نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٢

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-42-6
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٥١٠

تلك الوجوه عنه ، بخلاف هذا الوجه ، فإنّه يستغنى به عنها.

نعم ، لو قلنا بعدم استقلال كلّ منهما للسببية ، وكانا جزئي السبب ، فلا حاجة إلى الوجه الرابع.

وأما عدم القول بالمفهوم فلا يجدي.

وأمّا ما أفاده (١) (قدس سره) ـ في (٢) أنّ الجامع يكون شرطا بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم ـ فإن أراد (قدس سره) أنّه لا تصل النوبة إلى الالتزام بالجامع إلاّ بعد الفراغ عن الثبوت عند الثبوت في كلّ منهما ، ومع الالتزام بالمفهوم مطلقا في كلّ منهما ـ بمعنى عدم الالتزام بالثبوت عند الثبوت في كلّ منهما ـ فلا يجب الالتزام بتأثير الجامع.

فيندفع : بأنّ الالتزام (٣) بالمفهوم وإن كان التزاما بالمحال ـ من حيث إنّه التزام بالنقيضين ـ لكنّه من حيث الالتزام بالثبوت عند الثبوت في كليهما التزام بمحال آخر ، وهو تأثير المتباينين أثرا واحدا.

وإن أراد ـ أنّ الالتزام بالجامع بعد عدم الالتزام بالمفهوم ، فإنّه محال ـ فهو (٤) غير مختصّ بهذا الوجه ، بل سائر وجوه التصرّف ـ أيضا ـ إنّما يلتزم بها من

__________________

(١) الكفاية : ٢٠١.

(٢) الأصحّ في العبارة : وأما ما أفاده (قدس سره) من أنّ ....

(٣) قولنا : ( فيندفع بأنّ الالتزام ... الخ ).

توضيحه : أنّ كلّ قضيّة شرطية في ذاتها منطوق ومفهوم ، وفي كلّ منهما محذور : ففي المنطوق محذور تأثير المؤثّرين المتباينين أثرا واحدا ، وفي المفهوم الجمع بين النقيضين.

والالتزام بالجامع يدفع المحذورين : أما الأوّل فواضح ، وأما الثاني فلرجوع المفهومين إلى مفهوم واحد ، وهو انتفاء الحكم بانتفاء الجامع ، والجامع لا ينتفي بانتفاء أحد مصاديقه. ( ق. ط ).

(٤) قولنا : ( فإنه محال فهو ... الخ ) :

أي الالتزام بالمفهوم ، والمرتّب على أمر محال محال أيضا ، فلا يعقل الالتزام بالجامع على هذا

٤٢١

أجل أنّ الالتزام بظاهر القضايا جميعا محال.

والظاهر إرادة الشقّ الأوّل ، كما يومئ إليه اقترانه ببقاء إطلاق الشرط في كلّ منهما على حاله ، فظاهره أنّه كما لا مجال للجامع مع كون كلّ منهما جزء العلّة ، كذلك لا مجال مع الالتزام بالمفهوم.

٢٦٢ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( وأما رفع اليد عن المفهوم ... الخ ) (١).

ضرب عليه خطّ المحو في النسخة المصحّحة ، ولعلّه أنسب ، وذلك لأنّ رفع اليد عن مفهوم أحدهما لا يجدي ؛ لأن مفهوم الآخر ينفي هذا المنطوق ، فيجب التصرّف في مفهومه ومنطوقه ، وليس التصرّف في منطوقه بمجرّد تقييد علّته بوجود العلّة الاخرى ، فإنّه مناف لظهور الآخر في كونه تمام السبب ، فإنّ كون هذا جزء السبب يستدعي أن يكون الآخر أيضا كذلك ، بل لا بدّ من حمل الشرط فيما لا مفهوم له على مجرّد المعرّفية ؛ لئلاّ يلزم منه التصرّف في الآخر بوجه من الوجوه ، وهو في قوّة طرح إحدى القضيّتين مفهوما ومنطوقا ، ولبعده جدّا لعلّه ضرب عليه الخطّ.

__________________

التقدير المحال.

ويندفع : بأنّ الالتزام بالجامع سبب لرفع محذور المفهوم ، لا أنّه مرتّب عليه أو على عدمه ، كما أنّ سائر الوجوه أيضا لدفع هذا المحذور ، لا أنّها مرتّبة على وجوده أو عدمه. فافهم. ( ق. ط ).

(١) هذه العبارة جزء من فقرة حذفت في حقائق الاصول ، وكذا في الكفاية ، التي حقّقتها مؤسّستنا ، وقد وردت في كفاية الاصول ـ حاشية المحقّق المشكيني ( رحمه الله ) ـ وموضعها في آخر الأمر الثاني بعد قوله : ( فافهم ) ، وهي هكذا : ( وأمّا رفع اليد عن المفهوم في خصوص أحد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه فلا وجه لأن يصار إليه إلاّ بدليل آخر ، إلاّ أن يكون ما ابقي على المفهوم أظهر ، فتدبّر جيّدا. ) كفاية الاصول ـ حاشية الحجة المشكيني ( رحمه الله ) ـ : ١ / ٣١٤.

٤٢٢

٢٦٣ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( محكوما بحكمين متماثلين ، وهو واضح الاستحالة ... الخ ) (١).

قد مرّ مرارا : أنّ تعلّق الحكمين المتماثلين أو المتضادين ليس من التماثل والتضادّ المستحيل اجتماعهما كما عرفت وجهه سابقا بالبرهان ، وقد عرفت الوجه في استحالة تعلق وجوبين بطبيعة واحدة ، فراجع أوائل مقدّمة الواجب (٢).

٢٦٤ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( بل على مجرّد الثبوت ... الخ ) (٣).

هذا إنّما يصحّ في الجملة الخبرية ، وإلاّ فالإنشاء بداعي البعث الجدّي لا يعقل أن يكون إثباتا للبعث الأوّل ، بل وجود آخر من البعث.

٢٦٥ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( أو الالتزام بكون متعلّق الجزاء ... الخ ) (٤).

هذا بناء على (٥) خروج الكلّيّين المتصادقين على واحد من محلّ النزاع.

وأما بناء على دخول ذلك ـ كما صرّح به بعض المحقّقين (٦) ـ لوحدة

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٠٢ / ١٣.

(٢) التعليقة : ٦.

(٣) كفاية الأصول : ٢٠٢ / ١٥.

(٤) كفاية الأصول : ٢٠٢ / ١٥.

(٥) قولنا : ( هذا بناء على ... الخ ).

هذا الوجه إنما يناسب القول بتداخل المسبّبات ، وهو كفاية فعل واحد عن واجبات متعدّدة ، وإن كان نتيجته أنّ الإيجابات صارت بمنزلة إيجاب واحد ، والأسباب المتكثّرة عادت بمنزلة سبب واحد.

وبالجملة : الكلام فعلا في حدوث وجوب واحد ؛ ليكون الأسباب متداخلة بحسب الأثر ، وبعد الفراغ عن تعدّد الأثر يتكلّم في كفاية فعل واحد وعدمها. ( ق. ط ).

(٦) وهو المحقّق الشيخ محمد تقي الأصفهاني ( رحمه الله ) صاحب هداية المسترشدين : ١٦٧ ـ ١٦٩ وذلك عند قوله ( رحمه الله ) : ( ... إذ محلّ البحث ما إذا كان الظاهر نوعا واحدا أو نوعين متصادقين ولو في بعض المصاديق .. ).

٤٢٣

الملاك ، وهو محذور اجتماع الحكمين المتماثلين في واحد ذي عنوانين ، فلا يجدي الالتزام المزبور.

وعدم لزوم الاجتماع في مرحلة التصادق والامتثال لا ينافي الاجتماع في مرحلة التعلّق والتكليف ، وإلاّ لم يلزم اجتماع في حقيقة واحدة بلحاظ مرحلة الامتثال أيضا ، والتفاوت في مرحلة التعلّق بين ذي عنوانين وبين عنوان واحد ـ بناء على جواز اجتماع الحكمين ـ لا يجدي إلاّ على هذا المبنى ، لا مطلقا كما هو المهمّ.

٢٦٦ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( بل غايته أنّ انطباقهما عليه ... الخ ) (١).

فإنّ اتّحاد المأتيّ به مع المأمور به في الوجود يوجب اتّصافه بصفته بالعرض ، وهو معنى صحّة انتزاع صفته له.

وقد عرفت ـ في مبحث اجتماع الأمر والنهي (٢) ـ أنّ صفة الوجوب ونحوه مما لا يعقل عروضها للموجود الخارجي ، لا بالذات ولا بالعرض ، فإنّ الوجود مسقط للوجوب ، فكيف يتصف به؟! فراجع ، ولعلّ قوله ( رحمه الله ) : ( فافهم ) إشارة إليه أو إلى ما تقدّم.

٢٦٧ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( وتأكّد وجوبه عند الآخر ... الخ ) (٣).

بتقريب أنّ لازم حدوث إرادة اخرى تأكّد الاولى ، كما في جميع الأعراض القابلة للاشتداد ، وهذا أحسن الوجوه من حيث إبقاء كلّ سبب على سببيته ، والالتزام بتعدّد المسبّب ، غاية الأمر أن المسبّب حيث إنّه من المقولات التي تجري فيها الحركة والاشتداد ، كان لازم حدوث مرتبة اخرى في موضوع الاولى

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٠٣ / ٩.

(٢) في التعليقة : ١٦٧ عند قوله : ( فاتّضح من جميع ما ذكرنا ... ).

(٣) كفاية الأصول : ٢٠٣ / ١٣.

٤٢٤

تأكّدها ، وانقلاب المرتبة الضعيفة إلى مرتبة شديدة.

والتحقيق : أن ظاهر القضية الشرطية لو كان حدوث وجود آخر ، لما كان إمكان الاشتداد مجديا في حفظ ظهورهما ؛ لأن الشيء لا يتبدّل وجوده في مراتبه الضعيفة والشديدة ، بل وجود واحد مستمرّ بناء على أصالة الوجود ، وقد ذكرنا ـ في بعض المباحث السابقة ـ قضاء ضرورة الوجدان بأنّ الشيء في مراتب تحوّلاته واستكمالاته موجود واحد ـ لا موجودات ـ إلاّ إذا لوحظ الموجود بالعرض وهي الماهية.

ومعنى قبول المقولة للحركة والاشتداد إمكان خروج الموجود الواحد عن حدّ إلى حدّ آخر ، لا أنّ حدوث وجود آخر يوجب انقلاب الموجود الأوّل ، وإلاّ لم يعقل اجتماع الأمثال في أمثال هذه المقولات ، مع أنّ عدم قبول الموضوع لإرادتين ـ مثلا ـ كعدم قبوله لبياضين ، لا أنّ اجتماعهما يوجب حدوث مرتبة أكيدة.

هذا كلّه بالإضافة إلى الإرادة والكراهة.

وأما البعث والزجر فلا تجري فيهما الحركة والاشتداد أصلا ؛ لاختصاصهما ببعض المقولات ، لا بالاعتبارات كما أشرنا إليه سابقا.

٢٦٨ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( نعم ، لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية ... الخ ) (١).

لا يخفى عليك : أن متعلّق الجزاء نفس الماهية المهملة ، والوحدة والتعدّد خارجان عنها ، فهي بالنسبة إلى الوحدة والتعدّد لا اقتضاء ، بخلاف أداة الشرط ، فإنّها ظاهرة في السببية المطلقة ، ولا تعارض بين المقتضي واللااقتضاء ، لكن الماهية وإن كانت في حدّ ذاتها كذلك ، إلاّ أنّها لا بدّ من أن تلاحظ على نهج

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٠٤ / ٦.

٤٢٥

الوحدة أو التعدّد هنا ؛ إذ الحكم لا يعقل تعلّقه بالمهمل ، فهناك ظهوران متعارضان ، خصوصا إذا كان ظهور الأداة في السببية المطلقة بالإطلاق لا بالوضع.

فالوجه في القول بعدم التداخل : أنّ العرف إذا القي إليه القضيّتان ، فكأنّه يرى مقام الإثبات مقترنا بمقام الثبوت ، ويحكم بمقتضى تعدّد السبب بتعدّد متعلّق الجزاء من غير التفات إلى أنّ مقتضى إطلاق المتعلّق خلافه ، وهذا المقدار من الظهور العرفي كاف في المقام.

وربما يقال : بأنّ إطلاق السبب ـ بضميمة حكم العقل بعدم معقولية تعلّق الوجوبين بوجود واحد من الطبيعة ـ يقتضي تعدّد الوجود ورفع اليد عن إطلاق متعلّق الجزاء ، لا أنه يرفع اليد عن إطلاق المتعلّق بإطلاق السبب ؛ حتى يقال : ما المرجّح لأحد الإطلاقين على الآخر؟

ولا يمكن رفع اليد عن إطلاق السبب بظهور المتعلّق ـ إطلاقا ـ في الوحدة ؛ إذ مع رفع اليد عن إطلاق السبب لا وجوب بالسبب الثاني ، فلا حكم حتى يقال : بأنّ متعلّقه مطلق أو مقيّد.

وفيه : أنّه لا تعيّن لإحدى الشرطيتين للسابقية ، وللاخرى للاّحقية ؛ حتى لا يكون مجال للحكم البالغ مرتبة الفعلية في الثانية ؛ لأنّ السبب المعلّق عليه الحكم لا تأثير له ، بل كلّ من السببين ـ المرتّب عليهما الحكم في القضيّتين ـ متقيّد بعدم سبق سبب آخر عليه ، وكلّ منهما قابل للسبق ، فهو قابل لفعلية الحكم المرتّب عليه ، فيصحّ تعيين متعلّقه إطلاقا وتقييدا ، وإلاّ لم يصحّ تعيين متعلّق كلّ منهما إطلاقا وتقييدا.

مع أنّ الوجه الثالث ـ من وجوه التصرّف ـ لا يقتضي رفع اليد عن إطلاق السبب ، ولا عن إطلاق متعلّق الجزاء ؛ حتى يرد المحذور المذكور ، وبلوغ الحكم لمرتبة شديدة من البعث الفعلي ، لا ينافي تعيين متعلّقه إطلاقا وتقييدا ،

٤٢٦

فتدبّر.

بل التحقيق : أنّ الوحدة التي يقتضيها إطلاق المتعلّق وقرينة الحكمة ـ الموجبة لصلوح المتعلّق لتعلّق الحكم به ـ هي وحدة المتعلّق من حيث المطلوبية بالطلب المتعلّق به ؛ بمعنى أنّ البعث المتعلّق بالإكرام ـ مثلا ـ يقتضي وجودا واحدا من الإكرام ، ولا يقتضي عدم البعث إلى وجود آخر ، بل هو بالإضافة إلى وجود آخر بوجوب آخر لا اقتضاء ، والبعث الآخر مقتض لوجود آخر بنفسه ، فإنّ الإيجاد الآخر يقتضي وجودا آخر.

ومنه علم : أنّ مطلوبية وجود آخر ليس من باب تقييد المتعلّق بالآخر ؛ ضرورة أنّ كلّ قضية ليست ناظرة إلى قضية اخرى ؛ حتى يكون مفادها البعث إلى إكرام آخر ، بل كلّ قضيّة مفادها التحريك إلى وجود واحد من الإكرام ، فنفس التحريك تحريك آخر فيقتضي حركة اخرى لتلازم التحريك والحركة.

فإن قلت : إطلاق الدليلين للبعث نحو وجود واحد من الطبيعة بلحاظ شمول كلّ واحد منهما للأفراد البدلية ـ إما بنحو التخيير العقلي ، أو التخيير الشرعي ـ يقتضي اجتماع المثلين في كل واحد من الأفراد البدلية ، فيكون كالبعثين التعيينيين نحو واحد معيّن.

قلت : لا شبهة في ارتفاع المنافاة (١) بتقييد الوجود الواحد من الطبيعة

__________________

(١) قولنا : ( لا شبهة في ارتفاع المنافاة .... إلخ ).

والتحقيق : أنّ الإشكال المذكور مندفع (أ) عن التخيير العقلي لتعلّق الحكم بوجود الطبيعة بنحو الوحدة واللابشرطية عن الخصوصيات البدلية ، وتجويز تطبيقه على الأفراد البدلية بحكم العقل الذي ليس من قبيل البعث والزجر ، بل مجرّد الإذعان بقبول الانطباق على كلّ فرد وحصول الامتثال به.

__________________

(أ) في ( ط ) : يندفع ..

٤٢٧

بالآخر بأن يقال : إن بلت فتوضأ ، وإن نمت فتوضّأ وضوء آخر ، مع أنّ هذا التقييد لا يوجب تعيّن متعلّق البعث في مقام التعلّق ، فإنّ كلّ واحد من الإطلاقين له الشمول بالإضافة إلى كلّ واحد من الأفراد البدلية ، ولا يتعيّن بهذا التقييد فرد من الأفراد البدلية لأحدهما دون الآخر ، وإنّما يتعيّن لأحدهما في مقام الامتثال ، وهو مقام فعلية التطبيق ، فيكون فعلية التطبيق لمتعلّق البعث الآخر بفرد آخر.

وإذا لم يتضيّق دائرة المتعلّق في مرحلة وجود البعث ـ وهو مقام التعلّق ـ فوجود هذا القيد وعدمه من هذه الجهة على حدّ سواء ، وإنّما يفيد التقييد لمقام الامتثال وفعلية التطبيق ، وكما أنّ التقييد اللفظي يفيد هذه الفائدة لمقام الامتثال ، فكذلك فعلية بعث آخر تقتضي عقلا فعلية انبعاث آخر بفرد آخر ، وإنّما يتعارض الإطلاقان إذا كان لمتعلّقهما نحو من التعيّن بحيث يكون الواحد منبعثا عن

__________________

وأمّا بناء على التخيير الشرعي ، فنقول : إنّ الأفراد البدلية ـ المقدّرة الوجود الممكنة الصدور ـ لا تقبل الزيادة والنقص ، ونسبة الدليلين إليها نسبة واحدة من دون اختصاص لمقدار منها بأحدهما ، ومقدار آخر بالآخر ، فلا معنى أصلا للتقييد بالآخر إلاّ بإرجاع الآخرية إلى مرحلة التطبيق ، ومع إرجاعه إلى مرحلة التطبيق وإن كان التقييد به لفظا أوليا معقولا ، إلاّ أنه يدفع محذور استحالة التقييد ، واستحالة صدور معلول واحد عن علّتين مستقلّتين ، لا محذور اجتماع المثلين في مرحلة التعلّق مع فرض وحدة الأفراد البدلية.

ومنه تعرف أنّ التقييد بالآخر في نفسه محال ، لا أنه لا دليل عليه ، ومثل المثال المذكور في الحاشية إنّما يصحّ وجدانا ، ويقبل التقييد بالآخر ؛ لأنّ الحكم مرتّب فيه على وجود الطبيعة بنحو الوحدة ، لا على الأفراد البدلية ؛ ليكون معقولية التقييد فيه دليلا على ما نحن فيه ، كما أنّه لا يتعيّن في مثله صرف التقييد إلى مرحلة التطبيق.

نعم الإشكال يندفع : بأنّ تعارض الإطلاقين على التخيير الشرعي لا يوجب التعارض بقول مطلق ؛ إذ لا ملزم عقلا ولا لفظا للقول بالتخيير الشرعي هنا ؛ حتى يرد هذا المحذور ، فتدبّر جيّدا. منه عفي عنه.

٤٢٨

بعثين ، وصادرا عن علّتين مستقلّتين.

٢٦٩ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( لا مجرّد كون الأسباب الشرعية معرّفات ... الخ ) (١).

لأنّ فعلية المعرّفية (٢) تستدعي معرّفا برأسه كالسببية ؛ إذ المعرّف ما يوجب الكشف التصديقي دون التصوّري ، ولا يعقل تعدّد الكشف التصديقي بالنسبة إلى شيء واحد بخلاف الكشف التصوّري ، فإنّه يتعدّد مع وحدة المكشوف بالعرض ، لا المكشوف بالذات ؛ لتشخّص الكشف وتقوّمه بالمكشوف في مرتبته ،

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٠٥ / ١.

(٢) قولنا : ( لأنّ فعليّة المعرّفيّة ... الخ ).

لا يخفى عليك أن المعرّف هنا ما يكون بوجوده كاشفا عن موجود آخر ، وليس المراد منه ما هو المرسوم في علم الميزان : من تعريف الشيء من حيث ماهيته بماهية اخرى : جنسية ، أو فصلية ، أو هما معا ، أو بماهية تلزم ماهية الشيء ، فحيث إن المقام هناك مقام التحديد ، فلا بدّ فيه من صدق المعرّف على المعرّف.

وأمّا فيما نحن فيه فلا يعتبر إلا الانتقال من موجود إلى موجود آخر ، فلا موجب للصدق حتى يقال : إن المعرّف بمعنى لازم الحكم أو معلوله يستحيل صدقه على ملزوم الحكم أو علّته ـ أي ملاكه أو موضوعه ـ ؛ إمّا للزوم الخلف واجتماع المتقابلين لفرض لزوم صدق اللازم على الملزوم والمعلول على العلة ، وإمّا لأنّ الحكم متأخّر عن علّته ، فلا يعقل أن تكون علته معرّفة له مع تأخّر المعرّف عن المعرّف.

وقد عرفت فساد المبنى ، وهو لزوم الصدق ، مع أنّ المحذور الثاني مندفع : بأن العلم بالشيء وإن كان متأخّرا بالذات عن المعلوم بالذات ، إلاّ أنّ سببه من حيث وجوده العلمي دائما متقدّم على المعرّف والمكشوف بوجوده العلمي ، وإن كان تارة ـ بوجوده العيني ـ متقدّما عليه كالانتقال من العلّة إلى المعلول ، واخرى متأخّرا عنه كالانتقال من المعلول إلى العلّة ، وثالثة له المعية معه وجودا كالمعلولين لعلّة واحدة ، وتقدّم سبب الانتقال على المنتقل إليه ـ وجودا وعلما ـ لا ينافي تأخّر نفس الانتقال عن ذات المنتقل إليه. فافهم ، فإنّه حقيق به. [ منه قدّس سرّه ].

٤٢٩

ولمكان التضايف بين المعرّف والمعرّف بالذات.

وأما حمل المعرّف على الشأني ـ حتى يصحّ توارد المتعدّد منه على معرّف واحد ـ فهو خلف ؛ إذ الفرار من السببيّة إلى المعرّفية لئلاّ يلزم خلاف الظاهر من حمل السبب على الشأني عند سبق سبب آخر.

والتحقيق : أنّ حقيقة التعليق على المعرّف والكاشف لا معنى لها ، بل واقع التعليق على المنكشف ، ولعلّه في جميع القضايا واحد.

وفعلية الترتّب المستفاد من الجملة لا تقتضي إلاّ فعلية المترتّب عليه ، لا تعدّده ؛ لأنّ المفروض أنّ تعدّد المترتّب لفرض تعدّد المترتّب عليه حقيقة ، ولذا لم يستشكل هذا القائل في عدم تعدّد البعث إذا لم يكن هناك سبب متعدّد ، كما إذا قال مرّتين : توضّأ ـ مثلا ـ فإنّه يحمل الثاني على التأكيد ، فإذا لم يكن في الكلام دليل على تعدّد السبب ، ـ لفرض كون المذكور بعنوان الشرط معرّفا لكونه من لوازم سبب الحكم حقيقة ، وفرض إمكان تعدّد اللوازم (١) لملزوم واحد ـ فلا موجب

__________________

(١) قولنا : ( وفرض إمكان تعدّد اللوازم ... الخ ).

تحقيقه : أنّ كاشفية موجود عن موجود آخر لا تخلو عن أحد وجوه ثلاثة :

أحدها : كشف العلّة والملزوم عن وجود معلولها ولازمه.

ثانيها : كشف المعلول واللازم عن وجود العلة والملزوم.

ثالثها : كشف أحد المتلازمين عن الآخر كمعلولين لعلّة واحدة والمتضايفين اللذين هما متكافئان في جميع المراتب.

والأوّل هو مبنى تعدّد المسبّب بتعدّد السبب ، والمفروض هنا تصوّر طريق آخر لا يستلزم تعدّد المسبّب ، وهو إما تعدّد اللوازم الذي لا يقتضي تعدّد الملزوم ، أو تعدّد الملازمات لملزوم واحد ، فنقول : ذلك وإن كان معقولا ولا يقتضي تعدّد المسبّب ، إلاّ أنّ تطبيقه على المسمّى بالأسباب الشرعية غير صحيح.

أما اللوازم فإنّها وإن كانت لملزوم واحد ، لكنّها ـ سواء كانت من اللازم المساوي لملزومه ، أو اللازم الأعمّ ـ لا ينفكّ ملزومها عنها ، وإن كان اللازم الأعمّ ينفكّ عنه لوجود ملزوم آخر ، ولازم

٤٣٠

لتعدّد المسبّب.

لا يقال : ظاهر القضية حينئذ ترتيب الحكم على الشرط بما هو لازم فعلي لما هو سبب الحكم ، لا بما هو هو ، أو بما هو لازم بذاته ؛ لئلاّ ينافي عدم ترتّب الحكم فعلا.

لأنّا نقول : اللزوم فعلي ـ أيضا ـ فإنّ اللازم الثاني ـ أيضا ـ له فعلية اللزوم ، لكنه مع عين ذلك الملزوم ، لا أنّ لزومه شأنيّ ، وليس في البين لفظ المعرّف والكاشف حتى يستظهر منه الفعلية ، ولعلّه وجه ابتناء المسألة على المعرّفية والمؤثّرية ، فتدبّر.

٢٧٠ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( مع أنّ الأسباب الشرعية حالها ... الخ ) (١).

لا يخفى عليك : أنّ نفي العلّية عن العلل الشرعية وجعلها معرّفات : إن اريد منه نفي الاقتضاء والتأثير ـ كما هو ظاهر لفظ السبب ـ فهو حق ؛ بداهة أن التكاليف والاعتبارات الشرعية كلّها قائمة بالشارع قيام الفعل بفاعله ، لا أنّها قائمة بشيء قيام المقتضى بالمقتضي ، حتى يمكن جعل ما يسمّى عللا وأسبابا مقتضيات لها.

__________________

هذا المعنى أنّ تحقّق الحكم وعلّته الواقعية المستكشفة بوجود أوّل لازم ، يستدعي تحقّق جميع اللوازم بمقتضى عدم انفكاكه عنها ، مع أنه وجدانا لا تحقّق لجميع الأسباب الشرعية عند تحقّق المسبّب ، فليس بحيث إذا وجب الوضوء بوجود النوم يجب وجود البول والريح وغيرها من الأسباب ، فيعلم أنها ليست من قبيل اللوازم لوجوب الوضوء ، ولا لعلّته الحقيقية الواقعية ، وإلاّ لما انفكّ الوجوب وعلّته عن لوازمهما.

وأمّا الملازمات فحيث إنها متضايفات ، فمقتضى التضايف هو التكافؤ في القوّة والفعلية ، فمع وجود الحكم المضايف لتلك الأسباب يجب وجود تلك الأشياء المسمّاة بالأسباب ، مع أنه ليس كذلك وجدانا ، فيعلم منه عدم تضايفها معه. [ منه قدّس سرّه ].

(١) كفاية الأصول : ٢٠٥ / ٢.

٤٣١

وإن اريد نفي العلية بقول مطلق ـ حتى الشرطية الراجعة إلى تصحيح فاعلية الفاعل ، وتتميم قابلية القابل ـ فلا وجه له ؛ إذ كما أن القدرة والإرادة والشعور مصحّحة لفاعلية الفاعل ، ومخرجة لها من القوّة إلى الفعل ، كذلك الجهات الموجبة لاتّصاف الفعل بالمصلحة والدخيلة في ترتّب فائدته عليه ، متمّمة لقابلية الفعل لتعلّق الإرادة به ، ولا مانع من كون المسمّى بالسبب والعلّة في الشرع من هذا القبيل ، وليس إلى منعه سبيل.

٢٧١ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( إلاّ توهّم عدم صحّة التعلّق ... الخ ) (١).

وربما يوجّه : بأنّ الظاهر تعليق الحكم على صرف وجود السبب ، وهو المقابل للعدم الكلّي ؛ أي ناقض العدم المطلق الذي لا ينطبق إلاّ على أوّل الوجودات.

وقد عرفت ـ فيما مرّ ـ أنّ كلّ وجود ناقض لعدم نفسه ؛ لأنه نقيضه ، فلا ينطبق على خصوص أوّل الوجود ، وترتيب الحكم على أوّل الوجودات بعنوانه وإن كان ممكنا ، إلاّ أنّه خلاف الظاهر ؛ لأنّ الظاهر ترتيب الحكم على مجرّد وجود الطبيعة ، لا على الوجود المقيّد أو وجود الطبيعة المقيّدة.

وإن اريد معناه الاصطلاحي ؛ بمعنى عدم أخذ المميّزات لأنحاء الوجودات في سببية السبب ، وملاحظتها بما هي وجود ، ومن الواضح أنّ صرف الشيء لا يتثنّى ولا يتعدّد.

ففيه : أنّ أنحاء الوجودات متشخّصة متعيّنة بأنفسها ، وما يسمّى مشخّصا عند الجمهور لازم التشخّص عند التحقيق.

فالسبب : إن كان مجرّد وجود السبب فلا محالة يتعدّد بتعدّد الوجود بنفسه ، وإن كان صرف الوجود ـ بحيث لا يشذّ عنه وجود ـ فهو واحد لا تعدّد فيه ، إلاّ

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٠٥ / ١٣.

٤٣٢

أنّ تعليق الحكم عليه محال (١) ؛ إذ لا يعقل تحقّقه في الخارج ، فلا يعقل تحقّق وجود النار ـ مثلا ـ بحيث لا يشذّ عنه نار ، وإن أمكن لحاظه ، بل المعقول منه الثابت في الخارج من الوجود الصّرف ، هو وجود المبدأ وفيضه المسمّى بالوجود المنبسط ، فإنّه الذي لا يتخلّل فيه غيره ، كما يعرفه الأوحديّ من أهل المعرفة.

٢٧٢ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( وأمّا ما لا يكون قابلا لذلك ... الخ ) (٢).

لا كلام فيما إذا كان حكم المتعلّق قابلا للشدّة ، وأما إذا لم يكن قابلا لها فتداخل الأسباب فيه محلّ الإشكال عند اجتماع الأسباب ، فإنّ غاية ما يقال في تعقّل تأثيرها هو استناد الأثر إلى الجامع وإلغاء خصوصيات الوجودات.

وهو كلام خال عن التحصيل ؛ لما مرّ آنفا : أنّ الوجود الحقيقي عين التشخّص والتعيّن ، وقطع النظر عن اللوازم واللواحق لا يوجب اتحاد المتعدّد في حدّ هويته العينية ، فليس في الخارج موجود له وحدة عينية يستند إليه أثر واحد عيني ، وإن كان الجامع المفهومي منتزعا عن كلا الوجودين ، لكنه موجود بنحو الكثرة لا بنحو الوحدة.

وما تقرّر في محلّه (٣) عند أهله ـ من وحدة الوجود وحدة شخصية ، لا نوعية ـ فهو بملاحظة الموجودات كلّها ، وفي هذه الملاحظة إذا كان النظر مقصورا على الوجود ـ من حيث هو ـ فالعالم كلّه من حيث الوجود واحد ؛ إذ التعدّد من كلّ شيء إنّما هو بتخلّل غيره فيه ، ولا تخلّل للعدم المقابل للوجود في الوجود ، كما لا تخلّل للماهية فيه ، ولا شيء بعد الوجود إلاّ العدم والماهية.

وأما وجود فردين من النار ـ مثلا ـ فلا يجري فيه هذا البيان لتخلّل غير

__________________

(١) مضافا إلى أنّ مجرّد وجوده يكفي في ترتّب الأثر ولو لم يكن صرف الوجود. منه عفي عنه.

(٢) كفاية الأصول : ٢٠٦ / ٦.

(٣) الأسفار ١ : ٧١ ـ ٧٣ عند قوله : ( ومما يجب أن يعلم ... ).

٤٣٣

النار بين نار ونار ، وعدم لحاظ الموجود المتخلّل بينهما لا يوجب الاتّحاد واقعا إلاّ بإلغاء الحدود وملاحظة الوجود بما هو وجود ، وفي هذه الملاحظة لا نار ولا إحراق ولا تأثير ولا تأثّر ، فتدبّره ، فإنه في غاية الغموض والدقّة.

وأما استناد الواحد إلى الواحد بالاجتماع فقد تقرّر في مقرّه (١) أنه فاسد ؛ إذ الوحدة ـ حينئذ ـ اعتبارية لا حقيقية ، فلا تؤثّر أثرا حقيقيا عينيا ، وعلّيّة الصورة المطلقة للهيولى لا تجدي ؛ لما ذكر في محلّه : من أنّ وحدتها العمومية محفوظة بواحد بالعدد ، وهو الجوهر القدسي المفارق ، فهو العلّة ، والصورة شرطه ، وبقية الكلام في محلّه.

هذا كلّه في تداخل الأسباب بمعنى الاستناد إلى الجامع ، وأمّا تداخل الأسباب بمعنى صيرورة السببين عند الاجتماع جزءي سبب ، فهو فاسد ؛ لأنّ المسبّب : إن كان بسيطا ، فلا يعقل علّية المركّب للبسيط الحقيقي ، كما برهن عليه في محله (٢) ، وإن كان مركّبا فكلّ من السببين سبب تامّ لجزء من المسبّب ، وإن كان الاجتماع شرطا في تأثيره أحيانا لكون المسبّب واحدا بالاجتماع ، وكلّ ذلك واضح للخبير ، والتفصيل خارج عن وضع التعليقة.

والتحقيق ـ في الأسباب الشرعية المجتمعة على مسبّب (٣) واحد ـ : هو أنّ معنى سببية الأسباب الشرعية أنّ السبب ـ وهو الإيجاب والتحريم مثلا ، أو اعتبار الملكية والزوجية ونحوهما من الاعتبارات الشرعية بملاحظة ما يسمّى

__________________

(١) الأسفار ٢ : ٢٠٩ ـ ٢١٢ / الفصل : ١٤ في أنّ المعلول الواحد هل يستند إلى علل كثيرة؟ من المرحلة السادسة في العلّة والمعلول.

(٢) الأسفار ٢ : ١٩٤ ـ ٢٠١ / الفصل : ١١ في أنه هل يجوز أن يكون للشيء البسيط علّة مركّبة؟

من المرحلة السادسة في العلّة والمعلول.

(٣) في الأصل : على سبب واحد.

٤٣٤

سببا شرعا ـ ذو مصلحة تدعو الشارع إلى الإيجاب ـ مثلا ـ أو اعتبار الملكية ـ مثلا ـ فإذا كانت المصلحة ـ في كلّ من السببين ـ مغايرة لما في الآخر فلا محالة يشتدّ الداعي ، وإن لم تكن مغايرة ـ كفردين من نوع واحد ـ فلا ؛ إذ لا توجد في المسبّب مصلحتان بإضافته إلى السببين ؛ حتى يشتدّ الداعي والمسبّب ؛ مثلا : إذا عقد الموكّل والوكيل على ملكية شيء لشخص واحد دفعة ، فاعتبار الملك له شرعا ـ لمكان العقد عليه ـ ذو مصلحة ، لا أنّه توجد في الاعتبار مصلحتان ؛ حتى يشتدّ الداعي إلى اعتبار الملكية ، أو اعتبار الملكية القويّة.

فالفرق بين الأسباب الشرعية والعقلية : أنّ الأسباب الشرعية ليست بالإضافة إلى مسبّباتها كالمقتضيات بالنسبة إلى مقتضياتها ؛ حتى لا يعقل قيام الواحد الحقيقي بمتعدّد أو بالمركّب ، بل الاعتبار الشرعي والحكم التكليفي فعل واحد قائم بالشارع ، ودخل الأسباب الشرعية في مسبّباتها على الوجه المذكور ؛ بمعنى أنّ اعتبار الملكية لمن عقد له ذو مصلحة ، ولا يتعدّد من عقد له بالحمل الشائع بتعدّد العقد له ، فلا معنى لتعدّد الاعتبار ، ولا زيادة المصلحة الموجبة لاعتبار ملكية شديدة مثلا.

٢٧٣ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( وعلّيته فيما إذا استفيدت ... الخ ) (١).

يمكن تقريب اقتضاء الوصف ـ حينئذ ـ بما تقدّم في الشرط (٢) : من أنّ علّية الوصف بعنوانه تقتضي الانحصار ؛ إذ مع تعدّد العلّة لا يكون بعنوانه علّة ، بل بعنوان جامع ، وهو خلاف الظاهر.

لا يقال : هذا إذا علم العلّية ، وإلاّ فلا.

لأنا نقول : يمكن أن يقال ـ بعد إحراز أنّ الأصل في القيد أن يكون

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٠٦ / ١١.

(٢) راجع التعليقة : ٢٥٣ ، و ٢٥٧.

٤٣٥

احترازيا ـ : إنّ معنى قيدية شيء لموضوع الحكم حقيقة ، أنّ ذات الموضوع غير قابلة لتعلّق الحكم بها إلاّ بعد اتّصافها بهذا الوصف ، فالوصف متمّم قابلية القابل ، وهو معنى الشرط حقيقة ، وحيث إنّ الظاهر دخله بعنوانه الخاصّ ، وإنّ المنوط بهذا الوصف نفس الوجوب بما هو وجوب ، لا بما هو شخص من الوجوب ، فلا محالة ينتفي سنخ الوجوب بانتفاء ما هو دخيل في موضوعية الموضوع لسنخ الحكم.

ومنه ظهر ما في الإيراد الآتي ، فإنه ليس الانتفاء عند الانتفاء لقرينة خاصّة ، بل لعين ما مرّ في الشرط (١) : من أنّ إناطة الحكم بشيء بعنوانه ـ وصفا كان أو غيره ـ تقتضي الانحصار.

نعم ، الكلام في البرهان على اقتضاء تعدّد العلّة للجامع ، إلاّ أنه مسلّم بين أهل التحقيق ، وإن كان خلاف ما يقتضيه النظر الدقيق.

٢٧٤ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( كما أنّه لا يلزم في حمل المطلق ... الخ ) (٢).

ظاهره أن المقيّد هو الوجوب في القضيّة ، لا مطلق الوجوب ، مع أنّ مقتضى حمل المطلق على المقيّد عدم وجوب المطلق مطلقا ، فليس مفاد المطلق ـ بعد الحمل ـ مثل ما إذا ورد المقيّد بلا ورود المطلق ، فإنّ وجوب المقيّد شخصا ـ بناء على عدم المفهوم ـ لا ينافي وجوب المطلق بوجوب آخر بدليل آخر.

فالفارق : أنّ المعارضة بين المطلق والمقيّد ليس من ناحية مجرّد التقييد ، بل بلحاظ استفادة وحدة التكليف من الخارج ـ سواء كان الإطلاق بنحو العموم البدلي أو العموم الشمولي ـ فإنّ الغرض من الوحدة كون المولى بصدد سنخ

__________________

(١) التعليقة : ٢٥٧.

(٢) كفاية الأصول : ٢٠٦ / ١٩.

٤٣٦

حكم واحد ، سواء انحلّ إلى أشخاص متعدّدة لأشخاص (١) موضوع واحد سنخا ، أو لا كما في العموم البدلي ، بل يجري في الوضعيات ـ أيضا ـ كما إذا علم أنه بصدد إنفاذ سبب واحد سنخا ، فالتعارض عرضي بناء على عدم المفهوم ، وذاتي بناء على المفهوم.

وبالجملة : مساوقة تقييد المطلق للقول بالمفهوم أمر ، وكون التقييد من ناحية القول بالمفهوم أمر آخر ؛ لما عرفت : من أنّ غاية ما يقتضيه القول بالمفهوم ، كون التعارض بين المطلق والمقيد ذاتيا ، وأما أرجحية ظهور المقيّد في التقييد من ظهور المطلق في الإطلاق ، فلا ربط لها بظهور المقيد في تقييد سنخ الحكم.

٢٧٥ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( أن لا يكون واردا مورد الغالب ... الخ ) (٢).

ملازمة القيد غالبا لا توجب صرف ظهوره في التقييد ، ولعلّه أشار ( رحمه الله ) إليه بقوله : ( فافهم ).

ويمكن أن يكون إشارة إلى أنّ مجرّد دلالة القيد على الخصوصية والدخل لا يقتضي المفهوم ما لم يفهم منه الانحصار ، كما نبّه عليه آنفا (٣) ، وقد نبّهنا أيضا على ما يتعلّق به (٤).

وأمّا توهّم : أنّ الغلبة توجب انصراف المطلق إلى الغالب ، فالتقييد به كالتقييد بالوصف المساوي الذي لا مفهوم له ، فمندفع :

أوّلا ـ بأنّ الغلبة الخارجية لا توجب الانصراف.

وثانيا ـ بأن الانصراف لا يجعله كالوصف المساوي ؛ لامكان ثبوت

__________________

(١) ( لأشخاص ) كذا ، ولعلها : لموضوع.

(٢) كفاية الأصول : ٢٠٧ / ٧.

(٣) الكفاية : ٢٠٦.

(٤) كما في التعليقة : ٢٥٣ ، ٢٥٧ و ٢٧٣.

٤٣٧

الموصوف في الفرد النادر هنا.

وثالثا ـ أنّ الالتزام بالانصراف مخالف لما عليه المشهور في الوارد مورد الغالب ؛ حيث لا يقيّدون به المطلق كما في مورد الآية (١).

٢٧٦ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( استفادة العلّية المنحصرة منه ... الخ ) (٢).

مع كونه علّة مستقلّة ، لا مجرّد الاستقلال في العلّية ؛ لأنه لا ينافي قيام غيره مقامه ، ولا مجرّد انحصار العلّة فيه ؛ لأنه لا ينافي دخالة الموضوع ، كما في مفهوم الشرط مثلا.

٢٧٧ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( فيجري فيما كان الوصف مساويا ... الخ ) (٣).

بل لا يجري في خصوص المساوي لتلازم الوصف والموصوف ، فلا بقاء للموضوع مع عدم الوصف ؛ ليقال بانتفاء سنخ الحكم لأجل المفهوم ، ولا بقاء للوصف مع عدم الموصوف ؛ حتى يقال بثبوت الحكم من أجل استفادة العلّية.

نعم ، في الأعمّ والأخصّ نقول به ؛ لثبوت الموضوع مع عدم الوصف في أحدهما ، وعلّية الوصف ولو مع عدم الموصوف في الآخر ، فافهم ، وتدبّر.

٢٧٨ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( معلّلا بعدم الموضوع ... الخ ) (٤).

التعليل به بلحاظ الاقتضاء من حيث المفهوم ، ولا تفصيل من المعلّل (٥) من هذه الجهة ، كما أنّ تصحيحه باستقلال الوصف في العلّية ، وإن كان مورده

__________________

(١) وهي قوله تعالى : ( وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ ) النساء ٤ : ٢٣.

(٢) كفاية الأصول : ٢٠٧ / ١٤.

(٣) كفاية الأصول : ٢٠٧ / ١٥.

(٤) كفاية الأصول : ٢٠٧ / ١٨.

(٥) وهو الشيخ الأعظم ـ رحمه الله ـ على ما نسب إليه في التقريرات ـ مطارح الأنظار : ١٨٢ ـ عند قوله : ( ثمّ إنّ الوصف قد يكون مساويا ... الخ ).

٤٣٨

الأخصّ من وجه على الوجه المذكور ، إلاّ أنّه ليس في عبارته ما يوجب اختصاصه به ، فراجع التقريرات (١).

٢٧٩ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( والتحقيق : أنّه إذا كانت الغاية ... الخ ) (٢).

قد مرّ سابقا (٣) : أنّ الثابت في مقام الإيجاب ـ مثلا ـ طبيعة الوجوب ، وإن تشخّصت بالوجود ولوازمه ، وانتفاء الطبيعة في ضمن فرد لا يقتضي بوجه انتفاءها مطلقا ، كما أنّ إثباتها لموضوع أو لموصوف بوصف لا يقتضي انتفاءها عند انتفاء الموضوع أو الوصف ؛ لإمكان ثبوتها لموضوع آخر أو بوصف آخر ، فلا بدّ من استناد انتفائها مطلقا إلى خصوصية اخرى كالعلّية المنحصرة ، كما في مفهوم الشرط بالتقريب المتقدّم ، فإنّ علّة الوجوب ـ بما هو وجوب ، لا بما هو متشخّص بالوجود ولوازمه ـ إذا انحصرت في شيء فلا محالة لا يعقل ثبوت الوجوب ـ بما هو وجوب ـ لشيء آخر ، وكالغاية هنا ، فإنّ طبيعة الوجوب إذا كانت محدودة بحدّ ، فلا محالة تنتفي عند حصول الحدّ والغاية ، وإلاّ لم تكن الغاية غاية للوجوب بما هو وجوب ، بل بما هو شخص من الوجوب.

ومنه تبيّن : الفرق بين كون الحدّ حدّا للوجوب وكونه حدّا للواجب ، فإنّ كونه حدّا للواجب لا يوجب إلاّ كون الموضوع شيئا خاصّا ، فلا يزيد على الوصف.

٢٨٠ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( والأظهر خروجها لكونها من حدوده ... الخ ) (٤).

مبدأ الشيء ومنتهاه : تارة بمعنى أوّله وآخره ، واخرى بمعنى ما يبتدئ

__________________

(١) مطارح الأنظار : ١٨٢.

(٢) كفاية الأصول : ٢٠٨ / ٦.

(٣) في التعليقة : ١٢٧ عند قوله : ( فالتحقيق حينئذ تعلق ... ) ، وفي التعليقة : ١٣٠.

(٤) كفاية الأصول : ٢٠٩ / ٨.

٤٣٩

من عنده وما ينتهي عنده الشيء ، ودخول الأوّلين كخروج الآخرين من الشيء واضح.

والكلام في أنّ مدخول ( حتى ) و ( إلى ) هو المنتهى بالمعنى الأوّل أو الثاني ، وكون الحدّ المصطلح خارجا عن حقيقة الشيء لا يقتضي أن يكون مدخولهما حدّا اصطلاحيا.

نعم أكثر الموارد ـ ولعلّه الأظهر ـ كون مدخولهما ما ينتهي عنده الشيء دون آخره.

٢٨١ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( بكون (١) المراد من مثله انه لا يكون ... الخ ) (٢).

الظاهر من هذا التركيب وأمثاله إثبات صلاتية الهيئة الواقعية المقرونة بالطهارة ، لا إثبات صلاتية الطهارة أو صلاتية كلّ مقرون بالطهارة ، فهو نظير : ( لا علم إلاّ بالعمل ) ، فإنّ مفاده إثبات أنّ العلم المقرون بالعمل هو العلم حقيقة ، لا أنّ العمل علم ، أو كلّ مقرون به علم ، فلا نقض بمجرّد وجود الطهارة مع فقد غيرها ، ولا حاجة إلى دعوى إرادة نفي إمكان المستثنى منه بدون المستثنى ، فلا يفيد إلاّ إمكانه معه ، لا ثبوته فعلا ـ كما في هامش الكتاب (٣) من شيخنا العلامة (قدس سره) ـ فإنّه إن لوحظ اقتران الهيئة التركيبية الواقعية بالطهارة ، فهي صلاة فعلا لا إمكانا ، وإن لوحظ نفس الطهارة أو كلّ مقرون بها ، فهي ليست بصلاة إمكانا.

__________________

(١) في ( ط ) : ( يكون ) ، وهي موافقة لنسخة الكفاية طبع مؤسستنا ، لكنّ الصحيح هو ما أثبتناه في المتن ، وهو الموافق للأصل ولنسختي الكفاية : حاشية المشكيني ( رحمه الله ) وحقائق الاصول.

(٢) كفاية الأصول : ٢١٠ / ١.

(٣) الكفاية : ٢١٠ هامش : ١.

٤٤٠