بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

رجل وأطعمك طعاما طيبا ، وأسقاك ماء باردا ، ثم امتن عليك به ماكنت تنسبه إليه؟ قلت : إلى البخل ، قال : أفيبخل الله تعالى؟! قلت : فماهو؟ قال : حبنا أهل البيت.

٢١ ـ ومنه : قال : دخل طاوس(١) على الصادق صلوات الله عليه فقال له : يا طاوس ناشدتك الله هل علمت أحدا أقبل للعذر من الله تعالى؟ قال : اللهم لا ، قال : هل علمت أحدأ أصدق ممن قال : لا أقدر وهو لايقدر؟ قال : اللهم لا. قال : فلم لا يقبل من لا أقبل للعذر منه ممن لا أصدق في القول منه؟ فنفض ثوبه فقال : مابيني وبين الحق عداوة.

٢٢ ـ دعائم الاسلام : روينا عن جعفربن محمد صلوات الله عليهما أنه قال لابي حنيفة وقد دخل عليه فقال له : يانعمان ما الذي تعتمد عليه فيما لم تجد فيه نصا في كتاب الله ولاخبرا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : أقيسه على ماوجدت من ذلك ، قال له : أول من قاس إبليس ، فأخطأ إذ أمره الله عزوجل بالسجود لآدم عليه‌السلام. فقال : أناخيرمنه خلقتني من نار وخلقته من طين ، فرأى أن النار أشرف عنصرا من الطين فخلده ذلك في العذاب المهين ، يانعمان أيهما أطهر المني أوالبول؟ قال : المني ، قال فقدجعل الله عزوجل في البول الوضوء ، وفي المني الغسل ولوكان يحمل على القياس لكان الغسل في البول.

وأيهما أعظم عندالله الزنا أم قتل النفس؟ قال : قتل النفس ، قال : فقد جعل الله عزوجل في قتل النفس الشاهدين ، وفي الزنا أربعة ، ولو كان على القياس لكان الاربعة الشهداء في القتل ، لانه أعظم. وأيهما أعظم عندالله الصلاة أم الصوم؟ قال : الصلاة ، قال : فقدأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحائض بأن تقضي الصوم ولاتقضي الصلاة ، ولوكان على القياس لكان الواجب أن تقضي الصلاة ، فاتق الله يانعمان ولاتقس فإنا نقف غدا نحن وأنت ومن خالفنا بين يدي الله عزوجل فيسألنا عن قولنا ويسألهم عن قولهم فنقول : قلنا : قال الله وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقول أنت وأصحابك : رأينا وقسنا ، فيفعل الله بنا وبكم مايشاء.

__________________

(١) هو طاوس بن كيسان اليمانى أبوعبدالرحمن الحميرى مولاهم الفارسى ، يقال : اسمه ذكوان ، وطاوس لقب ، ترجمه ابن حجر في التقريب : ٢٤١ وقال : ثقة فقيه فاضل ، مات سنة ست ومائة ، وقيل : بعد ذلك. قلت : أورده الشيخ في رجاله في أصحاب الامام السجاد عليه‌السلام.

٢٢١

٢٣ ـ وروينا عن بعض الائمة الطاهرين عليهم‌السلام والصلاة أنه قال : أتى أبوحنيفة إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، فخرج إليه يتو كؤ على عصا فقال له أبوحنيفة : ماهذه العصا يا أبا عبدالله؟ ما بلغ بك من السن ماكنت تحتاج إليها ، قال : أجل ولكنهاعصا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأردت أن أتبرك بها ، قال : أما إني لوعلمت ذلك وأنها عصا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقمت وقبلتها. فقال أبوعبدالله عليه الصلاة والسلام : سبحان الله وحسر عن ذراعه(١) وقال : والله يانعمان لقد علمت أن هذا من شعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بشره فما قبلته! فتطاول أبوحنيفة ليقبل يده فاستل كمه وجذب يده ودخل منزله

(باب ١٤)

* (مابين ٧ من المسائل في اصول الدين وفروعه) *

* (برواية الاعمش) *

١ ـ ل : حدثنا أحمدبن محمد بن الهيثم العجلي ، وأحمدبن الحسن القطان ، و محمدبن أحمد السناني ، والحسين بن إبراهيم بن أحمدبن هشام المكتب ، وعبدالله بن محمد الصائغ ، وعلي بن عبدالله الوراق رضي الله عنهم قالوا : حدثنا أبوالعباس أحمدبن يحيى ابن زكريا القطان قال : حدثنا بكربن عبدالله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم بن بهلول قال : حدثني أبومعاوية ، عن الاعمش ، (٢) عن جعفربن محمد عليه‌السلام قال : هذه شرائع الدين لمن تمسك بها وأراد الله تعالى هداه : إسباغ الوضوء كما أمر الله عزوجل في كتابه الناطق ، غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ، ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين مرة مرة ومر تان جائز ولا ينقض الوضوء إلا البول والريح والنوم والغائط والجنابة ، ومن مسح على الخفين فقد خالف الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكتابه ، ووضوؤه لم يتم ، وصلاته غير مجزية.

__________________

(١) اى كشف عن ذراعه.

(٢) هوسليمان بن مهران الاسدى الكاهلى ابومحمد الكوفى الاعمش ، ترجمه العامة في كتبهم واثنوا عليه ثناء جميلا ، قال ابن حجر في التقريب : ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع ، لكنه يدلس ، مات سنة سبع وأربعين أو ثمان « أى بعدالمائة » وكان مولده اول احدى وستين سنة.

٢٢٢

والاغسال منها : غسل الجنابة ، والحيض ، وغسل الميت ، وغسل من مس الميت بعد مايبرد ، وغسل من غسل الميت ، وغسل يوم الجمعة ، وغسل العيدين ، وغسل دخول مكة ، وغسل دخول المدينة ، وغسل الزيارة ، وغسل الاحرام ، وغسل يوم عرفة ، وغسل ليلة سبع عشرة من شهر رمضان ، وغسل ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ، وغسل ليلة إحدى وعشرين منه ، وليلة ثلاث وعشرين منه ، أما الفرض فغسل الجنابة ، وغسل الجنابة والحيض واحد.

وصلاة الفريضة : الظهر أربع ركعات ، والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء الآخرة أربع ركعات ، والفجر ركعتان فجملة الصلوات المفروضة سبع عشرة ركعة. والسنة أربع وثلاثون ركعة ، منها أربع ركعات بعد المغرب ، لا تقصير فيها(١) في سفر ولاحضر ، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة ، وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل ، والشفع ركعتان ، والوتر ركعة ، وركعتا الفجر بعد الوتر ، وثمان ركعات قبل الظهر ، ثمان ركعات قبل العصر. والصلاة تستحب في أول الاوقات. وفضل الجماعة على الفرد بأربعة وعشرين. ولا صلاة خلف الفاجر. ولا يقتدى إلا بأهل الولاية. ولا يصلى في جلود المبتة وإن دبغت سبعين مرة ولافي جلود السباع. ولايسجد إلا على الارض ، أوما أنبتت الارض إلا المأكول والقطن والكتان. ويقال في افتتاح الصلاة : تعالى عرشك ، ولايقال : تعالى جدك. ولايقال في التشهد الاول : السلام علينا وعلى عبادالله الصالحين ، لان تحليل الصلاة هو التسليم وإذا قلت هذا فقد سلمت. والتقصير في ثمانية فراسخ ، وهو بريدان. وإذا قصرت أفطرت. ومن لم يقصر في السفر لم تجز صلاته ، لانه قدزاد في فرض الله عزوجل. والقنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة. والصلاة على الميت خمس تكبيرات ، فمن نقص منها فقد خالف السنة. والميت يسل(٢) من قبل رجليه سلا ، والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد. والقبور تربع

__________________

(١) في نسخة : لايقصر فيها في سفر ولاحضر.

(٢) سل الشئ من الشئ : انتزعه وأخرجه برفق.

٢٢٣

ولاتسنم. والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب. وفرائض الصلاة سبع : الوقت ، والطهور ، والتوجه ، والقبلة ، والركوع ، والسجود ، والدعاء.

والزكاة فريضة واجبة على كل مائتي درهم خمسة دراهم ، ولاتجب فيمادون ذلك من الفضة. ولاتجب على مال زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم ملكه صاحبه. ولايحل أن تدفع الزكاة إلا إلى أهل الولاية والمعرفة. وتجب على الذهب الزكاة إذا بلغ عشرين مثقالا فيكون فيه نصف دينار. وتجب على الحنطة والشعير والتمر و الزبيب إذا بلغ خمسة أوساق العشرإن كان سقي سيحا ، (١) وإن سقي بالدوالي فعليه نصف العشر ، والوسق ستون صاعا. والصاع أربعة أمداد. وتجب على الغنم الزكاة إذا بلغت أربعين شاة(٢) فتكون فيها شاة ، فإذا بلغت مائة وعشرين وتزيد واحدة فتكون فيها شاتان إلى مائتين ، فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياة إلى ثلاثمائة ، ثم بعد ذلك تكون في كل مائة شاة شاة. وتجب على البقر الزكاة إذا بلغت ثلاثين بقرة تبيعة حولية ، فتكون فيها تبيع حولي إلى أن تبلغ أربعين بقرة ، ثم يكون فيها مسنة إلى ستين ، ففيها تبيعان إلى أن تبلغ سبعين ، ففيها تبيع ومسنة إلى أن تبلغ ثمانين(٣) ثم يكون فيها مسنتان إلى تسعين ، ثم يكون فيها ثلاث تبايع ، ثم بعد ذلك في كل ثلاثين بقرة تبيع ، وفي كل أربعين مسنة. ويجب على الابل الزكاة إذا بلغت خمسة فيكون فيها شاة ، فإذا بلغت عشرة فشاتان ، فإذا بلغت خمسة عشر فثلاث شياة ، فإذا بلغت عشرين فأربع شياة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين فخمس شياة ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض ، فإذا بلغت خمسا وثلاثين وزادت واحدة ففيها بنت لبون ، فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة ، فإذا بلغت ستين وزادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين ، فإن زادت واحدة ففيها ثنى إلى تسعين ، (٤) فإذا بلغت تسعين

__________________

(١) السيح : الماء الجارى الظاهر.

(٢) في نسخة : إذا بلغت اربعين شاة.

(٣) المصدر وعدة من النسخ خالية عن تلك الجملة ، نعم ذكرت في هامش نس؟؟ حتين مصححتين واعلمت عليها علامة « ظ » أى الظاهر لزومها.

(٤) قال المصنف في الهامش : موافق لمذهب ابنى بابويه حيث قالا : في احدى وثمانين ثنى وسيأتى الكلام فيه وفيما بعده في محله.

٢٢٤

ففيها ابنتالبون ، فإن زادت واحدة إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل ، فإذا كثرت الابل ففي كل أربعين بت لبون ، وفي كل خمسين حقة ، ويسقط الغنم بعد ذلك ، ويرجع إلى أسنان الابل.(١)

وزكاة الفطرة واجبة على كل رأس صغير أو كبير ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى أربعة أمداد من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وهو صاع تام ، ولا يجوز دفع ذلك أجمع إلا إلى أهل الولاية والمعرفة.

وأكثر أيام الحيض عشرة أيام ، وأقلها ثلاثة أيام ، والمستحاضة تغتسل وتحتشي وتصلي ، والحائض تترك الصلاة ولا تقضيها ، وتترك الصوم وتقضيه.

وصيام شهر رمضان فريضة يصام لرؤيته ، ويفطر لرؤيته. ولا يصلى التطوع في جماعة لان ذلك بدعة وضلالة ، وكل ضلالة في النار. وصوم ثلاثة أيام في كل شهر سنة ، وهو صوم خميسين بينهما أربعاء : الخميس الاول في الشعر الاول ، (٢) والاربعاء من العشر الاوسط ، والخميس الاخير من الشعر الاخير. وصوم شعبان حسن لمن صامه لان الصالحين قد صاموه ورغبوا فيه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصل شعبان بشهر رمضان. والفائت من شهر رمضان إن قضى متفرقا جاز ، وإن قضى متتابعا فهو أفضل.

وحج البيت واجب لمن استطاع إليه سبيلا ، وهو الزاد والراحلة مع صحة البدن وأن يكون للانسان ما يخلفه على عياله وما يرجع إليه بعد حجه ، (٣) ولا يجوز الحج إلا تمتعا ، ولا يجوز الاقران والافراد إلا لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام ولا يجوز الاحرام قبل بلوغ الميقات ، ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلا لمرض أو تقية ، وقد قال الله عزوجل : « وأتموا الحج والعمرة لله » وتمامها اجتناب الرفث والفسوق والجدال في الحج. ولا يجزي في النسك الخصي لانه ناقص ، ويجوز الموجوء إذا لم يوجد غيره وفرائض الحج : الاحرام ، والتلبية الاربع ، وهي : « لبيك اللهم

__________________

(١) سيأتى شرح ألفاظ الحديث في كتاب الزكاة.

(٢) في نسخة : من العشر الاول.

(٣) في نسخة : ومايرجع إليه من بعد حجه.

٢٢٥

لبيك ، لبيك لاشريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك » والطواف بالبيت للعمرة فريضة ، وركعتاه عند مقام إبراهيم عليه‌السلام فريضة. والسعي بين الصفا والمروة فريضة. وطواف الحج فريضة ، وركعتاه عند المقام فريضة ، والسعي بين الصفا والمروة فريضة ، وطواف النساء فريضة ، ولايسعى بعده بين الصفا والمروة(١) والوقوف بالمشعر فريضة ، والهدي للتمتع فريضة ، فأما الوقوف بعرفة فهوسنة واجبة ، والحلق سنة ، ورمي الجمار سنة.

والجهاد واجب مع إمام عادل. ومن قتل دون ماله فهو شهيد. ولا يحل قتل أحد من الكفار والنصاب في دار التقية إلا قاتل أوساع في فساد ، وذلك إذا لم تخف على نفسك ولا على أصحابك. واستعمال التقية في دار التقية واجب ، ولا حنث ولا كفارة على من حلف تقية يدفع بذلك ظلما عن نفسه.

والطلاق للسنة على ما ذكره الله عزوجل في كتابه وسنة نبيه ، ولايجوز طلاق لغير السنة ، وكل طلاق مخالف للكتاب فليس بطلاق ، كما أن كل نكاح يخالف السنة فليس بنكاح. ولا يجمع بين أكثر من أربع حرائر ، وإذا طلقت المرأة للعدة ثلاث مرات لم يحل للرجل حتى تنكح زوجا غيره ، وقد قال عليه‌السلام : واتقوا تزويج المطلقات ثلاثا في موضع واحد ، فإنهن ذوات أزواج.

والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واجبة في كل المواطن وعند العطاس والرياح وغير ذلك.(٢)

وحب أولياء الله واجب ، والولاية لهم واجبة ، والبراءة من أعدائهم واجبة ، ومن الذين ظلموا آل محمد صلى الله عليهم ، وهتكوا حجابه ، وأخذوا من فاطمة عليها‌السلام فدك ، (٣) ومنعوها ميراثها ، وغصبوها وزوجها حقوقهما ، وهموا بإحراق بيتها ، و أسسوا الظلم ، وغيروا سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين

__________________

(١) في المصدر : وركعتاه عند المقام فريضة وبعده السعى بين الصفا والمروة فريضة ، و طواف النساء فريضة ، وركعتاه عند المقام فريضة ، ولايسعى بعده بين الصفا والمروة.

(٢) في الوسائل : وعند العطاس والذبائح وغير ذلك.

(٣) في المصدر وفى نسخة : وأخذوا من فاطمة عليها‌السلام فدكا.

٢٢٦

واجبة ، والبراءة من الانصاب والازلام أئمة الضلال وقادة الجور كلهم أولهم وآخرهم واجبة ، والبراءة من أشقى الاولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود قاتل أميرالمؤمنين عليه‌السلام واجبة ، والبراءة من جميع قتلة أهل البيت عليهم‌السلام واجبة.

والولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبد لوا بعد نبيهم واجبة ، مثل سلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد بن الاسود الكندي ، وعمار بن ياسر ، وجابر ابن عبدالله الانصاري ، وحذيفة بن اليمان ، وأبي الهيثم بن التيهان ، وسهل بن حنيف ، وأبي أيوب الانصاري ، وعبدالله بن الصامت ، وعبادة بن الصامت ، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، وأبي سعيد الخدري ومن نحا نحوهم وفعل مثل فعلهم ، والولاية لاتباعهم والمقتدين بهم وبهداهم واجبة.

وبرالوالدين واجب ، فإن كانا مشركين فلاتطعهما ولاغيرهما في المعصية ، فإنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق. والانبياء وأوصياؤهم لاذنوب لهم لانهم معصومون مطهرون. وتحليل المتعتين واجب كما أنزلهما الله تعالى عزوجل في كتابه وسنهما رسول الله : متعة الحج ، ومتعة النساء. والفرائض على ما أنزل الله تبارك وتعالى.

والعقيقة للولد الذكر والانثى يوم السابع ، ويسمى الولديوم السابع ، ويحلق رأسه ، ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ، والله عزوجل لايكلف نفسا إلا وسعها ، ولايكلفها فوق طاقتها.

وأفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لاخلق تكوين ، والله خالق كل شئ ، ولا تقول(١) بالجبر ولا بالتفويض ، ولا يأخذ الله عزوجل البرئ بالسقيم ، ولا يعذب الله عزوجل الاطفال بذنوب الآباء فإنه تعالى قال في محكم كتابه : « ولاتزر وازرة وزر اخرى » وقال عزوجل : « وأن ليس للانسان إلا ماسعى » (٢) ولله عزوجل أن يعفو ويتفضل ، وليس له عزوجل أن يطلم ، ولا يفرض الله عزوجل على عباده طاعة من يعلم أنه يغويهم ويضلهم ولايختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد الشيطان دونه ، ولا يتخذ على خلقه حجة إلا معصوما ،

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر : ولانقول.

(٢) في المصدر زيادة وهى : « وأن سعيه سوف يرى » قلت : قد تقدم الكلام في افعال العباد والجبرو التفويض وغيرهما في كتاب التوحيد.

٢٢٧

والاسلام غير الايمان ، وكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا. ولايسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن. ولايزني الزاني وهو مؤمن. وأصحاب الحدود مسلمون ، لا مؤمنون ولا كافرون ، فإن الله تبارك وتعالى لا يدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة ، ولا يخرج من النار كافرا وقد وعده النار(١) والخلود فيها ، ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ، فأصحاب الحدود فساق لامؤمنون ولا كافرون ، ولا يخلدون في النار ويخرجون منها يوما ما ، والشفاعة جائزة لهم وللمستضعفين إذا ارتضى الله عزوجل دينهم.

والقرآن كلام الله تعالى ليس بخالق ولا مخلوق. والدار اليوم دار تقية وهي دارالاسلام لادار كفر ولا دار إيمان ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ولم يخف على نفسه ولا على أصحابه. والايمان هوأداء الفرائض واجتناب الكبائر ، والايمان هو معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالاركان ، والاقرار بعذاب القبر ومنكر ونكير والبعث بعد الموت والحساب والصراط والميزان ، ولا إيمان بالله إلا بالبراءة من أعداء الله عزوجل.

والتكبير في العيدين واجب ، أما في الفطر ففي خمس صلوات يبتدء به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يوم الفطر ، وهو أن يقال : « الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ماهدانا ، والحمدلله على ما أبلانا » لقوله عزوجل : « ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهد؟ كم » وفي الاضحى بالامصار في دبر عشر صلوات ، يبتدء به من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الغداة يوم الثالث ، وبمنى دبر خمس عشرة صلاة يبتدء به من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الغداة يوم الرابع ، ويزاد في هذا التكبير « والله أكبر على مارزقنا من بهيمة الانعام ».

والنفساء لاتقعد أكثر من عشرين يوما إلا أن تطهر قبل ذلك ، وإن لم تطهر بعد العشرين اغتسلت واحتشت وعملت عمل المستحاضة. والشراب فكل ما أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام.

__________________

(١) في المصدر : وقد أوعده النار.

٢٢٨

وكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير فأكله حرام. والطحال حرام لانه دم ، والجري والمار ماهي والطافي والزمير حرام.(١) وكل سمك لا يكون له فلوس فأكله حرام ، ويؤكل من البيض ما اختلف طرفاه ، ولا يؤكل ما استوى طرفاه. ويؤكل من الجراد ما استقل بالطيران ، (٢) ولا يؤكل منه الدبى(٣) لانه لايستقل بالطيران. وذكاة السمك والجراد أخذه.

والكبائر محرمة ، وهي : الشرك بالله عزوجل ، وقتل النفس التي حرم الله تعالى ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ظلما ، وأكل الربا بعد البينة ، وقذف المحصنات. وبعد ذلك : الزنا ، واللواط ، والسرقة ، وأكل الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما اهل لغيرالله به من غير ضرورة ، وأكل السحت ، والبخس في المكيال والميزان ، والميسر ، وشهادة الزور ، واليأس من روح الله ، والامن من مكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، وترك معاونة المظلومين ، والركون إلى الظالمين ، واليمين الغموس ، (٤) وحبس الحقوق من غير عسر ، واستعمال الكبر والتجبر ، والكذب ، و الاسراف ، والتبذير ، والخيانة ، والاستخفاف بالحج ، والمحاربة لاولياء الله عزوجل. والملاهي التي تصد عن ذكر الله تبارك وتعالى مكروهة ، كالغناء وضرب الاوتار ، والاصرار على صغائر الذنوب. ثم قال عليه‌السلام : إن في هذا البلاغا لقوم عابدين.

قال الصدوق : الكبائر هي سبع ، وبعدها فكل ذنب كبير بالاضافة إلى ماهو أصغرمنه ، وصغير بالاضافة إلى ماهو أكبرمنه ، وهذا معنى ماذكره الصادق عليه‌السلام في هذا الحديث من ذكر الكبائر الزائدة على السبع ولا قوة إلا بالله.(٥)

أقول : أجزاء الخبر مشروحة مفرقة على الابواب المناسبة لها.

__________________

(١) الجرى والجريث : نوع من السمك النهرى الطويل المعروف بالحنكليس ، ويدعونه في مصر ثعبان الماء ، وليس له عطم الاعظم الرأس والسلسلة الطافى : السمك الذى يموت في الماء فيعلوو يظهر. الزمير : نوع من السمك له شوك ناتئ على ظهره ، واكثر مايكون في المياه العذبة.

(٢) استقل الطائر في طيرانه : ارتفع.

(٣) الدبى : اصغر الجراد.

(٤) اليمين الغموس هى اليمين الكاذبة الفاجرة كالتى يقتطع بها الحالف مال غيره ، سميت غموسا لانها تغمس صاحبها في الاثم ثم في النار ، وفعول للمبالغة. قاله الجزرى في النهاية.

(٥) الخصال ٢ : ١٥٠ ـ ١٥٥.

٢٢٩

(باب ١٥)

* (احتجاجات اصحابه عليه السلام على المخالفين) *

١ ـ ختص : يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير قال : قال أبوحنيفة لابي جعفر مؤمن الظاق : ماتقول في الطلاق الثلاث؟ قال : أعلى خلاف الكتاب والسنة؟ قال : نعم ، قال أبوجعفر : لايجوز ذلك ، قال أبوحنيفة : ولم لايجوز ذلك؟ قال : لان التزويج عقد عقد بالطاعة فلايحل بالمعصية ، وإذا لم يجز التزويج بجهة المعصية لم يجز الطلاق بجهة المعصية ، وفي إجازة ذلك طعن على الله عزوجل فيما أمر به وعلى رسوله فيماسن ، لانه إذا كان العمل بخلافهما فلا معنى لهما ، وفي قولنا من شذ عنهما رد إليهما وهو صاغر. قال أبوحنيفة : قد جوز العلماء ذلك ، قال أبوجعفر : ليس العلماء الذين جوزوا للعبد العمل بالمعصية ، واستعمال سنة الشيطان في دين الله ، ولا عالم أكبر من الكتاب والسنة فلم تجوزون للعبد الجمع بين مافرق الله من الطلاق الثلاث في وقت واحد ولا تجوزون له الجمع بين مافرق الله من الصلوات الخمس؟ وفي تجويز ذلك تعطيل الكتاب وهدم السنة ، وقد قال الله جل وعز : « ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ».

ماتقول يا أباحنيفة في رجل قال : إنه طالق امرأته على سنة الشيطان؟ أيجوز له ذلك الطلاق؟ قال أبوحنيفة : فقد خالف السنة ، وبانت منه امرأته ، وعصى ربه. قال أبوجعفر : فهو كما قلنا ، إذا خالف سنة الله عمل بسنة الشيطان ، ومن أمضى بسنته فهو على ملته ليس له في دين الله نصيب. قال أبوحنيفة : هذا عمر بن الخطاب وهو من أفضل أئمة المسلمين قال : إن الله جل ثناؤه جعل لكم في الطلاق أناة فاستعجلتموه ، وأجزنا لكم ما استعجلتموه. قال أبوجعفر : إن عمر كان لايعرف أحكام الدين ، قال أبوحنيفة : وكيف ذلك؟ قال أبوجعفر : ما أقول فيه ماتنكره ، أما أول ذلك فإنه قال : لايصلي الجنب حتى يجد الماء ولو سنة! والامة على خلاف ذلك ، وأتاه أبوكيف

٢٣٠

العائذي(١) فقال : يا أميرالمؤمنين إني غبت فقدمت وقد تزوجت امرأتي ، فقال : إن كان قد دخل بها فهو أحق بها ، وإن لم يكن دخل بها فأنت أولى بها ، وهذا حكم لايعرف والامة على خلافه.

وقضى في رجل غاب عن أهله أربع سنين أنها تتزوج إن شاءت ، والامة على خلاف ذلك ، إنها لاتتزوج أبدا حتى تقوم البينة أنه مات أو طلقها ، وأنه قتل سبعة نفر من أهل اليمن برجل واحد ، وقال : لولا ماعليه أهل صنعا لقتلتهم به ، والامة على خلافه ، واتي بامرأة حبلى شهدوا عليها بالفاحشة فأمر برجمها ، فقال له على عليه‌السلام : إن كان لك السبيل عليها فما سبيلك على مافي بطنها؟ فقال لولا علي لهلك عمر ، و اتي بمجنونة قدزنت فأمر برجمها ، فقال له علي عليه‌السلام : أما علمت أن القلم قدرفع عنها حتى تصح؟ فقال : لولا علي لهلك عمر ، وإنه لم يدر الكلالة فسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها فأخبره بها فلم يفهم عنه ، فسأل ابنته حفصة أن تسأل النبي عن الكلالة فسألته ، فقال لها : أبوك أمرك بهذا؟ قالت : نعم ، فقال لها : إن أباك لايفهمها حتى يموت! فمن لم يعرف الكلالة كيف يعرف أحكام الدين؟.(٢)

٢ ـ اقول : قال السيد رضي‌الله‌عنه في كتاب الفصول : أخبرني الشيخ أدا الله عزه مرسلا قال : مر الفضال بن الحسن بن فضال الكوفي(٣) بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه وحديثه ، فقال لصاحب كان معه : والله لا أبرح أوأخجل أباحنيفة ، قال صاحبه : إن أباحنيفة ممن قد علت حاله(٤) وظهرت حجته ، قال : مه هل رأيت حجة كافر علت على مؤمن؟ ثم دنا منه فسلم عليه فرد ورد القوم السلام بأجمعهم ، فقال : يا أباحنيفة رحمك الله إن لي أخا يقول : إن خيرالناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) في نسخة : المعاندى. ولم نقف على صحيحه ولا على ترجمته.

(٢) للخليفة الثانى أضعاف هذه من شواذ الاراء ونوادرها! وسيأتى الايعاز إليها في محله ولقد فصل العلامة الامينى في كتاب القيم « الغدير » فيها وخرجها من كتب العامة راجع ٦ ص ٨٣ ـ ٣٣٢.

(٣) في المصدر : فضال بن الحسن بن فضال الكوفى.

(٤) في المصدر : ان ابا حنيفة ممن قد علمت حاله ومنزلته.

٢٣١

علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأنا أقول : إن أبابكر خير الناس وبعده عمر ، (١) فما تقول أنت رحمك الله؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال : كفى بمكانهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كرما وفخرا ، أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره ، فأي حجة أوضح لك من هذه؟ فقال له فضال : إني قد قلت ذلك لاخي ، فقال : والله لئن كان الموضع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد أسا آوما أحسا إذرجعا في هبتهما ونكثا عهدهما ، فأطرق أبوحنيفة ساعة ثم قال له : لم يكن له ولا لهما خاصة ، ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما ، فقال له فضال قدقلت له ذلك فقال : أنت تعلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مات عن تسع حشايا ، ونظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك؟ وبعد فما بال حفصة وعائشه ترثان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة بنته تمنع الميراث؟ فقال أبوحنيفة : ياقوم نحوه عني فإنه والله رافضي خبيث.(٢)

٣ ـ ومما حكى الشيخ رحمه‌الله قال : قال الحارث بن عبدالله الربعي : (٣) كنت جالسا في مجلس المنصور وهو بالجسر الاكبر وسوار القاضي عنده ، (٤) والسيد الحميري ينشده :

إن الاله الذي لاشئ يشبهه

أتاكم الملك للدنيا وللدين

أتاكم الله ملكا لازوال له

حتى يقاد إليكم صاحب الصين

وصاحب الهند مأخوذ برمته

وصاحب الترك محبوس على هون

حتى أتى على القصيدة والمنصور مسرور. فقال : سوار إن هذا والله يا أمير

__________________

(١) في المصدر : ان ابابكر خير الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده عمر.

(٢) الفصول المختارة : ص ٤٢ و ٤٣. وأخرجه الكراجكى في كنزالفوائد : ص ١٣٥ والطبرسى ايضا في الاحتجاج ص ٢٠٧ و ٢٠٨.

(٣) في المصدر : الحارث بن عبيد الله الربعى.

(٤) هو سواربن عبدالله بن قدامة ، ولاه ابوجعفر القضاء بالبصرة سنة ١٣٨ ، وبقى على القضاء إلى ان مات وهوامير البصرة وقاضيها إلى ان مات وهو امير البصرة وقاضيها سنة ١٥٦.

٢٣٢

المؤمنين يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه ، والله إن القوم الذين يدين بحبهم لغيركم ، وإنه لينطوي على عداوتكم ، فقال السيد : والله إنه لكاذب ، وإنني في مدحتك لصادق ، وإنه حمله الحسد إذرآك على هذه الحال ، وإن انقطاعي إليكم ومودتي لكم أهل البيت لمعرق فيها من أبوي ، وإن هذا وقومه لاعداؤكم في الجاهلية والاسلام ، وقد أنزل الله عزوجل على نبيه عليه الصلاة والسلام في أهل بيت هذا : « إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون » فقال المنصور : صدقت.

فقال سوار : يا أميرالمؤمنين إنه يقول بالرجعة ، ويتناول الشيخين بالسب والوقيعة فيهما ، فقال السيد : أما قوله : إني أقول بالرجعة فإني أقول بذلك على ما قال الله تعالى : « ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون » وقد قال في موضع آخر : « وحشر ناهم فلم نغادر منهم أحدا » فعلمنا أن ههنا حشرين : أحدهما عام ، والآخر خاص ، وقال سبحانه : « ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل » وقال تعالى : « فأماته الله مائة عام ثم بعثه » وقال تعالى : « ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم » فهذا كتاب الله تعالى ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يحشر المتكبرون في صور الذر يوم القيامة » وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لم يجر في بني إسرائيل شئ إلا ويكون في امتي مثله حتى الخسف والمسخ والقذف » وقال حذيفة : والله ما أبعد أن يمسخ الله عزوجل كثيرا من هذه الامة قردة وخنازير. فالرجعة التي أذهب إليها ما نطق به القرآن(١) وجاءت به السنة ، وإني لاعتقد أن الله عزوجل يرد هذا يعني سوارا إلى الدنيا كلبا أو قردا أو خنزيرا أو ذرة ، فإنه والله متجبر متكبر كافر! قال فضحك المنصور وأنشأ السيد يقول :

جاثيت سوارا أبا شملة(٢)

عند الامام الحكم العادل

فقال قولا خطلا كله(٣)

عند الورى الحافي والناعل

__________________

(١) في المصدر : فالرجعة التى نذهب إليها هى ما نطق به القرآن.

(٢) في نسخة : ابا سملة.

(٣) في المصدر : فقال قولا خطأ كله.

٢٣٣

ما ذب عما قلت من وصمة

في أهله بل لج في الباطل

وبان للمنصور صدقي كما

قدبان كذب الانوك الجاهل(١)

يبغض ذا العرش ومن يصطفى

من رسله بالنير الفاضل

وينشأ الحبر الجواد الذي

فضل بالفضل على الفاضل

ويعتدي بالحكم في معشر

أدوا حقوق الرسل للراسل

فبين الله تزاويقه

فصار مثل الهائم الهامل(٢)

فقال المنصور : كف عنه ، فقال السيد : يا أميرالمؤمنين البادئ أظلم ، يكف عني حتى أكف عنه ، فقال المنصور لسوار : قد تكلم بكلام فيه نصفة ، كف عنه حتى لا يهجوك.(٣)

(باب ١٦)

* (احتجاجات موسى بن جعفر عليهما السلام على ارباب الملل والخلفاء) *

* (وبعض ما روى عنه من جوامع العلوم) *

١ ـ يد : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، ومحمد العطار ، عن الاشعري ، عن ابن هاشم ، عن محمد بن حماد ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن يونس ، عن هشام بن الحكم ، عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له بريهة ، قد مكث جاثليق في النصرانية سبعين سنة ، فكان يطلب الاسلام ويطلب من يحج عليه ممن يقرء كتبه ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته ، قال : وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود و المجوس حتى افتخرت به النصارى وقالت : لولم يكن في دين النصرانية(٤) إلا بريهة لاجزأنا ، وكان طالبا للحق والاسلام مع ذلك ، وكانت معه امرأة تخدمه طال

__________________

(١) الاوك : الاحمق.

(٢) الهائم : المتحير. الهامل : الابل التى تركت سدى ، اى مسيبة ليلا ونهارا. وفى المصدر : فصار مثل الهائم الهائل.

(٣) الفصول المختارة ١ : ٥٧ ٥٩.

(٤) في المصدر : لولم يكن في الدين النصرانية.

٢٣٤

مكثها معه ، وكان يسر إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها ، قال : فعرفت ذلك منه ، فضرب بريهة الامر ظهر البطن(١) وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين(٢) وعن صلحائهم وعلمائهم وأهل الحجى منهم ، وكان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا ، وقال : لو كانت أئمتكم أئمة على الحق لكان عندكم بعض الحق ، فوصفت له الشيعة ووصف له هشام بن الحكم.

فقال يونس بن عبدالرحمن فقال لي هشام : بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس وعندي قوم يقرؤون علي القرآن فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين القسيسين إلى غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد والبرانس ، والجاثليق الاكبر فيهم بريهة ، حتى نزلوا(٣) حول دكاني ، وجعل لبريهة كرسي يجلس عليه ، فقامت الاساقفة والرهابنة على عصيهم ، وعلى رؤوسهم برانسهم ، فقال بريهة : ما بقى في المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم شئ ، فقد جئت اناظرك في الاسلام ، قال : فضحك هشام فقال : يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا ادانيه ، ذاك روح طيبة خميصة مرتفعة ، آياته ظاهرة ، وعلاماته قائمة ، فقال بريهة : فأعجبني الكلام والوصف.

قال هشام : إن أردت الحجاج فههنا ، (٤) قال بريهة : نعم فإني أسألك : ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الابدان؟ قال هشام : ابن عم جده لامه ، لانه من ولد إسحاق ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من ولد إسماعيل.

قال بريهة : وكيف تنسبه إلى أبيه؟ قال هشام : إن أردت نسبته عندكم فأخبرتكم ، (٥) وإن أردت نسبته عندنا أخبرتك؟ قال بريهة : اريد نسبته عندنا ، و

__________________

(١) قلب الامر ظهرا لبطن أى أنعم تدبيره.

(٢) في المصدر : وأقبل يسأل فرق المسلمين والمختلفين في من أعلمكم؟ وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين.

(٣) في نسختين : حتى بركوا.

(٤) في نسختين : فها هين.

(٥) في المصدر : أخبرتك.

٢٣٥

ظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه ، قلت : فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها قال هشام : نعم يقولون : إنه قديم من قديم ، فأيهما الاب وأيهما الابن؟ قال بريهة : الذي نزل إلى الارض الابن ، (١) قال بريهة : الابن رسول الاب ، قال هشام : إن الاب أحكم من الابن ، لان الخلق خلق الاب ، (٢) قال بريهة : إن الخلق خلق الاب وخلق الابن ، قال هشام ما منعهما أن ينزلا حميعا كما خلقا إذا شتركا؟ قال بريهة : كيف يشتركان وهما شئ واحد؟ إنما يفترقان بالاسم ، قال هشام : إنما يجتمعان بالاسم ، قال بريهة : جهل هذا الكلام ، قال هشام : عرف هذا الكلام ، قال بريهة : إن الابن متصل بالاب ، قال هشام : إن الابن منفصل من الاب ، قال بريهة : هذا خلاف ما يعقله الناس قال هشام : إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعلينا(٣) فقد غلبتك ، لان الاب كان ولم يكن الابن ، (٤) فتقول هكذا يا بريهة؟ قال : لا ما أقول هكذا ، قال : فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك؟! قال بريهة : إن الاب اسم والابن اسم بقدرة القديم.(٥)

قال هشام : الاسمان قديمان كقدم الاب والابن؟ قال بريهة : لا ولكن الاسماء محدثة ، قال : فقد جعلت الاب ابنا والابن أبا ، إن كان الابن أحدث هذه الاسماء دون الاب فهو الاب ، وإن كان الاب أحدث هذه الاسماء فهو الابن والابن أب ، (٦) و ليس ههنا ابن ، قال بريهة : إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الارض ، قال هشام : فحين لم تنزل إلى الارض فاسمها ما هو؟ قال بريهة : فاسمها ابن نزلت أولم تنزل ، قال هشام : فقبل النزول هذه الروح اسمها كلها واحدة ، أو اسمها اثنان؟ قال بريهة : هي كلها واحدة روح واحدة ، قال : رضيت أن تجعل بعضها ابنا وبعضها أبا؟ قال بريهة : لا ، لان اسم الاب واسم الابن واحد ، قال هشام : فالابن أبوالاب ، والاب أبوالابن ، فالاب والابن واحد ، قال الاساقفة بلسانها لبريهة : مامر بك مثل ذاقط تقوم ، فتحير

__________________

(١) في المصدر زيادة وهى هذه : قال هشام الذى نزل إلى الارض الاب.

(٢) فتفرده بالخلقة يدل على أنه الواجب والابن الذى لم يخلق هو الممكن.

(٣) في المصدر : شاهدا لنا وعليك.

(٤) أى هكذا يعرف الناس.

(٥) في المصدر : يقدر به القديم.

(٦) في المصدر : وإن كان الاب أحدث هذه الاسماء دون الابن فهو الاب والابن اب.

٢٣٦

بريهة وذهب يقوم(١) فتعلق به هشام قال : ما يمنعك من الاسلام؟ أفي قلبك حزازة فقلها ، وإلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلتك(٢) هذه فتصبح وليست لك همة غيري؟ قالت الاساقفة : لا ترد هذه المسألة لعلها تشكل ، قال بريهة : قلها يا أبا الحكم.

قال هشام : أفرأيتك الابن يعلم ماعند الاب؟ قال : نعم ، (٣) قال : أفرأيتك الاب يعلم كل ما عند الابن؟ قال : نعم ، قال : أفرأيتك تخبر عن الابن ، أيقدر على كل ما يقدر عليه الاب؟ قال : نعم ، قال : أفرأيتك عن الاب أيقدر على كل ما يقدر عليه الابن؟ قال : نعم ، قال : فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه وهما متساويان؟ وكيف يظلم كل واحد منهما صاحبه؟ قال بريهة ليس منهما ظلم ، (٤) قال هشام : من الحق بينهما أن يكون الابن أب الاب ، والاب ابن الابن ، بت عليها يا بريهة وافترق النصارى وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما ولا أصحابه.

قال : فرجع بريهة مغتما مهتما حتى صار إلى منزله ، فقالت امرأته التي تخدمه : مالي أراك مهتمامغتما؟ فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام ، فقالت لبريهة : يحك أتريد أن يكون على حق أو على باطل؟ قال بريهة : بل على الحق ، فقالت له : أينما وجدت الحق فمل إليه؟ وإياك واللجاجة فإن اللجاجة شك ، والشك شؤم ، وأهله في النار.

قال : فصوب قولها وعزم على الغدو على هشام ، قال : فغدا إليه(٥) وليس معه أحد من أصحابه ، فقال : يا هشام ألك من تصدر عن رأيه فترجع إلى قوله وتدين بطاعته؟ قال هشام : نعم يا بريهة ، قال : وما صفته؟ قال هشام : في نسبه أو دينه؟ قال فيهما جميعا صفة نسبه وصفة دينه ، قال هشام : أما النسب خير الانساب : رأس العرب

__________________

(١) في المصدر : فذهب ليقوم.

(٢) في نسخة : تلبث عليها ليلتك.

(٣) في نسخة هنا زيادة وهى هذه : قال : فالاب يعلم ما يعلمه الابن.

(٤) في نسخة : ليس بينهما ظلم.

(٥) في هامش المصدر : فغدا عليه خ.

٢٣٧

وصفوة قريش ، وفاضل بني هاشم ، كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه ، لان قريشا أفضل العرب ، وبنو هاشم أفضل القريش ، وأفضل بني هاشم خاصهم ودينهم(١) وسيدهم ، وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره ، وهذا من ولد السيد ، قال : فصف دينه ، قال هشام : شرائعه أو صفة بدنه وطهارته؟ قال صفة بدنه وطهارته ، قال هشام : معصوم فلا يعصي وسخي فلا يبخل ، وشجاع فلا يجبن ، وما استودع من العلم فلا يجهل ، حافظ للدين قائم بما فرض عليه من عترة الانبياء وجامع علم الانبياء ، يحلم عند الغضب ، وينصف عند الظلم ، ويعين عند الرضى وينصف من العدو والولي ، ولا يسألك شططا(٢) في عدوه ولا يمنع إفادة وليه ، يعمل بالكتاب ، ويحدث بالاعجوبات من أهل الطهارات ، يحكي قول الائمة الاصفياء ، لم ينقض له حجة ، ولم يجعل مسألة ، يفتي في كل سنة ويجلو كل مدلهمة ، (٣) قال بريهة : وصفت المسيح في صفاته ، وأثبته بحججه وآياته إلا أن الشخص بائن عن شخصه ، والوصف قائم بوصفه ، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص ، قال هشام : إن تؤمن ترشد ، وإن تتبع الحق لا تؤنب.

ثم قال هشام : يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أقامها في وسط خلقه وآخر خلقه ، فلا تبطل الحجج ولا تذهب الملل ، ولا تذهب السنن ، قال بريهة : ما أشبه هذا بالحق وأقربه بالصدق! هذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة ، قال هشام : نعم ، فارتحلا حتى أتيا المدينة والمرأة معهما وهما يريدان أبا عبدالله عليه‌السلام فلقيا موسى بن جعفر عليه‌السلام فحكى له هشام الحكاية ، فلما فرغ قال موسى بن جعفر عليه‌السلام : يا بريهة كيف علمك بكتابك؟ قال : أنا به عالم ، قال : كيف ثقتك بتأويله؟ قال : ما أوثقني بعلمي به! قال : فابتدأموسى عليه‌السلام يقرء الانجيل ، (٥) قال بريهة : والمسيح لقد كان يقرؤها هكذا ، وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح ، قال بريهة :

__________________

(١) في نسخة : « فتيهم » بدل و « دينهم ».

(٢) في نسخة : ولا نسأله شططا ، وفى اخرى : ولا يسلك. وفى المصدر : ولا يسأل.

(٣) المدلهمة : شدة الظلمة ، من ادلهم الليل : اشتد سواده.

(٤) في نسخة : والوصف قائم بنفسه.

(٥) في المصدر : فابتدأ موسى بن جعفر عليه‌السلام بقراءة الانجيل.

٢٣٨

إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك ، قال : فآمن وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة وحسن إيمانها.

قال : فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبدالله عليه‌السلام فحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى عليه‌السلام وبريهة ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : « ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم » قال بريهة : جعلت فداك أنى لكم التوراة والانجيل و كتب الانبياء؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرؤها كما قرؤوها ، ونقولها كما قالوها ، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول : لا أدري ، فلزم بريهة أبا عبدالله عليه‌السلام حتى مات أبوعبدالله عليه‌السلام ، ثم لزم موسى بن جعفر عليه‌السلام حتى مات في زمانه ، فغسله وكفنه بيده ، (١) وقال : هذا حواري من حواري المسيح يعرف حق الله عليه ، فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله.(٢)

بيان : قال الفيروزآبادي : الجاثليق بفتح الثاء المثلثة : رئيس للنصارى في بلاد الاسلام بمدينة السلام ، ويكون تحت يد بطريق أنطاكية ، ثم المطران تحت يده ، ثم الاسقف يكون في كل بلد من تحت المطران ، ثم القسيس ثم الشماس.

قوله : « خميصة » أي جائعة ، نسب الجوع إلى الروح مجازا ، والمراد أنه كان مرتاضا لله ، أو كناية عن الخفاء ، أي مخفية كيفية حدوثها عن الخلق ، وقيل : ساكنة مطمئنة ، من خمص الجرح : إذا سكن ورمه.

قوله : « إن أردت الحجاج فههنا » في بعض النسح « فها هين » فكلمة ها للاجابة ، وهين خبر مبتدأ محذوف ، أي هو عندنا هين يسير.

قوله : « إنما يجتمعان بالاسم » أي العقل يحكم بمغائرة الشخصين واستحالة اتحادهما ، وإنما اجتمعا حيث سميتهما باسم واحد كالقديم والاله والخالق ونحوها ، أوالمعنى أنه لا يعقل اتحادهما إلا باتحاد اسمهما ، واختلاف الاسم دليل على تغاير

__________________

(١) في المصدر : وألحده بيده. وفى نسخة من الكتاب : فغسله بيده ولحده بيده.

(٢) التوحيد : ٢٧٨ ـ ٢٨٤.

٢٣٩

المسميات ، والاول أوجه ، فقال بريهة : هذا الكلام مجهول غير معقول ، قال هشام : بل هو معروف عند العقلاء موجه ، فقال : إن الابن متصل بالاب ، أي متحد معه ، فقال : بل الابن يكون جزء من الاب منفصلا منه ، فكيف يجوز اتحاده به؟

قوله : « هذا خلاف ما يعقله الناس » لعله بني الكلام على المغالطة فإن الناس يقولون : إن الابن متصل بالاب غير منفصل عنه ، أي هو متحد معه في الحقيقة مرتبط به يشتركان في الاحوال غالبا ، فحمله على الوحدة الحقيقية ، فغير هشام الكلام إلى مالا يحتمل المغالطة ، (١) فقال : لو كان شهادة الناس حجة فهم يحكمون بأن الاب متقدم وجوده زمانا على وجود الابن فلم لاتقول به؟.

قوله : « بقدرة القديم » أي حصل هذان الاسمان بقدرة القديم ، فسأله هشام عن قدم الاسمين فقال : لا بل هما محدثان ، فاستدل هشام على بطلان الاتحاد بمنبهات فسأله عن محدث الاسماء ، ثم قال : إن قلت : إن المحدث هو الابن دون الاب فالحكم بالاتحاد يقتضي أن يكون الاب ايضا محدثا وهو خلاف الفرض ، وكذا العكس ، فأراد التفصي عن ذلك فقال : الروح لما نزلت إلى الارض سميت بالابن ، ثم ندم عن ذلك ورجع وقال : قبل النزول أيضا كانت ابنا.

ويحتمل أن يكون مراده أنها من حيث النزول والاتصال بالبدن سميت ابنا فسبب التسمية حادث ، والتسمية قديم ، فسأله هشام : هل كان قبل النزول شيئان لهما اسمان؟ فقال : لا بل كانت روح واحدة ، ولما كان كلامه متهافتا متناقضا وجهه هشام بأنه يكون بعضه مسمى بالابن ، وبعضه مسمى بالاب ، فلم يرض بذلك فحكم باتحاد الاسمين أيضا كاتحاد المسميين ، ويحتمل أن يكون مراده بالاسم ههنا المسمى فقال هشام : الابن أمر إضافي لابد له من أب والحكم بالاتحاد يقتضي أن يكون الابن أبا للاب ، والحال أن الاب لابد أن يكون أبا لابن فكيف يكون الاب والاين واحدا؟ ولا يبعد أن يكون في الاصل : « فالابن ابن الاب » أي البنوة الاضافية تقتضي

__________________

(١) بل استدل على ما كان بصدده من إثبات أن الابن منفصل عن الاب بفهم الناس وشهادتهم بعد ما أبان بريهة ان قول الناس حجة ، فقال : إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعليك فقد غلبتك لان الاب كان ولم يكن الابن ، فكان الابن منفصلا عن الاب لان الناس يحكمون بحدوثه بعده.

٢٤٠