بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الحاقة « ٦٩ » فلا اقسم بما تبصرورن وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين * ولو تقول علينا بعض الاقاويل * لاخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين * وإنه لتذكرة للمتقين * وإنا لنعلم أن منكم مكذبين * وإنه لحسرة على الكافرين * وإنه لحق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم ٣٩ ـ ٥٢.

المعارج « ٧٠ » فلا اقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون * على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين * فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ٤٠ ـ ٤٢.

نوح « ٧١ » وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ٢٣.

الجن « ٧٢ » قل إنما أدعو ربي ولا اشرك به أحدا * قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا * قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إلا بلاغا من الله ورسالاته ٢٠ ـ ٢٣ « إلى آخر السورة ».

المزمل « ٧٣ » واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا * رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا * واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا * وذرني و المكذبين اولي النعمة ومهلهم قليلا « إلى قوله » : إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا « إلى قوله » : إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ٨ ـ ١٩.

المدثر « ٨٤ » يا أيها المدثر * قم فأنذر « إلى قوله » : ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سارهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر * ساصليه سقر « إلى قوله » : وما

٦١

هي إلا ذكرى للبشر * كلا والقمر * والليل إذ أدبر * والصبح إذا أسفر * إنها لاحدى الكبر * نذيرا للبشر * لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر « إلى قوله » : فما لهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة * بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة * كلا بل لا يخافون الآخرة * كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره * وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة ١ ـ ٥٦.

القيامة « ٥٧ » لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه * كلا بل تحبون العاجلة * وتذرون الآخرة ١٦ ـ ٢١.

الدهر « ٧٦ » إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا * فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا « إلى قوله » : إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا * نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا * إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ٢٣ ـ ٢٩.

المرسلات « ٧٧ » ألم نخلقكم من ماء مهين ٢٠ « إلى آخر السورة ».

النبأ « ٧٨ » ألم نجعل الارض مهادا ٦ « إلى آخر السورة ».

النازعات « ٧٩ » ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها ( فسويها؟ ) * و أغطش ليلها وأخرج ( ضحيها؟ ) * والارض بعد ذلك ( دحيها؟ ) * أخرج منها ماءها ( مرعيها؟ ) والجبال ( أرسيها؟ ) * متاعا لكم ولانعامكم ٢٨ ـ ٣٣.

عبس « ٨٠ » عبس وتولى « إلى آخر السورة ».

التكوير « ٨١ » فلا اقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس *

والصبح إذا تنفس * إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون * ولقد رآه بالافق المبين * وما هو على الغيب بضنين * وما هو بقول شيطان رجيم * فأين تذهبون * إن هو إلا ذكر للعالمين * لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ١٥ ـ ٢٩.

٦٢

الانفطار « ٨٢ » ياأيها الانسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك ( فسويك؟ ) فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ٦ ـ ٨.

الانشقاق « ٨٤ » فلا اقسم بالشفق * والليل وما وسق * والقمر إذا اتسق * لتركبن طبقا عن طبق * فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون * بل الذين كفروا يكذبون * والله أعلم بما يوعون * فبشرهم بعذاب أليم * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ١٦ ـ ٢٥.

البروج « ٨٥ » بل الذين كفروا في تكذيب * والله من ورائهم محيط * بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ ١٩ ـ ٢٢.

الطارق « ٨٦ » والسماء ذات الرجع * والارض ذات الصدع * إنه لقول فصل * وما هو بالهزل * إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا * فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ١١ ـ ١٧.

الاعلى « ٨٧ » إلى آخر السورة.

الغاشية « ٨٨ » أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الارض كيف سطحت * فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر * إلا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الاكبر * إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم ١٧ ـ ٢٦.

البلد « ٩٠ » لا اقسم بهذا البلد « إلى آخر السورة ».

ألم نشرح « ٩٤ » إلى آخر السورة.

والتين « ٩٥ » إلى آخر السورة.

العلق « ٩٦ » إلى آخر السورة.

البينة « ٩٨ ». إلى آخرالسورة.

الماعون « ٩٩ » إلى آخرالسورة.

الكوثر « ١٠٨ » إلى آخرالسورة.

الكافرون « ١٠٩ » إلى آخرالسورة.

النصر « ١١٠ » إلى آخر السورة.

٦٣

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « إن الذين كفروا سواء عليهم » : قيل : نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته قتلوا يوم بدر ، وقيل : نزلت في قوم بأعيانهم من أحبار اليهود ممن كفر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنادا وكتم أمره حسدا ، وقيل : نزلت في مشركي العرب ، وقيل : هي عامة في جميع الكفار أخبر الله تعالى بأن جميعهم لا يؤمنون. (١) وفي قوله تعالى : « ومن الناس من يقول آمنا » نزلت في المنافقين وهم عبدالله بن ابي بن سلول ، وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير وأصحابهم ، وأكثرهم من اليهود. (٢) وفي قوله : « وإذاخلوا إلى شياطينهم » روي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنهم كهانهم. (٣) وفي قوله : « إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها » روي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : إنما ضرب الله المثل بالبعوضة لان البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين ، فأراد الله سبحانه أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعته. (٤) وفي قوله : « يا بني إسرائيل اذكروا » الخطاب لليهود والنصارى ، وقيل : هو خطاب لليهود الذين كانوا بالمدينة وما حولها. (٥)

وفي قوله تعالى : « ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا » روي عن أبي جعفر عليه‌السلام في هذه الآية قال : كان حي بن أخطب وكعب بن الاشرف وآخرون من اليهود لهم مأكلة على اليهود في كل سنة فكرهوا بطلانها بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحرفوا لذلك آيات من التوراة فيها صفته وذكره ، فذلك الثمن الذي اريد في الآية. (٦) وفي قوله : « أتأمرون الناس بالبر » هذه الآية خطاب لعلماء اليهود وكانوا يقولون لاقربائهم من المسلمين : اثبتوا على ما أنتم عليه ولا يؤمنون هم. (٧) وفي قوله : « أفتطمعون أن يؤمنوا لكم » قيل : إنهم علماء اليهود الذين يحرفون التوراة فيجعلون الحلال حراما والحرام حلالا

____________________

(١) مجمع البيان ١ : ٤٣.

(٢) مجمع البيان ١ : ٤٦.

(٣) ١ : ٥١.

(٤) ١ : ٦٧.

(٥) ١ : ٩٣.

(٦) ١ : ٩٥.

(٧) ١ : ٩٨.

٦٤

اتباعا لاهوائهم وإعانة لمن يرشونهم. (١) وفي قوله تعالى : « وإذا لقوا الذين آمنوا » إلى قوله : « ليحاجوكم به عند ربكم » روي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنه قال : كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين إذا لقوا المسلمين حدثوهم بما في التوراة من صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فنهاهم كبراؤهم عن ذلك ، وقالوا : أتخبرونهم بما في التوراة (٢) من صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيحاجوكم به عند ربكم فنزلت الآية. (٣)

وفي قوله : « فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله » قيل : كتابتهم بأيديهم أنهم عمدوا إلى التوراة وحرفوا صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليوقعوا الشك بذلك على المستضعفين من اليهود ، وهو المروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام وعن جماعة من أهل التفسير ، وقيل : كان صفته في التوراة أسمر ربعة فجعلوه آدم طوالا ، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس قال : إن أحبار اليهود وجدوا صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مكتوبة في التوراة : أكحل أعين ربعة حسن الوجه ، فمحوه من التوراة حسدا وبغيا فأتاهم نفر من قريش فقالوا : أتجدون في التوراة نبيا منا؟ قالوا : نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر ذكره الواحدي بإسناده في الوسيط. (٤) وفي قوله : « وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا » قال ابن عباس : كانت اليهود يستفتحون أي يستنصرون على الاوس والخزرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب ولم يكن من بني إسرائيل كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولونه فيه ، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور : يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن

____________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٤٢.

(٢) في التفسير المطبوع : لاتخبروهم بما في التوراة.

(٣) مجمع البيان ١ : ١٤٢.

(٤) مجمع البيان ١ : ١٤٦ ، فيه : كانت صفته أسمر ربعة فجعلوه آدم طويلا. قلت : أسمر : من كان لونه بين السواد والبياض. الربعة : الوسيط القامة ، يستعمل للمذكر والمؤنث. قال الثعالبي : إذا علاه أدنى سواد فهو أسمر ، فاذا زاد سواده على الصفرة فهو آدم انتهى. الاعين : الذي عظم سواد عينه في سعة. الاكحل : ذو الكحل : سواد جفونها خلقة من غير كحل.

(٥) مجمع البيان ١ : ١٥٨.

٦٥

أهل الشرك وتصفونه وتذكرون أنه مبعوث ، فقال سلام بن مسلم أخو بني النضير : ما جاءنا بشئ نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. (١)

وفي قوله : « قل من كان عدوا لجبريل » عن ابن عباس قال : سبب نزول هذه الاية ما روي أن ابن صوريا وجماعة من يهود أهل فدك لما قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة سألوه فقالوا : يا محمد كيف نومك؟ فقد اخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان ، فقال : ينام عيني وقلبي يقظان ، قالوا : صدقت يا محمد فأخبرنا عن الولد يكون من الرجل أو المرأة؟ فقال : أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل ، وأما اللحم والدم والظفر والشعر فمن المرأة ، قالوا صدقت يا محمد ، فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه شبه من أخواله؟ أو يشبه أخواله وليس فيه من شبه أعمامه شئ؟ فقال : أيهما علا ماؤه كان الشبه له ، قالوا : صدقت يا محمد ، قالوا : فأخبرنا عن ربك ما هو؟ فأنزل الله سبحانه : « قل هو الله أحد « إلى آخر السورة ، فقال له ابن صوريا : خصلة واحدة إن قلتها آمنت بك واتبعتك : أي ملك يأتيك بما أنزل الله عليك؟ قال : فقال جبرئيل ، قال : ذلك عدونا ينزل بالقتال والشدة والحرب ، وميكائيل ينزل بالبشر والرخاء ، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك لآمنا بك ، فأنزل الله هذه الآية جوابا لليهود وردا عليهم. (٢)

وفي قوله تعالى : « لا تقولوا راعنا » كان المسلمون يقولون : يارسول الله راعنا ، أي استمع منا ، فحرفت اليهود هذا اللفظ فقالوا : يا محمد راعنا ، وهم يلحدون إلى الرعونة ويريدون به النقيصة والوقيعة ، فلما عوتبوا قالوا : نقول كما يقول المسلمون ، فنهى الله عن ذلك بقوله : « لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا » وقال قتادة : إنها كلمة كانت تقولها اليهود على وجه الاستهزاء ، وقال عطاء : هي كلمة كانت الانصار تقولها في الجاهلية فنهوا عنها في الاسلام ، وقال السدي : كان ذلك كلام يهودي بعينه يقال له : رفاعة بن زيد ، يريد بذلك الرعونة فنهي المسلمون عن ذلك ، وقال الباقر عليه‌السلام : هذه

____________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٥٨.

(٢) مجمع البيان ١ : ١٦٧ ، وفيه : وميكائيل ينزل باليسر والرخاء.

٦٦

الكلمة سب بالعبرانية إليه كانوا يذهبون. وقيل : كان معناه عندهم : اسمع لا سمعت. ومعنى انظرنا انتظرنا نفهم ، أو فهمنا وبين لنا ، أو أقبل علينا. (١)

وفي قوله تعالى : « أم تريدون أن تسئلوا رسولكم » اختلف في سبب نزولها ، فروي عن ابن عباس أن رافع بن حرملة ووهب بن زيد قالا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه ، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك ، فأنزل الله هذه الآية ، وقال الحسن : عنى بذلك مشركي العرب وقد سألوا وقالوا : « لن نؤمن لك حتى تفجر لنا « إلى قوله : « أو تأتي بالله والملائكة قبيلا » وقالوا : « لولا نزل علينا الملائكة أو نرى ربنا » وقال السدي : سألت العرب محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأتيهم بالله فيروه جهرة ، وقال مجاهد : سألت قريش محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، فقال لهم : نعم ولكن يكون لكم كالمائدة لقوم عيسى على نبينا وآله وعليه السلام فرجعوا ، وقال الجبائي : روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأله قوم أن يجعل لهم ذات أنواط كما كان للمشركين ذات أنواط ، وهي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها التمر وغيره من المأكولا ت كما سألوا موسى : اجعل لنا إلها. (٢)

وفي قوله : « ود كثير من أهل الكتاب » نزلت الآية في حي بن أخطب وأخيه أبي ياسر بن أخطب وقد دخلا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قدم المدينة ، فلما خرجا قيل لحي : أهو نبي؟ فقال : هو هو ، فقيل : ما له عندك؟ قال : العداوة إلى الموت ، وهو الذي نقض العهد وأثار الحرب يوم الاحزاب ، عن ابن عباس ، وقيل : نزلت في كعب بن الاشرف ، عن الزهري ، وقيل : في جماعة من اليهود ، عن الحسن. (٣) وفي قوله : « قالت اليهود ليست النصارى على شئ » قال ابن عباس : إنه لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتتهم أحبار اليهودفتنازعواعند رسول الله ، فقال رافع بن حرملة :

____________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٧٨ ، وفيه : ومعنى انظرنا يحتمل وجوها : احدها : انظرنا نفهم ونتبين ما تعلمنا. والاخر : فقهنا وبين لنا يا محمد. والثالث : اقبل علينا. ويجوز أن يكون معناه : انظر إلينا فحذف حرف الجر.

(٢) مجمع البيان ١ : ١٨٣.

(٣) مجمع البيان ١ : ١٨٤. وفيه : فما له عندك؟.

٦٧

ما أنتم على شئ وجحد نبوة عيسى وكفر بالانجيل فقال رجل من أهل نجران : ليست اليهود على شئ وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله تعالى هذه الآية. والذين لا يعلمون : مشركوا العرب قالوا لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه إنهم ليسوا على شئ ، أو قالوا : إن جميع الانبياء واممهم لم يكونوا على شئ. (١)

وفي قوله : « وقالوا اتخذ الله ولدا » نزلت في النصارى حيث قالوا : المسيح ابن الله ، أو فيهم وفي مشركي العرب حيث قالوا : الملائكة بنات الله « سبحانه » تنزيها له عن اتخاذ الولد وعن القبائح والصفات التي لا تليق به (٢) « بل له ما في السموات والارض » ملكا ، والولد لا يكون ملكا للاب ، لان البنوة والملك لا يجتمعان ، أو فعلا ، والفعل لا يكون من جنس الفاعل ، والولد لا يكون إلا من جنس أبيه. (٣)

وفي قوله : « وقال الذين لا يعلمون » هم النصارى ، عن مجاهد ، واليهود ، عن ابن عباس ، ومشركو العرب ، عن الحسن وقتادة ، وهو الاقرب « أو تأتينا آية » أي موافقة لدعوتنا « وقد بينا الآيات لقوم يوقنون » أى فيما ظهر من الآيات الباهرات الدالة على صدقه كفاية لمن ترك التعنت والعناد ، ولو علم الله في إظهار ما اقترحوه مصلحة لاظهرها. (٥)

وفي قوله : « وقالوا كونوا هودا » عن ابن عباس أن عبدالله بن صوريا وكعب بن الاشرف ومالك بن الصيف وجماعة من اليهود ونصارى أهل نجران خاصموا أهل الاسلام كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله من غيرها ، فقالت اليهود : نبينا موسى أفضل الانبياء ، وكتابنا التوراة أفضل الكتب ، وقالت النصارى : نبينا عيسى أفضل الانبياء ، وكتابنا الانجيل أفضل الكتب ، وكل فريق منهما قالوا للمؤمنين : كونوا على ديننا ، فأنزل الله هذه الآية ، وقيل : إن ابن صوريا قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما الهدى

____________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٨٨. قلت : أورد معنى ما قال الطبرسى ، راجع المصدر.

(٢) في التفسير المطبوع : « سبحانه » أى إجلالا له عن اتخاذ الولد وتنزيها عن القبائح والسوء والصفات التى لا تليق به.

(٣) مجمع البيان ١ : ١٩٢.

(٤) مجمع البيان ١ : ١٩٥.

٦٨

إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد ، وقالت النصارى مثل ذلك فنزلت. (١)

وفي قوله تعالى : « وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله » عن ابن عباس قال : دعا النبي (ص) اليهود إلى الاسلام فقالوا : « بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا » فهم كانوا علم منا فنزلت هذه الآية ، وفي رواية الضحاك عنه أنها نزلت في كفار قريش. (٢)

وفي قوله : « ومن الناس من يعجبك قوله » قال الحسن : نزلت في المنافقين ، و قال السدي : نزلت في الاخنس بن شريق ، كان يظهر الجميل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمحبة له والرغبة في دينه ويبطن خلاف ذلك. وروي عن الصادق عليه‌السلام أن المراد بالحرث في هذا الموضع الدين وبالنسل الناس. (٣)

وفي قوله : « يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم » أي في نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو في أمر إبراهيم وأن دينه الاسلام ، أو في أمر الرجم ، فقد روي عن ابن عباس أن رجلا وامرأة من أهل خيبر زنيا وكانا من ذوي شرف فيهم وكان في كتابهم الرجم فكرهوا رجمهما لشرفهما ، ورجوا أن يكون عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رخصة في أمرهما ، فرفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحكم عليهما بالرجم ، فقال له النعمان بن أوفى وبحري بن عمرو ( نجربن عمرو خ ل)جرت عليهما يا محمد ليس عليهما الرجم ، فقال لهم رسول الله(ص) : بيني وبينكما التوراة ، (٤) قالوا : قد أنصفتنا ، قال : فمن أعلمكم بالتوراة؟ قال : رجل أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ، فأرسلوا إليه فقدم المدينة وكان جبرئيل قد وصفه لرسول الله (ص) ، فقال له رسول الله (ص) : أنت ابن صوريا؟ قال : نعم ، قال : أنت أعلم اليهود؟ قال : كذلك يزعمون ، قال فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشئ من التوراة فيها الرجم مكتوب فقال له : اقرء ، فلما أتى على آية الرجم وضع كفه عليها وقرأ ما بعدها ، فقال ابن سلام : يا رسول الله قد جاوزها ، وقام إلى ابن صوريا ورفع كفه عنها ، وقرأ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى اليهود بأن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما

____________________

(١) مجمع البيان ١ : ٢١٦. وفيه : مالك بن الضيف.

(٢) ١ : ٢٥٤.

(٣) ٢ : ٣٠٠.

(٤) في التفسير المطبوع : بيني وبينكم التوراة.

٦٩

البينة رجما ، وإن كانت المرأة حبلى انتظر بها حتى تضع ما في بطنها ، فأمر رسول الله باليهوديين فرجما ، فغضب اليهود لذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية. (١)

وفي قوله : « إن مثل عيسى عند الله » قيل نزلت في وفد نجران : العاقب والسيد ومن معهما قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هل رأيت ولدا من غير ذكر؟ فنزلت « إن مثل عيسى » الآيات فقرأها عليهم ، عن ابن عباس وقتادة والحسن. (٢)

وفي قوله تعالى : « قل يا أهل الكتاب تعالوا » نزلت في نصارى نجران ، وقيل : في يهود المدينة ، وقد رواه أصحابنا أيضا ، وقيل : في الفريقين من أهل الكتاب. (٣)

وفي قوله : « ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله » أي لا يتخذ بعضنا عيسى ربا ، أو لا يتخذ الاحبار أربابا بأن يطيعوهم طاعة الارباب ، وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : ما عبدوهم من دون الله ، ولكن حرموا لهم حلالا ، وأحلوا لهم حراما ، فكان ذلك اتخاذهم أربابا من دون الله. (٤)

وفي قوله : « يا أهل الكتاب لم تحاجون » قال ابن عباس وغيره : إن أحبار اليهود ونصارى نجران اجتمعوا عند رسول الله فتنازعوا في إبراهيم فقالت اليهود : ما كان إبراهيم إلا يهوديا ، وقالت النصارى : ما كان إلا نصرانيا ، فنزلت. (٥)

وفي قوله : « وقالت طائفة » قال الحسن والسدي : تواطأ أحد عشر رجلا (٦) من أحبار يهود خيبر وقرى عرنية وقال بعضهم لبعض : ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد ، واكفروا به آخر النهار ، وقولوا : إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك وظهر لنا كذبه وبطلان دينه ، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم وقالوا : إنهم أهل الكتاب وهم أعلم به منا فيرجعون عن دينه إلى دينكم ، وقال مجاهد ومقاتل والكلبي : كان هذا في شأن القبلة لما حولت إلى الكعبة

____________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٤٢٤.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٤٥١.

(٣) ٢ : ٤٥٥. وفيه : نزلت في يهود المدينة ، عن قتادة والربيع وابن جريح ، وقد رواه أصحابنا أيضا. (٤) مجمع البيان ٢ : ٤٥٥.

(٥) مجمع البيان ٢ : ٤٥٦. (٦) في التفسير المطبوع : اثنا عشر رجلا.

٧٠

وصلوا شق ذلك على اليهود فقال كعب بن الاشرف لاصحابه : آمنوا بما انزل على محمد من أمر الكعبة وصلوا إليها وجه النهار ، وارجعوا إلى قبلتكم آخره لعلهم يشكون. (١)

وفي قوله : « ومن أهل الكتاب » عن ابن عباس قال : يعني بقوله : « من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك » عبدالله بن سلام ، أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأداه إليه ، وبالآخر فنحاص بن عازوراء ، وذلك أن رجلا من قريش استودعه دينارا فخانه ، وفي بعض التفاسير : إن الذين يؤدون الامانة في هذه الامة النصارى ، والذين لا يؤدونها اليهود. (٢)

وفي قوله : « إن الذين يشترون بعهدالله » نزلت في جماعة من أحبار اليهود : أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وحي بن أخطب وكعب بن الاشرف ، كتموا ما في التوراة من أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند الله لئلا تفوتهم الرئاسة و

ما كان لهم على اتباعهم ، عن عكرمة ، وقيل : نزلت في الاشعث بن قيس وخصم له في أرض قام ليحلف عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما نزلت الآية نكل الاشعث واعترف بالحق ورد الارض. (٣)

وفي قوله : « وإن منهم لفريقا » قيل : نزلت في جماعة من أحبار اليهود كتبوا بأيديهم ما ليس في كتاب الله من نعت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وغيره وأضافوه إلى كتاب الله قيل : نزلت في اليهود والنصارى حرفوا التوراة والانجيل وضربوا كتاب الله بعضه ببعض و ألحقوا به ما ليس منه ، وأسقطوا منه الدين الحنيف ، عن ابن عباس. (٤)

وفي قوله : « ما كان لبشر » قيل : إن أبا رافع القرظي من اليهود ورئيس وفد نجران قالا : يا محمد أتريد أن نعبدك أو نتخذك إلها؟ قال : معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غير الله ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني ، فنزلت ، عن ابن عباس وعطاء ، وقيل : نزلت في نصارى نجران ، وقيل : إن رجلا قال : يا رسول الله نسلم عليك

____________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٤٦٠.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٤٦٢.

(٣) ٢ : ٤٦٣.

(٤) ٢ : ٤٦٤. وفيه : من بعث النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٧١

كما يسلم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك؟ قال : لا ينبغي أن يسجد لاحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لاهله ، فنزلت. (١)

وفي قوله تعالى : « كيف يهدي الله » قيل : نزلت في رجل من الانصار يقال له الحارث بن سويد بن الصامت وكان قتل المحذر بن زياد البلوي غدرا وهرب وارتد عن الاسلام ولحق بمكة ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هل لي من توب فسألوا فنزلت الآيات إلى قوله : « إلا الذين تابوا » فحملها إليه رجل من قومه ، فقال : إني لاعلم أنك لصدوق ، وأن رسول الله لاصدق منك ، وأن الله تعالى أصدق الثلاثة ، ورجع إلى المدينة وتاب وحسن إسلامه ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، وقيل : نزلت في أهل الكتاب الذين كانوا يؤمنون بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل مبعثه ثم كفروا بعد البعث حسدا وبغيا. (٢)

وفي قوله تعالى : « كل الطعام كان حلا » أنكر اليهود تحليل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لحوم الابل فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل ذلك كان حلالابراهيم عليه‌السلام ، فقالت اليهود : كل شئ نحرمه فإنه كان محرما على نوح وإبراهيم وهلم جرا حتى انتهى إلينا ، فنزلت. (٣)

وفي قوله تعالى : « لم تصدون عن سبيل الله » قيل : إنهم كانوا يغرون بين الاوس والخزرج يذكرونهم الحروب التي كانت بينهم في الجاهلية حتى تدخلهم الحمية و العصبية فينسلخوا عن الدين فهي في اليهود خاصة ، وقيل : في اليهود والنصارى ، و معناها : لم تصدون بالتكذيب بالنبي وأن صفته ليست في كتبكم. (٤)

وفي قوله تعالى : « لن يضروكم إلا أذى » قال مقاتل : إن رؤوس اليهود مثل كعب بن الاشرف وأبي رافع وأبي ياسر وكنانة وابن صوريا عمدوا إلى مؤمنيهم كعبدالله ابن سلام وأصحابه فأنبوهم على إسلامهم ، فنزلت. (٥)

وفي قوله تعالى : « ليسوا سواء » قيل : لما أسلم عبدالله بن سلام وجماعة قالت

____________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٤٦٦.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٤٧١.

(٣) ٢ : ٤٧٥.

(٤) ٢ : ٤٨٠.

(٥) ٢ : ٤٨٧.

٧٢

أحبار اليهود : ما آمن بمحمد إلا أشرارنا فنزلت ، عن ابن عباس وغيره ، وقيل : نزلت في أربعين من أهل نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم كانوا على عهد عيسى فصدقوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن عطاء. (١)

وفي قوله تعالى : « لقد سمع الله » لما نزل « من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا » قالت اليهود : إن الله فقير يستقرض منا ونحن أغنياء ، قائله حي بن أخطب ، عن الحسن و مجاهد ، وقيل : كتب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أبي بكر إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا ، قدخل أبوبكر بيت مدارستهم فوجد ناسا كثيرا منهم اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء فدعاهم إلى الاسلام والزكاة والصلاة ، فقال فنحاص : إن كان ما تقول حقا فإن الله إذا لفقير ونحن أغنياء ، ولو كان غنيا لمااستقرضنا أموالنا! فغضب أبوبكر وضرب وجهه فنزلت. (٢)

وفي قوله تعالى : « الذين قالوا إن الله عهد إلينا » قيل : نزلت في جماعة من اليهود منهم كعب بن الاشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهودا وفنحاص بن عازوراء قالوا : يا محمد إن الله عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، فإن زعمت أن الله بعثك إلينا فجئنا به لنصدقك ، فانزل هذه الآية ، عن الكلبي ، وقيل : إن الله أمر بني إسرائيل في التوراة : من جاءكم يزعم أنه نبي فلا تصدقوه حتى يأتي بقربان تأكله النار حتى يأتيكم المسيح ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا أتياكم فآمنوا بهما بغير قربان « فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين » هذا تكذيب لهم في قولهم ، ودلالة على عنادهم وعلى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لو أتاهم بالقربان المتقبل كما أرادوا لم يؤمنوا به كما لم يؤمنوا آباؤهم ، وإنما لم يقطع الله عذرهم لعلمه سبحانه بأن في الاتيان به مفسدة لهم ، و المعجزات تابعة للمصالح ، وكأن ذلك اقتراح في الادلة على الله ، والذي يلزم في ذلك أن يزيح علتهم بنصب الادلة فقط. (٣)

____________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٤٨٨.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٥٤٧.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٥٤٩. وفيه : مالك بن الصيفى.

٧٣

وفي قوله تعالى : « ألم تر إلى الذين اوتوا » نزلت في رفاعة بن زيد بن السائب ومالك بن دخشم كانا إذا تكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لويا بلسانهما وعاباه ، عن ابن عباس. (١)

وفي قوله : « ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم » قيل : نزلت في رجال من اليهود أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : هل على هؤلاء من ذنب؟ قال : لا فقالوا : والله ما نحن إلا كهيئتهم ، ما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل وما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار ، فكذبهم الله تعالى ، وقيل نزلت في اليهود والنصارى حين قالوا : نحن أبناؤ الله وأحباؤه ، وقالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام. (٢)

وفي قوله : « ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا » قيل : كان أبوبرزة كاهنا في الجاهلية فسافر إليه ناس (٣) ممن أسلم فنزلت ، وقيل : إن كعب بن الاشرف خرج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة احد ليحالفوا قريشا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه ونزلت اليهود في دور قريش فقال أهل مكة : إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب الكتاب فلا نأمن أن يكون هذا مكر منكم ، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما ففعل ، فذلك قوله : « يؤمنون بالجبت والطاغوت » ثم قال كعب : يا أهل مكة ليجئ منكم ثلاثون ومنا ثلاثون نلصق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد ، ففعلوا ذلك : فلما فرغوا قال أبوسفيان لكعب : إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن اميون لا نعلم ، فأينا أهدى طريقا وأقرب إلى الحق : نحن أم محمد؟ قال كعب : أعرضوا علي دينكم ، فقال أبوسفيان : نحن ننحر للحجيج الكوماء ، ونسقيهم الماء ، ونقري الضيف ، ونفك العاني ، (٤) ونصل الرحم ، ونعمر بيت ربنا ، ونطوف به ، ونحن أهل الحرم ، ومحمد فارق دين آبائه ، وقطع الرحم ، وفارق الحرم ،

____________________

(١) مجمع البيان ٣ : ٥٣.

(٢) مجمع البيان ٣ : ٥٨.

(٣) في المصدر : فتنافس اليه ناس.

(٤) الكوماء : البعير الضخم السنام. العانى : الاسير.

٧٤

وديننا القديم ، ودين محمد الحديث ، فقال كعب : أنتم والله أهدى سبيلا مما عليه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت. (١)

وفي قوله : « ألم تر إلى الذين يزعمون » كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة ، فقال اليهودي : اخاصم إلى محمد لانه علم أنه لا يقبل الرشوة ولا يجور في الحكم وقال المنافق : لا بل بيني وبينك كعب بن الاشرف لانه علم أنه يأخذ الرشوة فنزلت ، فالطاغوت هو كعب بن الاشرف. وقيل : إنه كاهن من جهينة أراد المنافق أن يتحاكم إليه ، وقيل : أراد به ما كانوا يتحاكمون فيه إلى الاوثان بضرب القداح ، وعن الباقر والصادق عليهما‌السلام أن المعني به كل من يتحاكم إليه ممن يحكم بغير الحق. (٢)

وفي قوله : « لوجدوا فيه اختلافا كثيرا » أي تناقضا من جهة حق وباطل ، أو اختلافا في الاخبار عما يسرون ، أو من جهة بليغ ومرذول ، أو تناقضا كثيرا ، وذلك أن كلام البشر إذا طال وتضمن من المعاني ما تضمنه القرآن لم يخل من التناقض في المعاني والاختلاف في اللفظ ، وكل هذه منفي عن كتاب الله. (٣)

وفي قوله : « إن يدعون من دونه إلا إناثا » فيه أقوال : أحدها : إلا أوثانا ، وكانوا يسمون الاوثان باسم الاناث : اللات والعزى ومنات الثالثة الاخرى وأشاف (٤) ونائلة ، عن أبي مالك والسدي ومجاهد وابن زيد ، وذكره أبوحمزة الثمالي في تفسيره قال : كان في كل واحدة منهن شيطانة انثى تتراءى للسدنة وتكلمهم ، وذلك من صنيع إبليس وهو الشيطان الذي ذكره الله فقال : لعنه الله. قالوا : واللات كان اسما لصخرة والعزى كان

____________________

(١) مجمع البيان ٣ : ٥٩.

(٢) مجمع البيان ٣ : ٦٦.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٨١.

(٤) هكذا في المطبوع ، وفى نسخة : اناف بالنون ، والصحيح : « اساف » بالسين ككتاب وسحاب صنم وضعها عمرو بن لحى على الصفا ، ونائلة على المروة وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة ، وقيل : هما اساف بن عمرو ونائلة بنت سهل كانا شخصين من جرهم ، فجرا في الكعبة فمسخا حجرين فعبدتهما قريش.

٧٥

اسما لشجرة إلا نقلوهما إلى الوثن وجعلوهما علما عليهما ، وقيل : العزى تأنيث الاعز واللات تأنيث لفظة « الله » وقال الحسن : كان لكل حي من العرب وثن يسمونه باسم الانثى.

وثانيها : أن المراد : إلا مواتا ، عن ابن عباس والحسن وقتادة ، فالمعنى : ما يعبدون من دون الله إلا جمادا ومواتا لا يعقل ولا ينطق ولا يضر ولا ينفع ، (١) فدل ذلك على غاية جهلم وضلالهم ، وسماها إناثا لاعتقاد مشركي العرب الانوثة في كل ما اتضعت منزلته ، ولان الاناث من كل جنس أرذله ، وقال الزجاج : لان الموات يخبر عنها بلفظ التأنيث تقول : الاحجار تعجبني ، ويجوز أن يكون سماها إناثا لضعفها وقلة خيرها وعدم نصرتها.

وثالثها : أن المعنى : إلا ملائكة لانهم كانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله و كانوا يعبدون الملائكة « وإن يدعون إلا شيطانا مريدا » أي ماردا شديدا في كفره و عصيانه ، متماديا في شركه وطغيانه.

يسأل عن هذا فيقال : كيف نفى في أول الكلام عبادتهم لغير الاناث ، ثم أثبت في آخره عبادتهم للشيطان ، فأثبت في الآخر ما نفاه في الاول؟ أجاب الحسن عن هذا فقال : إنهم لم يعبدوا إلا الشيطان في الحقيقة ، لان الاوثان كانت مواتا ما دعت أحدا إلى عبادتها ، بل الداعي إلى عبادتها الشيطان فاضيفت العبادة إليه ، وقال ابن عباس : كان في كل من أصنامهم شيطان يدعو المشركين إلى عبادتها فلذلك حسن إضافة العبادة إليهما ، وقيل : ليس في الآية إثبات المنفي ، بل ما يعبدون إلا الاوثان وإلا الشيطان « لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا » أي معلوما ، وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : في هذه الآية من بني آدم تسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة. وفي رواية اخرى : من كل ألف واحد لله وسائرهم للنار ولابليس ، أوردهما أبوحمزة الثمالي في تفسيره « ولامنينهم » يعني طول البقاء في الدنيا ويؤثرونها على الآخرة ، وقيل : أقول لهم : ليس وراءكم بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار فافعلوا ما شئتم ، وقيل : معناه :

____________________

(١) في المصدر : لا تعقل ولا تنطق ولا تنفع.

٧٦

امنينهم بالاهواء الباطلة الداعية إلى المعصية ، وازين لهم شهوات الدنيا وزهراتها « ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام » أي ليشققن آذانهم ، وقيل : ليقطعن الاذن من أصلها وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، وهذا شئ قد كان مشركو العرب يفعلونه يجدعون آذان الانعام ، ويقال : كانوا يفعلونه بالبحيرة والسائبة « ولآمرنهم فليغيرن خلق الله » أي دين الله ، عن ابن عباس وغيره وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، وقيل : أراد معنى الخصاء وكرهوا الاخصاء في البهائم ، وقيل : إنه الوشم ، وقيل : إنه أراد الشمس والقمر والحجارة عدلوا عن الانتفاع بها إلى عبادتها. (١)

وفي قوله : « ليس بأمانيكم » قيل : تفاخر المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أولى بالله منكم ، فقال المسلمون : نبينا خاتم النبيين ، وكتابنا يقضي على الكتب ، وديننا الاسلام ، فنزلت الآية ، فقال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء فأنزل الله تعالى الآية التي بعدها : « ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى وهو مؤمن » ففلح المسلمون ، وقيل : لما قالت اليهود : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقال أهل الكتاب : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى نزلت. (٢)

وفي قوله : « يسئلك أهل الكتاب » روي أن كعب بن الاشرف وجماعة من اليهود قالوا : يا محمد إن كنت نبيا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما اوتي موسى بالتوراة جملة فنزلت ، وقيل : إنهم سألوا أن ينزل على رجال منهم بأعيانهم كتابا يأمرهم الله فيه بتصديقه واتباعه ، وروي أنهم سألوا أن ينزل عليهم كتابا خاصا لهم ، قال الحسن : إنما سألوا ذلك للتعنت والتحكم في طلب المعجزة ، لا لظهور الحق ، ولو سألوه ذلك استرشادا لا عنادا لاعطاهم الله ذلك. (٣)

وفي قوله : « فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم » أي كانت حلالا لهم قبل ذلك ، فلما فعلوا ما فعلوا اقتضت المصلحة تحريم هذه الاشياء عليهم وهي

____________________

(١) مجمع البيان ٣ : ١١٢.

(٢) مجمع البيان ٣ : ١١٤.

(٣) مجمع البيان ٣ : ١٣٣.

٧٧

ما بين في قوله سبحانه : « وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر » الآية. (١)

وفي قوله تعالى : « يا أهل الكتاب » قيل : إنه خطاب لليهود والنصارى لان النصارى غلت في المسيح فقالوا : هو ابن الله ، وبعضهم قال : هو الله ، وبعضهم قال : هو ثالث ثلاثة : الاب ، والابن ، وروح القدس ، واليهود غلت فيه حتى قالوا : ولد لغير رشدة ، فالغلو لازم للفريقين ، وقيل : للنصارى خاصة « ولا تقولوا ثلاثة » هذا خطاب للنصارى ، أي لا تقولوا : آلهتنا ثلاثة ، وقيل : هذا لا يصح لان النصارى لم يقولوا بثلاثة آلهة ، ولكنهم يقولون : إله واحد ثلاثة أقانيم : أب وابن وروح القدس ، ومعناه : لا تقولوا : الله ثلاثة ، وقد شبهوا قولهم : جوهر واحد ثلاثة أقانيم بقولنا : سراج واحد ، ثم نقول : إنه ثلاثة أشياء : دهن وقطن ونار ، وشمس واحدة وإنما هي جسم وضوء وشعاع ، وهذا غلط بعيد ، لانا لا نعني بقولنا : سراج واحد أنه شئ واحد ، بل هو أشياء على الحقيقة ، وكذلك الشمس ، كما تقول : عشرة واحدة ، وإنسان واحد ، ودار واحدة ، وإنما هي أشياء متغايرة ، فإن قالوا : إن الله شئ واحد وإله واحد حقيقة فقولهم : ثلاثة متناقضة ، وإن قالوا : إنه في الحقيقة أشياء كما ذكرناه فقد تركوا القول بالتوحيد والتحقوا بالمشبهة ، وإلا فلا واسطه بين الامرين انتهى. (٢)

وقال الرازي في تفسيره : المعنى : لا تقولوا : إن الله سبحانه واحد بالجوهر ثلاثة بالاقانيم. واعلم أن مذهب النصارى مجهول جدا ، والذي يتحصل منهم أنهم أثبتوا ذاتا موصوفا بصفات ثلاثة ، إلا أنهم وإن سموا تلك الصفات بأنها صفات فهي في الحقيقة ذوات ، بدليل أنهم يجوزون عليها الحلول في عيسى وفي مريم ، ولولا أنها ذوات قائمة بأنفسها لما جوزوا عليها أن يحل في الغير وأن يفارق ذاتا إلى اخرى ، فهم وإن كانوا يسمونها بالصفات إلا أنهم في الحقيقة يثبتون ذواتا متعددة قائمة بأنفسها ، وذلك محض الكفر.

ثم قال : اختلفوا في تعيين المبتدأ لقوله : « ثلاثة » على أقوال : الاول : ما ذكرناه ،

____________________

(١) مجمع البيان ٣ : ١٣٨.

(٢) مجمع البيان ٣ : ١٤٤.

٧٨

أي ولا تقولوا : الاقانيم ثلاثة ، الثاني : قال الزجاج : ولا تقولوا : آلهتنا ثلاثة ، وذلك لان القرآن يدل على أن النصارى يقولون : إن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة ، والدليل عليه قوله تعالى : « ءأنت قلت للناس اتخذوني وامي إلهين من دون الله » (١) الثالث : قال الفراء : ولا تقولوا هم ثلاثة كقوله : « سيقولون ثلاثة » (٢) وذلك لان ذكر عيسى ومريم مع الله بهذه العبارة يوهم كونهما إلهين : وبالجملة فلا نرى مذهبا في الدنيا أشد ركاكة وبعدا عن العقل من مذهب النصارى. (٣)

وقال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء » : أي بين اليهود والنصارى ، وقيل : المراد بين أصناف النصارى خاصة لاهوائهم المختلفة في الدين ، وذلك أن النسطورية (٤) قالت : إن عيسى ابن الله ، واليعقوبية : إن الله هو

____________________

(١) المائدة : ١١٦.

(٢) الكهف : ٢٢. (٣) التفسير الكبير ٣ : ٣٤٦.

(٤) النسطورية أو الناطرة : طائفة من المسيحيين ينتسبون إلى نسطور يوس بطريرك القسطنطنية المتولد في ٤٢٨ من الميلاد ، وقال الشهرستانى : هم أصحاب نسطور الحكيم الذى ظهر في زمان المأمون ، وتصرف في الاناجيل بحكم رأيه ، قال : إن الله تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة : الوجود والعلم والحياة ، وهذه الاقانيم ليست زائدة على الذات ولا هى هو ، واتحد الكلمة بجسد عيسى عليه‌السلام كاشراق الشمس في كوة او على بلور ، او كظهور النقش في الخاتم ، وزعموا أن الابن لم يزل متولدا من الاب وانما تجسد واتحد بجسد المسيح حين ولد ، والحدث راجع إلى الجسد والناسوت ، فهو إله وانسان اتحدا ، وهما جوهران اقنومان طبيعتان : جوهر قديم وجوهر محدث ، اله تام وانسان تام ، ولم يبطل الاتحاد قدم القديم ولا حدوث المحدث ، لكنهما صارا مسيحا واحدا ومشيئة واحدة. واليعقوبية أو اليعاقبة طائفة اخرى ينسبون إلى يعقوب البردعى اسقف الرها ، وقيل : انهم اهل مذهب ديسقورس ، وقيل : غير ذلك ، قال الشهرستانى : انهم قالوا بالاقانيم الثلاثة ، إلا انهم قالوا انقلبت الكلمة لحما ودما فصار الاله هو المسيح وهو الظاهر بجسده بل هو هو. إلى آخر ما يطول ذكره. الملكانية أو الملكائية ، قال الشهرستانى : هم أصحاب ملكا الذى ظهر بالروم واستولى عليها ومعظم الروم ملكائية ، قالوا : ان الكلمة اتحدت بجسد المسيح وتدرعت بناسوته ، وصرحوا بأن الجوهر غير الاقانيم ، وذلك كالموصوف والصفة وعن هذا صرحوا باثبات التثليث ، وقالوا : المسيح ناسوت كلى لا جزئى ، وهو قديم ازلى من قديم ازلى ولقد ولدت مريم الها ازليا ، والقتل والصلب وقع على الناسوت واللاهوت إ ه.

٧٩

المسيح بن مريم ، والملكانية وهم الروم قالوا : إن الله ثالث ثلاثة : الله ، وعيسى ، ومريم. (١)

وفي قوله : « نحن أبناء الله » : قيل : إن اليهود قالوا : نحن في القرب من الله بمنزلة الابن من أبيه ، والنصارى كما قالوا : المسيح ابن الله جعلوا نفوسهم أبناء اله وأحباءه لانهم تأولوا ما في الانجيل من قول المسيح : « أذهب إلى أبي وأبيكم » عن الحسن ، وقيل : إن جماعة من اليهود منهم : كعب بن الاشرف ، وكعب بن أسيد ، وزيد بن التابوه وغيرهم قالوا لنبي الله حين حذرهم بنقمات الله وعقوباته : لا تخوفنا فإنا أبناؤ الله وأحباؤه ، وإن غضب علينا فإنما يغضب كغضب الرجل على ولده ، يعني أنه يزول عن قريب ، عن ابن عباس ، وقيل : إنه لما قال قوم : إن المسيح ابن الله أجرى ذلك على جميعهم كما تقول العرب : هذيل شعراء ، أي فيهم شعراء. (٢)

وفي قوله : « قالت اليهود يد الله مغلولة » أي مقبوضة عن العطاء ، ممسكة عن الرزق فنسبوه إلى البخل ، عن ابن عباس وغيره ، قالوا : إن الله كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالا ، وأخصبهم ناحية ، فلما عصوا الله في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذبوه كف الله عنهم ما بسط عليهم من السعة فقال عند ذلك فنحاص بن عازوراء : يد الله مغلولة « ولم يقل : إلى عنقه. قال أهل المعاني إنما قال فنحاص ولم ينهه الآخرون ورضوا بقوله فأشركهم الله في ( ذلك؟ ) ، وقيل معناه : يد الله مكفوفة عن عذابنا ، فليس يعذبنا إلا بما يبر به قسمه قدر ما عبد آباؤنا العجل ، وقيل : إنه استفهام وتقديره : أيد الله مغلولة عنا حيث قتر المعيشة علينا؟ وقال أبوالقاسم البلخي : يجوز أن يكون اليهود قالوا قولا واعتقدوا مذهبا يؤدي إلى الله تعالى يبخل في حال ، ويجود في حالة اخرى ، فحكى ذلك عنهم على وجه التعجيب منهم والتكذيب لهم ، ويجوز أن يكونوا قالوا ( ذلك؟ ) على وجه الهزء من حيث لم يوسع على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس ينبغي أن يتعجب من قوم يقولون لموسى : « اجعل لنا إلها كما لهم آلهة (٣) » ويتخذون العجل

____________________

(١) مجمع البيان ٣ : ١٧٣.

(٢) مجمع البيان ٣ : ١٧٧ ، وفيه : والنصارى لما قالوا للمسيح : ابن الله.

(٣) الاعراف : ١٣٧.

٨٠