منتقى الأصول - ج ٧

السيد عبد الصاحب الحكيم

منتقى الأصول - ج ٧

المؤلف:

السيد عبد الصاحب الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

اتجه عليه الإيراد : بأنه لا حاجة إلى الاستصحاب في ذلك ، بل بمجرد الشك تسقط اليد عن الحجية ، لأن الشبهة مصداقية كما لا يخفى.

وأما (١) الجهة الأولى ـ وهي العمدة في المقام كما أشرنا إليه ـ فتحقيق الكلام

__________________

(١) تحقيق الحال في المسألة باختصار : ان اليد الحادثة على العين تارة يشك في انها حدثت عن تملك بعقد أو بغيره أو حدثت لا عن تملك. ومثل ذلك هو المتيقن من بناء العقلاء على الحجية وأخرى يعلم بأنها حدثت عن عقد أو نحوه وشك في صحة العقد وعدم صحته ، وفي مثل ذلك يمكن ان يقال ان بناء العقلاء على غض النّظر عن اليد وملاحظة السبب الناقل فيرى أنّه صحيح أو ليس بصحيح ويحكم بالملكية وعدمها بملاحظته. ولا أقل من التشكيك في حجية اليد في مثل هذه الصورة.

وقد يقال انهم يحكمون بحجية اليد ما لم يثبت لديهم بطريق معتبر بطلان العقد ، ولا يحكمون بالملكية استنادا إلى اليد جزما ، وليس بناؤهم على ترتيب أثر الملكية قطعا. وبالجملة مع العلم بالسبب الناقل والشك فيه إما أن يقال بقصر نظرهم عليه وسقوط اليد عن الحجية مطلقا ويقال بسقوطها في مورد ثبوت بطلان السبب.

ومفروض كلام النائيني قدس‌سره ، من هذا القبيل فان المفروض العلم بسبق الوقف واحتمال عروض المصحح لبيعه.

وفي مثله لا تكون اليد حجة بل لا بد من ملاحظة السبب الناقل فيتمسك له مثلا بأصالة الصحة أو غيرها. ومع الغض عن ذلك فلا يشك في أنه مع ثبوت بطلان السبب تسقط اليد عن الحجيّة وهذا كما ذكرناه ما ادعاه النائيني قدس‌سره فان استصحاب عدم طرد المسوغ يترتب عليه بطلان البيع فيثبت بطلانه بواسطة الاستصحاب فيرتفع موضوع حجية اليد وتسقط عن الاعتبار. وبهذا البيان للمسألة وتوجيه كلام النائيني قدس‌سره لا يتم ما جاء في كلام المحقق الأصفهاني من قياس هذا الاستصحاب باستصحاب الملكية الجاري في مطلق موارد اليد ، فان استصحاب الملكية لا ينفي موضوع اليد ولا يترتب عليه شرعا بطلان العقد بخلاف هذا الاستصحاب.

كما أنه لا وجه لما جاء في كلام العراقي في البحث في ان المأخوذ هو القابلية الواقعية أو الجهل بها وتفصيل الكلام في ذلك ، في مقام الإيراد على النائيني ، إذ عرفت أن محل الكلام لا يرتبط

٤١

فيها يستدعي بيان المراد من القابلية المبحوث عنها هاهنا. فنقول : ليس المراد من القابلية ، القابلية بمعناها الفلسفي الّذي هو عبارة عن الاستعداد الذاتي للعين. لوضوح حصول التبدل في العين من هذه الناحية ، فتارة تكون ذات قابلية. وأخرى لا تكون كذلك مما يكشف عن عدم إرادة ذلك المعنى منها ، بل المراد منها تأثير السبب الناقل في العين. فإذا حكم الشارع بان السبب الناقل يؤثر في هذه العين الانتقال كان لها قابلية. وان حكم بعدم التأثير لم يكن لها قابلية. فالقابلية وعدمها ينتزعان عن حكم الشارع بتأثير السبب في نقل العين وعدمه.

وعلى هذا ، فقد يقال : بان محققات القابلية وشروطها ـ في العين المسبوقة بعدم القابلية ـ تكون شروطا في تأثير العقد في هذه العين ، نظير العلم بالعوضين وطيب النّفس ، فيقال : العقد مؤثر وناقل لهذه العين إذا كان قد حصل الأول إلى الخراب ـ مثلا ـ. فمرجع الشك في بقاء عدم القابلية وعدمه إلى الشك في حصول السبب الناقل وعدمه ـ إذ عدم حصوله أعم من عدم وجوده بالمرة أو حصوله غير صحيح ـ ولا إشكال في عدم استلزام ذلك لسقوط اليد عن الحجية ، فلا ثمرة في الكلام حينئذ.

ولكنه وإن سلم ذلك ، إلاّ ان هذا النوع من الشروط ـ وهو شرط القابلية للنقل والانتقال ـ له خصوصية عن غيره ، ولذلك وقع محل الكلام دون غيره.

وعلى كل ، فليس هذا بمهم وضائر ، لأن الكلام في أخذ القابلية للملكية في موضوع اليد مطلقا مع غض (١) النّظر عن سبق القابلية أو عدمها وتحقق عقد

__________________

بأخذ القابلية ونحوها بل يرتبط بملاحظة السبب الناقل ولا يخفى عليك ان محل الكلام هو مورد العلم بسبق عدم القابلية اما مع عدم فرض ذلك بلا شك رأسا في ان ما تحت اليد ملك أو وقف فلا إشكال في حجية اليد وعدم توقف العقلاء في البناء على ملكية ذي اليد ومعاملته معاملة المالك.

(١) فيه تأمل يظهر من ملاحظة تحقيق كلام النائيني قدس‌سره في الحاشية.

٤٢

وعدمه. بل موضوع الكلام ما إذا كانت عين في يد شخص وكانت مشكوكة القابلية ، فهل اليد تكون دليلا على الملكية أو لا.

لا إشكال في ذلك ـ أعني كونها دليلا على الملكية ـ إذ لا إشكال في عدم اعتبار القابلية في موضوع اليد ، لما نراه من بناء العقلاء على عدم ملاحظة قابلية ما في اليد للملكية ، بل يعاملون ذا اليد معاملة المالك ويبنون على ما في يده ملكا وان كان لديهم شك في قابلية المحل للملكية ، ويتأكد ذلك بملاحظة التعليل لاعتبار اليد الوارد في رواية حفص من توقف قيام السوق للمسلمين على ذلك ، إذ لا ريب في انه مع اعتبار القابلية وعدم حجية اليد مع الشك فيها يأتي المحذور السابق لأن أغلب ما في سوق المسلمين مشكوك القابلية ، فالتفت.

يبقى الكلام في اعتبار عدم العلم بعدم القابلية في موضوع حجية اليد.

وقد قرّبه المحقق العراقي : بأنه لا إشكال في ان دليل اعتبار اليد دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن ، والقدر المتيقن من بناء العقلاء هو اعتبار اليد مع عدم العلم بعدم القابلية.

اما مع العلم بعدمها فلا يبنون على حجية اليد على الملكية ، فيختص موضوع اعتبار اليد بعدم العلم بعدم القابلية. وحينئذ فمع الشك وسبق العلم بعدم القابلية يكون استصحاب عدم القابلية مقدّما على اليد على قول ومعارض لها على قول آخر ، فانه على القول بان دليل الاستصحاب مفاده التعبد ببقاء اليقين وتنزيل الشك منزلة اليقين ، يكون الاستصحاب مقدما على اليد لأنه يحقق العلم تنزيلا بعدم القابلية فيرتفع به موضوع اليد. وعلى القول بان مفاد دليل الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن ، وان اليقين مأخوذ مرآتا للمتيقن لا يكون مقدّما ، لأن الاستصحاب لا يرفع الجهل بالقابلية ولو تنزيلا ، بل يكون معارضا لليد (١).

__________________

(١) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار : ٤ ـ ٢٧ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٤٣

وفي كلامه ـ بشقيه ـ نظر :

أما حديث التفرقة بين القولين في جريان الاستصحاب وتقدمه على اليد.

ففيه ما سيأتي من تصحيح تقدم الأصل السببي على الأصل المسببي مطلقا وعلى كل تقدير ، حيث ان نسبة الأصل المذكور إلى اليد كنسبة الأصل السببي إلى الأصل المسببي ، فان الأصل الجاري فيما كان الجهل فيه أو في عدمه موضوعا لمجرى أصل آخر يكون سببا ، وذلك الأصل الآخر مسببيا كما سيتضح فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وأما حديث أخذ الجهل بعدم القابلية في موضوع اليد شرعا. فيتضح عدم تماميته بما عرفت من ان الجهل قد يؤخذ موردا وقد يؤخذ موضوعا. وان الفرق بين الأصول والأمارات ان الجهل في الأولى مأخوذ بنحو الموضوعية ، وفي الثانية الأصول والأمارات ان الجهل في الأولى مأخوذ بنحو الموضوعية ، وفي الثانية مأخوذ بنحو الموردية. وإلا فهما لا يفترقان في عدم جريانهما في صورة العلم بالواقع ، واختصاص جريانهما في صورة الجهل بالواقع ، فاليد وان كان اعتبارها مختصا بما إذا كان عدم القابلية مجهولا ، إلاّ انه لا يعلم كون الجهل قد أخذ بأي النحوين ، فقد يكون مأخوذا بنحو الموردية ولا دليل على كونه مأخوذا بنحو الموضوعية ، فتدبر جيدا.

ثم أنه قدس‌سره ذهب إلى عدم أخذ القابلية بوجودها الواقعي في موضوع حجية اليد ، لاستلزام سقوط اليد عن الحجية في كثير من الموارد ، مما يؤدي إلى اختلال النظام المشار إلى نفيه في رواية حفص بقوله عليه‌السلام : « ولو لم يجز ذلك لم يقم للمسلمين سوق ». ولا يخفى ان ظاهر ما أفاده قدس‌سره هو خلط في موارد الشك في القابلية بين سبق عدم القابلية وعدم السبق بذلك.

وقد عرفت ان محل الكلام الأول دون الثاني. ثم ان الاستدلال باختلال النظام غير مسلم إذ ليس من موارد الشك في القابلية بذلك الموجبة لاختلال النظام ، مع أنها لو تمت فانما تتم في موارد العلم بسبق عدم القابلية ، إذ الالتزام بعدم حجية اليد في موارد العلم بسبق عدم القابلية لا يستلزم الاختلال قطعا ، لعدم كونها

٤٤

بحد من الكثرة بحيث يلازم سقوط اليد اختلال النظام ، فلاحظ.

الجهة السادسة : في ان اليد كما تكون دليلا على ملكية العين ، هل تكون دليلا على ملكية المنفعة أم لا؟

وأساس الكلام على ان الاستيلاء الّذي هو معنى اليد هل يمكن ان يحصل على المنفعة ، كما يمكن ان يكون على نفس العين أم لا؟

وقبل الخوض في تحرير المسألة لا بد من ان نعرف الثمرة من البحث فيها.

ولا يخفى ان الغرض إثبات ملكية المنفعة باليد ، كما تثبت ملكية العين بها ، بحيث تكون اليد طريقا إلى إثبات ملكية المنفعة.

فقد يقال : ان ملكية المنفعة تابعة لملكية العين ، فاليد على العين طريق لملكية العين وبها تثبت ملكية المنفعة ، فلا يحتاج في إثبات ملكية المنفعة إلى إثبات تحقق الاستيلاء عليها وحجيته على ملكيتها ، فلا ثمرة حينئذ.

ولأجل ذلك قيل : بان الثمرة تظهر في صورة اختصاص الاستيلاء على المنفعة دون العين ، وذلك كالمتصدي لإجارة الدار والصلح على المنفعة ، فان له استيلاء على المنفعة باعتبار تصديه للمعاملة عليها دون العين ، إذ العين بيد الغير ، فثبوت ملكية المنفعة منحصر باليد عليها إذ لا يد لمالكها على العين كي تثبت ملكيتها بتبع ملكية العين.

ويشكل هذا : بان الاستيلاء على المنفعة لا يعقل انفكاكه عن الاستيلاء على نفس العين ، والتصدي للإجارة والصلح لا يحقق الاستيلاء ، وإلا لكان الفضولي المتصدي لإجارة الدار فضوليا له استيلاء على المنفعة ، مع انه ليس كذلك.

فالأولى ان يقال : بان الثمرة تظهر في صورة ما إذا كان الشخص له استيلاء على العين والمنفعة وعلم بعدم ملكيته العين ، كالمستأجر للوقف أو لدار غيره ، فان المستولي على المنفعة ـ في هذا الفرض ـ وان كان له استيلاء على العين ، لكنه ليس مالكا لها ـ كما هو المفروض ـ فلا يمكن استكشاف ملكية المنفعة بالاستيلاء على

٤٥

العين.

إذا عرفت ذلك : فالمنسوب إلى الفاضل النراقي قدس‌سره تخصيص حجية اليد بالأعيان دون المنافع ، ثبوتا وإثباتا.

أما ثبوتا : فلأنه لا يتصور تحقق الاستيلاء الخارجي على المنافع ، لأنه انما يتحقق في الأمور القارة التي لها ما بإزاء في الخارج كالأعيان.

أما الأمور التدريجية ، فلا يتصور تحقق الاستيلاء عليها ، لأن موضوع الثمرة والمهم في المقام هو الاستيلاء على المنفعة المستقبلة الحدوث. أما الاجزاء الموجودة ، فلا أهمية ولا غرض في الاستيلاء عليها. والمنفعة المستقبلة عبارة عن الاجزاء الأخرى التي بعد لم تحصل ، وانما يكون حصولها بعد هذا الآن ، فهي معدومة الآن فلا يتحقق الاستيلاء بالنسبة إليها ، إذ لا استيلاء على المعدوم. والمنفعة من الأمور التدريجية الحاصلة بالتدرج فلا يتحقق الاستيلاء عليها.

وأما إثباتا : فلأن الأدلة على حجية اليد لا إطلاق لها إلا روايتي يونس وحفص.

والأولى : موضوعها الأعيان ، لرجوع الضمير في : « منه » إلى متاع البيت وهو من الأعيان.

والثانية : وان كانت بحسب صدرها عامة للتعبير بالشيء ، وهو أعم من العين والمنفعة ، إلا ان في الكلام ضميرا يرجع إلى بعض افراد العام وهو الأعيان ، وذلك في قوله : « تشتريه » فان الشراء يتعلق بالأعيان لا بالمنافع. فيدور الأمر بين ان يكون المراد من العام هو هذه الافراد ، أو يكون استعمال الضمير من باب الاستخدام ، فلا أقل من صيرورة الكلام مجملا ، وهو كاف في عدم جواز التمسك به في إثبات المطلوب (١).

__________________

(١) المحقق النراقي ملا أحمد. مستند الشيعة ٢ ـ ٥٧٨ الموضع السادس من الفصل الخامس الطبعة القديمة ـ.

٤٦

وقد أورد عليه السيد الطباطبائي قدس‌سره في كتاب القضاء (١) ، بوجهين :

الأول : انه يمكن تصور الاستيلاء على المنافع مستقلا على الاستيلاء على الأعيان كالمزرعة الموقوفة على العلماء والسادة مع كون العين بيد المتولي وصرف حاصلها ومنافعها فيهم ، فان لهم الاستيلاء على المنافع المرسلة إليهم.

الثاني : النقض عليه بحق الاختصاص ، فكما يتصور الاستيلاء على حق الاختصاص كما في العين الموقوفة المختصة بأربابها ، كذلك يتصور الاستيلاء على المنافع.

وقد أورد على الوجه الأول : بان المراد من المنافع التي هي موضوع البحث ما يقابل الأعيان ، وهي التي تكون تدريجية التحقق ومعدومة الوجود فعلا ، والمنافع المذكورة المستوفاة من المزرعة الموقوفة داخلة في الأعيان ، وان أطلق عليها لفظ المنفعة باعتبار استخراجها من عين أخرى.

وأورد على الوجه الثاني : بان الاستيلاء على الأعيان تختلف آثاره باختلاف الأعيان ، والاستيلاء على الدار اثره ملك العين وعلى الموقوفة اختصاصها بالمستولي ، وعلى الأرض الحجرة أولويته بها فالكل من باب الاستيلاء على الأعيان لا الاستيلاء على العين تارة وعلى الحق بأنحائه أخرى.

أما الإيراد على الوجه الأول فلا شبهة فيه كما هو واضح.

ولكن الإيراد على الوجه الثاني لا يمكن الالتزام به ، لأنه قدس‌سره يصرح في أوائل كلامه بمضمون الإيراد ، فلا وجه للإيراد به عليه ، إذ منه يعلم إرادة شيء آخر من نقضه لا يتوجه عليه هذا الإيراد.

ويمكن ان يريد من كلامه : ان حق الاختصاص نوع من أنواع الملكية

__________________

(١) الطباطبائي الفقيه السيد محمد كاظم. العروة الوثقى ٣ ـ ١٢٢ ـ الطبعة الأولى.

٤٧

كملكية العين وملكية المنفعة وملكية الانتفاع. فمتعلق حق الاختصاص من سنخ متعلق ملكية المنفعة. وبعبارة أخرى : ان الاختصاص من سنخ المنفعة ، فكما يثبت حق الاختصاص باليد على العين الموقوفة ـ مثلا ـ فكذلك تثبت ملكية المنفعة بالاستيلاء على العين ، إذ لا فرق بينهما.

وقد ذكر صاحب البلغة قدس‌سره ـ كما حكي عنه (١) ـ : ان قبض المنافع بقبض العين ، بدليل جواز مطالبة الموجر للمستأجر بالأجرة بمجرد القبض ، فما لم يقبضه المنفعة لم يكن له المطالبة بالأجرة ، لأن المعاملة قد وقعت على المنفعة.

وفيه : ـ كما ذكره المحقق الأصفهاني قدس‌سره ـ كما حكي عنه ـ ان مقتضى القاعدة جواز المطالبة بالأجرة بمجرد المعاملة ، لأن الموجر يملك العوض بالمعاملة ، كما ان المستأجر يملك المعوض ـ وهو المنفعة ـ بها أيضا. فالحكم بعدم جواز المطالبة بالعوض في سائر المعاملات قبل الإقباض حكم على خلاف القاعدة وليس على وفقها ، من باب الالتزام الضمني من كلا المتعاقدين على ان التسليم بعد الإقباض. فيقتصر فيه على مورده وهو غير الإجارة ، فانهم حكموا فيها بعدم جواز المطالبة بالأجرة قبل التمكين من استيفاء المنافع لا قبل قبض المنفعة.

فصحة المطالبة بالأجرة حين قبض العين انما هو من جهة حصول التمكين على الاستيفاء لا من جهة إقباض نفس المنفعة.

بل هذا الوجه جار في سائر المعاوضات ، فان صحة المطالبة بالعوض فيها متوقفة على التمكين من استيفاء المعوض لا على قبضه ، فالتفت.

وقد أفاد المحقق الأصفهاني في رد ما ذكره الفاضل النراقي : ان منافع الأعيان حيثيات وشئون قائمة بها وموجودة بوجودها على حد وجود المقبول بوجود القابل ، واما السكنى بالمعنى الفاعلي ، فهي من أعراض الفاعل لا من منافع الدار.

__________________

(١) بحر العلوم بلغة الفقيه ٣ ـ ٣١٥ ـ الطبعة الأولى.

٤٨

فحيثية المسكنية هي منفعة الدار ، وما دامت الدار على هذه الصفة تكون المنفعة مقدرة الوجود عند العقلاء ، فتقبل كل صفة اعتبارية من الملك والاستيلاء.

ولا يخفى ان المراد من المسكنية التي تكون هي منفعة الدار إن كان هو قابلية الدار للسكنى ، فهم لا يلتزمون بكون المنفعة هي القابلية ، وان كان هو المسكنية الفعلية فهي مضافا إلى انها من شئون الفاعل تدريجية الحصول ، فتكون معدومة.

والتحقيق ان يقال : ان بناء العقلاء على ملكية المنفعة عند الاستيلاء على العين بحيث يعدونها من شئون الاستيلاء على العين مما لا إشكال فيه ولا ريب يعتريه ، سواء في ذلك كون العين مملوكة للمستولي أو غير مملوكة له.

فلا يهمنا كثيرا معرفة قبول المنفعة للاستيلاء وتصوير المنفعة بشكل يقبله بعد البناء المذكور من العقلاء.

وقد يكون هذا البناء منهم لبنائهم على تحقق الاستيلاء على المنفعة ، أو لأجل غلبة ملكية المنفعة عند الاستيلاء على نفس العين فتدبر جيدا ولا تغفل.

الجهة السابعة : في جواز الشهادة على الملك استنادا إلى اليد.

ولا بد أولا من بيان ثمرة الكلام ، إذ قد يتوهم عدم الثمرة لأنه لا يختلف الحال في الشهادة على اليد أو على الملك في ترتب الأثر المطلوب ، وهو ثبوت ملكية المشهور له بل قد يقال : بان الاحتياج إلى الشهادة في مقام الدعوى ، ولا تنفع البينة المستندة إلى اليد مع وجود بينة معاكسة لها ، إذ البينة المستندة إلى اليد لا تزيد على نفس اليد واليد لا تعارض البينة على الخلاف. هذا مع ان البينة المستندة إلى اليد ، مع التفاتها إلى البينة المخالفة تسقط عن الحجية ، لأجل استنادها إلى غير الحجية وهو موجب للفسق.

فنقول : الثمرة تظهر في ما لو كان المطلع على استيلاء المشهور له واحدا وكان هناك شخص آخر مطلعا على ملكية المشهود له السابقة ، فانه بناء على قيام الطرق والأصول مقام العلم تكون شهادة كل من الشخصين بالمسبب ـ أعني : الملكية ـ

٤٩

بلحاظ وجود الطريق لكل منهما وان كان مختلفا ، مجدية في المقام لتمامية البينة على الملكية. بخلاف ما لو شهد بالسبب الّذي يعلمانه ، لأن كلا منهما يشهد بسبب غير السبب الّذي يشهد به الآخر ، فلا تتم البينة على أحد السببين كي يترتب عليه الأثر. فالشهادة على اليد في الفرض لا أثر لها بخلاف الشهادة على الملك ، لأنها جزء البينة ، فبضميمتها إلى الشهادة الأخرى على الملك تتم البينة ويترتب الأثر.

والّذي يقرب في النّظر عدم جواز الشهادة استنادا إلى اليد ، وذلك لأن الإخبار الجائز هو الخبر الصادق في قبال الخبر الكاذب. والصدق والكذب عنوانان ينتزعان عن مطابقة الخبر للواقع وعدم مطابقته ، ومع الشك في المطابقة لا يجوز الإخبار قطعا ولو لأجل التجري لكونه طرف العلم الإجمالي.

وعليه ، فإذا قامت اليد على الملكية لا يحرز أن الإخبار عن الملكية مطابق للواقع ، فلا يحرز أنه صدق.

نعم ، لو كان اليد حجة في اللوازم كانت حجة في مطابقة الخبر للواقع ، ولكن عرفت منع ذلك.

وبالجملة : الحكم الشرعي غير مترتب على مؤدى اليد مباشرة ، بل متعلق بعنوان ملازم له ، وهي غير حجة في لوازمها بخلاف البينة ، فانها إذا قامت على الملكية كان لها دلالة التزامية ، على ان الإخبار عنها مطابق للواقع ، وهي حجة في الدلالة المطابقية والالتزامية.

وإذا ظهر عدم جواز الإخبار بمقتضى اليد تكليفا ، ظهر عدم جوازه وضعا ، فلا يكون الإخبار حجة لفسق المخبر به جزما.

وهذه الجهة مما غفل الأعلام عنها ، ولم أجد من تنبه لذلك ، وانما أوقعوا الكلام في اعتبار العلم في جواز الشهادة وقيام اليد مقام العلم ، فتدبر.

وكيف كان فالمشهور ـ على ما حكي ـ على المنع عن الشهادة استنادا إلى اليد ، لأخذ العلم الوجداني في موضوع جواز الشهادة.

٥٠

وتحقيق الكلام في هذه الجهة يستدعي البحث في نواح ثلاث :

الأولى : في أخذ العلم موضوعا لجواز الشهادة.

الثانية : في انه على تقدير موضوعية العلم فهل هو مأخوذ بنحو الصفتية أو الطريقية؟.

الثالثة : في قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي.

أما موضوعية الأولى ـ أعني العلم لجواز الشهادة ـ فلا إشكال فيها ولا ارتياب لدلالة الاخبار الكثيرة عليها. هذا ولكن يقرب جدا : ان يكون المنظور في الاخبار النهي عن الشهادة استنادا إلى التخمين والحدس الظني الّذي كثيرا ما يستند إليه المخبرون ، ولا نظر لها إلى اعتبار العلم بالمخبر به ، كما لا يخفى على من لاحظها والأمر هيّن.

وأما الناحية الثانية ـ وهي كيفية أخذه وانه بنحو الصفتية أو الطريقية ، فالكلام فيها يبتني على القول بإمكان أخذ العلم موضوعا بأحد النحوين.

أما من لا يرى إمكان أخذه بنحو الصفتية وانحصاره في جهة الطريقية ، فهو في سعة عن الكلام فيها.

وذلك كالمحقق الأصفهاني قدس‌سره ، فانه أفاده في تقريب ذلك بان : أخذ العلم في الموضوع معناه أخذه بميزاته عن الصفات الأخرى.

فالملحوظ فيه هو الجهة المميزة له عن غيره ، وإلاّ فلو أخذ بلحاظ بعض الجهات المشتركة بينه وبين غيره ، لا يكون أخذا له في الموضوع ، بل أخذا للجامع المشترك بينه وبين غيره.

ولا يخفى ان الجهة المميزة للعلم التي هي بمنزلة الفصل له هي جهة الطريقية والكشف التام. فان بها يكون العلم علما ويكون مباينا للظن وغيره من الصفات. فمعنى أخذ العلم في الموضوع أخذه بهذه الجهة ، إذ لا جهة أخرى تميزه عن باقي الصفات.

٥١

وقد تقدم منا في مباحث القطع : ان هذا التقريب غير مانع من إمكان أخذ العلم بأحد النحوين.

ومحصل ما ذكرناه هناك : ان العلم وان كان فيه جهة واحدة هي المميزة له عن سائر الصفات النفسيّة وبها صار علما ، وهي جهة الطريقية والكشف التام.

إلا ان هذه الجهة تارة : يترتب عليها الأثر بما هي هي ومع غض النّظر عن الواقع المرآتي بها والمنكشف بواسطتها. وأخرى يكون الأثر مترتبا عليها بلحاظ الواقع المنكشف بها. فالانكشاف في كلا الموردين موضوع للأثر ، لكنه بنفسه وبلحاظ ذاته يكون كذلك في مورد وبلحاظ الواقع المنكشف به يكون كذلك في المورد الآخر.

وعليه ، فأخذ العلم في الموضوع بما هو صفة خاصة معناه أخذ الجهة المميزة له بنفسها وبما هي. وأخذه بما هو طريق هو لحاظ الجهة المميزة فيه باعتبار كشفها عن الواقع ، فكأن الواقع هو الملحوظ فيه وان كان العلم هو الموضوع حقيقة.

وإذا اتضح إمكان تصور أخذ العلم بهذين النحوين ولو كان المميز للعلم جهة واحدة ، فلا بد من تعيين انه على أي النحوين قد أخذ موضوعا لجواز الشهادة.

والّذي يظهر من مساق الروايات الواردة في اعتبار العلم في موضوع جواز الشهادة هو أخذه بنحو الطريقية. فان الظاهر منها كون المنظور هو حفظ الواقع عن التغيير والتبديل ، وان أخذ العلم انما هو للمحافظة على حقوق الناس وان الشهادة لا بد ان تكون على أساس ومستند ولا تكون مجازفة في القول وتهور كي تحفظ الحقوق عن الضياع.

وأما الناحية الثالثة ـ وهي قيام الطرق مقام القطع الموضوعي ـ : فهو انما يتحقق بناء على القول بان دليل الأمارة يتكفل تنزيلها منزلة العلم ، لما تقدم من التمسك بإطلاق دليل التنزيل في ترتيب جميع آثار العلم عليها. لكنك عرفت عدم ثبوت التنزيل المذكور لعدم وفاء الأدلة به. خصوصا في مثل اليد التي لا يعرف انها

٥٢

أمارة أو أصل ، فكيف يستطاع ان يشخص مفاد دليلها على احتمال كونها إمارة؟ فلاحظ.

أما على الأقوال الأخرى في ما يتكفله دليلها ، فلا تقوم مقام القطع المأخوذ في الموضوع.

أما على ما ذكره الشيخ ـ واخترناه أخيرا ـ من تكفل دليلها تنزيل المؤدى منزلة الواقع (١) ، فعدم القيام واضح ويتلخص وجهه بما بينه صاحب الكفاية قدس‌سره في أوائل مباحث القطع في مقام الإيراد على الشيخ من : ان دليل الاعتبار إذا كان متكفلا لتنزيل المؤدى منزلة الواقع ، فالملحوظ فيه استقلالا هو المؤدى والواقع ، والأمارة والقطع ملحوظان في هذا التنزيل باللحاظ الآلي المرآتي. وقيام الأمارة مقام القطع الموضوعي يستدعي لحاظ الأمارة والقطع بالاستقلال في دليل التنزيل ، فلا يمكن ان يتكفل دليل الأمارة لتنزيل المؤدى منزلة الواقع وتنزيل الأمارة منزلة العلم ، لاستلزامه اجتماع لحاظين أحدهما آلي والآخر استقلالي وهو ممتنع (٢).

وأما على ما ذهب إليه المحقق الخراسانيّ من جعل المنجزية والمعذرية. فقد يتوهم قيامها مقامه باعتبار كون الدليل يتكفل تنزيلها منزلة العلم في ذلك.

ولكنه غير صحيح لوجهين :

الأول : ان جعل المنجزية والمعذرية يقتضي لحاظ الواقع بالاستقلال ، لأن مفاده ان الواقع يتنجز بالأمارة ، فقيامها ـ حينئذ ـ مقام القطع الموضوعي يقتضي لحاظ نفس الأمارة بالاستقلال ، فيلزم اجتماع اللحاظين.

__________________

(١) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٤ ـ الطبعة القديمية.

(٢) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٢٦٤ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٥٣

الثاني : ان دليل التنزيل هاهنا ليس لفظيا ذا إطلاق كي يتمسك به في ترتيب جميع الآثار ، إذ هو منتزع عن ترتيب أثر خاص للعلم وهو المنجزية والمعذرية على الأمارة ، فيؤخذ بالقدر المتيقن ، وهو التنزيل بلحاظ هذا الأثر الخاصّ لا بلحاظ جميع الآثار ـ كما مر ذلك في بيان حكومة الأمارة على الاستصحاب ـ

وأما على المختار سابقا من كون دليل الأمارة يتكفل اعتبارها علما وجعلها كذلك ، المعبر عنه بجعل الوسطية في الإثبات وتتميم الكشف ـ كما عليه المحقق النائيني (١) ـ فلأن دليل الاعتبار انما يقتضي ترتيب آثار العلم الموضوعي عليها فيما إذا لم يكن للأمارة بهذا الاعتبار أثر خارجي لا يوجب تصرفا بدليل ، فانه يحكم حينئذ بدلالة الاقتضاء ، بان موضوع الحكم في ذلك الدليل الظاهر في الفرد الحقيقي أعم من الفرد الحقيقي والاعتباري ، كي يترتب الأثر على هذا الفرد المعتبر ، وإلا لكان الاعتبار لغوا.

والمفروض ان للأمارة بهذا الدليل القائم على اعتبارها علما أثرا يترتب عليها ، وهو المنجزية والمعذرية ، لأن موضوعها أعم من العلم الحقيقي الوجداني والعلم الاعتباري.

فلا تتم دلالة الاقتضاء بالنسبة إلى الآثار الأخرى ، لعدم لغوية الاعتبار الترتب أثر عليه بلا تصرف تقتضيه دلالة الاقتضاء ، كما لا يصح التمسك بإطلاق دليل الاعتبار لاحتياجه إلى مئونة زائدة ، وهي التصرف في موضوع الآثار وجعله أعم من الفرد الحقيقي والاعتباري ـ وقد تقدم بيان ذلك في حكومة الأمارة على الاستصحاب فراجع ـ

هذا ، ولكن لصاحب المستند قدس‌سره تقريبا لوفاء الأمارة بتحقق موضوع جواز الشهادة ، على الأقوال الأخرى في الأمارة.

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٢ ـ ٧ ـ الطبعة الأولى.

٥٤

وقد ذكره المحقق الأصفهاني قدس‌سره في رسالته في اليد. وحاصله : ان الملكية ليست من الموضوعات الواقعية كي يكون مرجع التعبد بها إلى التعبد بحكمها ، فهي لا تكون معلومة بل المعلوم حكمها. وانما هي من الأحكام الاعتبارية المجعولة أو الأمور الانتزاعية المنتزعة عن الأحكام الشرعية ـ كما عليه الشيخ ـ

وعليه ، فعند قيام الأمارة على الملكية تثبت هناك ملكية ظاهرية إما اعتبارية أو انتزاعية ، ويتعلق بها العلم الوجداني ، فتصح الشهادة بالملكية لتحقق موضوعها حقيقة تكوينا ببركة الأمارة.

أما تحقق الملكية الظاهرية بقيام الأمارة ، فهو بناء على جعل المؤدى واضح ، لأن المفروض ان المجعول حكم ظاهري وهو الملكية أو ما ينتزع عنه الملكية من الأحكام الموجب لثبوتها في مرحلة الظاهر (١).

ولكنه قد لا يتضح بناء على جعل المنجزية أو جعل الوسطية في الإثبات ، لأجل انها على هذين البناءين أجنبية عن ثبوت حكم ظاهري بها.

إلا أنه يمكن تصويره على هذين البناءين. بأنه عند قيام الأمارة ، ففي مقام العمل والوظيفة العملية تترتب آثار الملكية الواقعية ، فللملكية نحو ثبوت ، وهو معنى الملكية الظاهرية.

نعم ، يبقى في المقام شيء ، وهو : ان مصب الدعوى هو الملكية الواقعية والثابت بالأمارة المعلوم بالعلم الوجداني ، هو الملكية الظاهرية ، فما هو المعلوم الّذي تصح الشهادة به غير مصب الدعوى ، فلا يجدي ما ذكر من التقريب.

ولكنه قدس‌سره أجاب عنه : بأنه لما كان إحراز الملكية الواقعية صعبا جدا بل غير ميسور عادة ـ لأن ثبوت ملكية الشخص انما تكون بأسبابها ، والحكم بملكية الأسباب وصحتها انما يكون بإجراء الأصول والقواعد الظاهرية ـ كان

__________________

(١) أصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٣ ـ ٣٤٠ ـ الطبعة الأولى.

٥٥

المدار في الدعاوي والنزاعات ثبوت الملكية الفعلية المتحققة بحسب الأدلة والقواعد الشرعية المتعارفة ، لا على الملكية الواقعية. والملكية الفعلية ثابتة بالأمارة ـ كما عرفت ـ وهي معلومة بالعلم الوجداني فتصح الشهادة بها.

وقد حكى المحقق الأصفهاني عن المحقق في الشرائع (١) ، كلاما لمنع الشهادة بمقتضى اليد مضمونه : انه لو أوجبت اليد الملك لم تسمع دعوى من يقول الدار التي في يد هذا لي ، كما لا تسمع لو قال ملك هذا لي. انتهى. وقد استظهر منه المحقق الأصفهاني انه في مقام إنكار ثبوت الملكية باليد ، وإلاّ لكان الاعتراف بها مساوقا للاعتراف بالملكية ، فيكون كالاعتراف بالملكية في عدم سماع دعوى المعترف حينئذ.

فحكم بسخافته ـ وهو عجيب منه جدا لما عرف منه من التحفظ على الموازين العرفية والآداب العقلائية في تعبيراته بالنسبة إلى من هو أصغر من المحقق الحلي شأنا وأقصر باعا ـ.

وأورد عليه بوجهين :

الأول : انه إنكار لحجية اليد على الملكية مع انه مسلم ومحل الكلام غير هذا ، فانه جواز الشهادة بمقتضى اليد بعد الفراغ عن حجيتها ، لا كونها توجب الملكية.

الثاني : ان الفرق بين الدعويين موجود ، حيث ان الأولى تتضمن الإقرار بالسبب ـ لأن معنى كون اليد حجة كونها طريقا وسببا ظاهريا للملكية وهو يقبل الفساد ـ وهو لا يكون منافيا ومكذبا لدعواه بملاحظة المناقشة في شرائطه ، كما إذا قال هذا الّذي اشتراه زيد من عمر ـ وهو لي فانه يجامع فساد الشراء ، بخلاف الثانية ، فانها تتضمن الإقرار بملك المدعى عليه ، وهو مناف لدعواه الملك ، فلا يقبل

__________________

(١) المحقق الحلي جعفر بن الحسن. شرائع الإسلام ـ ٣٣٩ ـ الطبعة القديمة.

٥٦

منه كما لا يخفى (١).

ولكن الّذي يظهر من كلام المحقق الحلي انه ليس في مقام إنكار حجية اليد على الملكية الّذي هو خارج عن محل الكلام. بل هو في مقام إنكار حجية اليد على الملكية التي هي موضوع التخاصم والنزاع ومحل النفي والإثبات ـ كي تجوز الشهادة بالملك استنادا إليها ـ في فرض تمامية شروط حجية اليد على الملكية من جهل العنوان والقابلية وغيرهما.

فمراده : ان هذه اليد المفروض كونها حجة على الملكية الظاهرية في المقام لو كانت موجبة للملك الّذي هو محل النزاع وموضوع الخصام ، لكان الاعتراف بها اعترافا بالملكية المتنازع فيها ، فمقتضى القاعدة عدم سماع دعوى المعترف حينئذ ، لأنه أقر لذي اليد بما يدعيه ، فيكون كإقراره الصريح بملكية المدعى عليه في عدم سماع دعواه حينئذ.

فاليد وان كانت تفيد ملكية ذيها ، لكن الملكية الثابتة بها لا تنفع في خصم الدعوى ، والإقرار بها ضمنا لا يجدي المدعى عليه نفعا أصلا.

وبعبارة مجملة : المراد كون الملكية التي هي موضوع الدعوى غير الملكية الثابتة بمقتضى اليد ، وإلاّ لكان الإقرار باليد موجبا لعدم سماع دعوى المعترف واللازم منتف.

وعليه ، فلا مورد للإشكالين المذكورين عليه ، لأنه ليس في مقام إنكار أصل حجية اليد على الملكية ، بل كلامه لا ينافي حجيتها عليها ، وان الثابت بها ملكية ظاهرية ولكنها لا تنفع.

كما انه لا فرق بين الدعويين ـ من جهة ان الاعتراف في إحداهما بالسبب وهو يقبل الفساد ـ إذ ليس المراد ان إيجاب اليد الملكية الظاهرية موجب لعدم

__________________

(١) الأصفهاني الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٣ ـ ٣٤١ ـ الطبعة الأولى.

٥٧

سماع الدعوى بالإقرار ، كي يقال : إن الإقرار هاهنا بالسبب بذاته وهو يقبل الفساد لا بالسبب بما هو سبب ، إذ المفروض كون الإقرار بالسبب بما هو سبب ، هو العلة التامة لثبوت الملكية ظاهرا الّذي هو محل الكلام في جواز الاستناد إليه في الشهادة ولا جوازه.

بل المراد ان الملكية الثابتة باليد ان كانت هي الملكية التي تكون موضوع الدعوى ومصبها بالإقرار بها لزم ما هو منتف ، وهو عدم سماع دعوى المعترف بها لأن إقراره يكون مكذبا لدعواه ، فلا بد ان تكون ملكية أخرى غير ما هي مصب الدعوى.

وبهذا التوجيه لكلام المحقق لا يتوجه عليه شيء أصلا ، إلا ما قد يقال ـ كما عرفت من كلام صاحب المستند ـ من : ان موضوع الدعاوي ليس إلا الملكية الظاهرية لعدم ثبوت الملكية الواقعية خارجا ، لأن إحراز الملكية بأسبابها انما يكون بتوسط الأصول والطرق ، فالثابت هو الملكية الظاهرية واليد تثبتها.

فيأتي الإشكال وهو : لزوم عدم سماع الدعوى بالإقرار بها مع انه يناقش فيه. فلا بد من رجوع كلامه إلى نفي حجية اليد على الملكية بالمرة لا نفي حجيتها على الملكية التي تكون موضوع الخصام لعدم تماميته حينئذ.

ولكن يمكن التخلص عنه : بان الطرق والأصول الجارية في إثبات الملكية ليست كلها في عرض واحد ، بل هي طولية ، لأن بعضها يجري في أصل السبب كأصالة القصد الجارية عند الشك في تحقق قصد الإنشاء في البيع ، واليد الجارية عند الشك في ملكية البائع وغيرهما. وبذلك تتحقق الملكية من ناحية السبب. ثم الدليل على هذه الملكية انما هو اليد والبينة والاستصحاب وشبهها ، والملكية الثابتة بهذه الطرق كلها ظاهرية وليست واقعية. فعند دعوى المدعى ملكية المال وإقراره باليد يعلم منه بقرينة الإقرار باليد بان موضوع دعواه ليست الملكية الظاهرية مطلقا ولو كانت الثابتة باليد ـ لأنه تكذيب لدعواه ـ ، بل الملكية الظاهرية التي تكون في

٥٨

مرحلة سابقة على اليد وفي مرتبة الأصول في السبب ـ مثلا ـ وكذلك لو لم يقر باليد ولكن كانت اليد معلومة له.

وعليه ، فموضوع الدعوى غير الملكية الثابتة باليد ، فيشكل جواز الشهادة استنادا إلى اليد ، لأن المشهود به غير مصب الدعوى. فلا إشكال على المحقق في كلامه.

نعم ، في صورة عدم إقراره باليد وعدم وضوحها له ، لا مانع من جواز الشهادة لمن يعلم باليد. لأن دعواه انما هي الملكية الظاهرية مطلقا ـ ان لا قرينة على إرادة الملكية الظاهرية في المرحلة السابقة على اليد ـ وهي معلومة بالوجدان بمقتضى اليد ، فتجوز الشهادة بها.

فالمتحصل : انه لا بد من التفصيل بين صورة الإقرار باليد أو العلم بها وصورة عدمها. ففي الأولى لا تجوز الشهادة بمقتضى اليد ، لأن المشهود به غير مصب الدعوى. وفي الثانية لا مانع منها لاتحاد مصب الدعوى مع المشهود به. فالتفت وتدبر.

وأما الاستدلال على جواز الشهادة بمقتضى اليد برواية حفص بن غياث المتقدمة في أدلة حجية اليد ورواية معاوية بن وهب التي ذكرها في الوسائل مستشهدا بها على جواز الشهادة بمقتضى الاستصحاب ، ففيه منع :

أما رواية حفص ، فهي مضافا إلى ما تقدم من مناقشة دلالتها على حجية اليد على الملكية ضعيفة السند لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات الحكم.

وأما رواية ابن وهب ، فهي غير دالة على المطلوب ، لأن ظاهر السؤال فيها ان الشخص يرى استحقاق الورثة للمال بمقتضى الموازين الظاهرية ، لكن القاضي لا يعمل بذلك تعنتا بل متوقف على الشهادة ، كما هو ظاهر قوله : « ولا تقسم » ، فسأل الإمام عليه‌السلام عن جواز الشهادة في مثل ذلك لأجل إيصال الحق إلى أصحابه.

٥٩

فالحكم بجواز الشهادة هنا لا يستلزم صحة الشهادة في كل مورد حتى المورد الّذي يتوقف ثبوت الحق ظاهرا على الشهادة ، إذ الحق في مورد الرواية ثابت ظاهرا مع قطع النّظر عن الشهادة لعدم المدعي في مقابل الورثة المعلومين ، فانتبه ولا تغفل.

الجهة الثامنة : في الأيدي المتعددة على العين الواحدة.

لا شبهة ولا إشكال في الحكم بالملكية المشتركة المشاعة عند تعدد الأيدي عن العين الواحدة.

إلا ان الإشكال في ان الحكم بالملكية المشاعة هل هو من جهة تحقق اليد على الحصة المشاعة أو من جهة أخرى ، فالبحث علمي صرف ، وهو يقع في جهات ثلاث :

الجهة الأولى : في إمكان تحقق الاستيلاء واليد على الحصة المشاعة.

الجهة الثانية : في وجود ما يدل على تحققها عليها فيما نحن فيه بعد الفراغ عن إمكان الاستيلاء ثبوتا.

الجهة الثالثة : في جهة الحكم بالملكية المشاعة على القول بعدم تحقق الاستيلاء على الحصة المشاعة ثبوتا أو إثباتا.

أما الجهة الأولى وهو ـ مقام الثبوت ـ فتحقيق الكلام فيه يتوقف على بيان المحتملات في معنى ملكية المشاع ومعنى الاستيلاء الّذي هو معنى اليد.

أما ملكية المشاع ، فقد قيل ـ كما هو المختار ـ بأنها ملكية واحدة طرفها متعدد ، وهو طرف المالك. فأحد طرفي العلقة الملكية مشدود بالمال والآخر مشدود بذوي الأيدي ، فكل فرد له انتساب إلى هذه الملكية ، بحيث تترتب آثار الملكية المستقلة عند انضمام الجميع.

وقيل بأنها ملكيات متعددة بتعدد الحصص ، فكل فرد له ملكية مستقلة لحصته الخاصة به. وهذه الملكيات المتعددة ..

٦٠