موسوعة الإمام الخوئي - ج ١

الشيخ علي الغروي

وذلك لأن التخلّف والخطأ قد يقعان فيما هو خارج عن المعاملة والالتزام ، كما لو اشترى مالاً بقصد الربح فيه أو ينزل عنده ضيف وهكذا ، والخطأ والتخلّف غير موجبين للبطلان في هذا القسم بالاتفاق ، ويعبّر عنه بتخلّف الداعي في كلماتهم وهو أيضاً ليس بمورد للتفصيل بين الداعي والتقييد.

وقد يقع التخلّف في متعلّق الالتزام المعاملي ، والمتعلّق قد يكون أمراً كلياً ، وقد يكون شخصياً.

أما الصورة الأُولى : كما لو اشترى دورة كتاب كالتهذيب على أنه طبعة النجف مثلاً ودفعه إليه عند تسليمه من غير تلك الطبعة ، فلا كلام في أنه من التخلّف في مقام الأداء ولا يستتبع ذلك بطلان المعاملة ولا الخيار للمشتري ، وإنما له أن يطالب البائع بما تعلّقت به المعاملة لأن ما دفعه إليه غير ما اشتراه منه المشتري. والاشتراط في هذه الصورة من باب التقييد دائماً ، ولا يعقل أن يكون من باب الداعي بوجه ، لأنه يوجب التقييد في متعلّق الالتزام ويحصّصه بحصّة خاصة غير منطبقة على الحصة الفاقدة لها إلاّ أن تخلفه غير موجب للبطلان ولا الخيار. نعم ، للمشتري مطالبة البائع بالمبيع ، كما أن له أن يرضى بالتبديل وهو أمر آخر وراء المعاملة.

أما الصورة الثانية : كما إذا اشترى كتاباً معيناً في الخارج على أنه طبعة كذا وانكشف أنه ليس من تلك الطبعة ، فالاشتراط فيها يستحيل أن يكون من باب التقييد أبداً ، وذلك لأن متعلّق المعاملة جزئي خارجي لا إطلاق له ، ولا معنى للتقييد فيما هو مقيد في نفسه ، إذ التقييد إنما يتصوّر فيما كان موسّعاً في نفسه وقابلاً للانقسام إلى قسمين أو أكثر وهذا غير معقول في الجزئي الخارجي ، فإن الكتاب المعيّن إما أن يكون من طبعة كذا من الابتداء وإما أن لا يكون ، ويستحيل أن يكون من تلك الطبعة تارةً ومن طبعة غيرها تارة أُخرى ، فإرجاع الاشتراط في الجزئيات الخارجية إلى التقييد غير معقول. نعم ، يمكن أن يرجع الاشتراط في مثلها إلى أصل الالتزام بأن يقال : إن أصل الالتزام المعاملي معلّق على أن يكون الكتاب المعيّن من طبعة كذا ، إلاّ أن إرجاعه إلى ذلك يقتضي بطلان المعاملة لأن التعليق مبطل في العقود حتى إذا كان المعلّق عليه حاصلاً في الواقع.

٢٦١

معنى الاشتراط‌

إذن يقع الكلام في معنى الاشتراط فنقول : إن معناه في الأُمور الجزئية حسبما يقتضيه الاستقراء والارتكاز أحد أمرين على سبيل منع الخلو :

أحدهما : تعليق الالتزام بالمعاملة ، وعدم الرجوع فيها على تحقق الشرط في الخارج ، وهذا كما في اشتراط كون الفرس من جياد الخيل أو الكتاب المعيّن من طبعة كذا ، وغير ذلك من الأوصاف والقيود الخارجة عن الاختيار ، فإن معنى اشتراطها حسبما يفهمه العرف بارتكازهم أن التزامي بالبيع معلّق على كون الفرس كذا أو الكتاب من طبعة كذا ، فعند التخلّف يثبت للمشروط له الخيار في الالتزام بالمعاملة وفسخها.

ثانيهما : تعليق أصل الالتزام المعاملي على التزام الطرف الآخر بتحقق الشرط في الخارج لا على وجوده خارجاً وهذا كما في الموارد الّتي لا يجري فيها الخيار ، كما إذا اشترطت الزوجة على زوجها أن يكون اختيار المسكن بيدها فإن النكاح لا يجري فيه الخيار ، فمعنى الاشتراط فيه أن التزام الزوجة بالنكاح والزوجية معلّق على التزام الزوج بأن يكون اختيار المسكن بيدها ، فالزوج بقوله قبلت ، يبرز أمرين أحدهما التزامه بأصل الزواج ، وثانيهما التزامه بالعمل في الخارج ، وليست نتيجته الخيار عند تخلّف الزوج عمّا التزم به في المعاملة ، فإن النكاح كما مرّ مما لا يجري فيه جعل الخيار عند العقلاء ولا في الشريعة المقدسة بل ولا في الأديان السابقة ، فالاشتراط في مثله ليس بمعنى التعليق في الالتزام بالمعاملة ، وإنما هو من التعليق في أصل الالتزام المعاملي. ومثل هذا التعليق غير مضر بصحة العقد ، لأنه تعليق على التزام الطرف الآخر لا على وجود الشرط في الخارج نظير التعليق في الإيجاب لأنه من التعليق على قبول المشتري للالتزام المعاملي. وهذا بخلاف الصورة المتقدمة ، لأن كون الفرس أو الكتاب من جياد الخيل أو من طبعة النجف أمر خارج عن الاختيار ولا معنى للالتزام بما هو غير مقدور للملتزم ، فما قدّمناه لا يأتي إلاّ فيما هو داخل تحت الاختيار. وهذان قسمان ولا يخلو أمر الاشتراط من أحدهما.

٢٦٢

نعم ، الأمران قد يجتمعان في بعض الموارد ، كما في اشتراط الأمر الاختياري للمشروط عليه في العقود الجاري فيها جعل الخيار كالبيع والإجارة ، نظير بيع الدار على أن يخيط المشتري ثوب البائع ، وذلك لأنه من تعليق أصل البيع على التزام المشتري بالخياطة وتحققها في الخارج ، ونتيجته وجوب الخياطة على المشتري بعد المعاملة ، وثبوت الخيار للبائع على تقدير التخلّف وعدم تحقق الخياطة خارجاً.

وقد ظهر مما سردناه في معنى الاشتراط أن ما ذكره بعضهم من أن الاشتراط بمعنى الالتزام في الالتزام ، مما لا يمكن المساعدة عليه وذلك لأن الالتزام المستقل الّذي ليس له أي ارتباط بالمعاملة لا معنى لأن يكون شرطاً لها أبداً حسبما عرفته من الارتكاز والاستقراء ، فإن الشرط يعتبر أن يكون مرتبطاً بالالتزام المعاملي ، والربط إنما هو بأحد الأمرين المتقدمين ، ولا ثالث لهما كما مرّ ، هذا كلّه في الأُمور الاعتبارية غير القصدية.

أما القسم الثالث : وهي الأُمور غير القصدية المتحققة في الأُمور الخارجية كشرب المائع على أنه ماء ، أو ضرب أحد على أنه كافر وهكذا ، فقد ظهر الحال فيه مما بيّناه في القسم المتقدم ، وحاصله : أن الأُمور الخارجية أيضاً ليست مورداً للتقييد ، فإن الموجود الشخصي والأمر الخارجي لا إطلاق له ليكون قابلاً لتقييده ، والشرب والضرب الخارجيان لا يعقل أن يقعا على أزيد من شي‌ء واحد إما الماء وإما المائع الآخر ، أو الكافر أو غير الكافر ، فلا معنى في مثله للداعي والتقييد بأن يقال : إن شرب المائع إن كان على نحو التقييد بأن كان بحيث لو علم أنه غير الماء لم يشربه أو لو علم أن المضروب غير كافر لم يضربه ، فلم يصدر منه شرب ولا ضرب ، وذلك لأن الشرب والضرب قد وقعا في الخارج على الفرض ، فالترديد بين الداعي والتقييد غير جارٍ في الأُمور الخارجية أبداً. نعم ، اعتقاد أن المائع ماء أو أن المضروب كافر من الدواعي الباعثة إلى الفعل. إذن فالمقام من قبيل تخلّف الداعي والخطأ في مبادئ الإرادة فحسب. إذا عرفت هذه المقدمة فنقول :

التقليد والاقتداء ليسا من العناوين القصدية ، ولا أنهما من الأُمور الاعتبارية وإنما هما من الأُمور الخارجية ، لوضوح أن الاقتداء بمعنى تبعية شخص لآخر والتقليد هو‌

٢٦٣

العمل استناداً إلى فتوى الغير ، فإذا اقتدى إماماً في صلاته أو قلّد مجتهداً في أعماله ، لم يجر فيهما الترديد بين الداعي والتقييد ، لأنهما أمران خارجيان لا إطلاق لهما ليقيد أو لا يقيد ، فإن العمل عن استناد إلى فتوى الغير وكذلك الاقتداء ، إما أن يكونا مضافين إلى زيد وأما أن يضافا إلى عمرو ، ولا يعقل أن يكون العمل الخارجي تقليداً من شخصين أو اقتداءً لإمامين ، ومعه لا يصح أن يقال إن تقليده أو اقتداءه لو كان على وجه التقييد أي بحيث لو علم أن المجتهد أو المقتدي ليس بعمرو لم يقلّده أو لم يأتم به ، لم يصدر منه تقليد ولا اقتداء ، وذلك لضرورة أنهما متحققان في الخارج سواء أكان على وجه التقييد أم على وجه الداعي. نعم ، اعتقاد أنه زيد من الدواعي الباعثة إلى تقليده أو الاقتداء به فهو من باب تخلّف الداعي والخطأ في مقدمات الإرادة وليس من التقييد بوجه ، وهو نظير ما لو توضأ بالماء معتقداً أنه حلو ثمّ انكشف أنه مرّ فهل يسوغ أن يقال إن وضوءه في المثال لو كان على وجه التقييد أي بحيث لو علم أنه مرّ لم يتوضأ لم يصدر منه الوضوء ، فإنه لو علم بالحال وإن كان لم يتوضأ ، إلاّ أنه قد توضأ على الفرض ولو لجهله بالحال. إذن التفصيل في المقام بين ما إذا كان التقليد على وجه التقييد ، وما إذا كان على وجه الداعي كما صنعه الماتن مما لا محصّل له.

بل الصحيح في أمثال المقام والاقتداء أن يفصّل على وجه آخر وهو أن يقال : إن من قلّده أو ائتم به باعتقاد أنه زيد مثلاً إما أن يكون ممن يجوز تقليده والاقتداء به لمكان علمه وعدالته من غير أن يعلم بالمخالفة بينه وبين زيد في الفتوى وهو أعلم منه ولو إجمالاً ، وإما أن لا يكون كذلك لفسقه أو لعدم عدالته أو للعلم بينهما بالمخالفة. فعلى الأول يصح تقليده واقتداؤه لقابلية من ائتم به أو قلّده للإمامة والتقليد ، وعلى الثاني يحكم ببطلانهما لعدم أهلية من قلّده أو ائتم به لهما ، ومعه يندرج المقام في كبرى المسألة الآتية أعني ما لو قلّد من ليس له أهلية الفتوى ويأتي فيه ما سنذكره في تلك المسألة إن شاء الله.

نعم ، إذا لم تكن في صلاة المأموم زيادة ركنية ولم تكن صلاته فاقدة إلاّ لمثل القراءة ونحوها كانت صلاته محكومة بالصحة لحديث لا تعاد ، فما ذكرناه من التفصيل يختص بما إذا اشتملت صلاته على زيادة ركنية ونحوها مما تبطل به الصلاة ، كما إذا شكّ بين‌

٢٦٤

[٣٦] مسألة ٣٦ : فتوى المجتهد تعلم بأحد أُمور :

الأول : أن يسمع منه شفاهاً (١).

الثاني : أن يخبر بها عدلان (٢).

______________________________________________________

الواحدة والثنتين ورجع فيه إلى الإمام فإنه يندرج في محل الكلام ويأتي فيه التفصيل المتقدم فلاحظ.

طرق تعلّم الفتوى

(١) لا شبهة في حجية إخبار المجتهد عمّا أدى إليه فكره وتعلّق به رأيه ، لأنه مقتضى قوله عزّ من قائل ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (١) لدلالته على حجية الإنذار من المنذرين المتفقهين ، وليس الإنذار إلاّ الاخبار عن حرمة شي‌ء أو وجوبه حسبما أدى إليه رأي المنذر ، وقوله ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٢) حيث دلّ على حجية جوابهم على تقدير تمامية الاستدلال به.

وكذا يدل عليه الأخبار الواردة في موارد خاصة تقدّمت في أوائل الكتاب المشتملة على الإرجاع إلى آحاد الرواة لاقتضائها حجية الأجوبة الصادرة منهم لا محالة.

وكذلك تقتضيه السيرة العقلائية الجارية على حجية إخبار أهل الخبرة عن رأيهم ونظرهم من غير أن يطالبوا بالدليل على تطابق أخبارهم لأنظارهم ، لوضوح أن الطبيب مثلاً لا يسأل عن الدليل على أن ما أخبر به هو المطابق لتشخيصه. إذن إخبار المجتهد عن آرائه وفتاواه مما تطابقت على حجيته السيرة والآيات والروايات.

(٢) لما قدمناه في محلّه من حجية إخبار البينة إلاّ في موارد قام فيها الدليل على عدم اعتبارها ، كما في الشهادة بالزنا وغيره من الموارد المعتبرة فيها شهادة الزائد عن البينة المصطلح عليها.

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٢٢.

(٢) النحل ١٦ : ٤٣ ، الأنبياء ٢١ : ٧.

٢٦٥

الثالث : إخبار عدل واحد بل يكفي إخبار شخص موثق (١) ، يوجب قوله الاطمئنان وإن لم يكن عادلاً (٢).

الرابع : الوجدان في رسالته ولا بدّ أن تكون مأمونة من الغلط (٣).

[٣٧] مسألة ٣٧ : إذا قلّد من ليس له أهلية الفتوى ، ثمّ التفت وجب عليه العدول (٤)

______________________________________________________

(١) على ما بيّناه في محلّه من أن الخبر الواحد ، كما أنه حجة معتبرة في الأحكام كذلك معتبر في الموضوعات الخارجية ، بل لا ينبغي التأمل في حجية إخبار الثقة في محل الكلام ، وإن لم نقل باعتباره في الموضوعات الخارجية ، وذلك لأن الاخبار عن الفتوى إخبار عمّا هو من شؤون الأحكام الشرعية ، لأنه في الحقيقة إخبار عن قول الإمام مع الواسطة ، ولا فرق في حجية نقل الثقة وإخباره بين أن يتضمن نقل قول المعصوم عليه‌السلام ابتداءً وبين أن يتضمن نقل الفتوى الّتي هي الاخبار عن قوله عليه‌السلام لأن ما دلّ على حجية إخبار الثقة عن الإمام عليه‌السلام غير قاصر الشمول للاخبار عنهم مع الواسطة.

(٢) لا يعتبر في حجية إخبار الثقة أن يفيد الاطمئنان الشخصي بوجه على ما بيّناه في محلّه. اللهُمَّ إلاّ أن يكون القيد تفسيراً للموثق ويراد به الاطمئنان النوعي فلاحظ.

(٣) أما إذا كانت الرسالة بخطّه ، أو جمعها غيره وهو أمضاها ولاحظها فللأدلة المتقدمة الدالة على حجية إخبار المجتهد عمّا أدى إليه فكره ، لأنه لا فرق في إخباره عمّا تعلّق به رأيه بين التلفظ والكتابة.

وأما إذا لم تكن بخطّه كما إذا كتبها غيره ، لأنه أمر قد يتفق فيجمع الثقة فتاوى المجتهد ويدوّنها في موضع ، فلأجل أنها من إخبار الثقة الّذي قدمنا حجيته.

(٤) لبطلان تقليده ، سواء استند فيه إلى معذّر شرعي أم لم يستند.

ودعوى : أن المورد على التقدير الأول من كبرى مسألة إجزاء الأحكام الظاهرية إذا انكشف عدم مطابقتها للواقع.

٢٦٦

وحال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل غير المقلّد (١) وكذا إذا قلّد غير الأعلم وجب على الأحوط (*) (٢) العدول إلى الأعلم وإذا قلّد الأعلم ثمّ صار بعد ذلك غيره أعلم وجب العدول إلى الثاني على الأحوط.

______________________________________________________

مندفعة بما قدّمناه (١) في الكلام على تلك المسألة من عدم كون الحكم الظاهري مجزئاً عن الواقع. إذن لا أثر يترتب على تقليده السابق في كلتا الصورتين ، وإن كان تقليده في الصورة الأُولى محكوماً بالصحة ظاهراً. ولعلّ تعبير الماتن بالعدول أيضاً ناظر إلى ذلك. نعم ، التقليد في الصورة الثانية باطل واقعاً وظاهراً فهو من التقليد الابتدائي دون العدول ، وكذلك الحال في الفرعين المذكورين بعد ذلك فلاحظ.

(١) كما مرّ في المسألة السادسة عشرة والخامسة والعشرين ، ويوافيك تفصيله في المسألة الأربعين إن شاء الله.

(٢) بل على الأظهر كما قدّمناه في التكلّم على وجوب تقليد الأعلم عند العلم بالمخالفة في الفتوى بينه وبين غير الأعلم ، فتقليده من غير الأعلم محكوم بالبطلان ورجوعه إلى الأعلم تقليد ابتدائي حقيقة لا أنه عدول. نعم ، إذا لم يعلم بأعلمية الأعلم أو بالمعارضة في الفتوى بينه وبين غير الأعلم كان تقليده من غيره محكوماً بالصحة ظاهراً ، ولكنه يجب عليه العدول إلى الأعلم عند العلم بالأمرين المتقدمين هذا.

ثمّ إن وجوب تقليد الأعلم وإن كان عند الماتن من باب الاحتياط لعدم جزمه بالوجوب في التكلّم على تلك المسألة إلاّ أنه إنما يتم في تقليد الأعلم ابتداءً ، وأما العدول إلى الأعلم فلا يمكن الحكم فيه بالوجوب من باب الاحتياط ، لأنه مخالف للاحتياط لمكان القول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم ، فمقتضى الاحتياط هو الأخذ بأحوط القولين في المسألة.

__________________

(*) بل على الأظهر فيه وفيما بعده مع العلم بالمخالفة على ما مرّ.

(١) راجع ص ٢٨.

٢٦٧

[٣٨] مسألة ٣٨ : إن كان الأعلم منحصراً في شخصين (*) ، ولم يمكن التعيين فإن أمكن الاحتياط بين القولين فهو الأحوط ، وإلاّ كان مخيراً بينهما (١).

______________________________________________________

(١) ذكرنا في ذيل التكلم على مسألة وجوب تقليد الأعلم ، وفي المسألة الإحدى والعشرين أن الأعلم إذا لم يشخّص من بين شخصين أو أشخاص متعددين فإن تمكن المكلف من الاحتياط وجب ، لتنجز الأحكام الواقعية بالعلم الإجمالي بوجود أحكام إلزامية في الشريعة المقدسة ولا طريق إلى امتثالها غير العمل بفتوى الأعلم وهو مردد بين شخصين أو أشخاص ، وحيث إنه متمكن من الاحتياط فلا بد أن يحتاط تحصيلاً للعلم بالموافقة ودفعاً للضرر المحتمل بمعنى العقاب ، لاستقلال العقل بوجوبه على ما هو الحال في جميع موارد العلم الإجمالي. ولا أثر في هذه الصورة للظن بالأعلمية في أحدهما أو أحدهم لأنه من موارد العلم الإجمالي واشتباه الحجة باللاحجة وليس الظن مرجّحاً في أطراف العلم الإجمالي بوجه ، وإنما وظيفة المكلف أن يحتاط حتّى يقطع بخروجه عن عهدة ما علم به من التكاليف الإلزامية.

وأما إذا لم يتمكن من الاحتياط ، لأن أحدهما أفتى بوجوب شي‌ء والآخر بحرمته أو أفتى أحدهما بوجوب القصر والآخر بوجوب التمام ولم يسع الوقت للجمع بينهما فلا مناص من التخيير حينئذٍ للعلم بوجوب تقليد الأعلم وهو مردد بين المجتهدين من غير ترجيح لأحدهما على الآخر. وأما إذا كان هناك مرجح لأحدهما للظن بأعلميته دون الآخر فالمتعين في حقه الأخذ بفتوى من يظن أعلميته.

ولا يقاس هذه الصورة بالصورة المتقدمة أعني صورة التمكن من الاحتياط لأنها من موارد العلم الإجمالي ولا أثر للظن فيها كما مر ، وهذا بخلاف هذه الصورة ، لأن المكلف لا يتمكن فيها من الاحتياط فلا يمكن أن يؤمر به ، وإنما يجب عليه العمل بإحداهما ، بمعنى أن وظيفته هو الامتثال الاحتمالي وقتئذ فإذا ظن بأعلمية أحدهما دار أمره بين الامتثال الظني والاحتمالي ولا شبهة في أن الامتثال الظني مقدّم على الاحتمالي.

__________________

(*) فإن لم يعلم بالمخالفة بينهما تخير ابتداء ، وإلاّ فإن أمكن الاحتياط أخذ بأحوط القولين ، وإلاّ قلّد مظنون الأعلمية ، ومع عدم الظن تخير بينهما إن احتمل الأعلمية في كل منهما ، وإلاّ قلّد من يحتمل أعلميته.

٢٦٨

[٣٩] مسألة ٣٩ : إذا شك في موت المجتهد أو في تبدل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده ، يجوز له البقاء (١) إلى أن يتبيّن الحال (٢).

[٤٠] مسألة ٤٠ : إذا علم أنه كان في عباداته بلا تقليد مدة من الزمان ولم يعلم مقداره (٣) فإن علم بكيفيتها وموافقتها للواقع ، أو لفتوى المجتهد الّذي يكون مكلفاً بالرجوع إليه فهو.

______________________________________________________

وبهذا ظهر أن ما أفاده الماتن من التخيير عند عدم التمكن من الاحتياط إنما يتم إذا لم يظن أعلمية أحدهما ، وأما معه فلا مجال للتخيير بل المتعين هو الأخذ بفتوى من يظن أعلميته.

(١) للاستصحاب.

(٢) ولا يجب عليه التبين لعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

العلم بإتيان العبادات من غير تقليد والشك في مقدارها

(٣) أو أتى بأعماله من التقليد غير الصحيح وجرى عليه برهة من الزمان فهل تجب إعادة أعماله السابقة أو لا؟ للمسألة صور :

الاولى : ما إذا انكشفت مخالفة ما أتى به للواقع.

الثانية : ما إذا انكشفت مطابقة ما أتى به للواقع.

الثالثة : ما لو لم ينكشف له الخلاف ولا الوفاق.

أما الصورة الأُولى : فحاصل الكلام فيها أن المدار في الحكم بصحة العمل وفساده إنما هو مطابقته للواقع ومخالفته له ، والطريق إلى استكشاف ذلك إنما هو فتوى المجتهد الّذي يجب عليه تقليده عند الالتفات دون المجتهد الّذي كان يجب تقليده في زمان العمل ، لسقوط فتاواه عن الحجية بالموت أو بغيره من الأسباب فمع مطابقة عمله لما أفتى به المجتهد الفعلي عند الالتفات يحكم بصحته ، كما أنه يحكم ببطلانه إذا خالفه وهذا لعلّه مما لا كلام فيه.

وإنما الكلام في أن الإعادة هل يختص وجوبها بما إذا كان عمل المكلف فاقداً‌

٢٦٩

للأركان فحسب ، ولا تجب إذا كان فاقداً لغيرها من الأُمور المعتبرة في المأمور به ، كما كان هذا هو الحال فيما إذا أتى بأعماله عن التقليد الصحيح ثمّ انكشفت مخالفته للواقع كما في موارد العدول وتبدل الرأي ، أو أن الأعمال السابقة تجب إعادتها مطلقاً سواء استند قصورها إلى فقدها لأركانها أو إلى فقدها لغيرها من الأُمور المعتبرة في المأمور به؟

لا شبهة في أن عمل العامي في محل الكلام إذا كان مخالفاً للواقع لفقده شيئاً من الأركان المقوّمة للمأمور به ليس له أن يجتزئ به في مقام الامتثال لأنه محكوم بالفساد والبطلان وتجب عليه إعادته أو قضاؤه ، لأنه لم يأت بما هو الواجب في حقه وإن كان عمله مطابقاً لفتوى المجتهد الّذي كان يجب تقليده في زمان العمل ، لما أشرنا إليه من أن المدار في استكشاف مطابقة العمل أو مخالفته للواقع مطابقة العمل المأتي به لفتوى المجتهد الّذي يجب أن يقلّده بالفعل ، لسقوط فتوى المجتهد السابق عن الحجية على الفرض. فإذا أفتى بأن الواجب على من أحدث بالأكبر وتيمم لعدم تمكنه من الاغتسال ثمّ أحدث بالأصغر هو الوضوء دون التيمم ، والمفروض أن المكلف تيمم لصلاته ، كشف ذلك عن أن عمله كان مخالفاً للواقع لفقده الطهور الّذي هو ركن الصلاة فوجوب الإعادة أو القضاء في هذه الصورة مما لا ينبغي التوقف فيه ، حتى على القول بعدم وجوب الإعادة في موارد تبدل الاجتهاد والعدول لما ادّعي من الإجماع والسيرة فيهما على عدم وجوبهما. وذلك لأنا لو سلمناهما والتزمنا في تلك الموارد بالاجزاء فهو أمر قلنا به على خلاف القاعدة ، لأنها تقتضي وجوب الإعادة وعدم الاجتزاء بما أتى به ، ومعه لا بد من الاقتصار فيهما على موردهما ، وهو ما لو صدر العمل عن الاستناد إلى فتوى من يعتبر قوله في حقه ، أو على الأقل صدر عن العلم بفتواه بأن كانت وصلت الحجة إليه ، وأما من لم يستند في عمله إلى حجة شرعية ولا أن فتوى المجتهد السائغ تقليده وصلت بيده فلا تشمله السيرة ولا الإجماع بوجه.

وأما إذا كان عمل العامي مخالفاً للواقع لفقده شيئاً من الأجزاء والشرائط غير الركنيتين ، كما إذا أتى بالتسبيحات الأربع مرّة واحدة ، أو صلّى من دون سورة وقد أفتى المجتهد الفعلي بوجوب التسبيحات ثلاث مرات أو بوجوب السورة في الصلاة‌

٢٧٠

فالصحيح عدم وجوب الإعادة والقضاء إذا لم يكن ملتفتاً حال عمله ومتردداً في صحته حين اشتغاله به ، وذلك لحديث لا تعاد لأنه يشمل الناسي والجاهل القاصر والمقصّر كليهما.

والّذي يمكن أن يكون مانعاً عن شموله للجاهل المقصّر أمران قد قدّمنا الكلام فيهما عند التكلم على الإجزاء (١) وفي المسألة السادسة عشرة إلاّ أن الإعادة لمّا لم تكن خالية عن الفائدة تكلمنا عليهما أيضاً في المقام ، والأمران :

أحدهما : الإجماع المدعى على أن الجاهل المقصّر كالعامد ، نظراً إلى أن ذلك غير مختص بالعقاب وكون الحكم متنجّزاً في حق المقصّر وعدم معذّرية جهله بل يعمّه والبطلان كليهما ، ومقتضاه الحكم ببطلان عمل الجاهل المقصّر كالمتعمد كما يحكم باستحقاقه العقاب ، ويشهد لذلك أن الجاهل المقصّر لو لم يكن كالمتعمد لم تكن حاجة إلى استثنائه في الموضعين ، وهما ما لو أجهر في موضع الإخفات أو أخفت في موضع الجهر وما لو أتم في موضع القصر ، حيث حكموا بصحة عمله في الموضعين مدعياً الإجماع على صحته. وذلك لأنه لو كان عمله محكوماً بالصحة في نفسه لم تكن حاجة إلى التشبث بالإجماع على صحته في الموردين.

ويمكن المناقشة في هذا الوجه بأن القدر المتيقن من الإجماع المدعى أن الجاهل المقصِّر كالمتعمد من حيث استحقاقه العقاب ، وهو أمر موافق للقاعدة نلتزم به وإن لم يكن هناك إجماع بوجه ، وذلك لاستقلال العقل به فإن الحكم قد تنجّز عليه بالعلم الإجمالي على الفرض ، فإذا لم يخرج عن عهدته استحق العقاب على مخالفته. وأما الإجماع على بطلان عمله وأنه كالمتعمد في مخالفة الواقع فلم يثبت بوجه فإن الإجماع المدعى ليس بإجماع تعبدي ليتمسك بإطلاق معقده ، وإنما يستند إلى حكم العقل أو ما يستفاد من الأدلة الشرعية من أن الجاهل المقصّر يعاقب بمخالفته للواقع ، وهما إنما يقتضيان كونه كالمتعمد من حيث العقاب لا البطلان ، فإن المدار في الصحة والفساد كما تقدم موافقة العمل أو مخالفته للواقع ، فإذا فرضنا أن عمله مطابق للواقع إلاّ من ناحية بعض الأجزاء والشرائط غير الركنيتين والإخلال به لم يكن موجباً للإعادة‌

__________________

(١) راجع ص ١٦٦.

٢٧١

والبطلان لم يكن وجه لوجوب الإعادة أو القضاء عليه.

على أن فقهائنا قدس‌سرهم لم يلتزموا بذلك ولم يجروا أحكام المتعمد على الجاهل المقصّر في جملة من الموارد :

منها : ما لو اعتقد زوجية امرأة فوطأها ، فإن المتولّد من ذلك الوطء يلحق بأبيه مع أنه على ذلك زنا في الواقع والمتولد منه ولد زنا. إلاّ أنهم لا يلتزمون بإجراء أحكام الزنا عليه ، ولا يرتّبون على الولد أحكام المتولّد من الزنا.

ومنها : ما لو عقد على امرأة ذات بعل أو معتدةٍ معتقداً عدم كونها كذلك ، فإنهم لم يحكموا بحرمتها عليه مع أنه على ذلك من العقد على المعتدة أو ذات بعل متعمداً.

ومنها : ما لو أفطر في نهار شهر رمضان عن جهل تقصيري ، فانّا لا نلتزم فيه بالكفارة ، مع أن الجاهل المقصّر لو كان كالمتعمد وجبت عليه الكفارة لا محالة.

فمن هذا يستكشف عدم تحقق الإجماع على بطلان عمل الجاهل المقصّر بوجه.

وثانيهما : أن الظاهر المستفاد من قوله عليه‌السلام « لا تعاد الصّلاة ... » (١) أن المكلّف الّذي تترقب منه الإعادة وهو قابل في نفسه ومورد لا يجابها لا تجب عليه الإعادة تفضلاً من الشارع ، فيما إذا كان عمله فاقداً لغير الخمسة المذكورة في الحديث فإن المكلّف الّذي تترقب منه الإعادة بمعنى أن من شأنه أن تجب في حقه ، هو الّذي ينفى عنه وجوبها ولا يكلّف بالإتيان بنفس المأمور به ، وأما من لا تترقب منه الإعادة ولا أن من شأنه أن يكلّف بها ، لأنه مكلّف بإتيان الواقع نفسه فلا معنى للأمر عليه بالإعادة أو ينفى عنه وجوبها بالحديث ، لأنه مأمور بالإتيان بنفس الواجب الواقعي وهذا بخلاف ما لو لم يكن مكلفاً بالواقع والإتيان بنفس المأمور به. ولا يتحقق هذا في غير الناسي بوجه ، لأنه لنسيانه وعدم قدرته على الإتيان بالواجب نفسه قابل للأمر بالإعادة ، ومعه يصح أن ينفى عنه وجوبها عند التفاته إلى عمله فيصح أن يقال : أيها الناسي للسورة في صلاتك أعدها أو لا تعدها تفضلاً.

وأما الجاهل فهو مكلّف بالواجب نفسه فإن الأحكام الواقعية غير مختصة بالعالمين‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٨٩ / أبواب السجود ب ٢٨ ح ١.

٢٧٢

بها ، وغاية الأمر أن الجهل معذّر من حيث العقاب إذا كان مستنداً إلى القصور ، ومع أنه مكلّف بالواقع وهو أيضاً متمكن من الإتيان به لا معنى للأمر بإعادته ، ومع عدم قابلية المورد للأمر بالإعادة لا يمكن أن ينفى عنه وجوبها بالحديث فإنه حينئذٍ من توضيح الواضح لأنه غير مكلّف بالإعادة في نفسه فما معنى نفي وجوبها عنه بالحديث. إذن الحديث غير شامل للجاهل بأقسامه. وهذا الوجه هو الّذي ذكره شيخنا الأُستاذ قدس‌سره وأصرّ عليه (١).

إلاّ أنه كالوجه السابق مما لا يمكن المساعدة عليه وذلك :

أما أوّلاً : فلأنه لو تمّ فإنما يختص بالجاهل الملتفت الّذي يتردد في صحة عمله وبطلانه ، لأنه متمكن من الإتيان بالواجب الواقعي ولو بالاحتياط. وأما الجاهل المعتقد صحة عمله من جهة التقليد أو غيره فهو والناسي سواء ، لعدم قابليته للتكليف بالواجب نفسه لعدم قدرته على الإتيان به ولو بالاحتياط فإنه يعتقد صحته ، ومن الظاهر أن التمكن من الامتثال شرط لازم لكل تكليف وخطاب ، فإذا لم يكن المكلّف مأموراً بالواقع فلا مانع من الأمر بالإعادة في حقه كما مرّ فإذا صحّ تكليفه بالإعادة صحّ أن ينفى عنه وجوبها بالحديث.

وأما ثانياً : فلأن الجاهل إذا صلّى من دون سورة حتى دخل في الركوع واحتمل أن تكون السورة واجبة في الصلاة ، فهل يكلّف بإتيان الواقع نفسه مع عدم إمكان تداركه لتجاوزه عن محلّه؟ لا ينبغي الشبهة في عدم كونه مكلفاً بنفس المأمور به لعدم إمكان تداركه ومعه يدور الأمر بين الحكم بوجوب المضي في صلاته والحكم بوجوب الإعادة عليه. إذن وجوب الإعادة لا ينحصر بالناسي والجاهل المعتقد صحّة عمله ، بل يجري في حق الجاهل الملتفت أيضاً إذا تجاوز عن محل الواجب المقرر له ولم يتمكن من تداركه ، ومع إمكان إيجاب الإعادة في حقّه لا مانع من أن ينفى عنه وجوب الإعادة بالحديث. نعم ، الجاهل الملتفت الّذي يشك في صحة عمله حال اشتغاله به من دون أن يتجاوز عن محلّه يكلّف بالإتيان بنفس الواجب لقدرته عليه ، ومعه لا معنى لإيجاب الإعادة في حقّه أو ينفى عنه وجوبها بالحديث. وهذا هو معنى قولنا‌

__________________

(١) كتاب الصلاة ٣ : ٥.

٢٧٣

فيما تقدم من أن الحديث إنما يشمل الموارد الّتي لو لا فيها انكشاف الخلاف لم تجب الإعادة على المكلّف ، وذلك كما في الموارد الّتي أتى فيها الجاهل بالعمل معتقداً صحته لا الموارد الّتي تجب فيها الإعادة وإن لم ينكشف الخلاف لاستناد وجوبها إلى أمر آخر كما في الموارد الّتي أتى فيها الجاهل بالعمل متردداً في صحته من الابتداء ، فإنه حينئذٍ مكلّف بالإتيان بالواجب على نحو يقطع بالامتثال ، فمع الشك في حصوله لا بدّ له من الإعادة وإن لم ينكشف له الخلاف فإن الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية.

والمتحصل إلى هنا : أنه لا مانع من الحكم بصحة عمل الجاهل من غير تقليد صحيح أو من غير تقليد بوجه إذا كان مخالفاً للواقع من جهة غير الأركان من الأُمور المعتبرة في المأمور به لحديث لا تعاد ، فإنه كما يشمل الناسي يشمل الجاهل القاصر والمقصّر كليهما ، اللهُمَّ إلاّ أن يكون متردداً في صحة عمله مع التمكن من التدارك هذا كلّه فيما يقتضيه الحديث في نفسه.

وأما بالنظر إلى القرينة الخارجية فلا مناص من أن نلتزم بعدم شمول الحديث للجاهل المقصّر ، بيان ذلك : أن الأجراء والشرائط على الغالب إنما يستفاد جزئيتها أو شرطيتها من الأوامر الواردة بالإعادة عند الإخلال بها ، كما دلّ على أنه إذا تقهقه أو تكلّم في صلاته أعادها ، وقد مرّ غير مرة أن الأمر بالإعادة في تلك الموارد حسب المتفاهم العرفي من مثله ، أمر إرشادي إلى بطلان العمل لفقده جزءاً أو شرطاً مما اعتبر في المأمور به ، وإن شئت قلت : إنه أمر إرشادي إلى جزئية شي‌ء أو شرطيته أو مانعيته ، وليس أمراً مولوياً بوجه. فإذا كان الأمر كذلك وأخرجنا الناسي وكلا من الجاهل القاصر والمقصر عن تلك الأدلة الآمرة بالإعادة الدالة على الجزئية أو الشرطية أو المانعية ، لم يندرج تحتها غير العالم المتعمد في ترك الأجزاء والشرائط أو الإتيان بالموانع ، ومعنى ذلك أن لزوم الإعادة والجزئية والشرطية خاصان بالعالم والعمل الفاقد لشي‌ء مما اعتبر فيه من الأجزاء والشرائط إنما يحكم بفساده فيما لو صدر من العالم المتعمد دون الناسي والجاهل بكلا قسميه المتقدمين فإن عملهم صحيح من غير حاجة إلى الإعادة. ومن البيّن أن تخصيص أدلة الشرطية والجزئية والمانعية أعني ما دلّ على الإعادة عند الإخلال بشي‌ء مما اعتبر في المأمور به ، بالعالم‌

٢٧٤

المتعمد حمل للمطلق على المورد النادر ، إذ الإخلال بالمأمور به على الأغلب يستند إلى الجهل القصوري أو التقصيري أو يستند إلى النسيان ، وأما الإخلال متعمداً فهو أمر نادر بل لعلّه مما لا تحقق له في الخارج ، وذلك فإن المسلم ليس له أي غرض في الإتيان بالعمل فاقداً لبعض أجزائه وشرائطه عن عمد والتفات. نعم ، يمكن أن يعصي ولا يأتي بواجباته أصلاً ، وأما أنه يأتي بواجبه متعمداً في إبطاله ونقصه فهو أمر لا تحقق له أو لو كان فهو من الندرة بمكان. ولا ينبغي الشك في أن حمل المطلق على المورد النادر كذلك إلغاء له كلية ، وحيث إن الحديث لا يحتمل شموله للجاهل المقصّر دون الناسي والجاهل القاصر ، فلا مناص من أن يلتزم باختصاصه بالناسي والجاهل القاصر وعدم شموله للجاهل المقصّر حتى لا يلزم حمل المطلق على المورد النادر.

فبهذه القرينة لا بدّ من أن نلتزم في المقام بوجوب الإعادة والقضاء ، فإن الكلام إنما هو في الجاهل المقصر لتركه التقليد أو تقليده على غير الموازين المقررة شرعاً.

ثمّ إن بما سردناه في المقام اتضح أن العامد أيضاً غير مشمول للحديث وهذا لا لأنه لو شمل التارك عن عمد والتفات لم يكن للجزئية أو الشرطية معنى صحيح ، لما فرضناه من عدم بطلان العمل بترك شي‌ء من الأُمور المعتبرة فيه مع العمد والالتفات.

فإن هذا يمكن الجواب عنه بأن المكلّف لما أتى بالعمل فاقداً للجزء أو الشرط غير الركنيين فقد استوفى جملة من المصلحة الداعية إلى الأمر به ، وإن كان فاتته للمصلحة الباقية في المأمور به من دون أن يتمكّن من تداركها ، وبهذا المقدار من المصلحة يحكم بصحة عمله وإن كان يستحق العقاب لتفويته الواجب المشتمل على المصلحة التامة من دون أن يتمكن من تداركها ، بل لما مرّ من أن ظاهر الحديث أن وجوب الإعادة المستند إلى انكشاف الخلاف هو المرتفع عن المكلفين لا وجوب الإعادة المستند إلى أمر آخر ، ومعنى ذلك اختصاص الحديث بما إذا كان المكلّف بانياً على صحة ما أتى به ومعتقداً عدم فساده ، فلا يشمل ما إذا كان متردداً في صحته حين اشتغاله فضلاً عمّا إذا كان عالماً ببطلانه من الابتداء لتعمده في ترك جزئه أو شرطه ، فهو حين ما يأتي بالعمل مكلّف بالإتيان بنفس المأمور به لا بإعادته كما تقدم. إذن لا مجال لتوهّم شمول الحديث للإخلال العمدي بوجه ، هذا كلّه في هذه الصورة.

٢٧٥

وأما الصورة الثانية : وهي ما إذا انكشفت مطابقة عمله للواقع لتوافق فتوى المجتهد الّذي يجب أن يقلّده بالفعل لما أتى به من دون تقليد من أحد أو عن التقليد غير الصحيح فلا مناص من الحكم بصح/ته ، لأنه أتى بالواجب الواقعي من دون نقص وتمشى منه قصد القربة على الفرض ، وقد مرّ أن العبادة لا يعتبر في صحتها سوى الإتيان بالعمل مضافاً به إلى الله فالعمل في هذه الصورة لا تجب إعادته ولا قضاؤه.

وأما الصورة الثالثة : وهي ما إذا لم ينكشف له الحال وتردد في أن إعماله هل كانت مطابقة للواقع حتى لا تجب إعادتها أو كانت مخالفة له حتى تجب إعادتها أو قضاؤها؟ فهل تجري قاعدة الفراغ بالإضافة إلى إعماله المتقدمة ليحكم بصحتها أو لا؟ ذكرنا عند التكلّم على قاعدة الفراغ أن جملة من الروايات الواردة في القاعدة وإن كانت مطلقة كقوله عليه‌السلام في موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : « كلّما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو » (١) وقوله فيما رواه عن الصادق عليه‌السلام : « كلّما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فامضه ولا إعادة عليك فيه » (٢) لعدم تقييدهما بما إذا التفت المكلّف إلى الأُمور المعتبرة في عمله حال الاشتغال به وإن كان يشك في صحته بعد العمل فإنه أمر غالب الاتفاق ، إذ العامل يأتي بالعمل وهو ملتفت إلى الأُمور المعتبرة فيه من الأجزاء والشرائط إلاّ أنه إذا مضت عليه برهة من الزمان نسي كيفية عمله ولم يتذكر أنه كيف أتى به بل قد ينسى الإنسان في اليوم ما أكله في اليوم السابق عليه ، مع الجزم بالتفاته إليه حين اشتغاله بأكله.

إلاّ أن في روايتين من رواياتها اعتبرت الالتفات والأذكرية حال العمل في جريان القاعدة :

إحداهما : حسنة بكير بن أعين قال « قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ؟ قال : هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك » (٣).

وثانيتهما : رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إن شكّ‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

٢٧٦

الرجل بعد ما صلّى فلم يدر أثلاثاً صلّى أم أربعاً ، وكان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتم؟ لم يعد الصلاة وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك » (١) ورواها الحلّي في آخر السرائر عن كتاب محمد بن علي ابن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن محمد بن مسلم (٢). وهاتان الروايتان تدلان على أن قاعدة الفراغ يعتبر في جريانها الأذكرية والالتفات إلى الأُمور المعتبرة في العمل حين الاشتغال به ليكون احتمال المطابقة للواقع على القاعدة وموافقاً للطبع والعادة ، فلا تجري في موارد احتمال الصحة من باب المصادفة الاتفاقية واليانصيب أو الحظ والبخت. وعلى ذلك لا يمكن التمسك بالقاعدة في المقام وذلك لفرض غفلة المكلّف عن الأُمور المعتبرة في الواجب لأنه أتى به من دون تقليد من أحد أو عن التقليد غير الصحيح ، واحتمال صحة عمله إنما هو من باب الصدفة والاتفاق لا من جهة كون الصحة مطابقة للطبع والعادة.

وأما ما عن شيخنا الأستاذ قدس‌سره من أن الأذكرية المستفادة من قوله عليه‌السلام « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك » إنما ذكرت حكمة للتشريع لا علّة للحكم بالمضي (٣) فقد أجبنا عنه في محلّه بأنه خلاف ظاهر الروايتين. ولا يمكن استفادته منهما لدى العرف لظهورهما في التعليل ، ولأجل ذلك بيّنا هناك أن القاعدة ليست تعبدية محضة ، وإنما هي من جهة الأمارية وما تقتضيه العادة والطبع فإن المتذكّر والملتفت إلى ما يعتبر في عمله يأتي به صحيحاً مطابقاً لما يتذكره عادة.

وعلى الجملة أن القاعدة تعتبر فيها الأذكرية وهي مفقودة في المقام ، فإذا لم تجر القاعدة في محل الكلام فلا مناص من أن يرجع إلى الأُصول العملية فنقول :

أما بحسب الإعادة فمقتضى قاعدة الاشتغال هو الوجوب لتنجّز التكليف في حقه بالعلم الإجمالي أو الاحتمال وهو يقتضي الخروج عن عهدة امتثاله لا محالة ، وحيث إنه لم يحرز فراغ ذمته فمقتضى علمه بالاشتغال وجوب الإعادة حتى يقطع بالفراغ.

وأما بحسب القضاء فمقتضى ما ذكرناه في محلّه من أن القضاء بأمر جديد وأن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٧ ح ٣.

(٢) السرائر ٣ : ٦١٤.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤٨١.

٢٧٧

وإلاّ فيقضي (*) المقدار الّذي يعلم معه بالبراءة على الأحوط ، وإن كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقن (١).

______________________________________________________

موضوعه الفوت الّذي هو من الأُمور الوجودية دون العدمية المحضة وإن كان ينتزع من عدم الإتيان بالمأمور به في وقته ويعبّر عنه بالذهاب عن الكيس ، عدم وجوبه في المقام لعدم إحراز موضوعه الّذي هو الفوت ، فإنه من المحتمل أن يكون أعماله مطابقة للواقع ولو من باب الصدقة والاتفاق.

وأما بناء على أن القضاء بالأمر الأول وأن الإتيان بالعمل في وقته من باب تعدد المطلوب ، وأن إتيانه في الوقت مطلوب والإتيان بأصله مطلوب آخر ، أو بناء على أن الفوت أمر عدمي وهو نفس عدم الإتيان بالمأمور به في وقته فلا مناص من الالتزام بوجوب القضاء ، وذلك أما بناء على أن الفوت أمر عدمي فلوضوح أن استصحاب عدم الإتيان بالمأمور به في وقته يقتضي وجوب القضاء ، إذ به يثبت أن المكلّف لم يأت بالمأمور به في وقته.

وأما بناء على أن القضاء بالأمر الأول فلأن المأمور به حينئذٍ ليس من الموقتات وإنما هو موسّع طيلة الحياة ، وإن كان الإتيان به في الوقت مطلوباً أيضاً على الفرض ومع الشك في الإتيان بالمأمور به وعدمه مقتضى قاعدة الاشتغال وجوب الإعادة حتى يقطع بالفراغ ، فما ذكرناه من عدم وجوب القضاء يتوقف على أن يكون القضاء بالأمر الجديد ، ويكون موضوعه الّذي هو الفوت أمراً لازماً لعدم الإتيان بالمأمور به لا أمراً عدميا كما مرّ.

دوران الفائت بين الأقل والأكثر :

(١) إذا علم المكلّف أن إعماله الّتي أتى بها من دون تقليد أو عن التقليد غير الصحيح مخالفة للواقع حسب فتوى المجتهد الّذي يحب أن يقلّده بالفعل ، ووجبت‌

__________________

(*) وجوب القضاء ينحصر بموارد العلم بمخالفة المأتي به للواقع وكون تلك المخالفة موجبة للقضاء بنظر من يجب الرجوع إليه فعلاً.

٢٧٨

عليه إعادتها أو قضاؤها حتى إذا كانت المخالفة في غير الأركان ، لما تقدم من أن حديث لا تعاد غير شامل للجاهل المقصّر ، وإن اعتقد صحة عمله فإن علم بالمقدار الّذي تجب إعادته أو قضاؤه فهو ، وأما إذا شكّ في مقداره وترددت الفائتة وأعماله المحكومة بالبطلان بين الأقل والأكثر ، فهل يجوز أن يقتصر في قضائها بالمقدار المتيقن ويدع قضاء ما يشك في فوته وبطلانه أو لا بدّ من أن يأتي بمقدار يظن معه بالبراءة أو بمقدار يتيقّن معه بالفراغ؟ فيه وجوه وأقوال ذهب إلى كل فريق.

والظاهر أن محل الكلام في كل مورد تردد فيه أمر الواجب بين الأقل والأكثر هو ما إذا علم بتنجز التكليف على المكلّف في زمان وتردد بين الأقل والأكثر لا ما إذا شكّ في أصل ثبوته ، كما إذا علم أنه لم يصلّ من حين بلوغه إلى اليوم ، ولم يدر أنه مضى من بلوغه شهر واحد ليجب عليه قضاء صلوات شهر واحد أو أنه مضى شهران ليجب قضاء صلوات شهرين ، فإن الشك في مثله إنما يرجع إلى أصل توجه التكليف بالزائد على قضاء صلوات شهر واحد ، ومثله ما لو نام مدة فاتته فيها صلوات ثمّ انتبه ولم يدر مقدارها.

والوجه في خروج أمثال ذلك مما هو محل الكلام مع أن الواجب فيها مردد بين الأقل والأكثر ، هو أن الظاهر أن عدم وجوب القضاء زائداً عن المقدار المتيقن في تلك الموارد مما لا خلاف فيه فإن الشك فيه من الشك في التكليف بقضاء الزائد عن المقدار المتيقن ، وهو مورد للبراءة سواء قلنا إن القضاء بأمر جديد أم قلنا إنه مستند إلى الأمر الأول ، وسواء كان موضوعه الفوت أو عدم الإتيان بالمأمور به في وقته. ومع رفع احتمال الزيادة بالبراءة لا يبقى للقول بوجوب القضاء حتى يظن بالفراغ أو يتيقّن به مجال. وإذا جرت البراءة عن الزائد على القدر المتيقن في المثال مع العلم بفوات جملة من الفرائض فيه بالوجدان جرت عن الزائد على القدر المتيقن في المقام الّذي لا علم وجداني لنا بالفوات فيه وإنما هو محتمل واقعاً بحسب فتوى المجتهد بطريق أولى.

والظاهر أن القائلين بوجوب القضاء حتى يظن أو يقطع بالفراغ أيضاً غير قاصدين لتلك الصورة ، وإنما النزاع في المقام فيما إذا كان التكليف متنجّزاً وذلك كما إذا علم أنه‌

٢٧٩

مضت من بلوغه سنة واحدة مثلاً وأنه كان مكلفاً فيها بالصلاة ولكنه فاتت عنه جملة من صلواتها وهي مرددة بين الأقل والأكثر. أو علم أنه مدة معينة كان يأتي بأعماله من دون تقليد أو عن التقليد غير الصحيح ، ولا يدري أن إعماله الّتي أتى بها وهي مخالفة لفتوى المجتهد الفعلي أيّ مقدار ، للجزم بأنه لم يأت بتمام أعماله مطابقاً للتقليد غير الصحيح. وهذه الصورة هي محط الكلام ، والصحيح أنه يقتصر بقضاء المقدار الّذي تيقن فواته وبطلانه وأما الزائد المشكوك فيه فيدفع وجوب القضاء فيه بالبراءة ، وذلك لأن القضاء بالأمر الجديد ، وموضوعه الفوت وهو مشكوك التحقق في المقدار الزائد عن القدر المتيقن ، والأصل عدم توجه التكليف بالقضاء زائداً على ما علم بفوته وتوضيحه :

أن المكلّف في محل الكلام وإن علم بتنجز التكليف عليه سنة واحدة وكان يجب أن يصلّي في تلك المدة مع التيمم مثلاً لا مع الوضوء ، إلاّ أنه عالم بسقوط هذا التكليف في كل يوم للقطع بامتثاله أو عصيانه ، فسقوط التكليف المنجّز معلوم لا محالة وإنما الشك في سببه ، وأنه الامتثال أو العصيان لأنه جاهل مقصّر على الفرض ، وحيث إن القضاء بأمر جديد ، وموضوعه الفوت وهو معلوم التحقق في مقدار معيّن ، والزائد عليه مشكوك ، فالشك في وجوب قضائه شك في توجه التكليف الزائد فيدفع بالبراءة.

واستصحاب عدم الإتيان بالمأمور به في المدة الزائدة لا يترتب عليه إثبات عنوان الفوت كما مرّ غير مرّة. نعم ، لو قلنا إن الفوت أمر عدمي وهو عين عدم الإتيان بالمأمور به ، أو قلنا إن القضاء بالأمر الأول وجب قضاء أعماله بمقدار يتيقن معه بالبراءة وذلك لاستصحاب عدم الإتيان في المقدار الزائد المشكوك فيه ، أو لقاعدة الاشتغال. ولكن الصحيح أن الفوت أمر وجودي ولا أقل من الشك في ذلك وهو كاف فيما ذكرناه كما أن القضاء بالأمر الجديد ، هذا كلّه في الدليل على ما اخترناه من جواز الاقتصار على المقدار المتيقن وعدم وجوب الإتيان بالزائد المشكوك فيه.

وأما الوجه في الحكم بلزوم القضاء بمقدار يقطع معه بالفراغ فهو ما نسب إلى المحقق صاحب الحاشية قدس‌سره وحاصله : أن في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين مقتضى القاعدة وإن كان هو الاقتصار بالمقدار المتيقن ودفع‌

٢٨٠