موسوعة الإمام الخوئي - ج ١

الشيخ علي الغروي

على انسداد باب العلم والعلمي ووجوب العمل بالظن على الكشف أي أن العقل يستكشف حينئذٍ أن الشارع قد اعتبر الظن حجة وطريقاً إلى أحكامه أو على الحكومة بكلا معنييها أعني استقلال العقل بوجوب العمل بالظن حال الانسداد كاستقلاله بوجوب العمل بالقطع حال الانفتاح ، أو تنزله من لزوم الامتثال الجزمي إلى كفاية الامتثال الاحتمالي ، فهل يسوغ تقليده في تلك الصورة أو لا؟

قد يقال كما عن صاحب الكفاية قدس‌سره بعدم الجواز ، وذلك أما على الحكومة فلأجل أن المجتهد على هذا المسلك جاهل بالأحكام وهو معترف بجهله وهل يرجع الجاهل إلى جاهل مثله؟ ومقدمات الانسداد إنما تتم عند المجتهد لا العامّي ، لأن من إحدى مقدماته انحصار الطريق بالظن ، ولا ينحصر طريق الامتثال للعامّي به ، إذ له أن يرجع إلى فتوى المجتهد الباني على الانفتاح.

وكذلك الحال على تقدير انحصار المجتهد بمن يرى الانسداد لتمكن العامّي من الاحتياط وإن بلغ العسر والحرج ، فإن العامّي لا قدرة له على إبطال الاحتياط المستلزم لهما فلا ينحصر الطريق في حقه بالظن ، اللهُمَّ إلاّ أن يتمكن العامّي من إبطال الاحتياط إذا كان مستلزماً للحرج وهذا دونه خرط القتاد ، أو يكون الاحتياط موجباً لاختلال النظام فإن العقل يستقل معه بعدم الجواز ، وهذا بخلاف المجتهد إذ لا يجوز له أن يرجع إلى الغير الّذي يرى خطأه وجهله بالأحكام ، وهو متمكن من ابطال وجوب العمل بالاحتياط أو جوازه ، هذا كلّه على الحكومة.

وكذلك الأمر على الكشف فإن المجتهد وإن كان يرى نفسه عالماً بالأحكام الشرعية إلاّ أن حجية الظن المستكشفة بمقدمات الانسداد إنما تختص بمن تمت عنده المقدمات ولا تتم إلاّ عند المجتهد دون العامّي ، لما عرفت من أن الطريق في حقه غير منحصر بالظن لتمكنه من تقليد المجتهد الباني على الانفتاح كتمكنه من العمل بالاحتياط (١).

والصحيح عدم الفرق في جواز التقليد بين المجتهد القائل بالانسداد والقائل بالانفتاح ، وذلك لأن القائل بالانسداد قد يكون أعلم من المجتهد الباني على الانفتاح‌

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٤٦٤.

٢٠١

وقد يكون القائل بالانفتاح أعلم من الباني على الانسداد.

أما الصورة الثانية : فلا ينبغي التردد في عدم جواز تقليد المجتهد الباني على الانسداد ، وهذا لا لأن القائل بالانسداد لا مسوّغ لتقليده ، بل لما مرّ من أن مقتضى السيرة العقلائية لزوم الأخذ بقول الأعلم عند العلم بالمخالفة بينه وبين غير الأعلم فإن المقام من هذا القبيل ، حيث إن الأعلم يدعي الانفتاح وحجية خبر الثقة وظواهر الكتاب والسنّة حتى بالإضافة إلى من لم يقصد إفهامه ، ويدعي غير الأعلم الانسداد ومع العلم بالمخالفة يتعيّن الرجوع إلى قول الأعلم وهو يرى الانفتاح فلا يجوز تقليد غير الأعلم حينئذٍ حتّى لو بني على الانفتاح.

وأما الصورة الاولى : أعني ما إذا كان الأعلم هو المجتهد القائل بالانسداد نظير المحقق القمي قدس‌سره بالإضافة إلى بعض معاصريه فلا ينبغي التأمل في وجوب تقليده وذلك لأنه الأعلم على الفرض ، وعند العلم بالمخالفة يتعيّن الرجوع إلى الأعلم.

ودعوى أن مقدمات الانسداد إنما تتم عند المجتهد دون العامّي.

مندفعة بأنها كما تتم عند المجتهد تتم عند العامّي المقلّد أيضاً لأجل انحصار طريقه بالعمل بالظن إذ ليس له أن يقلّد المجتهد الباني على الانفتاح ، لأن المجتهد الأعلم يرى خطأه وجهله ومع ذهاب المجتهد الواجب تقليده ومتابعته إلى خطأ القائل بالانفتاح وحكمه بجهله كيف يسوغ للمقلّد الرجوع إليه. فإن المجتهد الأعلم وإن كان يعترف بجهله إلاّ أنه يدعي جهل القائل بالانفتاح ، فإنه أشد جهالة من الباني على الانسداد لأنه بسيط لالتفاته إلى جهله بخلاف القائل بالانفتاح لأنه غير ملتفت إلى جهله فهو جاهل مركب ، كما أنه غير متمكن من الاحتياط ، وذلك لأن العامّي وإن لم يتمكن من إبطاله إلاّ أنه يرجع في جوازه وعدمه إلى الأعلم وهو يدعي عدم جوازه أو عدم وجوبه ، أو أنّا نفرض العامّي متمكناً من إبطال وجوب الاحتياط عند استلزامه العسر والحرج ، إذن ينحصر طريقه بالعمل بالظن.

ونتيجة ذلك أنه لا فرق بين المجتهد القائل بالانفتاح والمجتهد الباني على الانسداد بناءً على الحكومة فضلاً عن القول بالكشف.

٢٠٢

التنبيه الثالث : لا شبهة في جواز الرجوع إلى المجتهد فيما إذا علم بالأحكام الشرعية علماً وجدانياً ، لأنه يصدق عليه الفقيه لعلمه بالأحكام الشرعية حقيقة والرجوع إليه من رجوع الجاهل إلى العالم والفقيه ، وكذلك الحال فيما إذا لم يكن عالماً بها بالوجدان إلاّ أنه استنبطها من الأمارات المعتبرة شرعاً ، فإنه أيضاً لا إشكال في الرجوع إليه بناءً على ما هو الصحيح من أن اعتبار الحجج والأمارات من باب الطريقية والكاشفية وجعل ما ليس بعلم علماً ، بلا فرق في ذلك بين الحجج التأسيسية والإمضائية وإن لم نعثر إلى الآن على ما يكون حجة تأسيسية لأنها إمضائية بأجمعها والشارع يتصرف فيها بإضافة قيد أو حذفه ، فإن المجتهد وقتئذٍ عالم بالأحكام الشرعية كما أنه فقيه وإن كان علمه بها علماً تعبدياً لا وجدانياً ، ولا فرق بين العلم الوجداني والتعبدي بعد شمول الأدلة القائمة على جواز التقليد لمن استنبط الأحكام من الأمارات الشرعية لصدق أنه فقيه وعالم بالأحكام تعبداً.

وأما بناءً على ما نسب إلى المشهور من الالتزام بجعل الحكم المماثل على طبق مؤدى الأمارات ، فأيضاً لا كلام في جواز الرجوع إليه ، لأن المجتهد على هذا المسلك عالم بالأحكام الظاهرية وإن لم يكن عالماً بالحكم الواقعي ، ومن هنا قالوا إن ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم ، وبهذا دفعوا المناقشة المعروفة في أخذ العلم بالأحكام الشرعية في تعريف الفقه ، بأن الأحكام الشرعية بأكثرها ظنية. نعم ، ذكرنا في محلّه أن جعل الحكم المماثل في موارد الطرق والأمارات مما لا أساس له ، لما أشرنا إليه من أن الحجية إمضائية ولا يعتبر العقلاء جعل الحكم المماثل في شي‌ء من الحجج ، وإنما يعاملون معها معاملة العلم فحسب.

ثمّ لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا أن الحجية في السند بمعنى جعل الحكم المماثل فلا مجال للالتزام به في حجية الدلالة ، لأنها تستند إلى حجية الظهور ولا شبهة في أنها عقلائية ، وقد عرفت أن العقلاء لا يعتبرون في الحجية جعل المماثل بوجه والاستنباط وإن كان يتوقف على كل من حجية السند والدلالة ، إلاّ أن الحجية في الدلالة ليست بمعنى جعل المماثل قطعاً ، فالقول بذلك لا يبتني على دليل ، إلاّ أنّا لو قلنا بذلك جاز تقليد المجتهد لصدق أنه فقيه وعالم بالأحكام كما عرفت ، ولعلّ هذا مما لا إشكال فيه.

٢٠٣

وإنما الكلام فيما لو سلكنا مسلك صاحب الكفاية قدس‌سره وقلنا إن المجعول في باب الحجج والأمارات هو المعذّرية أو المنجّزية دون الطريقية ولا الحكم المماثل ، فإن المجتهد حينئذٍ ليس بعالم بالأحكام الواقعية ولا الظاهرية ، كما أنه ليس بفقيه ومعه كيف يسوغ تقليده وهل هذا إلاّ من رجوع الجاهل إلى جاهل مثله؟

وأجاب عن ذلك صاحب الكفاية بأن المجتهد وقتئذٍ وإن لم يكن عالماً بالأحكام الواقعية ولا الظاهرية ، إلاّ أنه عالم بموارد قيام الدليل والحجة على الحكم الشرعي ومتمكن من تشخيصها ، وبهذا الوجه يصح تقليده ويجوز الرجوع إليه (١) هذا.

ولا يخفى أن الالتزام بما سلكه صاحب الكفاية قدس‌سره من أن المجعول هو التنجيز والتعذير وإن كان لا يمكن المساعدة عليه ، لما بيّناه في محلّه من أن المجعول في باب الأمارات هو الكاشفية والطريقية دون المعذّرية والمنجّزية ، لأن قبح العقاب من دون البيان ووجوب دفع الضرر المحتمل قاعدتان عقليتان وغير قابلتين للتخصيص بوجه. فإذا قام الخبر الواحد مثلاً على وجوب شي‌ء أو حرمته فلا مناص من أن نلتزم بتنجّز الواقع واستحقاق العقاب على تقدير المخالفة ، ولا يتم ذلك إلاّ بناءً على حجية الخبر حتى ينقلب به موضوع عدم البيان إلى البيان ، ولا يقبح العقاب على مخالفته. إذن التنجيز أمر مترتب على الحجية لا أنه بمعنى الحجية ، وسرّه أنه مع قطع النظر عن حجية الخبر مثلاً لا موجب للالتزام بتنجّز الواقع على المكلف ، بل مقتضى قاعدة قبح العقاب من دون بيان عدم التنجّز ، وعدم استحقاق العقاب على مخالفته لأنه بلا بيان ، وقد عرفت أن قبح العقاب حينئذٍ حكم عقلي غير قابل للتخصيص بوجه.

وكذلك الحال فيما إذا قام الخبر مثلاً على إباحة شي‌ء في مورد واحتملنا فيه الضرر بمعنى العقاب ، فإنه لا شبهة في معذورية المكلف وعدم استحقاقه العقاب على تقدير مخالفة الواقع ، ولا تتم هذا إلاّ بعد حجية الخبر فإنه لو لا كونه حجة لم يكن بدّ من الاحتياط ، لوجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب وهو أيضاً حكم عقلي غير قابل للتخصيص. إذن المعذّرية كالمنجّزية مترتبة على الحجية لا أنها بمعنى الحجية ، ومعه‌

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٤٦٥.

٢٠٤

لا مناص من أن تكون الحجية أمراً موجباً للقلب والتصرف فيما هو الموضوع للقاعدتين ، وليس ذلك إلاّ الطريقية والكاشفية فإن بهما ينقلب موضوع عدم البيان إلى البيان ويتبدل احتمال الضرر إلى العلم بعدمه ، ولو لا ذلك كان الالتزام بالتنجيز في الصورة الأُولى والتعذير في الثانية تخصيصاً في الحكمين العقليين وهما غير قابلين للتخصيص كما مرّ ، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

فتحصّل : أن الالتزام بما سلكه قدس‌سره مما لا مسوّغ له إلاّ أنه على تقدير القول به لا وجه للمناقشة في جواز تقليد المجتهد بما قدّمنا تقريبه. وهذا لا لما أفاده صاحب الكفاية قدس‌سره من تسليم عدم صدق العالم أو الفقيه على المجتهد عندئذٍ وأنه إنما يجوز تقليده لكونه عالماً بموارد قيام الحجة ، وذلك لأنه تمحل في الجواب حيث إن الدليل إنما دلّ على جواز تقليد الفقيه أو العالم بالأحكام أو غيرهما من العناوين الواردة في لسان الدليل ، فإذا سلّمنا أن المجتهد لا يصدق عليه شي‌ء من تلك العناوين المسوّغة للتقليد لم يمكننا الحكم بجواز تقليده وإن فرضناه عالماً بغير الأحكام الشرعية من الأُمور.

بل من أجل أن المجتهد على هذا المسلك أيضاً يصدق عليه الفقيه والعالم وسرّه أن مفهوم الفقيه غير مقيّد بخصوص العلم بالأحكام الواقعية أو الظاهرية ، بل إنما هو أعم منهما والعلم بقيام الحجة على الأحكام ، وإن فسّرنا الحجية بمعنى المنجّزية والمعذّرية ويدلنا على ذلك أن الأخبار المتقدمة في محلّها قد دلتنا على إرجاع الأئمة عليهم‌السلام شيعتهم إلى آحاد الرواة وكبراء أصحابهم كيونس بن عبد الرحمن وزكريا بن آدم وغيرهما ، ولا شبهة في أنه بناء على هذا المسلك وتخصيص الفقيه بخصوص العالم بالأحكام لا يصدق عليهم الفقيه ولا العالم لعدم علمهم بالأحكام الواقعية ولا الظاهرية ، وإنما كانوا يعلمون موارد قيام الحجة على الأحكام الشرعية ، فإن أصحابهم عليهم‌السلام لو سلّمنا علمهم بصدور الأخبار عنهم عليهم‌السلام بأن كان السند قطعياً في حقهم ، لاستماعهم الرواية من نفس الإمام عليه‌السلام فلا نسلّم كون دلالتها أيضاً قطعية لهم ، لأنها تستند إلى حجية الظهور وهي بمعنى المنجّزية والمعذّرية على الفرض ، وحيث أن النتيجة تتبع أخسّ المقدمتين فنستنتج من ذلك‌

٢٠٥

عدم كون الرواة عالمين بالأحكام الواقعية ولا الظاهرية.

على أن السند أيضاً لا يكون قطعياً دائماً بالإضافة إلى الرواة ، فإن الرواة من أصحابهم قد ينقل الرواية عن راوٍ مثله ، فلا فرق بين المجتهد من أصحابهم عليهم‌السلام والمجتهد المتأخر عن عصرهم إلاّ في أن الواسطة في روايات أصحاب الأئمة عليهم‌السلام أقل منها في روايات غيرهم من الرواة.

وبما بيّناه ظهر أن العلم بالأحكام الواقعية أو الأحكام الظاهرية غير معتبر في مفهوم الفقاهة وإنما هو أعم من ذلك ومن العلم بقيام الحجة على الحكم ، إذ لو لا ذلك لم يوجد في العالم مصداق للفقيه ، ولم يصح إطلاقه على أحد من أصحابهم عليهم‌السلام ولا غيرهم فلا يتحقق معه موضوع لما دلّ على جواز الرجوع إلى من تفقّه في الدين أو عرف شيئاً من أحكامهم.

وعلى الجملة لا فرق في جواز الرجوع إلى المجتهد بين القول بأن المجعول في الحجج والأمارات هو الطريقية والكاشفية ، والقول بأنه الحكم المماثل ، والقول بأنه المنجّزية والمعذّرية ، لما ظهر من أن الرجوع إلى المجتهد على جميع هذه المسالك من رجوع الجاهل إلى الفقيه ، هذا كلّه في الرجوع إلى المجتهد في موارد الطرق والأمارات.

أما الرجوع إليه في موارد الأُصول العملية فقد يتوهّم أن ذلك من رجوع الجاهل إلى مثله ، لأن المجتهد في تلك الموارد كالعامّي لا علم له بالأحكام الواقعية ولا الظاهرية.

وهو توهم فاسد فإن الأُصول العملية قسمان : قسم منها تعبدي شرعي كما في الاستصحاب وأصالتي البراءة والإباحة ، وقسم منها عقلي.

أما الأُصول العملية التعبدية فلا ينبغي التأمل في أن الرجوع فيها إلى المجتهد من رجوع الجاهل إلى الفقيه والوجه فيه : أن الفقاهة ليست إلاّ معرفة الأحكام المترتبة على الموضوعات الخارجية ، والشك موضوع خارجي ويصدق الفقاهة على معرفة حكمه ، لوضوح عدم الفرق في صدقها بين العلم بالأحكام المترتبة على موضوعاتها بعناوينها الأولية ، وبين العلم بالأحكام المترتبة على موضوعاتها بعناوينها الثانوية.

وبعبارة اخرى أن الدين عبارة عن مجموع الأحكام الصادرة من الشارع وهي قد‌

٢٠٦

تترتب على الشي‌ء بعنوانه الاولى ويعبّر عنها بالأحكام الواقعية. وقد تترتب على الشي‌ء بعنوانه الثانوي ، ويعبّر عنها بالأحكام الظاهرية. إذن قوله عزّ من قائل ( لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ... ) يشمل تحصيل العلم بحكم الشك كما يشمل العلم بأحكام سائر الموضوعات الخارجية.

وقد يقال : إن ما ذكرتموه إنما يتم في مثل أصالتي الإباحة والبراءة وغيرهما مما يكون فيه الموضوع هو الشك ، لأن العامّي حيث إنه جاهل وشاك في حرمة شي‌ء وإباحته ، فله أن يرجع في حكم شكّه هذا إلى المجتهد لأنه عالم بحكم ذلك الموضوع الّذي هو الشك ، من حرمة أو جواز ولا يتم في الاستصحاب لأن موضوعه ليس هو الشك الساذج بل اليقين السابق والشك اللاّحق ، وليس للعامّي يقين سابق وشك لاحق وإنما ذلك للمجتهد فحسب ، ومع أن العامّي ليس بمورد للاستصحاب لعدم تحقق موضوعه في حقه ما معنى رجوعه إلى المجتهد في حكمه ، مثلاً إذا شكّ العامّي في حرمة وطء زوجته بعد انقطاع دمها وقبل الاغتسال لم يكن له يقين سابق بحكم كما ليس له شك لاحق بوجه ، وإنما هما للمجتهد كما عرفت.

وهذه المناقشة قد تعرضنا لها في محلّها (١) وأجبنا عنها بما حاصله : أن الاستصحاب هو الجري على طبق الحالة السابقة ، والجري أعم من الإفتاء والعمل لعدم اختصاصه بالجري العملي ، فإذا كان للمجتهد يقين سابق بحرمة الوطء في المثال وشك في زوالها بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال ، فله الجري على طبق الحالة السابقة بحسب الحكم والفتوى بأن يفتي بحرمة الوطء في المقام بناء على جريانه في الشبهات الحكمية وإلاّ فلا استصحاب كي يناقش في جريانه وإن فرضنا أن العامّي لغفلته وعدم التفاته لم يكن له يقين سابق ولا شك لاحق ، فإن الفتوى إذا صدرت من أهلها فللعامّي أن يرجع إليها في أعماله ، لأنه من رجوع الجاهل إلى الفقيه ، فالاستصحاب محقق للإفتاء الّذي هو المورد لرجوع العامّي إلى الفقيه ، لا أن العامّي يرجع إلى المجتهد في حكم الاستصحاب ليرد أن موضوعه غير متحقق في حق العامّي كما مرّ.

وأما القسم العقلي من الأُصول فهو أمران : فإن العقل إما أن يستقل بقبح العقاب‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٧.

٢٠٧

وعدم تنجز الواقع وهذا له موردان :

أحدهما : الشبهات البدوية.

وثانيهما : موارد العلم الإجمالي إذا لم يمكن فيها الاحتياط ، كما في دوران الأمر بين المحذورين.

وإما أن يستقل بصحة العقاب وتنجز الواقع وهو المعبّر عنه بوجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب ، وهذا كما في موارد العلم الإجمالي مع التمكن من الاحتياط.

ثمّ إن العامّي إن استقل عقله بشي‌ء منهما كما إذا استقل بقبح العقاب من دون البيان أو بصحة العقاب كما في موارد احتمال الضرر بمعنى العقاب ، فلا مسوّغ لتقليده لأنه إنما يجوز فيما لم يستقل عقل العامّي بشي‌ء ، إذ مع معرفته وعلمه بالحكم في مورد لا مناص من أن يتبع علمه ونظره ولا يجوز أن يرجع إلى الغير. وبما أن موارد القاعدتين مما لا يتمكن العامّي من تشخيصها لعدم قدرته من تشخيص موارد عدم البيان من موارد البيان وتشخيص موارد احتمال العقاب عن موارد عدم احتماله ، فلا مناص من أن يرجع في تشخيصها إلى المجتهد العالم بمواردهما فإذا بيّن له أن الرواية المعتبرة دلت على وجوب القصر ورواية اخرى كذلك دلت على وجوب التمام وهو متمكن من الاحتياط ، استقل عقله بتنجز الحكم الواقعي في حقه وصحة العقاب على مخالفته ، كما أنه إذا بيّن له أن وجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو حرمة شرب التتن لم يرد فيه البيان استقل عقل العامّي بعدم تنجّزهما في حقه وقبح العقاب على مخالفتهما. وعلى الجملة أن المقلّد بعد ما أحرز صغرى القاعدتين بالتقليد يطبّق عليها كبراهما في نفسه من غير أن يحتاج فيه إلى التقليد ، هذا إن استقل عقله بشي‌ء.

وأما إذا لم يستقل عقله بشي‌ء من القاعدتين فلا مناص من أن يرجع إلى المجتهد في كبراهما كما كان يرجع إليه في صغراهما ، إلاّ أن رجوعه إليه في كبرى القاعدتين أو صغراهما ليس من باب رجوع الجاهل إلى الفقيه ، لأن تشخيص صغريات القاعدتين أو كبراهما ليس من الأحكام الشرعية ليكون العلم بها تفقّهاً في الدين ، وإنما هو من باب رجوع الجاهل إلى العالم وأهل الاطلاع فإنه الّذي جرت عليه السيرة العقلائية.

٢٠٨

التنبيه الرابع : أن العامّي إذا لم يتمكن من الرجوع إلى المجتهد الجامع للشرائط إما لعدم وجود مجتهد أصلاً ، وإما لعدم كونه جامعاً للشرائط ، وإما لتعسر الوصول إليه كما في أيام التقية ونحوها فماذا وظيفته حينئذٍ؟

لا شبهة في أن لكل مكلف علماً إجمالياً بثبوت أحكام إلزامية وجوبية أو تحريمية في الشريعة المقدسة وأنها مما لا بدّ من الخروج عن عهدتها بوجه ، إما بالعلم الوجداني بامتثالها وإما بالعلم التعبدي به كما إذا عمل بفتوى من قلّده ، وبما أنه لا يتمكن من تقليد المجتهد الجامع للشرائط من الأحياء وجب أن يراجع الأموات فإذا كان أحدهم أعلم من غيره تعيّن عليه تقليده من الابتداء ، لا أنه يجب عليه الاحتياط وعلى تقدير عدم تمكنه منه يرجع إلى أعلم الأموات.

والوجه فيما ذكرناه أن السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم غير مقيدة بما إذا كان العالم حياً ، فلا فرق بحسبها بين تقليد الأحياء والأموات ، ولا بين التقليد الابتدائي والاستمراري.

وأما الأدلة اللفظية فهي وإن كانت ظاهرة في إرادة الحي ومن هنا قلنا باختصاصها به ، إلاّ أنها ليست بذات مفهوم لتدلنا على الحصر وعدم جواز تقليد الميت ، وإنما منعنا عن تقليد الأعلم من الأموات بحسب الابتداء لمانع خارجي وهو استلزم القول بوجوب تقليد الأعلم من الأموات ، انحصار المرجعية في شخص واحد وهو مما قامت على خلافه الضرورة من مذهبنا ، كيف وقد امتاز مذهب الشيعة عن مذهب أهل السنة والجماعة بعدم حصر المرجعية في شخص واحد أو أشخاص معينين على ما بيّناه عند التكلم على تقليد الميت الابتدائي (١). وهذا المحذور بما أنه عقلي لا إطلاق له فلا مناص من أن يقتصر فيه على المورد المتيقن وهو ما إذا تمكن المكلف من تقليد المجتهد الحي الجامع للشرائط فمع عدم التمكن من ذلك وجب أن يراجع أعلم الأموات ، ولا محذور في استلزام ذلك حصر المرجعية في شخص واحد ، لأن ما قامت الضرورة على خلافه إنما هو حصر المرجعية مطلقاً ، وأما حصرها في بعض الحالات والطوارئ وعند اقتضاء الضرورة ذلك فمما لا نرى فيه أي محذور. وعلى الجملة‌

__________________

(١) راجع ص ٨٣.

٢٠٩

[٢٣] مسألة ٢٣ : العدالة عبارة عن ملكة (*) إتيان الواجبات وترك المحرّمات (١).

______________________________________________________

المكلف في مفروض الكلام إذا شخّص الأعلم من الأموات وجب أن يقلّده ، ولا يجب عليه الاحتياط.

وإذا لم يشخّص أعلمهم كما إذا احتملنا الأعلمية في كل واحد من الأموات أو أحرزنا تساوي الجميع في الفضيلة سقطت فتاواهم عن الاعتبار ، لأنها متعارضة في نفسها وقد مرّ غير مرة أن أدلة الاعتبار غير شاملة للمتعارضين ، ومعه يجب على المكلف الاحتياط والإتيان بكل ما يحتمل وجوبه وترك ما يحتمل حرمته.

وإذا فرضنا أن العامّي غير متمكن من ذلك ولو لاستلزامه العسر والحرج فيتنزل إلى مرتبة اخرى من الاحتياط وهو الاحتياط في كل ما له أهمية عند الشارع وهو مورد لاهتمامه ، كما في النفوس والأعراض والأموال الخطيرة ، مثلاً إذا احتمل حرمة امرأة معينة في حقه من جهة الشبهة الحكمية كما إذا شك في أن الحرمة تنتشر بعشر رضعات أو أن الناشر خمسة عشر رضعة احتاط بترك تزويجها. وأما في غير ما علمنا باهتمام الشارع به أو علمنا باهتمامه إلاّ أن المكلف لم يتمكن فيه من الاحتياط لأنه عسر في حقه ، فلا مناص من أن يخرج عن عهدة التكاليف المتنجّزة عليه بالعلم الإجمالي بوجه آخر ، للعلم بعدم كونه مهملاً في الشريعة المقدسة بحيث له أن يفعل ما أراده ويترك ما أراده ، وبما أنه لا يتمكن من الاحتياط الكلي في المسألة ولا من التبعيض فيه ، تخيّر في الرجوع إلى أحد العلماء الأموات تخييراً عملياً ، كما هو الحال فيما إذا لم يحرز أعلمية أحد العلماء الإحياء أو أحرز تساويهم في الفضيلة ، فإن المكلف يحتاط إن أمكنه وإلاّ يتخيّر بينهم عملاً على ما قدّمنا تفصيله في محلّه (١). وعلى الجملة لا فرق وقتئذٍ بين الأحياء والأموات من تلك الجهة.

تعريف العدالة

(١) وقع الكلام في أن العدالة المعتبرة في جملة من الموارد كالتقليد والشهادة‌

__________________

(*) بل عبارة عن الاستقامة في جادة الشرع وعدم الانحراف عنها يميناً وشمالاً.

(١) راجع ص ١٧١.

٢١٠

والقضاء والطلاق وإمام الجماعة وغيرها ما حقيقتها؟ واختلفت كلماتهم في بيانها إلى أقوال :

منها : ما نسب إلى المشهور بين المتأخرين من أن العدالة : ملكة أو هيئة راسخة ، أو حالة ، أو كيفية باعثة نحو الإطاعة بالإتيان بالواجبات وترك المعاصي والمحرمات.

ومنها : أن العدالة هي : الإتيان بالأعمال الخارجية من الواجبات واجتناب المحرمات الناشي عن الملكة النفسانية ، فهي على ذلك أمر عملي وليست من الصفات النفسانية ، وإن كان ذلك العمل مسبباً عن الصفة النفسانية وباقتضائها ، فهذا التعريف ناظر إلى المسبب والمقتضى كما أن التعريف السابق ناظر إلى السبب والمقتضي ، بمعنى أن العدالة على التعريف المتقدم هو السبب والمقتضي للعمل ، وعلى هذا التعريف هو العمل المسبب والمقتضى للملكة النفسانية التي هي السبب ، هذا.

ويمكن أن يقال : التعريفان راجعان إلى شي‌ء واحد لأن الملكة بما هي ، ليست هي العدالة الّتي تعتبر في جملة من الموارد في الشريعة المقدسة ، بل المعتبر هي الملكة المتلبسة بالعمل أي المقترنة بالإتيان بالواجبات وترك المحرمات ، وذلك لأن ارتكاب المعصية في الخارج لغلبة الهوى على الملكة يستتبع الفسق من غير نكير ، وبناءً على أن العدالة هي الملكة بما هي ، يلزم اجتماع العدالة والفسق في شخص واحد في زمان واحد ، ومن هنا يصح أن يقال : العدالة هي الأعمال الخارجية الناشئة عن الملكة النفسانية. فالمراد بالتعريفين شي‌ء واحد وإن كان أحدهما ناظراً إلى بيان اعتبار التلبس بالعمل دون الآخر.

ومنها : أن العدالة : نفس الأعمال الخارجية من فعل الواجبات وترك المحرمات من دون اعتبار اقترانها بالملكة أو صدورها عنها ، فالعدالة هي الاستقامة عملاً في جادة الشرع وعدم الجور والانحراف عنها يميناً ولا شمالاً.

ومنها : أن العدالة هي : الإسلام وعدم ظهور الفسق في الخارج ، وعلى ذلك لا بدّ من الحكم بعدالة أكثر المسلمين ، وإن لم نعاشرهم بوجه ، وذلك لاسلامهم وعدم ظهور الفسق منهم عندنا.

ومنها : أن العدالة هي : حسن الظاهر فحسب ، وعلى ذلك لا يمكننا الحكم بعدالة‌

٢١١

أكثر المسلمين كما على التعريف المتقدم لتوقفه على إحراز حسن الظاهر ، المتوقف على المعاشرة في الجملة ولو برؤيته آتياً بالواجبات وغير مرتكب للمعاصي مرتين أو ثلاثاً أو أكثر ، هذا.

والصحيح أن حسن الظاهر والإسلام مع عدم ظهور الفسق ، معرّفان للعدالة لا أنهما العدالة نفسها ، لإمكان أن يكون الفاسق في أعلى مراتب الفسق باطناً متحفظاً على جاهه ومقامه لدى الناس ، فهو مع أنه حَسَن الظاهر محكوم بالفسق في الواقع لارتكابه المعاصي ، ولا مساغ للحكم بعدالة مثله بوجه لقوله عزّ من قائل ( أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (١) مشيراً إلى مرتكبي المعاصي ولو في الباطن. وكذلك الحال في الإسلام وعدم ظهور الفسق ، فإن هذا العنوان بنفسه يدلنا على أن الفسق أمر واقعي قد يظهر وقد لا يظهر ، فمع أن المكلف فاسق في الواقع لارتكابه المعصية في الباطن كيف يمكن أن يكون عادلاً من جهة عدم ظهور الفسق منه. إذن هما طريقان ومعرفان للعدالة لا أنهما العدالة نفسها ، ويأتي الكلام على معرّف العدالة وطريق استكشافها قريباً إن شاء الله.

وعلى الجملة القولان الأخيران ساقطان ، ومعه لا بدّ من التكلم في أن العدالة هي الأعمال الخارجية من دون اعتبار صدورها عن الملكة النفسانية ، أو أنه يعتبر في العدالة أن تكون الأعمال صادرة عن الملكة؟

فنقول : لم تثبت للعدالة حقيقة شرعية ولا متشرعية ، وإنما هي بمعناها اللغوي أعني الاستقامة وعدم الجور والانحراف ، وهي قد تستند إلى الأُمور المحسوسة فيقال : هذا الجدار عدل أو مستقيم أو أن العصا مستقيم ، فتكون العدالة والاستقامة من الأُمور المحسوسة. وقد تسند إلى الأُمور غير المحسوسة فيراد منها الاستقامة المعنوية وذلك كالعقيدة والفهم والأخلاق ، فيقال : عقيدة فلان مستقيمة أي غير مشوشة أو أن فهمه مستقيم في قبال اعوجاجه ، أو أخلاقه مستقيمة أي لا إفراط فيها ولا تفريط. وقد تسند إلى الذوات فيقال : زيد عادل ومعناه أنه مستقيم في الخروج عن عهدة التكاليف المتوجهة إليه ، وحيث إن الشارع يراه مستقيماً في جادة الشرع فهو عادل‌

__________________

(١) النور ٢٤ : ٤ ، الحشر ٥٩ : ١٩.

٢١٢

شرعاً وغير منحرف عن جادته. فالعدالة المطلقة وهي المنسوبة إلى الذوات هي : الاستقامة العملية كما يقتضيه معناها اللغوي مع قطع النظر عن الروايات.

والمتحصل : أن العدالة ليست لها حقيقة شرعية وإنما استعملت في الكتاب والأخبار بمعناها اللغوي أعني الاستقامة وعدم الاعوجاج والانحراف وغاية الأمر أن موارد استعمالها مختلفة. كما ظهر أن العدالة ليست من الأوصاف النفسانية ، وإنما هي صفة عملية لأنها في اللغة كما عرفت هي الاستقامة وعدم الجور ، وفي الشرع هي الاستقامة في جادته. وإلى ذلك أُشير في جملة من الآيات المباركة كما في قوله عزّ من قائل ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا ) (١) وقوله ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ ) (٢) لإضافة العدالة فيهما إلى الذات بلحاظ استقامتها في جادة الشرع وتطابق أعمالها لأحكامه.

وتوضيح ما ذكرناه : أن ترك المحرمات والإتيان بالواجبات قد يستند إلى عدم المقتضي لفعل الحرام أو ترك الواجب ، كما إذا لم تكن له قوة شهوية أو غضبية باعثة إلى فعل الحرام أو ترك الواجب ، ولم تكن له رغبة في طبعه إلى إيجاده كما في أكل القاذورات ونحوها من المحرمات ، فإنه أمر قد يتفق فلا تكون للمكلف رغبة إلى فعل الحرام. وهذا لا بدّ من أن يفرض في المحرمات أو في الواجبات غير العبادية ، لعدم كفاية الإتيان بالواجب لا عن مقتض وداع إلهي يدعو إليه في العبادات ، والوجه فيه غير خفي.

ثمّ إن ذلك مجرّد فرض لا وقوع له أو لو كان متحققاً فهو من الندرة بمكان ، وذلك لأن البشر لا يخلو عن القوة الغضبية والشهوية وهما داعيتان له نحو الحرام لا محالة على الاختلاف في مراتبهما. وكيف كان إذا فرضنا أن ترك الحرام مستند إلى عدم المقتضي لفعله لم يتحقق بذلك العدالة بوجه ، لأن المكلف وإن لم ينحرف حينئذٍ عن جادة الشرع ، إلاّ أنه لم يسلك جادته برادع عن المحرمات ، وإنما سلكها لا عن مقتض لارتكابها وعدم موافقة المحرّم شيئاً من قواه ، بحيث لو كان له مقتض لفعلها‌

__________________

(١) النساء ٤ : ٣.

(٢) النساء ٤ : ١٢٩.

٢١٣

لارتكبها ، فمثله ليس بسالك لجادة الشرع وإن لم يكن منحرفاً عنها أيضاً ، فهو في الحقيقة خارج عن موضوع العدالة والفسق.

أما أنه ليس بعادل فلأنه لم يسلك جادة الشرع برادع عن المحرمات والانحرافات وأما أنه ليس بفاسق فلأنه لم يخرج عن جادة الشرع بفعل المحرمات.

وقد يكون ترك المحرمات وفعل الواجبات مستنداً إلى الرادع عن المعصية مع وجود المقتضي لارتكابها ، والرادع عن ارتكاب المعصية مع وجود المقتضي لفعلها قد يكون تسلّط القوة العاقلة على العقل العملي ، بمعنى أن العقل قد يكون مسيطراً على النفس سيطرة تامة فيلاحظ الأعمال الّتي يريد المكلف إصدارها ، فيصدر ما هو محبوب منها لله سبحانه فلا يصدر من المكلف غيره أبداً ، كما حكى ذلك عن السيد الرضي قدس‌سره وأنه لم يرتكب مباحاً طيلة حياته فضلاً عن الحرام والمكروه والمكلف في هذه الصورة وإن كان سالكاً لجادة الشرع أتم سلوك ، إلاّ أن سلوكه هذا لم يستند إلى خوفه من العقاب وإلاّ لم يكن له أيّ مانع من أن يرتكب المباح والمفروض أنه لا يرتكبه وإنما يرتكب ما هو محبوب لدى الله عزّ وجلّ ومثل ذلك من السلوك لا يعتبر في موضوع الأحكام الشرعية قطعاً ، لاستلزامه تعطيل الأحكام الشرعية في جملة من المقامات فإنه يختص بالأوحدي ، لوضوح أن العدالة بهذا المعنى تلو مرتبة العصمة ، فلا يراد بالعدالة المعتبرة في إمام الجماعة أو الشاهد أو الفتوى أو غيرها مما يعتبر فيه العدالة هذا المعنى بتاتاً.

وقد يكون الرادع عن ارتكاب المعصية مع وجود المقتضي لها رجاء الثواب أو الخوف من العقاب ، كما لعلّه الغالب في آحاد المكلفين لأنهم إنما يجتنبون المعاصي خوفاً من عذابه سبحانه ، وهذا المعنى من العدالة هو المراد منها في موضوع جملة من الأحكام الشرعية ، فمن سلك جادة الشرع برادع الخوف من العذاب أو رجاء الثواب مع فرض وجود المقتضي له للانحراف ، فهو مستقيم في الجادة ومصداق للعادل شرعاً ولغة ، هذا.

ثم إن الرادع عن ارتكاب المحرّم إذا لم يكن هو الخوف أو الرجاء ، فلا يخلو إما أن يكون أمراً محرّماً في نفسه كالرياء ، لأنه إذا أتى بالواجب التعبدي بداعي الرياء وإراءة‌

٢١٤

عمله للناس لكي يحتسب من العاملين بالوظائف الشرعية والمنقادين لأوامر الله سبحانه ونهيه ، فقد عمل محرّماً لأن الرياء شرك عملي مبغوض لدى الله سبحانه ومن البديهي أن ذلك لا يكون من العدالة في شي‌ء فإنه إنما أتى بما أتى به أو ترك ما تركه برادع الرياء ولولاه لترك الواجب ، وقد فرضنا أن الرياء محرّم ومرتكبه محكوم بالفسق والانحراف عن جادة الشرع. وإما أن يكون أمراً مباحاً ، كما إذا ردعته عن ارتكاب المحرم شرافته وجاهة لأنه لو ارتكبه سقط عن أعين الناس ، والمكلف وقتئذٍ وإن لم ينحرف عن جادّة الشرع ولم يرتكب الحرام ، إلاّ أنه لم يسلكها بداع الخوف وسلوك مسلك العبودية ، وإنما سلكها تحفظاً على شؤونه وجاهة ، فهذه الصورة أيضاً خارجة عن موضوعي الفسق والعدالة والمكلف حينئذٍ ليس بعادل ولا بفاسق.

فالمتحصل : أن العدالة هي : الاستقامة في جادة الشرع بداعي الخوف من الله أو رجاء الثواب ، وهي كما ترى صفة عملية وليست من الأوصاف النفسانية بوجه لوضوح أنها هي الاستقامة في الجادة بداعي الخوف أو رجاء الثواب ، وليس هناك ما يكون ملكة وصفة نفسانية بعد ظهور أن الخوف ليس هو العدالة يقيناً حتى يتوهّم أنها من الصفات النفسانية.

بقي في المقام أمران

أحدهما : أن الاستقامة بالمعنى المتقدم يعتبر أن تكون مستمرة بأن تصير كالطبيعة الثانوية للمكلف ، فالاستقامة في حين دون حين كما في شهر رمضان أو المحرّم أو غيرهما دون بقية الشهور ليست من العدالة في شي‌ء ، فإن المكلف لا يكون مستقيماً بذلك في الجادة ولا سالكاً لها بداع الخوف أو رجاء الثواب. وبعبارة اخرى أن المكلف وقتئذٍ لا يمكن الوثوق باستقامته ، لأنه قد يستقيم وقد لا يستقيم ، مع أن المعتبر في العادل أن يوثق بدينه ولا يتحقق ذلك إلاّ بالاستمرار في الاستقامة ، وكذلك الحال فيما إذا استقام بالإضافة إلى بعض المحرمات دون بعض ، ولعلّ ما ذكرناه من اعتبار الاستمرار في فعل الواجبات وترك المحرمات هو الّذي أراده القائل بالملكة ولم يرد أنها ملكة كسائر الملكات ، والله العالم بحقيقة الحال.

٢١٥

ثانيهما : أن الاستقامة مع الاستمرار عليها الّتي فسّرنا بها العدالة المعتبرة في جملة من الموارد ، لا يضرها ارتكاب المعصية في بعض الأحيان لغلبة الشهوة أو الغضب فيما إذا ندم بعد الارتكاب ، لأنه حال المعصية وإن كان منحرفاً عن الجادة إلاّ أنه إذا تاب رجع إلى الاستقامة ، وقد قال عزّ من قائل في توصيف المتقين ( إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا ) (١) فالشيطان قد يمس العادل كما يمس غيره ، وقد قيل : إن الجواد قد يكبو ، إلاّ أنه إذا تذكر ندم ورجع إلى الاستقامة والعدل.

والمتحصّل : أن الاستقامة الدائمية بمعنى عدم صدور الحرام من المكلف منذ بلوغه إلى آخر عمره غير معتبرة في العدالة. كما لا تعتبر فيها الاستقامة الخارقة للعادة ، كما إذا فرضنا أن الكذبة الواحدة تترتب عليها جملة كثيرة من المنافع الدنيوية والأُخروية ، وفرضنا أيضاً أن النبي أو الوصي عليه‌السلام أخبرنا أن الله لا يعاقب المكلف بتلك الكذبة إذ يشفع له الشفعاء يوم القيامة ، فإنه لا يعتبر ترك مثل ذلك في العدالة لاختصاصه كسابقه بقليل من المكلفين بل لا يتحققان إلاّ في الأوحدي ، ولا يحتمل أن تكون العدالة بهذا المعنى معتبرة في موضوعات الأحكام الشرعية لاستلزامه التعطيل كما مرّ ، هذا.

وقد ذهب شيخنا الأنصاري قدس‌سره (٢) وجمع ممن تقدمه وتأخر عنه إلى أن العدالة زائداً على ما بيّناه من العمل والاستقامة في سلوك جادة الشرع ، يعتبر فيها أن يستند العمل إلى الملكة النفسانية بأن تدعو المكلف إليه وتبعثه على ملازمة الطاعة وترك المعصية ، فالعمل المجرّد من الملكة لا يكون من العدالة في شي‌ء ، وحيث إن الملكة من الصفات النفسانية والأُمور غير المحسوسة فلا مناص من أن نستكشفها بما جعله الشارع معرّفاً إلى وجودها وكاشفاً عنها من حسن الظاهر أو غيره ، وهذا قد استدل عليه بوجوه :

الأوّل : أن الشك في أن الملكة معتبرة في العدالة أو ليست كذلك من الشك في سعة مفهوم العدالة وضيقه وتردده بين السعة والضيق ، ولا مناص معه من الأخذ بالمقدار‌

__________________

(١) الأعراف ٧ : ٢٠١.

(٢) رسالة في العدالة : ٣٢٧.

٢١٦

المتيقن منه في ترتب الآثار عليه وهو المضيّق ، وأما الزائد على ذلك أعني الموسّع فلا وذلك للشك في أن الآثار المرغوبة من العدالة هل يترتب عليه في الشريعة المقدسة أو لا ، ومقتضى الأصل عدم ترتبها عليه. إذن فجواز الايتمام في صلاة الجماعة ونفوذ القضاء والشهادة وغيرها من آثار العدالة إنما تترتب على ترك المحرّمات والإتيان بالواجبات إذا كان الباعث إليهما هو الملكة النفسانية ، وأما مجرد ترك الحرام أو الإتيان بالواجب من دون ملكة تدعو إليهما فمقتضى الأصل عدم ترتب الآثار عليه.

ويرد على هذا الوجه :

أولاً : أن العدالة ليست من المفاهيم المجملة المرددة بين السعة والضيق حتى يجب الأخذ بالمقدار المتيقن منها كما ذكر ، وإنما هي مفهوم مبيّن لما تقدم ويأتي أيضاً من أنها بحسب اللغة والأخبار هي الاستقامة العملية في جادة الشرع وأن هذا هو الّذي أُخذ في موضوع الأحكام الشرعية وهو مفهوم موسع ، فإذا شككنا في تقييده بالملكة فلا محالة ندفع احتمال التقييد بالأصل.

وثانياً : أن ما أفاده قدس‌سره من الأخذ بالمضيّق والقدر المتيقن وعدم ترتب الأثر على الموسّع بالأصل ، إنما يتم في الآثار الّتي أُخذت العدالة في موضوعها بالقرينة المتصلة كما في الشاهد بقوله عزّ من قائل ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (١) وذلك لأن العدالة إذا قلنا باجمالها فالمقدار المتيقن من الموضوع المقيد بذلك القيد المجمل ، هو الشاهد الّذي يستقيم في أعماله عن الملكة النفسانية الداعية إلى الطاعة لأنه الّذي نقطع بترتب الأثر عليه ، وأما الشاهد الّذي يستقيم في أعماله لا عن ملكة فنشك في ترتب الأثر عليه والأصل عدمه أي عدم نفوذ شهادته. ولا يتم فيما أُخذت العدالة في موضوع الحكم بالقرينة المنفصلة كما في بابي الفتوى والقضاء ، فإن الأدلة القائمة على حجية فتوى الفقيه من السيرة وغيرها مطلقة ولم يقيد فيها اعتبارها بما إذا كان المنذر أو العالم عادلاً ، وإنما استفدنا اعتبار العدالة بدليل منفصل كالضرورة أو رواية الاحتجاج أو غيرهما مما استدل به على اعتبارها فإذا فرضنا أن مفهوم العدالة مجمل مردد بين الموسّع والمضيّق فلا مناص من أن يقتصر في تقييد المطلقات بالمقدار المتيقن‌

__________________

(١) الطلاق ٦٥ : ٢.

٢١٧

من المقيد ، فإن المخصص المنفصل إذا كان مجملاً اقتصر في تخصيص العموم به على المقدار المتيقن منه ، وهو المنذر الّذي لا يستقيم في أعماله للقطع بعدم جواز تقليده لأنه مقتضى دليل المقيد والمخصص.

وأما إذا كان مستقيماً في أعماله ولم ينحرف عن جادة الشرع يميناً ولا شمالاً غير أن استقامته لم تكن عن ملكة نفسانية فنشك في تقييد المطلقات به ، ومع الشك في التخصيص والتقييد الزائدين يتمسك بعموم العام أو إطلاق المطلق ، وبه يحكم بجواز التقليد ممن له الاستقامة العملية وإن لم يكن واجداً للملكة النفسانية بوجه.

الثاني : الأخبار الواردة في أن إمام الجماعة يشترط فيه الوثوق بدينه (١) فإن المستفاد من تلك الأخبار أن العدالة المعتبرة في مثل إمام الجماعة يعتبر فيها الوثوق بالديانة ولا يحصل الوثوق بها بالاستقامة العملية المجردة عن الملكة ، فإن من ترك المحرمات وأتى بالواجبات لا عن ملكة لا يمكننا الوثوق بدينه ، لأنه من الجائز أن يرتكب مثله المعصية في المستقبل ويخالف أمر الله ونهيه ، وهذا بخلاف ما إذا عمل عن ملكة نفسانية إذ معها يمكننا الوثوق بدينه.

والجواب عن ذلك : المنع عن عدم حصول الوثوق بدين من نرى أنه يأتي بواجباته ويترك المحرمات ، لأنّا إذا عاشرناه مدّة ورأينا أنه يخاف حيواناً من الحيوانات المؤذية أو أنه يخاف الجن مثلاً ولا يتمكن من الدخول في موضع فيه ذلك الحيوان ولا يسكن مكاناً خالياً من الانس ، وقد مرت على ذلك برهة من الزمان علمنا علماً جزمياً أن الرجل يخاف من ذلك الحيوان أو الجن في الأزمنة المستقبلة ، ويحصل لنا الوثوق بذلك في حقه. وكذلك الحال فيما إذا عاشرناه مدة ورأينا يخاف الله سبحانه ولا يرتكب‌

__________________

(١) منها ما رواه أبو علي بن راشد قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن مواليك قد اختلفوا فأُصلي خلفهم جميعاً؟ فقال : لا تصل الاخلف من تثق بدينه. وفي رواية الشيخ ، زاد : وأمانته. المروية في وسائل الشيعة ٨ : ٣٠٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٢ وما رواه يزيد بن حماد عن أبي الحسن عليه‌السلام قال قلت له : أُصلي خلف من لا أعرف؟ فقال : لا تصل إلاّ خلف من تثق بدينه الحديث. المروية في وسائل الشيعة ٨ : ٣١٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٢ ح ١ وغيرهما من الروايات.

٢١٨

محرماً ، ويواظب وظائفه وواجباته تيقنا من دينه لا محالة وحصل لنا الوثوق بديانته بلا فرق في ذلك بين القول باعتبار الملكة في العدالة وعدمه ، لأنهما أجنبيان عن حصول الوثاقة بدين المتصف بالعدالة.

الثالث : الروايات الواردة في العدالة لأنها قد أُخذت في موضوعها أوصافاً وعناوين خاصة لا تنطبق إلاّ على صاحب الملكة وذلك كالعفاف ، والستر والصلاح ، والمأمونية ، والمرضي ، والخيّر ، والصائن (١) مع الإجماع على عدم اعتبارها زائدة على العدالة.

وفيه : أن العناوين المذكورة غير منطبقة على الأفعال النفسانية فضلاً عن أن تنطبق على الصفات النفسانية. وتفصيل ذلك : أن كون الرجل مرضياً بمعنى أن يكون أفعاله مما يرضى به الناس ، كما إذا لم يظلمهم ، ولم يكذبهم ، ولا أنه عمل عملاً ينافي لرضاهم‌

__________________

(١) يونس بن عبد الرحمن عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن البينة إذا أُقيمت على الحق أيحل للقاضي أن يقضي بقول البينة؟ فقال : خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم : الولايات ، والمناكح ، والذبائح ، والشهادات ، والأنساب ، فإذا كان ظاهر الرجل ظاهر مأموناً جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه ». المروية في وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٩٢ / أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٣.

عبد الله بن المغيرة قال « قلت للرضا عليه‌السلام : رجل طلق امرأته ، وأشهد شاهدين ناصبيين قال : كل من ولد على الفطرة ، وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته » نفس المصدر [ ح ٥ ].

عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الرجل يشهد لابنه ، والابن لأبيه والرجل لامرأته فقال : لا بأس بذلك إذا كان خيراً » الحديث. نفس المصدر [ ح ٩ ].

أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً » الحديث. نفس المصدر [ ح ١٠ ].

إسماعيل بن أبي زياد السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : « أن شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضياً ومعه شاهد آخر » نفس المصدر [ ح ١٩ ].

عبد الله بن أبي يعفور قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد ... » الحديث. نفس المصدر [ ح ١ ]. إلى غير ذلك من الأخبار.

٢١٩

فهو من صفات الأعمال الخارجية وليس من الصفات النفسانية في شي‌ء. نعم ، الرضا صفة نفسانية ، إلاّ أنه أجنبي عن المتصف بالعدالة لأنه أمر قائم بالغير ، إذ العادل هو المرضي ، والراضي عن أفعاله هو الغير. ومعنى كونه صالحاً أن لا يكون فاسد العمل ولا مفسداً به فهو أيضاً من صفات الأعمال الخارجية.

وكذلك كونه مأموناً فإن الأمن وإن كان بمعنى اطمئنان النفس وسكونها في مقابل اضطرابها وتشويشها ، إلاّ أنه أمر قائم بالغير دون المتصف بالعدالة ، لأنه المأمون وهو إنما يتحقق بكونه مستقيماً في أعماله ووظائفه بعدم أكله أموال الناس وترك الخيانة في إعراضهم ونفوسهم حتى يطمئنوا به.

وأما الستر فهو بمعنى التغطية وكون المكلف ساتراً ، إما بمعنى أنه ساتر لعيوبه عن الله سبحانه فهو بهذا المعنى عبارة أُخرى عن اجتنابه المعاصي لئلاّ ينهتك سرّه وتظهر عيوبه لدى الله ، وإما بمعنى كونه مستوراً لدى الناس ومعناه أنه لا يتجاسر بالمعاصي ولا يتجاهر بها لدى الناس ، فهذا أيضاً من عناوين الأعمال الخارجية وليس من الصفة النفسانية في شي‌ء.

كما أن الخيّر هو الّذي كانت أعماله خيراً ، والصائن من ترك المعاصي مع وجود المقتضي لارتكابها.

والعفة بمعنى الامتناع عمّا لا يحل ، ففلان عفيف أي ممتنع عمّا لا يحل كأذى الناس وغيره من المحرمات الإلهية ، ويأتي للعفاف بيان زائد على ذلك عند التكلم على الوجه الرابع.

والمتحصل : أن العناوين المذكورة غير منطبقة على الصفات النفسانية بوجه.

الرابع : صحيحة (١) عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) هكذا عبّروا عنها في كلماتهم إلاّ أن الأمر ليس كذلك لأنها قد رويت بطريقي الصدوق والشيخ قدس‌سرهما وكلا الطريقين ضعيف. أما طريق الصدوق قدس‌سره فلأن فيه أحمد بن محمد ابن يحيى العطّار وقد مرّ غير مرّة عدم ثبوت وثاقته. وأما طريق الشيخ قدس‌سره فلأن فيه محمد بن موسى الهمداني وهو وإن كان ممن وقع في أسانيد كامل الزيارات ومقتضى ذلك وثاقته

٢٢٠