موسوعة الإمام الخوئي - ج ١

الشيخ علي الغروي

أما أولاً : فلأنها ضعيفة السند وغير قابلة للاستدلال بها كما مرّ.

وأما ثانياً : فلأن مفروض الرواية هو العلم بالمخالفة بين الحاكمين وصورة التعارض بينهما ، وأين هذا ممّا نحن فيه ، أعني ما إذا لم يعلم المخالفة بين المجتهدين.

وأما ثالثاً : فلأنها واردة في باب القضاء ولم يقم دليل على أن ما كان مرجحاً هناك فهو مرجح هنا أعني باب التقليد والفتوى ، والسّر فيه ظاهر ، حيث إن الخصومة لا بدّ من فصلها ، ولا سبيل إلى التوقف والاحتياط في القضاء والمرافعات ، وأما التقليد فهو أمر قابل للاحتياط فيه. إذن لا تكون الأورعية مرجحة كيف والأعلمية ليست مرجحة في تلك الصورة على ما قدّمناه في التكلم على وجوب تقليد الأعلم ، مع أن العلم هو الملاك في حجية فتوى العالم فما ظنك بالأورعية.

ثمّ إن مما ذكرناه في الجواب عن الاستدلال بالمقبولة يظهر الجواب عن الاستدلال بغيرها من الأخبار الواردة في القضاء المشتملة على الترجيح بالأورعية (١) ولا نعيد.

وأما إذا كانا متساويين في الفضيلة فهل تكون الأورعية مرجحة؟ فيه خلاف وتفصيل الكلام في ذلك أن للمسألة صوراً ثلاثاً :

الاولى : ما إذا علمنا بموافقتهما في الفتوى. وفي هذه الصورة لا أثر لتعيين المجتهد المقلّد ، إذ لا دليل على لزوم الاستناد إلى أحدهما المعيّن عند الموافقة ومعه لا تكون الأورعية مرجحة بوجه.

الثانية : ما إذا لم يعلم المخالفة بينهما وهل تكون الأورعية مرجحة حينئذٍ؟ ذكر الماتن قدس‌سره أن المجتهدين المتساويين إذا كان أحدهما أورع وجب اختيار الأورع منهما ، إلاّ أن الصحيح أن الأورعية ليست مرجحة في هذه الصورة أيضاً وقد ظهر وجهه مما قدمناه فيما إذا لم يعلم المخالفة بين الأعلم وغير الأعلم.

الثالثة : ما إذا علمنا بالمخالفة بينهما. مقتضى إطلاق كلام الماتن أن الأورعية أيضاً مرجحة حينئذٍ ، والّذي يمكن أن يستدل به على أن الأورعية مرجحة في هذه الصورة أمران :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ / أبواب صفات القاضي ب ٥ ح ١ ، ٢٠.

١٤١

أحدهما : مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها من الأخبار المشتملة على الترجيح بالأورعية في باب القضاء ، بدعوى دلالتها على أن اللاّزم عند المعارضة هو الأخذ بما يقوله أورعهما.

ثانيهما : الإجماع على أن العامّي ليس له العمل بالاحتياط بل دائماً لا بدّ أن يستند في أعماله إلى فتوى من يجوز تقليده من المجتهدين ، كما لعلّه ظاهر كلام بعضهم. وهذا يقتضي الترجيح بالأورعية على ما يأتي تقريبه.

وكلا الوجهين غير قابل للمساعدة عليه :

أما الاستدلال بالمقبولة ونحوه : فلأنها واردة في القضاء وقد ذكرت الأورعية مرجحة فيها للحكمين ، وأين هذا مما نحن فيه أعني ما إذا تعارضت فتوى الأورع لفتوى غير الأورع مع تساويهما في الفضيلة. وقد قدّمنا أن المرجح في باب الحكومة لا يلزم أن يكون مرجحاً في باب التقليد أيضاً لأنه قياس ولا نلتزم بالقياس.

ويقرّب ما ذكرناه أن المقبولة ونحوها قد اشتملت على الترجيح بالأعدلية والأفقهية والأصدقية والأورعية ، وظاهرها أن كلا من تلك الصفات مرجح بالاستقلال ، لا أن المرجح مجموعها وإن كانت قد جمعت في البيان ، وعليه لو قلنا بشمولها للفتويين المتعارضتين فلا مناص من الحكم بتساقطهما فيما إذا كان أحد المجتهدين أفقه مثلاً والآخر أورع ، لاشتمال كل منهما على مرجح فيتساقطان. وهذا لا يلتزم به الخصم فإن الأعلم هو المتعين عند التعارض وإن كان غير الأعلم أورع. وهذه قرينة كاشفة عن أن المقبولة ونحوها غير شاملة للفتويين المتعارضتين ، هذا مضافاً إلى ما تقدم من أن المقبولة ضعيفة السند.

وأما الإجماع المدعى : فإن قلنا إنه تام في نفسه فلا مناص من أن تكون الأورعية مرجحة في المقام ، لأن العامّي مكلف حينئذٍ بالرجوع إلى أحد المجتهدين المتساويين في الفضيلة ، فإذا كان أحدهما أورع كما هو الفرض دار الأمر بين أن تكون فتوى كل منهما حجة تخييرية ، وأن تكون فتوى الأورع حجة تعيينية ، وقد قدّمنا سابقاً أن الأمر في الحجية إذا دار بين التعيين والتخيير وجب الأخذ بما يحتمل تعينه للقطع بحجيته والشك في حجية الآخر ، وقد مرّ غير مرة أن الشك في الحجية يساوق القطع‌

١٤٢

بعدمها فالأورعية مرجحة لا محالة.

وأما لو قلنا إن الإجماع المدعى غير تام كما أن الأمر كذلك لأن غاية ما هناك أن يقوم الإجماع على أن الشارع بالإضافة إلى جميع المكلفين لا يرضى بالعمل بالاحتياط ، لأنه يستلزم العسر والحرج أو اختلال النظام أو غير ذلك من الوجوه وأما العمل بالاحتياط في مورد واحد ، أعني الأخذ بما هو الموافق للاحتياط من الفتويين المتعارضتين ، أو بالإضافة إلى شخص واحد فلا نحتمل قيام إجماع تعبدي على حرمته. وعليه لو أفتى أحدهما في مسألة بالوجوب ، وأفتى فيها الآخر بالجواز وجب تطبيق العمل على الفتوى بالوجوب ، كما أن المجتهد الثاني إذا أفتى في مسألة أُخرى بالوجوب وأفتى فيها المجتهد الأول بالجواز وجب تطبيق العمل على الفتوى بالوجوب ، وهذا في الحقيقة تقليد من كلا المجتهدين إذا كانت فتواه مطابقة للاحتياط. إذن فهذان الوجهان ساقطان.

والّذي ينبغي أن يقال في المقام : إن الأورعية ليست مرجحة في الفتويين المتعارضتين ، وذلك أما مع التمكن من الاحتياط فلأن الأدلة كما تقدم لا تشمل شيئاً من المتعارضين ، فالفتويان ساقطتان عن الحجية ووظيفة العامّي حينئذٍ هو الاحتياط إذ مع عدم حجية المتعارضين لا معنى للترجيح بالأورعية لأنه لا حجة حتى ترجح إحداهما على الأُخرى ، وإنما وجب الاحتياط لأنه مما يستقل به العقل في أطراف العلم الإجمالي المنجز للواقع.

وأما مع عدم التمكن من الاحتياط فقد يقال : إن المتعين هو العمل بفتوى الأورع من المجتهدين المتساويين في الفضيلة ، وذلك لدوران الأمر في الحجية بين التعيين والتخيير فإن فتوى كل منهما إمّا حجة تخييرية أو أن فتوى الأورع حجة تعيينية ومقتضى القاعدة هو الأخذ بما يحتمل تعينه وهو فتوى الأورع في محل الكلام ، لأن العمل بها معذّر يقيناً ، وأما العمل بفتوى غير الأورع فلم يعلم كونه معذّراً على تقدير الخلاف لأجل الشك في حجيتها وهو يساوق القطع بعدم الحجية كما مرّ.

١٤٣

وناقش في ذلك بعض مشايخنا المحققين قدس‌سرهم بما حاصله : أن القاعدة إنما تقتضي الأخذ بما يحتمل تعينه فيما إذا استند احتمال التعيين إلى أقوائية الملاك في أحدهما عن الملاك في الآخر كما في الأعلمية ، إذ الملاك في حجية الفتوى والنظر هو العلم والفقاهة وهما في الأعلم أقوى منهما في غير الأعلم ، والأصل يقتضي التعيين في مثله وأما إذا كان احتمال التعيّن مستنداً إلى أمر خارج عن الملاك ولم يستند إلى أقوائيته في أحدهما ، فلا يقتضي الأصل فيه التعيين لتساويهما فيما هو ملاك الحجية على الفرض والأمر في المقام كذلك إذ الملاك في حجية الفتوى هو العلم وهو أمر مشترك فيه بين الأورع وغيره ، وكون أحدهما آتياً بصلاة الليل مثلاً أو متورعاً في الشبهات لا ربط له بما هو الملاك في الحكم بحجية نظره وفتواه ، فمثله لا يمكن أن يكون مرجحاً في مقام الحجية أبداً (١).

وفيه : أن الأورعية قد يفرض القطع بعدم كونها ذات دخالة في حكم الشارع بحجية الفتوى بوجه ، وهي خارجة حينئذٍ عن محل الكلام فإن حالها على هذا حال الهاشمية والأسنّية وصباحة الوجه وغيرها ، فكما أن تلك الصفات ليست مرجحة لإحدى الفتويين من غير ريب ، كذلك الحال في الأورعية على الفرض.

وقد يحتمل أن تكون مرجحة لإحداهما ، وهذا لا لأنها ذات دخالة فيما هو الملاك للحجية ، بل من جهة أن الشارع جعلها مرجحة لإحداهما كما جزم بها شيخنا الأنصاري قدس‌سره (٢) فإن جزمه بها وإن لم يكن حجة على غيره ، إلاّ أنه يكفي في إثارة الاحتمال بالوجدان. إذن يحتمل أن تكون الأورعية مرجحة لإحداهما ومعه لا مناص من اختيار الأورع ، وذلك لأن الملاك فيما استقلّ به العقل من الأخذ بما يحتمل تعينه إنما هو حصول اليقين بفراغ الذمة عن التكليف المنجّز على تقدير العمل به ، والأمر في المقام كذلك لأن العمل على فتوى الأورع معذّر يقيناً ومعذّرية فتوى غير الأورع غير معلومة للشك في حجيتها ، وهو يساوق القطع بعدم الحجية كما مرّ ، ولا يفرق في ذلك بين أن يكون المرجح أمراً خارجياً كما في المقام وبين أن يكون أمراً‌

__________________

(١) رسالة في الاجتهاد والتقليد ( الأصفهاني ) : ٦٤.

(٢) رسالة في الاجتهاد والتقليد : ٨٣.

١٤٤

[١٤] مسألة ١٤ : إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم وإن أمكن الاحتياط (١).

______________________________________________________

راجعاً إلى أقوائية الملاك.

إذن الصحيح في الجواب أن يقال : إن مقامنا هذا ليس من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، وسرّه أن ما سردناه من أن المكلف يتخيّر بينهما لا يستند إلى أن فتواهما حجتان تخييريتان لما تقدم من أنهما ساقطتان عن الحجية بالتعارض ، فليست هناك حجة لتكون الأورعية مرجحة لإحداهما على الأُخرى ، بل يستند إلى ما بيّناه من أن العقل يتنزل إلى الامتثال الاحتمالي عند عدم تمكن المكلف من الامتثال الجزمي ، فالتخيير عقلي ومن الظاهر أن العمل على طبق فتوى الأورع والعمل بفتوى غير الأورع كلاهما امتثال احتمالي فلا موجب لتقدم أحدهما على الآخر بوجه.

(١) ما أسبقناه من وجوب تقليد الأعلم إنما هو فيما إذا كانت له فتوى في المسألة وكانت مخالفة لفتوى غير الأعلم ، وأما إذا لم تكن له فتوى بالفعل لاحتياجها إلى فحص زائد مثلاً كما قد يجاب بذلك في الاستفتاءات ويقال : إن المسألة تحتاج إلى مزيد تأمل ، بحيث لو سألناه عن الحكم في تلك المسألة أجاب بقوله : لا أدري ، فلا مانع من الرجوع إلى فتوى غير الأعلم ، لأنه أيضاً يصدق عليه الفقيه والعالم ، وإنما المانع عن حجيتها فتوى الأعلم بخلافها ، ومع فرض أن الأعلم ليست له فتوى في المسألة ، تشملها إطلاقات الأدلة من الكتاب والسنة ، كما أنه لا مانع من الرجوع إلى غير الأعلم حسب السيرة العقلائية ، لأنه من رجوع الجاهل إلى العالم.

ثمّ لا يخفى أن الأعلم إذا لم يكن له فتوى بالحكم الواقعي في المسألة إلاّ أنه أفتى فيها بالحكم الظاهري ، كما إذا أفتى بوجوب الاحتياط لم يجز للمكلف أن يرجع في ذلك المورد إلى فتوى غير الأعلم لوجود فتوى الأعلم بالاحتياط ، إذ لا يشترط في وجوب تقليده أن تكون له فتوى بالحكم الواقعي ، بل إفتاؤه بالحكم الظاهري أيضاً يمنع عن حجية فتوى غير الأعلم.

نعم ، حكم الأعلم بالاحتياط قد يستند إلى عدم علمه بالحكم الواقعي في المسألة كما في الشبهات قبل الفحص عن الدليل من دون أن يرى فتوى غير الأعلم خطأ ، بل‌

١٤٥

[١٥] مسألة ١٥ : إذا قلّد مجتهداً كان يجوّز البقاء على تقليد الميت فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة ، بل يجب الرجوع إلى الحي الأعلم في جواز البقاء وعدمه (١).

______________________________________________________

كان بحيث يحتمل مطابقتها للواقع ، وأنه أيضاً لو فحص عن الدليل أفتى بما أفتى به غير الأعلم وإنما لم يفت في المسألة لعدم جزمه بالحكم الواقعي ، وكون الشبهة قبل الفحص وهو مورد للاحتياط. وفي مثله لا مانع من أن يرجع العامّي إلى فتوى غير الأعلم لأنه ليست للأعلم فتوى في المسألة مخالفة لفتوى غير الأعلم ولا أنه يخطئه في نظره.

وما ذكرناه من عدم جواز الرجوع إلى فتوى غير الأعلم إنما هو فيما إذا حكم الأعلم بوجوب الاحتياط جزماً منه بانسداد الطرق الموصلة إلى الحكم الواقعي وتخطئة لفتوى غير الأعلم وعدم إيجابه للاحتياط كما في موارد العلم الإجمالي وتعارض الأدلة ، كما إذا سافر أربعة فراسخ غير قاصد للرجوع في يومه ، أو خرج إلى ما دون المسافة من محل إقامته أو غير ذلك من الموارد ، لتعارض الأدلة ووجود العلم الإجمالي بوجوب القصر أو التمام وهذه الموارد هي الّتي قلنا بعدم جواز الرجوع فيها إلى فتوى غير الأعلم ، والجامع ما إذا خطّأ الأعلم غير الأعلم في فتياه.

ثمّ إنه إذا جاز الرجوع إلى غير الأعلم فلا مناص من أن يراعى الأعلم فالأعلم ولا يجوز أن يرجع إلى غير الأعلم مطلقاً ، بل إلى غير الأعلم بالإضافة إلى الأعلم الّذي قد قلّده مع اشتراط أن يكون أعلم بالإضافة إلى غيره من المجتهدين ، وذلك لعين الأدلة المتقدمة في وجوب تقليد الأعلم مطلقاً ويأتي فيه جميع ما ذكرناه هناك. وإذا فرضنا أن الأعلم الإضافي أيضاً لا فتوى له في المسألة رجع إلى غير الأعلم بالإضافة إليه مع اشتراط أن يكون أعلم بالإضافة إلى غيره من المجتهدين. وعلى الجملة لا بدّ من مراعاة الأعلم فالأعلم.

مسألة البقاء يجب فيها تقليد الأعلم الحي

(١) لسقوط فتوى الميت عن الحجية بموته ، ولا يجوز للمقلّد أن يعتمد على فتاواه بفتوى نفسه بجواز البقاء لأنه دور ظاهر ، بل اللاّزم أن يرجع إلى الحي الأعلم في‌

١٤٦

جواز رجوعه إلى الميت وعدمه ، ثمّ إن الحي الأعلم إذا بنى على جواز البقاء أو على وجوبه ، جاز للمقلد أو وجب عليه العمل بآراء الميت فيما قد تعلّمه منه حال الحياة وكان متذكراً له بعد موته ، سواء أكان ذلك حكماً تكليفياً من وجوب شي‌ء أو حرمته ونحوهما أم حكماً وضعياً كالصحة والحجية وأمثالهما من الأحكام الوضعية ، مثلاً إذا كان الميت بانياً على حجية الخبر الواحد الثقة جاز للمقلد أيضاً أن يبني على حجيته تبعاً لمن قلّده ، وهذا لعلّه مما لا كلام فيه.

وإنما الكلام في أن الميت لو كان بانياً على جواز البقاء ، وأفتى الحي الأعلم أيضاً بجوازه فهل يجوز للمقلّد أن يبقى على تقليد الميت في مسألة جواز البقاء أو أن لها خصوصية بها تمتاز عن بقية المسائل والأحكام الوضعية ، ولا يجوز فيها البقاء على تقليد الميت؟ وتفصيل الكلام في هذه المسألة : أن الحي الأعلم إما أن يفتي بجواز البقاء على تقليد الميت أو بوجوبه أو بحرمته ، كما أن الميت إما أنه كان يفتي بجواز البقاء أو بوجوبه أو بحرمته فهذه تسع صور :

ولا ينبغي التوقف في أن الحي الأعلم بعد ما بنى على عدم جواز البقاء على تقليد الميت ، لم يترتب أي أثر على فتوى الميت سواء أفتى بجواز البقاء أو بوجوبه أو بحرمته ، لسقوط فتواه عن الحجية بموته ، ومعه يجب على المقلّد أن يتبع فتوى الحي في تلك المسألة ولا مانع من أن يرجع إلى الميت إذا أفتى الحي بجوازه ، وليس له أن يعتمد على فتوى الميت بنفس فتواه بجواز البقاء لأنه دور ظاهر.

وبذلك اتضح حكم الصور الثلاث أعني ما إذا كان الميت بانياً على جواز البقاء أو وجوبه أو حرمته ، وفرضنا أن الحي بنى على حرمته ، وعلى الجملة أن مع حكم الحي بحرمة البقاء لا يبقى مجال لملاحظة أن الميت يفتي بأي شي‌ء ، وهذه المسألة نظير ما يأتي من أن غير الأعلم إذا أفتى بحرمة العدول حتى إلى الأعلم وبنى الأعلم على الجواز ، لم يصغ إلى فتوى غير الأعلم بوجه فحكم تلك الصور ظاهر لا إشكال فيه.

إذن يقع الكلام في الصور الباقية وهي ست ، ثنتان منها أعني ما إذا أفتى الميت بحرمة البقاء وبنى الحي على جوازه أو وجوبه ، يأتي عليهما الكلام بعد الفراغ عن التكلم في الصور الأربع الآتية إن شاء الله ، فالكلام متمحض فيما‌ إذا أفتى كل من الميت والحي بجواز البقاء أو بوجوبه وهي أربع صور :

١٤٧

فتوى الحي والميت بجواز البقاء‌

الصورة الأُولى : ما إذا أفتى الحي الأعلم بجواز البقاء على تقليد الميت وذهب الميت أيضاً إلى جوازه فهل يجوز في هذه الصورة البقاء على تقليد الميت في مسألة جواز البقاء أو لا يجوز؟

فقد يقال بعدم جواز البقاء في مسألة جواز البقاء نظراً إلى اللغوية واستلزام ذلك أخذ الحكم في موضوع نفسه ، حيث إن جواز البقاء حكم فلا يصح أن يقال : يجوز البقاء على تقليد الميت في مسألة جواز البقاء.

وهذه المسألة قد تفرض فيما إذا اتحد نظر الميت والحي فيما هو الموضوع للحكم بجواز البقاء بأن رأي كل منهما أن تعلّم فتاوى الميت أو الالتزام بالعمل بها حال حياته يكفي في جواز البقاء على تقليده ، أو أنهما اتفقا على أن التعلم أو الالتزام لا يجدي في جواز البقاء بل يعتبر فيه العمل بها حال حياته ، وفي هذه الصورة لا يجوز البقاء على تقليد الميت في مسألة جواز البقاء ، وذلك لأن فتوى الحي بجواز البقاء قد جعلت فتاوى الميت حجة معتبرة في جميع المسائل الفرعية غير مسألة البقاء إذن يكون جعل الحجية لفتوى الميت بجواز البقاء لإثبات حجية فتاواه في المسائل الفرعية لغواً ومن تحصيل الحاصل ، لوضوح أنه لا معنى للتنجيز بعد التنجيز ، ولا للمعذّرية بعد المعذّرية ، وقد فرضنا أن فتاواه صارت حجة شرعية أي معذّرة ومنجّزة بفتوى الحي بجواز البقاء ، فلا حاجة معه إلى جعل الحجية عليها مرة ثانية بتوسيط حجية فتوى الميت بجواز البقاء لفتوى الحي بجوازه ، فإنه من اللغو الظاهر وتحصيل الحاصل المحال.

وأُخرى تفرض المسألة فيما إذا اختلف نظر الميت والحي فيما هو الموضوع للحكم بجواز البقاء إلاّ أن دائرة موضوعه كانت بنظر الحي أوسع منها عند الميت ، كما إذا كان العمل بفتوى المجتهد حال حياته معتبراً عند الميت في جواز البقاء على تقليده ، وأما الحي فهو رأى أن الالتزام أو التعلم أيضاً يكفي في جوازه ، وفي هذه الصورة أيضاً لا مجال لتوسيط حجية فتوى الميت بجواز البقاء لإثبات حجية فتاواه في بقية المسائل ، وذلك لأن حجية فتاوى الميت فيما عمل به المقلّد حال حياته مستندة إلى فتوى الحي بجواز البقاء ، فإنها بذلك تتصف بالاعتبار ويكون جعل الحجية لفتوى‌

١٤٨

الميت بجواز البقاء لأجل إثبات حجية فتاواه في بقية المسائل لغواً وتحصيلاً للحاصل المحال ، لأنه من التنجيز بعد التنجيز والتعذير بعد التعذير.

وثالثة تفرض المسألة فيما إذا اختلف نظر الميت والحي كما في الصورة المتقدمة إلاّ أن دائرة الموضوع للحكم بجواز البقاء كانت عند الميت أوسع منها لدى الحي ، كما إذا رأى الميت كفاية التعلم أو الالتزام في تلك المسألة والحي اعتبر فيها العمل ، فهل في هذه الصورة يجوز البقاء على تقليد الميت في مسألة البقاء فيما إذا عمل بتلك المسألة حال حياته كما إذا بقي على تقليد ميت آخر لفتواه بجواز البقاء أو أن هذه الصورة كالصورتين المتقدمتين لا يجوز فيها البقاء على تقليد الميت في مسألة البقاء؟

قد يقال بعدم الجواز للزوم اللغوية ولاستحالة أخذ الحكم في موضوع نفسه فلا يمكن أن يقال بجواز البقاء على تقليد الميت في مسألة جواز البقاء.

والتحقيق أن في هذه الصورة لا مانع من البقاء في مسألة البقاء والسرّ فيه ما قدّمناه من أن فتاوى الميت قد جعلت حجة شرعية بفتوى الحي بجواز البقاء فكأنه حيّ لم يمت ، وقد مرّ أن الحي إذا أفتى بجواز البقاء على تقليد الميت جاز للمقلّد أن يتبع آراء المجتهد الميت في جميع ما أفتى به من الأحكام التكليفية أو الوضعية ، ومنها حجية فتوى الميت بجواز البقاء بالإضافة إلى من تعلّم فتاواه أو التزم بالعمل على طبقها وإن لم يعمل بها بوجه. نعم ، لا بدّ من أن يكون المكلف واجداً لشرطية العمل بفتوى الميت في تلك المسألة أعني مسألة جواز البقاء ، بأن يكون قد عمل بها حال حياة الميت كما إذا قلّده في تلك المسألة وبقي على تقليد مجتهد ثالث من الأموات في المسائل الّتي لم يعمل بها وإنما تعلّمها أو التزم بها ، وذلك لأنه لو لم يكن واجداً لهذا الاشتراط ، أي لم يكن قد عمل بتلك المسألة لم تكن فتوى الميت بجواز البقاء على من تعلّم المسألة أو التزم بها شاملة له وحجة في حقّه بفتوى الحي بجواز البقاء ، لفرض أنه اشترط فيه العمل والمقلّد لم يعمل بفتوى الميت في تلك المسألة ، وهذا بخلاف ما إذا عمل بها فإن فتوى الميت تتصف بالحجية في حقه ، وثمرتها جواز البقاء على تقليد الميت حتى فيما لم يعمل به من المسائل وإنما تعلمها أو التزم بالعمل بها. وهذا نظير ما ذكرناه في التكلّم على حجية الخبر من أنّا إذا بنينا على حجية خبر العدل الواحد ، وعثرنا على خبر‌

١٤٩

عدل دلّ على حجية مطلق خبر الثقة وإن لم يكن عادلاً التزمنا بحجية الخبر الصادر عن مطلق الثقة لدلالة الحجة على حجيته. والحال في المقام أيضاً كذلك فإن البقاء على تقليد الميت فيما لم يعمل به ، بل تعلّمه أو التزم به وإن لم يقم دليل على جوازه لدى الحي لما فرضناه من أنه إنما يرى جوازه فيما عمل به المقلّد حال حياة الميت ، إلاّ أنه قامت عنده الحجة على جوازه فيما لم يعمل به أيضاً ، وهي فتوى الميت بجواز البقاء فيما لم يعمل به ، فإن المقلّد قد عمل بتلك المسألة قبل موت الميت ، إذن كانت حجية فتوى الميت فيما لم يعمل به مستندة إلى فتوى الحي بجواز البقاء فيما عمل به من المسائل.

ثمّ إن ما ذكرناه فيما إذا استند عدم فتوى الحي بجواز البقاء فيما لم يعمل به إلى الاحتياط والأخذ بالقدر المتيقن مما دلّ على جواز البقاء أمر ظاهر لا اشكال فيه لوضوح أن حجية الحجج لا مناص من أن تكون قطعية بأن تكون ثابتة بالأدلة المفيدة للعلم واليقين ولا حجية مع الشك ، وحيث إن الحي لم يتم عنده دليل على حجية فتوى الميت فيما لم يعمل به المقلّد ويشك في حجيتها مع التعلم أو الالتزام فلا يمكنه الحكم باعتبارها إلاّ مع العمل على طبقها ، لا أنه حكم بحرمة البقاء مع التعلم أو الالتزام ليقال : إن الحي إذا حرّم البقاء على تقليد الميت عند عدم العمل بفتواه كيف يسوغ للمقلّد البقاء على تقليده مع التعلم أو الالتزام.

وأما إذا استند في ذلك إلى الدليل على عدم جواز البقاء إلاّ مع العمل بفتوى الميت قبل موته ، فقد يقال بعدم جواز البقاء في هذه الصورة على تقليد الميت فيما تعلّمه أو التزم بها من المسائل وذلك لحرمة البقاء على تقليد الميت لدى الحي ، لأن مفروض الكلام أن الدليل قام عنده على المنع ، ومع أن الحي منع المقلّد عن البقاء لا معنى لجواز البقاء على تقليد الميت بفتواه.

وفيه : أن البقاء على تقليد الميت وإن كان محرّماً لدى الحي إلاّ أنه إنما يمنع عن البقاء فيما لم يعمل به من المسائل بما أنه بقاء في طبعه ونفسه ، وأما البقاء على تقليد الميت فيما لم يعمل به لا بما أنه بقاء ، بل بتوسيط حجية فتوى الميت فلا حرمة له لدى الحي وذلك لأن المحرّم هو الّذي يصدق عليه البقاء في طبعه ، وأما لا بما هو كذلك بل بعنوان ما قامت الحجة على جوازه أعني فتوى الميت به فمما لا حرمة له. وهذا كما إذا بنى الميت على وجوب السورة في الصلاة وبنى الحي على عدم وجوبها ، فإن الحي‌

١٥٠

بتوسيط أن فتوى الميت حجة في نظره ، أيضاً يرى وجوب السورة ولكن لا في نفسها وطبعها بل بعنوان ثانوي وهو فتوى الميت بالوجوب أو قيام الحجة به. وكما إذا رأى الميت كفاية التوضؤ مع الجبيرة وبنى الحي على تعين التيمم وعدم كفاية الوضوء مع الجبائر ، فإن الوضوء وإن كان غير مجزئ عند الحي بالعنوان الأولي إلاّ أنه بعنوان أن الحجة قامت بصحته مجزئ لا محالة. ولهذا نظائر كثيرة يطول بذكرها الكلام ، بل هذا قد يقع بين مجتهدين معاصرين فيسأل أحدهما عن وجوب السورة عند معاصره ويجيب بأنه يرى عدم وجوبها وأما عنده فهي واجبة ، فإنه حينئذٍ بعنوان أن المعاصر أفتى بعدم وجوب السورة يلتزم بعدم وجوبها فضلاً عن الميت والحي.

والمتحصل : أنه لا مانع من القول بجواز البقاء على تقليد الميت في مسألة جواز البقاء ، ولا يرد عليه محذور اللغوية ولا أخذ الحكم في موضوع نفسه.

أما اللغوية فلما تقدم من أن حجية فتوى الميت بفتوى الحي بجواز البقاء نتيجتها جواز البقاء على تقليده حتى فيما لم يعمل به من المسائل ، ومع ترتب مثل هذه الثمرة على حجية فتوى الميت لا معنى لدعوى اللغوية بوجه.

وأما أخذ الحكم في موضوع نفسه فالوجه في عدم وروده أن ما ادعيناه في المقام هو أن فتوى الحي بجواز البقاء قد جعلت فتاوى الميت حجة شرعية بلا فرق في ذلك بين الأحكام التكليفية والوضعية ، وأن أثر تلك الحجية جواز البقاء على تقليده حتى فيما لم يعمل به من المسائل. إذن هناك أحكام ثلاثة مترتبة على موضوعاتها الثلاثة :

أحدها : وجوب السورة في الصلاة.

ثانيها : حجية فتوى الميت بجواز البقاء.

ثالثها : حجية فتوى الحي بجواز البقاء.

وهذه الأحكام مترتبة في الثبوت ، فإنه بثبوت حجية فتوى الحي بجواز البقاء تثبت حجية فتوى الميت كما مرّ ، وإذا ثبتت حجية فتاواه فقد ثبت وجوب السورة في الصلاة أو غير ذلك من الأحكام ، ومعنى ذلك أنّا أخذنا حجية فتوى الميت بالجواز في موضع الحكم بحجية فتوى الحي به ، حيث قلنا يجوز البقاء على تقليد الميت في مسألة جواز البقاء.

١٥١

ودعوى أن ذلك من أخذ الحكم في موضوع نفسه مغالطة ظاهرة ومجرد لفظ لا معنى تحته ، فإن المستحيل إنما هو أن يؤخذ حكم في موضوع شخصه ، فإن مرجعه إلى كون الحكم مفروض التحقق حين جعله وإنشائه. وليس في المقام من ذلك عين ولا أثر ، فإن المتحقق فيما نحن فيه أن حجية فتوى الميت بجواز البقاء مترتبة على حجية فتوى الحي به كما أن ثبوت وجوب السورة في الصلاة أو غيره مترتب على حجية فتوى الميت بالجواز ومعه قد أُخذ حكم في موضوع حكم آخر ، فإن حجية فتوى الميت غير حجية فتوى الحي وإحداهما مأخوذة في موضوع الأُخرى كما لا يخفى هذا كلّه في الصورة الأُولى.

فتوى الحي والميت بوجوب البقاء‌

الصورة الثانية : وهي ما إذا أفتى كل من الميت والحي بوجوب البقاء على تقليد الميت ، وحكمها حكم الصورة المتقدمة ويأتي فيها التفصيل المتقدم هناك ، فإذا فرضنا أن الميت والحي متحدان فيما هو الموضوع للحكم بوجوب البقاء ، أو أنهما اختلفا في ذلك وكانت دائرة الموضوع عند الحي أوسع منها لدى الميت ، لم يجب البقاء على تقليد الميت في مسألة البقاء لاستلزام ذلك اللغوية وجعل التنجيز بعد التنجيز والتعذير بعد التعذير ، وأما إذا اختلفا وكانت دائرة الموضوع عند الميت أوسع منها لدى الحي فلا مانع من البقاء على تقليد الميت في مسألة البقاء ولا يرد عليه محذور اللغوية أو أخذ الحكم في موضوع نفسه.

فتوى الحي بوجوب البقاء والميت بجوازه‌

الصورة الثالثة : وهي ما إذا أفتى الحي بوجوب البقاء وبنى الميت على جوازه فهل يجوز للعامّي أن يرجع إلى الحي في تلك المسألة ليجب عليه البقاء على تقليد الميت وحيث إن الميت يجوّز البقاء والعدول فيعدل إلى الحي بفتوى الميت بالجواز؟

فقد يقال بالمنع عنه نظراً إلى أن معنى حكم الحيّ بوجوب البقاء أن فتوى الميت حجة تعيينية وأن المقلّد ليس له أن يعدل إلى غيره ، كما أن معنى حكم الميت بجواز‌

١٥٢

البقاء أن فتوى الميت حجة تخييرية وأن للمقلّد أن يبقى على تقليده أو يعدل إلى الحي ومن الظاهر أن الحجة التعيينية والتخييرية غير قابلتين للاجتماع ، ولا يمكن أن يقال إن فتوى الميت حجة تعيينية وتخييرية ، لأنه يشبه الجمع بين المتناقضين. إذن لا يعقل أن تشمل فتوى الحي بوجوب البقاء على تقليد الميت لفتوى الميت بجواز البقاء وجواز العدول عنه. بل تختص بسائر المسائل غير تلك المسألة من فتاواه فلا يجوز للعامّي العدول من البقاء على تقليد الميت إلى الحيّ ، هذا والصحيح أن المقلّد له أن يعدل إلى الحي بفتوى الميت بالجواز.

ودعوى أن ذلك يستلزم الجمع بين الحجية التعيينية والتخييرية ، مندفعة بأنه إنما يلزم فيما إذا اتحد نظر الميت والحي فيما هو الموضوع للحكم في مسألة البقاء ، أو أنهما اختلفا في ذلك وكانت دائرة موضوعه عند الحي أوسع منها لدى الميت ، وأما إذا اختلفا في ذلك وكانت دائرة موضوع الحكم عند الميت أوسع منها لدى الحي ، كما إذا أفتى الميت بجواز البقاء مع تعلم الفتوى وإن لم يعمل بها ، وأفتى الحي بوجوب البقاء مع العمل فلا يلزم محذور الجمع بين الحجيتين ، وذلك لأن فتوى الحي بوجوب البقاء قد جعلت فتاوى الميت متصفة بالحجية فيما عمل به المقلّد ، وقد فرضنا أنه عمل بفتوى الميت بالجواز في مسألة البقاء ، وإذا اتصفت فتوى الميت بالحجية في تلك المسألة جاز للمقلّد كل من العدول والبقاء فيما أفتى به المجتهد الميت حتى فيما لم يعمل به وتعلّم حكمه من المسائل.

ومن الظاهر أنه ليس في المسائل الّتي لم يعمل بها المقلّد حال حياة الميت اجتماع الحجيتين ، لأن كون فتوى الميت حجة تعيينية إنما هو في المسائل الّتي عمل بها المقلّد دون ما لم يعمل به ، فليس فيها سوى فتوى الميت بجواز البقاء وهي حجة تخييرية فحسب فأين يلزم في تلك المسائل اجتماع الحجيتين.

على أنه لا مانع من اجتماع الحجية التعيينية والتخييرية في مورد واحد ، فإن الحجية التعيينية إنما ثبتت لفتوى الميت ببركة فتوى الحي بوجوب البقاء بما هي فتوى الميت بمعنى أن الجهات الّتي ساقت الحي إلى الحكم بوجوب البقاء ككون الميت أعلم أو حرمة العدول عنه نظراً إلى أن الموت كمال ، فلا يوجب سقوط فتواه عن الاعتبار على‌

١٥٣

ما ترشدنا إليه السيرة وغيرها أو غيرهما من الجهات إنما دلت على أن فتوى الميت بما هي كذلك حجة تعيينية ، ولا ينافي ذلك كونها حجة تخييرية بلحاظ أن الحجة قامت على جواز العدول وتوسيط فتوى الميت بالجواز.

ونظيره ما إذا أفتى غير الأعلم بوجوب تقليد الأعلم والأعلم أفتى بجواز تقليد غير الأعلم ، فإن فتوى غير الأعلم في نفسها وبعنوان أنها فتواه وإن لم تكن بحجة حتى لو سألناه نفسه عن جواز تقليده لأجاب بعدم الجواز لوجوب تقليد الأعلم عنده ، إلاّ أنها بعنوان أن الحجة قامت على حجيتها والأعلم أفتى بجواز الرجوع إليه متصفة بالحجية من غير أن يكون بين الحكمين أي تهافت ، لأنهما بعنوانين مختلفين وهو من اجتماع عدم الحجية بالعنوان الأولي والحجية بالعنوان الثانوي. وما إذا ذهب الميت إلى أن خبر الثقة حجة في الموضوعات الخارجية كما أنه حجة في الأحكام الشرعية ، وبنى الحي على عدم اعتباره في الموضوعات وأن الحجة فيها هي البينة ، فإن خبر الثقة بما أنه كذلك لا يتصف بالحجية لدى الحي ، إلاّ أنه بعنوان أن الحجة قامت على حجيته وأن الميت أفتى باعتباره ، حجة شرعية لا محالة لأن الحجة قامت على حجيته.

والمتلخص : أنه لا مانع من اجتماع الحجية وعدم الحجية بعنوانين ، فإذا أمكن هذا في تلك الموارد أمكن في محل الكلام أيضاً. إذن لا مانع من أن تكون فتوى الحي بعنوانها الأولي غير متصفة بالحجية وتكون متصفة بالحجية التخييرية بعنوان أن الحجة قامت على حجيتها ، وكذلك الحال في فتوى الميت بأن تتصف بالحجية التعيينية والتخييرية في مورد واحد ، ومعه لا بأس أن يحكم بوجوب البقاء على تقليد الميت في مسألة البقاء لفتوى الحي بوجوبه على تقدير العمل أو التعلم مثلاً ، والمفروض أن المقلّد قد عمل بفتواه هذه أو تعلمها منه حال الحياة فتتصف فتوى الميت بالحجية حتى في مسألة البقاء ويجب عليه أن يبقى على تقليده ، وحيث أنه أفتى بجواز البقاء والعدول إلى الحي فله أن يعدل إلى الحي كما مرّ.

ودعوى أن المجعول في الواقع إما هو الحجية التعيينية أو التخييرية ، فلا يمكن القول بحجية فتوى الميت تعييناً ليترتب عليه الحجية التخييرية ، مما لا يصغي إليه وذلك : أما‌

١٥٤

في المسائل الّتي لم يعمل بها المقلّد أو لم يتعلم حكمها فلوضوح أن الحي إنما يرى وجوب البقاء على تقليد الميت فيما عمل به المقلّد أو تعلّم حكمه دون ما لم يعمل به أو لم يتعلّم حكمه ، فلا مانع في تلك المسائل من الالتزام بجواز البقاء استناداً إلى فتوى الميت الثابتة حجيتها بفتوى الحي كما عرفت.

وأما في المسائل الّتي عمل بها المقلّد أو تعلّم حكمها ، فلأن الحجية الواقعية بما أنها واقعية مما لا أثر له ، إذ الغرض من جعلها إنما هو تنجيز الواقع أو التعذير عنه ، وهذا لا يتحقق إلاّ مع الوصول ، وعليه فمنجز الواقع أو المعذّر عن مخالفته ليس إلاّ فتوى الحي الواصلة إلى المكلف على الفرض ، وبما أنه يرى وجوب البقاء على تقليد الميت وجب على المقلّد أن يرجع إلى فتاواه ، وحيث أنه أفتى بجواز العدول والبقاء فجاز للمكلف أن يعدل إلى الحي بفتوى الميت به ، وإذا عدل إلى الحي فإن كانت الحجية التخييرية هي المجعولة واقعاً فهو ، وأما لو كانت الحجية المجعولة هي التعيينية ، فهي غير واصلة إلى المكلف بل الواصل خلافها لقيام فتوى الميت بجواز البقاء. وفي ظرف عدم وصول الحجية التعيينية لا مانع من جعل الحجية التخييرية بأن تكون الحجة هو ما يختاره المكلف من الفتويين ، لما تقدم من أن الحجية التخييرية غير معقولة إلاّ أن يرجع إلى جعل الحجية على ما يختاره المكلف من الأمرين أو الأُمور.

فتوى الحي بجواز البقاء والميت بوجوبه‌

الصورة الرابعة : وهي ما إذا بنى الحي على جواز البقاء وأفتى الميت بوجوبه ، فهل يجوز للمقلّد أن يرجع إلى فتوى الميت في مسألة البقاء حتى يجب عليه البقاء على تقليد الميت في بقية المسائل الفرعية ، أو أن المقلّد لو رجع إلى تقليد الميت لم يجب عليه البقاء في بقية المسائل؟

الصحيح أن يقال : إن فتوى الحي بجواز البقاء على تقليد الميت وجواز العدول عنه إن كان بمعنى أن فتوى الميت حجة تخييرية وعدلها فتوى الحي ، والمكلف مخيّر بينهما بالمعنى المتقدم في التكلم على الحجية التخييرية بين المجتهدين المتساويين بأن يكون الاختيار في الأخذ بهذا أو بذاك بيد المكلف ، ويكون كل منهما حجة تعيينية بعد‌

١٥٥

الأخذ به والتعبير عنها بالحجية التخييرية إنما هو بمناسبة أن الاختيار بيد المكلف وله أن يأخذ بهذا أو بذاك ، وإذا أخذ بأحدهما كانت حجة تعيينية في حقه ، فليس للمقلّد بعد أن أخذ بفتوى الميت في مسألة البقاء لكونه قد عمل بها في حياته أو تعلّم حكمها أن يعدل إلى الحي ، لأن فتوى الميت قد اتصفت بالحجية التعيينية بأخذها ومعها يجب البقاء في بقية المسائل أيضاً.

وإذا كان فتوى الحي بجواز البقاء بمعنى أن المكلف يتخيّر حدوثاً وبقاءً بين البقاء على تقليد الميت والعدول عنه ، فكما يجوز له أن يعدل إلى الحي بعد موت المجتهد المقلّد أو يبقى على تقليده ، كذلك يجوز له ذلك بعد الأخذ بأحدهما والعمل على طبقه مدّة من الزمان ، جاز للمقلّد العدول إلى الحي وإن رجع إلى الميت في مسألة البقاء لأنه معنى كونه مخيراً بحسب الحدوث والبقاء. وهذا المعنى هو الصحيح وذلك لأن الأخذ بفتوى المجتهد بعد موته وسقوطها عن الحجية بسببه لا يزيد على الأخذ بها في حياته وقبل سقوطها عن الحجية بموته ، فكما أن الأخذ السابق لا يوجب بقاء فتاوى الميت على حجيتها التعيينية بعد موته ، ومن هنا جاز للمقلّد بعد موت المجتهد بل وجب عليه العدول إلى الحي فليكن الأخذ المتأخر عن سقوط فتاواه عن الحجية وموته أيضاً كذلك ، فليس الأخذ بعد موته موجباً لأن يتصف فتاواه بالحجية التعيينية ، فالمقلّد يتخيّر بين العدول والبقاء حدوثاً وبقاءً ومعه إذا رجع إلى الميت في مسألة البقاء ، لم يجب عليه أن يبقى على تقليده في بقية المسائل الفرعية ، بل له أن يعرض عن البقاء في تلك المسألة ويعدل إلى الحي سواء في ذلك بين أن يكون نظر الميت والحي متحدين فيما هو الموضوع للحكم في مسألة البقاء وبين أن يكون مختلفاً فلاحظ ، هذا كلّه في هذه الصور.

اختلاف الحي والميت في مسألة البقاء‌

وأما الصورتان اللّتان وعدنا التعرض لهما بعد الفراغ عن الصور الأربع المتقدمة فهما ما إذا أفتى الحي بجواز البقاء أو بوجوبه وأفتى الميت بحرمته ، فهل للمقلّد أن يبقى على تقليد الميت في مسألة البقاء لحجية فتاواه بفتوى الحي بجواز البقاء أو بوجوبه‌

١٥٦

والمفروض أنه قد عمل بها حال حياة المجتهد الميت أو أنه تعلّم حكمها ، ليلزم من بقائه على تقليده في تلك المسألة حرمة البقاء على تقليده ، أو أن المقلّد ليس له البقاء على تقليده في مسألة البقاء ، ويجوز له أو يجب عليه البقاء على تقليده في بقية المسائل الفرعية؟ وبعبارة اخرى تجويز الحي أو إيجابه البقاء على تقليد الميت هل يشمل مسألة البقاء أيضاً حتى يلزم منه حرمة البقاء في بقية المسائل أو لا يشملها ، فله أن يبقى على تقليد الميت في بقية المسائل؟

الثاني هو الصحيح لأنه لا مانع من البقاء على تقليد الميت في المسائل الفرعية غير مسألة البقاء والوجه فيه : أن فتاوى الميت قد سقطت عن الحجية بموته فلا تتصف بالاعتبار ، إلاّ إذا أفتى الحي بحجيتها التخييرية كما إذا جوّز البقاء على تقليده أو التعيينية كما إذا أوجبه ، وفتوى الميت بحرمة البقاء لا يمكن أن تتصف بالحجية في مسألة البقاء بفتوى الحي بجواز البقاء أو بوجوبه ، لأن شمول تجويز الحي أو إيجابه لفتوى الميت بحرمة البقاء ، يستلزم عدم شموله لها ويلزم من حجية فتوى الميت عدم حجيتها ، وما استلزم فرض وجوده عدمه فهو محال. والوجه في هذا الاستلزام أن الميت يفتي بحرمة البقاء ، فلو كانت فتواه هذه حجة شرعية بأن شملتها فتوى الحي بجواز البقاء لزم منها عدم حجية فتاواه الّتي منها فتواه بحرمة البقاء. إذن لا يمكن أن تشمل فتوى الحي بالجواز أو الوجوب لفتوى الميت بحرمة البقاء ، وهذا بخلاف سائر فتاواه ، فإنه لا محذور في حجيتها بشمول فتوى الحي لها ، هذا.

على أنّا لا نحتمل شمول فتوى الحي بجواز البقاء أو بوجوبه لفتوى الميت بحرمته وذلك لأن في الواقع ومقام الثبوت لا يخلو إما أن يكون البقاء على تقليد الميت محرّماً لارتفاع حجية فتاواه بموته ، وإما أن يكون جائزاً بالمعنى الأعم ولا تكون حجية فتاواه ساقطة بموته ولا ثالث ، فإن كان البقاء محرّماً واقعاً كانت فتوى الحي بجواز البقاء مخالفة للواقع ومعه لا تتصف بالحجية الشرعية لمخالفتها للواقع على الفرض وإذا سقطت فتوى الحي عن الحجية لم تكن فتوى الميت بحرمة البقاء حجة بوجه لسقوط فتاواه عن الحجية بموته ، وإنما تتصف بالاعتبار إذا أفتى الحي بحجيتها وقد فرضنا أنها ساقطة عن الحجية لمخالفتها للواقع ، فهي غير معتبرة في نفسها فما ظنك بأن تكون‌

١٥٧

موجبة لحجية فتوى الميت بحرمة البقاء. وأما إذا كان جائزاً بحسب الواقع ففتوى الحي بجواز البقاء مطابقة للواقع إلاّ أن فتوى الميت بحرمة البقاء مخالفة له فلا تكون حجة بوجه. إذن لنا علم تفصيلي بعدم حجية فتوى الميت بحرمة البقاء سواء أكانت مطابقة للواقع أم مخالفة له وفتوى الحي بجواز البقاء بالمعنى الأعم غير محتملة الشمول لفتوى الميت بحرمة البقاء ، ومع عدم احتمال حجيتها بحسب الواقع ومقام الثبوت كيف يعقل أن يشملها دليل الحجية وهو فتوى الحي في مقام الإثبات.

ونظير ذلك ما ذكرناه في التكلم على حجية الخبر من أن الخبر الواحد إذا دلّ على عدم حجية الخبر الواحد ، لم تشمله الأدلة القائمة على حجية الخبر ، لأنه يلزم من شمولها له وحجيته عدم شمولها له وعدم حجيته. على أنّا لا نحتمل حجيته بحسب الثبوت ، لأنه لا يخلو إما أن لا يكون الخبر الواحد حجة شرعاً وإما أن يكون حجة ولا ثالث ، فعلى الأول لا حجية للخبر النافي لحجية الخبر لما فرضناه من عدم حجية الخبر واقعاً وهو أيضاً خبر واحد فلا يثبت به مدلوله ، وعلى الثاني أيضاً لا يتصف النافي بالحجية لأنه على خلاف الواقع لما فرضناه من حجية الخبر واقعاً ، فعلى كلا التقديرين لا حجية للخبر النافي لحجيته والأدلة غير شاملة له في مرحلة الإثبات بعد عدم احتمال حجيته في مرحلة الثبوت.

وببيان أوضح وأحسن أن معنى فتوى الحي بجواز البقاء بالمعنى الأعم أن المقلّد له أن يبقى على تقليد الميت في المسائل الفرعية ، كما أن معناها عدم جواز البقاء على تقليد الميت في مسألة البقاء ، ولا يعقل أن تشمل فتوى الحي بالجواز كلتا المسألتين أعني مسألة البقاء وسائر المسائل ، لوضوح أنها إن شملت لمسألة حرمة البقاء فمعناها عدم جواز البقاء على تقليد الميت في بقية المسائل فإن الميت أفتى بحرمة البقاء ، وإن شملت بقية المسائل الفرعية فمعناها عدم جواز البقاء على تقليد الميت في مسألة البقاء وإلاّ حرم عليه البقاء في بقية المسائل.

ففتوى الحي بالجواز إما أن تشمل مسألة البقاء فحسب ، وإما أن تشمل سائر المسائل الفرعية ولا يمكن الجمع بينهما في الشمول إلاّ أن فتوى الحي بحجية فتوى‌

١٥٨

الميت لا يمكن أن تشمل مسألة البقاء وذلك لاستحالته في نفسه ، وذلك لأن احتمال المطابقة للواقع معتبر في حجية الحجج لوضوح أن حجيتها لا تجامع القطع بمخالفتها للواقع ، ولا يحتمل أن تكون فتوى الميت بحرمة البقاء مطابقة للواقع وتكون فتوى الحي بحجية فتوى الميت شاملة لمسألة البقاء ، لأن البقاء على تقليد الميت إما أن يكون محرّماً في الواقع وإما أن يكون جائزاً ، فعلى الأول لا يمكن البقاء على تقليد الميت في مسألة البقاء لأنه أمر محرّم واقعاً ، وفتوى الحي بجوازه ساقطة عن الحجية لمخالفتها للواقع على الفرض ، وعلى الثاني تسقط فتوى الميت بحرمة البقاء عن الحجية لمخالفتها للواقع. وإذن لنا علم تفصيلي بسقوط فتوى الميت بحرمة البقاء عن الحجية على كلا التقديرين ، وأن فتوى الحي بالجواز غير شاملة لمسألة البقاء. وإذا فرضنا أن فتوى الحي لم تشمل مسألة البقاء فلا مانع من أن تشمل البقاء على تقليد الميت في سائر المسائل كما لعلّه ظاهر.

ثمّ إن بما ذكرناه اتضح الفرق بين هذه المسألة ومسألة ما إذا أفتى الميت بوجوب البقاء والحي بجوازه ، وحاصل الفرق أنه لا يمكن الجمع بين حرمة البقاء على فتوى الميت وجواز البقاء عليها ، فإذا أفتى الميت بحرمة البقاء وأفتى الحي بجوازه لم يكن البقاء على تقليد الميت في هذه المسألة من جهة فتوى الحي بالجواز ، وهذا بخلاف ما إذا أفتى الميت بوجوب البقاء ، وأفتى الحي بجوازه ، فإنه لا مانع من الجمع بينهما ونتيجة ذلك أن يتخيّر المكلف بين العدول من الميت إلى الحي ، لأن فتوى الميت بالوجوب كسائر فتاواه قد سقطت عن الحجية بموته ، وأن يبقى على تقليد الميت حتى في فتواه بوجوب البقاء ونتيجته أن تكون فتوى الميت حجة تعيينية من جهة اختيار المقلّد والتزامه. نعم ، إذا قلنا بأن فتوى الحي بجواز البقاء مرجعها إلى التخيير الاستمراري ، وأن المقلّد متى ما أراد الرجوع إلى الحي جاز له ذلك ، لم يمكن البقاء على تقليد الميت في حكمه بوجوب البقاء ، فإن معنى الحكم بوجوبه عدم جواز الرجوع عنه إلى الحي وهذا لا يجتمع مع فتوى الحي بجواز البقاء والرجوع مستمراً.

١٥٩

[١٦] مسألة ١٦ : عمل الجاهل المقصّر الملتفت باطل وإن كان مطابقاً (*) للواقع (١).

______________________________________________________

حكم عمل الجاهل المقصِّر والقاصر

(١) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

أحدهما : أن الجاهل يستحق العقاب على أعماله إذا لم تكن مطابقة للواقع ، بل مطلقاً أو لا يستحق عليها العقاب؟

وثانيهما : أن أعمال الجاهل القاصر أو المقصّر صحيحة أو باطلة؟

أما المقام الأول : فلا ينبغي التردد في أن الجاهل القاصر لا يستحق العقاب على شي‌ء من أعماله سواء أكانت مطابقة للواقع أم مخالفة له ، كما إذا استند إلى أمارة شرعية أو فتوى من يجوز تقليده وكانتا مخالفتين للواقع ، وذلك لقصوره وقتئذٍ لاستناده في أعماله إلى الحجة الشرعية على الفرض.

وأما الجاهل المقصّر فهو على عكس الجاهل القاصر يستحق العقاب على أعماله إذا كانت مخالفة للواقع ، وذلك لأنه قد قصّر في الفحص والسؤال وخالف الواقع من غير أن يستند فيه إلى حجة شرعية. بل الأمر كذلك حتى إذا كان عمله المخالف للواقع مطابقاً لفتوى من يجب عليه تقليده في ظرف العمل أو في زمان الرجوع إليه ، فإن الحجة بوجودها الواقعي غير كافية في المعذورية وعدم استحقاق العقاب على مخالفة الواقع ، بل إنما تكون معذّرة فيما إذا استند إليها المكلف في عمله ، والاستناد إلى الحجة مفروض العدم في محل الكلام. بل يمكن الالتزام باستحقاق المقصّر العقاب حتى إذا كان عمله مطابقاً للواقع إلاّ أنه يختص بما إذا كان ملتفتاً حال العمل ، وذلك لأنه مع الالتفات واحتمال صحة العمل وفساده ، إذا أتى به غير مبال بمخالفته للواقع لكان ذلك مصداقاً بارزاً للتجري القبيح ، وبذلك يستحق العقاب على عمله وإن كان مطابقاً للواقع.

__________________

(*) الظاهر هو الصحة في هذا الفرض.

١٦٠