شرح الحلقة الثّالثة - ج ٣

الشيخ حسن محمّد فيّاض حسين العاملي

شرح الحلقة الثّالثة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ حسن محمّد فيّاض حسين العاملي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٩

الدليل المطابقي هو الحكم ، فيثبت بإطلاق الدليل إطلاق الحكم لا أكثر دون إطلاق الملاك.

وأمّا الطريق الثاني وهو التمسّك بإطلاق الحكم لإثبات الملاك فهو إنّما ينفع في حالة دون أخرى.

وتوضيحه : أنّ إطلاق الحكم تارة يكون مرادا جدّيّا للمولى بأن يكون الإطلاق هو المراد الواقعي للمولى في عالم الثبوت ، بحيث كان المولى يتمكّن من التقييد ولكنّه لم يفعل ؛ لأنّ مراده هو الإطلاق ، وأخرى لا يكون الإطلاق دخيلا في المراد الجدّي للمولى ، بمعنى أنّ المولى ليس مراده الجدّي والواقعي في عالم الثبوت هو الإطلاق ، وإنّما أطلق الحكم من أجل استحالة التقييد فقط ، ولذلك قد يكون مراده الواقعي هو التقييد ولكنّه لم يقيّد ؛ لعدم تمكّنه من ذلك بسبب وجود المحذور العقلي.

فعلى الأوّل يمكن أن يستكشف عن طريق إطلاق الحكم ؛ لأنّ الملاك مطلق أيضا فتثبت التوصّليّة ؛ لأنّ المولى لو كان يريد التقيّد ومع ذلك لم يذكر ما يدلّ عليه لكان مخلا في مقام البيان والتفهيم لمراده.

بينما على الثاني لا يمكن أن يستكشف من إطلاق الحكم إطلاق الملاك ؛ لأنّ المولى قد يكون مراده التقييد ، ومجرّد عدم ذكره للقيد لا يكشف عن عدم إرادته ؛ لأنّه لم يذكر القيد بسبب المحذور العقلي أي الاستحالة.

ومقامنا من النحو الثاني أي أنّ المولى لم يقيّد الحكم بقصد امتثال الأمر بسبب ما ذكر من البراهين على الاستحالة ، ولكنّه واقعا وثبوتا قد يكون مراده التقييد ، فلا يمكننا على أساس مقدّمات الحكمة وإطلاق الحكم في عالم الإثبات والدلالة أن نستكشف الإطلاق في الملاك ؛ لأنّ إطلاقه للحكم كان ضروريّا ومفروضا عليه بسبب استحالة التقييد.

نعم ، يحتاج إثبات أحد الأمرين من التعبّديّة والتوصّليّة إلى دليل خاصّ غير الإطلاق ومقدّمات الحكمة.

وقد تذكر ثمرة أخرى في مجال الأصل العملي عند الشكّ في التعبّديّة وعدم قيام الدليل ، وهي أنّ هذا الشكّ مجرى للبراءة إذا كان قصد الامتثال ممّا

٢٢١

يؤخذ في الواجب على تقدير اعتباره ؛ إذ يدخل في كبرى دوران الواجب بين الأقلّ والأكثر ، ومجرى لأصالة الاشتغال إذا كان قصد الامتثال ممّا لا يؤخذ كذلك ، إذ لا شكّ في وجوب شيء شرعا وإنّما الشكّ في سقوط الواجب المفروغ عن ثبوته.

المورد الثاني : عند الشكّ في التوصّليّة والتعبّديّة بلحاظ الأصل العملي :

فإنّنا إذا قلنا بإمكان أخذ قصد امتثال الأمر في متعلّق الأمر ، فهذا يعني أنّ الاختلاف في التعبّديّة والتوصّليّة مرجعه إلى تقييد الحكم أو إطلاقه ، فإذا شككنا في واجب أنّه تعبّدي أو توصّلي وفرض عدم قيام الدليل لا العامّ ـ أي الإطلاق ومقدّمات الحكمة ـ ولا الخاصّ ، فهنا سوف يدور الأمر بين الأقلّ والأكثر ، ويكون المورد من مصاديق كبرى الدوران بين الأقلّ والأكثر والتي يتعيّن فيها الأقلّ ، فتثبت التوصّليّة.

وتوضيح ذلك : أنّ التعبّديّة تعني وجود قيد زائد في الحكم المجعول وهو لزوم قصد امتثال الأمر ، فيكون الشكّ في التعبّديّة شكّا في وجوب شيء زائد عمّا أفاده ، بينما التوصّليّة ليس فيها أي قيد زائد عمّا أفاده ، فيدور الأمر بين تقييد زائد وعدم ذلك ، وهذا مرجعه إلى الدوران بين وجوب زائد وعدمه فهو شكّ في الوجوب الزائد ، وهو مجرى لأصالة البراءة.

وأمّا إذا قلنا باستحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلّق الأمر ، وبنينا على أنّه دخيل في الملاك فقط ، فهنا سوف تختلف النتيجة ، ويكون المورد من موارد الشكّ في المحصّل وهو مجرى لأصالة الاشتغال فتثبت التعبّديّة.

وتوضيحه : أنّه لا إشكال في ثبوت الوجوب على المكلّف فهو يعلم يقينا باشتغال ذمّته بالتكليف ، فحينما يشكّ في التعبّديّة والتوصّليّة فشكّه هذا يرجع في الحقيقة إلى أنّ الواجب الذي علم باشتغال ذمّته به يقينا ، هل يحصل من دون قصد الامتثال أو لا يحصل إلا معه ، فتجري أصالة الاشتغال لإثبات التعبّديّة.

وبتعبير آخر : إنّ الملاك من هذا الحكم هل يمكنه تحصيله من دون هذا القيد أو لا يكون تحصيله إلا مع القيد؟ فيكون من الشكّ في المحصّل للملاك والغرض فتجري فيه أصالة الاشتغال ؛ لأنّ الملاك معلوم ثبوته ودخوله في عهدة المكلّف.

٢٢٢

والشكّ هنا ليس في إطلاق الوجوب وتقييده لينفى القيد بالبراءة ؛ لأنّ الوجوب يجعله الشارع مطلقا بناء على عدم دخالة قصد الامتثال في الوجوب (١).

__________________

(١) إلا أنّ السيّد الشهيد لا يرتضي هذه الثمرة ويقول بأنّ البراءة هي التي تجري حتّى لو بنينا على استحالة أخذ قصد الامتثال في متعلّق الأمر ، والوجه في ذلك هو أنّ الشكّ هنا يرجع إلى الشكّ في التكليف وهو مجرى للبراءة.

وتوضيحه : أنّ التعبّديّة معناها أنّ الإتيان بالفعل من دون قصد الامتثال لا يوجب فراغ الذمّة ولا يوجب سقوط الأمر ، بل يبقى المكلّف مطالبا بالأمر. وعليه ، فإذا شكّ في التعبّديّة والتوصّليّة فهو يشكّ في وجود الأمر مجدّدا حين إتيانه بالفعل من دون قصد الامتثال ، أي أنّه يشكّ هل هو مكلّف بتكليف مجدّدا أم لا؟ فتجري البراءة لنفي التكليف الزائد.

٢٢٣
٢٢٤

التخيير في الواجب

٢٢٥
٢٢٦

التخيير في الواجب

التخيير تارة يكون عقليّا وأخرى شرعيّا ، فإن كانت البدائل مذكورة على نحو التردّد متعلّقا للأمر في لسان الدليل فالتخيير شرعي ، وإلا فهو عقلي.

وقد وقع الكلام في تحليل واقع الوجوب في موارد التخيير وكيفيّة تعلّقه.

وفي ذلك عدّة اتّجاهات :

مقدّمة البحث : الوجوب التخييري وهو ما يقابل الوجوب التعييني ، وبيانه :

إنّ المولى تارة يأمر بشيء على سبيل التعيين بحيث لا يكون له بدل ولا عدل كوجوب الحجّ مثلا.

وأخرى يأمر بشيء ويكون له بدل أو عدل فيكون الأمر به على سبيل التخيير لا التعيين ، وهذا التخيير على نحوين :

فتارة يكون التخيير شرعيّا ، بمعنى أنّ الشارع هو الذي تصدّى لبيان البدائل بنفسه وأمر بها على نحو التخيير ، كما هو الحال في خصال الكفّارة المخيّرة بين الصوم أو الإطعام أو العتق.

وأخرى يكون التخيير عقليّا ؛ بمعنى أنّ الشارع يأمر بالطبيعة وهي بعد جريان الإطلاق وقرينة الحكمة فيها يثبت كونها مطلقة فتنطبق على كلّ فرد من أفرادها ، فيكون المكلّف مخيّرا في امتثال هذا الأمر ضمن أي فرد من أفراد هذه الطبيعة.

ولهذا قال السيّد الشهيد بأنّ التخيير الشرعي عبارة عن كون البدائل مذكورة في لسان الدليل على نحو التردّد بينها ، أي أنّ الشارع قد جعل الامتثال مردّدا بينها ولا أولويّة لأحدها على الآخر.

وأمّا إذا لم يؤخذ ذلك في لسان الدليل فالتخيير عقلي ؛ لأنّ العقل هو الذي يحكم بالتخيير ، كما لو كان هناك طريقان أو عدّة طرق للوصول إلى المكان الذي يجب

٢٢٧

عليه الذهاب إليه ، ولم يكن في أحدها أيّة أولويّة أو خصوصيّة معتبرة فالعقل يحكم بالتخيير فيما بينها.

وهكذا الحال بالنسبة لمتعلّقات الأحكام إذا كانت لها أفراد أو مصاديق أو حصص وكانت متساوية جميعا ، فالعقل يحكم بالتخيير فيما بينها.

وهذا الفرق بين التخيير الشرعي والتخيير العقلي ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما وقع الكلام عندهم في حقيقة التخيير في الواجب وكيفيّة تحليله ثبوتا ، مضافا إلى الخلاف في أنّ التخيير الشرعي هل يرجع إلى التخيير العقلي أو العكس هو الصحيح؟

ولذلك ينفتح البحث العقلي التحليلي في هذه القضيّة الفعليّة.

وهنا توجد عدّة اتّجاهات لتفسير الوجوب التخييري هي :

الاتّجاه الأوّل : أنّ الوجوب في موارد التخيير العقلي متعلّق بالجامع ، وفي موارد التخيير الشرعي متعلّق بكلّ واحد من البدائل ولكن مشروطا بترك البدائل الأخرى.

التفسير الأوّل : ما ذكره مشهور المتأخّرين ، وحاصله أن يقال : إنّ الوجوب في موارد التخيير العقلي متعلّق بالجامع بين البدائل أو الحصص ، فالشارع يصبّ حكمه على عنوان الجامع ، فهناك موضوع واحد وحكم واحد ، ويكون التخيير بلحاظ أنّ كلّ حصّة أو مصداق يحقّق هذا الجامع في عالم الامتثال ، ومن هنا يحكم العقل بالتخيير بينها.

بينما الوجوب في موارد التخيير الشرعي يتعلّق بكلّ واحد من هذه البدائل على سبيل التعيين ، ولكن وجوبه في كلّ منها مشروط بترك البدائل الأخرى ، وهذا معناه أنّه توجد وجوبات عديدة على عناوين متعدّدة ، فيتعدّد الوجوب بتعدّد الأفراد والحصص التي أخذها الشارع في لسان الدليل ، فيكون لكلّ حصّة وجوب تعييني ، ولكنّ هذا الوجوب ليس مطلقا وإنّما هو مشروط.

والوجه في عدم كونه مطلقا : أنّ الملاك والغرض من هذه الحصص سنخ ملاك يحصل ويتحقّق بأي فرد أو حصّة ، بحيث لا تكون الحصّة الأخرى بعد تحقّق الحصّة الأولى واجدة للملاك ، ولذلك لا يكون الأمر والوجوب متعلّقا بها بعد تحقّق غيرها.

وهذا معناه أنّه يوجد غرض واحد وملاك فارد يتحقّق بأيّة واحدة من هذه البدائل ،

٢٢٨

أو يكون الملاك والغرض متعدّدين ففي كلّ واحدة من البدائل غرض مستقلّ ، ولكنّ هذه الأغراض متضادّة لا يمكن اجتماعها ولا يتمكّن المكلّف من تحصيلها جميعا ، بحيث إذا حصّل الغرض والملاك في أحدها فات الملاك والغرض من البدائل الأخرى ، فمن أجل ذلك جعل الشارع الوجوب مخيّرا بين البدائل ؛ إذ لو كانت غير متضادّة وكان يمكن تحصيلها كلّها لكانت كلّ واحدة واجبة بالوجوب التعييني لا التخييري.

وقد يلاحظ عليه بأنّ الوجوبات المشروطة تستلزم أمورا لا تناسب الوجوب التخييري كما تقدّم في الحلقة السابقة (١) ، من قبيل تعدّد العقاب بترك الجميع.

وأورد على هذا التفسير بأنّه يلزم من الوجوبات المشروطة بعض اللوازم التي لا يمكن الالتزام بها ؛ لكونها مخالفة لحقيقة التخيير ، وهي :

أوّلا : يلزم تعدّد العقاب فيما لو ترك الجميع ؛ وذلك لأنّ كلّ واحد من البدائل وجوبه مشروط بترك الحصص الأخرى ، وهذا الشرط متحقّق في الفرض ، فيكون قد ترك وجوبات فعليّة متعدّدة ومعه يلزم تعدّد العقاب ، وهذا لا يمكن الالتزام به ، بل هو مخالف لحقيقة الوجوب التخييري الذي يستبطن مئونة أخفّ وأقلّ من الوجوب التعييني ، فكيف يكون أشدّ منه؟!

وثانيا : يلزم منه عدم تحقّق الامتثال فيما لو جاء بالبدائل كلّها ؛ لأنّه لن يكون الشرط متحقّقا في شيء منها ؛ لأنّ الشرط هو ترك الحصص الأخرى ، وهذا لم يتحقّق على هذا الفرض ؛ لأنّه جاء بالجميع ، ولذلك لا يكون شيء من الوجوب فعليّا ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به أيضا ؛ لوضوح أنّ الامتثال بالإتيان بأكثر من حصّة يكون أشدّ وآكد منه فيما لو أتى بحصّة واحدة.

وثالثا : أنّ جعل الوجوب التخييري عبارة عن الوجوبات المتعدّدة المشروطة خلاف حقيقة الوجوب التخييري وخلاف الظاهر من أدلّة هذا الوجوب ، حيث لا يوجد إلا وجوب واحد متعلّق بالجميع لا وجوب متعدّد بتعدّد الحصص (٢).

__________________

(١) في بحث الدليل العقلي ، تحت عنوان : التخيير الشرعي في الواجب.

(٢) إلا أنّه يمكن دفع هذه الإشكالات الثلاثة بأن يقال :

أمّا الإشكال الأخير فهو إشكال إثباتي وهو ليس محلّ الكلام ؛ لأنّ الكلام في عالم الثبوت وكيفيّة لحاظ المولى عند جعله الوجوب.

٢٢٩

الاتجاه الثاني : إرجاع التخيير الشرعي إلى التخيير العقلي ، فيلتزم بأنّ الوجوب يتعلّق بالجامع دائما ، إمّا ببرهان استحالة الوجوبات المشروطة كما أشير إليه فيتعيّن هذا.

وإمّا ببرهان أنّ الوجوب التخييري له ملاك واحد والواحد لا يصدر إلا من واحد ، فلا بدّ من فرض جامع بين البدائل يكون هو علّة تحصيل ذلك الملاك.

التفسير الثاني : أن يقال : إنّ التخيير الشرعي يرجع إلى التخيير العقلي ، فهناك وجوب واحد متعلّق بالجامع بين البدائل ، وهذا الجامع إمّا أن يكون جامعا حقيقيّا وذلك فيما إذا أمكن أن يكون هناك جامع ذاتي بين البدائل فيكون مصبّ الحكم هو هذا الجامع الحقيقي ، وإمّا أن يكون جامعا انتزاعيّا وذلك فيما إذا لم يمكن أن يكون هناك جامع ذاتي بين البدائل بأن كانت متباينة فيما بينها فينتزع عنها عنوان ( أحدها ) ويصبّ الحكم عليه.

__________________

وأمّا الإشكال الثاني فيندفع بأنّ البدائل قد أخذت كلّها على أساس أن يكون وجود أحدها قبل الآخر مانعا من استيفاء الغرض والملاك من البقيّة ، ولكن في صورة الإتيان بالجميع معا يكون الملاك والغرض الواحد متحقّقا بالجميع لا بأحدها.

وتوضيحه : أنّه في صورة الطوليّة في الوجود يكون كلّ واحد منها علّة مستقلّة تامّة للملاك والغرض ، فإذا تحقّق أحدها حصل به الغرض والملاك فلا يكون الإتيان بالحصص الأخرى محقّقا لشيء من الملاك والغرض ، ولكن إذا حصلت كلّها معا فالملاك والغرض يتحقّق بالجميع فيكون كلّ واحد منها علّة ناقصة ، نظير اجتماع علّتين على معلول واحد فإنّ تأثيرها بنحو استقلالي ممنوع ، ولكن يقال بأنّ العلّة يكون المجموع منهما وهو ما يسمّى بالنقصان العرضي لا الذاتي ، ومن هنا يفصّل بين الوجود الطولي للحصص والوجود الدفعي المتقارن.

وأمّا الإشكال الأوّل فيندفع بأنّ الشرط المذكور هو شرط لوجود الملاك الفعلي وليس شرطا للاتّصاف بالوجوب ، فإذا قلنا بأنّ ترك الحصص الأخرى شرط للاتّصاف بالوجوب ، فمع الترك للجميع يكون الوجوب في كلّ منها فعليّا فيكون المكلّف قد ترك وجوبات فعليّة فيتعدّد العقاب ، إلا أنّنا نقول بأنّ الشرط المذكور شرط لوجوب الملاك الفعلي في الحصّة الأخرى ، ممّا يعني أنّه إذا فعل إحدى الحصّتين فسوف لن يتحقّق الملاك الفعلي في الأخرى فلا تفويت للملاك الفعلي وإنّما يرتفع بارتفاع موضوعه ، ولذلك فالمولى سوف يفوته الملاك على كلّ حال إذا فعل المكلّف إحدى الحصّتين ، وأمّا إذا تركهما معا لا يكون مفوّتا لملاكين بل لملاك فعلي واحد ؛ لأنّ الآخر ضروري التفويت ، ومن هنا كان هذا التفسير مقبولا ثبوتا.

٢٣٠

والوجه في إرجاع الوجوب التخييري الشرعي إلى العقلي وكونه متعلّقا بالجامع ، هو أحد أمرين :

الأوّل : ما تقدّم في الإشكال على الوجوبات المتعدّدة من لزوم تعدّد العقاب عند ترك الجميع ، ومن لزوم عدم تحقّق الامتثال عند فعل الجميع ، فإنّ هذه اللوازم لمّا لم يمكن الالتزام بها كان القول بالوجوبات المشروطة باطلا ، فيتعيّن وجود وجوب واحد متعلّق بالجامع بين البدائل.

الثاني : الاعتماد على قانون ( الواحد لا يصدر إلا من واحد ) فإنّ الملاك والغرض إمّا أن يكون متعدّدا بتعدّد البدائل ، فيكون لكلّ حصّة غرض وملاك مستقلّ عن الغرض والملاك في الحصص الأخرى ، وإمّا أن يكون واحدا. والفرض الأوّل باطل جزما ، وإلا لصارت كلّ حصّة من البدائل واجبة تعيينيّا ؛ لأنّ ملاكها مغاير للملاك في الحصص الأخرى والوجوب تابع للملاك ، وهذا الوجوب التعييني مطلق وليس مشروطا لما تقدّم من بطلان ذلك.

فيتعيّن أن يكون هناك غرض وملاك واحد ، ولمّا كان الواحد لا يصدر إلا من واحد فيستحيل أن يكون هذا الغرض الواحد ممّا يصدر من البدائل المتكثّرة ، فيلزم أن تكون هذه البدائل مؤثّرة في هذا الغرض لا بعنوانها الخاصّ ، بل بما هي مصداق لعنوان واحد هو الذي يكون مؤثّرا في الغرض.

وهذا العنوان الواحد إمّا أن يكون عنوانا حقيقيّا فيما إذا أمكن أن يكون بينها جامع ذاتي وإمّا أن يكون انتزاعيّا فيما إذا لم يمكن انتزاع الجامع الذاتي.

وبهذا يتّضح أنّ الوجوب التخييري الشرعي كالعقلي تماما عبارة عن وجوب واحد على موضوع واحد هو الجامع ، يبقى الفرق بينه وبين التخيير العقلي فهو أنّ الشارع في التخيير الشرعي هو الذي يتصدّى لبيان الحصص ؛ لأنّه أحرز أنّ الملاك والغرض يمكن أن يتحقّق بها دون غيرها ، بخلاف التخيير العقلي فإنّ كلّ فرد من أفراد الطبيعة والجامع يكون محصّلا للغرض بوصفه مصداقا لا بعنوانه الخاصّ. وهذا الوجه مقبول ثبوتا أيضا.

الاتّجاه الثالث : التسليم بأنّ الوجوب في موارد التخيير يتعلّق بالجامع دائما ، ولكن يقال : إنّ وجوب الجامع يستلزم الوجوبات المشروطة للحصص والأفراد ،

٢٣١

أي وجوب كلّ واحدة منها بشرط انتفاء الحصص الأخرى.

وهذه الوجوبات بمجموعها لمّا كانت روحا نفس ذلك الوجوب المتعلّق بالجامع فليس من ناحيتها إلا عقاب واحد في فرض ترك الجميع.

التفسير الثالث : أنّ الوجوب في موارد التخيير عبارة عن وجوب واحد متعلّق بالجامع ، فالتخيير العقلي والتخيير الشرعي على حدّ واحد من هذه الناحية ، فيكون الحكم والوجوب متعلّقا بالجامع كما تقدّم في الاتّجاه الثاني.

ولكن يقال هنا : إنّه في موارد التخيير الشرعي أو العقلي سوف يسري الوجوب من الجامع إلى الحصص والأفراد ، فيكون كلّ واحد منها واجبا ولكن بنحو مشروط بترك الحصص أو الأفراد الأخرى ، وهذا معناه الرجوع إلى النظريّة الأولى في تفسير حقيقة الوجوب التخييري من الالتزام بالوجوبات المشروطة.

إلا أنّ الإشكالات التي أوردت هناك لا تأتي هنا ، فلا يلزم تعدّد العقاب عند ترك الجميع ولا عدم تحقّق الامتثال عند امتثالها دفعة.

والوجه في ذلك : هو أنّ هذه البدائل والحصص لم ينصبّ عليها الوجوب ابتداء وإنّما وجوبها وجوب مترشّح من الوجوب المتعلّق بالجامع ، فهي بروحها وحقيقتها لا تزيد عن الجامع ؛ لأنّه لا يوجد إلا ملاك وغرض واحد مترتّب على الجامع ابتداء ، ومنه يترتّب هذا الغرض على أي واحد من الأفراد والحصص فيما لو جاء به وترك البقيّة.

وهذا نظير الوجوب الغيري للأجزاء في المركّب ، فإنّه ليس هناك إلا وجوب واحد فيه ملاك وغرض واحد متعلّق بالمركّب ، ولكن يترشّح من هذا الوجوب وجوبات متعدّدة بعدد الأجزاء تسمّى بالوجوبات الضمنيّة ، وهي وجوبات غيريّة كما سيأتي ، فترك كلّ جزء جزء لا يزيد عن ترك المركّب ، فليس هناك إلا عقاب واحد ، وفعل الجميع معناه الإتيان بالمركّب ، فليس هناك إلا امتثال واحد.

ومقامنا شبيه بذلك فإنّه إذا ترك جميع الحصص والأفراد يكون في الحقيقة قد ترك الجامع ؛ لأنّ ترك الجامع يكون بترك كلّ حصصه وأفراده فهناك عقوبة واحدة لتركه الجامع المتحقّق بترك جميع الحصص.

وأمّا إذا فعل أكثر من حصّة وأتى بأكثر من فرد فالامتثال متحقّق بأحدها فقط ؛

٢٣٢

لأنّه به يحصل الملاك والغرض بوصفه مصداقا للجامع ، أو لكون وجوده مانعا من تحقّق الغرض من الآخر.

وهذا التفسير مبني على أنّ الأمر يتعلّق بالأفراد لا بالطبائع كما هو واضح.

والفرق بين هذا الاتّجاه وسابقه : أنّ هذا يقول بسراية الوجوب إلى الحصّة بالنحو المذكور ، وأمّا ذاك الاتّجاه فلا يلتزم بالسراية. وعليه لا تكون الحصّة معروضة للوجوب ، بل مصداقا لمعروض الوجوب. فالوجوب بالنسبة إلى الحصّة في موارد التخيير كالنوعيّة بالنسبة إلى أفراد الإنسان ، فإنّ هذا الفرد أو ذاك مصداق لمعروض النوعيّة لا معروض لها.

الفارق بين الاتّجاهين الثاني والثالث : الاتّجاه الثاني كان يرى أنّ الوجوب التخييري ـ سواء الشرعي أو العقلي ـ عبارة عن وجوب واحد متعلّق بالجامع الحقيقي أو الانتزاعي ، إمّا بناء على استحالة الوجوبات المشروطة وإمّا بناء على أنّ الواحد لا يصدر إلا من واحد.

ولذلك فهو يرى أنّ هناك ملاكا وغرضا واحدا مترتّبا على الجامع يحقّقه هذا الفرد أو ذاك بوصفه مصداقا للجامع ، وهذا الوجوب لا يسري من الجامع إلى الفرد ولذلك لا يتّصف الفرد بالوجوب ، بل يعتبر مصداقا لما هو المأمور به ، فالمأمور به هو الجامع وهو معروض الوجوب ، وأمّا الفرد فليس هو معروض الوجوب ولذلك لا يتّصف بالوجوب ، وإنّما هو مصداق لما هو معروض الوجوب.

وهذا نظير ما إذا قلنا : الإنسان نوع ، فإنّ وصف النوعيّة لا يمكن أن يتّصف به هذا الفرد من الإنسان أو ذاك ؛ لأنّه جزئي حقيقي لا يقبل الانطباق إلا على نفسه ، وعنوان النوعيّة من العناوين الكلّيّة الانتزاعيّة. نعم ، هذا الفرد من الإنسان يعتبر مصداقا لمعروض النوعيّة أي مصداق للإنسان الذي عرضت عليه النوعيّة.

بينما الاتّجاه الثالث يذهب إلى أكثر من تعلّق الوجوب بالجامع ، فيرى أنّ هذا الجامع يسري إلى الفرد فيتّصف الفرد بالوجوب أيضا ، ولكن لمّا كان هناك غرض وملاك واحد ، فلا يكون هذا الوجوب الذي يسري إلى الأفراد متعدّدا وإلا للزم صدور الواحد من المتكثّر وهو محال.

بل هذا الوجوب في كلّ فرد مشروط بترك الأفراد الأخرى ، كما هو عليه التفسير

٢٣٣

الأوّل مع فارق بينهما ، وهو أنّ التفسير الأوّل كان يرى أنّ الوجوب متعدّد ابتداء ممّا يعني أنّ لكلّ فرد وجوبا مجعولا بنحو مستقلّ عن وجوب الأفراد الأخرى ولكنّها مشروطة ، ولذلك أشكل عليها بتلك الإشكالات.

وأمّا هنا فالأفراد ليست معروضة للوجوب ابتداء ليكون لدينا وجوبات مستقلّة متعدّدة ، بل هناك وجوب واحد فقط له عصيان واحد وامتثال واحد كما تقدّم.

وقد يعترض على الاتّجاه الثالث بأنّ الوجوب فعل اختياري للشارع يجعله حيثما أراد ، فإذا جعله على الجامع لا يعقل أن يسري بنفسه إلى غير الجامع ، فإن أريد بالوجوبات المشروطة سريان نفس ذلك الوجوب فهو مستحيل ، وإن أريد أنّ الشارع يجعل وجوبات أخرى مشروطة فهو بلا موجب فيكون لغوا.

اعترض على التفسير الثالث بما حاصله : أنّ ما ذكره من كون وجوب الجامع يستلزم الوجوبات المشروطة للحصص لا معنى له ؛ وذلك لأنّ الوجوب فعل اختياري للمولى فهو إن شاء جعل الوجوب وإن شاء لم يجعله ، فإذا أراد جعل الوجوب فإنّه إمّا أن يجعله وجوبا واحدا على الجامع فيما إذا لم يلاحظ الأفراد وكان الملاك في الجامع ، وإمّا أن يجعل وجوبات متعدّدة مطلقة أو مشروطة تبعا لما لاحظه في عالم الجعل من وحدة الملاك والغرض أو تعدّدهما.

وعليه ، فإذا جعل الشارع وجوبا واحدا على الجامع فلا معنى للقول بأنّ هذا الوجوب الواحد يستلزم وجوبات متعدّدة مشروطة ؛ لأنّ هذا إمّا أن يكون من نفس الوجوب وإمّا أن يكون من الشارع بجعل جديد ، وكلاهما باطل.

أمّا بطلان أن تكون الوجوبات المشروطة من نفس الوجوب المتعلّق بالجامع ، فلمّا ذكرنا من أنّ الوجوب فعل اختياري للمولى وليس أمرا قهريّا مفروضا عليه ، والسريان المذكور يعني أنّ تعدّد الوجوب كان قهريّا ، وهذا ينافي الاختياريّة في الجعل للمولى.

وأمّا بطلان أن تكون الوجوبات المشروطة مجعولة بجعل جديد من الشارع ، فلأنّ وجوب الجامع أوّلا يكفي مئونة جعل تلك الوجوبات المشروطة ؛ إذ المفروض أنّه لا يوجد إلا ملاك واحد يتحقّق بالإتيان بأي فرد أو مصداق أو حصّة ، وهذا المقدار يفي به الوجوب على الجامع ، فأيّة حاجة إلى جعل الوجوبات المشروطة على الحصص مجدّدا؟ فإنّه لا يكون إلا تحصيلا للحاصل فيلغو.

٢٣٤

وبهذا ظهر أنّ سريان الوجوب من الجامع إلى الأفراد أو استلزامه لذلك في غير محلّه ، وحينئذ يكون الوجه الثالث كالثاني القائل بعدم السراية.

ويمكن أن يجاب على ذلك بأنّ هذا إنّما يتمّ في مرحلة جعل الحكم والإيجاب لا في مرحلة الشوق والإرادة ، إذ لا مانع من دعوى الملازمة في هذه المرحلة بين حبّ الجامع وأنحاء من الحبّ المشروط للحصص.

ولا يأتي الاعتراض باللغويّة ؛ لأنّ الكلام هنا عن المبادئ التكوينيّة للحكم.

وهذه الملازمة لا برهان عليها ، ولكنّها مطابقة للوجدان.

والجواب عن هذا الاعتراض :

أنّ ما ذكر في الاعتراض إنّما يتمّ لو قصرنا النظر على مرحلة جعل الحكم والإيجاب ، فإنّه يقال حينئذ بأنّ الشارع إمّا أن يجعل الوجوب على الجامع فقط أو يجعل وجوبات مشروطة على الحصص ، فإذا جعل الوجوب على الجامع فهو لا يسري إلى الأفراد لا بنفسه ؛ لأنّ الوجوب فعل اختياري للمولى ، ولا بجعل جديد من المولى ؛ لأنّه يكون لغوا وتحصيلا للحاصل.

إلا أنّنا إذا لاحظنا عالم الحبّ والشوق والإرادة أي عالم المبادئ للحكم فلا مانع ولا محذور حينئذ من سريان الحبّ والشوق والإرادة من الجامع إلى الأفراد ، فيقال بالملازمة بينهما ، بمعنى أنّ المولى إذا أحبّ شيئا فهو يحبّ أفراده وحصصه ولكن بنحو مشروط.

وهذا لن يبتلى بمحذور اللغويّة ؛ لأنّ كلامنا عن الحبّ والشوق والإرادة لا عن جعل الوجوب ، ليكون سريان ذلك تحصيلا للحاصل ولغوا.

نعم ، هذه الملازمة أو دعوى سريان الحبّ والشوق والإرادة من الجامع إلى الأفراد ولو مشروطا ممّا لا يمكن إقامة الدليل عليها ، إلا أنّها مع ذلك مطابقة للوجدان ، فإنّ المولى العرفي أو الإنسان مطلقا إذا تعلّق حبّه وشوقه وأراد شيئا وكان لهذا الشيء أفراد وحصص ، فهذا الشوق سوف يسري إلى الأفراد بمعنى أنّه سوف يحبّ ويريد كلّ فرد من الأفراد ولكن بنحو مشروط لا مطلقا ، بمعنى أنّه يريد أن يحقّق غرضه وملاكه في أي واحد من هذه الأفراد ، وبما أنّ كلّ واحد منها واجد للملاك ويمكن تحصيله منه فهو يحبّه. نعم لا يمكنه تحصيل مجموع الملاكات منها ؛ لما تقدّم سابقا من أنّها متضادّة في عالم الوجود أي وجود الملاك الأوّل يمنع من وجود الملاك الثاني ، وهكذا.

٢٣٥

وبهذا ظهر أنّ التفسير الثالث مقبول ثبوتا أيضا ولا محذور فيه.

وهذا التحليل للوجوب التخييري له ثمرات :

منها : ما سوف يظهر في مسألة اجتماع الأمر والنهي.

ومنها : ما قد يقال : من أنّه إذا شكّ في واجب أنّه تخييري أو تعييني ، فعلى القول برجوع التخيير الشرعي إلى إيجاب الجامع يكون المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، فإن قيل هناك بالبراءة قيل بها هنا بإجرائها عن التعيين ، وإلا فلا.

وعلى القول برجوع التخيير الشرعي إلى الوجوبات المشروطة ـ كما يقرّره الاتّجاه الأوّل ـ فالشكّ مرجعه إلى الشكّ في إطلاق الوجوب واشتراطه ، أي في ثبوته في حال الإتيان بما يحتمل كونه بديلا وعدلا ، وهذا شكّ في الوجوب الزائد بلا إشكال فتجري البراءة.

وأمّا ثمرة البحث : فهي تظهر في موردين :

الأوّل : ما سوف يأتي في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، فإنّه إن قيل بوجوب الجامع وعدم سراية الوجوب من الجامع إلى الفرد فيكون التخيير الشرعي كالعقلي ، فحينئذ سوف يكون اجتماع الأمر والنهي بلحاظ الأمر بالجامع والنهي عن الحصّة جائزا ولا محذور فيه ؛ لأنّ الأمر بالجامع لمّا لم يسر إلى الأفراد فالحصّة فيها مبادئ الحرمة فقط دون الوجوب ، فلم تجتمع المبادئ المتضادّة على شيء واحد ؛ لأنّ مبادئ الوجوب متعلّقة بالجامع ، والجامع غير الفرد ، فالمعروض مختلف.

وأمّا إن قيل بسراية الوجوب من الجامع إلى الفرد فسوف تكون مسألة الاجتماع هذه غير ممكنة ؛ لأنّ السريان معناه أنّ الوجوب ومبادئه متعلّقة بالحصص والأفراد ، فتكون الحصّة التي تعلّق بها النهي ومبادئه قد تعلّق بها الأمر والوجوب ومبادئه ، فيلزم اجتماع المبادئ المتضادّة على شيء واحد وهو مستحيل.

الثاني : ما إذا شكّ في واجب أنّه تعييني أو تخييري ، كما لو شكّ في كون وجوب صوم الشهرين هل هو تعييني أم تخييري؟

فإن قيل بأنّ التخيير الشرعي يرجع إلى الوجوبات المشروطة للحصص فسوف يكون المورد من موارد الدوران بين التعيين والتخيير ، بمعنى أنّ الشكّ في كون الصوم

٢٣٦

تعيينيّا أو تخييريّا معناه الشكّ في أنّ وجوب الصوم هل هو مطلق حتّى لو أتى بسائر الحصص أو أنّه مشروط بعدم الإتيان بتلك الحصص؟ وبالتالي يعود هذا الشكّ إلى كون وجوب الصوم هل هو وجوب مطلق أم هو وجوب مشروط؟

وحينئذ فإذا أعتق رقبة أو أطعم المساكين سوف يشكّ في بقاء الوجوب عليه ؛ لأنّ وجوب الصوم إن كان تعيينيّا فهذا يعني أنّ وجوبه مطلق ، فهو ثابت وفعلي ولا يسقط بالإتيان بغيره ، وإن كان تخييريّا فوجوبه يكون مشروطا بعدم الإتيان بسائر الحصص ، فإذا جاء بأحدها سقط وجوب الصوم عنه ، وهذا من الشك في سعة وضيق الوجوب المجعول عليه.

ومثل هذا الشكّ هل يكون مجرى للبراءة أم هو مجرى لأصالة الاشتغال؟ فيه كلام بينهم ، إلا أنّ الصحيح كونه مجرى لأصالة البراءة ؛ لأنّه شكّ في التكليف الزائد ؛ لأنّه حينما يأتي بإحدى الخصال الأخرى غير ما يحتمل كونها تعيينيّة فسوف بشكّ في جعل وجوب زائد فتجري فيه البراءة.

وقد يقال بأنّه مجرى لأصالة الاشتغال ؛ لأنّه يعلم باشتغال ذمّته بالوجوب ويشكّ في خروجه عن عهدة التكليف فيما لو أتى بغير ما يحتمل كونه تعيينيّا.

وأمّا إن قيل برجوع التخيير الشرعي إلى التخيير العقلي ، بمعنى أنّه لا يوجد إلا وجوب واحد متعلّق بالجامع دون الحصص والأفراد ، فهنا سوف يحصل للمكلّف علم إجمالي إمّا بوجوب هذه الحصّة بالخصوص أو هي وغيرها من الحصص على سبيل البدل ، فهو علم بتكليف دائر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين ، فيما لو كان الجامع حقيقيّا ، ومثل هذا العلم ينحلّ إلى علم تفصيلي بوجوب الجامع وشكّ بدوي في وجوب الحصّة ، فتجري البراءة عن الحصّة أي عن التعيين من دون معارض ؛ لأنّ البراءة عن الجامع لا يمكن جريانها كما سيأتي في محلّه.

وإن كان الجامع انتزاعيّا فالشكّ دائر بين عنوانين متباينين ، فإن قيل بالانحلال الحكمي للجامع فسوف تجري البراءة عن الزائد وهو التعيين ؛ لأنّ فيه مئونة زائدة ، وإن لم يحكم بالانحلال فيجب الاحتياط.

٢٣٧
٢٣٨

الوجوب

الغيري لمقدّمات الواجب

٢٣٩
٢٤٠