بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بكلام لايجهلك قريش من بعدي فيقولون : إن الحسين بن علي عليه‌السلام لايبصر شيئا ، وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك.

فصعد الحسين عليه‌السلام فحمدالله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه وآله صلاة موجزة ، ثم قال : معاشر الناس سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهويقول : إن عليا ـ عليه‌السلام ـ مدينة هدى فمن دخلها نجا ، ومن تخلف عنها هلك. فوثب إليه علي عليه‌السلام فضمه إلى صدره و قبله ، ثم قال : معاشر الناس اشهدوا أنهما فرخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووديعته التي استودعنيها. وأنا أستودعكموها معاشر الناس ورسول الله سائلكم عنهما.(١)

ختص : علي بن محمد الشعراني ، عن الحسن بن علي بن شعيب ، عن عيسى بن محمد العلوي ، عن محمد بن العباس مثله.(٢)

ج : مرسلا إلى قوله : أخي الخضر عليه‌السلام ، وأسقط سؤال ذعلب.(٣)

بيان : السفط معرب معروف. ويقال : زق الطائر فرخه يزقه أي أطعمه بفيه. وثني الوسادة : جعل بعضها على بعض لترتفع فيجلس عليها كما يصنع للاكابر و الملوك. وههنا كناية عن التمكن في الامر والاستيلاء على الحكم وأما إفتاء أهل الكتاب بكتبهم فيحتمل أن يكون المراد به بيان أنه في كتابهم هكذا لا الحكم بالعمل به ، أواريد به الافتاء فيما وافق شرع الا سلام وإلزام الحجة عليهم فيما ينكرونه من اصول دين الاسلام وفروعه. قوله عليه‌السلام : « والمنا فقون أشد حالا منهم » تعريض بالسائل لانه كان منهم. والعكاز : عصا ذات زج. والبدء : الاول.

٢ ـ ج : عن الا صبغ بن نباتة قال : خطبنا أميرالمؤمنين عليه‌السلام على منبر الكوفة فحمدالله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين جوانحي علما جما. فقام إليه ابن الكواء فقال : يا أميرالمؤمنين ما الذاريات ذروا؟ قال : الرياح.

__________________

(١) التوحيد : ٣١٩ ـ ٣٢٣ الامالى : ٢٠٥ ـ ٢٠٨ المجلس الخامس والخمسون.

(٢) الاختصاص : مخطوط.

(٣) الاحتجاج : ١٣٧ ، وأورد سؤال ذعلب مجملا في ص ١١٠ الا انه قال : روى أهل السير أن رجلا جاء إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام.

١٢١

قال : فما الحاملات وقرا؟ قال : السحاب. قال : فما الجاريات يسرا؟ قال : السفن قال فما المقسمات أمرا؟ قال : الملائكة.

قال : يا أميرالمؤمنين وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا. قال : ثكلتك امك يا ابن الكواء كتاب الله يصدق بعضه بعضا ، ولا ينقض بعضه بعضا ، فسل عما بدالك

قال : يا أميرالمؤمنين سمعته يقول : « رب المشارق والمغارب » وقال في آية اخرى : « رب المشرقين ورب المغربين » وقال في آية اخرى : « رب المشرق و المغرب » قال : ثكلتك امك يا ابن الكواء هذا المشرق وهذا المغرب. وأما قوله : « رب المشرقين ورب المغربين » فإن مشرق الشتاء على حدة ، ومشرق الصيف على حدة ، أما تعرف ذلك من قرب الشمس وبعدها؟ وأما قوله : « رب المشارق والمغارب » فإن لها ثلاث مائة وستين برجا تطلع كل يوم من برج وتغيب في آخر ولاتعود إليه إلا من قابل في ذلك اليوم قال : يا أميرالمؤمنين كم بين موضع قدمك إلى عرش ربك؟ قال : ثكلتك امك يا ابن الكواء سل متعلما ولاتسأل متعنتا ، من موضع قدمي إلى عرش ربي أن يقول قائل مخلصا : لا إله إلا الله.

قال : يا أميرالمؤمنين فما ثواب من قال : لا إله إلا الله؟ قال عليه‌السلام : من قال مخلصا : لا إله إلا الله طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الاسود من الرق الابيض ، فإذا قال ثانية : لا إله إلا الله مخلصا خرقت أبواب السماوات وصفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها لبعض : اخشعوا لعظمة الله ، فإذا قال ثالثة : لا إله إلا الله مخلصا لم تنهنه دون العرش ، فيقول الجليل : اسكني فوعزتي وجلالي لاغفرن لقائلك بما كان فيه ، ثم تلاهذه الآية « إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه » يعني إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله وكلامه.

قال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عن قوس قزح قال : ثكلتك امك يا ابن الكواء لا ثقل : قوس قزح فإن قزح(١) اسم شيطان ، ولكن قل : قوس الله ، إذا بدت يبدو الخصب والريف. قال : أخبرني يا أميرالمؤمنين عن المجرة التي تكون في السماء ، قال : هي شرج

__________________

(١) في المصدر : فان قزحا اسم شيطان.

١٢٢

السماء وأمان لاهل الارض من الغرق ، ومنه أغرق الله قوم نوح بماء منهمر.

قال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر. قال عليه‌السلام : الله أكبر الله أكبر رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء ، أما سمعت الله تعالى يقول : « وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة »؟ قال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . قال : عن أي أصحاب رسول الله تسألني؟ قال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عن أبي ذر الغفاري. قال عليه‌السلام : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذالهجة(١) أصدق من أبي ذر.

قال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عن سلمان الفارسي قال : بخ بخ ، سلمان منا أهل البيت ، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم ، علم علم الاول وعلم الآخر. قال : يا أميرالمؤمنين فأخبرني عن حذيفة بن اليمان. قال : ذاك امرؤ علم أسماء المنافقين ، إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عارفا عالما.

قال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عن عماربن ياسر. قال : ذاك امرؤ حرم الله لحمه ودمه على النار وأن تمس شيئا منهما. قال : يا أميرالمؤمنين فأخبرني عن نفسك قال : كنت إذا سألت اعطيت ، وإذا سكت ابتديت.(٢)

قال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عن قول الله عزوجل : « هل ننبئكم بالا خسرين أعمالا » الآية. قال : كفرة أهل الكتاب : اليهود والنصارى ، وقد كانوا على الحق فابتد عوا في أديانهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ثم نزل عن المنبر وضرب بيده على منكب ابن الكواء ثم قال : يا ابن الكواء وما أهل النهروان منهم ببعيد. فقال : يا أميرالمؤمنين ما اريد غيرك ولا أسأل سواك. قال : فرأينا ابن الكواء يوم النهروان فقيل له : ثكلتك امك ، بالامس كنت تسأل أميرالمؤمنين عليه‌السلام عما سألته وأنت اليوم تقاتله! فرأينا رجلا حمل عليه فطعنه فقتله.(٣)

__________________

(١) هكذا في النسخ ، وفى المصدر : ولا أقلت الغبراء على ذى لهجة أصدق من أبى ذر.

(٢) أراد عليه‌السلام إذا سالت النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطانى ، وإذا سكت ابتدأنى.

(٣) الاحتجاج : ١٣٨.

١٢٣

توضيح : قوله عليه‌السلام : « أن يقول قائل مخلصا : لا إله إلا الله » لعل المعنى أن القائل إذا قال ذلك يصل إلى العرش في أقرب من طرف العين.(١) والحاصل أن السؤال عن قدر المسافة لا ينفعكم ، بل ينبغي أن تسألوا عما يصل إلى العرش ويقبله الله تعالى من الاعمال.

وقال الجزري : فيه : « فمانهنهها شئ دون العرش » أي مامنعها وكفها عن الوصول إليه.(٢) والريف بالكسر : أرض فيها زرع وخصب والسعة في المأكل والمشرب. قوله : « هي شرج السماء » بالجيم قال الفيروز آبادي : الشرج محركة : العرى. ومنفسح الوادي ومجرة السماء وفرج المرأة. وانشقاق في القوس والشرج : الفرقة ومسيل ماء من الحرة إلى السهل وشد الخريطة انتهى.(٣)

أوقل : لعله شبه باخريطة التي تجعل في رأس الكيس يشد بها ، أوبمسيل الماء لشباهته به ظاهرا ، أو لكونه منه أغرق الله قوم نوح عليه‌السلام وسيأتي شرح أجزاء الخبر في مواضعها.

٣ ـ وروى هذا الخبر إبراهيم بن محمدالثقفي في كتاب الغارات بأسانيده عن أبي عمرو الكندي وابن جريح وغير هما وزاد فيه قال : فما معنى السماء ذات الحبك؟ قال : ذات الخلق الحسن. قال : فكم بين المشرق والمغرب؟ قال مسيرة يوم للشمس تطلع من مطلعها فتأتي مغربها ، من حدثك غيرذلك كذبك.

فسأله من الذين بدلوا نعمة الله كفرا. فقال : دعهم لغيهم هم قريش. قال : فما ذوا القرنين؟ قال : رجل بعثه الله إلى قومه فكذبوه وضربوه على قرنه فمات ، ثم أحياءالله فبعثه إلى قومه فكذ بوه وضربوه على قرنه فمات ، ثم أحياه الله ، فهوذو القرنين ثم قال : وفيكم مثله.

وقال : أي خلق الله أشد؟ قال إن أشد خلق الله عشرة : الجبال الرواسي ،

__________________

(١) أو أن عرشه وعلمه محيط بالخلق ، فليس ببعيد حتى يسأل عن مسافته.

(٢) النهاية : باب النون مع الهاء.

(٣) القاموس : فصل الشين من أبواب الجيم.

١٢٤

والحديد تنحت به الجبال ، والنار تأكل الحديد ، والماء يطفئ النار ، والسحاب المسخر بين السماء والارض يحمل الماء ، والريح تقل السحاب ، والانسان يغلب الريح يتقيها بيديه ويذهب لحاجته ، والسكر يغلب الانسان ، والنوم يغلت السكر ، والهم يغلب النوم ، فأشد خلق ربك الهم.(١)

٤ ـ ج : عن جعفربن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن علي صلوات الله عليه قال : سلوني عن كتاب الله ، فوالله مانزلت آية في كتاب الله في ليل ولانهار ولا مسير ولا مقام إلا وقد أقرأني إياها(٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمني تأويلها ، فقام ابن الكواء فقال : يا أميرالمؤمنين فما كان ينزل عليه من القرآن وأنت غائب عنه؟ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه حتى أقدم عليه فيقرأنيه ويقول لي : ياعلي أنزل الله علي بعدك كذاوكذا ، وتأويله كذاوكذا فيعلمني تأويله و تنزيله.(٣)

٥ ـ ج : وجاء في الآثار أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان يخطب فقال في خطبته : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لاتسألوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة فقام إليه رجل(٤) فقال : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟ فقال : أميرالمؤمنين عليه‌السلام : والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما سألت. عنه ، وأن على كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك ، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزك ، (٥) وأن في بيتك سخلا(٦) يقتل ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، آية ذلك مصداق ما خبرتك به(٧) ولولا أن الذي سألت يعسر برهانه لا خبرتك به ، ولكن

__________________

(١) الغارات : مخطوط ولم نظفر بنسخته.

(٢) في المصدر : مانزلت آية من كتاب الله في ليل ونهار ولا مسير ولا مقام إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) الاحتجاج : ١٣٩.

(٤) هوسعدبن ابى وقاص ، وسخله عمربن سعد.

(٥) استفزه : استخفه واستدعاه. جعله يضطرب أزعجه.

(٦) السخل : الضعيف. السخل من القوم : رذيلهم ولدالشاة.

(٧) في المصدر : وآية ذلك مصداق ما أخبرتك به.

١٢٥

آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك(١) وسخلك الملعون واكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبو ، (٢) فلماكان من أمر الحسين عليه‌السلام ماكان تولى قتله ، وكان الامر كما قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام.(٣)

٦ ـ من إرشاد القلوب بحذف الاسناد روي أن قوما حضروا عند أميرالمومنين عليه‌السلام وهو يخطب بالكوفة ويقول : سلوني قبل أن تفقندوني ، فأنا لا اسأل عن شئ دون العرش إلا أجبت فيه ، لايقولها بعدي إلا مدع أوكذاب مفتر فقام إليه رجل من جنب مجلسه ، وفي عنقه كتاب كالمصحف ، وهورجل آدم ظرب طوال جعدالشعر ، كأنه من يهود العرب ، فقال رافعا صوته لعلى عليه‌السلام : يا أيها المدعي لما لايعلم و المتقدم لما لايفهم أنا سائلك فأجب.

قال : فوثب إليه أصحابه وشيعته من كل ناحية وهموا به ، فنهرهم(٤) علي عليه‌السلام وقال : دعوه ولا تعجلوه ، فإن العجل والطيش(٥) لايقوم به حجج الله ، ولا بإعجال السائل تظهر براهين الله تعالى. ثم التفت إلى السائل فقال : سل بكل لسانك ومبلغ علمك اجبك إن شاء الله تعالى بعلم لاتختلج فيه الشكوك ، ولا تهيجه دنس ريب الزيغ ، (٦) ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال الرجل : كم بين المشرق والمغرب؟ قال علي عليه‌السلام : مسافة الهواء. قال الرجا : وما مسافة الهواء؟ قال عليه‌السلام : دوران الفلك ، قال الرجل : ومادوران ألفلك؟ قال عليه‌السلام : مسير يوم للشمس قال : صدقت فمتى القيامة؟ قال عليه‌السلام : عند حضور المنية وبلوغ الاجل قال الرجل : صدقت فكم

__________________

(١) في المصدر : ولكن آية ذلك ما نبأتك به من لعنك.

(٢) حبا الصبى : زحف على يديه وبطنه.

(٣) الاحتجاج : ١٣٩.

(٤) اى زجرهم.

(٥) في المصدر : فان العجلة والبطش والطيش لايقوم به حجج الله.

(٦) في المصدر : ولا يهيجنه دنس ريب الزيغ وفى نسخة : مريب للزيغ.

١٢٦

عمرالدنيا؟ قال عليه‌السلام : يقال : سبعة آلاف ثم لا تحديد.(١) قال الرجل : صدقت فأين بكة من مكة؟ قال علي عليه‌السلام : مكة أكناف الحرم ، وبكة موضع البيت. قال الرجل : صدقت فلم سميت مكة؟ قال عليه‌السلام : لان الله تعالى مك الارض من تحتها(٢) قال : فلم سميت بكة؟ قال علي عليه‌السلام : لانها بكت رقاب الجبارين وأعناق المذنبين. قال : صدقت. قال : فأين كان الله قبل أن يخلق عرشه؟ فقال عليه‌السلام : سبحان من لا تدرك كنه صفته حملة العرش على قرب ربواتهم من كرسي كرامته ، ولا الملائكه المقربون من أنوار سبحات جلاله ، ويحك لا يقال : الله أين ، ولافيم ، ولا أي ، ولاكيف.(٣)

قال الرجل : صدقت ، فكم مقدار مالبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الارض والسماء؟ قال علي عليه‌السلام : أتحسن أن تحسب؟ قال الرجل : نعم. قال للرجل لعلك لاتحسن أن تحسب. قال الرجل : بلى إني أحسن أن أحسب.

قال علي عليه‌السلام : أرأيت أن صب خردل في الارض حتى يسد الهواء ومابين الارض والسماء ثم أذن لك على ضعفك أن تنقله حبة حبة من مقدار المشرق إلى المغرب ومدفي عمرك واعطيت القوة على ذلك حتى نقلته وأحصيته لكان ذلك أيسر من إحصاء عدد أعوام مالبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الله الارض والسماء ، و إنما وصفت لك عشر(٤) عشر العشير من جزء من مائة ألف جزء ، وأستغفراله عن « من خ » التقليل والتحديد.

فحرك الرجل رأسه وأنشأ يقول :

__________________

(١) قوله : « يقال » ايعاز إلى عدم ارتضائه بذلك ، ويمكن أيضا أن يكون السائل سأل عن ابتداء خلقة آدم عليه‌السلام إلى زمانه لا ابتداء تكون الارض ووجودها. هذا بالنسية إلى الابتداء ، واما الانتهاء فقال : لاتحديد ، أى لانهاية ، ولعله بالنسبة إلى نوع الدنيا لا أرضنا هذه بالخصوص.

(٢) في نسخة : مد الارض من تحتها.

(٣) في المصدر : ولا الملائكة من زاخررشحات جلاله ، ويحك لايقال : الله اين ولابم ولافيم ولا اين ولا كيف.

(٤) في نسخة : وانما وصفت لك منتقص عشر. وفى المصدر : وانما وصفت منقصة عشر عشر لعشر من جزء اه.

١٢٧

أنت أهل العلم يا هادي الهدى(١)

تجلو من الشك الغياهيبا

حزت أقاصي العلوم فما(٢)

تبصر أن غولبت مغلوبا

لا تنثني عن كل اشكولة

تبدي إذا حلت أعاجيبا

لله در العلم من صاحب

يطلب إنسانا ومطلوبا.(٣)

ايضاح : قال الجوهري : رجل ظرب مثال عتل : القصير اللحيم.

أقول : المراد هنا اللحيم الغليظ. وقدرويناه بتغييرما في كتاب السماء والعالم في باب العوالم.

٧ ـ نهج : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، فلانا بطرق السماء أعلم مني بطرق الارض ، قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها ، و تذهب بأحلام قومها.(٤)

بيان : قال ابن عبد البرقي الاستيعاب(٥) وغيره : أجمع الناس كلهم على أنه لم يقل أحد من الصحابة ولا أحد من العلماء هذا الكلام.

وقال ابن ميثم : كني بشغر رجلها عن خلو تلك الفتنة من مدبر.(٦) قال الجوهري بلدة شاغرة برجلها : إذا لم تمنع من غارة أحد. وشغر البلد أي خلا من الناس. وقال ابن الاثير : شغر الكلب رفع إحدى رجليه ليبول وقيل : الشغر : البعد. وقيل الاتساع ، ومنه حديث علي عليه‌السلام : قبل أن تشغر برجلها فتنة. انتهى.(٧)

__________________

(١) في نسخة : انت أصل العلم. وفى المصدر : أنت أصيل العلم ياذا الهدى. وفى نسخة : يا صاحب الهدى.

(٢) في المصدر : حزت أقاصى كل علم فما.

(٣) ارشاد القلوب ٢ : ١٨٦ و ١٨٧.

(٤) نهج البلاغة : القسم الاول ٣٨٧.

(٥) قال ابن عبدالبر في الاستيعاب ٣ : ٣٩ : حدثنا قاسم ، حدثنا عبدالوارث ، حدثنا احمد بن زهير حدثنا مسلم بن ابراهيم ، حدثنا شعبة عن أبى اسحاق ، عن عبدالرحمن بن يزيد ، عن علقمة ، عن عبدالله قال ، كنا نتحدث أن أقضى اهل المدينة على بن أبى طالب ، قال : احمد بن زهير : وأخبرنا ابراهيم بن بشار قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : ما كان أحد من الناس يقول : سلونى غير على بن ابيطالب.

(٦) وقال بعض الشراح : الجملة كناية عن كثرة مداخل الفساد فيها.

(٧) باب الشين مع الغين.

١٢٨

وقوله عليه‌السلام : « تطأ في خطامها » قال ابن ميثم : استعارة بوصف الناقة التي ارسلت خطامها وخلت عن القائد في طريقها فهي تخبط وتعثر وتطأ من لقيت من الناس على غير نظام من حالها. وتذهب بأحلام قومها ، قال بعض الشارحين : أى يتحير أهل زمانها فلا يهتدون إلى طريق التخلص عنها : ويحتمل أن يريد أنهم يأتون إليها سراعا رغبة ورهبة من غير معرفة بكونها فتنة.

(باب ٩)

* (مناظرات الحسن والحسين صلوات الله عليهما واحتجاجاتهما) *

١ ـ ل : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، (١) عن محمد بن قيس ، (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بينا أميرالمؤمنين عليه‌السلام في الرهبة والناس عليه متراكمون فمن بين مستفت ومن بين مستعد إذ قام إليه رجل فقال : السلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة الله وبركاته : فنظر إليه أميرالمؤمنين عليه‌السلام بعينيه هاتيك العظيمتين ثم قال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته من أنت؟ فقال : أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك. قال : ما أنت من رعيتي ولا من أهل بلادي ، ولو سلمت علي يوما واحدا ما خفيت علي. فقال : الامان يا أميرالمؤمنين. فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : هل أحدثت في مصري هذا حدثا منذ دخلته؟ قال : لا. قال : فلعلك من رجال الحرب

__________________

(١) بضم الحاء مصغرا هو عاصم بن حميد الحناط الخنفى ابوالفضل مولى كوفى ثقة عين صدوق ، روى عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، له كتاب ، قاله النجاشى. وقال الكشى : مولى بنى حنيفة ، مات بالكوفة. قلت : يروى عنه عدة من الاصحاب منهم : محمد بن عبدالحميد والسندى ابن محمد وعبدالرحمن بن ابى نجران وصفوان بن يحيى والنضر بن سعيد واحمد بن محمد بن ابى نصر ويونس بن عبدالرحمن والنضر بن سويد ومحمد بن الوليد ويحيى بن ابراهيم بن ابى البلاد وعبدالله بن جبلة والحسن بن على الوشاء وعلى بن الحكم وابن محبوب في جماعة كثيرين. وقال ابن حجر في التقريب ص ٢٤٤ : عاصم بن حميد الكوفى الحناط بمهملة ونون صدوق من السابعة.

(٢) هو محمد بن قيس البجلى ابوعبدالله الكوفى الثقة ، روى عن ابى جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام ، له كتاب قضايا اميرالمؤمنين عليه‌السلام ، روى عنه عاصم بن حميد الحناط ويوسف بن عقيل وعبيد ابنه.

١٢٩

قال : نعم. قال : إذا وضعت الحرب أوزارها فلابأس. قال : أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلالك أسألك عن شئ بعث فيه ابن الاصفر وقال له : إن كنت أحق بهدا الامر والخليفة بعد محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فأجبني عما أسألك فإنك إذا فعلت ذلك اتبعتك وبعثت إليك بالجائزة ، فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه ذلك ، فبعثني إليك لاسألك عنها.

فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : قاتل الله ابن آكلة الاكباد ما أضله وأعماه ومن معه! والله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوج بها ، حكم الله بيني وبين هذه الامة ، قطعوا رحمي ، وأضاعوا أيامي ، ودفعوا حقي ، وصغرو اعظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي ، علي بالحسن والحسين ومحمد ، (١) فاحضروا ، فقال : يا شامي هذان ابنا رسول الله وهذا ابني ، فاسأل أيهم أحببت ، فقال : أسأل ذا الوفرة يعني الحسن عليه‌السلام وكان صبيا ، فقال له الحسن عليه‌السلام. سلني عما بدالك. فقال الشامي : كم بين الحق والباطل؟ وكم بين السماء والارض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟ وما المؤنث؟(٢) وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض.

فقال الحسن بن علي عليهما‌السلام : بين الحق والباطل أربع أصابع ، فما رأيته بعينك فهو الحق وقد تسمع باذنيك باطلا كثيرا. قال الشامي : صدقت. قال : وبين السماء والارض دعوة المظلوم ومد البصر ، فمن قال لك غير هذا فكذبه. قال : صدقت يا ابن رسول الله. قال : وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس ، تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وحين تغيب في مغربها.(٣) قال الشامي : صدقت ، فما قوس قزح؟ قال : ويحك لا تقل : قوس قزح ، فإن قزح اسم شيطان ، وهو قوس الله وعلامة الخصب و أمان لاهل الارض من الغرق.

وأما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها برهوت ، وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها سلمى ، وأما المؤنث فهو

__________________

(١) في الاحتجاج : يا قنبر على بالحسن والحسين ومحمد.

(٢) أى الذى يشبه المرأة في لينه وتكسر أعضائه.

(٣) في الاحتجاج : وتنظر إليها حين تغيب في مغربها.

١٣٠

الذي لا يدرى أذكر هو أو انثى ، فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم ، وإن كانت انثى حاضت وبداثديها ، وإلا قيل له : بل على الحائط فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر ، وإن انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة. وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض : فأشد شئ خلقه الله عزوجل الحجر ، وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر ، وأشد من الحديد النار تذيب الحديد ، وأشد من النار الماء يطفئ النار ، وأشد من الماء السحاب يحمل الماء ، وأشد من السحاب الريح يحمل السحاب ، وأشد من الريح الملك الذي يرسلها ، وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك ، وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت ، وأشد من الموت أمرالله رب العالمين الذي يميت الموت.

فقال الشامي : أشهد أنك ابن رسول الله حقا ، وأن عليا أولى بالامر من معاوية ، ثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية فبعثها معاوية إلى ابن الاصفر فكتب إليه ابن الاصفر : يا معاوية لم تكلمني بغير كلامك ، وتحبيبني بغير جوابك؟ اقسم بالمسيح ما هذا جوابك ، وما هو إلا من معدن النبوة وموضع الرسالة ، وأما أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك.(١)

ضه ، ج : مرسلا مثله.(٢)

بيان : سيأتي مثله بزيادة وتغيير في كتاب الفتن. قوله : « بعث فيه ابن الاصفر » أي ملك الروم ، وإنما سمي الروم بنو الاصفر لان أبا هم الاول كان أصفر اللون ، وهو روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم ، كذا ذكره الجزري.(٣) قوله عليه‌السلام : « قطعوا رحمي » أي لم يراعوا الرحم التي بيني وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو بيني وبينهم ، فالمراد به القريش والاول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « وأضاعوا أيامي » أي ما صدر مني من الغزوات وغيرها ممد أيد

__________________

(١) الخصال ٢ : ٥٦.

(٢) الاحتجاج : ص ١٤٣.

(٣) النهاية : باب الصاد مع الفاء.

١٣١

الله به الدين ونصر به المسلمين ، وما أظهر الله ورسوله من مناقبي ، فكثيرا ما يطلق الايام ويراد بها الوقايع المشهورة الواقعة فيها ، وقال المفسرون في قوله تعالى : « و ذكرهم بأيام الله » أي نعمه. وسيأتى في بعض الروايات : « وأصغوا إنائي » أي أما لوه لينصب مافيه. والوفرة : الشعر المجتمع على الرأس ، أو ما سال على الاذنين منه ، أو ما جاوز شحمة الاذن. قوله : « وكان صبيا » أي حدث السن ، فإنه عليه‌السلام كان في زمن خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام متجاوزا عن الثلاثين.

قوله عليه‌السلام « فمن قال غير هذا فكذبه » أي لا يعلم أكثر الناس ولا يصلحهم أن يعلموا بغير هذا الوجه ، فلا ينافي ما ورد من تحديده في بعض الاخبار لبعض المصالح وسيأتي في كتاب السماء والعالم ، وسيأتي تفصيل أجزاء الخبر في مواضعها.

٢ ـ فس : الحسين بن عبدالله السكيني ، عن أبي سعيد البجلي ، (١) عن عبد الملك بن هارون ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : لما بلغ ملك الروم أمر أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعاوية واخبر أن رجلين قدخر جا يطلبان الملك فسأل من أين خرجا؟ فقيل له : رجل بالكوفة ورجل بالشام ، فأمر الملك وزراءه فقال : تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي ، فاتي برجلين من تجار الشام ، ورجلين من تجار مكة فسألهم من صفتهما ، فوصفوهما له ، ثم قال لخزان بيوت خزائنه : أخرجوا إلي الاصنام فأخرجوها فنظر إليها فقال : الشامي ضال ، والكوفي هاد. ثم كتب إلى معاوية : أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك ، وكتب إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام : أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك فأسمع منهما ، ثم أنظر في الانجيل كتابنا ثم اخبركما من أحق بهذا الامر ، وخشي على ملكه. فبعث معاوية يزيد ابنه ، وبعث أميرالمؤمنين عليه‌السلام الحسن عليه‌السلام ابنه ، فلما دخل يزيد على الملك أخذ بيده فقبلها ثم قبل رأسه ، ثم دخل عليه الحسن بن علي صلوات الله عليهما فقال :

الحمدلله الذي لم يجعلني يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا ، ولا عابد الشمس والقمر ، ولا الصنم والبقر ، وجعلني حنيفامسلما ولم يجعلني من المشركين ، تبارك الله

__________________

(١) لعله ثابت بن ابى ثابت عبدالله البجلى الكوفى المترجم في أصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام من رجال الشيخ.

١٣٢

رب العرش العظيم ، والحمدلله رب العالمين ، ثم جلس لا يرفع بصره ، فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين أخرجهما ثم فرق بينهما ثم بعث إلى يزيد فأحضره ، ثم أخرج من خزائنه ثلاثمائة وثلاث عشر صندوقا(١) فيها تماثيل الانبياء وقد زينت بزينة كل نبي مرسل ، فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ، ثم عرض عليه صنما صنما فلا يعرف منهما شيئا ولا يجيب منها بشئ ، ثم سأله عن أرزاق الخلائق ، وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع؟ وعن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا؟ فلم يعرف من ذلك شيئا : ثم دعا الحسن بن علي عليهما‌السلام فقال : إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي بعلم أنك تعلم ما لا يعلم ، ويعلم أبوك ما لا يعلم أبوه ، فقدو صف أبوك وأبوه فنظرت في الانجيل فرأيت فيه محمدا رسول الله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » والوزير عليا ، ونظرت في الاوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمد.

فقال له الحسن عليه‌السلام : سلني عما بدا لك مما تجده في الانجيل ، وعما في التوراة ، وعما في القرآن اخبرك به إن شاء الله تعالى ، فدعا الملك بالاصنام ، فأول صنم عرض عليه في صفة القمر فقال الحسن عليه‌السلام : فهذه صفة آدم أبوالبشر ، ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس فقال الحسن عليه‌السلام : هذه صفة حواءام البشر ، ثم عرض عليه آخر في صفة حسنة فقال : هذه صفة شيث بن آدم وكان أول من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة وأربعين عاما : (٢) ثم عرض عليه صنم آخر فقال : هذه صفة نوح صاحب السفينة ، وكان عمره ألفا وأربعمائه سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما : ثم عرض عليه صنم آخر فقال : هذه صفة إبراهيم عريض الصدر ، طويل الجبهة ، ثم اخرج إليه صنم آخر فقال : هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب ، ثم اخرج إليه صنم آخر فقال : هذه صفة إسماعيل ، ثم اخرج إليه صنم آخر فقال : هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، ثم اخرج صنم آخر فقال : هذه صفة موسى بن عمران ، وكان عمره مائتين وأربعين سنة ، وكان بينه وبين إبراهيم خمسمائة عام ، ثم اخرج إليه صنم آخر فقال : هذه صفة داود صاحب الحرب ، ثم اخرج إليه صنم آخر فقال :

__________________

(١) في نسخة : مائة وثلاثة عشر صندوقا.

(٢) في نسخة : وأربعين يوما.

١٣٣

هذه صفة شعيب ، ثم زكريا ثم يحيى ثم عيسى بن مريم روح الله وكلمته وكان عمره في الدنيا ثلاثة وثلاثون سنة ، ثم رفعه الله إلى السماء ، ويهبط إلى الارض بدمشق ، وهو الذي يقتل الدجال ، ثم عرض عليه صنم صنم فيخبر باسم نبي نبي ، ثم عرض عليه الاوصياء والوزراء فكان يخبرهم باسم وصي وصي ووزير وزير ، ثم عرض عليه أصنام بصفة الملوك فقال الحسن عليه‌السلام : هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في القرآن ، فلعلها من صفة الملوك.

فقال الملك : أشهد عليكم يا أهل بيت محمد أنكم قد اعطيتم على الاولين والآخرين وعلم التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وألواح موسى ، ثم عرض عليه صنم يلوح فلما نظر إليه(١) بكى بكاء شديدا فقال له الملك : ما يبكيك؟ فقال : هذه صفة جدي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كث اللحية ، عريض الصدر ، طويل العنق ، عريض الجبهة ، أقنى الانف ، أفلج الاسنان ، (٢) حسن الوجه ، قطط الشعر ، طيب الريح ، حسن الكلام ، فصيح اللسان ، كان يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، بلغ عمره ثلاثا وستين سنة ، ولم يخلف بعده إلاخاتم مكتوب عليه : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، وكان يتختم في يمينه ، وخلف سيفه ذوالفقار ، وقضيبه ، وجبة صوف وكساء صوف كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخطه حتى لحق بالله. فقال الملك : إنا نجد في الانجيل أنه يكون له ما يتصدق على سبطيه ، فهل كان ذلك؟ فقال له الحسن عليه‌السلام : قد كان ذلك ، فقال الملك : فبقي لكم ذلك؟ فقال : لا ، فقال الملك : لهذه أول فتنة هذه الامة عليها ، ثم على ملك نبيكم واختيارهم على ذرية نبيهم ، (٣) منكم القائم بالحق ، الآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر. قال : ثم سأل الملك الحسن عليه‌السلام : عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم ، فقال الحسن عليه‌السلام : أول هذا آدم ، ثم حواء ، ثم كبش

__________________

(١) في المصدر : فلما رآه الحسن عليه‌السلام.

(٢) في نسخة وفى المصدر : أبلج الاسنان. وهو من أبلج الصبح : أضاء وأشرق.

(٣) في المصدر وفى نسخة مصححة : أول فتنة هذه الامة غلبهما أباكما وهما الاول والثانى على ملك نبيكم واختيار هذه الامة على ذرية نبيكم.

١٣٤

إبراهيم ، ثم ناقة صالح(١) ثم إبليس الملعون ثم الحية ، ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن. ثم سأله عن أرزاق الخلائق فقال الحسن عليه‌السلام : أرزاق الخلائق في السماء الرابعة ، تنزل بقدر ، وتبسط بقدر ، ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين يكونون إذا ماتوا؟ قال : تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة الجمعة ، وهو عرش الله الادنى ، منها يبسط الله الارض ، وإليه يطويها ، ومنها المحشر ، (٢) ومنها استوى ربنا إلى السماء ، (٣) والملائكة. ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع؟ قال : تجتمع في وادي حضرموت(٤) وراء مدينة اليمن ، ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس ، فيحشر أهل الجنة عن يمين الصخرة ، ويزلف المتقي ، (٥) ويصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الارضين السابعة ، وفيها الفلق والسجين ، فيعرف الخلائق من عند الصخرة ، فمن وجبت له الجنة دخلها ، ومن وجبت له النار دخلها ، وذلك قوله : « فريق في الجنة وفريق في السعير ».

فلما أخبر الحسن عليه‌السلام بصفة ما عرض عليه من الاصنام وتفسير ما سأله التفت الملك إلى يزيد بن معاوية وقال : أشعرت أن ذلك علم لا يعلمه إلا نبي مرسل ، أو وصي موازر قد أكرمه الله بموازرة نبيه ، أو عترة نبي معطفى؟ وغيره المعادي فقد طبع الله على قلبه ، وآثر دنياه على آخرته أو هواه على دينه ، وهو من الظالمين. قال : فسكت يزيد وخمد ، قال : فأحسن الملك جائزة الحسن عليه‌السلام وأكرمه وقال له : ادع ربك حتى يرزقني دين نبيك ، فإن حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك ، وأظنه شقاء مرديا(٦) وعذابا أليما. قال : فرجع يزيد إلى معاوية وكتب إليه الملك : أنه يقال : من

__________________

(١) في نسخة : ناقة الله.

(٢) في نسخة : وإليه المحشر.

(٣) في المصدر : ومنها استوى ربنا إلى السماء ، أى استولى على السماء والملائكة.

(٤) في نسخة : في وادى برهوت.

(٥) في المصدر : ويزلف الميعاد.

(٦) في نسخة : سما مرديا.

١٣٥

آتاه الله العلم(١) بعد نبيكم وحكم بالتوراة وما فيها والانجيل وما فيه والزبور وما فيه والفرقان ومافيه فالحق والخلافة له ، وكتب إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام : أن الحق والخلافة لك ، وبيت النبوة فيك وفي ولدك ، فقاتل من قاتلك يعذبه الله بيدك ، ثم يخلده الله نارجهنم ، فإن من قاتلك نجده في الانجيل أن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وعليه لعنة أهل السماوات والارضين.(٢)

بيان : كث الشئ : أى كثف. والقنافي الانف طوله ودقة أرنبته(٣) مع حدب في وسطه. والفلج بالتحريك : فرجة ما بين الثنايا والرباعيات. ويقال : جعد قطط أي شديدة الجعودة. ويقال : سرولته أي ألبسته السراويل فتسرول. قوله : ما يتصدق على سبطيه يعني فدكا. واستواء الرب من صخرة بيت المقدس إلى السماء كناية عن عروج الملائكة بأمره تعالى من ذلك الموضع إلى السماء لتسويتها. وسيأتي تفسير سائر أجزاء الخبر.

٣ ـ د : كتب الحسن البصري(٤) إلى الحسن بن علي عليهما‌السلام : أما بعد فأنتم أهل بيت النبوة ، ومعدن الحكمة ، وأن الله جعلكم الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، يلجئ إليكم اللاجئ ، ويعتصم بحبلكم الغالي ، من اقتدى بكم اهتدى ونجا ، ومن تخلف عنكم هلك وغوى ، وإني كتبت إليك عندالحيرة واختلاف الامة في القدر ، فتفضي إلينا ما أفضاه الله إليكم(٥) أهل البيت فنأخذبه.

__________________

(١) في المصدر : أنه من آتاه الله العلم.

(٢) تفسير القمى : ٥٩٥ ـ ٥٩٩. وللخبر صدروذيل تركهما.

(٣) الارنبة : طرف الانف.

(٤) هو الحسن بن أبى الحسن البصرى واسم أبيه يسار وكان من فضلاء العامة والثقاة عندهم إلا انهم قالوا : كان يرسل كثيرا ويدلس ويروى عن جماعة لم يسمع منهم ويقول : حدثنا. وقال ابن أبى الحديد : وممن قيل عنه انه كان يبغض عليا ويذمه الحسن البصرى روى عنه حماد بن سلمة أنه قال : لوكان على يأكل الحشف في المدينة لكان خيرا له مما دخل فيه. قلت : وقدو ردت روايات كثيرة من طرقنا الخاصة على ذمه منها الخبر المذكور في المتن وما يأتى في الباب الاتى وقد ذكر الكشى في رجاله عن الفضل بن شاذان أنه كان يلقى أهل كل فرق بما يهوون ، ويتضع للرياسة و كان رئيس القدرية. مات سنة ١١٠ عن ٨٩ سنة.

(٥) أفضى إليه : أعلمه به. وفى نسخة : فتقضى إلينا ما أقضاه الله إليكم. وهو مصحف.

١٣٦

فكتب إليه الحسن بن علي عليهما‌السلام : أما بعد فإنا أهل بيت كما ذكرت عندالله وعند أوليائه ، فأما عندك وعند أصحابك فلو كنا كما ذكرت ما تقدمتمونا ولا استبدلتم بنا غيرنا ، ولعمري لقد ضرب الله مثلكم في كتابه حيث يقول : « أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير » هذا لاوليائك فيما سألوا ولكم فيما استبدلتم ، ولولا ما اريد من الاحتجاج عليك وعلى أصحابك ما كتبت إليك بشئ مما نحن عليه ، ولئن وصل كتابي إليك لتجدن الحجة عليك وعلى أصحابك مؤكدة ، حيث يقول الله عزوجل : « أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون » فاتبع ما كتبت إليك في القدر فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقدكفر ، ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر ، إن الله عزوجل لا يطاع بإكراه ، ولا يعصى بغلبة ، ولا يهمل العباد من الملكة ، ولكنه المالك لما ملكهم ، والقادر على ما أقدرهم ، فإن ائتمروا بالطاعة لن يكون عنها صادا مثبطا ، وان ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل ، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها ولا كلفهم إياها جبرا ، بل تمكينه إياهم وإعذاره إليهم طرقهم ومكنهم فجعل لهم السبيدل إلى أخذما أمرهم به وترك مانهاهم عنه ، ووضع التكليف عن أهل النقصان والزمانة والسلام.(١)

٤ ـ ف : جوابه عليه‌السلام عن مسائل سأله عنها ملك الروم حين وفد إليه ويزيد بن معاوية في خبر طويل اختصرنا منه موضع الحاجة ، سأله عن المجرة ، وعن سبعة أشياء خلقها الله

__________________

(١) العدد القوية لم يطبع إلى الان ، ومخطوطه ليس موجودا عندنا. وذكر نحوه ابن شعبة في تحف العقول : ص ٢٣١ مع اختصار واختلاف في الالفاظ ، وفيه : والقادر على ما عليه أقدرهم ، بل أمرهم تخييرا ونهاهم تحذيرا ، فان ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صادا ، و ان انتهوا إلى معصية فشاء أن يمن عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل ، وإن لم يفعل فليس هو الذى حملهم عليها جبرا ولا الزموها كرها ، بل من عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم لا جبلالهم على ما أمرهم فيكونوا كالملائكة ، ولا جبرا لهم على ما نهاهم ، ولله الحجة البالغة فلوشاء لهداكم اجمعين ، والسلام على من اتبع الهدى. وذكر نحوه الكراجكى في كنز الفوائد ص ١٧٠ ، راجعهما ، وقد تقدمنا قبلا تفسير الحديث.

١٣٧

لم تخلق في رحم ، فضحك الحسين (ع) فقال له : ما أضحكك؟ قال : لانك سألتني عن أشياء ماهي من منتهى العلم إلا كالقذى في عرض البحر ، أما المجرة فهي قوس الله ، وسبعة أشياء لم تخلق في رحم فأولها آدم ، ثم حواء ، والغراب ، وكبش إبراهيم ، وناقة الله ، وعصا موسى ، والطير الذي خلقه عيسى بن مريم. ثم سأله عن أرزاق الخلائق ، فقال : أرزاق العباد في السماء الرابعة ينزلها الله بقدر ويبسطها بقدر.

ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تجتمع؟ قال : تجتمع تحت صخرة بيت المقدس ليلة الجمعة ، وهو عرش الله الادنى ، منها بسط الارض ، وإليها يطويها ، ومنها استوى إلى السماء ، وأما أرواح الكفار فتجتمع في دار الدنيا في حضرموت وراء مدينة اليمن ، ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب بينهما « معهما ظ » ريحان ، فيحشر ان الناس إلى تلك الصخرة في بيت المقدس فتحبس في يمين الصخرة ، وتزلف الجنة للمتقين ، وجهنم في يسار الصخرة في تخوم الارضين ، وفيها الفلق وسجين ، (١) فتفرق الخلائق من عند الصخرة في بيت المقدس ، فمن وجبت له الجنة دخلها من عند الصخرة ، ومن وجبت له النار دخلها من عند الصخرة.

أقول : الظاهر أن هذا الخبر مختصر من الخبر السابق ، وإنما اشتبه اسم أحد السبطين بالآخر صلوات الله عليهما وإن أمكن صدوره منهما جميعا.

٥ ـ ما : جماعة ، (٢) عن أبي المفضل ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الاشعري ، عن علي بن حسان ، (٣) عن عبدالرحمن بن كثير ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين عليهم‌السلام قال : لما أجمع الحسن بن علي عليهما‌السلام

__________________

(١) في نسخة : « وسجيل » وهما بمعنى واحد قال الفيروزآبادى في القاموس : السجين كسكين موضع فيه كتاب الفجار ، وواد في جهنم. أو حجر في الارض السابعة انتهى. وجاء في الحديث أن الفلق صدع في النار. وفى حديث آخر : جب في جهنم. وقد تقدم قبلا.

(٢) قد ذكرنا في مقدمتنا على الكتاب ص ٦٣ أن العدة او الجماعة عن أبى المفضل هم : الحسين بن عبيدالله الغضائرى ، وأحمد بن عبدون المعروف بابن حاشر ، وأبوطالب بن عرفة ، و أبوالحسن الصقال « الصفار » وأبوعلى الحسن بن اسماعيل بن اشناس وغيرهم.

(٣) وصفه في المصدر بالواسطى.

١٣٨

على صلح معاوية خرج حتى لقيه فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا فصعد المنبر وأمر الحسن عليه‌السلام أن يقول أسفل منه بدرجة ، ثم تكلم معاوية فقال : أيها الناس هذا الحسن بن علي وابن فاطمة رآنا للخلافة أهلا ولم يرنفسه لها أهلا ، وقد أتانا ليبايع طوعا ، ثم قال : قم يا حسن ، فقام الحسن عليه‌السلام فخطب فقال :

الحمدلله المستحمد بالآلاء وتتابع النعماء ، وصارف الشدائد(١) والبلاء عند الفهماء وغير الفهماء المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه ، وعلوه عن لحوق الاوهام ببقائه ، المرتفع عن كنه طيات المخلوقين(٢) من أن تحيط بمكنون غيبه رويات عقول الرائين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده في ربوبيته ووجوده ووحدانيته ، صمد الا شريك له ، فردا لا ظهير له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اصطفاه وانتجبه وارتضاه ، وبعثه داعيا إلى الحق سراجا منيرا ، وللعباد مما يخافون نذيرا ، ولما يأملون بشيرا ، فنصح للامة ، وصدع بالرسالة ، وأبان لهم درجات العمالة ، شهادة عليها امات واحشر ، وبها في الآجلة اقرب وأحبر.

وأقول : معشر الخلائق فاسمعوا ، ولكم أفئدة وأسماع فعوا ، إنا أهل بيت أكرمنا الله بالاسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا والرجس هو الشك ، فلا نشك في الله الحق ودينه أبدا ، وطهرنا من كل أفن وغية مخلصين إلى آدم نعمة منه ، لم يفترق الناس قط فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما ، فأدت الامور وأفضت الدهور إلى أن بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله للنبوة ، واختاره للرسالة ، وأنزل عليه كتابا ، ثم أمره بالدعاء إلى الله عزوجل فكان أبي عليه‌السلام أول من استجاب لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأول من آمن وصدق الله ورسوله ، وقد قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل : « أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه » فرسول الله الذي على بينة من ربه ، وأبي الذي يتلوه وهو شاهد منه ، وقد قال له رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) في نسخه : وصارف « صوارف ظ » الشدائد.

(٢) في المصدر وكذا في نسخة : عن كنه ظنانة المخلوقين.

١٣٩

حين أمره أن يسير إلى مكة والموسم ببراءة : « سربها يا علي فإني امرت أن يسيربها إلا أنا أو رجل مني وأنت هو » (١) فعلي من رسول الله ، ورسول الله منه ، وقال له النبي حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب ومولاه زيدبن حارثة في ابنة حمزة : « أما أنت يا علي فمني وأنامنك ، وأنت ولي كل مؤمن من بعدي » فصدق أبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سابقا ووقاه بنفسه.

ثم لم يزل رسول الله في كل موطن يقدمه ، ولكل شديد يرسله(٢) ثقة منه به وطمأنينة إليه ، لعلمه بنصيحة الله ورسوله ، (٣) وأنه أقرب المقربين من الله ورسوله ، وقد قال الله عزوجل : « السابقون السابقون اولئك المقربون » فكان أبي سابق السابقين إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقرب الاقربين ، وقد قال الله تعالى : « لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة » فأبي كان أولهم إسلاما وإيمانا ، وأولهم إلى الله ورسوله هجرة ولحوقا ، وأولهم على وجده(٤) ووسعه نفقة ، قال سبحانه : « والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفرلنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم » فالناس من جميع الامم يستغفرون له بسبقه إياهم إلى الايمان بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أنه لم يسبقه إلى الايمان به أحد ، وقد قال الله تعالى : « والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم بإحسان » فهو سابق جميع السابقين ، فكما أن الله عزوجل فضل السابقين على المتخلفين والمتأخرين فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين وقد قال الله تعالى : « أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله » فهو المجاهد في سبيل الله حقا ، وفيه نزلت هذه الآية ، وكان ممن استجاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عمه حمزة وجعفر ابن عمه ، فقتلا شهيدين رضي

__________________

(١) في المصدر : وأنت هو يا على.

(٢) في نسخة : ولكل شديدة يرصده.

(٣) في المصدر : لعلمه بنصيحته لله ورسوله.

(٤) الوجد بالضم والكسر : الغنى القدرة.

١٤٠