نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٢

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-42-6
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٥١٠

وقد عرفت ـ أيضا ـ عدم الحاجة إلى إدراج الإيجاد في طرف المادّة ؛ حيث إن المطلوب هي الصلاة بالحمل الشائع بملاحظة المفهوم فانيا في مطابقه ، وسيجيء ـ إن شاء الله تعالى ـ أنّ الصحيح هو الثاني.

مضافا إلى أنّ الفعل والترك والوجود والعدم ليس من جهات النسبة الطلبية وشئونها حتى يكون مفاد الهيئة نسبة خاصّة ، بل نسبة متعلّقة بأمر خاصّ ، فتدبّر جيّدا.

١٣٣ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( لا أنه يريد ما هو صادر وثابت ... الخ ) (١).

قد عرفت مرارا : اتحاد الجعل والمجعول والإيجاد والوجود ذاتا واختلافهما اعتبارا ، فكما يصحّ أن ينسب الشوق إلى الجعل والإيجاد ، فكذا إلى المجعول والوجود والموجود.

وقد عرفت معنى تعلّق الشوق بالوجود الحقيقي ، وأنه ليس من قبيل قيام البياض مثلا بالجسم كي يتوقّف على وجود متعلّقه حال تعلّقه به ، بل المقوّم للشوق حال تحقّقه هو الوجود الحقيقي بوجوده الفرضي ، لا التحقيقي بنحو فناء العنوان في المعنون ، وطلب الحاصل إنّما يكون لو قيل بحدوث الشوق أو بقائه بعدد وجود متعلّقه في الخارج ، فراجع ما قدّمناه (٢).

١٣٤ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( وأما بناء على أصالة الماهية ... الخ ) (٣).

قد عرفت : أن الصادر بالذات هو المراد بالذات بلا عناية ، فاذا فرض

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٣٩ / ٨.

(٢) وذلك في آخر التعليقة : ١٢٧.

(٣) كفاية الاصول : ١٣٩ / ١٥.

٢٦١

أصالة الماهية فهي ، القابلة للجعل البسيط بالذات ، وبنفس الجعل التكويني تكون الماهية خارجية ، لا أنّ الجاعل يجعل الماهية خارجية بالذات ، بل جعلها بالذات جعل وجودها ، وخارجيتها بالعرض.

فالمراد بالذات حينئذ هو جعل الماهية بالذات ، وهو جعل وجودها وخارجيتها بالعرض ، لا أنّ المراد جعل الماهية خارجية وموجودة ؛ لما عرفت من أنّ المراد بالذات هو المجعول بالذات والصادر بالذات ، وأما المجعول بالعرض ، فهو مراد بالعرض من غير فرق بين الإرادة التكوينية والتشريعية ، كما لا فرق بين جاعل وجاعل ، والظاهر من قوله (قدس سره) : ( جعلها من الخارجيات ) (١) تعلّق الجعل التأليفي بخارجيتها ، والجعل التأليفي بين الماهية وتحصّلها محال.

١٣٥ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( ولا مجال لاستصحاب الجواز ... الخ ) (٢).

التحقيق : أن حقيقة الحكم الإيجابي (٣) إن كانت مركّبة من جواز الفعل والمنع من الترك أمكن الاستصحاب شخصا ؛ لأنّ الجنس إنما يزول بزوال الفصل

__________________

(١) ليست هذه نص عبارة الكفاية ، بل مضمونها ، أما نصّها فهو : ( فيطلبها كذلك لكي يجعلها بنفسها من الخارجيات والأعيان الثابتات ... ).

(٢) كفاية الاصول : ١٤٠ / ٥.

(٣) قولنا : وأ التحقيق : أن حقيقة الحكم الايجابي ... الى آخره ).

بيانه : أنّ حقيقة الحكم الإيجابي بناء على التركّب : إما أن يكون مركبا اعتباريا ، أو مركّبا حقيقيا :

فإن كان مركّبا اعتباريا فلا محالة يكون عبارة عن الإنشاء بداعي البعث نحو الفعل والزجر عن الترك ، فيكون المجموع وجوبا حقيقة ، ومن الواضح أنّ المقطوع ارتفاعه هو

__________________

(أ) الواو غير موجودة في المتن.

٢٦٢

بما هو جنس ، لا بما هو متفصّل بفصل عدمي لنوع آخر ، نظير قطع الشجر ،

__________________

المنع عن الترك ، وأما شخص الانشاء بداعي البعث فهو مشكوك البقاء من دون محذور ، فيستصحب.

وإن كان مركبا حقيقيّا من جنس وفصل فالأمر كما في المتن : من أن زوال الفصل وكفاية عدم المنع من الترك في صيرورة الجنس متفصّلا بفصل الإباحة الخاصّة ، فيستصحب الجنس بذاته ، لا بما هو جنس ، إلا أنّ التركّب الحقيقي في مثل الإيجاب غير معقول ؛ لأنّ التركّب الحقيقي من جنس وفصل خارجيين ، لا يتصوّر إلاّ في الأنواع الجوهرية ، دون الأعراض التي هي بسائط خارجية ، فضلا عن الاعتبارات ، فالصحيح من قسمي المركّب هو الأوّل ، وحاله ما عرفت. هذا بناء على التركّب.

وأما بناء على البساطة : فاستصحاب الشخص مما لا معنى له إذ البسيط أيّا ما كان لا يتجزأ حتّى يزول منه جزء ويبقى جزء آخر.

وأما استصحاب الكلي بنحو القسم الثالث من استصحاب الكلي ـ بدعوى احتمال الإباحة مقارنا لزوال الوجوب ، لا معه لاستحالة ورود حكمين متضادّين على موضوع واحد ، فلا بدّ من فرض مقارنة حدوث الإباحة لزوال الوجوب ـ فتوضيح الحال في دفعه :

أن الوجوب إن كان عبارة عن الإنشاء بداعي البعث الأكيد المنبعث عن إرادة حتمية أو عن مصلحة لزومية ، فلا جامع بينه وبين الإنشاء بداعي الترخيص وإطلاق العنان ؛ لفرض البساطة حتّى عقلا ، لا خارجا فقط.

وأمّا بملاحظة لازم الوجوب من الإذن في الفعل أو عدم المنع من الترك ، فيستصحب اللازم المذكور المشترك بينه وبين الإباحة الخاصّة المحتمل حدوثها هنا ، لا شخص اللازم لاستحالة بقائه مع زوال ملزومه.

ففيه : أما الإذن في الفعل : فإن أريد الإذن المطلق فلا معنى له لاستحالة تحقّقه ولو تقديرا من دون تعيّنه بما يتعيّن به الإباحة الخاصّة ، وإن اريد الإذن الخاصّ فهو غير معقول ؛ لأن الفعل يستحيل أن يكون محكوما بالوجوب وبالإباحة ولو بنحو اللزوم ، فإن المحال ثبوتهما من دون فرق بين أنحاء الدلالة مطابقة والتزاما.

وأما عدم المنع من الترك فهو من باب ملازمة الضدّ لعدم الضدّ ، ولا منع من استصحاب عدم ما عدا الوجوب من الحرمة والكراهة والاستحباب والإباحة الخاصة ، وإنما الكلام في الإباحة الخاصّة.

وإن كان الوجوب عبارة عن الإرادة الحتمية فليس جنسها العقلي إلاّ الكيف النفساني ، ولا

٢٦٣

فانه يوجب زوال النامي مع بقاء الجسم ، فإنّ الجسم بنفسه نوع متحصّل ، مع عدم قوّة النمو ، وإن كان باعتبار استعداده لتلقّي القوّة النامية مادّة وجنسا للنامي ، فزوال القوة النامية يوجب زوال الجسم بالمعنى الذي يكون جنسا ، لا زوال الجسم بما هو نوع متحصّل ، وهو الجماد.

فكذا الإذن ، فانه وإن كان يزول بما هو جنس متفصل بالمنع من الترك ، لكن لا بذاته المتفصّل بفصل عدم الاقتضاء الطلبي ، الذي هو نوع خاصّ ، وهي الإباحة الخاصّة ؛ إذ ليست الإباحة إلاّ الإذن الساذج الذي ليس فيه اقتضاء طلبي ، ونفس زوال ما هو مقوّم الوجوب ـ بما هو وجوب ـ يكون فصلا للإباحة الخاصّة.

وإن كانت حقيقة الوجوب بسيطة فزوالها لا يبقي مجالا لبقاء الإذن الشخصي ، وإن كانت من الأعراض ، ولم تكن من الاعتبارات ، فإنّ الأعراض وان كان لها جنس وفصل ، إلاّ أنهما عقليان ، لا أن هناك أمرا خارجيا يتوارد عليه الصور كالجسم بالإضافة إلى ما يرد عليه من الصور النوعية ليجري فيها ما جرى بناء على التركّب.

نعم بينهما فرق من حيث جريان استصحاب الكلي ؛ حيث إنّ طبيعي الإذن معلوم ، وارتفاعه مشكوك ؛ لاحتمال وجوده في ضمن الإباحة الخاصّة مقارنا لزوال الوجوب ؛ بناء على جريانه في مثل هذا ، بخلاف ما إذا كان من الاعتبارات ، فإنه بسيط جدّا ، لا إذن فيه أبدا ، لا في نفس الوجوب ، ولا في لازمه :

__________________

معنى لاستصحابه ، والإذن الاعتباري أجنبي عن جنس الصفة النفسانية ، وليس لازما لها أيضا. نعم مبادى الإرادة من الحبّ والميل متحقّقة عند تحقّقها ، ولا كلام في استصحابها ، كما أنّ عدم المنافرة لازم ضدها ، وهي الموافقة للطبع ، وقد عرفت حال لازم الضدّ المحقّق من عدم أضداده ، مع أنه لم يترتّب عليها أثر شرعي ، وليس بنفسها أثرا شرعيا ، فتدبّر جيّدا. [ منه قدّس سره ]

٢٦٤

أمّا الأوّل فلفرض بساطته حتى عقلا ، وأمّا الثاني فلأنّ الإذن المطلق لا معنى له ، والإباحة الخاصّة لا تكون لازم الوجوب ؛ إذ ليس كلّ موضوع محكوما بحكمين كما هو واضح.

بل التحقيق : عدم جريان الاستصحاب على الأوّل أيضا حتى على القول باستصحاب الكلّي في القسم الثالث ؛ لأنّ الوجوب إذا كان من الأعراض ، لا حقيقة له إلاّ الإرادة الحتمية.

ومن الواضح : أنّ جنسها الكيف النفساني ، لا الإذن ونحوه ، وأما عدم المنافرة للطبع ، فهو وإن كان لازما لوجوب الفعل واستحبابه وإباحته ، لكنه لا دخل له بالأحكام ، والمقصود استصحاب الحكم ولو بنحو الكلي ، فتدبر جيّدا.

١٣٦ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( غير الوجوب والاستحباب ... الخ ) (١).

لا يخفى عليك أنّ الوجوب والاستحباب ربما يراد منهما الإنشاء بداعي البعث المنبعث عن مصلحة ملزمة أو غير ملزمة ، فلا شبهة في أنهما متباينان عقلا وعرفا ، فإنّهما نحوان من البعث الانتزاعي من منشأ مخصوص وأن التفاوت بالشدّة والضعف غير جار في الامور الاعتبارية.

وربّما يراد منهما الإرادة الحتمية والندبية ، فعلى المشهور هما مرتبتان من الإرادة وهي نوع واحد لا تفاوت بين الشديدة والضعيفة منها في النوعية ، بل في الوجود على التحقيق ، وكما أنّ البياض الشديد إذا زالت شدته ، وبقي بمرتبة ضعيفة منه لا يعدّ وجودا آخر لا عقلا ولا عرفا ، بل وجود واحد زالت صفته ، فكذا الإرادة الشديدة والضعيفة ، والتفاوت في لحاظ العقل والعرف إنّما نشأ من

__________________

(١) كفاية الأصول : ١٤٠ / ١١.

٢٦٥

الخلط بين الأمر الانتزاعي والكيف النفساني. هذا ، إلاّ أنّ القابل للاستصحاب هو الحكم بالمعنى الأوّل فإنه المجعول القابل لجعل مماثله ، وأما الإرادة والكراهة فهما صفتان نفسيتان ، لا أمران جعليان.

نعم ، لو رتب على الإرادة أثر شرعي صحّ التعبّد بها بلحاظ أثرها ، لكن ليس البعث المنبعث منها أثرا مترتّبا عليها شرعا ، بل ترتّبه عليها من باب ترتّب المعلول على علّته عقلا وإن كان ذات المترتب شرعيا ، فليس البعث بالإضافة إلى الإرادة كالحكم بالإضافة إلى موضوعه وعنوان العلية وعنوان المعلولية وإن كانا متضايفين ، ويصحّ عند التعبّد باحدهما ترتيب الأثر على الآخر ، إلاّ أنّ ذات الإرادة والبعث ليسا متضايفين ؛ حتى يكون التعبّد بأحدهما تعبّدا بالآخر.

نعم لو كان دليل الاستصحاب لتنجيز الواقع ـ لا لجعل الحكم المماثل ـ صحّ استصحاب الإرادة ؛ لأنّ اليقين بها كما يكون منجّزا لها حدوثا ، يكون بحكم الاستصحاب منجّزا لها بقاء ، وتنجيز الإرادة حدوثا وبقاء ـ وترتّب استحقاق العقوبة على مخالفتها على تقدير مصادفتها ـ أمر معقول.

١٣٧ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( لوضوح أن الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين ... الخ ) (١).

لا يخفى عليك أنّ قاعدة : ( عدم صدور الكثير عن الواحد وعدم صدور الواحد عن الكثير ) مختصّة بالواحد الشخصي ، لا الواحد النوعي ، كما يقتضيه برهانها في الطرفين ، فإنّ تعيّن كلّ معلول في مرتبة ذات علته ؛ لئلا يلزم التخصّص بلا مخصّص ، وكون الخصوصية الموجبة لتعينه ذاتية للعلة ؛ إذ الكلام في العلة

__________________

(١) كفاية الأصول : ١٤١ / ٢.

٢٦٦

بالذات ، ولزوم الخلف من تعيّن معلولين في مرتبة ذات علّة واحدة من جميع الجهات ؛ للزوم خصوصيتين فيها ، لا ربط له بعدم صدور الكثير عن الواحد النوعي.

كما أنّ كلّ ممكن ليس له إلاّ وجود واحد ووجوب واحد ـ فهو يقتضي أن لا يكون له وجوبان في مرتبة (١) ذات علتين ـ مورده صدور الواحد الشخصي عن علتين شخصيتين.

وكذا كون استقلال كلّ من العلّتين في التأثير مع دخل كلّ من الخصوصيتين في وجود شيء واحد موجبا لعدم علّية كلّ منهما مستقلاّ ، وعدم دخل الخصوصيتين موجبا لكون الجامع علّة ، لا ربط له أيضا باستناد الواحد النوعي إلى المتعدّد ، بل مفاد كلا البرهانين عدم صدور الواحد الشخصي عن الكثير وعدم صدور الكثير بالشخص عن الواحد الحقيقي ، ولذا قيل باستناد الواحد النوعي إلى المتعدّد كالحرارة المستندة إلى الحركة تارة ، وإلى النار اخرى ، وإلى شعاع الشمس ثالثة ، وإلى الغضب أيضا ، وكالأجناس فإنها لوازم الفصول ، والفصل كالعلّة المقيّدة لطبيعة الجنس ، فيستند الواحد الجنسي إلى فصول متعدّدة مع تباين الفصول بتمام ذواتها.

بل قال بعض الأكابر (٢) : لو لزم استناد الجهة المشتركة إلى جهة مشتركة

__________________

(١) قولنا : ( أن لا يكون له وجوبان في مرتبة ... إلى آخره ).

إذ الوجوب السابق ـ والضرورة السابقة ـ بتعيّنه في مرتبة ذات العلّة ، وتعدّد التعيّن في مرتبة ذات العلتين معناه تعدّد الواحد الشخصي ، وهو خلف محال ، كما أنّ تعدّد الإمكان الوجودي عبارة عن تعدّد الارتباط الذاتي ، وهو مساوق لتعدّد الواحد الشخصي ، وكذا الإمكان الماهوي ، فإنّ سلب ضرورة الوجود بديل ضرورة الوجود ، ومع وحدة الوجوب والوجود يستحيل تعدّد بديلها. فافهم واستقم. [ منه قدّس سره ] ( ق. ط ).

(٢) صدر المحققين في أسفاره : ٢ / ٢١١ ـ ٢١٢ عند قوله : ( وبوجه آخر ... ).

٢٦٧

اخرى لزم التسلسل ، ولا يكفي انتهاؤها إلى جهة مشتركة ذاتية ؛ لأنّ الجهة المشتركة لا تخرج عن حيثية الاشتراك والوحدة النوعية بمجرّد كونها ذاتية ، ولا محالة تكون مجعولة بجعل مصاديقها المتعددة بالعرض ، فقد انتهى الأمر ـ أيضا ـ إلى استناد الواحد النوعي في الصدور إلى المتعدّد بالشخص (١) ـ وتمام الكلام في محلّه ـ والغرض أن القاعدة المزبورة مختصّة بالواحد الشخصي ، والكلام في الواحد النوعي.

وأما مسألة المناسبة والسنخية بين العلة والمعلول ، فلا تقتضي الانتهاء إلى جامع ماهوي ؛ ضرورة أن المؤثّر هو الوجود ، ومناسبة الأثر لمؤثّره لا تقتضي أن يكون هذا المقتضي والمقتضي الآخر مندرجين بحسب الماهية تحت ماهية اخرى (٢).

أ لا ترى أنّ وجودات الأعراض مع تباين ماهيّاتها ـ لكونها أجناسا عالية أو منتهية إليها ـ مشتركة في لازم واحد ، وهو الحلول في الموضوعات ، وكذا الحلاوة ـ مثلا ـ لازم واحد سنخا للعسل والسكر وغيرهما من دون لزوم اندراج الحلاوة وموضوعها تحت جامع ماهوي ، ولا اندراج موضوعاتها تحت جامع

__________________

(١) لأن فيض الوجود كما يمرّ من الفصل إلى الجنس ، كذلك يمرّ من الشخص إلى الماهية النوعية. [ منه عفي عنه ].

(٢) قولنا : ( ومناسبة الاثر لمؤثره لا تقتضي ... إلى آخره ).

والسرّ في ذلك : أن الآثار القائمة بمؤثّراتها ليست إلاّ أعراضا قائمة بموضوعاتها كالحرارة بالنار ، وكالحلاوة بالعسل ، وليس العرض في مرتبة ذات موضوعه ومترشّحا من مقام ذاته ؛ حتى يقال : إن الحلاوة مثلا إذا كانت في مرتبة ذات العسل ، فحيثية ذات العسل حقيقة الحلاوة ، وحيثية ذات السكّر حيثية الحلاوة ؛ فلا بدّ من جامع ذاتي بين العسل والسكر ، وإذا لم يكن الحلاوة في مرتبة ذات الحلو ، بل قائمة بها ، فلا موجب لاندراج الحلاوة والعسل تحت جامع ذاتي ، فضلا عن العسل والسكر المتناسبين بالعرض. فتدبّره ، فإنه حقيق به. [ منه قدّس سرّه ]. ( ق. ط )

٢٦٨

ماهوي ، بل اقتضاء كلّ من الموضوعات لها بذاتها.

نعم لا يتأثر الذائقة بالحلاوة من كل شيء ، بل مما هو حلو بالذات ، ومما ينتهي إلى ما بالذات ، إلاّ أن هذه السنخية والمناسبة قد عرفت أن منشأها لزوم الحلاوة لأشياء خاصة بحيث لا يكون استلزامها لها عن جهة اخرى غير ذاتها ؛ حتّى يجب الانتهاء إلى جامع يكون ذلك الجامع هو السبب بالذات ، فليكن الغرض اللازم لوجود الصوم والعتق والإطعام كذلك ، وإن كان تأثّر النفس ـ مثلا ـ أو محلّ آخر بذلك الأثر القائم بها قيام العرض بموضوعه ـ مثلا ـ بلحاظ قيام الأثر الخاصّ بمؤثّرات مخصوصة ، إلاّ أنّ هذا المعنى لا يستدعي انتهاء الأثر القائم بالصوم والعتق والإطعام إلى جامع بين الأفعال الثلاثة ، وإن كان تأثّر المحلّ بذلك الأثر من تلك الأفعال بالسنخية والمناسبة بين الأثر القائم بالمحلّ والغرض القائم بتلك الأفعال ، فتدبّر جيّدا.

١٣٨ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( وإن كان بملاك أنه يكون في كلّ واحد ... الخ ) (١).

عدم حصول الغرض من أحدهما مع حصوله من الآخر إن كان لمجرّد أنّ استيفاء أحدهما لا يبقي مجالا لاستيفاء الآخر ، مع كون كلّ من الغرضين لازم الحصول في نفسه ، فلا محالة يجب الأمر بهما دفعة تحصيلا للغرضين.

ولو فرض عدم حصولهما إلاّ تدريجا لعدم إمكان اجتماعهما في زمان واحد كانا كالمتزاحمين ، فإنّ التزاحم قد يكون في الأمر ، وقد يكون في ملاكه ، وكما أنّ التخيير في المتزاحمين ـ من حيث الأمر ـ تخيير عقلي لا مولوي ، كذا التخيير هنا ، وإن كان تضادّ الغرضين على الإطلاق ، لا من حيث إن اجتماع المحصّلين

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٤١ / ٧.

٢٦٩

في زمان واحد غير ممكن ، وسبق كلّ منهما لا يبقي مجالا لاستيفاء الآخر ، بل من حيث إنّ ترتّب الغرض على أحدهما مقيّد في نفسه بعدم ترتّب الغرض على الآخر ، ولازمه عدم حصول شيء من الغرضين عند الجمع بين المحصّلين ، فهذا مع عدم انطباقه على الواجبات التخييرية الشرعية خارج عن محلّ الكلام ؛ لأن التخيير حينئذ عقلي ـ أيضا ـ لا مولوي شرعي.

كما أنّ فرض استقلال كلّ من الفعلين في أثر خاص ـ بحيث لا يجتمعان معا من حيث ذاك الأثر ؛ لتضادّ الأثرين وترتّب أحد الأثرين بخصوصه عند الاجتماع لينطبق على الواجبات التخييرية التي لا بأس بالجمع بينها ـ خروج أيضا عن محلّ الكلام ؛ لما عرفت ، مضافا إلى أنّ لازمه التخيير بين كلّ منهما على انفراده وبين كليهما معا.

نعم يمكن أن يفرض غرضان (١) لكلّ منهما اقتضاء إيجاب محصّله ، إلاّ أنّ

__________________

(١) قولنا : ( نعم ممكن ان يفرض غرضان ... الى آخره ).

توضيحه : أن القائم بالصوم والعتق والإطعام أغراض متباينة ، لا أغراض متقابلة ، وحيث أنّ كلّها لزومية فلذا أوجب الجميع ، وحيث إن مصلحة الإرفاق والتسهيل تقتضي تجويز ترك كل منها إلى بدل ، فلذا أجاز كذلك ، فإذا ترك الكلّ كان معاقبا على ما لا يجوز تركه ، إلا إلى بدل وليس هو إلاّ الواحد منها لا كلها ، كما أنه إذا فعل الكلّ دفعة واحدة كان ممتثلا للجميع ، والشاهد على ما ذكرنا أنه ربما لا يكون تمام الإرفاق ( كما في كفّارة الظهار والقتل الخطائي ، فإنّه أمر أوّلا بالعتق ، ومع عدم التمكّن يجب الصوم ، وربما لا إرفاق ) أصلا ، كما في كفّارة الإفطار بالحرام ، فإنه يجب الجمع بين الخصال ، فيعلم منه أنّ الأغراض غير متقابلة.

ويمكن فرض نظيره فيما إذا كان الغرض المرتّب على الخصال واحدا نوعيا بتقريب : أن الغرض وإن كان واحدا سنخا إلاّ أنّ اللزومي منه وجود واحد منه ، فحيث إن نسبة الكلّ إلى ذلك الواحد اللزومي على السويّة ، فيجب الجميع ؛ لأنّ إيجاب أحدها المردّد محال ، وإيجاب أحدها المعيّن تخصيص بلا مخصّص ، وحيث إن وجودا واحدا منه لازم ، فيجوز ترك كلّ منها إلى بدل ، وكما أنّ الإيجاب التخييري على الفرض الأوّل شرعي ؛ لانبعاثه وجوبا وجوازا عن المصلحة في نظر الشارع ، كذلك الإيجاب التخييري في هذا الفرض ؛ لأنّ أصل الإيجاب عن

٢٧٠

مصلحة الإرفاق والتسهيل تقتضي الترخيص في ترك أحدهما ، فيوجب كليهما ؛ لما في كل منهما من الغرض الملزم في نفسه ، ويرخصّ في ترك كلّ منهما إلى بدل ، فيكون الإيجاب التخييري شرعيا محضا ، من دون لزوم الإرجاع إلى الجامع ، فتدبّر جيّدا.

١٣٩ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( فلا وجه للقول (١) بكون الواجب ... الخ ) (٢).

ربما يقال بإمكان تعلّق الصفات الحقيقية كالعلم ـ فضلا عن الاعتبارية كالوجوب والحرمة ـ بأحدهما المصداقي ، وإنما لا يصحّ البعث إليه في المقام ؛ لأنّ الغرض منه انقداح الداعي في نفس المكلّف إلى أحدهما المصداقي ، وهو لا يعقل إلاّ عند إرادة الجامع لتحقّقه في ضمن أي منهما كان ، كما عن شيخنا واستاذنا العلامة ـ رفع الله مقامه ـ في حاشية الكتاب (٣).

والتحقيق ـ كما أشرنا إليه (٤) سابقا (٥) ـ أن المردّد ـ بما هو مردّد ـ لا وجود له خارجا ، وذلك لأنّ كلّ موجود له ماهية ممتازة عن سائر الماهيات بامتياز

__________________

مصلحة وتجويز الترك عن وحدانية اللازم منها في نظر الشارع ، فتدبّر جيدا. [ منه قدّس سره ].

(١) في الكفاية ـ تحقيق مؤسستنا ـ فلا وجه في مثله للقول ...

(٢) كفاية الاصول : ١٤١ / ١٠.

(٣) الكفاية : ١٤١.

(٤) وذلك في آخر التعليقة : ٥٩ في جوابه ( رحمه الله ) على ( دعوى إمكان تعلّق الصفات الحقيقة بالمردّد ... ) ، فراجع.

(٥) قولنا : ( والتحقيق كما اشرنا اليه سابقا ... ).

ما ذكرنا في صدر الكلام وذيله يرجع إلى برهانين على الاستحالة :

أحدهما ـ أن المردّد في ذاته محال ؛ حيث لا ثبوت له ذاتا ووجودا ، فلا يتعلّق به أيّة صفة كانت ـ حقيقية أو اعتبارية ـ لتقوّم الصفة التعلقية بطرفها ، وحيث يستحيل الطرف ، فلا يعقل

٢٧١

ماهوي ، وله وجود ممتاز بنفس هوية الوجود عن سائر الهويّات ، فلا مجال للتردّد في الموجود ـ بما هو موجود ـ وإنما يوصف بالتردّد بلحاظ علم الشخص وجهله ، فهو وصف له بحال ما يضاف إليه ، لا بحال نفسه.

وأما حديث تعلّق العلم الإجمالي بأحد الشيئين ، فقد أشرنا سابقا (١) إلى أنّ العلم يتشخّص بمتعلّقه ، ولا يعقل التشخّص بالمردّد مصداقا بما هو كذلك ؛ إذ الوحدة والتشخّص رفيق (٢) الوجود يدوران معه حيث ما دار ، فمتعلّق العلم مفصّل دائما ، غاية الأمر أن متعلّق متعلّقه مجهول أي غير معلوم ، وضم الجهل إلى العلم صار سببا لهذا الاسم ، وإلاّ لم يلزم قيام صفة حقيقية بالمردّد ؛ بداهة أن

__________________

تحقّق تلك الصفة المتقوّمة به.

وثانيهما : أنّ تعلّق الصفة بالمردّد يلزمه أمر محال ، وهو تردّد المعيّن أو تعيّن المردّد ، وكلاهما خلف.

ومما ذكرنا تبيّن : أنّ منشأ الاستحالة ليس توهّم أن العرض يحتاج إلى موضوع ، والموجود في الخارج معيّن لا مردّد ؛ حتى يقال بأنّ المحال تعلّق العرض المتأصّل بالمردّد ، دون الاعتباري كالملكية ، كما عن شيخنا العلاّمة الانصارى (أ) (قدس سره) في بيع أحد صيعان الصبرة مردّدا ، أو يقال بأنّ العلم من أجلّ الصفات الحقيقية ، وهو في الإجمالي متعلّق بالمردّد ، كما عن شيخنا العلامة (قدس سره) في هامش الكتاب (ب) ، أو يقال كما عن بعض أجلّة العصر (ج) بالفرق بين الإرادة التكوينية المؤثّرة في وجود الفعل المساوق لتعيّنه والإرادة التشريعية التي لا تؤثر في وجود الفعل ؛ لما مرّ من أنّ نفس تعلّق الصفة مطلقا محال من وجهين أجنبيين عن كلّ ما تخيّلوه في وجه الاستحالة ، فتدبّر جيّدا. [ منه قدس سرّه ].

(١) في التعليقة : ٥٩.

(٢) كذا في الاصل ، والصحيح : رفيقا الوجود ...

__________________

(أ) المكاسب : ١٩٥.

(ب) الكفاية : ١٤١ هامش : ١.

(ج) وهو المحقّق النائيني (قدس سرّه) كما في أجود التقريرات ١ : ١٨٣ ـ ١٨٤.

٢٧٢

المعيّن لا يتّحد مع المبهم والمردّد ، وإلاّ لزم إما تعين المردّد أو تردّد المعيّن ، وهو خلف.

وبالتأمّل يظهر الجواب عن كل ما يورد نقضا في المقام ، كما بيناه في غير مقام.

ومما ذكرنا يتضح : أنّ عدم تعلق البعث بالمردّد ليس لخصوصية في البعث بلحاظ أنه لجعل الداعي ، ولا ينقدح الداعي إلى المردّد ، بل لأنّ البعث لا يتعلّق بالمردّد ؛ حيث إن تشخّص هذا الأمر الانتزاعي أيضا بمتعلّقه ، وإلاّ فالبعث ـ بما هو ـ لا يوجد ، فلا يتعلّق إلاّ بالمعيّن والمشخّص ، ولو كان بمفهوم المردد فإنّ المردّد بالحمل الأوّلي معيّن بالحمل الشائع ، والكلام في المردّد بالحمل الشائع.

وهكذا الإرادة التكوينية والتشريعية لا تشخّص لهما إلاّ بتشخّص متعلّقهما ؛ إذ الشوق المطلق لا يوجد ، فافهم واغتنم.

١٤٠ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( ربما يقال : إنّه محال ... الخ ) (١).

أمّا في التدريجي فللزوم تحصيل الحاصل ، وأما في الدفعي فلأن الزائد على الواجب يجوز تركه ، لا إلى بدل ، ولا شيء من الواجب كذلك.

١٤١ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( لكنه ليس كذلك ، فإنه إذا فرض ... الخ ) (٢).

لا يخفى عليك أنّ حلّ الإشكال : تارة يكون بلحاظ فردية الأكثر كالأقل للطبيعة ، واخرى يكون بلحاظ ترتّب الغرض على الأقلّ بشرط لا ، وعلى الأكثر :

فإن كان بلحاظ فردية الأكثر كالأقلّ للطبيعة ، كما يومئ إليه التنظير

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٤٢ / ١.

(٢) كفاية الاصول : ١٤٢ / ٣.

٢٧٣

برسم الخطّ ، فلا محالة يبتني على التشكيك في الماهية أو في وجودها ، والأكثر حينئذ فرد للطبيعة كالأقلّ.

ولا يرد عليه : أن الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد ، ووجود الطبيعة مما لا شك فيه ، فكيف يقال : لم يتحقق الفرد؟! وذلك لأنه لا كلام في وجود الطبيعة متشخّصا ، لكنه ما لم يتخلّل العدم بين نحو وجودها يكون الشخص الموجود باقيا على تشخّصه ، لا أنه تتبدّل تشخّصاته ، فإنّ التشخّص غير الامتياز ، وما هو المتبدّل عند الحركة والاشتداد امتياز الماهية الموجودة ، فإنه ينتزع من كلّ مرتبة معنى لا ينتزع ذلك عن مرتبة اخرى.

والفرق بين الامتياز والتشخّص ثابت في محلّه (١) ، والضرورة من الوجدان قاضية ـ أيضا ـ بانّ الشيء المتحرّك في مراتب التحوّلات والاستكمالات موجود واحد لا موجودات ، إلا إذا لوحظ الموجود بالعرض ، وهي الماهية.

نعم هذا المعنى بمجرّده لا يفيد ما لم يقيّد الأقلّ بعدم انضمامه إلى ما يتقوّم به الأكثر ، وذلك لأنّ الغرض إن كان مترتّبا على وجود الأقلّ ولو متّصلا بوجود ما يتقوّم به الأكثر ، فهو حاصل في ضمن الأكثر ؛ لأنّ الاشتداد يقتضي حصول فرد للطبيعة في كلّ آن ، أو في حال الموافاة لكلّ حدّ من الحدود.

وإن اتّصل الوجود فلا منافاة بين حصول فرد الطبيعة ـ بما هو فرد للطبيعة ـ ووجود الطبيعة مستمرّا ، وهو ـ في كلّ آن ـ فرد للطبيعة بنحو الضعف أو التوسّط أو الشدّة من دون تخلّل العدم ، ولا تتبدّل التشخّصات كما يتوهّم.

مضافا إلى أنه لا ينطبق على موارد التخيير بين الأقلّ والأكثر شرعا ؛

__________________

(١) الاسفار : ٢ / ١٠ ، الفصل الثاني في الكلي والجزئي من المرحلة الرابعة في الماهية ولواحقها حيث يقول ( رحمه الله ) : فإنّ الامتياز في الواقع غير التشخّص ؛ إذ الأوّل للشيء بالقياس الى المشاركات في أمر عام ، والثاني باعتباره في نفسه ، حتى أنه لو لم يكن له مشارك لا يحتاج إلى مميّز زائد ، مع أنّ له تشخّصا في نفسه ....

٢٧٤

لأنّ التشكيك في الماهية أو في وجودها غير جار في كلّ المقولات ، بل في بعضها ، فضلا عن الاعتباريات ، بل اختلاف قول الطبيعة في الامور الانتزاعية تابع لمنشا انتزاعها ، فان كان يصح في منشئه صحّ فيها ، وإلا فلا.

ومن الواضح : أن التخيير بين تسبيحة واحدة والثلاث ليس كذلك ؛ إذ بلحاظ طبيعة التسبيحة اللفظية من حيث إن اللفظ غير قارّ ، فله نحو من الاتصال في وجوده التدريجي ما لم يتخلّل العدم بين نحو وجودها لا تكون الثلاث فردا واحدا إلاّ إذا اتصلت الثلاث بحيث لا يتخلّل بينها سكون ، مع أنه لا يعتبر فيها ذلك شرعا ، فهناك وجودات من طبيعة التسبيحة ، فلا تشكيك مع تعدّد الوجود.

وأما بلحاظ انطباق عنوان على الواحدة والثلاث فقد عرفت (١) ما فيه ؛ إذ لا تشكيك ولا اشتداد في الأمور الانتزاعية والعناوين الاعتبارية ـ بما هي ـ وقد عرفت (٢) حال منشئها ، ومنه تعرف حال غيره من موارد التخيير.

وأما توهّم : عدم إجداء التشكيك للزوم استناد الغرض إلى الجامع بين الأقلّ والأكثر ، لا إليهما بما هما أقلّ وأكثر لتباينهما : إما من حيث مرتبة الماهية ، أو من حيث مرتبة الوجود ، خصوصا على مسلكه (قدس سره).

فمدفوع : بأنّ الحقّ جريان التشكيك في وجودات تلك المقولات لا في ماهياتها ، فلا محذور ، لا من حيث إنّ الوجود بسيط يكون ما به الافتراق فيه عين ما به الاشتراك ، فلا يلزم من استناد الغرض الواحد سنخا إلى مرتبتين من وجود مقولة واحدة استناده إلى المتباينين ، بل لأنه لا ينافي التخيير العقلي ؛ لاندراج المرتبتين تحت طبيعة واحدة ، وهو ملاك التخيير العقلي ، وإلاّ فالاختلاف في المراتب ملاك اختلاف الآثار والأحكام ، فالمترتبة من حيث إنها مرتبة لا دخل لها في الغرض ،

__________________

(١ و ٢) في نفس هذه التعليقة.

٢٧٥

بل من حيث اندراجها تحت الجامع.

بخلاف ما إذا كان التشكيك في الماهية ، فإنّ مبناه على أنّ ماهية واحدة تارة ضعيفة ، واخرى شديدة ، من دون جامع بينهما ، فالأقلّ بحدّه وإن كان فرد الجامع كالأكثر ، إلا أنه فرد الجامع الضعيف ، والأكثر فرد الجامع الشديد ، من دون جامع آخر يجمعهما ، فالتخيير شرعي حينئذ ، فتدبّر.

هذا كلّه إن كان الجواب بلحاظ فردية الأكثر للطبيعة على حدّ فردية الأقلّ لها.

وإن كان بلحاظ كون الغرض الواحد والمتعدّد مترتّبا على الأقلّ ـ بشرط لا ـ وعلى الأكثر ـ كما هو ظاهر كلامه (قدس سره) في ختامه ـ فهو إنّما يتمّ بناء على تعدّد الغرض ، وأما بناء على وحدته سنخا فلا بدّ من الانتهاء إلى جامع مشكّك على مبناه (قدس سره) ، ولا يمكن أن يكون الجامع نفس الطبيعة التسبيحة ـ مثلا ـ فإنّها موجودة في الأكثر بوجودات متعدّدة ، فتكون هناك أغراض متعدّدة ، مع أنّ اللازم تحصيله غرض واحد وجودا ، لا وجودات منه ، فلا محالة يجب الانتهاء إلى جامع يكون الأكثر وجودا واحدا له.

وقد عرفت أنّ العناوين الانتزاعية لا تشكيك فيها إلاّ من حيث جريانه في منشئها ، وقد عرفت حال منشئها ، وأنه موجود بوجودات متعدّدة لا بوجود واحد متأكّد.

ومما ذكرنا تبيّن : أنّ حمل كلامه (قدس سره) على أخذ الأقلّ بشرط لا ، وجعله فردا للجامع التشكيكي غير مفيد ؛ لأنّ البشرطلائية غير دخيلة في فرديته للجامع ، ودخلها في الغرض معقول ، إلاّ أنّ فرديته للجامع التشكيكي غير لازمة ، إلاّ مع فرض وحدة الغرض لا مطلقا.

٢٧٦

١٤٢ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( كما هو قضية توارد العلل المتعدّدة ... الخ ) (١).

هذا إنما يتم بالنسبة (٢) الى الفعل الواحد الشخصي القائم بجماعة ، كما إذا اشتركوا في تغسيل الميّت وتكفينه ودفنه ، لا فيما إذا صلّوا عليه دفعة ، فإنّ هناك وجودات من الفعل ومن الغرض المترتّب عليه ، إلاّ أنّ اللازم تحصيله وجود واحد من الغرض ، وحيث إنه لا مخصّص لأحد وجودات الفعل والغرض ، فلا يستقرّ الامتثال على وجود خاصّ منها ، ومعنى استقراره على الجميع سقوط الأمر

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٤٣ / ١١.

(٢) قولنا : ( هذا انما يتم بالنسبة ... الى آخره ).

لا بأس بتوضيح الكلام : في الوجوب الكفائي ، فنقول :

لا ريب في أنّ حقيقة البعث كما هي متقوّمة بالمبعوث إليه ـ وهو الفعل المتعلّق به البعث ـ كذلك متقوّمة بالمبعوث ـ وهو المكلف الذي هو موضوع التكليف ـ إذ كما أنّ البعث المطلق لا يوجد ، كذلك البعث نحو الفعل من دون بعث أحد نحوه لا يوجد ؛ بداهة انّ الحركة لا بدّ فيها من محرّك ، ومتحرّك ، وما فيه الحركة ، وما إليه الحركة وهكذا الأمر في الإرادة التشريعية ، فإنّ الشوق المطلق لا يوجد ، فلا بد من تعلّقه بشيء ، فإن كان ذلك الفعل فعل نفسه فلا محالة يحرّك عضلاته نحوه ، وإن كان فعل الغير فلا محالة يكون المشتاق منه (أ) هو ذلك الغير ، وعليه فيستحيل دعوى أن الواجب في مثل الواجب الكفائي هو الفعل من دون نظر إلى فاعله ، وحيث إنه مطلوب للشارع يجب عقلا على المكلّفين تحصيل مراده ، وحيث تبيّن أنه لا بدّ من موضوع للتكليف فلا محالة هو إما الواحد المعين ، أو المردّد ، أو صرف الوجود ، أو المجموع ، أو الجميع :

أمّا الواحد المعيّن : فمفروض العدم هنا.

وأمّا الواحد المردد : فقد عرفت سابقا (ب) استحالته من حيث نفسه ؛ حيث لا ثبوت له ماهية وهوية ذاتا وحقيقة ، ومن حيث لازمه ؛ حيث إن المردّد لا يتحد مع المعيّن ، وإلاّ لزم إما تعيّن المردّد ، أو تردّد المعين ، وكلاهما خلف.

__________________

(أ) أي المشتاق صدور الفعل منه ..

(ب) وذلك في آخر التعليقة : ٥٩ و ١٣٩.

٢٧٧

والغرض الباعث عليه قهرا بفعل الجميع.

__________________

وأما صرف الوجود : فتوضيح الحال أنّ صرف الوجود ـ بمعناه المصطلح عليه في المعقول (أ) ـ لا مطابق له إلاّ الواجب ـ تعالى ـ وفعله الإطلاقي ؛ حيث إنه لا حدّ عدمي لهما ، وإن كان الثاني محدودا بحدّ الإمكان ، وبمعناه المصطلح عليه في الاصول إمّا أن يراد منه ناقض العدم المطلق وناقض العدم الكلي ، كما في لسان بعض أجلّة العصر (ب) ، وإما أن يراد المبهم المهمل من حيث الخصوصيات ، وإما أن يراد منه اللابشرط القسمي المساوق لكونه متعيّنا بالتعيّن الإطلاقي اللازم منه انطباقه على كلّ فرد ، فإن اريد منه ناقض العدم المطلق والعدم الكلي ففيه :

أنّ كلّ وجود ناقض عدمه البديل له ، وليس شيء من موجودات العالم ناقض كلّ عدم يفرض في طبيعته المضاف إليها الوجود ، وإرجاعه إلى أوّل الوجودات باعتبار أنّ عدمه يلازم بقاء سائر الأعدام على حاله ، فوجوده ناقض للعدم الأزلي المطلق ، لا كلّ عدم ، فهو لا يستحقّ إطلاق الصّرف عليه ، فإنه وجود خاصّ من الطبيعة بخصوصيّة الأوّلية ، مع أنه غير لائق بالمقام ، فإنه من المعقول إرادة أوّل وجود من الفعل ، ولا تصحّ إرادته من أوّل وجود من عنوان المكلّف ، فإنّ مقتضاه انطباقه على أسنّ المكلّفين كما لا يصحّ إرجاعه إلى أوّل من قام بالفعل ، فإنّ موضوع التكليف لا بدّ من أن يكون مفروض الثبوت ولا يطلب تحصيله ، فمقتضاه فرض حصول الفعل لا طلب تحصيله.

وإن اريد المبهم المهمل فلا إهمال في الواقعيات ، وقد مرّ وجهه مرارا.

وإن اريد اللابشرط القسمي ـ وهي الماهية الملحوظة بحيث لا تكون مقترنة بخصوصية ولا مقترنة بعدمها ، ومع لحاظ المكلّف بهذا الاعتبار الإطلاقي ، فيستحيل شخصية الحكم والبعث ؛ اذ لا يعقل شخصية الحكم ونوعية الموضوع وسعته ـ فلا بدّ من انحلال الحكم حسب انطباقات الموضوع المطلق على مطابقاته ومصاديقه ، فيتوجّه ـ حينئذ ـ السؤال عن كيفية هذا الوجوب الوسيع على الجميع مع سقوطه بفعل البعض ، وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ توضيح الجواب عنه ج.

__________________

(أ) كما في الشواهد الربوبية ـ المشهد الأوّل : فيما يفتقر إليه في جميع العلوم من المعاني العامّة : ٧.

(ب) هو الميرزا النائيني ( قده ) كما في فوائد الاُصول ـ مؤسسة النشر الاسلامي ـ ١ : ٣١٣ عند قوله : ( وحاصل ما يمكن .... ) وفي المقصد الثاني في النواهي : ٣٩٥ عند قوله : ( ومقتضى مقابلة النهي للأمر ... ) ، وكذا في أجود التقريرات ١ : ١٨٧ / المبحث السادس في الوجوب الكفائي.

(ج) وذلك في نفس هذه الحاشية.

٢٧٨

.................................

__________________

وأما المجموع من حيث المجموع : فنقول :

تعلق الأمر الواحد الشخصي بمجموع أفعال بحيث يترتّب الغرض على مجموعها ـ وعدم ترتّبه رأسا بفقد بعضها ـ أمر معقول ، وأمّا تعلّق الحكم بمجموع اشخاص ـ مع أنه لجعل الداعي ـ فهو غير معقول ؛ إذ ليس مجموع الأشخاص شخصا ينقدح الداعي في نفسه ، بل لا بدّ من انقداح الداعي في نفس كلّ واحد ، وهو مع شخصية البعث محال ، فلا بدّ من تعدّده ، فيؤول الأمر إلى تعلّق أفراد من طبيعي البعث بأفراد من عنوان المكلّف.

وأما أمر مجموع أشخاص برفع الحجر الواحد الذي لا يرفعه إلاّ مجموع العشرة ـ مثلا ـ فمرجعه إلى أمر كلّ واحد بإعمال قدرته في ما له المدخلية في رفع الحجر بشرط الانضمام ؛ حيث إنّ أثر قدرة كلّ واحد لا يتبيّن إلاّ بالانضمام ، مع أنّ الواجب الكفائي يحصل بفعل البعض ، ويسقط عن الباقين ، فلا معنى لأمر المجموع الذي لازمه عدم حصول الامتثال بترك البعض ، فينحصر الأمر في الشق الأخير ، وهو تعلق الحكم بالجميع ، ولو بنحو سراية الحكم من الطبيعي إلى افراده ، ولا إشكال بعد تعدّده في تعدّد الامتثال والعصيان وثواب الجميع وعقابهم ، إنّما الاشكال في سقوط الأمر بفعل البعض.

ويندفع : بأنه لما كان الغرض واحدا في ذاته كدفن الميّت ، أو وجودا واحدا منه لزوميّا كالصلاة عليه القابلة للتعدّد دفعيا ، وكان نسبة ذلك الغرض الواحد إلى كلّ من المكلفين على السويّة ، فتخصيص أحدهم المعيّن بتحصيله بلا مخصّص ، وتخصيص المردّد محال في نفسه ، والمجموع ـ بما هو ـ كذلك ، فلا محالة يوجب على الجميع ، ويجوز ترك كلّ منهم مع فعل الآخر ، فإذا صلّوا عليه دفعة كان نسبة ذلك الغرض اللزومي بالإضافة إلى أفعالهم على السوية ، فيكون كلّ منهم مؤدّيا للواجب وممتثلا ، وإذا تركه الكلّ كان كلّ منهم تاركا للواجب ـ بنحو ترك غير مقارن لفعل الآخر ـ فيعاقب عليه.

نعم فيما إذا اشترك الكلّ في دفن الميّت ـ مثلا ـ يرد الإشكال على تحقّق الامتثال من الكل ؛ إذ لم يحصل من كلّ منهم دفن الميت ، ولا أمر إلاّ بدفن الميت ، فما معنى امتثال كلّ منهم للأمر بدفن الميت؟ وليس المجموع هنا متعلّق الأمر ، ولا واحد بالاجتماع حقيقة ؛ ليكون هو الممتثل للأمر بالدفن ، ولا يقاس ما نحن فيه بصورة الأمر برفع الحجر القائم بالمجموع ؛ ليؤول إلى الأمر بما لكلّ أحد منهم من المدخلية في رفعه ؛ إذ المفروض تعلّق الأمر بالدفن بكل منهم.

وهذا الاشكال لا ينافي سقوط الأمر بحصول الغرض منه. كما لا ينافي استحقاق المدح عقلا لمكان الانقياد للمولى بتحصيل غرضه الوحداني بنحو الاجتماع ، كما لا ينافي استحقاق كلّ

٢٧٩

ولا علّية لوجود الفعل والغرض بالإضافة إلى سقوط الأمر والداعي ؛ حتّى ينتهي الأمر ـ ايضا ـ إلى توارد العلل المتعددة على معلول واحد ، بل بقاء الأمر ببقاء الداعي الباقي ببقاء عدم وجود الغاية الداعية في الخارج على حاله ، فاذا انقلب العدم إلى الوجود سقط الداعي ـ أعني تصوّر الغاية ـ عن الدعوة لتمامية اقتضائه ، لا لعلّية وجودها خارجا لعدم وجودها بصفة الدعوة ؛ بداهة أنّ ما كان علّة لوجود شيء لا يكون ذلك الوجود علّة لعدمه ، وإلاّ كان الشيء علّة لعدم نفسه.

وبتقريب آخر : عدم الأمر ـ ولو كان طاريا لا أزليا ـ لا يحتاج إلى مقتض يترشّح العدم من مقام ذاته ؛ لأنه هو بنفسه محال ، وإذا لم يكن له فاعل ولا قابل ـ لأنّ اللاشيء لا يحتاج إلى مادّة قابلة له ـ فلا يحتاج إلى شرط ؛ لأنه مصحّح الفاعلية ، أو متمّم القابلية ، فوجود الفعل ليس مقتضيا لعدم الأمر ولا شرطا له ، بل الأمر علة بوجوده العلمي لانقداح الداعي إلى إرادة الفعل ، فيسقط عن التأثير بعد تأثيره أثره.

ولا يخفى أنّ الأمر وإن كان شرطا لتحقّق الإطاعة والعصيان بعنوانهما ـ ولا بأس بأن يكون المشروط موجبا لانعدام شرطه ـ إلاّ أنّ الكلام في علّية ذات الفعل لسقوط الأمر الذي هو علّة بوجوده العلمي لذات الفعل بالواسطة ، فتدبّر جيّدا.

١٤٣ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( أن الموسع كلي ... الخ ) (١).

بتقريب : أنّ المأمور به طبيعي الفعل (٢) الواقع في طبيعي الوقت المحدود

__________________

منهم للعقاب لفرض ترك الواجب من كلٍّ منهم. [ منه قدّس سره ].

(١) كفاية الاصول : ١٤٣ / ١٨.

(٢) قولنا : ( بتقريب أن المأمور به طبيعي الفعل ... إلى آخره ).

ولعلّ الغفلة عن إمكان ملاحظة الفعل الموقّت بنحو الكون المتوسّط والحركة التوسّطية

٢٨٠