وقاية الأذهان

الشيخ أبي المجد محمّد رضا النجفي الإصفهاني

وقاية الأذهان

المؤلف:

الشيخ أبي المجد محمّد رضا النجفي الإصفهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٩

بزعمه مائة وعشرين آية ، وقوله : إن الآيات التي اعتبرت فيها مفهوم الشرط لا تبلغ ذلك (١) ، وجعل ذلك دليلا على عدم حجيّته (٢) ، فتعب يذهب إدراج الرياح (٣).

( إذا تعدّد الشرط واتحد الجزاء )

فهو على قسمين :

فإن علم استقلال كلّ من الشروط في التأثير ، وقابليّة الجزاء للتعدّد ، فلا ينبغي الإشكال في تكرّر الجزاء بتكرّر الشرط نحو : الصوم في كفارة الإفطار والظهار.

كما لا إشكال في عدم التكرّر إذا علم عدم قابليّته له كالقتل (٤)

وإن علم الاستقلال وجهل حال قابليّة الجزاء للتعدّد فهو مسألة تداخل الأسباب ـ المعروفة ـ وقد عرفت حكمها بحسب الأصول في مسألة اجتماع

__________________

(١) انظر الفوائد الطوسيّة : ٢٩١ ، للشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي ( قدس سرّه ).

(٢) لا أدري كيف يستدلّ هذا المحدّث بآيات المصحف الكريم ـ وهو لا يجوّز الاستدلال بها إلاّ بعد ورود تفسيرها عن المعصومين عليهم السلام وقد عقد لذلك بابا في كتاب وسائل الشيعة ـ إلاّ أن يردف كلّ آية برواية! ( منه قدّس سرّه ).

وانظر وسائل الشيعة ١٨ : ٢٠ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي.

(٣) مثل من الأمثال ذكره الميداني في مجمع الأمثال ١ : ٢٧٩ ـ ١٤٦٦ ، وأصله : ذهب دمه درج الرياح ، يضرب في الدم إذا كان هدرا لا طالب له.

(٤) عنوان المسألة الأولى في ( الكفاية ) هكذا : « إذا تعدّد الشرط مثل : إذا خفي الجدران فقصّر » وفي المسألة الثانية : « إذا تعدّد الشرط واتحد الجزاء فلا إشكال على الوجه الثالث ».

وفي التقريرات عنوان الأولى [ هكذا ] : « لو تعدّد الشرط فلا بد من الخروج عن الظاهر » والثانية : « إذا تعدّدت الأسباب واتحد الجزاء » ( منه قدس سرّه ).

وانظر كفاية الأصول : ٢٠١ و ٢٠٢ ، مطارح الأنظار : ١٧٤ ـ ١٧٥.

٤٢١

الأمر والنهي.

وأمّا بحسب الاستظهار من اللفظ ، فالذي يظهر من الشيخ موافقة المشهور أعني عدم التداخل (١) ، وحاصل ما أفاده : أنّ مقتضى أدلّة السببيّة كون كل فرد من أفراد طبيعة السبب سببا مستقلا سواء تقدّمه فرد آخر ، أو قارنه ، أم لا ، فإذا اجتمعت الأسباب ، فإن أثّر كلّ منها أثره فذاك ، وإلاّ لزم تقييد موضوع الشرط بعدم تقدّم سبب آخر عليه أو مقارنته معه.

وأورد عليه صاحبنا ـ أيده الله ـ بما بعضه بلفظه :

« منع كون الشرط ـ أعني ما جعل تلو ( إن ) وأخواتها ـ علّة تامّة ، بل إنّما يستفاد منه أن الجزاء يوجد في ظرف وجود الشرط مع ارتباط بين الشرط والجزاء على الترتّب سواء كان الشرط علّة تامّة للجزاء أم كان أحد أجزاء العلّة التامّة ، فيكفي في صدق القضيّة الشرطيّة المتعدّدة جزاؤها حقيقة واحدة ـ تحقّق تلك الحقيقة مرّة واحدة ».

ولا يخفى عدم توقف ما اختاره الشيخ على ظهور الشرط في العلّية التامة ، بل يتم بصرف الارتباط ، فضلا عن العلّية الناقصة ، لأنه جعل مبنى كلامه على كون الأسباب الشرعيّة كالأسباب العادية والمؤثّرات الخارجيّة ، وأن المتعارف فيها أن كل طبيعة تكون في الخارج مؤثّرة يؤثّر كل فرد منها ، وأن القضيّة الشرطيّة يفهم منها أمران :

أحدهما : العلّة الفعليّة ، وثانيهما : ما ارتكز في أذهان العرف من كون كلّ وجود لهذا الشرط علّة فعلية ، وكذا في وجود سائر الشرائط إذا اجتمع بعضها مع بعض.

__________________

(١) مطارح الأنظار : ١٧٥.

٤٢٢

فلا يكفي في جوابه مجرّد كفاية صدق القضيّة الشرطيّة لأن المستدلّ لم يستند إلى صرف اقتضاء الشرط التعدّد ، بل أتمّه بفهم العرف ، وأن الأسباب الشرعيّة كالأسباب العادية ، وإنكار كلا الأمرين خلاف الإنصاف.

ولا يفهم أحد من قول القائل : إن زرتني أكرمتك أو أتحفتك ، إلاّ تعدّد الجزاء بتكرّر الشرط ، ومثل هذا الظهور موجود في سائر القضايا الشرطية ، نحو : تجب الكفارة على من حلف كاذبا وحنث نذرا.

وبهذا يظهر أنّ ما ادّعاه الشيخ لا يتوقّف على سببيّة الشرط وإن جعلها مفروض كلامه ، لأنّ هذا الظهور حاصل ولو كان الشرط لمطلق الارتباط ، ومقتضاه حدوث الجزاء بحدوث كلّ فرد من أفراد الشرط.

وأما كون الأسباب الشرعيّة كسائر الأسباب فممّا لا يستطاع إنكاره لأنّ وظيفة الشارع بيان سببيّة الشرط ومانعيّته لا بيان مقتضياته ، وعليه الجري في سائر أبواب الفقه ، كما في كيفيّة التطهير والتنجيس وغيرهما.

هذا ، والمسألة ـ كما تعلم ـ ممّا طال فيه الكلام ، واتّسع في ميدانها المجال لجياد أفكار العلماء ، وملأت صفحات كثيرة من دفاتر الفقه وأصوله.

وأرى هذا الردّ من البيان كافيا إذا أضفت إليه ما مرّ بك في مسألة الاجتماع.

والمهمّ في هذا الباب معرفة المسبّبات ، وأنها من أيّ الأقسام ، وبعدها يسهل الصعب ويتّضح الطريق.

فإنّ من مواردها ما يعلم اختلاف حقائق مسبّباتها كصوم الكفّارة لإفطار الصوم والظهار والنذر وحنثه.

ومنها : ما يعلم اتّحادها كالحدث المسبّب عن النوم والبول.

وعدم التداخل في الأوّل واضح إلاّ أن يقوم ـ في بعض مواردها ـ الدليل على كفاية مسبّب واحد ، فيخرج حينئذ عن باب تداخل الأسباب ، ويكون من

٤٢٣

باب تداخل المسبّبات.

وواضح تداخلها في الثاني إذ الحدث معناه عدم الطهارة والعدم لا يتكرّر ، أو أمر وجودي ، والشيء الواحد لا يوجد مرّتين.

ومنها : ما يلتبس فيه الحال كحدث الحيض مع الجنابة ، وحدث الجنابة مع حدث مسّ الميّت.

ولعلّ فيها ما يتحد مع غيره ويختلف معه شدّة وضعفا كما هو بعض الوجوه في الحدثين : الأكبر والأصغر.

وهذه الموارد لا يمكن درجها تحت قاعدة واحدة ، وليس لها قانون كلّي يعرف به أنه من أيّ الأقسام فيكون بيانه من وظيفة هذا العلم ، فلا بدّ للفقيه من ملاحظة الأدلّة ومناسبات الموارد.

وإذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء ولم يعلم استقلال الشروط وعدمه في التأثير ، نحو : إذا خفي الأذان فقصّر ، وإذا خفيت الجدران فقصّر ، ففي التقريرات : إنّه لا بد من الخروج عن الظاهر ، وذلك بأحد أمور :

١ ـ تخصيص مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر.

٢ ـ رفع اليد عن المفهوم فيهما.

٣ ـ تقييد إطلاق الشرط في كلّ منهما بالآخر.

٤ ـ إبقاء إحدى الجملتين منطوقا ومفهوما.

٥ ـ إرادة القدر المشترك بين الشروط (١).

وجميع هذه الوجوه مبنيّة على ثبوت المفهوم لكلّ من الشروط ، ولكن المفهوم في المثال وأمثاله ضعيف للغاية ، بل لا مفهوم له ، فهو نحو قولك : إذا نشزت الزوج فطلّقها وإذا .. (٢). أو شاخت فطلّقها ، ومن المعلوم أنّ المراد سببيّة

__________________

(١) مطارح الأنظار : ١٧٤ ـ ١٧٥.

(٢) هنا في المخطوطة كلمة لم نتحصّل لها معنى.

٤٢٤

كلّ من الأمور الثلاثة للطلاق ، ولا يخطر ببال أحد من أهل اللسان المفهوم فضلا عن معارضته مع المنطوق ، فخفاء الجدران والأذان سببان للتقصير والإفطار على نحو ما سمعت.

وهنا نكتة طريفة وهي : أنّ السفر لمّا كان لا يتحقق مفهومه إلاّ بقصد مسافة بعيدة وبالبعد عن المكان الّذي سافر عنه جعل الشارع حدّا للمسافة المقصودة وهو الأربعة وجعل حدّا للبعد عن المحلّ أو لصدق الخروج ، ولم يجعله بالكمّ لاختلاف البلدان والأمكنة في صدق البعد ، كما يظهر إن قايست بين مدينة عظيمة ذات توابع ، وبين قرية مقفرة (١) مسوّرة ، بل جعل معرفته بحاسّتي السمع والبصر الّذين هما المعتبران عرفا في المقام وأمثاله.

والحاجة شديدة إلى جعلهما معا ، ويكاد لا يغني أحدهما عن الآخر ، إذ السفر كثيرا ما يكون في غير وقت الأذان ، أو عن بلد لا يؤذّن فيه ، وكذلك قد يكون حاجز يمنع عن مشاهدة الجدران كالأكم (٢) المعترضة في الطريق.

وأيضا قد يكون المسافر أصمّ فلا يجديه حدّ الأذان ، أو أكمه (٣) فلا ينفعه حدّ خفاء الجدران ، ولازم ذلك كفاية كلّ من الأمرين على حذو حصول أحد الحدّين للكرّ ، وإحدى العلامات للبلوغ.

ومن الغريب عدول جماعة عن هذا الحق الأبلج (٤) إلى تكلّف احتمالات بعيدة لظنّهم أنّ التحديد بأمرين مختلفين غير معقول ، وصرّح بعضهم بأنّ مآله إلى اجتماع النقيضين.

مع أنهم يرون تحديد الكرّ بالأمرين من الوزن والمساحة ، بل الإشكال

__________________

(١) التخفير : التسوير. لسان العرب ٤ : ٢٥٣ ( خفر ).

(٢) أكم جمع ، مفردها : أكمة ـ محرّكة ـ : تلّ صغير. مجمع البحرين ٦ : ٨ ( أكم ).

(٣) الأكمه : الّذي يولد أعمى. الصحاح ٦ : ٢٢٤٧ ( كمه ).

(٤) يقال : الحقّ أبلج إذا اتّضح. الصحاح ١ : ٣٠٠ ( بلج ).

٤٢٥

فيه أعظم لأن الاختلاف بينهما دائمي وهو أفحش بكثير من الاختلاف بين حدّي الترخص.

وطريق الحلّ في المقامين واحد ، وهو أنّ المحال كون الشيء بحسب الواقع محدودا بحدّين مختلفين وهو الكثير أو الكرّ هناك ، وكذلك الخروج عن سن الطفولة والخروج هنا (١) ، ولكن جعل لمعرفتهما طريقين وأيّهما حصل لغا الآخر.

وجعل العلامات المختلفة لأمر واحد شائع في العرف والشرع ، ولا أدري ما الفرق بين المقام وبين علائم البلوغ على ما هي عليها من التفاوت الكثير الّذي قد يفصل بينها سنون عديدة!؟

وبالجملة لم يظهر لي وجه لتخصيص علامتي حدّ الترخّص بهذا البحث دون أمثاله.

( مفهوم الوصف )

والمراد منه هنا كلّ أمر زائد على الذات قد أخذ في موضوع الحكم فهو أعمّ من الوصف عند النحويّين.

وقد يقال بشموله جميع القيود المتعلّقة بالكلام كالزمان والمكان ونحوهما.

ويدخل فيه ما يسمّى بالوصف الضمني نحو قوله عليه السلام : ( لئن يمتلئ بطن الرّجل قيحا خير من أن يمتلئ شعرا ) (٢).

__________________

(١) أي الخروج عن البلد.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ٤٥ ، صحيح مسلم ٤ : ١٧٦٩ ـ ٢٢٥٧ ـ ٢٢٥٩ ، سنن أبي داود ٤ : ٣٠٢ ـ ٥٠٠٩ ، سنن الترمذي ٥ : ١٤٠ و ١٤١ ـ ٢٨٥١ و ٢٨٥٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٣٦ و ١٢٣٧ ـ ٣٧٥٩ و ٣٧٦٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٩٧ ، مسند أحمد ١ : ١٧٥ و ١٧٧ و ١٨١ و ٢ : ٣٩ و ٢٨٨ و ٣٣١ و ٣٩١ و ٤٧٨ ـ و ٤٨٠ و ٣ : ٨ و ٤١.

٤٢٦

والحال في حجّية هذا المفهوم يظهر ممّا سبق في أوّل البحث من معنى المفهوم ووجه حجيته ، وممّا بيّناه في مفهوم الشرط ، إذ في الوصف لطيف إشارة إلى العلّية.

وملخّص القول فيه : أنّ التخصيص بأمر زائد على الذات لا بد فيه من الفائدة ، ومع القطع بعدم شيء منها إلاّ النفي عن غير الموصوف ، يوجب القطع به ، ويكون اللفظ صريحا فيه ، كما في قولك : صلّ خلف العادل ، ولا تجالس الجاهل ، ومع احتماله واحتمال غيره يكون ظاهرا فيه لأنه أظهر الفوائد وأشهرها وأكثرها ، ومجرّد احتمال غيره لا يضرّ بالظهور كما لا يضرّ احتمال القرينة المعاندة بأصالة الحقيقة.

والمفهوم بهذا المعنى وبهذا الوجه ممّا لا ينبغي أن يخفى على أحد ، ومن أنكره في فن الأصول فلا شك أنّه يعمل به في سائر أبواب الفقه ، ويجري عليه في سائر محاوراته ، بل ينكر على من تفوّه بالوصف مع عدم الاختصاص به وعدم الفائدة ، كما في المثالين المعروفين وهما :

إن الإنسان الأبيض لا يعلم الغيب ، والإنسان الأسود إذا غمّض عينيه لا يبصر.

ولمّا قيل لأبي عبيدة أو تلميذه أبو عبيد في قوله صلّى الله عليه وآله : ( لئن يمتلئ بطن الرّجل قيحا خير من أن يمتلئ شعرا ) (١) : إنّ المراد من الشعر ما كان في هجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله.

قال : « لو كان ذلك المراد لم يكن لتعليق ذلك بالكثرة وامتلاء الجوف

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الصفحة ٤٢٦ والهامش (٢).

٤٢٧

معنى فإنّ القليل منه ككثيره » (١).

وليس استدلالنا بفهمهما من حيث إنّهما من أهل اللغة كما صنعه غيرنا فأورد عليهما بأنّهما مجتهدان في ذلك ، ولا يكون اجتهادهما حجّة على غيرهما ، ولو سلّم كون ذلك نقلا عن أهل اللغة فهو من نقل الآحاد.

وهذا الاستدلال والجواب كما يقال في المثل : أساء سمعا فأساء إجابة (٢) ، لأنك قد عرفت من الّذي قرّرناه أنّ المفهوم إنّما ينافي من ناحية المعاني لا الألفاظ ، والدال عليه نفس التخصيص لا اللفظ الدالّ عليه ، ولهذا لا يختص بهذه اللغة المباركة ، بل يجري في سائر اللغات ، بل يفهم ولا لفظ كما في الإشارة إذا فهم منها التخصيص ، بل من حيث إنّهما من أهل العرف.

وكذلك فهم القاسم بن سلاّم (٣) من قوله صلّى الله عليه وآله : ( ليّ (٤) الواجد يحل عقوبته ) (٥) أنّ ليّ غير الواجد لا يحلّ عقوبته ، ومن قوله صلّى الله عليه وآله : ( مطل الغني ظلم ) (٦) أنّ مطل المعدم ليس بظلم (٧) ، إلى غير ذلك ممّا لو استقصيناه ملأت أوراقا بل دفاتر.

وإن وجد المنكر للمفهوم سبيلا للمقال في استدلال مثبتيه بنحو : اشتر لي عبدا أسود. ونحوه ، فقال : إنّ عدم شراء غير الأسود إنّما هو لعدم شمول

__________________

(١) حكاه في الفصول الغرويّة : ١٥٢ وهداية المسترشدين : ٢٩٨.

(٢) راجع مجمع الأمثال للميداني ١ : ٣٣٠ ـ ١٧٧٣.

(٣) أبو عبيد القاسم بن سلاّم أحد أئمة اللغة والأدب ، من تصانيفه : الأمثال السائرة ، الناسخ والمنسوخ ، فضائل القرآن. توفي سنة ٢٢٤ بمكة. الفهرست لابن النديم : ٧٨ ، معجم المؤلّفين ٨ : ١٠١ ـ ١٠٢.

(٤) الليّ : المطل. النهاية لابن الأثير ٤ : ٢٨٠.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٣١٣ ـ ٣٦٢٨ ، سنن النسائي ٧ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨١١ ـ ٢٤٢٧ ، مسند أحمد ٤ : ٢٢٢ و ٣٨٨ و ٣٨٩ ، مستدرك الحاكم ٤ : ١٠٢.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ و ١٢٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٩٧ ـ ١٥٦٤ ، موطأ مالك ٢ : ٦٧٤ ـ ٨٤.

(٧) غريب الحديث ـ للهروي ـ ٢ : ١٧٣ ـ ١٧٥.

٤٢٨

الوكالة [ له ] لا لدلالة العبارة [ عليه ] فلا تجده في مثل : توضّأ بماء مطلق طاهر ، ولا تصلّ في جلد حيوان لا يؤكل لحمه ، وغير ذلك.

أو بعد هذا كلّه يبقى موضع لقول صاحب الكفاية عند استدلاله على النفي بعدم ثبوت الوضع ، وعدم لزوم اللغويّة بدونه لعدم انحصار الفائدة به ، وعدم قرينة أخرى ملازمة له ، وعلّيّته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له؟ (١). وجميع ذلك بمعزل عن القول بالمفهوم بالتقرير المتقدّم.

ولا فرق فيما قرّرناه بين الوصف المعتمد على الموصوف وبين غيره ضرورة عدم الفرق مفادا بين قولك : لا تأتمن الخائن. وبين قولك : لا [ تأتمن ] الرّجل الخائن ، ولا شك أنّ السامع يفهم من قولك : أكرم العالم ، ما يفهمه من قولك : أكرم الرّجل العالم.

والسرّ فيه : أنّ الذات مأخوذة في المشتقات ـ إجمالا ـ على نحو لا ينافي بساطة المفهوم ، كما سبق بيانه في موضعه.

ولا فرق بين المعتمد وغيره إلاّ ذكرها في الأول تفصيلا وفي الثاني إجمالا.

والعدول عن الذات المجرّدة إلى الموصوفة في جعلها موضوع الحكم هو الّذي يوجب المفهوم ممّا نقل عن بعضهم من التفصيل ، ضعيف جدّاً.

ومن الغريب تخصيص بعض أعاظم العصر موضع البحث بالوصف المعتمد ، والحكم بأن التفصيل المذكور ليس تفصيلا في محل البحث ، وإنما هو اختيار الدلالة على المفهوم فيه مطلقا.

وممّا لم أقع على محصّل منه قوله في بيانه :

« وإلاّ لكان الجوامد إذا تعلّق بها حكم دالّة على المفهوم أيضا لأنه لا فارق بينهما إلاّ في كون المبدأ في أحدهما جعليّا وفي الآخر غير جعلي ، وهذا لا

__________________

(١) كفاية الأصول ٢٠٦.

٤٢٩

يكون فارقا في الدلالة على المفهوم وعدمها.

بل يمكن أن يقال : إنّ كون المبدأ الجوهري مناط الحكم بحيث يرتفع عند عدمه أولى من المبدأ العرضي » (١) إلى آخره.

وقد عرفت أنّ الموجب للمفهوم هو العدول عن الذات المجرّدة إلى الذات المتصفة ، وأنّ قولك : جئني بعالم ، بدلا عن قولك : جئني برجل. لا بدّ فيه من نكتة ، والمفهوم أظهرها عند فقدان غيره.

فما ذكره في النقض بالمبدإ الجوهري خارج عن محلّ البحث ، بل لا يرتبط به أصلا.

ثم إن الشيخ الإمام ذكر عدّة تفاصيل.

منها : التفصيل بين الأوقاف والنذور والأيمان ونحوها ، فيعتبر مفهوم الوصف في أمثال تلك المقامات ، وغير ذلك فلا يعتبر.

وقال : « إنه يظهر القول به من كلام الشيخ الشهيد الثاني حيث قال في مفهومي الشرط والوصف : إنه لا إشكال في دلالتهما في مثل ما ذكر ، كما إذا قال : أوقفت هذا على أولادي الفقراء. أو إن كانوا فقراء ، ونحو ذلك ».

ثم قال طاب ثراه : « ويرد عليه أنّ إثبات المفهوم في تلك الموارد إنما هو لاختصاص الإنشاء بالموصوف بالوصف المفروض ، فينتفي في غيره ، إذ ليس للكلام الإنشائيّ خارج يطابقه أو لا يطابقه ، وإنما يوجد مدلوله بنفس هذا الإنشاء المخصوص ، فإذا اختصّ مورده بالقيد المخصوص انتفى عن غيره ، وهذا بخلاف تعليق الحكم الشرعي على الوصف لكونه أمرا واقعيّا ثابتا في نفس الأمر والكلام مسوق لبيانه فيجري فيه الخلاف ، فما ذكره من الأمثلة خارج عن محلّه.

__________________

(١) الميرزا محمد حسين الغروي النائيني. انظر : أجود التقريرات ١ : ٤٣٣ ـ ٤٣٤.

٤٣٠

ويشهد لذلك أنه لو قيّد شيئا من ذلك بالألقاب قطعنا بانتفائه في غيرها كما لو وقف على زيد ، أو على المسجد ، أو أوصى لعمرو ، أو وكّله ، أو باع داره ، أو قيّد سائر العقود والإيقاعات ببعض الألقاب إلى غير ذلك ، فإنه لا يشك في انتفائها في غير مواردها ، مع دعوى الوفاق على عدم حجّية مفهوم اللقب.

ولو فرض القول بحجّيّته فدلالته ظنّية ، ودلالة الكلام على ما ذكر قطعيّة فلا ريب في خروجه عن المفاهيم.

ويدلّ على ذلك أنه لا يتصور المنافاة بين إيقاع المعاملة على الوجه المختص ببعض الأوصاف والألقاب وإيقاعها أيضا على الوجه الآخر ولو في زمان واحد ، فلو دلّ على الانتفاء عند الانتفاء لزم فهم المنافاة بين العقدين ، وفساده ظاهر للقطع بعدم تعقّل المنافاة بين بيع الدار وبين بيع العقار ، ولا بين بيع الدار الموصوفة ببعض الأوصاف وبين بيع الدار الأخرى.

وكذا الحال في الوقف والوكالة والوصيّة والنذر وسائر العقود والإيقاعات وغيرها فليس ذلك من المفهوم الّذي هو على تقدير ثبوته من أضعف الدلالات بل من الوجه الّذي ذكرناه كما لا يخفى ، وقد مرّ التنبيه عليه في مفهوم الشرط » انتهى بتمامه ونصّه.

وأراد بقوله : وقد مرّ التنبيه عليه ، ما ذكره هناك بعد الجواب عن إشكال هو : أنّ الشرط إنما وقع بالنسبة إلى الإنشاء الحاصل بذلك الكلام ، فأقصى ما تفيده الشرطيّة انتفاء ذلك بانتفائه ، وأين ذلك من الدلالة على انتفاء الوجوب مطلقا مثلا؟

أقول : لا شك في جميع ما أفاده طاب ثراه ، إذ على فرض تماميّة الإنشاء الخاصّ وحصول المنشأ واستقرار الوصيّة والوقف وغيرهما لشخص معيّن أو لعنوان خاصّ لا يبقى محلّ للغير حتى يدلّ عليه المفهوم إذ الشيء الواحد لا يتعلّق به وصيّتان عرضيتان ولا يوقف مرّتين ولا يكون لمالكين في وقت واحد وهكذا.

٤٣١

ولكن قد عرفت من تضاعيف ما سلف أنّ المثبت للمفهوم لا يرى تقييد الذات بشرط أو صفة أو غيرهما موجبا لظهوره في اختصاص الحكم بالذات المقيّدة ، وكونه تمام الموضوع للحكم.

ولا يرى تقييد اللفظ موجبا لتقييد المعنى ، ولا اختصاص الإنشاء في اللفظ موجبا لتقييد الإنشاء واقعا ، ويجعل التقييد بأحد هذه الأمور في مرتبة الاستعمال فقط.

ومنكر المفهوم يرى خلاف ذلك ، ويرى تقييد اللفظ موجبا لتقييد المراد ، ويدّعي ظهوره في أن المذكور عام الموضوع ، وهذا ظاهر إذا راجعت مجموع ما استدلّ به كلّ من الطائفتين.

ويحسبك ما قرّره هذا الإمام بنفسه في مواضع متفرّقة في هذا البحث وغيره ، ولا يقول أحد ـ فيما أعلم ـ بوجود إنشاءين أحدهما للمفهوم والآخر للمنطوق ، وتكون النتيجة حصول المنشأ بالإنشاء وعدم بقاء محلّ للآخر.

وعلى ذلك يكون النزاع في أنّ موضوع الحكم من الوقف وغيره بحسب الواقع هل نفي الذات المطلقة أو المقيّدة؟ فعلى الأوّل يثبت الحكم في الوقف لمطلق الأولاد ، ولا يوجب تقييده بالوصف والشرط تقييدا للوقف ، وعلى الثاني يخرج غير الموصوفين.

ولا فرق في هذه الجهة بين المفاهيم الواردة في الأحكام الكلّية والعرف ، وبين غيرها ، وما قولك : أعن الضعفاء وأغن الفقراء ، إلاّ كقولك : وقفت الدار على أولادي الضعفاء أو الفقراء.

فعلى القول بالمفهوم في الوقف وأضرابه يجعل ذلك اعترافا من الواقف بالاختصاص ، ويقضي به الحاكم إذا ترافع إليه غير المذكورين معهم بخلاف القول بعدمه ، فلا يكون التخصيص اعترافا من الواقف ، ولا حجّة للمذكورين في الوقف.

٤٣٢

فعلى هذا لا يرد شيء ممّا أورده على الشهيد رحمه الله ولا يبقى موضع للتأمّل إلاّ في وجه الفرق بين المقامين ، وهذا أمر آخر.

ولعلّ الوجه فيه أن في الأحكام الكلّية وغيرها يمكن أن يقوم سبب آخر أو شرط كذلك مقام المذكور لحكم مماثل كقيام المجيء مقام الإكرام في قوليك : أكرم زيدا إن أكرمك ، و [ أكرم زيدا ] إن جاءك ، بخلاف المقام لما ذكروه من عدم قابليّة المحلّ.

أو الوجه أنّ في الأوقاف والوصايا ونحوهما توجد قرائن قطعيّة على أنّ الواقف والموصي في مقام بيان تمام الموضوع ، ومعه لا يبقى موقع للشك.

ويكفي لدعوى الاتفاق أنه لو أنكر الواقف الاختصاص ، أو ادّعى غير المذكورين الإطلاق لا يسمع منهم ذلك سواء كان منكرا للمفهوم أو مثبتا له.

وبهذا تجد السبيل إلى حلّ الإشكال الّذي ابتدأ به وتبعه فيه كلّ من تأخّر عنه واختلفوا في تقريره ، بل أوردوا على الشيخ الإمام ما لا يرد عليه ، كما يأتيك إجمال القول فيه عند التعرّض لكلام أخيه العلاّمة في المبحث الآتي ، وتفصيله ـ إن قدّر الله وشاء ـ عند التعرض للتنبيهات المتعلّقة بالمفاهيم.

وفذلكة القول : إنّ هذا الإشكال إنّما يتوجّه على من يرى القول بالمفهوم من باب إنشاء آخر لموضوع آخر ، ولا يتوجّه على ما علمت من إنشاء واحد.

بقي شيء وهو أنّ جماعة شرطوا في مفهوم الوصف أن لا يكون الوصف واردا مورد الغالب كقوله تعالى : ( وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ )(١) (٢)

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) ها هنا جفّ قلمه الشريف في مبحث المفاهيم ولم يطبع هذا المبحث في الطبع الحجري لهذا الكتاب.

٤٣٣
٤٣٤

مباحث الأدلة العقلية

٤٣٥
٤٣٦

بسم الله الرحمن الرحيم

نبدأ بعد الحمد لله والصلاة على محمد وآله عليهم السلام ، بكلام الشيخ الأعظم ـ طاب ثراه ـ تبركا وتأدبا ، قال : « اعلم أنّ المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي فإمّا يحصل له الشك فيه أو القطع أو الظن » (١).

وقال الشيخ الأستاذ ـ طاب ثراه ـ في الحاشية ما لفظه : « مراده من المكلّف من وضع عليه القلم من البالغ العاقل ، لا خصوص من تنجز عليه التكليف ، وإلاّ لما صح جعله مقسما لما ذكر من الأقسام ، إذ بينها من لم يكن عليه تكليف أو لم يتنجز عليه تكليف لو كان » (٢).

أقول : ومع ذلك لا يسلم من الإشكال ، إذ المراهق الشاك في البلوغ لا بدّ له من بناء عمله على أحد الأصول الآتية ، كاستصحاب عدم البلوغ ، أو بقاء الصغر ، بل القاطع بعدم البلوغ إذا شك في ثبوت بعض التكاليف عليه ،

__________________

(١) فرائد الأصول : ٢.

(٢) حاشية فرائد الأصول : ١.

٤٣٧

كالاستئذان في العورات الثلاث (١) ، على ما ذهب غير واحد إلى وجوبه عليه ، وكالواجبات العقلية ومحرّماتها من المعرفة وقتل النّفس وغيرهما ، ولا شك أنه مع الشك في شيء من ذلك لا بدّ له من إجراء أحد الأصول العمليّة ، أو متابعة القطع أو الظن المعتبر إذا حصل أحدهما له من غير فرق بينه وبين البالغ أصلا ، فالأولى أن يكون المقسم من كان معرضا للتكليف.

ثم المراد من المكلّف ليس خصوص المجتهد كما توهّم (٢) ، نظرا إلى توقف كثير من الأحكام الآتية على معرفة الأدلّة التي لاحظّ للمقلّد منها ، وعلى الفحص الّذي تقصر يده عنه.

ويدفعه : أنّ حجية الخبر ـ مثلا ـ لا معنى لها إلاّ إتيان ما دلّ على وجوبه أو ترك ما دلّ على حرمته ، وكذلك الاستصحاب ، لا معنى لحجيّته إلاّ الجري على طبق الحالة السابقة ، ويتمكن منهما المقلّد تمكّن المجتهد ، ولا فرق إلاّ عدم تمكّن المقلّد من الاستظهار منه بنفسه ، وعدم قدرته على مباشرة الفحص عن الدليل الرافع للشك ، فيقوم استظهار المجتهد مقام استظهاره ، وفحصه مقام فحصه ، وبعد ذلك يكون كلّ منهما عاملا بهذا الأحكام ، عملهما بالأحكام الأوّلية.

ونظير ذلك ما لو قال الملك للرعية : اعملوا بقول الوزير ، واعتمدوا عليه في أحكامي ، وكان فيهم من لا يعرف لغة الوزير ، فإذا ترجم العارف بلغته كلامه للجاهلين بها ، فقد تساوى الجميع في معرفة قوله.

وإذا أمر بالفحص عن متاع في السوق ، فإنّ للفحص طريقين : المباشرة بالنفس وإرسال الثقة لذلك ، فإذا أخبر بعدم وجوده ، كان المرسل متفحّصا حقيقة ، وكذلك المقلّد مع المجتهد ، يكون بمعرفته بالدليل عارفا وبفحصه متفحّصا.

__________________

(١) إشارة إلى الآية ٥٨ من سورة النور.

(٢) ذهب إليه الميرزا محمد حسين الغروي النائيني. انظر : فوائد الأصول ٣ : ٣.

٤٣٨

وهذا هو الدليل الّذي ينبغي الاعتماد عليه في أصل جواز التقليد ، وفي الجواب عمّا يعترض عليه المنكرون له ، إذ العمدة فيما ذكروه بناء العقلاء واستقرار سيرتهم على الرجوع في كل صنعة إلى صالح أهلها ، وما ذاك إلاّ لما عرّفناك به من أنهم يعدّون أنفسهم عالمين بعلم من يرجعون إليه ، لا أنهم يتعبّدون برأيه ويرونه حجة عليهم ، فالمريض الّذي يقدم على الدواء الّذي يصفه الطبيب ، لا يرى فرقا بين نفسه وبين طبيبه إلاّ أنّ الطبيب أراحه من التعب والعناء وكفاه مئونة طلب النافع من الدواء ، ويكون اعتماده على تجارب طبيبه ومنقولاته ، كاعتماد الطبيب على المتقدّمين عليه من أهل فنّه ، فكذلك المقلّد بالنسبة إلى الفقيه ، والفقيه إلى الصالحين من أسلافه ، ولا تجد بارعا في الفقه مهما بلغ فيه وبالغ في الاجتهاد إلاّ وهو يقلّد غيره بهذا المعنى من التقليد في كثير من المقدّمات ، من مفسّر ، ومحدّث ، ولغوي ، ونحوي.

وفي الشرع أحكام كثيرة متوقفة على الفحص ، ولا أظنّ أحدا يفرّق بين المباشرة بالنفس وغيرها.

وإذا تأمّلت لم تجد فرقا بينه فيها وبين الفحص اللازم في الأحكام ، إلاّ احتياج الثاني إلى عدّة من اقسامه ، بخلاف الأول ، وهذا معنى لا يسع المنكر للاجتهاد إنكاره إن أنصف ، وأقصى ما عنده فيه تغيير اللفظ والمؤاخذة عليه ، والتعبير عن المجتهد بالعالم ، وعن التقليد بالرجوع إلى العالم ، كما أنّ إثبات حجّية الرّأي ضرب من المحال ، وفي مبحث الاجتهاد تفصيل الحال.

هذا ، ولازم تخصيص الأصول بالمجتهد عدم جريان الأصول في الشبهة الموضوعية ، إذ الشك المعتبر فيها شك المقلّد قطعا ، والفحص فيما يلزم فيه الفحص وظيفته ، وموارد كثير منها هي الموضوعيّة ، فيلزم خروجها عن الأدلّة عليها أو اجتماع الاختصاص والاشتراك في كلام واحد.

٤٣٩

وفي الحاشية : « إن القيد ـ يعني الالتفات ـ (١) على ما هو الأصل فيه يكون احترازيا لا توضيحيّا ، ذكر توطئة لذكر الأقسام » (٢).

أقول : إن صحّ أن يسمّى مثله احترازيا ، فلا شك أنه ليس من قبيل القيدين المذكورين ـ الحكم والشرعي ـ وأمثالهما ، بل هو من قبيل قولهم : الخطان الملتقيان إذا أحدثا زاوية ، فإمّا أن تكون قائمة أو حادّة أو منفرجة ، فكما أنّ قيد إحداث الزاوية لم يؤت بها إلاّ لبيان توقف وجود الأقسام على وجودها ، فكذلك الالتفات لم يذكر إلاّ لتوقف وجود الشك وصاحبيه عليه ، ولبيان أنّ المكلّف لا يكون معرضا للأقسام الثلاثة إلاّ إذا كان ملتفتا.

وفي الحاشية أيضا ما لفظه : « ومراده من الحكم الشرعي الثابت للعناوين الكلّية للأفعال الّذي من شأنه أن يؤخذ من الشارع لا ما كان لمصاديقها من مجرّد تطبيقها عليها » (٣).

أقول : الأقسام الثلاثة مشتركة بين الأحكام الكلية والجزئية ، وأحكامها كذلك أيضا ، وقد عقد الشيخ في كلّ من الأصول الثلاثة فصلا خاصّا للشبهة الموضوعية ، وذكر القول بل الأقوال في التفصيل بين الاستصحاب في الأحكام الكلّية وبين غيرها في عداد الأقوال ، ولازم هذا التخصيص أن يكون جميع ذلك من باب الاستطراد ، ولا داعي إليه إلاّ المحافظة على ما ذكر في حدّ فنّ أصول الفقه ، من أنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية (٤) ، وهذا على علاّتها المذكورة في محلّها لا يستلزم التخصيص ، إذ يكفي في كونها من مسائل الفنّ وقوعها في طريق الاستنباط ببعض جهاتها وأفرادها ، فيكون الحال فيها

__________________

(١) ما بين الشرطتين من المؤلف.

(٢) حاشية فرائد الأصول : ١ ـ ٢.

(٣) حاشية فرائد الأصول : ٢.

(٤) انظر كفاية الأصول : ٩.

٤٤٠