بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

يومين ، وألحق بإخواني من الانبياء من قبلي فراده الله تعالى الكوثر ، وأعطاه الشفاعة ، وذلك أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة ، ووعده المقام المحمود ، فإذا كان يوم القيامة أقعده الله تعالى على العرش فهذا أفضل مما اعطي سليمان ابن داود عليه‌السلام.

قال له اليهودي : فإن هذا سليمان قد سخرت له الرياح فسارت به في بلاده غدو ها شهر ورواحها شهر فقال له علي عليه‌السلام لقد كان كذلك ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله اعطي ما هو أفضل من هذا إنه اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى مسيرة شهر ، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقل من ثلث ليلة حتى انتهى إلى ساق العرش فدنا بالعلم فتدلى ، فدلي له من الجنة رفرف أخضر و غشى النور بصره فرأى عظمة ربه عزوجل بفؤاده ولم يرها بعينه فكان كقاب قوسين بينها وبينه أوأدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوحى ، فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة قوله تعالى : « لله ما في السموات وما في الارض وإن تبدوا ما في أنفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير » وكانت الآية قد عرضت على الانبياء من لدن آدم عليه‌السلام إلى أن بعث الله تبارك اسمه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعرضت على الامم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها ، وقبلهارسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعرضها على امته فقبلوها ، فلما رأى الله تبارك وتعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها ، فلما أن صار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه فقال : « آمن الرسول بما انزل إليه من ربه » فأجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله مجيبا عنه وعن امته فقال « والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله » فقال جل ذكره : لهم الجنة والمغفرة علي إن فعلوا ذلك.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أمال إذا فعلت بنا ذلك « فغفر انك ربنا وإليك المصير » يعني المرجع في الآخرة قال : فأجابه الله جل ثناؤه : وقد فعلت ذلك بك وبا متك

ثم قال عزوجل : أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الامم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها امتك فحق علي أن أرفعها عن أمتك. فقال :

٤١

« لايكلف الله نفسا إلا وسعها لها ماكسبت » من خير « وعليها ما اكتسبت » من شر فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما سمع ذلك : أما إذفعلت ذلك بي وبامتي فزدني قال سل. قال : « ربنالا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا » قال الله عزوجل : لست اواخذ امتك بالنسيان والخطا لكرامتك علي ، وكانت الامم السالفة إذانسواماذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت ذلك عن امتك ، وكانت الامم السالفة إذا أخطؤوا اخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه وقد رفعت ذلك عن امتك لكرامتك علي.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم إذ أعطيتني ذلك فزدني فقال الله تعالى له : سل قال : « ربنا ولاتحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا » يعني بالاصرالشدائد التي كانت على من كان قبلنا فأجابه الله إلى ذلك فقال تبارك اسمه : قد رفعت عن امتك الاصار التي كانت على الامم السالفة كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع من الارض معلومة اخترتها لهم وإن بعدت وقد جعلت الارض كلها لا متك ، مسجدا وطهورا ، فهذه من الآصارالتي كانت على الامم قبلك فرفعتها عن امتك ، وكانت الامم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوها من أجسادهم ، وقد جعلت الماء لامتك طهورا ، فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك ، وكانت الامم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا فأكلته فرجع مسرورا ، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبورا(١) وقد جعلت قربان امتك في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة ، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا ، وقد رفعت ذلك عن امتك وهي من الآصار التي كانت على من كان قبلك ، وكانت الامم السالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار ، وهي من الشدائد التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك و فرضت عليهم صلواتهم في أطراف الليل والنها وفي أوقات نشاطهم ، وكانت الامم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك وجعلتها خمسا في خمسة أوقات وهي إحدى وخمسون ركعة ، و

__________________

(١) ثبره : خيبه

٤٢

جعلت لهم أجر خمسين صلاة وكانت الامم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة وهي من الآصارالتي كانت عليهم فرفعتها عن امتك وجعلت الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة ، وكانت الامم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثم لم يعملها لم تكتب له وإن عملها كتبت له حسنة ، وإن امتك إذاهم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له عشرا وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك ، و كانت امم السالفة إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه وإن عملها كتبت عليه سيئة ، وإن امتك إذا هم أحدهم بسية ثم لم يعملها كتبت له حسنة ، وهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعت ذلك عن امتك ، وكانت الامم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم وجعلت توبتهم من الذنوب أن حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم ، وقدرفعت ذلك عن امتك وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم ، وجعلت عليهم ستورا كثيفة ، وقبلت توبتهم بلاعقوبة ، ولا اعاقبهم بأن احرم عليهم أحب الطعام إليهم ، وكانت الامم السالفة يتوب أحدهم من الذنب الواحد(١) مائة سة أوثمانين سنة أوخمسين سنة ثم لا أقبل توبته دون أن اعاقبه في الدنيا بعقوبة وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك وإن الرجل من امتك ليذنب عشرين سنة أوثلاثين سنة أو أربعين سنة أومائة سنة ثم يتوب ويندم طرفة العين فأغفر له ذلك كله.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم إذ أعطيتني ذلك كله فزدنى قال سل قال : « ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به » فقال تبارك اسمه : قدفعلت ذلك بامتك ، وقد رفعت عنهم عظم بلا يا الامم ، وذلك حكمي في جميع الامم أن لا اكلف خلقا فوق طاقتهم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « واعف عنا واغفرلنا وارحمنا أنت مولانا ».

قال الله عزوجل : قد فعلت ذلك بتائبي « بناجي خ ل » امتك ثم قال : « فانصرنا على القوم الكافرين » قال الله عز اسمه : إن امتك في الارض كالشامة البيضاء في الثور الاسود ، هم القادرون وهم القاهرون ، يستخدمون ولا يستخدمون لكرامتك

__________________

(١) في المصدر : يتوب احدهم إلى الله من الذنب الواحد.

٤٣

علي وحق علي أن اظهردينك على الاديان حتى لايبقي في شرق الارض وغربها دين إلادينك ، أو يؤدون ألى أهل دينك الجزية

قال له اليهودي : فإن هذا سليمان عليه‌السلام سخرت له الشياطين ، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل قال له علي عليه‌السلام لقد كان كذلك ، ولقد اعطي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من هذا ، أن الشياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها ، وقدسخرت لنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الشياطين بالايمان فأقبل إليه الجن التسعة من أشرافهم من جن نصيبين واليمن من بني عمروبن عامر(١) من الاحجة منهم : شضاة ، ومضاة ، (٢) و الهملكان ، والمرزبان ، والمازمان ، ونضاة ، وهصب ، وهاضب(٣) وعمرو ، وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم : « وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن » وهم التسعة « يستمعون القرآن » فأقبل إليه الجن والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ببطن النخل فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفا منهم فبايعوه على الصوم والصلاة والز كاة والحج والجهاد ونصح المسلمين ، فاعتذروابأنهم قالوا على الله شططا وهذا أفضل مما اعطي سليمان سبحان من سخرها لنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدأن كانت تتمرد وتزعم أن لله ولدا ، فلقد شمل مبعثة من الجن والانس مالا يحصى.

قال له اليهودي : فهذا يحيى بن زكريا يقال : إنه اوتي الحكم صبيا والحلم والفهم ، وإنه كان يبكي من غير ذنب ، وكان يواصل الصوم

قال له علي عليه‌السلام لقد كان كذلك ، محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله اعطي ماهو أفضل من هذا إن يجيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهلية ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله اوتي الحكم و الفهم صبيا بين عبدة الاوثان وحزب الشيطان ولم يرغب لهم في صنم قط ، ولم ينشط لاعيادهم ، ولم يرمنه كذب قط صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان أمينا صدوقا حليما ، وكان يواصل صوم

__________________

(١) في المصدر : فاقبل إليه من الجن التسعة من أشرافهم ، واحد من جن نصيبين والثمان من بنى عمروبن عامر

(٢) في هامش المصدر : شصاة ومصاة خ ل.

(٣) في المصدر : وهاضب وهضب.

٤٤

الاسبوع والآقل واكثر ، فيقال في ذلك فيقول : إني لست كأحدكم ، إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني ، وكان يبكي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يبتل مصلاه خشية من الله عز وجل من غير جرم.

قال له اليهودي : فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون أنه تكلم في المهد صبيا. قال له علي عليه‌السلام : لقدكان كذلك ، ومحمد (ص) سقط من بطن امه واضعا يده اليسرى على الارض ، ورافعا يده اليمنى إلى السماء يحرك شفتيه بالتوحيد ، ويدامن فيه نور رأى أهل مكة منه قصور بصرى من الشام ومايليها ، والقصور الحمر من أرض اليمن ومايليها ، والقصور البيض من إصطخر ومايليها ، ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى فزعت الجن والانس والشياطين وقالوا : حدث في الارض حدث ، ولقد رئيت الملائة ليلة ولد تصعد وتنزل وتسبح وتقدس ، وتضطرب النجوم وتتساقط علامة لميلاده ، ولقد هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الا عاجيب في تلك الليلة ، وكان له مقعد في السماء الثالثة ، والشياطين يسترقون السمع فلما رأوا الا عاجيب أرادوا أن يستر قوا السمع فإذا هموا قد حجبوا من السماوات كلها و رموا بالشهب دلالة لنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه قد أبرأ الا كمه والابرص بإذن الله عزوجل فقال له علي عليه‌السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعطي ماهو أفضل من ذلك أبرأ ذا العاهة من عاهته ، فبينما هوجالس صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا : يا رسول الله إنه قد صار من البلاء ، كهيئة الفرخ لاريش عليه فأتاه عليه‌السلام فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء ، فقال : قاكنت تدعوفي صحتك دعاء؟ قال : نعم ، كنت أقول : يارب أيما عقوبة معاقبي بها في الآخرة فعجلها لي في الدنيا.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الا قلت : « اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار »؟ فقالها فكأنما نشط من عقال(١) وقال صحيحا وخرج معنا. ولقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطع من الجذام فشكا إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذ قدحا من ماء

__________________

(١) أى اطلق من عقال.

٤٥

فتفل فيه ثم قال : امسح به جسدك ففعل فبرئ لم يوجد فيه شئ ولقد أتى أعرابي أبرص(١) فتفل من فيه عليه فما قام من عنده إلا صحيحا ولئن زعمت أن عيسى عليه‌السلام أبرأ ذوي العاهات من عاهاتهم فإن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو في بعض أصحابه إذا هو بامرأة فقالت : يارسول الله إن ابني قد أشرف على حياض الموت ، كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقمنا معه فلما أتيناه قال له : جانب يا عدوالله ولي الله فأنا رسول الله ، فجانبه الشيطان فقام صحيحا وهو معنافي عسكرنا ، ولئن زعمت أن عيسى عليه‌السلام أبرأ العميان فإن محمدأ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ما هو أكثر من ذلك ، (٢) إن قتادة بن ربعي كان رجلا صبيحا فلما أن كان يوم احد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته فأخذها بيده ، ثم أتى بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله إن امر أتي الآن تبغضني ، فأخذها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من يده ثم وضعها مكانها فلم تكن تعرف إلا بفضل حسنها وفضل ضوئها على العين الاخرى

ولقد جرح عبدالله بن عتيك وبانت يده يوم ابن أبي الحقيق فجاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلا فمسح عليه يده ، (٣) فلم تكن تعرف من اليد الاخرى ولقد أصاب محمدبن مسلمة يوم كعب بن الا شرف مثل ذلك في عينه ويده ، فمسحه رسول الله فلم تستبينا.

ولقد إصاب عبدالله بن أنيس مثل ذلك في عينه فمسحها فما عرفت من الاخرى. فهذه كلها دلالة لنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال له اليهودي : فإن عيسى بن مريم يزعمون أنه قد أحيى الموتى بإذن الله تعالى. قال له علي عليه‌السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله سبحت في يده تسع حصيات تسمع نغماتها في جمودها ولاروح فيها لتمام حجة نبوته ولقد كلمته الموتى من بعد موتهم واستغاثوه مما خافوا من تبعته ولقد صلى بأصحابه ذات يوم فقال : ماههنا

__________________

(١) في المصدر : ولقد اتى النبي ص باعربى ابرص.

(٢) في المصدر : قد فعل أكبر من ذلك.

(٣) في المصدر : وبانت يده يوم حنين فجاء إلى النبى ص فمسح عليه يده.

٤٦

من بني النجار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي؟ وكان شهيدا.

ولئن زعمت أن عيسى عليه‌السلام كلم الموتى فلقد كان لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ماهو أعجب من هذا ، إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما نزل بالطائف وحاصرأهلها بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية « مطبوخة خ ل » بسم فنطق الذراع منها فقالت : يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة ، فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله عزوجل على المنكرين لنبوته ، فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشي ، ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو بالشجرة فتجيبه ، وتكلمه البهيمة ، وتكلمه السباع وتشهدله بالنبوة وتحذرهم عصيانه ، فهذا أكثر مما اعطي عيسى عليه‌السلام.

قال له اليهودي : إن عيسى يزعمون أنه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. قال له علي عليه‌السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل ماهو أكثر من هذا ، إن عيسى عليه‌السلام أنبأ قومه بما كان من وراء حائط ، ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنبأ عن مؤتة وهو عنها غائب ، ووصف حربهم ومن استشهد منهم ، وبينه وبينهم مسيرة شهر.

وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شئ فيقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : تقول أوأقول؟ فيقول : بل قل يا رسول الله فيقول : جئتني في كذا وكذا حتى يفرغ من حاجته.

ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتي لايترك من أسرارهم شيئا ، منها ماكان بين صفوان بن امية وبين عميربن وهب إذا أتاه عمير فقال : جئت في فكاك ابني فقال له : كذبت بل قلت لصفوان وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر : والله للموت خير لنا من البقاء(١) مع ماصنع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بنا ، وهل حياة بعد أهل القليب؟ فقلت أنت : لولا عيالى ودين علي لارحتك من محمد فقال صفوان : علي أن أقضي دينك وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن من خير أوشر. فقلت أنت : فاكتمها علي وجهزني حتى أذهب فأقتله ، فجئت لتقتلني فقال : صدقت يا رسول الله ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله. وأشباه هذا مما لايحصى.

__________________

(١) في المصدر : وقلتم : والله للموت أهون علينا من البقاء.

٤٧

قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه خلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله عزوجل فقال له علي عليه‌السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ماهو شبيه بهذا أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله للحجر : انفلق فانفلق ثلاث فلق ، نسمع لكل فلقة منها تسبيحا لايسمع للاخرى.

ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته ولكل غصن منها تسبيح وتهليل و تقديس ، ثم قال لها : انشقي فانشقت نصفين ، ثم قال لها : التزقي فالتزقت ، ثم قال لها : اشهدي لي بالنبوة فشهدت ، ثم قال لها : ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت ، وكان موضعها بجنب الجزارين بمكة.

قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه كان سياحا. فقال له علي عليه‌السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت سياحته في الجهاد ، واستنفر في عشر سنين مالا يحصى من حاضر وباد ، وأفنى فئاما عن العرب من منعوت بالسيف ، لايداري بالكلام ولا ينام إلا عن دم ، ولايسافر إلا وهو متجهز لقتال عدوه.

قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه كان زاهدا. قال له علي عليه‌السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أزهد الا نبياء عليهم‌السلام كان له ثلاث عشرة زوجة سوى من يطيف به من الاماء مارفعت له مائدة قط وعليها طعام ، وما أكل خبز بر قط ، ولاشبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط ، توفي ودرعه مر هونة عند يهودي بأربعة دراهم ، ماترك صفراء ولابيضاء مع ماوطئ له من البلاد ومكن له من غنائم العباد ، ولقد كان يقسم في اليوم الواحد ثلاث مائة ألف وأربعمائة ألف ، ويأتيه السائل بالعشي فيقول : و الذي بعث محمدا بالحق ما أمسى في آل محمد صاع من شعير ولاصاع من بر ولادرهم ولادينار.

قال له اليهودي : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله رسول الله وأشهد أنه ما أعطى الله نبيا درجة ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزاد محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله على الانبياء صلوات الله عليهم أضعاف درجة.

٤٨

فقال ابن عباس لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام : أشهد يا أبا الحسن أنك من الراسخين في العلم فقال : ويحك ومالي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه الله تعالى في عظمته جلت فقال : « وإنك لعلى خلق عظيم » (١)

ايضاح : المقة بكسر الميم : المحبة والتهافت : التساقط والشيح بالكسر : نبت تنبت بالبادية قوله صلوات الله عليه : « ومراتع البقع » البقع بالضم جمع الابقع وهو ما خالطا بياضه لون آخر ، ولعل المراد الغراب الابقع فإنه يفر من الناس و يرتع في البوادي ويحتمل أن يكون في الاصل البقيع أولفظ آخر ، والظاهر أن فيه تصحيفا.

قوله : « بحجب ثلاثة » لعل المراد البطن والرحم والمشيمة حيث أخفى حمله عن نمرود ، أوفي الغار بثلاثة حجب ، أوأحدها عند الحمل والثاني في الغار والثالث في النار والمقمح : الغاض بصره بعد رفع رأسه ، واختلف في تفسير الآية فقيل : إنه مثل ضربه الله تعالى للمشركين في إعراضهم عن الحق فمثلهم كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه لا يمكنه أن يبسطهما إلى خير ، ورجل طامع برأسه لايبصر موطئ قدميه : وقيل : إن المعني بذلك ناس من قريش هموا بقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصاروا هكذا وهذا الخبر يدل على الاخير والسبع الطوال على المشهور من البقبرة إلى الاعراف ، و السابعة سورة يونس أوالا نفال وبرأة جميعا ، لانهما سورة واحدة عند بعض والمراد هنا مايبقى بعد إسقاط البقرة والمائدة وبراءة

وقوله : « والقرآن العظيم » اريد به بقية القرآن ، أوالمرادبه الفاتحة أيضا وقوله : « واعطي الكتاب » إشارة إلى البقية

قوله : عليه‌السلام : « في هذا الاسم » يحتمل أن يكون المعنى أن اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله يدل على أن الله تعالى ألقى محبته على العباد لدلالته على كونه محمودا في السماء والارض ، أويكون المراد بالاسم الذكر ، فكثيرا مايطلق عليه مجازا ، أوأن قوله : « إذتم » في قوة البدل

__________________

(١) الاحتجاج : ١١١ ـ ١٢٠ وفيه : من استعظمه الله عزوجل في عظمته فقال جلت عظمته : « وانك لعلى خلق عظيم ».

٤٩

من الاسم ، والحاصل أنه من الذي يشر كه في أن لايتم الشهادة لله بالوحدانية إلا بذكر اسمه والشهادة له بالنبوة؟ كل هذا إذا قرئ « من » بالفتح ، وبمكن أن يقرء بالكسر فيوجه بأحد الوجهين الا خيرين والنبل : السهام العربية ويقال : رشت السهم : إذا ألزقت عليه الريش والشظية : الفلقه من العصا ونحوها والا كحل : عرق في اليد يفصد.

قوله : « وروي » الظاهر أنه كلام الطبرسي رحمه‌الله أدخله بين الخبر قوله : أن يبعجوا بفتح العين أي أن يشقوا والشدخ : كسر الشي الاجوف أي شدخت رأسه به ويقال : فغر فاه ، أي فتحه.

قوله : « وحتى التفت خواصر الخيل » أي جنبتاها من شدة العطش قوله عليه‌السلام : « وجعلها غارا » يدل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الغار أحدث الغار ودخل فيه ولم يكن ثمة غار ، وأما صخرة بيت المقدس فكان ليلة المعراج

وأما قوله : « قدرأينا ذلك والتمسناه تحت رايته » أي رأينا تحت رايته عليه الصلاة والسلام أمثال ذلك كثيرا والمراد بالراية العلامة أي رأى بعض الصحابة ذلك تحت علامته في بيت المقدس ، ويلوح لي أن فيه تصحيفا ، وكان في الاصل « وجعلها هارا » فيكون إشارة إلى ماسيأتي في أبواب معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله أن في غزوة الا حزاب بلغوا إلى أرض صلبة لا تعمل فيها المعاول ، فصب صلى‌الله‌عليه‌وآله عليها ماء فصارت هائرة متساقطة فقوله : « قدرأينا ذلك » إشارة إلى هذا

وقال الجزري : فيه : « إنه كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء » أي خنين من الجوف بالخاء المعجمة وهو صوت البكاء ، وقيل : هوأن يجيش جوفه ويغلي بالبكاء انتهى(١) والمرجل كمذبر : القدر والا ثافي : الاحجار يوضع عليها القدر والرفرف : ثياب خضر يتخذ منها المحابس وتبسط ، وكسرالخباء ، وجوانب الدرع وما تدلى منها ، وما تدلى من أغصان الايكة(٢) وفضول المحابس والفرش وكل ما

__________________

(١) النهاية : باب الهمزة مع الزاى.

(٢) في المصدر : وماتهدل من اغصان الايكة.

٥٠

فضل فثنى والفراش ، ذكرها الفيروز آبادي.(١)

قوله عليه‌السلام : « فكان فيما أوحى إليه » لعل المعنى أنه كانت تلك الآية فيما أوحى الله إليه قبل تلك الليلة ليتأتى تبليغها امته وقبولهم لها ، فيكون ذكرها لبيان سبب ما أوحى إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الوقت ، ويحتمل أن يكون التبليغ إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام من ذلك المكان في تلك الليلة قبل الوصول إلى ساق العرش ، ويحتمل أن يكون التبليغ بعد النزول ويكون قوله : « فلما رأى الله تعالى منهم القبول » أي علم الله منهم أنهم سيقبلونها. والاول أظهر. والثبور : الهلاك والخسران.

قوله عليه‌السلام : من الاحجة جمع حجيج بمعنى مقيم الحجة على مذهبه ، وفي بعض النسخ : من الاجنحة ، أي الرؤساء ، أواسم قبيلة منهم. قوله عليه‌السلام : « وشي » أي بعد ما كان مشويا مطبوخا. ومؤتة بضم الميم وسكون الهمزة وفتح التاء : اسم موضع قتل فيها جعفر بن أبى طالب ، وسيأتي قصته وكيف أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن شهادته و غيرها ، والفئام بالكسر مهموزا : الجماعة الكثيرة كما ذكره اللغويون ، وقد فسرفي بعض أخبارنا بمائة ألف.

قوله عليه‌السلام : « مع ماوطئ له من البلاد » على بناء المجهول من باب التفعيل ، أي مهد وذلل ويسر له فتحها والاستيلاء عليها ، من قولهم : فراش وطئ أي لا يؤذي جنب النائم.

قوله عليه‌السلام : « جلت » معترضة ثنائية ، أى جلت عظمته عن البيان ، والاظهرأنه كان في الاصل « حيث قال » (٢) فصحف ، وكذا الاظهر أن قوله : « نفس » تصحيف نعت أو وصف.

__________________

(١) القاموس المحيط : فصل الراء من الفاء.

(٢) قد عرفت صحيحه من المصدر.

٥١

(باب ٣)

* (احتجاجاته صلوات الله عليه على النصارى) *

١ ـ ج : روي أنه وفد وفد من بلادالروم إلى المدينة على عهد أبي بكر وفيهم راهب من رهبان النصارى ، فأتى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه بختي موقر ذهبا و فضة ، وكان أبوبكر حاضرا وعنده جماعة من المهاجرين والانصار فدخل عليهم و حياهم ورحب بهم وتصفح وجوههم(١) ثم قال : أيكم خليفة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيكم وأمين دينكم؟ فاومئ إلى أبي بكر فأقبل عليه بوجهه.

ثم قال : أيها الشيخ ما اسمك؟ قال : اسمي عتيق قال : ثم ماذا؟ قال : صديق قال : ثم ماذا؟ قال : ما أعرف لنفسي اسماغيره ، قال : لست بصاحبي فقال له : وما حاجتك؟ قال : أنا من بلاد الروم جئت منها ببختي موقرا ذهبا وفضة لاسأل أمين هذه الامة عن مسألة ، إن أجابني عنها أسلمت ، وبما أمرني أطعت ، وهذا المال بينكم فرقت ، وإن عجز عنها رجعت إلى الوراء بمامعي ولم أسلم.

فقال له أبوبكر : سل عما بدالك فقال الراهب : والله لا أفتح الكلام مالم تؤمني من سطوتك وسطوة أصحابك فقال أبوبكر : أنت آمن وليس عليك بأس قل ما شئت فقال الراهب : أخبرني عن شئ ليس لله ، ولا من عندالله ولا يعلمه الله فارتعش أبوبكر ولم يحر جوابا فلما كان بعد هنيئة قال لبعض أصحابه : ايتني بأبي حفص فجاء به فجلس عنده ثم قال : أيها الراهب اسأله ، فأقبل الراهب بوجهه إلى عمر وقال له مثل ماقال لابي بكر فلم يحر جوابا ثم اتي بعثمان فجرى بين الراهب وبين عثمان ماجرى بينه وبين أبي بكر وعمر فلم يحر جوابا فقال الراهب : أشياخ كرام ذووارتاج لاسلام ، (٢) ثم نهض ليخرج فقال أبوبكر : ياعدوالله لولا العهد لخضبت الارض بدمك.

__________________

(١) حياهم : قال لم : حياكم الله أى أطال عمركم : رحب بهم : دعاهم إلى الرحب وقال لهم : مرحبا تصفح وجوههم أى تأمل وجوههم ليتعرف أمرهم

(٢) في المصدر : ذووافجاج لاسلام.

٥٢

فقام سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه وأتى علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو جالس في صحن داره مع الحسن والحسين عليهما‌السلام وقص عليه القصة ، فقال علي عليه‌السلام فخرج ومعه الحسن والحسين عليهما‌السلام حتى أتى المسجد ، فلما رأى القوم عليا عليه‌السلام كبروا الله وحمدوا الله وقاموا إليه بأجمعهم ، فدخل علي عليه‌السلام وجلس ، فقال أبوبكر : أيها الراهب سائله(١) فإنه صاحبك وبغيتك.

فأقبل الراهب بوجهه إلى علي عليه‌السلام ثم قال : يا فتى ما اسمك؟ فقال : اسمي عند اليهود إليا ، وعند النصارى إيليا ، وعند والدي علي ، وعند امي حيدرة. فقال : ما محلك من نبيكم؟ قال : أخي وصهري وابن عمي.(٢) قال الراهب : أنت صاحبي ورب عيسى ، أخبرني عن شئ ليس لله ، ولا من عندالله ، ولايعلمه الله.

قال علي عليه‌السلام : على الخبير سقطت ، أما قولك : ماليس لله فإن الله تعالى أحد ليس له صاحبة ولا ولد. وأما قولك : ولا من عندالله فليس من عندالله ظلم لاحد. وأما قولك : لايعلمه الله لايعلم له شريكا في الملك.

فقام الراهب وقطع زناره وأخذ رأسه وقبل ما بين عينيه ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهدأن محمد رسول الله ، وأشهد أنك الخليفة وأمين هذه الامة ، ومعدن الدين والحكمة ، ومنبع عين الحجة لقد قرأت اسمك في التوراة إليا ، وفي الا نجيل إيليا وفي القرآن عليا وفي الكتب السالفة حيدرة ، ووجدتك بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصيا ، وللا مارة وليا ، وأنت أحق بهذا المجلس من غيرك ، فأخبرني ماشأنك وشأن القوم؟ فأجابه بشئ ، فقام الراهب وسلم المال إليه بأجمعه ، فما برح علي عليه‌السلام من مكانه حتى فرقه في مساكين أهل المدينة ومحاويجهم ، وانصرف الراهب إلى قومه مسلما.(٣)

بيان : قوله : « ذووارتاج » قال الجوهري : ارتج على القارئ ـ على مالم يسم فاعله ـ

__________________

(١) في المصدر : أيها الراهب سله.

(٢) في المصدر : وابن عمى لحا. قوله : لحا من لحت القرابة بيننا : لصقت ، يقال : ابن عمى لحا أى لاصق النسب ، ونصبه على الحال لان ماقبله معرفة.

(٣) الاحتجاج : ١٠٨

٥٣

إذا لم يقدر على القراءة كأنه اطبق عليه كما يرتج الباب ، من الرج ولاتقل : ارتج عليه بالتشديد ورتج الرجل في منطقه بالكسر : إذا استغلق عليه الكلام والرتاج الباب العظيم انتهى.

أقول : يحتمل أن يكون مراده أنهم صاحب باب علوم الا سلام وعندهم مفاتيحه على سبيل التهكم ، وأن يكون المعنى أنه يرتج عليهم الكلام في المسائل التي يسأل عنهم في الاسلام ، أويسدون باب الاسلام فلايد خله أحد لجهلهم ولعله أظهر.

٢ ـ ما : المفيد ، عن علي بن خالد ، عن العباس بن الوليد ، عن محمدبن عمر الكندي ، عن عبدالكريم بن إسحاق الرازي ، عن بندار ، عن سعيدبن خالد ، عن إسماعيل بن أبي إدريس ، (١) عن عبدالرحمن بن قيس البصري قال حدثنا ذازان(٢) عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه قال : لما قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقلد أبوبكر الامر قدم المدينة جماعة من النصارى يتقدمهم جاثليق لهم ، له سمت ومعرفة بالكلام و وجوهه ، وحفظ التوراة والانجيل وما فيهما فقصدوا أبابكر فقال له الجاثليق : إنا وجدنا في الانجيل رسولا يخرج بعد عيسى وقد بلغنا خروج محمدبن عبدالله يذكرأنه ذلك الرسول ففزعنا إلى ملكنا(٣) فجمع وجوه قومنا ، وأنفذنا في التماس الحق فيما اتصل بنا ، وقد فاتنا نبيكم محمد ، وفيما قرأناه من كتبنا أن الانبياء لايخرجون من الدنيا إلا بعد إقامة أوصياء لهم يخلفونهم في اممهم يقتبس منهم الضياء فيما اشكل فأنت أيها الامير وصيه لنسألك عما نحتاج إليه؟

فقال عمر : هذا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجثا الجاثليق لركبتيه وقال له : خبرنا

__________________

(١) في المصدر عبدالكريم بن اسحاق الرازى قال : حدثنا محمدبن داود عن سعيدبن خالد عن إسماعيل بن أبى اويس

(٢) هكذا في النسخ والصحيح : زاذان بتقديم الزاى على الذال ، والرجل مترجم في رجال الشيخ في باب أصحاب أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، وكناه أباعمرة الفارسى ، وعده العلامة في الخلاصة من خواص أميرالمؤمنين من مضر إلا أنه ابدل عمرة بعمرو أوعمر على اختلاف النسخ ، وترجمه ابن حجر في التقريب : ١٦١ فقال : زاذان أبوعمرالكندى البزاز ، ويكنى أبوعبدالله أيضا صدوق يرسل ، وفيه شيعية من ثمانية ، مات سنة اثنتين وثمانين

(٣) في المصدر : ففرغنا إلى ملكنا اى فقصدناه.

٥٤

أيها الخليفة عن فضلكم علينا في الدين فإنا جئنا نسأل عن ذلك فقال أبوبكر : نحن مؤمنون وأنتم كفار ، والمؤمن خير من الكافر ، والايمان خيرمن الكفر. فقال الجاثليق : هذه دعوى يحتاج إلى حجة ، فخبرني أنت مؤمن عندالله أم عند نفسك؟ فقال أبوبكر أنا مؤمن عند نفسي ولا علم لي بما عندالله فقال الجاثليق : فهل أنا كافر عندك على مثل ما أنت مؤمن أم أنا كافر عندالله؟ فقال : أنت عندي كافر ، ولاعلم لي بحالك عندالله.

فقال الجاثليق : فما أراك إلا شاكافي نفسك وفي ، ولست على يقين من دينك فخبرني ألك عندالله منزلة في الجنة بما أنت عليه من الدين تعرفها؟ فقال : لي منزلة من الجنة أعرفها بالوعد ، ولا أعلم هل أصل إليها أم لا. فقال له : فترجولي منزلة من الجنة؟ قال : أجل أرجو. ذلك فقال الجاثليق : فما أراك إلا راجيالي وخائفا على نفسك ، فما فضلك في العلم؟

ثم قال له : أخبرني هل احتويت على جميع علم النبي المبعوث إليك؟ قال : لا ، ولكني أعلم منه ماقضى لي علمه.(٢) قال : فكيف صرت خليفة للنبي وأنت لاتحيط علما بما يحتاج إليه أمته من علمه؟ وكيف قد مك قومك على ذلك؟

فقال له عمر : كف أيها النصراني عن هذا العتب وإلا أبحنادمك! فقال الجاثليق ما هذا عدل على من جاء مستر شدا طالبا.

قال سلمان رحمة الله عليه : فكأنما البسنا جلباب المذلة فنهضت حتى أتيت عليا عليه‌السلام فأخبرته الخبر فأقبل ـ بأبي وامي ـ حتى جلس والنصراني يقول : دلوني على من أسأله عما أحتاج. فقال له أميرالمؤمنين عليه‌السلام : سل يا نصراني ، فوالذني فلق الحبة وبرئ النسمة لاتسألني عمامضى ولاما يكون إلا أخبرتك به عن نبي الهدى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال النصراني : أسألك عما سألت عنه هذا الشيخ ، خبرني أمؤمن أنت عند الله أم عند نفسك؟ فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : أنا مؤمن عندالله كما أنا مؤمن في عقيدتي.

__________________

(١) في المصدر : فترجو أن تكون لى منزلة في الجنة.

(٢) في نسخة : ولكنى أعلم منه ما أفضى إلى علمه.

٥٥

فقال الجاثليق : الله أكبر هذا كلام ثيق بدينه متحقق فيه بصحة يقينه ، فخبرني الآن عن منزلتك في الجنة ماهي؟ فقال عليه‌السلام منزلتي مع النبي الامي في الفردوس الاعلى لا أرتاب بذلك ولا أشك في الوعد به من ربي.

قال النصراني : فبماذاعرفت الوعدلك بالمنزلة التي ذكرتها؟ فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام بالكتاب المنزل وصدق النبي المرسل قال فبما علمت صدق نبيك؟ قال بالآيات الباهرات والمعجزات البينات.

قال الجاثليق : هذا طريق الحجة لمن أراد الاحتجاج ، خبرني عن الله تعالى أين هواليوم؟ فقال عليه‌السلام يا نصراني إن الله تعالى يجل عن الاين ، ويتعالى عن المكان كان فيما لم يزل ولامكان وهو اليوم على ذلك ، لم يتغير من حال إلى حال

فقال : أجل أحسنت أيها العالم وأؤجزت في الجواب ، فخبرني عن الله تعالى أمدرك بالحواس عندك فيسألك المسترشد في طلبه استعمال الحواس(١) أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن الامر كذلك؟ فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : تعالى الملك الجبارأن يوصف بمقدار ، أوتدركه الحواس ، أويقاس بالناس ، والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول الدالة ذوي الاعتبار بما هو منها مشهود ومعقول

قال الجاثليق : صدقت هذاو الله هوالحق الذي قد ضل عنه التائهون في الجهالات ، فخبرني الآن عما قاله نبيكم في المسيح وأنه مخلوق من أين أثبت له الخلق ونفى عنه الالهية ، وأوجب فيه النقص ، وقد عرفت ما يعتقد فيه كثيرمن المتدينين؟ فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : أثبت له الخلق بالتقدير الذي لزمه والتصوير والتغير من حال إلى حال ، والزيادة التي لم ينفك منها والنقصان ، ولم أنف عنه النبوة ولا أخرجته من العصمة والكمال والتأييد ، وقدجاءنا عن الله تعالى بأنه مثل آدم خلقه من تراب ثم قال له : كن فيكون.

فقال له الجاثليق : هذا ما لايطعن فيه الآن عيرأن الحجاج مما يشترك فيه الحجة على الخلق والمحجوج منهم فبم نبت أيها العالم من الرعية الناقصة عندي؟(٢)

__________________

(١) في المصدر : فيسألك المسترشد في طلبه استعمال الحواس وهو الاظهر.

(٢) في المصدر : من الرعية الناقصة عنك.

٥٦

قال : بما أخبرتك به من علمي بما كان وما يكون.

قال الجاثليق : فهلم شيئا من ذكر ذلك أتحقق به دعواك. فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : خرجت أيها النصراني من مستقرك مستفزا لمن قصدت بسؤالك له مضمرا خلاف ما أظهرت من الطلب والاسترشاد ، فأريت في منامك مقامي وحدثت فيه بكلامي وحذرت فيه من خلافي ، وامرت فيه باتباعي.

قال : صدقت والله الذي بعث المسيح ، وما اطلع على ما أخبرتني به إلا الله تعالى ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنك وصي رسول الله وأحق الناس بمقامه. وأسلم الذين كانوا معه كإ سلامه ، وقالوا : نرجع إلى صاحبنا فنخبره بما وجدنا عليه هذا الامر وندعوه إلى الحق.

فقال له عمر : الحمد لله الذي هداك أيها الرجل إلى الحق ، وهدى من معك إليه غير أنه يجب أن تعلم أن علم النبوة في أهل بيت صاحبها ، والامر بعده لمن خاطبت أولا برضى الامة واصطلاحها عليه وتخبر صاحبك بذلك وتدعوه إلى طاعة الخليفة. فقال : عرفت ما قلت أيها الرجل وأنا على يقين من أمري فيما أسررت و أعلنت.

وانصرف الناس وتقدم عمرأن لايذكر ذلك المقام بعد ، وتوعد على من ذكره بالعقاب ، وقال : أم والله لولا أنني أخاف أن يقول الناس : قتل مسلما لقتلت هذا الشيخ ومن معه ، فإنني أظن أنهم شياطين أرادوا الا فساد على هذه الامة وإيقاع الفرقة بينها!.

فقال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : يا سلمان أترى كيف يظهرالله الحجة لاوليائه ومايزيد بذلك قومنا عنا إلا نفورا؟(١)

بيان قوله : « مستفزا » أي كان غرضك من خروجك إزعاج المسؤول ومباهتته ومغالبته وتشكيكه في دينه لاقبول الحق منه ، قال في القاموس : استفزه : استخفه ، و أخرجه من داره ، وأزعجه ، أفززته : أفزعته.(٢)

__________________

(١) أمالى الطوسى : ١٣٧.

(٢) القاموس المحيط : فصل الفاء من باب الزاى.

٥٧

٣ ـ يل ، فض : بالا سنادير فعه إلى أنس بن مالك أنه قال : وفدالاسقف النجراني على عمربن الخطاب لاجل أدائه الجزية فدعاه عمر إلى الاسلام ، فقال له الا سقف : أنتم تقولون : إن لله جنة عرضها السماوات والارض فأين تكون النار؟ قال : فسكت عمر ولم يرد جوابا.

قال : فقال له الجماعة الحاضرون : أجبه يا أميرالمومنين حتى لايطعن في الاسلام قال : فأطرق خجلا من الجماعة الحاضرين ساعة لايرد جوابا ، فإذا بباب المسجد رجل قد سده بمنكبيه فتأملوه وإذا به عيبة(١) علم النبوة علي بن أبي طالب عليه‌السلام قددخل ، قال فضج الناس عند رؤيته.

قال : فقال عمربن الخطاب والجماعة على أقدامهم وقال : يا مولاي أين كنت عن هذا الاسقف الذي قدعلانامنه الكلام؟ أخبره يامولاي بالعجل إنه يريد الاسلام فأنت البدر التمام(٢) ومصباح الظلام ، وابن عم رسول الانام.(٣)

فقال الامام عليه‌السلام : ما تقول يا اسقف؟ قال : يافتى أنتم تقولون : إن الجنة عرضها السماوات والارض ، فأين تكون النار؟ قال له الامام عليه‌السلام : إذاجاء الليل أين يكون النهار؟ فقال له الاسقف : من أنت يافتى؟ دعني حتى أسأل هذا الفظ الغليظ أنبئني ياعمر عن أرض طلعت عليها الشمس ساعة ولم تطلع مرة اخرى قال : عمر اعفني عن هذا ، واسأل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ثم قال : أخبره يا أبا الحسن فقال علي عليه‌السلام : هي أرض البحر الذي فلقه الله تعالى لموسى حتى عبر هو وجنوده فوقعت الشمس عليها تلك الساعة ولم تطلع عليها قبل ولا بعد وانطبق البحر على فرعون وجنوده.

فقال الاسقف : صدقت يافتى قومه وسيد عشيرته أخبرني عن شئ هوفي أهل

__________________

(١) العيبة : ما تجعل فيه الثياب كالصندوق

(٢) في الروضة : أخبره يامولانا بالعجل قبل ان يرتدوا عن الاسلام فانك بدر التمام

(٣) في الروضة هنا زيادة وهى هذه : ومعدن الايمان وخير الانام فعند ذلك جلس عليه‌السلام وقال : ماتقول اه.

٥٨

الدنيا ، تأخذ الناس منه مهما أخذوا فلاينقص بل يزداد.(١) قال عليه‌السلام هوالقرآن والعلوم.

فقال : صدقت أخبرني عن أول رسول أرسله الله تعالى لامن الجن ولامن الانس فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذلك الغراب الذي بعثه الله تعالى لماقتل قابيل أخاه هابيل ، فبقي متحيرا لايعلم مايصنع به فعند ذلك بعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه كيف يواري سوأة أخيه.

قال : صدقت يافتى ، فقد بقي لي مسألة واحدة اريد أن يخبرني عنها هذا – و أومأ بيده إلى عمر ـ فقال له : يا عمر أخبرني أين هوالله؟ قال : فغضب عند ذلك عمر وأمسك ولم يرد جوابا.

قال فالتفت الامام علي عليه‌السلام وقال : لاتغضب يا أباحفص حتى لا يقول : إنك قد عجزت فقال : فأخبره أنت يا أبا الحسن ، فعند ذلك قال الامام عليه‌السلام : كنت يوما عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذأقبل إليه ملك فسلم عليه فرد عليه‌السلام ، فقال له : أين كنت؟ قال : عند ربي فوق سبع سماوات.

قال : ثم أقبل ملك آخر فقال : أين كنت؟ قال : عندربي في تخوم الارض السابعة السفلى ، ثم أقبل ملك آخر ثالث فقال له : أين كنت؟ قال : عندربي في مطلع الشمس ، ثم جاء ملك آخر فقال : أين كنت؟ قال : كنت عند ربي في مغرب الشمس ، لان الله لايخلومنه مكان ، ولا هو في شئ ولا على شئ ولامن شئ وسع كرسيه السماوات والارض ليس كمثله شئ وهوالسميع البصير ، لايعزب(٢) عنه مثقال ذرة في الارض ولافي السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، يعلم ما في السماوات وما في الارض ، مايكون من نجوى ثلاثة إلا هورابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا

قال : فلما سمع الاسقف قوله قال له : مد يدك فاني أشهد أن لا إله إلا الله ،

__________________

(١) في الروضة : فلاينقص شيئأ ولا يزيد شيئا.

(٢) أى لايضيب ولايخفى عنه.

٥٩

وأن محمدا رسول ، وأنك خليفة الله في أرضه ووصي رسوله ، وأن هذا الجالس الغليظ الكفل(١) المحبنطئ ليس هولهذا بأهل ، وإنما أنت أهله ، فتبسم الامام عليه‌السلام.(٢)

بيان : المحبنطئ الممتلئ غيظا.

٤ ـ من كتاب إرشاد القلوب للديلمي بحذف الاسناد قال : لما جلس عمر في الخلافة جرى بين رجل من أصحابه يقال له الحارث بن سنان الازدي وبين رجل من الانصار كلام ومنازعة فلم ينتصف له عمر فلحق الحارث بن سنان بقيصر وارتد عن الاسلام ونسي القرآن كله إلا قول الله عزوجل : « ومن يبتغ غيرالاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين » فسمع قيصر هذا الكلام قال : سأكتب إلى ملك العرب بمسائل ، فإن أخبرني بتفسيرها أطلقت من عندي من الاسارى ، وإن لم يخبرني بتفسير مسائلي عمدت إلى الا سارى فعرضت عليهم النصرانية فمن قبل منهم استعبدته ، ومن لم يقبل قتلته وكتب إلى عمربن الخطاب بمسائل : أحدها سؤاله تفسير الفاتحة ، وعن الماء الذي ليس من الارض ولا من السماء ، وعما يتنفس ولاروح فيه ، وعن عصا موسى عليه‌السلام مم كانت؟ وما اسمها؟ وما طولها؟ وعن جارية بكر لاخوين في الدنيا وفي الآرة لواحد فلما وردت هذه المسائل على عمر لم يعرف تفسيرها ففزع في ذلك إلى علي عليه‌السلام.

فكتب إلى قيصر : من علي بن أبي طالب صهر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووارث علمه ، و أقرب الخلق إليه ، ووزيره ، ومن حقت اله الولاية ، وامر الخلق من أعدائه بالبرإة ، قرة عين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوج ابنته ، وأبوولده إلى قيصر ملك الروم :

أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله هو ، عالم الخفيات ، ومنزل البركات ، من يهدي الله فلامضل له ، ومن يضلل الله فلاهادي له ، ورد كتابك واقرأنيه عمربن الخطاب ، فأما سؤالك عن اسم الله تعالى فإنه اسم فيه شفاء من كل داء ، وعون على

__________________

(١) الكفل : من يلقى نفسه وثقله على الناس.

(٢) الفضائل : ٢٠٢ ، والفظ منه الروضة : ١٤٥ وفيه اختلافات يسيرة لفظية.

٦٠