بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الله عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول الله (ص) فجعل الله تعالى حمزة سيد الشهداء من بينهم ، وجعل لجعفر جناحين يطير بهمامع الملائكة كيف يشاء من بينهم وذلك لمكانهما من رسول الله (ص) ومنزلتهما وقرابتهما منه ، وصلى رسول الله (ص) على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه ، وكذلك جعل الله تعالى لنساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للمحسنة منهن أجرين ، وللمسيئة منهن وزرين ضعفين لمكانهن من رسول الله (ص) ، وجعل الصلاة في مسجد رسول الله (ص) بألف صلاة في سائر المساجد إلا مسجد الحرام مسجد خليله إبراهيم عليه‌السلام بمكة ، وذلك لمكان رسول الله (ص) من ربه ، وفرض الله عزوجل الصلاة على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على كافة المؤمنين ، فقالوا : يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ فقال : قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد فحق على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فريضة واجبة

وأحل الله تعالى خمس الغنيمة لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوجبها له في كتابه ، وأوجب لنا من ذلك ما أوجب له ، وحرم عليه الصدقة وحرمها علينا معه ، فأدخلنا وله الحمد فيما أدخل فيه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخرجنا ونزهنا مما أخرجه منه ونز هه عنه كرامة أكرمنا الله عزوجل بها ، وفضيلة فضلنابها على سائرالعباد ، فقال الله تعالى لمحمد صلى الله ليه وآله حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه : « فقل تعالواندع أبناء نا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين » فأخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الانفس معه أبي ، ومن البنين أناو أخي ، (١) ومن النساء امي فاطمة من الناس جميعا فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ونحن منه وهومنا ، وقدقال الله تعالى : « إنما يريدالله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم تطهيرا » فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (ص) أناوأخي وامي وأبي فجللنا ونفسه في كساء لام سلمة خيبري ، وذلك في حجرتها وفي يومها فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وهؤلاء أهلي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فقالت ام سلمة رضي الله عنها : أدخل معهم يا رسول الله؟ قال لها رسول الله (ص) : يرحمك الله أنت على خيرو إلى خير أرضاني عنك! ولكنها خاصة لي ولهم.

__________________

(١) في المصدر : ومن البنين اياى وأخى.

١٤١

ثم مكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ذلك بقية عمره حتى قبضه الله إليه ، يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر فيقول : « الصلاة يرحمكم الله ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسد الابواب الشارعة في مسجده غير بابنا ، فكلموه في ذلك فقال : أما إني لم أسد أبوابكم ولم أفتح باب علي من تلقاء نفسي ، ولكني أتبع ما يوحى إلي ، وإن الله أمر بسدها وفتح بابه ، فلم يكن من بعدذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويولد فيه الا ولا دغير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام تكرمة من الله تبارك وتعالى لنا ، وفضلا اختصنابه على جميعالناس ، وهذا باب أبي قرين باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ، ومنزلنا بين منازل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أن الله أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبني مسجده فبنى فيه عشرة أبيات.

تسعة لبنيه وأزواجه ، وعاشرها وهو متوسطها لابي ، وهاهو بسبيل مقيم ، والبيت هو المسجد المطهر وهو الذي قال الله تعالى : « أهل البيت » فنحن أهل البيت ، ونحن الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا.

أيها الناس إني لوقمت حولا فحولا أذكر الذي أعطانا الله عزوجل وخصنا به من الفضل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم احصه. وأنا ابن النبي النذير البشير والسراج المنير ، الذي جعله الله رحمة للعالمين ، وأبي علي عليه‌السلام ولي المؤمنين ، وشبيه هارون.

وإن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا ، ولم أرنفسي لها أهلا ، فكذب معاوية وأيم الله لانا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير أنا لمنزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين(١) منذ قبض رسول الله ، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا ، ونزل على رقابنا ، وحمل الناس على أكتافنا ، ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفئ والغنائم ، ومنع امنا فاطمة عليها‌السلام إرثها من أبيها ، إنا لانسمي أحدا ولكن اقسم بالله قسما تأليا لو أن الناس سمعوا قول الله ورسوله لاعطتهم السماء قطرها ، والارض بركتها ، ولما اختلف في هذه الامة سيفان ، ولاكلوها خضراء خضرة

__________________

(١) اضطهده : قهره وجار عليه. أذاه واضطره بسبب المذهب أوالدين.

١٤٢

إلى يوم القيامة ، وإذا ما طمعت يا معاوية فيها ، ولكنها لما اخرجت سالفا من معدنها وزحزحت عن قواعدها تنازعتها قريش بينها وترامتها كترامي الكرة حتى طمعت فيها أنت يا معاوية وأصحابك من بعدك.

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما ولت امة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلالم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا » وقد تركت بنو إسرائيل وكانوا أصحاب موسى عليه‌السلام هارون أخاه وخليفته ووزيره ، وعكفوا على العجل و أطاعوا فيه سامريهم ، وهم يعلمون أنه خليفة موسى عليه‌السلام ، وقد سمعت هذه الامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك لابي : « إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » وقد رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين نصبه لهم بغدير خم ، وسمعوه ونادى له بالولاية ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب وقد خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حذرا من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به ، وهو يدعو هم لما لم يجد عليهم أعوانا ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم ، وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث أصحابه فلم يغث ولم ينصر ، ولو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم ، وقد جعل في سعة كما جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في سعة ، وقد خذلتني الامة وبايعتك يا ابن حرب ، ولو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك ، وقد جعل الله عزوجل هارون في سعة حين استضعفوه قومه وعادوه ، كذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الامة وبايعت غيرنا ولم نجد عليه أعوانا ، وإنما هي السنن والامثال ينبع بعضها بعضا.

أيها الناس إنكم لو التمستم بين المشرق والمغرب رجلا جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبووصي رسول الله لم تجدوا غيري وغير أخي ، فاتقوا الله ولا تضلوا بعد البيان ، و كيف بكم وأنى ذلك منكم؟ ألا وإني قد بايعت هذا وأشار بيده إلى معاوية وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.

أيها الناس إنه لا يعاب أحد بترك حقه ، وإنما يعاب أن يأخذ ما ليس له ، وكل صواب نافع ، وكل خطاء ضار لاهله ، وقد كانت القضية ففهمها سليمان فنفعت سليمان ولم تضر داود عليهما‌السلام ، فأما القرابة فقد نفعت المشرك

١٤٣

وهي والله للمؤمن أنفع ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمه أبي طالب وهو في الموت : قل : « لا إله إلا الله » أشفع لك بها يوم القيامة ، ولم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له ويعد إلا ما يكون منه على يقين ، وليس ذلك لاحد من الناس كلهم غير شيخنا ـ أعني أبا طالب ـ (١) يقول الله عزوجل : « وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار اولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ».

أيها الناس اسمعوا وعوا واتقوا الله وراجعوا وهيهات منكم الرجعة إلى الحق وقد صار عكم النكوص وخامركم الطغيان(٢) والجحود ، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ، والسلام على من اتبع الهدى.

قال : فقال معاوية : والله ما نزل الحسن حتى أظلمت علي الارض ، وهممت أن أبطش به ، (٣) ثم علمت أن الاغضاء(٤) أقرب إلى العافية.(٥)

بيان : الطية بالكسر : النية والقصد. والافن بالتحريك : ضعف الرأي. و بالفتح : النقص. والغية : الزنا. والتألي على التفعل : الحكم بالجزم ، والحلف على الشئ. وزحزحته عن كذا أي باعدته عنه. قوله عليه‌السلام : « وقد كانت القضية » لعل المراد بيان أن الاوصياء والانبياء وعترتهم عليهم‌السلام ليسوا كسائرالخلق في أحوالهم كما أن عدم إصابة داود عليه‌السلام القضية لمصلحة لميضره ، ومن سائر الخلق الخطاء

__________________

(١) ذلك الزام عليهم لانهم كانوا قائلين بكفره ، وإلا فالشيعة الا مامية شيدالله بنيانهم على أن أباطالب رضي‌الله‌عنه كان مؤمنا بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله يكتم ايمانه ، وكان يحميه بنفسه وولده وماله ، ويدافع عنه ، ويؤثره على نفسه وأهله ، ويستدلون على ذلك بسيرته وبما يو عز إليه في أشعاره من الايمان بالله وباليوم الاخر وبالنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبما ورد في صحاح الاخبار ومسانيدها من أئمة أهل البيت عليهم أفضل التحيات والسلام وغيرهم في ذلك ، ووافق الشيعة في ذلك الزيدية وعدة من أهل السنة ، وصنف في ذلك جماعة منهم : السيوطى صنف « بغية الطالب في ايمان ابى طالب » والسيد أحمد زينى دحلان صنف « اسنى المطالب في نجاة أبى طالب » ولا صحابنا في ذلك قديما وحديثا أكثر من اربعين كتابا ، ولعلنا نشير إلى ذلك ونبذة من أشعارة في محله إن شاء الله.

(٢) خامر القلب : داخل. وخامر الشئ الاخر : خالطه. خامره الداء : دخل جوفه.

(٣) بطش به : فتك به وأخذ بصولة وشدة.

(٤) أغضى على الامر : سكت وصبر.

(٥) امالى ابن الشيخ : ١٠ ـ ١٤.

١٤٤

ضار. وقضية أبي طالب عليه‌السلام لعلها إلزام على العامة القائلين بكونه كافرا ، وأما التوبة فقد مضى القول فيها. والنكوص : الاحجام عن الشئ. ونكص : رجع. والمخامرة : المخالطة.

أقول : سيأتي سائر احتجاجاتهما صلوات الله عليهما في أبواب تاريخهما ، و كتاب الفتن ، وإنما أوردنا ههنا قليلا منها.

(باب ١٠)

* (مناظرات على بن الحسين عليهما السلام واحتجاجاته) *

١ ـ ج : عن أبي حمزة الثمالي قال : دخل قاض من قضاة الكوفة على علي بن الحسين عليهما‌السلام فقال له : جعلني الله فداك أخبرني عن قول الله عزوجل : « وجعلنا بينه وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين » قال له : ما يقول الناس فيها قبلكم بالعراق؟ قال : يقولون : إنها مكة. فقال : وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكة؟ قال : فماهو؟ قال : إنما عنى الرجال. قال : وأين ذلك في كتاب الله؟ فقال : أو ما تسمع إلى قوله تعالى : « وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله » وقال : « وتلك القرى أهلكناهم » وقال : « اسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها » فليسأل القرية(١) أو الرجال أو العير ، قال : وتلا عليه‌السلام آيات في هذا المعنى ، قال : جعلت فداك فمن هم؟ قال عليه‌السلام : نحن هم ، وقوله : (٢) « سيروا فيها ليالي وأياما آمنين » قال : أمنين من الزيغ.(٣)

بيان : هذا أحد بطون الآية الكريمة ، فالمراد بالقرى التي باركنا فيها الائمة عليهم‌السلام إما بتأويل أهل القرى ، أو كني عنهم بها لانهم مجمع العلوم ، كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « أنا مدينة العلم وعلي بابها » وبالقرى الظاهرة سفراؤهم وخواص. أصحابهم الذين

__________________

(١) في نسخة : فيسأل وفى المصدر : أفيسأل.

(٢) في المصدر : فقال : أو ما تسمع إلى قوله اه.

(٣) الاحتجاج : ص ١٧١.

١٤٥

يوصلون علومهم إلى من دونهم كما صرح به في بعض الاخبار ، وروي في بعضها أن سير الشيعة آمنين في زمن القائم عجل الله فرجه.

٢ ـ ج : وروي أن زين العابدين علي بن الحسين عليهما‌السلام مر على الحسن البصري وهو يعظ الناس بمنى فوقف عليه ثم قال : امسك أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم ، أترضاها لنفسك فيما بينك وبين الله للموت إذا نزل بك غدا؟ قال : لا ، قال : أفتحدث نفسك بالتحول والانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها؟ قال : فأطرق مليا ثم قال : إني أقول ذلك بلا حقيقة ، قال : أفترجو نبيا بعد محمد يكون لك معه سابقة؟ قال : لا. قال أفترجو دارا غير الدار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها؟ قال : لا ، قال : أفرأيت أحدا به مسكة عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا؟ إنك على حال لا ترضاها ، ولا تحدث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة ، ولا ترجو نبيا بعد محمد ، ولا دارا غير الدار التي أنت فيها فترد إليها فتعمل فيها ، وأنت تعظ الناس! وفي رواية اخرى : فلم تشغل الناس عن الفعل و أنت تعظ الناس؟ قال : فلما ولى عليه‌السلام قال الحسن : منهذا؟ قالوا : علي بن الحسين عليهما‌السلام ، قال : أهل بيت علم. فما رئي الحسن بعد ذلك يعظ الناس.(١)

٣ ـ أقول : وروى السيد المرتضى رحمه‌الله في كتاب الفصول عن الشيخ(٢) بإسناده قال : سأل رجل علي بن الحسين عليهما‌السلام فقال له : أخبرني يا ابن رسول الله بماذا فضلتم الناس جميعا وسدتموهم؟ فقال له(٢) : أنا اخبرك بذلك ، اعلم أن الناس كلهم لا يخلون من أن يكونوا أحد ثلاثة : إما رجل أسلم على يد جدنا رسول الله فهو مولانا ونحن ساداته وإلينا يرجع بالولاء ، أو رجل قاتلنا فقتلناه فمضى إلى النار ، أو رجل أخذنا منه الجزية عن يد وهو صاغر ، ولا رابع للقوم ، فأي فضل لم نحزه وشرف لم نحصله بذلك؟.(٣)

__________________

(١) الاحتجاج : ص ١٧١. وهو خال عن قوله : « وفى رواية » إلى قوله : « تعظ الناس ».

(٢) أى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان قدس‌سره.

(٣) الفصول المختارة : ص ٦.

١٤٦

(باب ١١)

* (نادر في احتجاج أهل زمانه على المخالفين) *

١ ـ كنز الكراجكى : قال الشعبي : (١) كنت بواسط وكان يوم أضحى فحضرت صلاة العيد مع الحجاج فخطب خطبة بليغة ، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته فوجدته جالسا مستوفزا ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى وقد أردت أن اضحي فيه برجل من أهل العراق ، وأحببت أن تستمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به ، فقلت : أيها الامير أوترى أن تستن(٢) بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتضحي بما أمر أن يضحى به وتفعل مثل فعله وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره؟ فقال : يا شعبي إنك إذا سمعت ما يقول ثوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله وإدخال الشبهة في الاسلام ، قلت : أفيرى الامير أن يعفيني من ذلك؟ قال : لابد منه ، ثم أمر بنطع فبسط ، وبالسياف فاحضر ، وقال : احضر والشيخ ، فأتوا به فإذا هو يحيى بن يعمر(٣) فاغتممت غما شديدا ، وقلت في نفسي : وأي شئ بقوله يحيى مما يوجب قتله.

__________________

(١) بفتح الشين وسكون العين نسبة إلى شعب : بطنمن حمير ، وهو شعب بن عمر وبن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميع بن حمير ، وعدادهم في همدان ، والرجل هو أبوعمر وعامر بن شراحيل الشعبى من أهل الكوفة من كبار التابعين وفقهائهم ، روى عن خمس ومائة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مولده سنة عشرين ، وقيل : سنة إحدى وثلاثين ، ومات سنة تسع ومائة ، وقيل : سنة خمس ، وقيل : سنة أربع ومائة. ترجمع الشيخ في رجال أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، وترجمع العامة في كتبهم وبالغوا في الاطراء عليه ، قال ابن حجر في التقريب ص ٢٤٧ : ثقة مشهور فقيه فاضل من الثالثة ، قال مكحول : ما رأيت أفقه منه ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

(٢) في المصدر : لو أن تستن اه.

(٣) قال ابن حجر في التقريب ص ٥٥٦ : يحيى بن يعمر بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة البصرى نزيل مرو وقاضيها ثقة فصيح ، وكان يرسل ، من الثالثة ، مات قبل المائة وقيل بعدها.

١٤٧

فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم العراق؟ قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء العراق ، قال : فمن أي فقهك؟ زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله! قال ما أنا زاعم ذلك ، بل قائله بحق ، قال : وبأي حق قلته؟ قال : بكتاب الله عزوجل ، فنظر إلي الحجاج وقال : اسمع ما يقول ، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عزوجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فجعلت افكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئا يدل على ذلك ، وفكر الحجاج مليا ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله تعالى : « فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالواندع أبناءنا وأبناء كم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين » وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن و الحسين؟ قال الشعبي : فكأنما اهدي إلى قلبي سرورا وقلت في نفسي : قد خلص يحيى ، وكان الحجاج حافظا للقرآن ، فقال له يحيى : والله إنها لحجة في ذلك بليغة ، ولكن ليس منها أحتج لما قلت ، فاصفر وجه الحجاج وأطرق ملياثم رفع رأسه إلى يحيى وقال له : إن أنت جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة ألف درهم وإن لم تأت بها فأنا في حل من دمك ، قال : نعم.

قال الشعبي : فغمني قوله ، وقلت : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه؟ فإن جاءه بعد هذا بشئ لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل به حجته لئلا يقال أنه قد علم ما قد جهله هو ، فقال يحيى للحجاج : قول الله تعالى : « ومن ذريته داود وسليمان » من عنى بذلك؟ قال الحجاج : إبراهيم عليه‌السلام ، قال : فداود وسليمان من ذريته؟ قال : نعم ، قال يحيى : ومن نص الله عليه بعدهذا أنه من ذريته؟ فقرأ الحجاج « وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين » قال يحيى : ومن؟ قال : « وزكريا ويحيى وعيسى » قال يحيى : ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم عليه‌السلام ولا أب له؟ قال : من امه مريم عليها‌السلام ، قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم عليه‌السلام أم فاطمة من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وعيسى من إبراهيم ، والحسن والحسين عليهما‌السلام من رسول الله

١٤٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال الشعبي : فكأنما ألقمه حجرا ، (١) فقال : أطلقوه قبحه الله ، وادفعوا إليه عشرة ألف درهم لا بارك الله له فيها. ثم أقبل علي فقال : قد كان رأيك صوابا ولكنا أبيناه ، ودعا بجزور فنحره وقام فدعا بالطعام فأكل وأكلنا معه ، وما تكلم بكلمة حتى انصرفنا ولم يزل مما احتج به يحيى بن يعمر واجما.(٢)

بيان : قال الجوهري : استوفز في قعدته : إذا قعد قعودا منتصبا غير مطمئن. وفي القاموس : وجم كوعد وجما ووجوما : سكت على غيظ. والشئ : كرهه.(٣)

(باب ١٢)

* (مناظرات محمد بن على الباقرو احتجاجاته عليه السلام) *

١ ـ فس : حدثني أبي ، عن إسماعيل بن أبان ، عن عمرو بن عبدالله الثقفي قال أخرج هشام بن عبدالملك أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام من المدينة إلى الشام ، وكان ينزله معه ، فكان يقعد مع الناس في مجالسهم ، فبينا هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك فقال : ما لهؤلاء القوم؟ ألهم عيداليوم؟ قالوا لا يا ابن رسول الله ، ولكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم فيخرجونه ويسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم ، قال أبوجعفر : وله علم؟ فقالوا : من أعلم الناس ، قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى عليه‌السلام ، قال : فهلم أن نذهب إليه ، (٤) فقالوا : ذلك إليك يا ابن رسول الله ، قال فقنع أبوجعفر رأسه بثوبه ومضى هو وأصحابه فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل ، قال : فقعد أبوجعفر وسط النصارى هو وأصحابه ، فأخرج النصارى بساطا ثم وضعوا الوسائد ، ثم دخلوا فأخرجوا ثم ربطوا عينيه فقلب عينيه(٥) كأنهما عينا أفعي ، ثم قصد نحو أبي جعفر عليه‌السلام(٦) فقال له

__________________

(١) مثل يضرب لمن تكلم فاجيب بمسكتة.

(٢) كنز الفوائد : ص ١٦٧.

(٣) القاموس المحيط : فصل الواو من الميم.

(٤) في المصدر : فهلم نذهب إليه.

(٥) في نسخة : وربطوا عينه فقليب عينيه اه.

(٦) في نسخة : ثم قصد قصد أبى جعفر عليه‌السلام.

١٤٩

أسنا أنت أو من الامة المرحومة؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام : من الامة المرحومة ، قال : أفمن علمائهم أنت أو من جهالهم؟ قال : لست من جهالهم ، قال النصراني أسألك أو تسألني؟ قال أبوجعفر عليه‌السلام : سلني(١) فقال : يا معشر النصارى رجل من امة محمد يقول : سلني! إن هذا لعالم بالمسائل.

ثم قال : يا عبدالله أخبرني عن ساعة ماهي من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي؟ قال أبوجعفر عليه‌السلام : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، قال النصراني : فإذا لم يكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام : من ساعات الجنة وفيها تفيق مرضانا ، فقال النصراني : أصبت ، فأسألك أو تسألني؟ قال أبوجعفر عليه‌السلام : سلني ، قال : يا معاشر النصارى إن هذا لملي بالمسائل أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون أعطني مثله في الدنيا ، فقال أبوجعفر عليه‌السلام : هو هذا الجنين في بطن امه يأكل مما تأكل امه ولا يتغوط ، قال النصراني : أصبت ، ألم تقل : ما أنا من علمائهم؟ قال أبوجعفر عليه‌السلام : إنما قلت لك : ما أنا من جهالهم ، قال النصراني : فأسألك أو تسألني؟(٢)

قال : يا معشر النصارى والله لاسألنه يرتطم فيها كمايرتطم الحمار في الوحل ، فقال : اسأل ، قال : أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت بابنين جميعا ، حملتمها في ساعة واحدة(٣) وما تا في ساعة واحدة ، ودفنا في ساعة واحدة في قبر واحد ، فعاش أحدهما خمسين ومائة سنة ، وعاش الآخر خمسين سنة ، من هما؟ قال أبوجعفر عليه‌السلام. هما عزير وعزره ، كان حمل امهما ما وصفت ، ( ٤ ) ووضعتهما على ما وصفت ، وعاش عزره وعزير ، فعاش عزره وعزير ثلاثين سنة ، (٥) ثم أمات الله عزيرا مائة سنة و

__________________

(١) في نسخة : تسألنى.

(٢) في المصدر هنا زيادة وهى هكذا : قال أبوجعفر عليه‌السلام : سلنى.

(٣) في المصدر هنا زيادة وهى هكذا : وولدتهما في ساعة واحدة.

(٤) في المصدر : كان حمل امهما على ما وصفت.

(٥) في نسخة : فعاش عزره مع عزير ثلاثين سنة.

١٥٠

بقي عزره يحيا ، (١) ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزره عشرين سنة. قال النصراني يا معشر النصارى ما رأيت أحدا قط أعلم من هذا الرجل ، لا تسألوني عن حرف و هذا بالشام ، ردوني ، (٢) فردوه إلى كهفه ورجع النصارى مع أبي جعفر عليه‌السلام.(٣)

بيان : قوله : « وربطوا عينيه » أي قدكانوا ربطوهما قبل أن يخرجوه ، فلما حلوا الرباط قلبهما ونظر إليهم ، ويحتمل أن يكونوا ربطوا جفني عينيه العلياوين إلى فوق ليتمكن من النظر من كثرة الكبر.(٤) ويقال : رطمه : إذا أدخله في أمر لا يخرج منه فارتطم. والوحل : الطين.

٢ ـ ير : محمد بن الحسين ، عن البزنطي ، عن عبدالكريم ، عن محمد بن مسلم قال دخلت أنا وأبوجعفر عليه‌السلام مسجد الحرام فإذا طاوس اليماني(٥) يقول لاصحابه : تدرون متى قتل نصف الناس؟ فسمعه أبوجعفر عليه‌السلام يقول : نصف الناس ، قال : إنما هو ربع الناس ، إنما هو آدم ، وحواء ، وقابيل ، وهابيل ، قال : صدقت يا ابن رسول الله ، قال : أتدري ما صنع بالقاتل؟ قال : لا ، قال محمد بن مسلم : قلت في نفسي هذه والله مسألة قال : فغدوت إليه في منزله فلبس ثيابه واسرج له قال : فبدأني بالحديث قبل أن أسأله فقال : يا محمد بن مسلم إن بالهند أو بتلقاء الهند رجل يلبس المسوح مغلولة يده إلى عنقه ، موكل به عشرة رهط ، تفني الناس ولا يفنون ، كلما ذهب واحد جعل مكانه آخر يدور مع الشمس حيث ما دارت ، يعذب بحر الشمس وزمهرير البرد حتى تقوم الساعة

__________________

(١) في نسخة : وبقى عزره حيا. وفى المصدر هكذا : ووضعتهما على ما وصفت ، وعاش عزره و عزير ثلاثين سنة ، ثم أمات الله عزيرا مائة سنة وبقى عزره حيا.

(٢) في نسخة : ردونى إلى كهفى.

(٣) تفسير القمى ٨٩. وأخرجه الكلينى بالاسناد في كتاب الروضة : ص ١٢٢.

(٤) أو ربطوا حاجبيه.

(٥) هو طاوس بن كيسان اليمانى ابوعبدالرحمن الحميرى مولاهم الفارسى ، يقال : اسمه ذكوان ، وطاوس لقب ، كان من فقهاء العامة وفضلائهم ، أورده الشيخ في رجاله في أصحاب الامام السجاد عليه‌السلام ، وترجمه ابن حجر في التقريب ص ٢٤١ وقال : ثقة فقيه فاضل من الثالثة ، مات سنة ١٠٦ وقيل : بعد ذلك.

١٥١

قال : وقلت : ومن ذا جعلني الله فداك؟ قال : ذاك قابيل.(١)

٣ ـ يج : روي عن الصادق عليه‌السلام أن عبدالملك بن مروان كتب إلى عامله بالمدينة في رواية هشام بن عبدالملك ـ : أن وجه إلي محمد بن علي ، فخرج أبي و أخرجني معه فمضينا حتى أتينا مدين شعيب ، فإذا نحن بدير عظيم وعلى بابه أقوام عليهم ثياب صوف خشنة ، فألبسني والدي ولبس ثيابا خشنة ، فأخذ بيدي حتى جئنا وجلسنا عند القوم فدخلنا مع القوم الدير ، فرأينا شيخا قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فنظر إلينا فقال لابي : أنت منا أم من هذه الامة المرحومة؟ قال : لابل من هذه الامة المرحومة ، قال : عن علمائها أو من جهالها؟ قال أبي : من علمائها ، قال : أسألك عن مسألة؟ قال : سل ، (٢) قال : أخبرني عن أهل الجنة إذا دخلوها وأكلوا من نعيمها(٣) هل ينقص من ذلك شئ؟ قال : لا ، قال الشيخ : ما نظيره؟ قال أبي : أليس التوراة والانجيل والزبور والفرقان يؤخذ منها ولاينقص منها شئ؟ قال : أنت من علمائها. ثم قال : أهل الجنة هل يحتاجون إلى البول والغائط؟ قال أبي : لا ، قال وما نظير ذلك؟ قال أبي : أليس الجنين في بطن امه يأكل ويشرب ولا يبول ولا يتغوط؟(٤) قال : صدقت. قال : وسأل عن مسائل فأجاب أبي.(٥)

ثم قال الشيخ : أخبرني عن توأمين ولدا في ساعة ، وماتا في ساعة ، (٦) عاش أحدهما مائة وخمسين سنة ، وعاش الآخر خمسين سنة ، من كانا؟ وكيف قصتهما؟ قال أبي : هما عزير وعزره ، أكرم الله تعالى عزيرا بالنبوة عشرين سنة ، وأماته مائة سنة ، ثم أحياه فعاش بعده ثلاثين سنة ، وماتا في ساعة واحدة ، فخر الشيخ مغشيا عليه ، فقال : فقام أبي وخرجنا من الدير ، فخرج إلينا جماعة من الدير وقالوا : يدعوك

__________________

(١) بصائر الدرجات : ١٤٧ ، وأخرج نحوه الطبرسى في الاحتجاج ص ١٧٧ والراوندى في قصصه ، وتأتى صورة مفصلة منه عن المناقب تحت رقم ٦.

(٢) في المصدر : سل ما شئت.

(٣) في نسخة : واكلوا من نعمتها.

(٤) في المصدر : أو قال : يتغذى ولايبول ولايتغوط.

(٥) في المصدر : وسأل عن مسائل كثيرة فاجاب أبى عنها.

(٦) في المصدر : ولدا في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة.

١٥٢

شيخنا فقال أبي : مالي بشيخكم من حاجة ، فإن كان له عندنا حاجة فليقصدنا ، فرجعوا ثم جاؤوا به واجلس بين يدي أبي فقال : ما اسمك؟ قال عليه‌السلام : محمد ، قال : أنت محمد النبي؟ قال لا أنا ابن بنته؟ قال : ما اسم امك؟ قال : امي فاطمة ، قال : من كان أبوك؟ قال : اسمه علي ، قال : أنت ابن إليا بالعبرانية وعلي بالعربية؟ قال : نعم ، قال : ابن شبر أو شبير؟ قال : إني ابن شبير ، قال الشيخ : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن جدك محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ رسول الله.

ثم ارتحلنا حتى أتينا عبدالملك ، فنزل من سريره واستقبل أبي وقال : عرضت لي مسألة لم يعرفها العلماء فأخبرني إذا قتلت هذه الامة إمامها المفروض طاعته عليهم أي عبرة يريهم الله في ذلك اليوم؟ قال أبي : إذا كان كذلك لايرفعون حجرا إلاويرون تحته دما عبيطا ، فقبل عبدالملك رأس أبي وقال : صدقت ، إن في يوم قتل فيه أبوك علي بن أبي طالب عليه‌السلام(١) كان على باب أبي مروان حجر عظيم فأمر أن يرفعوه فرأينا تحته دما عبيطا يغلي ، وكان لي أيضا حوض كبير في بستاني وكان حافته حجارة سوداء فأمرت أن ترفع ويوضع مكانها حجارة بيض ، وكان في ذلك اليوم قتل الحسين عليه‌السلام فرأيت دما عبيطا يغلي تحتها أتقيم عندنا ولك من الكرامة ما تشاء أم ترجع؟ قال أبي : بل أرجع إلى قبر جدي ، فأذن له بالانصراف ، فبعث قبل خروجنا بريدا يأمر أهل كل منزل أن لا يطعمونا شيئا ولايمكنونا من النزول في بلد حتى نموت جوعا ، فكلما بلغنا منزلا طردونا وفنى زادنا حتى أتينا مدين شعيب ، وقد اغلق بابه فصعد أبي جبلا هناك مطلا على البلد أو مكانا مر تفعا عليه فقرأ : (٢) « وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أربكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط * ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوافي الارض مفسدين بقيت الله خير لكم إن كنتم

__________________

(١) في المصدر : ان في يوم قتل فيه ابوك الحسين ( على بن ابى طالب ) عليه‌السلام. ولعل الصحيح : وعلى بن ابى طالب عليه‌السلام

(٢) في المصدر : مطلاعلى البلدفقرأ اه. قلت أطل عليه أى أشرف.

١٥٣

مؤمنين » ثم رفع صوته وقال : والله أنابقية الله ، فأخبروا الشيخ بقدومنا وأحوالنا فحملوه إلى أبي وكان لهم معهم من الطعام كثير فأحسن ضيافتنا ، فأمر الوالي بتقييد الشيخ فقيدوه ليحملوه إلى عبدالملك لانه خالف أمره ، قال الصادق عليه‌السلام : فاغتممت لذلك وبكيت ، فقال والدي : ولا بأس من عبدالملك بالشيخ ولا يصل إليه فإنه يتوفى أول منزل ينزله ، وارتحلنا حتى رجعنا إلى المدينة بجهد.(١)

٤ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمدبن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن محمدبن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت جالسا في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أقبل رجل فسلم فقال : من أنت يا عبدالله؟ فقلت : رجل من أهل الكوفة ، فقلت : فماحاجتك؟ فقال لي : أتعرف أباجعرف أباجعفر محمد بن علي عليهما‌السلام؟ قلت : نعم ، قال : فما اجتك إليه؟ فقال : هيأت له أربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حق أخذته ، وما كان من باطل تركته ، قال أبوحمزة : فقلت : هل تعرف ما بين الحق والباطل؟ فقال : نعم ، فقلت له : فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل؟ فقال لي : يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون ، إذا رأيت أبا جعفر عليه‌السلام فأخبرني ، فما انقطع كلامه(٢) حتى أقبل أبوجعفر عليه‌السلام وحوله أهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج ، فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريبا منه.

قال أبوحمزة : فجلست بحيث أسمع الكلام وحوله عالم من الناس ، فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت إلى الرجل فقال له : من أنت؟ فقال : أنا قتادة بن دعامة البصري ، (٣) فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : أنت فقيه أهل البصرة؟ قال : نعم ، فقال له أبوجعفر

_________________

(١) الخرائج : ص ١٩٧ ، وفيه : بجهد عظيم وقد أخرج الكلينى حديث وروده الشام على عبدالملك واحتجاجه معه ، وما وقع بينه وبين أهل مدين في اصول الكافى في باب مولده عليه‌السلام.

(٢) في المصدر : فما انقطع كلامى معه.

(٣) بكسر الدال هوابوالخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيزبن عمروبن ربيعة بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن على بن بكر بن وائل السدوسى البصرى التابعى ، من عظماء العامة وأجلاء علمائهم وحفاظهم ، له ترجمة في تراجم العامة مشفوعا بالاطراء والتبجيل ، قال النووى في تهذيب الاسماء ٢ ص ٥٦ : ولد أعمى ، سمع أنس بن مالك وعبدالله بن*

١٥٤

عليه‌السلام : ويحك يا قتادة إن الله تعالى خلق خلقا من خلقه ، فجعلهم حججا على خلقه ، وهم أوتاد في أرضه ، قوام بأمره ، نجباء في علمه ، أصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه.

قال : فسكت قتادة طويلا ثم قال : أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضظرب قلبي قدام واحدمنهم ما اضطرب قد امك! فقال أبوجعفر عليه‌السلام : أتدري أين أنت؟ بين يدي(١) بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الطلاة وإيتاء الزكاة ، فأنت ثم ، ونحن اولئك ، فقال قتادة : صدقت والله جعلني الله فداك ، والله ماهي بيوت حجارة ولا طين.

قال قتادة : فأخبرني عن الجبن ، فتبسم أبوجعفر عليه‌السلام وقال : رجعت مسائلك إلى هذا؟ قال : ضلت عني فقال : لابأس به ، فقال : إنه ربما جعلت فيه أنفحة الميت ، قال : ليس بها بأس إن الانفحة ليست لها عروق ولافيها دم ولالها عظم ، إنماتخرج من بين فرث ودم ، ثم قال : وإنما الا نفحة بمنزلة دجاجة ميتة خرجت منها بيضة ، فهل تأكل تلك البيضة؟ فقال القتادة : لا ولا آمر بأكلها ، فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : ولم؟ قال : لانها من الميتة ، قال له : فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟ قال : نعم ، قال : فما حرم عليك البيضة وأحل لك الدجاجة؟ ثم قال : فكذلك الانفحة مثل البيضة ، فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدى المصلين ولا تسأل عنه إلا أن يأتيك من يخبرك عنه.(٢)

__________________

* سرجس وأبا الطفيل وابن المسيب وأبا عثمان النهدى والحسن وابن سيرين وعكرمة وزرارة بن أو في والشعبى وخلائق غيرهم من التابعين ، روى عنه جماعة من التابعين منهم : سليمان التيمى وحميد الطويل والاعمش وأيوب ، وخلائق من تابعى التابعين منهم : مطرالوراق وجرير بن حازم وشعبة والاوزاعى وغيرهم ، وأجمعوا على جلالته وحفظه واتقانه وفضله ثم ذكر كلام أعلام السنة في توثيقه وحفظه وإكباره ومعرفته بالتفسير وفقهه وغيره ، وقال : توفى سنة سبع عشرة ، وقيل : ثمان عشرة ومائة وهو ابن ست وخمسين ، وقيل : سنة خمس وخمسين.

(١) في المصدر : أتدرى أين أنت؟ أنت بين يدى.

(٢) الفروع : ج ٢ ص ١٥٤.

١٥٥

٥ ـ شى : عن محمدبن هاشم ، عمن أخبره ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال له الابرش الكلبي : بلغني أنك قلت في قول الله « يوم تبدل الارض » إنها تبدل خبزة ، فقال أبوجعفر عليه‌السلام صدقوا ، تبدل الارض خبزة نقيه في الموقف يأكلون منها فضحك الابرش ، وقال : أما لهم شغل بماهم فيه عن أكل الخبز؟! فقال : ويحك في أي المنزلتين هم أشد شغلا وأسوأ حالا ، إذا هم في الموقف أو في النار يعذبون؟ فقال : لا في النار ، فقال : ويحك وإن الله يقول : لآكلون من شجر من زقوم * فمالؤن منها البطون * فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم ) قال : فسكت وفي خبر آخرعنه فقال : وهم في النار لايشغلون عن أكل الضريع وشرب الحميم وهم في العذاب ، كيف يشغلون عنه في الحساب؟.(١)

٦ ـ قب : سأل طاوس اليماني الباقر عليه‌السلام : متى هلك ثلث الناس؟ فقال عليه‌السلام يا أباعبدالرحمن لم يمت ثلث الناس قط ، يا شيخ أردت أن تقول : متى هلك ربع الناس؟ وذلك يوم قتل قابيل هابيل ، كانوا أربعة : آدم ، وحواء ، وهابيل ، وقابيل ، فهلك ربعهم ، قال : فأيهما كان أبا الناس؟ القاتل أوالمقتول؟ قال : لاواحد منهما ، أبوهم شبيث.

وسأله عن شئ قليله حلال وكثيرة حرام في القرآن ، قال : نهر طالوت إلا من اغترف غرفة بيده وعن صلاة مفروضة بغير وضوء ، وصوم لايحجز عن أكل وشرب فقال عليه‌السلام : الصلاة على النبي ، والصوم قوله تعالى : « إني نذرت للرحمن صوما » وعن شئ يزيد وينقص ، فقال عليه‌السلام : القمر ، وعن شئ يزيد ولا ينقص فقال : البحر ، وعن شئ ينقص ولايزيد فقال : العمر ، وعن طائر طارمرة ولم يطر قبلها ولابعدها ، قال عليه‌السلام : طورسيناء قوله تعالى : « وإذ نتقنا الجبل(٢) فوقهم كأنه ظلة » وعن قوم شهدوا بالحق وهم كاذبون ، قال عليه‌السلام : المنافقون حين قالوا : نشهد إنك لرسول الله(٣)

__________________

(١) تفسير العياشى : مخطوط وأخرجه أيضا عنه وعن المحاسن في كتاب المعاد في باب صفة المحشر راجع ج ٧ : ١٠٩ ، وتقدم احتجاجه عليه‌السلام في ذلك هناك مع نافع مولى عمر وسالم مولى هشام بن عبدالملك وغيره راجع ص ١٠٠ و ١٠٥ و ١١٠.

(٢) أى قلعناه ورفعناه فوق رؤوسهم والنتق : النفض الشديد.

(٣) مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ : ٢٨٨.

١٥٦

٧ ـ محمد بن المنكدر : (١) رأيت الباقر عليه‌السلام وهو متكئ على غلامين أسودين ، فسلمت عليه فرد علي على بهر ، وقد تصبب عرقا فقلت : أصلحك الله لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال في طلب الدنيا؟ فخلى الغلامين من يده وتساند وقال : لو جاءني أنا في طاعة من طاعات الله أكف بها نفسي عنك وعن الناس ، وإنما كنت أخاف الله لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله فقلت : رحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني.(٢)

٨ ـ وكان عبدالله بن نافع بن الازرق(٣) يقول : لو عرفت أن بين قطريها أحدا تبلغني إليه الابل يخصمني بأن عليا عليه‌السلام قتل أهل النهروان وهو غير ظالم لرحلتها إليه ، قيل له : إيت ولده محمد الباقر عليه‌السلام ، فأتاه فسأله فقال عليه‌السلام بعد كلام : الحمد لله الذي أكرمنا بنبوته ، واختصنا بولايته ، يا معشر أولاد المهاجرين والانصار من كان عنده منقبة في أميرالمؤمنين عليه‌السلام فليقم وليحدث ، فقاموا ونشروا من مناقبه ،

__________________

(١) هو محمد بن المنكدر بن عبدالله بن الهدير ـ بالتصغير ـ التيمى المدنى من علماء العامة وفضلائهم ترجمه ابن حجر في التقريب : ص ٢٧٢ وقال : ثقة فاضل من الثالثة ، مات سنة ثلاثين أو بعده ، وأورده العلامة في القسم الثانى من الخلاصة والكشى في رجاله ونصا على أنه من رجال العامة. وحكى عن جامع الاصول انه مات سنة احدى وثلاثين مائة وقيل : سنة احدى وأربعين مائة وله نيف و سبعون سنة.

(٢) مناقب ابن شهر اشوب ج ٢ : ٢٨٨ وقد اخرجه الكلينى ايضا في الفروع من الكافى في باب مايجب من الاقتداء بالائمة في التعرض للرزق باسناده عن على بن ابراهيم ، عن أبيه ، و محمد بن اسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن ابى عمير ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن ابى عبدالله عليه‌السلام قال : ان محمد بن المنكدر كان يقول : ماكنت أرى أن على بن الحسين يدع خلفا أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن على ، فاردت أن أعظه فوعظنى ، فقال له أصحابه : بأى شئ وعظك؟ قال : خرجت إلى بعض نواحى المدينة في ساعة حارة فلقينى ، أبوجعفر محمد بن على عليه‌السلام وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين ، فقلت في نفسى : سبحان الله شيخ من أشياخ القريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا! اما لاعظنه ، فدنوت فسلمت عليه فرد على السلام بنهر وهو يتصاب عرقا فقلت : اصلحك الله شيخ من اشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا!؟ ارأيت لو جاء أجلك وانت على هذه الحال ماكنت تصنع؟ فقال : لو جاءنى الموت وانا على هذه الحال جاءنى وانا في طاعة الله عزوجل إه. قلت : نهر السائل : زجره وبهر بالباء : انقطع نفسه من السعى الشديد

(٣) لعله هو عبدالله بن نافع مولى ابن عمر المدنى المترجم في التقريب : ص ٢٩٣ بقوله : ضعيف من السابعة ، مات سنة ٥٤ أى بعد المائة.

١٥٧

فلما انتهوا إلى قوله : « لاعطين الراية » الخبر سأله أبوجعفر عليه‌السلام عن صحته فقال : هو حق لاشك فيه ولكن عليا أحدث الكفر بعد.

فقال أبوجعفر عليه‌السلام : أخبرني عن الله أحب علي بن أبيطالب عليه‌السلام يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان ، أم لم يعلم؟ إن قلت : لاكفرت فقال : قد علم ، قال : فأحبه على أن يعمل بطاعته ، أم على أن يعمل بمعصيته؟ قال : على أن يعمل بطاعته ، فقال أبوجعفر عليه‌السلام : قم مخصوما ، فقام وهو يقول : « حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود » الله يعلم حيث يجعل رسالته.(١)

٩ ـ وفي حديث نافع بن الازرق(٢) أنه سأل الباقر عليه‌السلام عن مسائل منها قوله تعالى : « واسئل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون » من الذي يسأله محمد ، وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة؟ قال فقرأ أبوجعفر عليه‌السلام « سبحان الذي أسرى بعبده ليلا » ثم ذكر اجتماعه بالمرسلين والصلاة بهم. (٣)

١٠ ـ وتكلم بعض رؤساء الكيسانية مع الباقر عليه‌السلام في حياة محمدبن الحنفية قال له : ويحك ماهذه الحماقة؟ أنتم أعلم به أم نحن؟ قد حدثني أبي علي بن الحسين عليهما‌السلام أنه شهد موته وغسله وكفنه والصلاة عليه وإنزاله في قبره ، فقال : شبه على أبيك كما شبه عيسى بن مريم على اليهود ، فقال له الباقر عليه‌السلام : أفنجعل هذه الحجة قضاء بيننا وبينك؟ قال : نعم ، قال : أرأيت اليهود الذين شبه عيسى عليه‌السلام عليهم كانوا أولياءه أو أعداءه قال : بل كانوا أعداءه ، قال : فكان أبي عدو محمدبن الحنفية فشبه له؟ قال : لا ، وانقطع ورجع عما كان عليه.(٤)

١١ ـ وجاءه رجل من أهل الشام وسأله عن بدء خلق البيت ، فقال عليه‌السلام : إن الله تعالى لما قال للملائكة : « إني جاعل في الارض خليفة » فردوا عليه بقولهم : « أتجعل فيها » وساق الكلام إلى قوله تعالى : « وما كنتم تكتمون » فعلموا أنهم وقعوا في الخطيئة

__________________

(١) مناقب شهر اشوب ج ٢ : ٢٨٩

(٢) هو المترجم في التقريب : ص ٥٢٠ بقوله : نافع ابوعبدالله المدنى مولى ابن عمر ، ثقة ثبت فقيه مشهور من الثالثة ، مات سنة ١١٧ او بعد ذلك قلت : يأتى في الخبر ١٣ توصيفه بمولى عمربن الخطاب.

(٣) مناقب ابن اشوب ج ٢ : ٢٨٩.

(٤) مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ : ٢٨٩.

١٥٨

فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أشواط ، يسترضون ربهم عزوجل فرضي عنهم ، و قال لهم : اهبطوا إلى الارض فابنوا لي بيتا يعوذ به من أذنب من عبادي ويطوف حوله كما طفتم أنتم حول عرشئ فأرضى عنه كما رضيت عنكم فبنوا هذا البيت ، فقال له الرجل : صدقت يا أباجعفر ، فما بدؤ هذا الحجر؟ قال : إن الله تعالى لما أخذ ميثاق بني آدم أجرى نهرا أحلى من العسل وألين من الزبد ، ثم أمر القلم استمد من ذلك وكتب إقرارهم وماهو كائن إلى يوم القيامة ، ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر فهذا الاستلام الذي ترى إنما هو بيعة على إقرارهم ، وكان أبي إذا استلم الركن قال : « اللهم أمانتي أديتها ، وميثاقي تعاهدته ليشهد لي عندك بالوفاء » فقال الرجل : صدقت يا أباجعفر ، ثم قام فلما ولى قال الباقر عليه‌السلام لابنه الصادق عليه‌السلام : اردده علي ، فتبعه إلى الصفا فلم يره ، فقال الباقر عليه‌السلام : أراه الخضر عليه‌السلام(١)

١٢ ـ كش : محمدبن قولويه ، عن محمدبن بندار القمي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أحمدبن النضر ، عن عبادبن بشير ، عن ثويربن(٢) أبي فاختة قال : خرجت حاجا فصحبني عمربن ذر القاضي(٣) وابن قيس الماصر(٤) والصلت بن بهرام(٥) وكانوا إذا

__________________

(١) مناقب ابن شهر اشوب ج ٢ : ٢٨٩ ٢٩٠.

(٢) بالتصغير هو ثويربن ابى فاختة أبوجهم الكوفى الشيعى واسم ابى فاختة سعيد بن علاقة يروى عن ابيه ، و؟؟ مولى ام هانى بنت أبى طالب ، ترجمه اصحابنا في تراجمهم ، وقال ابن حجر في التقريب ص ٧٤ : ضعيف رمى بالرفض من الرابعة.

(٣) ترجمه ابن حجر في التقريب ص ٣٢٨ فقال : عمربن ذربن عبدالله بن زرارة الهمدانى بالسكون المرهبى أبوذر الكوفى ثقة رمى بالارجاء من السادسة ، مات سنة ثلاث وخمسين « أى بعد المائة » وقيل : غير ذلك.

(٤) ترجمه ابن حجر في التقريب ص ٣٨٦ بقوله : عمر بن قيس بن الماصر. بكسر المهملة وتخفيف الراء ـ ابوالصباح بمهملة وموحدة شديدة ـ الكوفى مولى ثقيف صدوق ، ربما وهم ورمى بالارجاء من السادسة.

(٥) ترجمه بن حجر في لسان الميزان ٣ : ١٩٤ فقال : الصلت بن بهرام عن ابى وائل وزيدبن وهب ، وعنه مروان بن معاوية وابن عيينة ، قال احمد : كوفى ثقة وقال ابن عيينة : كان اصدق اهل الكوفة وقال ابن ابى حثيمة : عن يحيى ثقة وقال ابوحاتم : لاعيب له الا الارجاء ، وكذا تكلم فيه ابوزرعة للازجاء وقال البخارى : صدوق في الحديث كان يذكر بالارجاء ثم ذكر توثيقه عن ابن حبان واسحاق بن راهويه وابن معين وعمارو ابن سعد وعن الازدى : إذا روى عنه الثقات استقام حديثه ، وإذا روى عنه الضعفاء خلطوا ولا بأس به وعن الواقدى انه مات سنة ١٤٧.

١٥٩

نزلوامنزلا قالوا : انظر الآن فقدحر رنا أربعة آلاف مسألة نسألة نسأل أباجعفر عليه‌السلام منهاعن ثلاثين كل يوم ، وقد قلدناك ذلك ، قال ثوير : فغمني ذلك حتى إذا دخلنا المدينة فافترقنا فنزلت أنا على أبي جعفر فقلت له : جعلت فداك إن ابن ذر وابن قيس الماصر والصلت صحبوني وكنت أسمعهم يقولون : قدحر رنا أربعة آلاف مسألة نسأل أباجعفر عليه‌السلام عنها فغمني ذلك فقال أبوجعفر عليه‌السلام : مايغمك من ذلك؟ فإذا جاؤوا فأذن لهم.

فلما كان من غددخل مولى لابي جعفر عليه‌السلام فقال : جعلت فداك إن بالباب ابن ذر ومعه قوم ، فقال لى أبوجعفر عليه‌السلام : ياثوير قم فأذن لهم ، فقمت فأدخلتهم ، فلما دخلوا سلموا وقعدوا ولم يتكلموا ، فلما طال ذلك أقبل أبوجعفر عليه‌السلام يستفتيهم الا حاديث وأقبلوا لا يتكلمون ، فلما رأى ذلك أبوجعفر عليه‌السلام قال لجارية له يقال لهاسرحة : هاتي الخوان فلما جاءت به فوضعته قال أبوجعفر عليه اسلام الحمد لله الذي جعل لكل شئ حدا ينتهي إليه حتى أن لهذا الخوان حدا ينتهي إليه ، فقال ابن ذر : وما حده؟ قال : إذا وضع ذكراسم الله ، وإذا رفع حمدالله ، قال : ثم أكلوا ثم قال أبوجعفر عليه‌السلام : اسقيني فجاءته بكوز من أدم فلما صار في يده قال : الحمدالله الذي جعل لكل شئ حدا ينتهي إليه حتى أن لهذا الكوز حدا ينتهي إليه ، فقال ابن ذر : وماحده؟ قال : يذكراسم الله عليه إذا شرب ، ويحمدالله عليه إذا فرغ ، ولا يشرب من عند عروته ، ولامن كسر إن كان فيه.

قال : فلما فرغوا أقبل عليهم يستفتيهم الاحاديث فلايتكلمون ، فلما رأى ذلك أبوجعفر عليه‌السلام قال : يا ابن ذر ألاتحدثنا ببعض ما سقط إليكم من حديثنا؟ قال : بلى يا ابن رسول الله ، قال : إني تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من آخر : كتاب الله ، وأهل بيتي ، إن تمسكتم بهما لن تضلوا. فقال أبوجعفر عليه‌السلام : يا ابن ذر إذا لقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ماخلفتني في الثقلين؟ فماذا تقول؟ قال : فبكى ابن ذرحتى رأيت دموعة تسيل على لحيته ، ثم قال : أما الاكبر فمز قناه ، وأما الاصغر فقتلناه ، فقال أبوجعفر عليه‌السلام : إذا تصدقه يا ابن ذر لاوالله لاتزول قدم يوم القيامة حتى يسأل عن ثلاث :

١٦٠