ شك شكاً سارياً في مطابقته للواقع أو ظهر له فسق البينة ، فمقتضى حديث لا تعاد عدم وجوب الإعادة لشموله للجاهل القاصر على ما بيّناه عند التكلّم على حكم الجاهل القاصر والمقصّر. وأما إذا كان جاهلاً مقصّراً ، كما لو قلّد باشتهاء من نفسه أو لغير ذلك من الدواعي غير المسوّغة للتقليد فلا يشمله حديث لا تعاد ، وحيث أن أعماله غير مطابقة للواقع فلا مناص من إعادتها أو قضائها ، ولعلّ هذا مما لا كلام فيه.

وإنما الكلام فيما إذا كانت المخالفة في غير الأركان ، إلاّ أنه شكّ في أنه جاهل قاصر أو مقصّر للشك في أن استناده إلى فتوى ذلك المجتهد هل كان استناداً صحيحاً شرعياً فهو جاهل قاصر ويشمله الحديث ومقتضاه عدم وجوب الإعادة في حقه ، أو أنه استناد غير شرعي فهو مقصّر والحديث لا يشمله فلا بدّ من الحكم بوجوب الإعادة أو القضاء ، فهل تجب الإعادة أو القضاء في مفروض الصورة أو لا تجب؟

الصحيح أن يفصّل في هذه الصورة بما فصّلنا به في الجهة الأُولى المتقدمة بأن يقال : إن منشأ الشك في المقام إن كان هو الشك في أن استناده كان مطابقاً للموازين الشرعية أم لم يكن ، مع العلم بأن من قلّده مستجمع للشرائط المعتبرة في المرجعية بحيث يجوز للمكلّف أن يقلّد ذلك المجتهد بالفعل ، حكم بصحة عمله ولم تجب عليه الإعادة ولا القضاء لفرض أنه مطابق لفتوى من يجوز تقليده واقعاً ، ولو مع العلم بأن استناده إلى فتاواه لم يكن مطابقاً للموازين الشرعية. وأما إذا نشأ الشك في صحة تقليده‌

٢٨٨

وفساده من الشك في أن من قلّده سابقاً مستجمع للشرائط أو غير مستجمع لها ، فلا مناص من الالتزام بوجوب الإعادة أو القضاء في حقه لما مرّ من أن حديث لا تعاد غير شامل للجاهل المقصر ، هذا.

ويمكن أن يقال : إن حديث لا تعاد وإن كان لا يشمل المقصّر في نفسه إلاّ أن ذلك مستند إلى القرينة الخارجية ، أعني استلزام شموله له حمل الأخبار الواردة في الأجزاء والشرائط بلسان الأمر بالإعادة عند الإخلال بها على المورد النادر وهو العالم المتعمد في تركهما ، وحيث لا يمكن الالتزام به خصصنا الحديث بالجاهل المقصّر ، وبما أن المخصص وهو المقصّر عنوان وجودي فمع الشك في تحققه وإن كانت الشبهة مصداقية ، ولا يجوز التمسك فيها بالعموم. إلاّ أنّا ذكرنا في محلّه (١) أن المخصص المنفصل أو المتصل إذا كان من العناوين الوجودية وشككنا في حصوله وتحققه أمكننا إحراز عدمه بالاستصحاب ، وحيث إن الباقي تحت العموم هو من لم يتصف بذلك العنوان الوجودي كالمقصّر والقرشية ونحوهما ، فنحرز باستصحاب عدم حدوث الاتصاف بالمقصرية والقرشية أن المشكوك فيه من الأفراد الباقية تحت العموم وأنه مشمول له ومع ثبوت أن الجاهل غير مقصّر بالاستصحاب ، يشمله حديث لا تعاد وبه نحكم بعدم وجوب الإعادة أو القضاء في مفروض الكلام.

بقيت صورة واحدة وهي ما إذا كان هناك مجتهدان أحدهما المعيّن مستجمع للشرائط المعتبرة في المرجعية دون الآخر ، والمكلّف بعد ما أتى بأعماله شكّ في أن تقليده كان مطابقاً للموازين الشرعية أم لم يكن ، أي إنه قلّد من هو مستجمع للشرائط وقابل للتقليد منه ، أو أنه قلّد الآخر غير المستجمع للشرائط من جهة تقصيره في ذلك واتباعه هوى نفسه؟

وفي هذه الصورة أيضاً يحكم بصحة أعماله ولا تجب عليه الإعادة والقضاء لحديث لا تعاد ، لما تقدم من أن الخارج عن الحديث إنما هو عنوان المقصر وهو عنوان وجودي ، ومع الشك في تحققه لا مانع من الرجوع إلى استصحاب عدمه ، فإن به يحرز أن المورد مندرج تحت العموم ومقتضاه عدم وجوب الإعادة أو القضاء ، هذا.

__________________

(١) محاضرات في الأُصول ٥ : ٢٠٧.

٢٨٩

[٤٢] مسألة ٤٢ : إذا قلّد مجتهداً ثمّ شكّ في أنه جامع للشرائط أم لا ، وجب عليه الفحص (١).

______________________________________________________

بل لا مانع في هذه الصورة من الحكم بصحة أعماله السابقة بقاعدة الفراغ وذلك لأن صورة العمل غير محفوظة ، حيث إن ذات العمل وإن كانت محرزة إلاّ أنه يشك في كيفيته وأنه أتى به عن الاستناد إلى التقليد الصحيح أعني تقليد من يجوز تقليده أو عن الاستناد إلى التقليد غير الصحيح ، ومعه يشمله قوله عليه‌السلام « كلما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فامضه » (١) وغيرها من الروايات الواردة في القاعدة. نعم ، إذا كانت صورة العمل محفوظة ، كما إذا قلّد شخصاً معيناً ثمّ شكّ في أنه كان زيداً الجامع للشرائط أو أنه كان عمراً الفاقد لها لم تجر قاعدة الفراغ في شي‌ء من أعماله للعلم بأنه أتى بها مطابقة لفتوى شخص معيّن ، إلاّ أنه يحتمل صحتها ومطابقتها للواقع من باب الصدفة والاتفاق ، لاحتمال أن يكون من قلّده زيداً المستجمع للشرائط. وعليه إذا كان شكّه هذا في الوقت وجبت عليه الإعادة بمقتضى قاعدة الاشتغال.

هذا ما تقتضيه القاعدة في نفسها إلاّ أن مقتضى حديث لا تعاد عدم وجوب الإعادة في هذه الصورة أيضاً. وإذا شكّ في صحتها وفسادها خارج الوقت لم تجب عليه القضاء ، لأنه كما مرّ بأمر جديد ، وموضوعه فوت الفريضة في وقتها ولم يحرز هذا في المقام ، ولو من جهة احتمال المطابقة صدفة ومن باب الاتفاق ، ومع الشك يرجع إلى البراءة عن وجوبه.

ومما ذكرناه في المقام يظهر الحال في المسألة الخامسة والأربعين فلاحظ.

الشك في أن المجتهد جامع للشرائط أو لا

(١) قد يحرز المكلّف أن من قلّده جامع للشرائط المعتبرة في المرجعية لعلمه بذلك أو لقيام البينة عليه ، إلاّ أنه بعد ما قلّده في أعماله يشك في استجماعه للشرائط بقاءً لاحتمال زوال عدالته أو اجتهاده أو غيرهما من الشرائط ، وقد يحرز استجماعه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٦.

٢٩٠

للشرائط حدوثاً إلاّ أنه يقطع بارتفاعها وعدم استجماعه لها بقاءً ، لزوال عدالته أو اجتهاده أو غيرهما من الأُمور المعتبرة في المقلّد ، وثالثة يحرز المكلّف أن من قلّده واجد للشرائط حدوثاً غير أنه يشك بعد تقليده في أنه هل كان واجداً لها من الابتداء أو لم يكن ، لاحتمال خطئه في العلم بعدالته أو لانكشاف فسق البينة الّتي قامت على عدالته مثلاً ، ولأجل ذلك يشك في أنه هل كان واجداً لها من الابتداء أم لم يكن. وهذه صور ثلاث :

أما الصورة الاولى : فلا ينبغي التأمل في جواز البقاء على تقليد من قلّده من الابتداء لاستصحاب بقائه على الشرائط المعتبرة ، وعدم طروّ ما يوجب زوالها عنه فيبقى على تقليده إلى أن يعلم بارتفاعها وزوالها.

أما الصورة الثانية : فهل يسوغ للمكلّف البقاء على تقليد من قلّده من الابتداء في المسائل الّتي عمل بها حال استجماعه للشرائط المعتبرة أو المسائل الّتي تعلمها حينئذاك أو لا يجوز؟

مقتضى القاعدة هو الجواز وذلك لما ذكرناه في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت من أن المعتبر أن يكون المجتهد المقلّد حال الأخذ منه ممن تنطبق عليه العناوين الواردة في لسان الدليل ، فإذا كان واجداً للشرائط عند الأخذ منه صدق أن الفقيه أنذره ، كما يصح أن يقال : إنه سأله عن العالم وهكذا ، وافتقادها بعد الأخذ منه غير مضر ، ومن هنا قلنا بجواز البقاء على تقليد الميت فيما عمل به أو تعلمه من المسائل قبل موته ، فإذا بنينا على أن الأخذ من المجتهد حال استجماعه الشرائط يكفي في جواز البقاء على تقليده إذا مات ولا يضرّه افتقادها بعد الأخذ والتعلّم ، كان البقاء على تقليد المجتهد في المسائل الّتي عمل بها أو تعلّمها حال استجماعه الشرائط المعتبرة موافقاً للقاعدة مطلقاً وإن افتقد شيئاً منها أو كلّها بعد ذلك.

إذن فلا فرق بين المقام وبين البقاء على تقليد الميت بوجه فكما جوّزنا البقاء على تقليد المجتهد إذا مات ، وبيّنا أنه مقتضى الأدلة المتقدمة من السيرة والآية والروايات بل قلنا إن البقاء قد يكون محكوماً بالوجوب ، فكذلك لا بدّ من أن نلتزم به في المقام ونحكم بجواز البقاء على تقليد الميت إذا افتقد شيئاً من الشرائط المعتبرة غير الحياة‌

٢٩١

كالاجتهاد والعدالة وغيرهما ، لأنه أيضاً في الحقيقة من الموت غير أن ذلك موت معنوي وذاك موت ظاهري.

وعلى الجملة أن الفتوى كالرواية والبينة فكما أن الراوي أو الشاهد إذا زالت عدالته أو وثاقته بل وإسلامه لم يضرّ ذلك بحجية رواياته أو شهاداته الصادرة عنه حال استجماعه للشرائط ، كيف وقد ورد في بني فضال « خذوا بما رووا وذروا ما رأوا » (١) كذلك الحال في المجتهد إذا افتقد شيئاً من الشرائط بعد ما أخذ عنه الفتوى حين وجدانه لها ، لم يضر ذلك بحجية فتاواه أبداً ، هذا ما تقتضيه القاعدة في المقام.

إلاّ أنه لا يسعنا الالتزام به وذلك لوجود الفارق بين مسألة البقاء على تقليد الميت ومسألة البقاء على تقليد المجتهد الحي إذا افتقد شيئاً من الشرائط المعتبرة في المرجعية وهو ما استكشفناه من مذاق الشارع من عدم ارتضائه بإعطاء الزعامة الدينية لمن ليس له عقل أو لا عدالة أو لا علم له ، لأنه قد اعتبر تلك الأُمور في القاضي والشاهد فكيف لا يعتبرها في الزعامة الدينية ، مع أن منصب الإفتاء من أعظم المناصب الشرعية بعد الولاية.

والسّر في ذلك أن الاتصاف بنقيض الشرائط المعتبرة أو ضدّها غير الحياة منقصة دينية أو دنيوية ، ولا يرضى الشارع الحكيم أن تكون القيادة الإسلامية لمن اتصف بمنقصة يعيّر بها لدى المسلمين ، على أن ذلك هو الّذي يساعده الاعتبار فإن المتصدي للزعامة الدينية إذا لم يكن سالكاً لجادة الشرع لم يتمكّن من قيادة المسلمين ليسلك بهم ما لا يسلكه بنفسه ، أترى أن من يشرب الخمور أو يلعب بالطنبور أو يرتكب ما يرتكبه من المحرمات يردع غيره عن ارتكاب تلك الأُمور؟

وهذا مما لا يفرق فيه بين الحدوث والبقاء فإن العدالة والعقل وغيرهما من الأُمور المتقدمة في محلّها كما تعتبر في المقلّد حدوثاً كذلك يعتبر فيه بقاءً ، فإن ما دلّ على اعتبارها حدوثاً هو الّذي دلّ على اعتبارها بحسب البقاء ، وهو عدم رضى الشارع بزعامة من لم يستجمع الشرائط على ما استكشفناه من مذاقه. فالدليل على اعتبار تلك الشروط في كل من الحدوث والبقاء شي‌ء واحد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٢ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ١٣.

٢٩٢

إذن لا يمكننا الالتزام بجواز البقاء على تقليد من عرضه الفسق أو الجنون أو غيرهما من الموانع ، ولا يقاس افتقاد تلك الشرائط بزوال الحياة المعتبرة أيضاً في المقلّد بحسب الحدوث ، فإن الموت لا يعدّ نقصاً دينياً أو دنيوياً أبداً ، بل هو انتقال من نشأة إلى نشأة فهو في الحقيقة ترقّ من هذا العالم إلى عالم أرقى منه بكثير ومن هنا اتصف به الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ومعه لا مانع من البقاء على تقليد المجتهد الميت وأين هذا مما نحن فيه ، فلا بدّ في تلك الموارد من العدول إلى مجتهد آخر مستجمع للشرائط المعتبرة في المقلّد كما أشرنا إليه في المسألة الرابعة والعشرين فليلاحظ.

أما الصورة الثالثة : وهي ما إذا قلّد مجتهداً مع العلم بكونه واجداً للشرائط المعتبرة وجداناً أو تعبداً وبعد ذلك شكّ في استجماعه لها من الابتداء ، لاحتماله الخطأ في علمه أو لعلمه بفسق الشاهدين ، وكيف كان فقد شك في أنه واجد للشرائط بقاءً سارياً إلى كونه كذلك بحسب الحدوث أيضاً ، ففي هذه الصورة ليس للمقلّد البقاء على تقليد المجتهد ، لأنه وإن كانت فتاواه حجة حدوثاً لمكان العلم الوجداني أو التعبدي بتوفر الشروط فيه ، إلاّ أنها قد سقطت عن الحجية بقاءً لزوال العلم أو لسقوط البينة عن الاعتبار ، والمكلّف كما أنه يحتاج إلى وجود الحجة والمؤمّن له من العقاب المحتمل حدوثاً كذلك يحتاج إليها بحسب البقاء فإن مقتضى تنجز التكاليف الواقعية بالعلم الإجمالي بها استحقاق المكلّف العقاب على تقدير المخالفة ، وهو يحتمل بالوجدان العقاب فيما يرتكبه أو يتركه وقد استقلّ العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب ، ولا مناص معه من أن يستند إلى حجة مؤمّنة من العقاب دائماً ، وحيث إن فتوى مقلّده ساقطة عن الحجية بقاءً فليس له أن يعتمد عليها بحسب البقاء.

نعم ، لو قلنا إن قاعدة اليقين كالاستصحاب حجة معتبرة ، وأن النهي عن نقض اليقين بالشك شامل لكلتا القاعدتين جاز للمكلّف البقاء على تقليد من قلّده في مفروض الكلام ، لأن حجية فتاواه مسبوقة باليقين ولا اعتداد بالشك بعده لأنه ملغى عند الشارع بقاعدة اليقين ، إلاّ أنّا أسبقنا في محلّه أن الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك لا يعم كلتا القاعدتين ، فلا مناص من أن يختص بقاعدة اليقين أو الاستصحاب ، وحيث إن بعضها قد طبق كبرى عدم نقض اليقين بالشك على مورد‌

٢٩٣

[٤٣] مسألة ٤٣ : من ليس أهلاً للفتوى يحرم عليه الإفتاء (١).

______________________________________________________

الاستصحاب فلا يمكننا دعوى اختصاصها بالقاعدة فيكون الأخبار مختصة بالاستصحاب ، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

فتوى من لا أهلية له للفتوى :

(١) قد يراد ممن لا أهلية له من ليست له ملكة الاجتهاد ، وقد يراد به من لا أهلية له للفتوى من سائر الجهات ككونه فاسقاً أو غير أعلم ونحوهما.

أما من ليست له ملكة الاجتهاد ولكنه يفتي الناس بالقياس والاستحسان ونحوهما فلا ينبغي التردد في أن افتاءه حرام ، لأنه إسناد للحكم إلى الله سبحانه من غير حجة ودليل ، حيث إنه لم يأذن له بذلك فلا محالة يكون إفتاؤه افتراءً على الله لأنه عزّ من قائل قد حصر الأمر في شيئين : ما أذن به ، وما هو افتراء. وقال ( قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (١).

هذا مضافاً إلى الروايات المصرحة بحرمته وهي من الكثرة بمكان عقد لها باباً في الوسائل وأسماه باب عدم جواز القضاء والإفتاء بغير علم بورود الحكم من المعصومين عليهم‌السلام (٢) بل لو قال مثله إن نظري كذا أو فتواي هكذا ارتكب معصية ثانية لكذبه ، فإن مفروضنا أنه لا نظر ولا رأي له وبذلك يندرج في من قضى ولو بالحق وهو لا يعلم (٣).

وأما من كان له ملكة الاجتهاد ولم تكن له الأهلية من سائر الجهات فلا كلام في جواز إخباره عن نظره وفتواه لعدم كونه كذباً على الفرض ، فإن مفروضنا أنه واجد‌

__________________

(١) يونس ١٠ : ٥٩.

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٠ / أبواب صفات القاضي ب ٤.

(٣) عن أحمد عن أبيه رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « القضاة أربعة : ثلاثة في النار وواحد في الجنة : رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة. » وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٢ / أبواب صفات القاضي ب ٤ ح ٦.

٢٩٤

لملكة الاجتهاد وأن له نظراً وفتوى ، كما لا شبهة في أن إفتاءه مما أذن به الله ، فإن ما أفتى به حسب نظره واجتهاده حكم الله سبحانه في حقه فهو ممن قضى بالحق وهو يعلم فلا افتراء في إسناده الحكم إلى الله ، وإنما الكلام في أن افتاءه ذلك تمويه وإغراء للجاهل وإضلال للسائل ليحرم من تلك الجهة أو أنه لا إغراء ولا إضلال في إفتائه بوجه؟

التحقيق أن السائل إذا كان جاهلاً بالحكم فحسب ، كما إذا علم بعدم عدالة المجتهد مثلاً إلاّ أنه لم يعلم أن فتوى المجتهد إنما تعتبر فيما إذا استجمع العدالة وغيرها من الشرائط ، وجب على المفتي إرشاده وذلك لوجوب تبليغ الأحكام للجاهلين بأن يبيّن للسائل أن الحجة في حقّه هي فتوى المجتهد الجامع للشرائط الّتي منها العدالة إذ لو لا ذلك لكان إفتاؤه إغراءً للجاهل وإضلالاً له وهو حرام.

وأما إذا كان جاهلاً بالموضوع دون حكمه بأن علم أن العدالة معتبرة في فتوى المجتهد وحجيتها ، إلاّ أنه لم يعلم أن المجتهد فاقد للعدالة وإن كان المجتهد عالماً بفسقه عند نفسه ، فافتاؤه ذلك أمر جائز وليس فيه أي إغراء وإضلال كما أنه ليس بافتراء ولا كذب ، وذلك كلّه لأنه الحكم الواقعي في حقه فلا مانع من أن يخبر عن نظره وفتواه ، ومفروضنا أن السائل غير جاهل بالحكم ليجب إرشاده وتبليغه فليس في البين إلاّ أن إفتاءه ذلك وإخباره عن الحكم ليس بحجة على السائل واقعاً وإن كان يعتقد حجيته وليس هذا من الإغراء بوجه. ولا يقتضي ذلك عدم جواز الإفتاء للمجتهد فإنه في الموضوعات الخارجية ، نظير ما إذا اعتقد عدالة شخصين فاسقين في الواقع وقد أخبراه بنجاسة شي‌ء مثلاً فإن أخبارهما وإن لم يكن بحجة عليه واقعاً وإنما يعتقد حجيته بتوهّم أنهما عادلان ، إلاّ أن أخبارهما عن النجاسة مما لا حرمة له لفرض صدقهما في أخبارهما ، ومقامنا من هذا القبيل.

نعم ، لا يجوز للفاسقين أن يشهدا الطلاق وإن اعتقد المجري للطلاق أو الزوجان عدالتهما ، وذلك لأن المرأة بحضورهما ترتّب على نفسها آثار الطلاق الصحيح وأنها مخلاة عن الزوج ، فيزوّج نفسها من غيره إذا انقضت عدتها مع أنها امرأة ذات بعل وهذا بخلاف أمثال المقام فإنه لا يتصوّر أي محذور في إفتاء غير العادل وإن اعتقد الجاهل عدالته ، ولا يجب عليه أن ينبّه السائل بفسقه أبداً ، اللهُمَّ إلاّ أن يكون التصدي‌

٢٩٥

وكذا من ليس أهلاً للقضاء يحرم عليه القضاء بين النّاس (١).

______________________________________________________

للإفتاء ظاهراً في الإنباء عن عدالته كما قد يتفق في بعض المقامات ، بحيث لو أفتى المجتهد بعد السؤال لكان ظاهره الاخبار عن عدالته واستجماعه الشرائط فإنه من قبيل إظهار العدالة ممن لا عدالة له وهو كذب حرام.

قضاؤه من لا أهلية له للقضاء :

(١) إن من ليس له أهلية القضاء يحرم أن يتصدى للقضاوة لأنه ليس بمنصوب لها ولو على نحو العموم ، ومعه لو تصدى لذلك تعيّن أن يكون من الشق الثالث من الشقوق الثلاثة الواردة في قوله عليه‌السلام مخاطباً لشريح : « قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي ، أو وصي نبي ، أو شقي » (١) لوضوح أنه ليس بنبي ولا أنه من أوصيائه فإن مفروضنا عدم أهليته للقضاء.

نعم ، لا بأس بإبداء نظره في أمر المترافعين بأن يقول : قولك هذا هو الصحيح بنظري أو ليس بصحيح عندي. وأما القضاء الّذي هو الاخبار عن الحكم المشخّص الثابت في الشريعة المقدسة في مورد الترافع فلا ، فإن الفرق بين القضاء والفتوى إنما هو في أن المفتي بفتواه يخبر عن الأحكام الإلهية الكلّية الثابتة لموضوعاتها وذلك كنجاسة الخمر وصحة البيع بغير العربية ونحوهما ، والقضاء أيضاً هو الاخبار عن الحكم الإلهي الثابت في الشريعة المقدسة إلاّ أنه حكم مشخّص وليس حكماً كلياً بوجه فالقاضي يخبر عن أن هذا ملك زيد وذاك ملك عمرو. ولا يتيسّر ذلك لمن ليس له أهلية القضاء فإنه ليس إخباره إخباراً عن الحكم الإلهي الثابت في الشريعة المقدسة. بل لو أخبر بقصد أن ما أخبر به هو الحكم الإلهي المشخّص في الواقعة فقد شرّع وهو حرام. وعلى الجملة من ليس له أهلية القضاء يحرم أن يتصدى للقضاوة بقصد أن يرتب عليها الأثر.

ويدلُّ على ما ذكرناه صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٧ / أبواب صفات القاضي ب ٣ ح ٢.

٢٩٦

« اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي » (١) لدلالتها على أن القضاء من المناصب المختصة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصي عليه‌السلام فلا يشرع لغيرهما إلاّ بالاذن من قبلهما على نحو الخصوص أو العموم فإن المأذون من قبلهما يشمله عنوان الوصي ، بناءً على أن المراد به مطلق من عهد إليه أو أنه مندرج في عنوانه إلاّ أن القضاء المأذون فيه من قبلهما في طول قضائهما ومتفرع على ولايتهما في القضاء. وظاهر الصحيحة أن ولاية القضاء لم تثبت لغيرهما في عرضهما لا أنها لم تثبت لغيرهما حتى إذا أذنا في القضاء ، والقدر المتيقن ممن اذن له في القضاء هو المجتهد الجامع للشرائط ، أعني من له أهلية القضاء إذن فغيره ممن لا أهلية له يبقى مشمولاً للصحيحة النافية لمشروعية القضاء عن غير النبي والوصي عليه‌السلام.

وأيضاً يدل عليه صحيحة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال : قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : « إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه » (٢) لدلالتها على أن جواز القضاوة ومشروعيتها تحتاج إلى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٧ / أبواب صفات القاضي ب ٣ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣ / أبواب صفات القاضي ب ١ ح ٥.

ثمّ إنّا قد أسبقنا شطراً مما يرجع إلى وثاقة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال في ذيل ص ٢٢٤ وذكرنا أن الشيخ قد ضعّفه في فهرسته ، ووثقه في موضع آخر على ما نقله عنه العلاّمة قدس‌سره إلاّ أن شيئاً من تضعيفه وتوثيقه غير قابل للاعتماد عليه وذلك لأن المتأخر منهما عدول عن المتقدم عليه ، وحيث إنّا لا نعلم أن الصادر متأخراً أيّهما فيكون كل من قولي الشيخ شبهة مصداقية للتضعيف والتوثيق ، وبذلك يسقطان عن الاعتبار ، ويبقى توثيق النجاشي وابن قولويه للرجل سليماً عن المعارض.

وهذا الّذي ذكرناه وإن كان صحيحاً في نفسه إلاّ أنه إنما يتم فيما إذا لم يصدر المتأخر منهما حال غفلته عمّا ذكره أولاً فإن مع التوجه والالتفات إليه لم يعقل صدور ضده أو نقيضه إلاّ عدولاً عمّا ذكره أولاً. وأما مع احتمال كونه غافلاً عمّا ذكره أولاً فلا يمكننا الحكم بأن المتأخر عدول عن سابقه لمكان غفلته ، كما لا يمكننا رفع هذا الاحتمال بأصالة عدم الغفلة المتسالم عليها عند العقلاء

٢٩٧

جعلهم وإذنهم عليهم‌السلام وقد مرّ أن المتيقن هو الاذن لمن له أهلية القضاء.

ويؤيده ما تقدم من رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال قال : أمير المؤمنين لشريح : يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي أو وصي نبي أو شقي » (١) لدلالتها على الاختصاص ، وإنما جعلناها مؤيدة لضعفها بيحيى بن المبارك الواقع في سندها.

__________________

وذلك لأن التشبث بأصالة عدم الغفلة إنما يصح فيما إذا شككنا في أن كُلاًّ من تضعيفه وتوثيقه هل صدر عنه مع الغفلة أو الالتفات؟ وبها نبني على أنه ضعّفه مع الالتفات إليه ووثقه كذلك وأما انه عند ما أخذ بتضعيفه مثلاً مع الالتفات لم يكن غافلاً عن الأمر المتقدم عليه ، فهو مما لا يمكن إثباته بأصالة عدم الغفلة عند العقلاء.

ومن هنا تصدى سيدنا الأُستاذ أدام الله إظلاله لإثبات وثاقة الرجل ودفع ما قد يتوهّم من معارضة توثيق النجاشي وابن قولويه بتضعيف الشيخ له في فهرسته بطريق آخر وأفاد في الأمر الثالث من الأُمور الّتي تعرض لها في ترجمة الرجل من رجاله ما إليك نصه :

والصحيح أن يقال : إن تضعيف الشيخ لا يمكن الأخذ به في نفسه في المقام فشهادة النجاشي وابن قولويه ، وعلي بن الحسن بلا معارض بيان ذلك : ان سالم ابن أبي سلمة المتقدم قد عرفت قول النجاشي فيه : ان حديثه ليس بالنقي وأن ابن الغضائري ضعفه ، وقد ذكر النجاشي أن له كتاباً أخبر بها عدة من أصحابنا بالسند المتقدم في ترجمته ، ومع ذلك لم يتعرّض له الشيخ حتى في رجاله ، مع أن موضوعه أعم مما في الفهرست ، أفهل يمكن أن العدة المخبرين للنجاشي بكتاب سالم ابن أبي سلمة لم يخبروا الشيخ فلم يعلم الشيخ لا بنفسه ليذكر في رجاله ، ولا بكتابه ليذكره في فهرسته؟ فينحصر سرّ عدم تعرضه له تخيله أنه هو سالم بن مكرم ، فإنه اعتقد أن مكرماً كنيته أبو سلمة على ما صرّح به في عبارته المتقدمة ، وقد تعرض له في الفهرست والرجال ، وعليه فيكون تضعيفه لسالم بن مكرم مبنياً على أنه متحد مع سالم بن أبي سلمة الّذي مرّ كلام النجاشي وابن الغضائري فيه ، وحيث إنه قدس‌سره أخطأ في ذلك فإن سالم بن أبي سلمة رجل آخر غير سالم ابن مكرم فالتضعيف لا يكون راجعاً إلى سالم بن مكرم الّذي ليس هو بابن أبي سلمة بل هو نفسه مكنى بأبي سلمة على زعمه فتوثيق النجاشي وابن قولويه ، ومدح ابن فضال تبقى بلا معارض ... [ معجم رجال الحديث ٨ : ٢٥ ].

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٧ / أبواب صفات القاضي ب ٣ ح ٢.

٢٩٨

إذن لا دليل على مشروعية القضاء لمن لا أهلية له ، ومقتضى الأصل عدم نفوذ حكم شخص على شخص آخر ، كما أن مقتضى الروايات المتقدمة حرمة صدور القضاء ممن لا أهلية له ، وهو أصل ثانوي وإن كان الأصل الأولي يقتضي جوازه وإباحته ، فعلى هذا الأصل الثانوي يكون القضاء والحكم بعنوان الأهلية من التشريع المحرّم لأنه عنوان للفعل الخارجي.

وهل يعتبر الاجتهاد في الأهلية للقضاء أو أن المستفاد من الأدلة الواردة في المقام ثبوت الاذن لمطلق العالم بالقضاء وإن كان علمه مستنداً إلى التقليد دون الاجتهاد؟

الأوّل هو المشهور بين الأصحاب قدس‌سرهم بل ادعى عليه الإجماع في كلام جماعة منهم الشهيد الثاني في مسالكه (١) وإلى الثاني ذهب صاحب الجواهر قدس‌سره مدعياً أن المستفاد من الكتاب والسنة صحة الحكم بالحق والعدل والقسط من كل مؤمن وإن لم يكن له مرتبة الاجتهاد ، واستدل عليه بجملة من الآيات والروايات :

أما الآيات فكقوله عزّ من قائل ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (٢) وقوله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا ) (٣) ومفهوم قوله ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (٤) ( هُمُ الظّالِمُونَ ) (٥) ( هُمُ الْكافِرُونَ ) (٦) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة فإن إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين المجتهد ومن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد.

وأما الروايات : فمنها : قوله عليه‌السلام « القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة ، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو‌

__________________

(١) مسالك الافهام ٢ : ٢٨٣.

(٢) النساء ٤ : ٥٨.

(٣) المائدة ٥ : ٨.

(٤) المائدة ٥ : ٤٧.

(٥) المائدة ٥ : ٤٥.

(٦) المائدة ٥ : ٤٤.

٢٩٩

في النار ، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة » (١).

ومنها : صحيحة أبي خديجة قال « بعثني أبو عبد الله عليه‌السلام إلى أصحابنا فقال : قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شي‌ء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق ، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً ، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر » (٢).

ومنها : صحيحته المتقدمة آنفاً (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ... ».

ومنها : صحيحة الحلبي قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ربما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشي‌ء فيتراضيان برجل منّا فقال : ليس هو ذاك إنما هو الّذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط » (٤) إلى غير ذلك من النصوص الّتي ادعى قدس‌سره بلوغها بالتعاضد أعلى مراتب القطع ، ودلالتها على أن المدار في الحكم والقضاء بالحق الّذي هو عند النبي وأهل بيته عليهم‌السلام بلا فرق في ذلك بين أن يكون المتصدّي للقضاء مجتهداً أو من لم يبلغ مرتبة الاجتهاد لأنهم أيضاً عالمون بالقضاء والأحكام بالتقليد ، فإن المراد بالعلم في صحيحة أبي خديجة المتقدمة أعم من الوجداني والتعبدي ، وإلاّ لم تشمل الصحيحة حتى للمجتهد لعدم علمه الوجداني بالأحكام ، ومن الظاهر أن المقلّد أيضاً عالم بالأحكام تعبداً لحجية فتوى المجتهد في حقه.

بل ذكر قدس‌سره أن ذلك لعلّه أولى من الأحكام الاجتهادية الظنية ، ثمّ أيّد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٢ / أبواب صفات القاضي ب ٤ ح ٦.

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٩ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٦.

(٣) راجع ص ٢٩٧.

(٤) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥ / أبواب صفات القاضي ب ١ ح ٨.

٣٠٠