بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

المنامات ، وإنما نثبت من تأويلها ماجاء به الاثر عن ورثة الانبياء عليهم‌السلام.

فأما قولنا في المعجزات فهو كقول الله تبارك وتعالى : « وأوحينا إلى ام موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إناراد وه إليك وجاعلوه من المرسلين » (١) فضمن هذا القول تصحيح المنام ، إذاكان الوحي إليها في المنام يعلمها بماكان قبل كونه.(٢) وقال سبحانه في قصة مريم عليها‌السلامفأشارت إليه قالواكيف نكلم من كان في المهد صبيا ، قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلوة والزكوة مادمت حيا(٣)» فكان نطق المسيح معجزا لمريم عليها‌السلام إذكان شاهدا ببراءة ساحتها ، وام موسى ومريم لم تكونا نبيتين ولا مرسلتين ، ولكنهما كانتا من عبادالله الصالحين ، فعلى مذهب هذا الشيخ كتاب الله تعالى يصحح الحنبلية.

وأما زيارة القبور فقد أجمع المسلمون على زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى أنه من حج ولم يزره فقدجفاه وثلم حجه بذلك الفعل ، (٤) وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من سلم عل من عند قبري سمعته ، ومن سلم علي من بعيد بلغته » عليه سلام الله ورحمته وبركاته. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسن عليه‌السلام : « من زارك بعد موتك أوزار أباك أوزار أخاك فله الجنة » وقال له عليه‌السلام أيضا في حديث له أول مشروح في غير هذا الكتاب : « تزورك طائفة من امتي يريدون به بري وصلتي ، فإذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف فأخذت بأعضادها فأنجيتها من أهواله وشدائده » ولاخلاف بين الامة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما فرغ من حجة الوداع لاذ بقبرقد درس فقعد عنده طويلا ثم استعبر ، فقيل له : يارسول الله ماهذا القبر؟ فقال : « هذا قبرامي آمنة بنت وهب ، سالت الله في زيارتها فأذن لي » وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (قدكنت نهيتكم عن زيارة القبور ألافزوروها ، وكنت نهيتكم

__________________

(١) القصص : ٧.

(٢) في المصدر : إذا كان الوحى إليها في المنام وضمن المعجز لها بعلمها ماكان قبل كونه.

(٣) مريم : ٢٨ ـ ٣١.

(٤) في المصدر : فقد أجمع المسلمون على وجوب زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى رووا : ( من حج ولم يزره متعمدا فقد جفاه إه ) قلت : لعله لايخلو عن تصحيف وزيادة.

٤٤١

عن ادخار لحوم الاضاحي ألافاد خروها) وقد كان أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته بزيارة قبر حمزة عليه‌السلام ، وكان يلم به وبالشهداء ، (١) ولم يزل فاطمة عليها‌السلام بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله تغدو إلى قبره وتروح ، (٢) والمسلمون يناوبون على زيارته وملازمة قبره ، فإن كان ماتذهب إليه الامامية من زيارة مشاهد الائمة عليهم‌السلام حنبلية وسخفا من العقل فالاسلام مبني على الحنبلية ، ورأس الحنبلية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا قول متهافت جدا يدل على قلة دين قائله وضعف رأيه وبصيرته. ثم قلت له : (٣) يجب أن تعلمه أن الذي حكيت عنه قد حرف القول وقبحه ولم يأت به على وجه ، والذي نذهب إليه في الرؤيا أنها على أضرب ، فضرب منها يبشر الله به عباده ويحذرهم ، وضرب تحزين من الشيطان(٤) وكذب يخطره ببال النائم ، وضرب من غلبة الطباع بعضها على بعض ، ولسنا نعتمد على المنامات كما حكى ، لكنا نأنس بما يبشر به ، ونتخوف مما يحذرفيها ، من وصل إليه شئ من علمها عن ورثة الانبياء عليهم‌السلام ميزبين حق تأويلها وباطله ، ومن لم يصل إليه شئ من ذلك كان على الرجاء والخوف ، وهذا يسقط مالعله سيتعلق به في منامات الانبياء عليهم‌السلام من أنها وحي لان تلك مقطوع بصحتها ، وهذه مشكوك فيها ، مع أن منها أشياء قد اتفق ذووالعادات على معرفة تأويلها حتى لم يختلفوا فيه ووجدوه حسنا ، وهذا الشيخ لم يقصد يكلامه الامامية ، لكنه قصد الامة ونصر البراهمة و الملحدة ، مع أني أعجب من هذه الحكاية عنه ، وأنا أعرفه يميل إلى مذهب أبي هاشم ويعظمه ويختاره ، وأبوهاشم يقول في كتابه المسألة في الامامة : إن أبابكر رأى في المنام كان عليه ثوبا جديدا عليه رقمان ، ففسره على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له : ( إن صدقت رؤياك فستخبر بولد(٥) وتلي الخلافة سنتين ) فلم يرض شيخه أبوهاشم أن أثبت المنامات حتى أوجب له الخلافة ، (٦) وجعلها دلالة على الامامة! فيجب على قول هذا الشيخ

__________________

(١) ألم بالقوم وعلى القوم : أتاهم فنزل بهم وزارهم زيارة غير طويلة.

(٢) في المصدر : وتروح لزيارته ، وكان أهل بيته والمسلمون يثابرون على زيارته.

(٣) في المصدر : ثم قال له.

(٤) في المصدر : وضرب تهويل من الشيطان.

(٥) في المصدر : تبشر بخير.

(٦) في المصدر : حتى أوجب بها الخلافة.

٤٤٢

الزيدي عند نفسه أن يكون أبوهاشم رئيس المعتزلة عنده حنبليا ، بل يكون أبوبكر حنبليا ، بل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! لانه صحح المنام وأوجب به الاحكام هذا من بهرج المقال.(١)

١٥ ـ ثم قال رضي‌الله‌عنه : ومن حكايات الشيخ أيده الله قال : حضرت مجمعا لقوم من الروساء ، وكان فيهم شيخ من أهل الري معتزلي يعظمونه لمحل سلفه وتعلقه بالدولة ، فسئلت عن شئ من الفقه فأفتيت فيه على المأثور عن الائمة عليهم‌السلام ، فقال ذلك الشيخ : هذه الفتيا يخالف الاجماع ، فقلت له : عافاك الله من تعني بالاجماع؟ فقال : الفقهاء(٢) المعروفين بالفتيا في الحلال والحرام من فقهاء الامصار ، فقلت : هلا أيضا مجمل من القول ، فهل تدخل آل محمد عليهم‌السلام في جملة هؤلاء الفقهاء أم تخرجهم من الاجماع؟ فقال : بل أجعلهم في صدر الفقهاء ، ولوصح عنهم ما تروونه لما خالفناه.

فقلت له : هذامذهب لا أعرفه لك ولا لمن أومأت إليه ممن جعلتهم الفقهاء ، لان القوم بأجمعهم يرون الخلاف على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو سيد أهل البيت في كثير مما قد صح عنه من الاحكام ، فكيف تستوحشون من خلاف ذريته و توجبون على أنفسكم قبول قولهم على كل حال؟! فقال : معاذالله مانذهب إلى هذا ولا يذهب إليه أحد من الفقهاء وهذه شناعة منك على القوم بحضرة هؤلاء الرؤساء ، فقلت له : لم أحك إلا ما اقيم عليه البرهان ، (٣) ولا ذكرت إلا معروفا لايمكن أحدا من أهل العلم دفعي عنه لما هو عليه من الاشتهار ، لكنك أنت تريد أن تتجمل(٤) بضد مذهبك عند هؤلاء الرؤساء ، ثم أقبلت على القوم فقلت : لاخلاف عند شيوخ هذا الرجل وأئمته وفقهائه وسادته أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قديجوز عليه الخطاء في شئ يصيب فيه عمروبن العاص زيادة على ماحكيت عنه من المقال ، فاستعظم القوم ذلك و

__________________

(١) اليهرج : الباطل. الردئ. الفصول المختارة ١ : ٨٤ ٨٨.

(٢) في المصدر : فقلت له : إجماع من تعنى عافاك الله؟ فقال : إجماع الفقهاء.

(٣) في المصدر : لم أقل إلا ما اقيم عيه البرهان.

(٤) في نسخة : أنت تريد أن تتحمل.

٤٤٣

أظهروا الراءة من معتقده وأنكره هو وزاد في الانكار ، فقلت له : أليس من مذهبك ومذهب هؤلاء الفقهاء أن عليا عليه‌السلام لم يكن معصوما كعصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : بلى قلت : فلم لايجوز عليه الخطاء في شئ من الاحكام؟ فسكت.

ثم قلت له : أليس عندكم أليس عندكم أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قدكان يجتهد رأيه في كثير من الاحكام؟ وأن عمروبن العاص وأباموسى الاشعري والمغيرة بن شعبة كانوا من أهل الاجتهاد؟ قال : بلى ، قلت له : فما الذي يمنع من إصابة هؤلاء القوم ما يذهب على أميرالمؤمنين عليه‌السلام من جهة الاجتهاد مع الرتفاع العصمة عنه وكون هؤلاء القوم من أهل الاجتهاد؟ فقال : ليس يمنع من ذلك مانع ، قلت له : فقد أقررت بما أنكرت الآن ، ومع هذا فليس من أصلك أن كل أحد بعدالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤخذ من قوله ويترك إلا ما انعقد عليه الاجماع؟ قال : بلى ، قلت له : أفليس هذا يسوغكم الخلاف على أمير المؤمنين عليه‌السلام في كثيرمن أحكامه التي لم يقع عليه الاجماع؟! وبعد فليست لي حاجة إلى هذا التعسف ولا فقر فيما حكيت(١) إلى هذا الاستدلال ، لانه لا أحد(٢) من الفقهاء إلا وقد خالف أميرالمؤمنين عليه‌السلام في بعض أحكامه ، ورغب عنها إلى غيرها ، وليس فيهم أحد وافقه في جميع ما حكم به من الحلال والحرام ، وإني لاعجب من إنكارك ما ذكرت ، وصاحبك الشافعي يخالف أميرالمؤمنين عليه‌السلام في الميراث والمكاتب ويذهب إلى قول زيد فيهما! ويروى عنه أنه كان لايرى الوضوء من مس الذكر ، ويقول هو : إن الوضوء منه واجب ، وأن عليا عليه‌السلام خالف الحكم فيه بضرب من الرأي! وحكى الربيع عنه في كتابه المشهور أنه لابأس بصلاة الجمعة والعيدين خلف كل أمين وغير مأمون ومتغلب ، صلى علي بالناس وعثمان محصور ، فجعل الدلالة على جواز الصلاة خلف المتغلب على أمرالامة صلاة الناس خلف علي في زمن حصر عثمان ، فصرح بأن عليا كان متغلبا! ولا خلاف أن المتغلب على أمرالامة فاسق ضال ، وقال : لابأس بالصلاة خلف الخوارج لانهم متأولون وإن كانوا فاسقين ، فمن يكون هذا مذهبه ومقالة

__________________

(١) في المصدر : ولا أنا مفتقر فيما حكيت.

(٢) المصدر : لا أجد.

٤٤٤

إمامه وفقيهه يزعم معه أنه لوصح له عن أميرالمؤمنين شئ أوعن ذريته لدان به ، لولا أن الذاهب إلى هذا يريد التلبيس ، وليس في فقهاء الامصارسوى الشافعي إلا وقد شارك الشافعي في الصعن على أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، وتزييف كثير من قوله والرد عليه في أحكامه حتى أنهم يصر حون بأن الذي يذكره أميرالمؤمنين عليه‌السلام في الاحكام معتبر ، فإن أسنده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبلوه منه على ظاهر العدالة كما يقبلون من أبي موسي الا شعري وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة مايسندوه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل ما يقبلون من حمال في السوق على ظاهر العدالة ما يرويه مسندا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأما ما قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام من غير إسناد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان موقوفا على سيرهم ونظرهم واجتهادهم فإن وضع صوابه فيه قالوا به من حيث النظر ، لامن حيث حكمه به وقوله ، وإن عثروا على خطيئة فيه اجتنبوه وردوه عليه وعلى من اتبعه فيه ، فزعموا أن آراءهم هي العيار على قوله عليه‌السلام ، وهذا مالا يذهب إليه من وجد في صدره جزء من مودته عليه‌السلام وحقه الواجب له وتعظيمه الذي فرضه الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل لا يذهب إلى هذا القول إلا من رد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : (علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (علي أقضاكم) وقول أميرالمؤمنين عليه‌السلام : (ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده على صدري وقال : اللهم اهد قلبه ، وثبت لسانه ، فما شككت في قضاء بين اثنين(١)) فلما ورد عليه هذا الكلام تحير وقال : هذه شناعات على الفقهاء ، والقوم لهم حجج على ما حكيت عنهم ، فقال له بعض الحاضرين : نحن نبرؤإلى الله من هذا المقال وكل دائن به ، وقال له آخر : إن كان مع القوم حجج على ما حكاه الشيخ فهي حجج على إبطال ما ادعيت أولا من ضد هذه الحكاية ، ونحن نعيذك بالله أن تذهب إلى هذا القول ، فإن كل شئ تظنه حجة عليه فهو كاحجة في إبطال نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسكت مستحييا مما جرى ، وتفرق الجمع.(٢)

__________________

(١) ستأنى الاحاديث كلها مع الايعاز إلى أسانيدها في أبواب الفضائل.

(٢) الفصول المختارة ١ : ٨٨ ـ ٩٠.

٤٤٥

١٦ ـ قال الشيخ أدام الله عزه : قال لي يوما بعض المعتزلة : لوكان ما تدعونه من هذا الفقه الذي تضيفونه إلى جعفربن محمد وأبنه عليهم‌السلام(١) حقا وأنتم صادقون في الحكاية عنهم لوجب أن يقع لنا معشر مخالفيكم العلم الضروري بصحة ذلك ، حتى لانشك فيه ، كما وقع لكم صحة الحكاية عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وداود و غيرهم من فقهاء الامصار برواية أصحابهم عنهم ، فلما لم نعلم صحة ماتدعونه مع سماعنا لاخباركم وطول مجالستنا لكم دل على أنكم متخرصون في ذلك ، وبعد فما بال كل من عددنا من فقهاء الامصار قد استفاض عنهم القول في الفتيا استفاضة منعت من الريب في مذاهبهم وأنتم أئمتكم أعظم قدرا من هؤلاء وأجل خطرا ، لاسيما مع ما تعتقدونه فيهم من العصمة وعلو المنزلة والفضل على جميع البرية ، والبينونة من الخلق بالمعجزة ، وما اختصوا به من خلافة الرسول عليه وآله السلام ، وفرض الطاعة على الجن والانس ، وإن هذا لشئ عجيب.

قال الشيخ أدام الله عزه : فقلت له : إن الجواب عن هذا السؤال قريب جدا ، غير أني اقلبه عليك فلايمكنك الا نفصال منه إلا بإخراج من ذكرت من جملة أهل العلم ونفي المعرفة عنهم ، وإسقاط مقال من رعمت أنهم كانوا من أصحاب الفتيا ، والعلم الضروري حاصل لكل من سمع الاخبار بضد ذلك وخلافه ، وأنهم عليهم‌السلام كانوا من أجلة أهل الفتيا ، وذلك أننا وإن كنا كاذبين على قولك فلابد لهؤلاء القوم عليهم‌السلام من مقال في الفتيا يتضمن بعض ماحكيناه عنهم ، فما بالنا معشر الشيعة بل ما بالكم معشر الناصبة لاتعلمون مذاهبهم على الحقيقة بالضرورة كما تعلمون مذاهب أهل الحجاز و أهل العراق ومن ذكرت من فقهاء الامصار؟ فإن زعمت أنك تعلم لهم في الفتيا مذهبا بخلاف مانحكيه عنهم علم اضطرار مع تديننا بكذبك في ذلك لم نجد فرقا بيننا و بينك إذا ادعينا أننا نعلم صحة مانحكيه عنهم بالاضطرار ، وأنك وأصحابك تعلمون ذلك ، ولكنكم تكابرون العيان ، وهذا مالافصل فيه.

فقال : إنما لم نعلم مذهبهم باضطرار ، لانه مبثوث في مذاهب الفقهاء ، إذا

__________________

(١) في المصدر : وآبائه وابنائه.

٤٤٦

كانوا عليهم‌السلام يختارون ما اختاروا من قول الصحابة والتابعين ، فتفرق مجموع أخبارهم في مذاهب الفقهاء.

فقلت له : فإن هذا بعينه موجود في مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي ومن عددت ، لان هؤلاء تخيروا من أقوال الصحابة والتابعين ، فكان يجب أن لا نعلم مذاهبهم باضطرار ، على أنك إن قنعت بهذا الاعتلال فإنا نعتمد عليه في جوابك فنقول : إننا إنما تعرينا من علم الاضطرار بمذاهبهم عليهم‌السلام ، لان الفقهاء تقسموا مذاهبهم المنصوصة عندنا فدانوا بها على سبيل الاختيار ، لان قولهم متفرق في مقال الفقهاء فلذلك لم يقع العلم به باضطرار.

فقال : فهب أن الامر كما وصفت ، ما بالنا لانعلم مارويتم عنهم من خلاف جميع الفقهاء علم اضطرار؟ فقلت له : ليس شئ مما تومئ إليه إلاوقد قاله صحابي أوتابعي وإن اتفق من ذكرت من فقهاء الامصار على خلافه الآن ، فلماقد منا مما رضيته من الاعتلال لم يحصل علم الاضطرار ، مع أنك تقول لا محالة بأن قولهم عليهم‌السلام في هذه الابواب بخلاف ما عليه غيرهم فيها ، وهو ما أجمع عليه عندك فقهاء الامصار من الصحابة والتابعين بإحسان فما بالنا لانعلم ذلك من مقالهم علم اضطرار؟ وليس هو مما تحدثته مذاهب الفقهاء ولا اختلف فيه عندك من أهل الاسلام أحد ، فبأي شئ تعلقت في ذلك تعلقنا به في إسقاط سؤالك ، والله الموفق للصواب فلم يأت بشئ تجب حكايته ، والحمدلله.

قال السيد رضي‌الله‌عنه : وقلت للشيخ عقيب هذه الحكايته لي : إن حمل هؤلاء القوم أنفسهم على أن يقولوا : إن جعفر بن محمد وأباه محمد بن علي وابنه موسى بن جعفر عليهم‌السلام لم يكونوامن أهل الفتيا ، لكنهم كانوا من أهل الزهد والصلاح؟.

قال : يقال لهم : هب أنا سامحناكم في هذه المكابرة وجوزناها لكم ، أليس من قولكم وقول كل مسلم وذمي وعدو لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وولي له أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان من أهل الفتيا؟ فلابد من أن يقولوا : بلى ، فيقال لهم : فما بالنا لانعلم جميع مذاهبه في الفتياكما نعلم جميع مذاهب من عددتموه من فقهاء الامصار بل

٤٤٧

من الصحابة كزيد وابن مسعود وعمربن الخطاب؟ إن قالوا : إنكم تعلمون ذلك باظطرار قلنا لهم : وذلك هوما تحكونه أنتم عنه أوما نحكيه نحن مما يوافق حكايتنا عن ذريته عليهم‌السلام؟ فإن قالوا : هو مانحكيه دونكم قلنا لهم : ونحن على أصلكم في إنكار ذلك مكابرون ، وإن قالوا : نعم قلنالهم بل العلم حاصل لكم بما نحكيه عنه خاصة ، وأنتم في إنكار ذلك مكابرون ، وهذا مالافصل فيه ، وهو أيضا يسقط اعتلالهم في عدم العلم الضروري بمذاهب الذرية لما ذكروه من تقسيم الفقهاء لها ، لان أميرالمؤمنين عليه‌السلام قدسبق الفقهاء الذين أشاروا إليهم ، وكان مذهب علي عليه‌السلام متفردا فإن اعلتوا بأنه كان منقسما في قول الصحابة فهم أنفسهم ينكرون ذلك لروايتهم عنه الخلاف ، مع أنه يجب أن لايعرف مذهب عمر وابن مسعود ، لانهما كانا منقسمين في مذاهب الصحابة وهذا فاسد من القول بين الاضمحلال.

قال الشيخ أدام الله عزه : وهذا كلام سحيح ، ويؤيده علمنا بمذاهب المختارين من المعتزلة والزيدية والخوارج مع انبثاثها في أقوال الصحابة والتابعين وفقهاء الامصار.

وقال الشيخ أدام الله حراسته : وقد ذكرت الجواب عما تقدم من السؤال في هذا الباب في كتابي المعروف بتقرير الاحكام ، ووجوده هناك يغني عن تكراره ههنا ، إذ هو في موضعه مستقصى عن البيان.(١)

١٧ ـ ثم قال : قال الشيخ أدام الله تأييده : سألني أبوالحسن علي بن نصرالشاهد بعكبرا(٢) في مسجده وأنا متوجه إلى سر من رأى ، فقال : أليس قد ثبت عندنا أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان أعلم الصحابة كلها وأعرفها بمعالم الدين ، وكانوا يستفتونه ويتعلمون منه لفقرهم إليه ، وكان غنياعنهم لايرجع إلى أحد منهم في علم ولايستفيد عليه‌السلام منهم؟ فقلت : نعم هذا قولنا وهو الواضح الذي لاخفاء به ، ولايمكن عاقلا دفعه ولا يقدم أحد على إنكاره إلا أن يرتكب البهت والمكابرة ، فقال أبوالحسن : فإن

__________________

(١) الفصول المختاره ٢ : ١١ ـ ١٣.

(٢) عكبرا بضم العين فالسكون فالفتح : بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ.

٤٤٨

بعض أهل الخلاف قد احتج علي في دفع هذا بأن قال : وردت الرواية عن علي عليه‌السلام أنه قال : « ماحد ثني أحد بحديث إلا استحلفته عليه ، ولقد حدثني أبوبكر وصدق أبوبكر » فلوكان يعلم عليه‌السلام جميع الدين ولا يفتقر إلى غيره لما احتاج إلى استحلاف من يحدثه ، ولا الاستظهار في يمينه ليصح عنده علم ما اخبر به ، وقد روي أيضا أنه صلوات الله عليه حكم في شئ فقال له شاب من القوم : أخطأت يا أميرالمؤمنين فقال عليه‌السلام : صدقت أنت وأخطأت! فماذايكون الجواب عن هذا الكلام؟ وكيف الطريق إلى حله.

فقلت : أول مافي هذا الكلام أن الاخبار لاتتقابل ويحكم بعضها على بعض حتى تتساوى في الصفة ، فيكون الظاهر المستفيض مقابلا لمثله في الاستفاضة ، والمتواتر مقابلا لمثله في التواتر ، والشاذ مقابلا لمثله في الشذوذ ، وما ذكرناه عن مولانا أميرالمؤمنين عليه‌السلام مستفيض قد تواتر به الخبر على التحقيق ، وما ذكره هذا الرجل عنه عليه‌السلام من الحديثين فأحدهما شاذ وارد من طريق الآحاد غير مرضي الاسناد ، والآخر ظاهر البطلان لانقطاع إسناده ، وعدم وجوده في نقل معروف من الثقات ، وليس يجوز المقابلة في مثل هذه الاخبار ، بل الواجب إسقاط الظاهر منها الشهاذ وإبطال المتواتر ماضاده من الآحاد.

والثاني : أنه لما ذكره الخصم من الحديث الاول عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام غيروجه يلائم ماذكرناه من فضل مولانا أميرالمؤمنين صلوات الله عليه في العلم على سائر الانام.

منها : أنه صلوات الله عليه إنما كان يستحلف على الاخبار لئلايجترئ مجترئ على الاضافة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسماع مالم يسمعه منه ، وإنما القي إليه عنه فحصل عنده بالبلاغ.

ومنها : أنه عليه‌السلام كان يستحلف مع العلم بصدق المخبر ليتأكد خبره عندغيره من السامعين(١) فلايشك فيه ولا يرتاب.

ومنها : أنه عليه‌السلام استحلف فيما عرفه يقينا ليكون ذلك حجة له إذاحكم على أهل العناد ، (٢) ولايقول منهم قائل عند حكمه بذلك : قدحكم بالشاذ.

__________________

(١) في نسخة : يتاه حبره عند غيره من التابعين.

(٢) في المصدر : إذا حكم به على أهل العناد.

٤٤٩

ومنها : أن يكون استحلافه صلوات الله عليه للمخبر بما لايتضمن حكما في الدين ، ويتضمن أدبا وموعظة ولفظة حكمة ، أومدحة لانسان ، أومذمة ، فلايجب إذا علم ذلك من غيره أن يكون فقيرا في علم الدين إليه وناقصا في العلم عن رتبته ، على أن لفظ الحديث : « ماحدثني أحد بحديث إلا استحلفته » فهذا يوجب بالضرورة أنه كان يستحلف على مايعلم ، لانه محال أن يكون كل من حدثه حدثه بمالا يعلم ، فإذا ثبت أنه قداستحلف على علم لاحد ماذكرناه أولغيره من العلل بطل ما اعتمده هذا الخصم.

وأما الحديث الثاني فطهور بطلانه أوضح من أن يخفى ، وذلك أنه قال فيه : إن شابا قال له : ليس الحكم فيه ذلك ، فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام على ما زعم الخصم : أصبت أنت وأخطأت ، وهذا واضح السقوط على مابيناه ، لانه لايخلو مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يكون حكم بالخطاء مع علمه بأنه خطاء ، أويكون حكم بالخطاء وهويظر أنه صواب ، فإن كان حكم بالخطاء على أنه خطاء عند في دين الله ، (١) و ضل بإقدامه على تغيير حكم الله ، وهو صلوات الله عليه يجل عن هذه الرتبة ، ولا يعتقد مثل هذا فيه الخوارج فضلا عمن دونهم في عداوته من الناصبة ، وإن كان حكم بالخطاء وهو يظن أنه صواب فكيف زال ظنه عن ذلك فانتقل عنه بقول رجل واحد لايعضده برهان؟ فهذا مالا يتوهم على أحد من أهل الاديان ، على أنه لوكان لهذا الحديث أصل أوكان معروفا عند أحد من أهل الآثار لكان الرجل مشهورا معروفا بالعين و النسب ، مشهور القبيلة والمكان ، ولكان أيضا الحكم الذي جرى فيه هذا الامر مشهورا عندالفقهاء ومدونا عند أصحاب الاخبار ، وفي عدم معرفة الرجل وتعين الحكم و عدمه من الاصول دليل على بطلانه كما بيناه ، على أن الامة قد اتفقت عنه صلوات الله عليه أنه قال : « ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده على صدري ، وقال : اللهم اهد قلبه ، وثبت لسانه ، فما شككت في قضاء بين اثنين » وهذا مضاد لوقوع الخطأ منه في الاحكام ، ومانع لدخول الشك عليه(٢) في شئ منها والارتباب ، وأجمعوا أن النبي

__________________

(١) في المصدر : فان كان حكم بالخطاء على علم با؟ ه خطاه عاند في دين الله.

(٢) في المصدر : ومانع من دخول السهو عليه.

٤٥٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار ) وليس يجوز أن يكون من هذا وصفه يخطئ في الدين أويشك في الاحكام ، وأجمعوا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( علي قضاكم ) وأقضى الناس ليس يجوز أن يخطئ في الاحكام ولا يكون غيره أعلم منه بشئ من الحكم ، فدل ذلك على بطلان ما اعترض به الخصم ، وكشف عن وهيه على البيان ، (١) وبالله التوفيق وإياه لنستهدي إلى سييل الرشاد.(٢)

١٨ ـ وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه : وحضر الشيخ أبوعبدالله أدام الله عزه بمسجد الكوفة فاجتمع إليه من أهلها وغيرهم أكثر من خمسمائة إنسان ، فابتدر(٣) له رجل من الزيدية أراد الفتنة والشناعة فقال : بأي شئ استجي ت إنكار إمامة زيدبن علي؟ فقال له الشيخ : إنك قد ظننت علي ظنا باطلا ، وقولي في زيد لا يخالفني عليه أحد من الزيدية ، فلا يجب أن يتصور مذهبي في ذلك بالخلاف.(٤)

فقال له الرجل : وما مذهبك في إمامة زيدبن علي؟ فقال له الشيخ : أنا اثبت من إمامة زيد رحمه‌الله ما تثبته الزيدية ، وأنفي عنه من ذلك ما تنفيه ، فأقول : إن زيدا رحمة الله عليه كان إماما في العلم والزهد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنفي عنه الامامة الموجبة لصاحبها العصمة والنص والمعجز ، وهذا مالا يخالفني عليه أحد من الزيدية حيثما قدمت ، فلم يتمالك جميع من حضر من الزيدية أن شكروه ، ودعوا له ، وبطلت حيلة الرجل فيما أراد من التشنيع والفتنة.(٥)

١٩ ـ وقال رضي‌الله‌عنه : ومن الحكايات : قلت للشيخ أبي عبدالله أدام الله عزه : إن المعتزلة والحشوية يزعمون أن الذي نستعمله من المناظرة شئ يخالف اصول الامامية ويخرج عن إجماعهم ، لان القوم لا يرون المناظرة دينا وينهون عنها ، ويرون

__________________

(١) في المصدر : وكشف عن وهنه على البيان. قلت : الوهى : الضعف. الحمق.

(٢) وزاد في المصدر : وأما التعلق من الخبر بقوله : ( وصدق أبوبكر ) في تعديله واثبات الامامة له فليس بصحيح ، لانه قد يصدق من لا يستحق الثواب ، وقد يحكم بالصدق في الخبر لمن يستحق العقاب ، فلا وجه لتعلقه بذلك ، مع أن الخبر باطل لا يثبت بأدلة قد ذكرناها في مواضعها والحمدلله. راجع الفصول المختارة ٢ : ١١١ ـ ١١٣.

(٣) في المصدر : فانتدب اليه رجل من الزيدية. أى عارضه في كلامه.

(٤) في المصدر : بالخلاف لهم.

(٥) الفصول المختارة ٢ : ١١٣.

٤٥١

عن أئمتهم تبديع فاعليها وذم مستعمليها ، فهل معك رواية عن أهل البيت عليهم‌السلام في صحتها لم تعتمد على حجج العقول ولا تلتفت إلى ما خالفها ، وإن كان عليه إجماع العصابة؟

فقال : أخطأت المعتزلة والحشوية في ما ادعوه علينا من خلاف جماعة مذهبنا(١) في استعمال المناظرة ، وأخطأ من ادعى ذلك من الامامية أيضا وتجاهل ، لان فقهاء الامامية ورؤساء هم في علم الدين كانوا يستعملون المناظرة ويدينون بصحتها وتلقى ذلك عنهم الخلف ودانوا به ، وقد أشبعت القول في هذا الباب وذكرت أسماء المعروفين بالنظر وكتبهم مدائح الائمة عليهم‌السلام لهم في كتاب الكامل في علوم الدين وكتاب الاركان في دعائم الدين ، وأنا أروي لك في هذا الوقت حديثا من جملة ما أوردت في ذلك إن شاء الله : (٢)

أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمن مولى آل يقطين ، عن أبي جعفر محمد بن النعمان ، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد عليهم‌السلام قال : قال لي : « خاصموهم و بينوا لهم الهدى الذي أنتم عليه ، وبينوا لهم ضلالتهم ، وباهلوهم في علي عليه‌السلام ».

قلت : فإني لا أزال أسمع المعتزلة يدعون على أسلافنا أنهم كانوا كلهم مشبهة و أسمع المشبهة من العامة يقولون مثل ذلك ، وأرى جماعة من أصحاب الحديث من الامامية يطابقونهم على هذه الحكاية ، ويقولون : إن نفي التشبيه إنما أخذناه من المعتزلة ، فاحب أن تروي لي حديثا يبطل ذلك ، فقال : هذه الدعوى كالاولة ، ولم يكن في سلفنا رحمهم‌الله من تدين بالتشبيه من طريق المعنى ، وإنما خالف هشام وأصحابه جماعة أصحاب أبي عبدالله عليه‌السلام بقوله في الجسم ، وزعم أن الله تعالى جسم لا كالاجسام وقد روي أنه رجع عن هذا القول بعد ذلك ، وقد اختلفت الحكايات عنه ، ولم يصح منها إلا ما ذكرت ، وأم الرد على هشام والقول بنفي التشبيه فهو أكثر من أن يحصى من الرواية عن آل محمد عليهم‌السلام.(٣)

__________________

(١) في المصدر : من خلاف أهل مذهبنا.

(٢) وما وردت من أخبار ظاهرها ذلك فحمله الاصحاب على نهيهم عليهم‌السلام من لم يكن أهلا لذلك ، ولذلك أيضا في الخبار شواهد.

(٣) راجع في كتب الرجال ترجمة هشام وما قال الاكابر من قداسة هشام نزاهته عن ذلك ، وما قالوا في بيان الاخبار الدالة على ذلك.

٤٥٢

أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه‌الله ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن أبي عبدالله ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح. والحسين بن سعيد ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن محمد بن زياد قال : سمعت يونس بن ظبيان(١) يقول : دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام فقلت له : إن هشام بن الحكم يقول في الله عزوجل قولا عظيما ، إلا أني أختصر لك منه أحرفا ، يزعم أن الله تعالى جسم ، (٢) لان الاشياء شيئان : جسم ، وفعل الجسم ، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ، ويجب أن يكون بمعنى الفاعل. فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : ياويحه! أما علم أن الجسم محدود متناه محتمل للزيادة والنقصان وما احتمل ذلك كان مخلوقا ، فلو كان الله تعالى جسما لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق؟ فهذا قول أبي عبدالله عليه‌السلام وحجته على هشام فيما اعتل به من المقال ، فكيف نكون قد أخذ نا ذلك عن المعتزلة لولا قلة الدين؟.

قلت : فإنهم يدعون أن الجماعة كانت تدين باجبر والقول بالرؤية ، حتى نقل جماعة من المتأجرين منهم المعنزلة عنذلك ، (٣) فهل معنا رواية بخلاف ما ادعوه؟ فقال : هذا أيضا كالاول ، ما دان أصحابنا قط بالجبر إلا أن يكون عاميا لا يعرف تأويل الاخبار ، أو شاذا عن جماعة الفقهاء والنظار ، والرواية في العدل ونفي الرؤية عن آل محمد عليهم‌السلام أكثر من أن يقع عليها الاحصاء.(٤)

أخبرني أبومحمد سهل بن أحمد الديباجي قال : حدثنا أبومحمد قاسم بن جعفر بن يحيى المصري قال : حدثنا أبويوسف يعقوب بن علي ، عن أبيه ، عن حجاج بن عبدالله قال : سمعت أبي يقول : سمعت جعفر بن محمد عليهما‌السلام وكان أفضل من رأيت من الشرفاء والعلماء وأهل الفضل وقد سئل عن أفعال العباد فقال : كل ما وعدالله وتواعد عليه فهو من أفعال العباد.

وقال : قال : حدثني أبي ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم‌السلام(٥) قال : قال رسول الله

__________________

(١) يونس بن ظبيان ضعيف قدر موه أصحابنا بالوضع والتخليط.

(٢) في المصدر : جسم لا كالا جسام.

(٣) في المصدر : حتى نقل عن جماعة من المتأخرين منهم المعتزلة عن ذلك.

(٤) قد تقدم جملة منها في كتاب التوحيد والعدل.

(٥) في المصدر : حدثنى أبى ، عن أبيه ، عن الحسن عليه‌السلام.

٤٥٣

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض كلامه : (إنما هي أعمالكم ترد إليكم ، فمن وجد خيرا فليحمدالله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) فأما نفي الرؤية عن الله عزوجل بالابصار فعليه إجماع الفقهاء والمتكلمين من العصابة كافة إلا ما حكي عن هشام في خلافه ، والحجج عليه مأثورة عن الصادقين عليهم‌السلام ، فمن ذلك حديث أحمد بن إسحاق(١) وقد كتب إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام يسأله عن الرؤية ، فكتب جوابه : ليس يجوز الرؤية مالم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه القصر ، فمتى انقطع الهواء وعدم الضياء لم يصح الرؤية ، (٢) وفي وجود اتصال الضياء بين الرائي والمرئي وجوب الاشتباه ، (٣) والله يتعالى عن الاشباه ، فثبت أنه سبحانه لا يجوز عليه الرؤية بالابصار.(٤) فهذا قول أبي الحسن عليه‌السلام وحجته في نفي الرؤية ، وعليها اعتمد جميع من نفى الرؤية من المتكلمين ، وكذلك الخبر المروي عن الرضا عليه‌السلام ، وفي ثبوته مع نظائره في كتابي المقدم ذكرهما غنى عن إيراده في هذا المكان.(٥)

أقول : احتجاجات أصحابنا ومناظراتهم رحمة الله عليهم على المخالفين أكثر من أن تحصى ، ولنكتف في هذا المجلد بما أوردناه.

وقد وقع الفراغ منه على يدي مؤلفه ختم الله له بالحسنى في شهر ربيع الثاني من شهور سنة ثمانين بعد الالف من الهجرة ، والحمدلله أولا وآخرا ، وصلى الله على أشرف المرسلين محمد وعترته الطاهرين المنتجبين المكرمين.

__________________

(١) تقدم ترجمته في ج ٤ ص ٣٤.

(٢) في نسخة : لم يصلح الرؤية.

(٣) في المصدر : وفى وجوب اتصال الضياء بين الرائى والمرئى وجوب الاشباه.

(٤) أخرجه المصنف من الاحتجاج والتوحيد في باب نفى الرؤية ، وفصل في تفسير الحديث راجع ج ٤ ص ٣٤ ـ ٣٦.

(٥) الفصول المختارة ٢ : ١١٩ ـ ١٢١.

٤٥٤

إلى هناتم الجزء العاشر من كتاب بحارالانوار من هذه الطبعة النفيسة ، وبه يتم المجلد الرابع حسب تجزئة المصنف قدس‌سره الشريف ويحوي هذا الجزء ١٥٩ حديثا في ٢٦ بابا. وقدقا بلناه بعدة نسخ مطبوعة ومخطوطة ، منها نسخة ثمنية نفيسة مقروءة على المصنف ، وفي ختامها إجازة منه بخطه الشريف كما يراه القارئ. و النسخة لخزانة كتب الاستاذ المعظم السيد محمد مشكوة فمن الواجب أن نقدم إليه ثناءنا العاطر وشكرنا الجزيل.

ولا ننسى الثناء على الحبر الفاضل السيد كاظم الموسوي المحترم ، حيث يساعدنا في مقابلة الكتاب وتصحيحه ، وفقه الله تعالى وإيانا لجميع مرضاته ، إنه ولي التوفيق.

يحيى العابدى الزنجانى

٤٥٥

فهرست ما في هذا الجزء

الموضوع

الصفحة

باب ١ احتجاجات أمير المؤ منين صلوات الله عليه على اليهود في أنواع كثيرة من العلوم ومسائل شتى ، وفيه ١٣ حديثا ١ ـ ٢٨

باب ٢ احتجاجه صلوات الله عليه على بعض اليهود بذكر معجزات النبي صلى الله عليه وآله ، وفيه حديث واحد. ٢٨ ـ ٥١

باب ٣ احتجاجه صلوات الله عليه على النصارى ، وفيه خمسة أحاديث...................... ٥٢ ـ ٦٩

باب ٤ احتجاجه صلوات الله عليه على الطبيب اليوناني ، وفيه حديث واحد................. ٧٠ ـ ٧٥

باب ٥ أسؤلة الشامي عم أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة ، وفيه حديث واحد...... ٧٥ ـ ٨٣

باب ٦ نوادر احتجاجاته صلوات الله عليه وبعض ما صدر عنه من جوامع العلوم ، وفيه تسعة أحاديث. ٨٣ ـ ٨٩

باب ٧ ما علمه صلوات الله عليه من أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه ، وفيه حديث واحد. ٨٩ ـ ١١٧

باب ٨ ما تفضل صلوات الله عليه به على الناس بقوله : سلوني قبل أن تفقدوني ، وفيه سبعة أحاديث. ١١٧ ـ ١٢٩

باب ٩ مناظرات الحسنين ـ صلوات الله عليهما ـ واحتجاجاتهما ، وفيه خمسة أحاديث.... ١٢٩ ـ ١٤٥

باب ١٠ مناظرات علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ واحتجاجاته ، وفيه ثلاثة أحاديث.. ١٤٥ ـ ١٤٦

باب ١١ في احتجاج أهل زمانه على المخالفين ، وفيه حديث واحد...................... ١٤٦ ـ ١٤٩

باب ١٢ مناظرات محمد بن علي الباقر واحتجاجاته عليه السلام ، وفيه ١٤ حديثا.......... ١٤٩ ـ ١٦٣

٤٥٦

الموضوع

الصفحة

باب ١٣ احتجاجات الصادق صلوات الله عليه على الزنادقة والمخالفين ومناظراته معهم ، وفيه ٢٣ حديثا. ١٦٣ ـ ٢٢٢

باب ١٤ ما بين عليه السلام من المسائل في أصول الدين وفروعه برواية الأعمش ، وفيه حديث واحد. ٢٢٢ ـ ٢٣٠

باب ١٥ احتجاجات أصحابه عليه السلام على المخالفين ، وفيه ثلاثة أحاديث............. ٢٣٠ ـ ٢٣٤

باب ١٦ احتجاجات موسى بن جعفر عليه السلام على أرباب الملل والخلفاء وبعض ما روي عنه من جوامع العلوم ، وفيه ١٧ حديثا. ٢٣٤ ـ ٢٤٨

باب ١٧ ما وصل إلينا من أخبار علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام بغير رواية الحميري ، وفيه حديث واحد. ٢٤٩ ـ ٢٩١

باب ١٨ احتجاجات أصحابه عليه السالام على المخالفين ، وفيه ستة أحاديث............. ٢٩٢ ـ ٢٩٨

باب ١٩ مناظرات علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه ، واحتجاجه على أرباب الملل المختلفة والأديان المتشتة في مجلس المأمون وغيره ،. فيه ١٣ حديثا........................................................................ ٢٩٩ ـ ٣٥١

باب ٢٠ ما كتبه صلوات الله عليه للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدين ، وسائر ما روي عنه عليه السلام من جوامع العلوم ، وفيه ٢٤ حديثا............................................................................ ٣٥٢ ـ ٣٦٩

باب ٢١ مناظرات أصحابه وأهل زمانه صلوات الله عليه ، وفيه عشرة أحاديث............ ٣٧٠ ـ ٣٨١

باب ٢٢ احتجاجات أبي جعفر الجواد ومناظراته صلوات الله عليه ، وفيه حديثان........... ٣٨١ ـ ٣٨٥

باب ٢٣ احتجاجات أبي الحسن علي بن محمد النقي صلوات الله عليه ، وفيه أربعة أحاديث.. ٣٨٦ ـ ٣٩١

٤٥٧

الموضوع

الصفحة

باب ٢٤ اجتجاجات أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه ، وفيه حديث واحد....... ٣٩٢

باب ٢٥ فيما بين الصدوق رحمه الله من مذهب الإمامية وأملى على المشائخ في مجلس واحد.. ٣٩٣ ـ ٤٠٥

باب ٢٦ نوادر الاحتجاجات والمناظرات الواردة عن علمائنا الإمامية رضوان الله تعالى عليهم. ٤٠٦ ـ ٤٥٤

٤٥٨

تذكر

اعتمدنا في تصحيح كتاب الاحتجاجات ـ هذا الجزء والذي يليه ـ وتخريج

احاديثه على هذه الكتب :

١ ـ الاحتجاج للطبرسي

طبعة

النجف

سنة

١٣٥٠

٢ ـ الارشاد للشيخ المفيد

ايران

١٣٠٨

٣ ـ إرشاد القلوب للديلمي

النجف

دون تاريخ

٤ ـ الاستيعاب لابن عبدالبر

مصر

سنة

١٣٥٨

٥ ـ الامالي للشيخ الصدوق

ايران

١٣٧٤

٦ ـ الامالي للشيخ الطوسي

١٣١٣

٧ ـ الامالي للسيد المرتضى

مصر

١٣٢٥

٨ ـ بصائر الدرجات للصفار

ايران

١٢٨٥

٩ ـ تفسير الامام العسكري وكثيراً ما راجعت طبعة الاخر في هامش تفسير علي بن ابراهيم طبعة ايران سنة ١٣١٥.

١٣١٥

١٠ ـ تحف العقول لابن شعبة

طبعة

طهران

سنة

١٣٧٦

١١ ـ تفسير البيضاوي

اسلامبول

١٣٠٣

١٢ ـ تفسير على بن ابراهيم القمي وكثيراً ما راجعت طبعة الاخر بسنة ١٣١٥.

ايران

١٣١٣

١٣ ـ التوحيد للصدوق

الهند

١٤ ـ الخرائج والجرائح للراوندي

ايران

١٣٠٥

١٥ ـ الخصال للصدوق

١٣٠٢

١٦ ـ الرجال للكشي

بمبئي

١٣١٧

١٧ ـ الروضة في الفضائل طبع مع علل الشرائع والمعاني بايران

١٣٢١

١٨ ـ شرح نهج البلاغه لابن ميثم

طبعة

ايران

١٢٧٦

١٩ ـ صحيفة الرضا عليه السلام

١٣٧٦

٤٥٩

٢٠ ـ علل الشرائع ومعاني الاخبار للصدوق

طبعة

ايران

سنة

١٣١١

٢١ ـ عيون الاخبار للصدوق

١٣١٨

٢٢ ـ الغيبة للنعماني

١٣١٧

٢٣ ـ الفصول المختارة للسيد المرتضى

النجف

دون تاريخ

٢٤ ـ الفضائل لابن شاذان

ايران

سنة

١٢٩٤

٢٥ ـ القاموس المحميط للفيروز ابادي

الهند

دون تاريخ

٢٦ ـ قرب الاسناد للحميري

ايران

سنة

١٣٧٠

٢٧ ـ الكافي للكليني الاصول الروضة ١٣٧٧.

١٣٧٥

٢٨ ـ الكشاف للرمخشري

مصر

١٣٧٣

٢٩ ـ كمال الدين للصدوق

ايران

١٣٠١

٣٠ ـ كنزالفوائد للكراجكي

١٣٢٢

٣١ ـ مجمع البيان للطبرسي

١٣٧٣

٣٢ ـ النهاية لابن الاثير

١٢٩٩

٣٣ ـ نهج البلاغة للسيد الرضي

مصر

دون تاريخ

قم المشرفة خادم العلم والدين عبدالرحيم الرباني الشيرازي

٤٦٠