نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ١

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني

نهاية الدّراية في شرح الكفاية - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الإصفهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-43-4
ISBN الدورة:
964-5503-39-6

الصفحات: ٤٢٦

فلعلّه معنى اختيار الأحبّ إليه تعالى ؛ إذ ليس بعد وجود الغرض القويّ وجود للضعيف ؛ كي ينسب الاختيار إليهما معا ، بل الموجود من الأثر الباقي ـ المحبوب عند الله تعالى الظاهر بصورته المناسبة له في الدار الآخرة المستتبعة للمثوبات ـ هو هذا الوجود القويّ ، وذلك لا ينافي حصول الغرض الملزم بالمأتيّ به أوّلا وسقوط الأمر به. وكذا الأمر في قوله ـ عليه السلام ـ : « يحسب له أفضلهما وأتمّهما » (١) برفعهما ، وأما بناء على نصبهما ـ كما هو الظاهر من سياق الخبر ـ فلا دلالة له على مدّعى الخصم ، فإن الظاهر محسوبية الصلاتين ، غاية الأمر أنه أفضلهما ، وهو مناف لتبديل الامتثال بالامتثال. وقوله ـ عليه السلام ـ : « يجعلها الفريضة » (٢) : إما بمعنى يجعلها ظهرا أو عصرا أو نحوهما مما أدّاها سابقا ، لا نافلة ذاتية ؛ حيث لا جماعة فيها ، وإما بمعنى يجعلها لما فات من فرائضه ، كما في خبر آخر : « تقام الصلاة وقد صليت؟ فقال ـ عليه السلام ـ : صلّ واجعلها لما فات » (٣) ، وليس فيما ورد فيه يجعلها الفريضة عنوان الإعادة كي يأبى عن هذا الاحتمال. فراجع.

مع أن لازم استقرار الامتثال على الثاني ـ أو على أحدهما الأفضل عند الله ـ عدم إمكان التقرّب بالأوّل على الأوّل ، وعدم التقرّب الجزمي بكل منهما على الثاني إذا كان بانيا من أوّل الأمر على إتيانهما.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥١ ، باب : ٥٦ في الجماعة ، حديث : ٤٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٩ ، كتاب الصلاة باب : ٥٥ في الرجل يصلي وحده ثم يعيد في الجماعة ، حديث : ٤٢ ، والفقيه ١ : ٢٥١ باب : ٥٦ في الجماعة وفضلها ، حديث : ٤٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٥ ، باب : ٥٦ في الجماعة وفضلها ، حديث ١٢٣ ، التهذيب ٣ : ٥١ ، باب ٢ في أحكام الجماعة ، حديث ٨٩ ، ٩٠ ، والوسائل ٥ : ٤٥٧ ، كتاب الصلاة ، أبواب الجماعة ، باب : ٥٥ في جواز الاقتداء في القضاء بمن يصلي أداء او بالعكس ، حديث : ١.

٣٨١

[ في إجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري ].

٢٠٢ ـ قوله [ قدس سره ] : ( يمكن أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار ... الخ ) (١).

ولا يلزمه جواز تحصيل الاضطرار اختيارا ـ كما توهم ـ لإمكان ترتّب المصلحة التامّة على فعل البدل ، فيما إذا اضطر إليه بطبعه ، لا بالاختيار.

٢٠٣ ـ قوله [ قدّس سرّه ] : ( بل يبقى (٢) شيء أمكن استيفاؤه ... الخ ).

تحقيق الحال فيه : أنّ بدلية شيء عن شيء وقيامه مقامه ـ ولو بنحو الترتيب ـ لا يعقل ، إلاّ مع جهة جامعة وافية بسنخ غرض واحد ، فإن كان البدل في عرض المبدل لزم مساواته له في تمام المصلحة إمّا ذاتا أو بالعرض ، والوجه واضح ، وإن كان البدل في طول المبدل ـ كما في مفروض البحث ـ فاللازم مجرّد مسانخة الغرضين سواء كان مصلحة المبدل أقوى من مصلحة البدل ، أولا. (٣)

وحديث إمكان استيفاء بقية مصلحة المبدل إنما يصح إذا كان المبدل مشتملا على مصلحتين : إحداهما تقوم بالجامع بين المبدل والبدل ، والاخرى بخصوص المبدل ، بحيث تكون كلتا المصلحتين ملزمة قابلة (٤) لانقداح البعث الملزم في نفس المولى.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٤ / ٩.

(٢) في الكفاية ـ تحقيق مؤسّستنا ـ : ( بل يبقى منه شيء .. ).

(٣) كفاية الاصول : ٨٤ / ١١.

(٤) كذا في الأصل ، والصحيح : .. تكون كلتا المصلحتين ملزمتين قابلتين ..

٣٨٢

وأما إذا كان المصلحة في البدل والمبدل واحدة ، وكان التفاوت بالضعف والشدة ، فلا تكاد تكون بقية المصلحة ملاكا للبعث إلى المبدل بتمامه ؛ إذ المفروض حصول طبيعة المصلحة القائمة بالجامع الموجود بوجود البدل ، فتسقط عن الاقتضاء ، والشدة ـ بما هي ـ لا يعقل أن تكون ملاكا للأمر بالمبدل بكماله ؛ حيث إنّ المفروض أن تمام الملاك للأمر بتمام المبدل هي المصلحة الكاملة القوية ، وطبيعتها وجدت في الخارج ، وسقطت عن الاقتضاء ، فلو كان ـ مع هذا ـ حدّ الطبيعة القوية مقتضيا للأمر بتمام المبدل ، لزم الخلف.

نعم اقتضاؤه لتحصيل الخصوصية القائمة بالمبدل معقول ؛ نظرا إلى أنّ اشتراك المبدل والبدل في جامع الملاك ، يكشف عن جامع بينهما ، لكنه لا يجدي إلاّ مع الالتزام بالأمر بالجامع أيضا ـ في ضمن المبدل ـ تحصيلا للخصوصية التي لها ملاك ملزم ، فيكون الأمر بالمبدل مقدّميا ، وهو مما لا ينبغي الالتزام به.

ومنه تعرف : أن الالتزام بمصلحتين في المبدل ـ أيضا ـ لا يجدي إذا كانت إحداهما قائمة بالجامع ، والاخرى بالخصوصية ، بل لا بدّ من الالتزام بقيام مصلحتين إحداهما بالجامع فقط ، واخرى بالجامع المتخصّص بالخصوصية.

٢٠٤ ـ قوله [ قدس سره ] : ( لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة ... الخ ) (١).

لا يذهب عليك أن المأمور به الاضطراري في أوّل الوقت والمأمور به الاختياري في آخره ـ بناء على هذا الفرض ـ متضادّان في تحصيل تمام الغرض ، وليس بين المتضادّين وجودا إلاّ المعاندة ، ولا مقدّمية لعدم أحدهما بالإضافة إلى وجود الآخر ، فلا وجه لنسبة نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة إلى المأمور به الاضطراري.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٤ / ١٥.

٣٨٣

كما أن تسويغ البدار ليس بنفسه نقضا وتفويتا ؛ حيث إنّ تسويغ البدار لا يلازم البدار. نعم لازم تسويغ البدار هو الإذن في نقض الغرض وتفويت المصلحة لمكان الملازمة ، والإذن فيهما قبيح. وعليه ينبغي حمل العبارة ، ولعله إليه الإشارة بقوله : ( فافهم ).

ثمّ إن الأولى أن يقال : وتفويت المصلحة الخاصة بحدّها ، لا تفويت مقدار منها ؛ لأنّ الباقي ليس دائما واجب التدارك في حدّ ذاته ؛ كي لا يسوغ البدار ، بخلاف ما إذا لوحظت مصلحة المبدل بحدّها ، فإنها بما هي مصلحة واحدة ملزمة ، وهي فاتت بحدّها. فتدبّر جيّدا.

٢٠٥ ـ قوله [ قدّس سرّه ] : ( لو لا المزاحمة بمصلحة الوقت ... الخ ) (١).

مع كونها أهم ، كما هو كذلك جزما ، وإلاّ فمجرّد التقدّم في الوجود لا يقتضي التقدّم في الحكم.

٢٠٦ ـ قوله [ قدّس سرّه ] : ( فيدور مدار كون العمل ... الخ ) (٢).

يمكن أن يقال : إن حكمة إيجاب الانتظار (٣) ـ مثلا ـ يمكن أن تكون

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٥ / ١.

(٢) كفاية الاصول : ٨٥ / ٢.

(٣) قولنا : ( يمكن أن يقال : إن حكمة .. الخ ).

هذا التكليف بملاحظة أن الشرط : إن كان مجرّد العذر ـ ولو في جزء من الوقت ـ جاز المبادرة عقلا ، وإن كان هو العذر المستوعب لتمام الوقت ، فلا يجوز المبادرة قبل إحراز الشرط ، لا أن إيجاب الانتظار أو شرط الانتظار شرعي ، كما هو ظاهر العبارة إلا بالتكلف المذكور في الحاشية.

نعم ، يجوز الترخيص في المبادرة طريقيا بحيث يتبع الواقع ، فيصح الصلاة إذا كان العذر مستوعبا واقعا ، وإلاّ فلا ، ومثل هذا البدار أجنبي عن مسألة الإجزاء ؛ حيث لا مأمور به في الواقع مع عدم استيعاب العذر. ( منه عفي عنه ).

٣٨٤

ملازمة الصلاة (١) في حال الاختيار لمصلحة ملزمة اخرى ، مع تساوي المبدل والبدل في مصلحة الصلاة ، فللمولى إيجاب الانتظار مراعاة لتلك المصلحة ، وإلاّ فدعوى الفرق بين الصلاة الاضطرارية في أوّل الوقت وآخره ـ من حيث القيام بمصلحة الصلاة ـ كأنها تشبه الجزاف. فتأمّل.

٢٠٧ ـ قوله [ قدّس سرّه ] : ( غاية الأمر يتخيّر في الصورة الاولى ... الخ ) (٢).

فيكون من قبيل التخيير بين الأقلّ والأكثر ؛ إذ لو كانت المصلحة الصلاتية قائمة بها في حال الاختيار ـ إذا لم يسبقها ما يستوفي مقدارا منها ـ وبصلاتين في حالتي الاختيار والاضطرار ـ بقيام كل واحدة منهما بمقدار من المصلحة ـ فلا محالة لا يعقل إلاّ الأمر التخييري على هذا النهج.

وعدم تعيّن الأمر التعييني بصلاة المختار ـ بالمنع عن البدار ـ لا لما فيه من الضيق المنافي لمصلحة التسهيل والترفيق فقط ، بل لأنّ وفاء العملين ـ أوّلا وآخرا ـ بالغرض ، يمنع عن الأمر التعييني بخصوص العمل آخرا ، وليس الأمر بالاضطراري في حال الاضطرار والإعادة بعد رفعه تعيينيين ؛ حتى يكون المضطر أسوأ حالا من المختار.

٢٠٨ ـ قوله [ قدّس سرّه ] : ( فظاهر اطلاق دليله مثل ... الخ ) (٣).

بعد ما عرفت من أن الإجزاء وعدمه بحسب مقام الثبوت بمكان من الإمكان ، تعرف أنه لا مناص عن تعيين أحد الأمرين بالإطلاق وعدمه في مقام الإثبات.

__________________

(١) في ( ق ) : ( .. ملازمة للصلاة ... ).

(٢) كفاية الاصول : ٨٥ / ٨.

(٣) كفاية الاصول : ٨٥ / ١٣.

٣٨٥

وتوهّم : أن مجرّد الأمر بالبدل يفيد إسقاط القضاء ، وبضميمة جواز البدار يفيد إسقاط الإعادة أيضا ، كما عن غير واحد ، بملاحظة أن البدل إن لم يكن مشتملا على مصلحة المبدل ، فلا وجه للأمر به ، وإن كان مشتملا عليها ، فلا مجال للتدارك ـ إعادة وقضاء ـ إن كان كذلك في تمام الوقت ، وقضاء فقط إن كان كذلك في آخر الوقت ، أو مع اليأس مثلا.

مدفوع : بما عرفت من إمكان اشتمال البدل على مقدار من المصلحة الملزمة للمبدل ، فيجب عقلا الأمر به ، وإمكان استيفاء البقية ـ إعادة وقضاء ـ فيجب الأمر بهما ، غاية الأمر أن الأمر بالبدل وبالقضاء تعيينيان ، وبه وبالإعادة تخييريان.

ثم إن المطلق : إن كان مثل قوله ـ عليه السلام ـ : « التراب أحد الطهورين » (١) ، فإطلاقه بلحاظ جميع الآثار نافع جدّا ، وإن كان مثل قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً )(٢) إلى آخره ، ففيه تفصيل :

فإن كان له إطلاق من جهتين (٣) : ـ ارتفاع العذر في الوقت ، وعدم تقييد

__________________

(١) مر تخرج الحديث في التعليقة : ١٩٦ ، ولم نعثر عليه بهذا النص بل هكذا : ( التيمم ... ) كما تقدم.

(٢) النساء ٤ : ٤٣.

(٣) قولنا : ( فإن كان له إطلاق من جهتين .. الخ ).

لا يخفى عليك أن المأمور به الواقعي ـ الاختياري والاضطراري ـ إن كان مثل الصلاة عن طهارة مائية وترابية فلا حاجة فيه إلى الاطلاق من وجهين ، بل يكفى الإطلاق من حيث ارتفاع العذر فقط ، وذلك لما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في الهامش من أن التكليف متعلق بالصلاة عن طهارة ، وأوامر الوضوء والغسل والتيمم تتكفل محصلية تلك الأفعال للطهارة المتقيّدة بها الصلاة ، فإذا كان مقتضى الإطلاق كفاية العذر ، وعدم التمكّن في الجملة [ من ] (أ) حصول الطهارة التي هي شرط في الصلاة ، كان مجرّد ظهور الامر بالصلاة عن طهارة في مطلوبية وجود واحد من هذه الطبيعة الخاصّة ، كافيا في سقوط الأمر بالصلاة عن طهارة بمجرّد

__________________

(أ) في الأصل : في.

٣٨٦

الأمر بالتخيير كما هو ظاهر الأمر عند إطلاقه ـ كان لا محالة دليلا على عدم وجوب الإعادة ، واشتمال البدل على ما لا يبقى معه مجال للتدارك ، فيتبعه عدم وجوب القضاء ؛ حيث لا مجال للتدارك ، وفرض إمكان الاستيفاء في خارج الوقت دون الوقت فرض محض لا يعبأ به.

وإن لم يكن له إطلاق ـ ولو من إحدى الجهتين ـ فلا مجال للإجزاء من حيث الإعادة والقضاء ؛ لما عرفت من أن تجويز البدار لا ينافي الأمر بما هو

__________________

إتيان الصلاة عن طهارة ترابية من دون حاجة إلى دعوى الإجماع والضرورة على عدم وجوب صلاتين في وقت واحد ، أو دعوى الإطلاق من حيث التعيين وإن كان غير الصلاة المعلوم حالها وكيفية التكليف ( بها ) (أ) ، كما إذا فرض الأمر بالوضوء مع التمكّن في الجملة نفسيا ، والأمر بالتيمّم مع عدم التمكّن في الجملة نفسيا ، فإنه لا يجدي ظهور كلّ من الأمرين في مطلوبية وضوء واحد أو مطلوبية تيمّم واحد ، كما لا يجدي الإطلاق من حيث ارتفاع العذر فقط ، فإنّ مقتضاه مطلوبية التيمّم في قبال عدمها ، لا في قبال الحاجة إلى ضميمة ، وحينئذ فإن لم يكن لدليل التيمّم إطلاق ينفي التخيير أمكن مطلوبيته بنحو التخيير بين الأقلّ والأكثر ـ كما قدمناه في الحاشية ـ فيجامع عدم الإجزاء ، بخلاف ما إذا انتفى التخيير بالإطلاق الموجب لتعيّن التيمّم ، فإنه لا بدّ من اشتماله على تمام المصلحة ، وإلاّ لم يعقل تعيّنه.

نعم مقتضى تعيينية كلّ من الطهارة الترابية والمائية في الحالتين في وقت واحد لزوم الإتيان بهما معا وعدم كفاية المائية في آخر الوقت ، فلا بدّ من الالتزام بالتخيير ، فلا ظهور في التعيين حتى يكون نافيا للتخيير بين الأقلّ والأكثر ، ولا يجدي إطلاق الأمر بالتيمم من حيث ضميمة الوضوء في آخر الوقت لاستقلال كل منهما بالأمر ، وانبعاث كل أمر عن مقدار من المصلحة الملزمة القائمة بالمأمور به ، فلا يجدي الإطلاق من حيث الهيئة والمادة.

ومن جميع ما ذكرنا تبين : أن الإطلاق من الوجه الثاني غير محتاج إليه بناء على الوجه الأول لكفاية ظهور الأمر بالطبيعة الخاصة في مطلوبية وجود واحد ، وبناء على الوجه الثاني وإن كان الإطلاق الموجب للتعين لازما في إفادة الإجزاء إلاّ أنه لا يمكن الالتزام به للقطع بكفاية إيجاد المبدل عند التمكّن ، والاطلاق من حيث انضمام المبدل غير مجد ؛ لأنّه لا يجدي البدل مطلقا ، إلاّ في عدم مطلوبية المبدل بأمر آخر ، وعليه فمع البناء على الوجه الثاني لا محيص عن الرجوع إلى الأصل العملي الشرعي أو العقلي ( منه عفي عنه ).

__________________

(أ) لم ترد في الأصل ، فأثبتناها من نسخة ( ط ).

٣٨٧

تكليف المختار في الوقت على نحو التخيير ، كما أن ظهور الأمر ـ في التعيين ـ لا ينافي عدم تجويز البدار ، فالإطلاق من جهة لا يقتضيه من جهة اخرى.

ومنه عرفت : أنّ إطلاق الأمر في حدّ ذاته لا مساس له بالإجزاء من حيث القضاء ، فيشكل الأمر فيه بناء على عدم جواز البدار ، ولا يجدي ظهور الأمر بالبدل في التعيين ؛ لأنّ الأمر بالقضاء ـ أيضا ـ تعييني ، فلا يندفع بظهوره في عدم التخيير كما هو واضح.

وارتفاع العذر في خارج الوقت ليس قيدا للوجوب ولا للواجب ؛ حتى يجدي في دفعه إطلاق الهيئة أو المادة لوجوب البدل ، واشتماله على مصلحة المبدل في الجملة ـ سواء ارتفع العذر في خارج الوقت ، أو لا ـ قطعا. فلا تغفل.

٢٠٩ ـ قوله [ قدّس سرّه ] : ( لكونه شكّا في أصل التكليف ... الخ ) (١).

لا يخفى (٢) أنه مع عدم جواز البدار ووجوب الصلاة آخر الوقت ، لا موقع للشك في الإعادة ؛ حيث لا يمكن الإعادة ، بل يتمحّض الشك في وجوب القضاء ، وهو شكّ في أصل التكليف.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٥ / ١٨.

(٢) قولنا : ( لا يخفى أنه مع عدم جواز البدار ... إلخ ).

بيانه : أن المتمكّن من الطهارة المائية في تمام الوقت مكلّف بإتيان الصلاة عن طهارة مائية معينا ، ومن لم يتمكّن منها في تمام الوقت مكلّف بإتيان الصلاة عن طهارة ترابية معينا ، وحيث لا يتمكّن من الطهارة المائية في الوقت أصلا ، فلا يتصور في حقّه الإعادة ، وإنما يتكلّم في إجزاء المأتي به من حيث القضاء. وأما من لم يتمكن من الطهارة المائية في جزء من الوقت ، وتمكّن منها في جزء آخر من الوقت ، فإما نقول بجواز البدار ، وإما لا نقول به ، فإن لم نقل به تعيّن تكليفه بالصلاة عن طهارة مائية في آخر الوقت ، فلا تكليف له بالصلاة عن طهارة ترابية حتى يتصوّر إجزاء المأتي به عن المأمور به ، وإن قلنا بجواز البدار حقيقة ـ لا طريقيا وتوسعة ـ فهو من حيث انطباق عنواني المتمكّن وغير المتمكّن عليه مكلّف بالصلاة عن طهارة ترابية معيّنا ، وبالصلاة عن طهارة مائية معينا ، مع أنه لا ريب في جواز ترك الصلاة عن طهارة ترابية ، واتيان

٣٨٨

.........................................

__________________

الصلاة عن طهارة مائية في آخر الوقت ، ولا شيء من الواجب التعييني (أ) ما يجوز تركه.

ومنه يعلم : أنه لا يجدي التعيينية بلحاظ حال عدم التمكّن بمقتضى تنويع المكلّف إلى المتمكّن وغير المتمكن ؛ اذ في الحالة يجوز له ترك الصلاة عن طهارة ترابية ، وهذا لا يجامع الوجوب التعييني ، وهذا غير دعوى عدم وجوب صلاتين على المكلّف في وقت واحد ، بل المدّعى عدم تعيينية وجوب البدل ، فلا محالة يجب دفع هذه الغائلة بأحد وجهين :

الأول ـ أن متعلّق التكليف هو إيجاد طبيعي الصلاة عن طهارة ، وأن دليل الوضوء والغسل يتكفل محصلية الأمرين للطهارة ، ودليل التيمم كذلك ، فاذا كان متمكنا في تمام الوقت كان أفراد هذا الواجب المعين منحصرة في الصلاة عن طهارة مائية ، وإن لم يكن متمكنا في تمام الوقت كان أفراد الواجب المعين منحصرة في الصلاة عن طهارة ترابية ، وإذا كان متمكّنا في جزء من الوقت وغير متمكن في جزء آخر كان أفراد هذا الواجب الكلي المعيّن الصلاة عن طهارة ترابية في حالة ، والصلاة عن طهارة مائية في حالة اخرى ، فيتخيّر عقلا بين أفراد هذا الواجب المعيّن من دون محذور ؛ حيث إنّ التعيينية بلحاظ نفس الطهارة ، لا بلحاظ المائية والترابية.

الثاني ـ أن متعلق التكليف هي الصلاة عن وضوء (ب) وغسل في حق المتمكّن ، والصلاة عن تيمّم في حقّ غير المتمكن ، وإبقاء التكليفين على التعيينية في المتمكن في تمام الوقت ، وفي غير المتمكن كذلك لا مانع منه ، وأما بالإضافة إلى المتمكن في جزء من الوقت وغير المتمكن في جزء آخر ، فيجب رفع اليد عن ظهور كل منهما في التعيينية والتحفظ على أصل الوجوب فينتج التخيير شرعا بين الصلاة عن تيمّم في حالة عدم التمكن ، والصلاة عن وضوء أو غسل في حالة التمكّن.

وعلى هذا نقول : إن اخترنا الوجه الثاني فالامر دائر بين التخيير بين المتباينين والتخيير بين الأقلّ والأكثر ، فإنّ الصلاة عن طهارة ترابية إن كانت مشتملة على تمام المصلحة كانت بنفسها بدلا وعدلا للصلاة عن طهارة مائية ، وإن كانت مشتملة على مقدار من المصلحة التي يمكن استيفاء الباقي منها بالصلاة عن طهارة مائية في آخر الوقت كانت بضميمة تلك الصلاة بدلا وعدلا للصلاة في آخر الوقت منفردة كما قدمناه ، ومن الواضح أن وجوب الصلاة عن طهارة ترابية تخييرا معلوم ، ووجوب الصلاة عن طهارة مائية غير مسبوقة بصلاة اخرى تخييرا أيضا

__________________

(أ) في الأصل : الواجب التعيّني

(ب) كذا في الأصل ، والصحيح : أو غسل ..

٣٨٩

وأما بناء على جواز البدار فالصلاة عن طهارة ترابية مأمور بها ، لكن يشكّ في أنّ وجوبها بنحو التخيير بين المتباينين ، أو بنحو التخيير بين الأقلّ والأكثر ، وهو أن البدل المنضمّ إلى المبدل فرد ، والمبدل فقط فرد آخر ، فوجوب البدل على أيّ حال معلوم ، كوجوب المبدل منفردا ، ووجوب المبدل منضمّا إليه غير معلوم.

وحيث أن وجوب المبدل ـ منضمّا أو منفردا ـ بأمر آخر من دون ارتباط من

__________________

معلوم ، ووجوب الضميمة ـ بعد سبق الصلاة عن طهارة ترابية ـ غير معلوم ، وحكمه البراءة عقلا وشرعا.

لا يقال : تجب الصلاة عن طهارة مائية في آخر الوقت على أيّ تقدير لأنها إمّا تجب منفردة ، وإما منضمة ، فيكون المبدل محتمل التعيين والتخيير ، فيجب المبدل بالخصوص تحصيلا للقطع بالفراغ.

لأنا نقول : لا يحتمل وجوب المبدل تعيينا ، بل هو إما أحد فردي التخيير إذا لم يسبقه البدل ، أو مقوّم الفرد الآخر إذا سبقه البدل ، وحيث إن وجوبه التخييري عند الانفراد معلوم ، فلا يبقى إلا احتمال وجوبه بنحو الانضمام فتجري البراءة عنه.

وأمّا إن اخترنا الوجه الأوّل ، فمرجع الشك هنا إلى أن الصلاة عن طهارة هي المأمور بها حتى يتحقّق الجامع بالصلاة عن طهارة ترابية فقط أو الصلاة عن طهارة بمرتبة خاصة بحيث لا يتحقّق إلا بالصلاة عن طهارة مائية فقط فيما لم يسبقها صلاة أو بالصلاة عن طهارة مائية منضمّة إلى الصلاة عن طهارة ترابية لاستيفاء أصل الطهارة بالتيمّم واستيفاء تماميتها وبلوغها إلى المرتبة المرغوبة بالوضوء مثلا ، فحيث إن وجوب الصلاة عن طهارة ترابية معلوم ، فينطبق عليها الجامع بالمقدار المعلوم من قوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » (أ) والتكليف بالجامع بمرتبة خاصّة غير معلوم ، فتجري فيه البراءة ، ولا مجال لتوهّم الشكّ في المحصّل ؛ إذ هو فرع العلم بالجامع بمرتبة خاصة كما هو واضح ، ولا يخفى أن ما أوردناه في الحاشية أولا ينطبق على المسلك الثاني ، وما أوردناه ثانيا ينطبق على المسلك الأول. فافهم ولا تغفل. [ منه قدّس سرّه ].

__________________

(أ) الفقيه ١ : ٣٥ باب ١٤ / حديث : ١ ، دعائم الاسلام ١ : ١٠٠ / أول كتاب الطهارة

٣٩٠

حيث اشتمال كلّ من البدل والمبدل على مقدار من المصلحة ، وعدم إناطة صحة أحدهما وفساده بصحة الآخر وفساده ، فلذا ليس حال ما نحن فيه حال الأقلّ والأكثر من حيث استحالة الانحلال هناك على القول باستحالته.

وأمّا إرجاع التخيير الشرعي إلى التخيير العقلي : فالتكليف إما بجامع ينطبق على كلّ من البدل والمبدل ، أو بجامع لا ينطبق إلاّ على البدل المنضمّ إلى المبدل ، وعلى المبدل منفردا ، ولا معلوم بالتفصيل.

فمدفوع : بأنّ تعلّق التكليف بكلّ من البدل والمبدل معلوم ، فمثل هذا الجامع معلوم ، والتكليف بجامع لا ينطبق إلا على البدل المنضمّ إلى المبدل غير معلوم.

٢١٠ ـ قوله [ قدّس سرّه ] : ( بطريق أولى ... الخ ) (١).

وجه الأولوية إمكان تقيد (٢) تمام المصلحة بالوقت ، دون خارجه ، فلو لم يجب الاستيفاء في الوقت لم يجب في خارجه بالأولوية ، وإلاّ فبالنظر إلى الشكّ في التكليف كلاهما على حد سواء ؛ إذ الإعادة هنا ـ أيضا ـ بأمر آخر كما في القضاء.

نعم ، يمكن تقريب الأولوية من هذه الحيثية ـ أيضا ـ ، لكنه بعيد عن مساق العبارة ، وهو أن الأمر بالإعادة ناش واقعا من الأمر بالجامع ، لا أنه أمر آخر كما في القضاء.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٦ / ١.

(٢) قولنا : ( إمكان تقيّد .. الخ ).

أي بالإمكان القياسي فإنه بالنظر إلى ما ثبت في الشرع كذلك ، وإلاّ كلّما لا يمكن استيفاء تمام المصلحة في الوقت كذلك يمكن عدم استيفاء البقية من المصلحة في الوقت ، واستيفاؤها في خارجه. فتدبّره ( منه عفي عنه ).

٣٩١

وقوله (قدس سره) في الإعادة : ( لكونه شكا في أصل التكليف ) (١) يحمل على الشكّ في تعلّق أصل التكليف بالجامع ، حيث لا يقطع به إلا بالإعادة ، لا أنه شكّ في التكليف الزائد كما هو ظاهر العبارة. والله أعلم.

٢١١ ـ قوله [ قدس سره ] : ( لكنه مجرّد الفرض ... الخ ) (٢).

إذ فوت الواقع بما هو لو كان موجبا للقضاء. لوجب حتى مع القطع باستيفاء تمام المصلحة.

[ في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمرين ]

٢١٢ ـ قوله [ قدّس سرّه ] : ( والتحقيق : أن ما كان منه يجري ... الخ ) (٣).

توضيحه : أنّ مفاد القواعد وأدلّة الأمارات ـ على المشهور ـ بحسب اللب والواقع وإن كان إنشاء أحكام مماثلة للواقع ، ومقتضاه عدم الفرق لبّا بين الحكم بالطهارة بالقاعدة أو بدليل الأمارة ؛ حيث إنّ من أحكامها الشرطية ، فان كانت منشأة حينئذ وكانت الصلاة مع الشرط ، كان الأمر كذلك على أيّ تقدير ، وإلا فلا ، إلا أنّ لسان الدليل حيث إنه مختلف ، فلا محالة يختلف مقدار استكشاف الحكم المماثل المنشأ بقاعدة الطهارة أو بدليل الأمارة.

ومن الواضح أن مفاد قوله ـ عليه السلام ـ : « كلّ شيء طاهر أو

__________________

(١) الكفاية : ٨٥ السطر الأخير.

(٢) كفاية الاصول : ٨٦ / ٢.

(٣) كفاية الاصول : ٨٦ / ٥.

٣٩٢

حلال » (١) هو الحكم بالطهارة أو الحلية ابتداء من غير نظر إلى واقع يحكي عنه ، والحكم بالطهارة حكم بترتيب آثارها ، وإنشاء لأحكامها التكليفية والوضعية ـ ومنها الشرطية ـ فلا محالة يوجب ضمّه إلى الأدلّة الواقعية (٢) التوسعة في الشرطية ، ومثله ليس له كشف الخلاف ؛ لأنّ ضمّ غير الواقع إلى الواقع لم ينكشف خلافه ، بخلاف دليل الأمارة إذا قامت على الطهارة ، فإنّ معنى تصديقها وسماعها البناء على وجود ما هو شرط واقعا ، فيناسبه إنشاء أحكام

__________________

(١) هذا مضمون حديثين : الأول : « كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر ». التهذيب ١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ باب : ١٢ / الحديث : ١١٩ ، والمقنع : ٥.

والحديث الثاني : « كل شيء هو لك حلال حتى تعرف أنه حرام ... ». الكافي ٥ : ٣١٣ الحديث : ٤٠ من باب النوادر / كتاب المعيشة. وفي هذا المضمون عدة روايات في الوسائل ١٢ : ٥٩ / باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به / الحديثان : ١ و ٤. والوسائل ١٧ : ٩٠ باب : ٦١ من الأطعمة المباحة / الحديث : ١ و ٢ و ٧.

(٢) قولنا : ( فيوجب ضمّه إلى الأدلة الواقعية ... الى آخره ).

ربما يورد على الحكومة التي ادّعاها شيخنا العلامة (أ) (قدس سره) في المتن بوجوه :

أحدها ـ أن الحكومة عنده (قدس سره) ما يكون بمثل ( أعني ) وأشباهه ؛ ليكون للحاكم نظر ـ إثباتا ـ إلى المحكوم ، ومن الواضح أن الحكومة بهذا المعنى غير متحقّقة هنا.

والجواب : أنّ الحكومة ليست عنده (قدس سره) بهذا المعنى ، وإنما أورد على الشيخ الأعظم (قدس سره) الملتزم بنظر أحد الدليلين إلى الآخر (ب) : أن النظر ـ في مقام الإثبات ـ لا يكون إلا بمثل ( أعني ) وأشباهه ، بل يكفي في حكومة أحد الدليلين على الآخر ـ عنده ـ مجرّد إثبات الموضوع أو نفيه تنزيلا ، كما هو ظاهر كلامه هنا.

ثانيها ـ أنّ الحكومة ـ هنا ـ ليست إلا بلحاظ جعل الحكم الظاهري ، وهو مشترك بين الأصل والأمارة.

__________________

(أ) الكفاية : ٨٦ ، وذلك في ( المقام الثاني )

(ب) فرائد الاصول ـ الحجري ـ مكتبة مصطفوي ـ ص ٤٣٢ ، في بيان الورود والحكومة والضابط لهما.

٣٩٣

الشرط الموجود كجواز الدخول في الصلاة ، لا إنشاء الشرطية ؛ إذ المفروض دلالة العبارة على البناء على وجود الطهارة الثابتة شرطيتها واقعا بدليلها

__________________

والجواب : ما ذكرناه في الحاشية من أنّ الحكومة بلحاظ لسان القاعدة ، فإنّ مفادها جعل الطهارة ابتداء من دون نظر إلى الواقع ، وفي الأمارة بالنظر إلى الواقع والبناء على وجودها في الواقع.

ثالثها ـ أنّ شرطية الطهارة الظاهرية بالقاعدة تقتضي كون الطهارة الظاهرية مفروغا عنها ، مع أنه لا طهارة ظاهرية إلاّ بالقاعدة ، فكيف تكون القاعدة معمّمة؟!

والجواب : أنا قد ذكرنا هذا الإشكال في باب الاستصحاب ، وبينا هناك : أن تعبّدية الطهارة وكونها طهارة ظاهرية بنفس جعل الحكم للطهارة المشكوكة ، فاذا اعطي حكم الطهارة الواقعية للطهارة المشكوكة ـ كأن أعطاها الشرطية مثلا ـ كانت الطهارة المشكوكة شرطا فعليا كالطهارة الواقعية ، لا أن الطهارة التعبّدية شرط ؛ ليجب كونها مع قطع النظر عن الشرطية الثابتة بالقاعدة مفروغا عنها.

رابعها ـ أن الحكومة لو كانت واقعية ، لوجب ترتيب جميع آثار الطاهر الواقعي ، فلا بد أن لا يحكم على الملاقي للنجس الواقعي بالنجاسة بعد الانكشاف.

والجواب : ما ذكرناه في الحاشية ، وملخّصه : أنه بعد البناء على أنّ الطهارة والنجاسة من الموضوعات الواقعية التي كشف عنها الشارع ، لا تصرّف من الشارع جعلا إلا التكليف والوضع بجواز الارتكاب ، وبجعل الشرطية ، وبحرمة الارتكاب ، وجعل المانعية ، وإلاّ فلا يعقل أن يتأثر المغسول بالنجس الواقعي بأثر الطهارة اقتضاء أو إعدادا.

خامسها : أن الحكومة التي توسّع دائرة المحكوم ، وتضيّقها إنما تصحّ إذا كانت واقعية ؛ بأن يكون الحاكم في مرتبة المحكوم ، كقوله ـ عليه السلام ـ : « لا شك لكثير الشك » (أ) بالاضافة إلى أدلّة الشكوك.

وأمّا إذا كانت الحكومة ظاهرية ، وكان الحاكم متأخّرا رتبة عن المحكوم ، لتقوّم موضوعه

__________________

(أ) هذه قاعدة فقيهة ـ وليست حديثا شريفا ـ وهي متصيّدة من احاديث عدة بهذا المعنى تجد عمدتها في الوسائل ٥ : ٣٢٩ / باب عدم وجوب الاحتياط على من كثر سهوه ، وهو الباب : ١٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٣٩٤

[ الحاكي ](١) عنها ، لا الحكم بالطهارة ابتداء ، فإذا انكشف عدم الطهارة واقعا فقد انكشف وقوع الصلاة بلا شرط.

فإن قلت : بناء على ذلك يكون حال الاستصحاب حال الأمارة ، فإنّ مفاد دليله البناء على بقاء الطهارة الواقعية المتيقّنة سابقا ، مع أنه حكم الإمام ـ عليه

__________________

بالشك في المحكوم ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا يعقل أن يكون الحاكم موسّعا ومضيّقا ؛ إذ يستحيل أن يكون موضوعه في عرض أفراد موضوع المحكوم ؛ حتى يوسّعه أو يضيّقه ، وهذا أقوى إشكال يورد هنا.

والجواب : أن التعميم والتخصيص الحقيقي ـ وإن كان مستحيلا ـ إلاّ أنه لا يجب أن تكون الحكومة المؤثرة في الإجزاء متكفّلة للتعميم والتخصيص الحقيقيين ؛ إذ ليست الحكومة بمعنى الشرح والتفسير ، بل بمعنى إثبات الموضوع ونفيه تنزيلا ، والشرطية الواقعية وإن كانت للطهارة الواقعية ، إلا أنّ الشرطية الفعلية للطهارة العنوانية ، فهو تعميم عنواني ؛ حيث إنه الحق بالطاهر الواقعي في حكمه ما هو طاهر عنوانا ، كما أنه اخرج عن النجس الواقعي في حكمه ما هو غير نجس عنوانا ، ولا محذور في إعطاء حكم الطاهر الواقعي للطاهر عنوانا ، إلاّ توهّم التصويب ، وسيجيء (أ) ـ إن شاء الله تعالى ـ أنا لا نقول بسقوط الطهارة الواقعية عن الشرطية حتى في حال الشكّ فيها ، وإنّما نقول : بأن الطهارة العنوانية جعلت شرطا بدلا عن الطهارة الواقعية ؛ لكونها ذات مصلحة بدلية ، فيسقط الأمر بالصلاة عن طهارة واقعية باتيان الصلاة عن طهارة عنوانية لحصول ملاكه ، لا للكسر والانكسار بين مقتضى الحكمين الواقعي والظاهري ليلزم التصويب ، وسيجيء (ب) ـ إن شاء الله تعالى ـ تفصيل القول فيه. [ منه قدس سره ][ خ ].

(١) في الأصل : المحكي عنها.

__________________

(أ) وذلك في التعليقة : ٢٩ من الجزء الخامس ، كما توجد إشارات إلى المطلب في التعليقتين : ٢٦ و ٢٧ من نفس الجزء أيضا.

(ب) آخر التعليقة : ٢٢٢ عند قوله : ( ومنه ظهر : ان مصلحة الحكم الواقعي ... ) ، وفي أوّل هامشه على قوله من هذه التعليقة : قلت : الحكم الذي امره بيد المولى .. )

٣٩٥

السلام ـ بعدم الإعادة في صحيحة (١) زرارة (٢) تعليلا بحرمة نقض اليقين بالطهارة بالشكّ فيها ، فيعلم منه أنّ التعبّد ببقاء الطهارة تعبّد بشرطيتها.

قلت : الغرض قصور التعبّد بوجود ما هو شرط واقعا عن الدلالة على التعبّد بالشرطية ، لا منافاته له. مضافا إلى أنّ مجرّد التعبّد بالوجود والبقاء لا قصور له عن إفادة الإجزاء ، بل التعبّد في الأمارة ـ حيث كان ـ على طبق لسان الأمارة الحاكية عن وجود الشرط ، وكان عنوانه التصديق بوجود ما هو الشرط ، فلذا كان قاصرا عن إفادة أزيد من التعبّد بآثار الشرط الموجود واقعا ، كجواز الدخول معه في الصلاة ، المتفرع على وجوده خارجا ، لا الشرطية الغير المتفرّعة على وجوده خارجا ؛ لمكان وجوب الصلاة عن طهارة وجدت أم لا ، كما لا يخفى.

ومن الواضح أنه ليس في مورد الاستصحاب ـ حسبما هو المفروض ـ شيء حتى يتبعه لسان دليله. وإنما الموجود في ثاني الحال (٣) مجرّد الشكّ في

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٠٥٣ كتاب الطهارة / في ابواب النجاسات باب : ٣٧ في أن كل شيء طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه / الحديث : ١.

(٢) وهو كما قال النجاشي : ( زرارة بن أعين بن سنسن ـ مولى لبني عبد الله بن عمرو ( السمين ) الشيباني ـ يكنى أبا الحسن شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم ، وكان قارئا فقيها متكلّما شاعرا أديبا قد اجتمعت فيه خصال الفضل والدين ، صادقا فيما يرويه. مات (رحمه الله) سنة خمسين ومائة ).

( معجم رجال الحديث ٧ : ٢١٨ رقم : ٤٦٦٢ ).

(٣) قولنا : ( وإنّما الموجود في ثاني الحال ... إلخ ).

وحيث إنّ التعبّد بلحاظ ظرف الشكّ ، فلذا يوهم أنّ مفاد الدليل التعبّد بالطهارة المشكوكة.

إلاّ إنه مدفوع : بأنّ كون التعبّد بلحاظ ظرف الشك فقط غير مجد ، بل اللازم ملاحظة لسان الدليل المتكفل للتعبد بالطهارة ، ففي قاعدة الطهارة ليس إلا التعبّد بالطهارة بعنوانها ابتداء ، وفي الاستصحاب التعبّد إمّا ببقاء اليقين ، أو ببقاء المتيقن

٣٩٦

الطهارة ، كما في مورد قاعدة الطهارة.

نعم لو كان التعبّد بالطهارة بعنوان الظن ببقائها في ثاني الحال ، كان الأمر فيه كما في الأمارات بلا إشكال.

فإن قلت : مقتضى هذا اللسان عدم الإجزاء وإن قلنا بالسببية والموضوعية في الأمارات ، فإن مقتضاه لا يتغيّر عمّا هو عليه بجعله من باب الطريقية أو الموضوعية.

قلت : ليس الإجزاء بناء على الموضوعية بلحاظ جعل الشرطية للطهارة مثلا ، بل بلحاظ أن الفاقد كالواجد في تمام المصلحة في هذه الحال ، فالدليل لو كان مطلقا ـ من حيث موافقة الأمارة للواقع ومخالفتها له مثلا ـ يدلّ على وجود المصلحة الباعثة على الجعل مطلقا.

فإن قلت : مقتضى عموم الآثار في قاعدة الطهارة عدم تنجّس ملاقيه به ،

__________________

ومقتضى التعبّد ببقاء اليقين جعل أثر اليقين بقاء وهي المنجزية ، فإنّها عقلية حدوثا وشرعية بقاء ، ومقتضى التعبّد ببقاء المتيقّن ـ التعبّد بوجود الطهارة الواقعية في ثاني الحال ، وهذا عين النظر إلى الواقع والحكم بوجود الشرط الواقعي ، لا الحكم بشرطية الموجود.

ولذا ذكرنا في محلّه : أن استفادة شرطية الطهارة ـ المتيقّنة سابقا المشكوكة لا حقا ـ ليست بالنظر إلى نفس دليل الاستصحاب ، بل بالنظر إلى حكم الامام ـ عليه السلام ـ بعدم الإعادة لكونها نقضا لليقين بالشكّ ، فإنه غير متصور إلا بناء على جعل الشرطية للطهارة المذكورة حتى تكون الصلاة مقترنة بشرطها في تلك الحال. ويترتب عليه حينئذ ان إعادة الصلاة اعتناء بالشك ، فيكون نقضا لليقين بالشك ، فقوله ـ عليه السلام ـ : « لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت » إثبات لذات الشرط عنوانا ، وقوله ـ عليه السلام ـ : « وليس ينبغي لك أن تنقض » (أ) إلى آخره ، جعل للشرطية بلسان جعل لازمها ، وهو عدم الإعادة ، وبقيّة الكلام في باب الاستصحاب (ب). [ منه قدس سره ].

__________________

(أ) الوسائل ٢ : ١٠٥٣ / كتاب الطهارة / أبواب النجاسات / باب : ٣٧ في أنّ كلّ شيء طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه .. / الحديث : ١

(ب) التعليقة : ٢٦ من الجزء الخامس.

٣٩٧

وطهارة المتنجّس المغسول به ، كما تنفذ معه الصلاة واقعا.

قلت : فرق بين نفوذ الصلاة معه لكونه شرطا في هذه الحال ، فإنه لا ينافي النجاسة الواقعية ، وبين طهارة المغسول به مثلا ، فإنّ النجس الواقعي لا يعقل أن يطهر واقعا ، فإنّ فاقد الشيء لا يعقل أن يكون معطيا له. مضافا إلى أنّ عدم تنجيس الملاقي ليس من آثار الطاهر الواقعي ، بل هو بالإضافة إليه لا اقتضاء ، لا أنّ له اقتضاء العدم وإن كان له اقتضاء ضدّه.

فإن قلت : ما ذكرت في قاعدتي الحلّ والطهارة ، يوجب تعارض المغيّى والغاية ؛ فإنّ مفاد الغاية ترتيب أثر النجس الواقعي بعد العلم بالقذارة من أول الأمر ، فينافي ترتيب أثر الطاهر الواقعي بعد العلم بالقذارة مما يتعلق بحال الجهل من الاعادة والقضاء.

قلت : نعم ، إذا كان مفاد الغاية حكما تعبّديا (١) ـ لا عقليا اتي به تحديدا

__________________

(١) قولنا : ( نعم إذا كان مفاد الغاية ... إلخ ).

توضيحه : أن المركّب من المغيّى والغاية : تارة يكون متكفّلا لحكمين من الشارع : أحدهما مفاد المغيّى ، وهو الأمر بترتيب أثر الطاهر الواقعي ، وثانيهما هو مفاد (أ) الغاية ، وهو الأمر بترتيب أثر النجس الواقعي ، فمقتضى الأول كون الصلاة مع الشرط أو بلا مانع ، فلا إعادة ولا قضاء ، ومقتضي الثاني كون الصلاة بلا شرط ، ومع المانع فيأتي الإعادة والقضاء ، فيقع بينهما التعارض ، واخرى يكون متكفّلا لحكم شرعي واحد وهو الأمر بترتيب أثر الطاهر غاية الأمر أنه في موضوع خاصّ محدود إلى أنّ يتحقّق العلم ، فيبقى العلم حينئذ وما يقتضيه عقلا ، وحيث إن الصلاة بمقتضى الحكم المجعول في المغيّى مع الشرط وبلا مانع ، فلا أثر من حيث الإعادة والقضاء حتى يكون العلم بوقوعها في النجس الواقعي موجبا لترتّبه ، بل يتنجز بالعلم ما له من الاثر الباقي على حاله ، كالاجتناب عن ملاقيه ونحوه ، وقد حقّق في محله أن الصحيح هو الوجه حيث إن العلم لا ينقح هنا موضوعا له حكم مجعول ، بل لا أثر له إلاّ الأثر الفعلي ، وهو تنجيز آثار النجس الواقعي الباقية على حالها فتدبّر. [ منه قدّس سره ]. ( ن ، ق ، ط ).

__________________

(أ) في ( ن ) و ( ق ) : ( وهو مفاد .... ) ، والصحيح ما أثبتناه من ( ط )

٣٩٨

للموضوع ـ فليس شخص هذا الأثر للمغيّا بإطلاقه ؛ حتى يترتّب عليه بعد حصول الغاية.

فإن قلت : لا نقول باقتضاء الغاية فساد الصلاة حال الجهل واقعا كي يعارض المغيّى ، بل بصحتها حاله وانقلابها حال العلم ، نظير القواعد الجارية بعد العمل كقاعدتي الفراغ والتجاوز ، فإنه لا مصحّح للعمل في الأثناء ، بل هو على ما هو عليه من الخلل ، وينقلب صحيحا بعد جريان القاعدة.

قلت : بعد تحكيم المغيّى لا ينقلب لسقوط الأمر بملاكه ، فلا موجب للإعادة والقضاء ، والفرق أنّ الجزء والشرط فعلي (١) إذا لم يحكم بوجودهما أو بصحتهما بعد العمل بالقاعدة ، فلا انقلاب حقيقة ، ويعلم صحة المأتي به (٢) بالقاعدة ، لا أنه يصحّح بالقاعدة.

وبالجملة : الغرض مرتّب على المحرز باليقين ، أو بالأصل ـ في الأثناء أو بعد العمل أو قبله ـ بخلاف ما نحن فيه ، إذ لا يعقل أن يقال : صحيح واقعا ، إذا

__________________

(١) الصحيح : الجزء والشرط فعليان ...

(٢) قولنا : ( ويعلم صحّة المأتيّ به .. إلخ ).

فهو فاسد واقعا أولا وآخرا ؛ بمعنى عدم مطابقة المأتيّ به للمأمور به الواقعي ، لكنه صحيح تعبدا أوّلا وآخرا لكشف القاعدة الجارية بعد العلم عن كون المأتيّ به موافقا للمأمور به الفعلي المنبعث أمره عن المصلحة الواقعية في هذه الحالة ، فلا انقلاب لا بحسب الواقع ، ولا بحسب الظاهر ، مع أنا قد ذكرنا في محلّه من أنه لا تعبّد بالوجود أو بالصحة حقيقة حتى يتوهّم الانقلاب بلحاظ تأخّر التعبد ، بل حقيقة الحكم [ كذا في الأصل ، والصحيح : بل حقيقته الحكم ] بعدم وجوب الإعادة ، ومعه لا موهم للانقلاب. [ منه قدس سره ] ( ن ، ق ، ط ).

٣٩٩

لم يحكم بفساده بعد العمل ، مع حفظ عدم المعارضة بين الغاية والمغيى ، فلا مجال إلا للانقلاب ، وهو محال ، فتدبّر جيّدا.

٢١٣ ـ قوله [ قدس سره ] : ( من أن حجيتها ليست بنحو السببية ... الخ ) (١).

بل بنحو الطريقية (٢) بملاك غلبة الإصابة المصحّحة ، لجعل أحكام مماثلة للواقع كما هو المشهور.

وأما على الطريقية بمعنى آخر ، وهو عدم إنشاء الحكم المماثل حقيقة ، بل

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٦ / ١٥.

(٢) قولنا : ( بل بنحو الطريقية بملاك .. إلخ ).

بيانه : أن دليل الحجية اما لا يتكفل إنشاء طلبيا أصلا ، بل يكون مفاده اعتبار الحجية والمنجزية كقوله (أ) ـ عليه السلام ـ : « لا عذر لأحد من موالينا ( في ) (ب) التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا » ، فإنّ ظاهره نفي المعذّرية بالمطابقة وإثبات المنجّزية بالالتزام ، ولا يتكفل انشاء طلبيا ، وهو على قسمين ـ بناء على الطريقية ـ : ( أحدهما ) الإنشاء بداعي تنجيز الواقع ، ( وثانيهما ) الانشاء بداعي جعل الداعي ، لكنه بعنوان إيصال الواقع بعنوان واصل ؛ حيث إنّ الإنشاء الواقعي بداعي جعل الداعي بعنوان ذات العمل لم يصل ، وكما أن تنجيز الواقع لا يكون إلاّ عند مصادفة الواقع كذلك الإنشاء بداعي تنجيز الواقع ، أو بداعي إيصال الواقع ، فإن الكلّ مقصور على صورة مصادفة الواقع ، وحيث إنه ليس جعل الداعي إلا عند إيصال الواقع بعنوان آخر ، فلا محالة يكون منبعثا عن نفس مصلحة الواقع ، لا عن مصلحة اخرى ، وإلاّ لكان جعلا للداعي على أيّ تقدير ، لا بعنوان إيصال الواقع. نعم ، جعل المنجّزية أو الإنشاء به بداعي تنجيز الواقع بخصوص الخبر أو الإنشاء بداعي إيصال الواقع بعنوان تصديق العادل ـ مثلا ـ لا بد من أن يكون ذا مصلحة في نفسه : لا أن يكون المؤدّى ذا مصلحة. [ منه عفي عنه ].

__________________

(أ) الوسائل ١٨ : ١٠٨ كتاب القضاء / باب ١١ في وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة / حديث : ٤٠ ، ورجال الكشي ٢ : ٨١٦ / ١٠٢٠

(ب) أثبتناها من المصدر ، ولم ترد في الأصل

٤٠٠